كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 17

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في محرره:

وعن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تغوّط الرجلان فليتوارَ كل واحدٍ منهما عن صاحبه، ولا يتحدثان على طوفيهما، فإن الله يمقت على ذلك»، أخرجه ابن السكن وقال ابن قطَّان: هو حديث صحيح، ومحمد بن عبد الرحمن ثقة، والطَّوْف الغائط، قاله الجوهري."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-:

"وعن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر" أقول: جرت العادة عند مؤلفي المختصرات أن يقتصروا على الصحابي، وهذا هو الكثير الغالب، حتى في هذا الكتاب، وقد يحتاجون إلى ذكر التابعي، فالحديث الذي قبل هذا الحديث: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، والثاني الذي يليه عن حميد بن عبد الرحمن قال: وهو تابعي، والثالث وهو حديثنا "عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر" لا يذكرون من دون الصحابي إلا لنكتة، فإذا لم يكن لذكر التابعي فائدة فإنهم لا يذكرونه؛ لأن هذه المختصرات إنما أُلِّفَت لتُحفَظ، فتجرد عما لا يحتاج إليه الطالب.

 ففي حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا اللاعنين»، هنا لا نحتاج إلى التابعي، لكن في الحديث الذي يليه: عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلاً صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحبه أبو هريرة، يعني لو اقتصر المؤلف فقال: عن رجل صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صحبه أبو هريرة لظُنَّ أنه من كلام المؤلِّف، لا من كلام التابعي، ونحتاج إلى كلام التابعي في قوله: كما صحبه أبو هريرة، أولاً إبهام الصحابي لا يضر، لقيت رجلاً صحب النبي لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، لكن قول التابعي: كما صحبه أبو هريرة؛ ليبين أنه متأكِّد من صحبته، وأن صحبته للنبي -عليه الصلاة والسلام- قد طالت، كما صحبه أبو هريرة، فهو حري وجدير وخليق بأن يضبط هذا الخبر كما ضبط أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان متأخر الإسلام، فنحتاج إلى ذكر التابعي هنا.

 لكن هنا في حديث الباب: عن يحيى بن أبي كثير، ماذا نستفيد من قول المؤلف: عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله؟ يعني لو قال مباشرة: عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تغوَّط الرجلان» متن الحديث لا يحتاج إلى ذكر من دون الصحابي، إنما ذُكر من دون الصحابي ذكره المؤلف؛ للاختلاف، للاختلاف في راويه ومن دون الصحابي؛ لأنه يريد أن يتحدث عنه بعد سياق الخبر؛ لأنه لو قال: عن جابر بن عبد الله، عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال.. عنهما؛ لأنه قال: عنه عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تغوط الرجلان» ثم قال بعد ذلك: "قال ابن قطان: هو حديث صحيح، ومحمد بن عبد الرحمن ثقة"، من محمد بن عبد الرحمن؟ لكنه محمد بن عبد الرحمن الذي ذكر في السند، إذًا لماذا ذُكر يحيى بن أبي كثير، لماذا ذُكر يحيى بن أبي كثير؟ لو اقتصر على قوله: محمد بن عبد الرحمن كما في قوله في الحديث الذي قبله: عن حميد بن عبد الرحمن قال: لقيت، وهنا لو قال: عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر.

طالب: لأنه تلميذه.

كل الأسانيد شيوخ وتلاميذ، كل الأسانيد بدون استثناء شيوخ وتلاميذ؛ للتمييز بين محمد بن عبد الرحمن قد يقول قائل: لماذا لا يكون محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثلاً أو غيره؟ التابعي انتهينا منه، محمد بن عبد الرحمن؛ ليتحدث عنه المؤلف؛ لأنه عقّب فيما بعد فقال: وقال ابن قطان: هو حديث صحيح، ومحمد بن عبد الرحمن ثقة، قلنا: ذكر التابعي لهذه الفائدة، وذكر من روى عنه، يعني هل يحيى بن أبي كثير ممن عرف أنه لا يروي إلا عن ثقة؟ عن جمع من الرواة، لكن هل هذا منهم يحيى بن أبي كثير؛ ليقوي به رواية محمد بن عبد الرحمن؟

 أولاً يحيى بن أبي كثير يرويه هكذا، يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر، ويرويه أيضًا عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد، وحُكم على الطريق الثاني بأنه ضعيف، وهم يحيى بن أبي كثير يرويه عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد، ومن أهل العلم من يصحح الطريقين، لا مانع أن يروى الحديث بطريقين، وهو أفضل من توهيم الرواة عند جمع من أهل العلم؛ لأن من أهل العلم مَن يجبن عن الحكم على الخبر بأنه خطأ أو وهم؛ صيانة للرواة الثقات الأثبات عن هذا الوصف، ومنهم من يجرؤ، لا يتردد في أن يبين أنه خطأ، والجرأة في موضعها محمودة، والجبن في موضعه محمود، فالجرأة من الأئمة الحفاظ الكبار محمودة، الذين لا يترددون في الحكم على الراوي بأنه أخطأ، ويعرفون خطأه بجمع الطرق، وحديث الباب، وأحاديث الراوي، وأن هذا الراوي يليق به هذا المروي، أو لا يليق به، لكن من دونهم ممن يتصدى للتصحيح والتضعيف جرأته أحيانًا غير محمودة، بل الجبن بالنسبة له أفضل؛ لأنه إذا جبن ولم يحكم وقصَّر في الحكم أفضل من كونه يحكم بخطأ، أفضل من كونه يحكم بخطأ.

 وعلى كل حال الأئمة فعلوا هذا، حكموا على الرواة، بل بعضهم ثقات أثبات بأنهم أخطؤوا، والخطأ والوهم يحصل من الرواة، وإن كانوا ثقات أثباتًا، وقد حكموا على مالك بأنه وهِم في بعض الأحاديث، في بعض الألفاظ، في بعض الأسماء، وهو يبقى الإمام مالك نجم السنن، وإن أخطأ، وإن وهِم؛ لأن الخطأ إذا كان مغمورًا في بحار الصواب فإنه لا يؤثِّر، بخلاف ما إذا كثر في رواية الراوي، فإنه حينئذ يكون مؤثِّرًا.

 "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تغوّط الرجلان»" إذا شرطية، ولذا اقترن جوابها بالفاء، «إذا تغوط الرجلان فليتوارَ»، لكن ما عملها في مدخولها؟ تعمل أم ما تعمل؟ تجزم؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

مثل إيش؟

طالب: ..........

نعم، هي لا تؤثر في مدخولها من حيث اللفظ، هذا هو المقرر، كونه يخرج على هذه القاعدة ما جاء عن العرب في شعر، والشعر له أحكامه، وله ضروراته، لكن الجادة عند أهل العلم أنها لا أثر لها في مدخولها من حيث اللفظ، وإن كان تأثيرها من حيث المعنى واضحًا، بخلاف إن، بخلاف إن، فهي مؤثِّرة في مدخولها لفظًا، وتأثيرها في مدخولها معنى ضعيف، ولذا يقول الناظم:

أنا إن شككت وجدتموني جازما

 

وإذا جزمت فإنني لم أجزم

ما معنى هذا الكلام؟ أنا إن شككت من حيث المعنى وجدتموني جازمًا في اللفظ، وهذا بالنسبة لإن، وإذا جزمت من حيث المعنى فإنني لم أجزم الفعل، «إذا تغوَّط» تغوَّط فعل ماضٍ، وذكرنا مرارًا أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ منه، وهذا هو الأصل؛ لأنه ما سمي ماضيًا إلا لأنه قد فرغ منه في الزمن الماضي فعل، معنى هذا الحديث إذا تغوط الرجلان وانتهيا من فعلهما ليتوارَ كل واحد عن صاحبه؟

طالب: ..........

لا، هو ماضٍ، يبقى ماضيًا يبقى ماضيًا لكن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، وهذا هو الأصل فيه، ويطلق أيضًا ويراد به الشروع في الفعل، الشروع في الفعل، يعني «إذا ركع فاركعوا»، هل معنى هذا إذا فرغ من الركوع اركعوا، أو إذا أراد الركوع فاركعوا؟

طالب:.........

 لا، إذا شرع يطلق أيضًا الماضي ويراد به الإرادة، إرادة الفعل {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ} [سورة الإسراء:45]، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة:6] يعني إذا أردتم، وهنا إذا أراد الرجلان أن يتغوطا فليتوارَ، لماذا لا يقال: إن المراد به هنا الشروع مادام تعذر حمله على حقيقته فلماذا لا نقول: المراد به الشروع؟ لا، هو يراد الطلب، طلب التواري قبل الشروع، فلم يبق إلا الحمل على إرادة الفعل، إذا أراد الرجلان أن يتغوطا فليتوارَ، ومعروف أن المراد بمثل هذا المقاربة للفعل وإلا فالإرادة المتقدمة البعيدة عن الفعل وإن وجدت الإرادة، يعني أردت أن تقرأ القرآن مثلاً، ذهبت إلى المسجد قبل الصلاة تقول: إذا صليت أجلس بعد الصلاة، أقرأ قرآنًا، أنت أردت أن تقرأ القرآن، هذه الإرادة البعيدة عن الفعل، يلزم منها تحقق الفعل، نقول: استعذ بالله من إرادتك، ولو كانت الإرادة يفصل بينها وبين الفعل الصلاة؟

 لا، الإرادة المقارنة للفعل «إذا تغوط»، والغائط معروف، وهو ما يخرج من دبر الإنسان مما ينقض الوضوء، والأصل فيه المكان المطمئن، ثم أُطلق على ما يوضع فيه؛ لأن المكان المطمئن المنخفض يقصد عند إرادة الغائط، الأصل فيه هو المكان، ثم أطلق على ما يوضع فيه من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، «إذا تغوط الرجلان» الرجلان، طيب والثلاثة.

طالب: ..........

من باب أولى، والمرأتان كذلك، فإطلاق الرجل من باب الحكم بأن بدخول النساء فيما يخاطب به الرجال لأنهن شقائق الرجال إلا ما ورد تخصيصه تخصيص النساء به فالأحكام التي تقال بصدد الرجال تشمل النساء إلا ما دل الدليل على اختصاصهن به الرجلان والرجل يطلق ويراد به الذكر البالغ وفي حكمه الأطفال من باب التأديب من باب التأديب لا من باب التأثيم «إذا تغوط الرجلان فليتوارَ» الفاء هذه واقعة في جواب إيش؟ الشرط واللام لام لام الأمر يتوارى يستتر ويحفظ عورته عن صاحبه «فليتوارَ» اللام لام الأمر والمضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلة.

 «كل واحد منهما عن صاحبه» كل واحد من الرجلين عن صاحبه يستتر كل واحد منهما عن صاحبه؛ لأنه لا يجوز لأحد أن ينظر إلى عورة أحد إلا الزوجة وما ملكت اليمين فقط، إلا الزوجة وما ملكت اليمين، يحتاج كثير من الناس، من مرضى أو من كبار، لا يستطيعون خدمة أنفسهم، إلى خدمة، وتتطلب هذه الخدمة رؤية العورة، أو مس العورة أحيانًا، فهل للولد الذكر أن يتولى أباه؟

وهل للبنت أن تتولى أمها؟ الضرورات لها أحكامها، الضرورات لها أحكامها، وإذا لم يوجَد ولد ذكر، فهل للبنت أن تتولى أباها؟ وهل للولد أن يتولى أمه؟

 على كل حال هذا الأمر مبني على التضييق، لكن الضرورات لها أحكامها، فإذا أمكن ذلك بسبب مباح لم يعدل عنه إلى غيره، لكن إذا اضطر الإنسان إلى ذلك مع تقليل ما مُنِع بقدر الإمكان أو من وراء حائل، ولو أدى ذلك إلى تغميض العينين أو ما أشبه ذلك، المقصود أن مثل هذا يقتصر منه على حال الضرورة القصوى؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يكشف على عورة أحد.

 لكن الطبيب المعالِج قالوا: له أن يرى من العورات ما يُحتاج إليه، وهذا أيضًا حاجة، والحاجة تقدر بقدرها، ولا يتوسع في ذلك. ففي مجال الطب نجد التوسع في مثل هذا، والنظر إلى العورات واللمس أيضًا بدون تحفظ، ومع الأسف أنه يوجد من نساء لرجال مع وجود الرجال، والعكس، وبعض النساء تعمد إلى طبيب رجل؛ لعدم ثقتها بالنساء، تقول: إن الرجال أعرف بهذه المهنة، هذا ليس بصحيح، هذا من تلبيس الشيطان، فإذا وجدت امرأة تقوم مقامها فلا يجوز للرجال حينئذ أن يتولوا معالجة النساء، ولا مباشرة أجسادهن، وقل مثل هذا في العكس، وجاء الأمر بحفظ العورات والتشديد في أمرها؛ «فليتوارَ كل واحد منهما عن صاحبه».

 الفقهاء يقولون: ولطبيب مسلم، ويراد به الثقة، الذي يلتزم أحكام الشرع، أما المسلم الذي لا يكترث، ولا يهتم، مثل هذا لا يسوغ له مثل هذا الحكم، ولطبيب مسلم نظر ولمس ما تدعو إليه الحاجة، حتى الفرج وباطنه إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

 نفترض أن المسألة مسألة عملية ناسور أو باسور ماذا تفعل؟ لا بد من هذا، هذا تدعو إليه الحاجة، ومثل ما ذكرنا أنه إذا أمكن تطبيب الرجل من قبل الرجال فلا يجوز للنساء أن تتولاه، والعكس، وأحيانًا يؤتى بفريق لا داعي لهم، إما من باب التعليم يأتي الطبيب بطلابه، ويطلعهم على شيء مما يجب حفظه، فمثل هذا لو اكتُفي فيه بشيء من التصوير أو شبهه مما يقوم مقام المباشرة المحرمة، التصوير حرام، والرؤية إليه لا تجوز، لكن يبقى أنه أخف من نظر العورات الحقيقية، فمثل هذا يجب أن يحتاط له بقدر الإمكان، وعلى الأطباء كفل من هذا الأمر، وعليهم مسؤولية عظيمة في هذا الباب، ونراهم من كثرة الإمساس قل إحساسهم، فكثير منهم يطلع بحاجة ولغير حاجة، وأول ما يأتي المريض والعملية بعد أسبوع تحاليل وفحوصات والعملية بعد أسبوع يخلعون ثيابه، ما الداعي لهذا؟

يعني إن كانت ثيابه غير معقمة يعطى من الثياب نظير ما كان يلبسه مما يستتر به من المعقَّم، إذا كانوا يتذرعون بهذا؛ لأن أصول هذه الأمور جاءتنا من أناس لا يتدينون بدين، فاستصحبناها تبعا لهم، ونحن لنا ديننا، ونحن لنا شرعنا الذي يلزمنا بهذه اللوازم.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

التشريح تشريح الجثث.

أولاً إذا وجد غير مسلم فلا، وجد تشريح المسلم؛ لأن حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

نفس الشيء، حرمة الميت مثل الحي، وتغسيل الميت يكون من وراء حائل مع ستارة واحتياط، ما هي المسألة فوضى، ويبقى أن الضرورات لها أحكامها، والحاجات تقدر بقدرها، فليتوارَ كل منهما عن صاحبه، واللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، فعلى هذا إذا كانا بحيث يطلع كل واحد منهما على عورة صاحبه أثما، ارتكبا محرمًا.

 ليتوارَ إما بالبعد أو بما يسترهما من جدار ونحوه، ولو كان المكان ضيِّقًا ولا جدار فيه بأن يستدبر كل واحد منهما الآخر.

 «فليتوارَ كل واحد منهما عن صاحبه، ولا يتحدثان على طوفيهما» يعني لا يتكلمان على هذه الحالة، والطوف الغائط، الطوف تثنيته إيش؟ طُوْفَان، طُوْفَان، وليس المراد به الطُّوْفَان الذي هو السيل الكثير، لا، الطُّوْف الغائط، كما نص على ذلك الجوهري وغيره من أئمة اللغة، «ولا يتحدثان على طوفيهما»، يعني على حاجتهما.

 «فإن الله يمقت على ذلك» ما تقدم من الاستتار، ووجوب الاستتار، والسكوت أثناء قضاء الحاجة، كله واجب، وكشف العورات وإبداؤها المنصوص عليها في هذا الحديث، والكلام على الحاجة كل منهما محرم؛ لأن الله- جل وعلا- يمقت على ذلك، والمقت أشد البغض، أشد البغض، فهذه الأمور المذكورة في الحديث محرمة، ولا يتحدثان على ذلك، على طوفيهما، بعض العلماء يرى أن النهي عن الحديث على الحاجة؛ لئلا يسترسلا في الحديث، فيمكثا وقتًا طويلاً على حاجتهما، والعلماء يحرمون طول البقاء على الحاجة، يقولون: هذا مضر، المكث على الحاجة أكثر من قدر الحاجة لا شك أنه مضرّ، ولذا يذكرون التحريم في مثل هذا قد يقول قائل: أنا لا أتحدث بمعنى أنني لا أتكلم مع أحد وأنا أقضي الحاجة، بعض الناس يُغلَب على أمره، يُغلَب على أمره، إما أن يظن أن أحدًا وقع أو سيقع في هلكة، فيتكلم من أجل إنقاذه، فهذا إذا جاز في الصلاة، فهنا من باب أولى.

 وبعض الناس لا يملك نفسه، ولا يصبر، وقد سُمِع من يرد على القارئ وهو على حاجته، ما يصبر، أخطأ الولد وهو يقرأ القرآن فرد عليه، وذُكر أمور يعني لا يحسن ذكرها في مثل هذا المكان، أمور من بعض التصرفات من بعض الناس تدل على ضعف في العقل.

 فإن الله يمقت على ذلك، عرفنا أن المقت أشد البغض، والله -جل وعلا- موصوف بالصفتين البغض والمقت، وكل منهما مما يليق بجلاله وعظمته؛ لأنه ثبتت به النصوص، فيُثبَت المقت ويُثبَت أيضًا البغض، على ما يليق بجلال الله وعظمته، على مقتضى مذهب أهل السنة والجماعة، وأما تأويل البغض أو المقت بإرادة الانتقام فهذا حيد عن إثبات الصفة، وميل عن منهج أهل السنة والجماعة، وهو تحريف للنص تحريفًا معنويًّا.

 "أخرجه ابن السكن في صحيحه" صحيح ابن السكن معروف عند أهل العلم، وهو من الصحاح المشهورة، "وقال ابن القطان: هو حديث صحيح" صححه ابن القطان، وصححه أيضًا ابن دقيق العيد.

 قال: "ومحمد بن عبد الرحمن ثقة" ابن قطان هو حديث صحيح، ومحمد بن عبد الرحمن ثقة، وابن القطان من هو؟ يحيى بن سعيد؟

طالب: الفاسي.

نعم، هو ابن القطان الفاسي صاحب بيان الوهم والإيهام، وهو إمام من أئمة الحديث، إمام معلِّل معتبر عند أهل العلم، وتصحيحه معمول به، ومثل كلام ابن القطان قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام.

 ينقل عن بعض الناس من غير المسلمين أنهم يستغلون قضاء الحاجة في قراءة الصحف، ويطيلون المكث على حاجاتهم، ويقرؤون الصحف وهم يقرؤون الحاجة وهذا أولاً بالنسبة لهم مع الكفر كل شيء يسهل ويهون، وأما المسلم فلا يجوز له أن يصنع شيئًا من ذلك، وإلا عرف عنهم، عرف عنهم استغلال مثل هذا الوقت بقراءة الصحف.

 يقول المؤلف: "والطُّوْف هو الغائط، قاله الجوهري" أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، إمام من أئمة اللغة، له كتاب صحاح اللغة وتاج العربية، أو تاج اللغة وصحاح العربية، من أنفس كتب اللغة، وهو من المصنفات المتقدمة، وحُفِظ عليه بعض الأوهام، لكن مثل هذا لا يسلم منه أحد، الوهم لا يسلم منه أحد، وهو كتاب معتبر، طالب العلم بحاجة إليه، وهو مطبوع مرارًا ومتداول، ويقول أهل العلم: إن فيه أربعين ألف مادَّة، أربعين ألف مادة، وفي القاموس كم؟

 ستين في القاموس، ستون ألفًا، وفي لسان العرب ثمانون ألفًا، وفي تاج العروس مائة وعشرون، مائة وعشرون ألف مادة.

طالب:.........

نعم.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما بالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أنزل عليه القرآن قائمًا، رواه أحمد وأبو عوانة في مسنده الصحيح بهذا اللفظ، وعند الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم نحوه، وقال الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب، وأصح.

 وعن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تبل قائمًا»، رواه ابن حبان، وقال: أخاف أن ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبرن وقد ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه بال قائمًا.

 وعن حذيفة بن اليمان قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا، ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ، متفق عليه، ولفظه للبخاري، وليس في مسلم: فدعا بماء فجئته بماء.

 وعن عاصم بن بهدلة وحماد بن أبي سليمان عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى على سباطة قوم فبال قائمًا، قال حمَّاد: ففحَّج رجليه، رواه أحمد، وهذا لفظه، وابن خزيمة في صحيحه، وأعله أحمد برواية منصور والأعمش عن أبي وائل عن حذيفة."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما بالَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أُنزل عليه القرآن، منذ أنزل عليه القرآن" هذا النفي من عائشة -رضي الله عنها- "ما بالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أنزل عليه القرآن"، وسيأتي في حديث حذيفة، وهو صحيح مخرَّج عند السبعة أنه -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا، هذا النفي منها أولاً يُفهم منه أنه كان قبل نزول القرآن يبول قائمًا، يعني قبل البعثة، قبل البعثة يبول قائمًا، وأُثر عن العرب أنهم كانوا يبولون من قيام لاسيما الرجال، وينتقدون من يبول جالسًا؛ لأنه يشبه النساء في هذا، هذا ذُكر عن العرب.

 "ما بالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أنزل عليه القرآن، رواه أحمد وأبو عوانة" على كل حال الحديث مصحَّح عند أهل العلم، وهذا النفي من عائشة على حد علمها، يعني ما رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يبول قائمًا، فنفت، ومن أثبت كحذيفة معه زيادة علم خفيت على غيره ممن نفى، والمثبِت مقدَّم على النافي؛ لأن معه زيادة علم.

 "ما بال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أنزل عليه القرآن، رواه أحمد وأبو عوانة في مسنده الصحيح بهذا اللفظ"، وصحيح أبي عوانة أصله مستخرَج، أصله مستخرَج وقد يقال: مسند أبي عوانة، ويقال: صحيح أبي عوانة، والمقصود به المستخرَج على صحيح مسلم، على صحيح مسلم، أبو عوانة على مسلم.

استخرجوا على الصحيح كأبي

 

عوانة ونحوه فاجتنب

عزوك ألفاظ المتون لهما

 

إذ خالفت لفظا ومعنى ربما

أصل الاستخراج عندهم أن يعمد حافظ من الحفاظ الذي يروي الأحاديث بأسانيده هو، فيعمد إلى كتاب من الكتب الأصلية المعتبرة كالصحيحين مثلاً، فيخرِّج أحاديث الكتاب بأسانيده هو، بأسانيده هو، وهنا أبو عوانة عمد إلى صحيح مسلم فخرَّج أحاديثه بأسانيده من غير طريق المؤلف، مع أنه قد يضيق عليه المخرج فيخرجه من طريق المؤلف، أو يتركه دون تخريج، أو يعلقه تعليقًا.

 أبو عوانة روى هذا القدر مما لم يخرِّجْه مسلم، وهذه من فوائد المستخرجات، هذه من فوائد المستخرجات أن فيها قدرًا زائدًا على ما في الكتب الأصلية من كلمات وجُمَل لا توجَد في الكتب الأصلية ،ولذا قال الحافظ العراقي:

....................

 

...............فاجتنب

عزوك ألفاظ المتون لهما

 

إذا خالفت لفظًا ومعنًى ربما

يعني لو قال قائل مثلاً: إن هذا الحديث خرجه أبو عوانة في مسنده المستخرج على صحيح مسلم، والأصل أن أبا عوانة يخرِّج أحاديث مسلم بأسانيده هو، فلماذا لا نعزو الخبر إلى مسلم؟ نقول: خطأ، حتى تقف على الحديث بنفسك في الكتاب الذي تريد العزو إليه.

....................

 

...............فاجتنب

عزوك ألفاظ المتون لهما

 

إذا خالفت............

وقعت المخالفة كما هنا، هذا لا يوجد في مسلم، فكيف تقول: أخرجه مسلم، فقد انتقد من عزا إلى الصحيحين مع رواية عنهما بواسطة المستخرجات.

والأصل يعني البيهقي ومن عزا

 

وليت إذ زاد الحميدي ميزا

البيهقي حينما يقول: خرجه البخاري يقصد أصل الحديث، أو أخرجه مسلم يريد أصل الحديث، لا يريد اللفظ، ليس بالضرورة أن يريد اللفظ الذي أورده، ومثل هذا في جامع الأصول لابن الأثير اعتمد على المستخرجات، وانتُقد في هذا إذ يرمز للحديث بأنه في البخاري وقد أخذه من المستخرج، أو إلى مسلم كذلك، وفي المستخرج من الزيادة والنقص في الألفاظ والمتون والأسانيد وصيغ الأداء ما لا يوجد في الأصول، فيجتنب العزو إلا لمن وقف على الكتاب الأصلي.

والأصل يعني البيهقي ومن  عزا

 

وليت إذ زاد الحميدي ميزا

الحميدي في جمعه بين الصحيحين زاد بعض الألفاظ على ما في الصحيحين من المستخرجات، وحينئذ تمنى الحافظ العراقي- رحمه الله- أن الحميدي ميز هذه الزيادات؛ ليكون طالب العلم على بصيرة، ومن نظر في واقع الكتاب وجده ميَّز- رحمه الله- قد يفوته ألفاظ، لكن في الأصل مَيَّز، والذي يوصَى به طالب العلم ألا يعتمد على غير الكتب الأصلية، لا يعتمد في أحاديث الكتب الستة على جامع الأصول مثلاً، أو من ينقل عن الأصول بواسطة؛ لأنه لا بد أن يقع الخلل في حفظه، بل يعتمد في البخاري على صحيح البخاري، مسلم على صحيح مسلم، السنن كذلك.

 إذًا قد يقول قائل: ما فائدة هذه المستخرجات؟ ما فائدة هذه الكتب التي جمعت لنا أكبر قدر من الأحاديث بجمعها بين الأصول؟

نقول: لها فوائد عظيمة، لكن لا يعني أنك تستوسط وتأخذ ما نقل عنها بوسائط، أنت تستفيد منها، لكن بعد مراجعة الأصول، وإذا ألزمناك، إذا أردت دراسة جامع الأصول أن ترجع إلى الأصول فرجوعك إلى الأصول مباشرة أيسر، وبإمكان كل طالب من طلاب العلم أن يستخرج جامعًا بنفسه، جامعًا من الكتب الأصلية، وهي موجودة ومخدومة، بنفسه، لا يستطيع، لا لا.. أقول: لا يعتمد على غيره لا في اختصار ولا في جمع ولا في تفريق، لا يعتمد على غيره؛ لأنه إذا اعتمد على غيره لا بد أن يقع الخطأ في كلام غيره، لا بد أن يقع السقط، تقع الزيادة، يقع سبق القلم، ثم يتحمل هذا الخطأ، يحذف هذا الذي اعتُمِد عليه ما يحتاجه طالب العلم؛ ظنًّا أنه ليس بحاجة إليه، قد يحذف، فعلى طالب العلم أن يرجع إلى الأصول بنفسه، ومع ذلك يستفيد من هذه الفروع، لا يعني أننا لا نستفيد من الفروع، نستفيد منها، وفيها فوائد زوائد، وفي المستخرجات نحو عشرين فائدة، نحو عشرين فائدة بيَّنها أهل العلم في كتب المصطلحن فهذه فائدة المستخرجات، وإن لم نعتمد عليها ونلغي الأصول.

 يقول: "رواه أحمد وأبو عوانة في مسنده الصحيح بهذا اللفظ" أبو عوانة، يشتهر بهذه الكنية اثنان أحدهما الوضاح بن عبد الله اليشكري، هذا هو؟ هو المقصود عندنا؟

طالب:.........

 لا، ذاك متقدِّم من شيوخ الأئمة، من شيوخ الأئمة متقدِّم، وأما هذا، فهو أبو عوانة الإسفراييني متأخِّر، كيف يُتصوَّر من أبي عونة الوضاح أن يجمع بين، أو يستخرج على مسلم من..

طالب: شيوخه.

نعم، ممن يروي عنهم مسلم، المقصود أن مثل هذا ينبه إليه، واسم أبي عوانة الوضَّاح بالحاء، وجاء في بعض الكتب، كتب التراجم التي طبعت قديمًا دون تحقيق سُئِل عن أبي عوانة قال: ذاك وضَّاع بالعين، وهي تصحيف، كأنه يريد أن يفرق بين هذا وهذا فقال: ذاك وضاح، يعني اسمه وضاح، فاستغلها بعض المفتونين فطعن في أبي عوانة، لكن لو رجع إلى المصادر الأخرى التي تنقل الكلام ما حصل مثل هذا اللبس، وهذا الذي نقل هذه الكلمة وجَيَّرها لما يعتقده ويلتزمه من مخالفات، وما يعمد إليه من تعصب مذهبي، يريد أن يرد به على خصومه بمثل هذه الكلمة التي فرح بها، وليس فيها مطمع ولا مفرح؛ لأنها مصحفة، والمصادر كلها تنقلها على الصحيح وضاح بالحاء.

 "بهذا اللفظ، وعند الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم نحوه" أهل الحديث يفرقون بين نحوه، ومثله، مثله إذا كان بحروفه وقد يقولون بلفظه أو بهذا اللفظ، كما هنا، وإذا قالوا: نحوه، فالمراد بمعناه.

من حدَّثكم أن محمدًا بالَ قائمًا فقد إيش؟ أعظم على الله الفرية هذا بمعناه مقتضاه نفي البول قائمًا.

 "وقال الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح، هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح" على كل حال الحديث قابل للتصحيح، قابل للتصحيح، وصححه جمع من أهل العلم، وليس البحث في حكمه؛ لأن المتجه تصحيحه، ويبقى أن النفي الذي اشتمل عليه هذا الحديث على حد علمها، وسبق الكلام فيه.

 "قال الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح" يعني ورد في الباب أحاديث باب الإثبات أو باب النفي؟ باب النفي؛ لأنه لا يمكن أن يقول الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب وفيه حديث حذيفة، إذا قلنا في الباب الذي هو البول قائمًا وعدمه فالإثبات فيه حديث حذيفة، وهو أصح ما في الباب مطلقًا.

 والمقصود مقصود الترمذي أحسن شيء في هذا الباب الذي هو باب النفي أحسن شيء في هذا الباب وأصح، أهل العلم لاسيما أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل كأحسن وأصح لا على بابها، ليست على بابها عندهم، قد يقولون في الضعيف: أصح، وقد يقولون في الصحيح: أضعف، ومرادهم بذلك في الضعيف الذي يعبِّرون عنه أنه أصح شيء في هذا الباب بأنه أمثل ما في الباب وأقواها، وإن كان الجميع ضعافًا، والعكس بالعكس، يستعملونها على غير بابها، وإلا فالأصل أن أفعل التفضيل عند أهل اللغة أنه تقتضي وجود شيئين يشتركان في وصف وهو هنا الصحة والحسن، يفوق أحدهما الآخر في هذا الوصف.

 "وعن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تبل قائمًا» رواه ابن حبَّان، وقال: أخاف أن ابن جريج لم يسمع من نافع هذا الخبر"، وقد صحَّ ظنه كما قال البوصيري في تعليقه على ابن ماجه، صح ظنه ابن جريج لم يسمعه من نافع، وإلا لو سمعه ابن جريج ثقة، ونافع ثقة، وابن عمر صحابي جليل، لكن الحديث منكر، الحديث منكر، ولذا أردفه المؤلف بقوله: "وقد ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه بال قائمًا" ثبت عن ابن عمر أنه بال قائمًا، كيف يبول ابن عمر قائمًا وقد ثبت عنده النهي من قِبِل النبي -عليه الصلاة والسلام-، هل يتصور من ابن عمر الصحابي المؤتسي الحريص على تتبع الآثار ويوجَّه إليه النهي ويعصي هذا النهي ويبول قائمًا؟ هذا مما أُعِلَّ به الخبر قد ثبت المؤلف حينما أردف الحديث بقوله: وقد ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه بال قائمًا يريد بذلك إعلال الخبر، وضعفه من جهة أن ابن جريج لم يسمعه من نافع، وفي رواته أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارِق، أبو أمية، وهو ضعيف عند جمهور أهل العلم، وإن اغتر به مالك فخرَّج له في موطئه، وهو لا يخرِّج إلا عن ثقة، يقولون: إنه غره بكثرة جلوسه في المسجد، فتوقَّع أنه ثقة، فخرَّج له.

 وعلى كل حال هو ضعيف.

 وحديث حذيفة الذي هو أصح حديث في الباب مطلقًا يقول: "عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم" المزبلة هي المزبلة.. "قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة" السباطة الزبالة التي توضَع فيه فضلات الناس مزبلة، وكان الناس يستعملونها قبل وجود الدورات النظيفة في البيوت، كانت مستعملة عندهم، منها ما هو خارج البيت، ومنها ما يكون مشترَكًا بين أهل الحي، ومنها ما هو داخل البيوت. "أتى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبالَ قائمًا، ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ"، وهذا الحديث عند السبعة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، وعند غيرهم من أئمة الإسلام، وهو موجود في جل دواوين الإسلام، المقصود أنه لا إشكال في صحته، وفي ثبوت ما تضمنه من نسبة البول قائمًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحمل نفي من نفى على علم أو على حد علمه ما بال النبي -عليه الصلاة والسلام- قائمًا كما قلنا في حديث عائشة، وحذيفة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له: «ادنه»، فدنا ثم قال له: «ادنه»، فدنا ليستتر به.

 المقصود أن البول قائمًا جائز بشرطين: أن يأمن الرشاش وارتداد البول عليه، وأن يستتر، فإذا استتر وأمن من ارتداد البول عليه والرشاش جاز ذلك، وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق.

 هناك أجوبة عن هذا الحديث ذكرها أهل العلم وبعضها مروي منها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان شاكيًا من وجع كان بمأبضه، والمأبض هذا هو باطن الركبة لا يستطيع أن يثني ركبته فبال قائمًا، ومنهم من يقول: إن البول قائمًا يستشفى به من وجع الصلب من وجع الظهر.

 وعلى كل حال مادام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا إشكال في جوازه بالشرطين المعروفين، وإن كان البول من قعود أستَر وآمَن من أن يرتد إليه فهو أكمل، وقد يكون فعله -عليه الصلاة والسلام- من البول قائمًا لبيان الجواز، وبحثوا مسألة النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما بال على سباطة القوم أنه لم يُحفَظ أنه استأذنهم، وأن مثل هذا يتسامح الناس فيه، فلا يحتاج إلى إذن، ومنهم من قال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان في جمع، فلم يستطع أن يذهب إلى مكان قضاء الحاجة، وخشي الضرر من تأخير البول، فبال في هذا المكان، وتقدم أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد المذهب أبعد، لكنه محمول على الغائط، أما البول فلا يحتاج إلى بعد، لماذا؟

 لأن الغائط مستقذر، أشد استقذارًا، ولأنه يخرج معه ريح، ويُسمَع منه صوت، المقصود أن مثل هذا يبعد به، وأما بالنسبة للبول فهذه المحاذير منتفية، فلا يلزمه البعد، لكن على ألا يبول في طريق الناس، ولا في ظلهم، ولا في الموارد ولا.. وليتق الملاعن المتقدمة، ولا يقضي حاجته في مكان بحيث يستقذر فعله، أو يستهجن، والضرورات لها أحكامها، الضرورات لها أحكامها، بعض الناس مبتلى لا يستمسك معه البول، أو مريض، أو ما أشبه ذلك، مثل هذا أقول: مثل هذا ضرورته تقدَّر بقدرها، وإلا فالأصل أن الإنسان يستتر عن الناس، ويبعد، ويكون بحيث يلازم الحشمة والوقار الذي ينبغي أن يتحلى به المسلم.

 وعلى كل حال ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقال إلا أنه هو الأكمل، وإن كان فعله لبيان الجواز فيكون الجلوس والإبعاد أكمل منه.

 يقول: "وليس في مسلم: ثم دعا بماء فجئته" الذي في البخاري: أتى سباطة قوم فبال قائمًا، وطلب من حذيفة الدنو منه مرارًا؛ كي يستتر به.

 قوله: «ادنه» ودعاؤه بالماء، هل ينافي ويعارِض ما تقدم من النهي عن الحديث على الحاجة، والحاجة تشمل البول والغائط، وإن كان الحديث الماضي في الطُّوْف؟ قوله: «ادنه» يحتمل أنه قبل الشروع في الحاجة، ودعاؤه بالماء بعد الفراغ منها، وعلى هذا لا يتعارض ما في هذا الحديث مع الأحاديث المتقدمة.

 "وعن عاصم بن بهدلة" عاصم بن أبي النَّجُود القارئ المشهور، "وحماد بن أبي سليمان عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى على سباطة قوم فبال قائمًا، قال حماد: ففحَّج رجليه" يعني أبعد ما بينهما، فحج رجليه، أبعد ما بينهما، يقول: "رواه أحمد، وهذا لفظه، وابن خزيمة في صحيحه، وأعله أحمد برواية منصور والأعمش عن أبي وائل عن حذيفة".

 ولا شك أن منصورًا والأعمش أحفظ من عاصم، وحماد أحفظ من عاصم وحماد، فكلاهما منصور والأعمش وعاصم وحماد كل منهم يروي الخبر عن أبي وائل، لكن منصور والأعمش وهما من الحفاظ يرويانه عن أبي وائل عن حذيفة، والحديث السابق وعاصم وحماد يرويانه عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة، وهو لا يُعرَف من حديث المغيرة، إنما هو من حديث حذيفة ألا يمكن أن يقال: إن أبا وائل يرويه عن كلٍّ من حذيفة والمغيرة؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

أبو وائل لقي حذيفة، ولقي المغيرة، ما المانع أن يصحح الطريقان، ويقال: يرويه عن المغيرة وعن حذيفة؛ لأنه لا تنافي ولا تناقض ولا تعارض، لكن هل لنا أن نقول مثل هذا الكلام والأئمة الحفاظ المتقدمون أعلوا هذه الرواية بالرواية الأخرى؟ ليس لنا ذلك، وإلا على مقتضى القواعد عند المتأخرين أن مثل هذا قد لا يضر مثل هذا التعليل، وأنه لا يوجَد ما يمنع من أن يكون الخبر مرويًّا عن المغيرة ومرويًّا عن حذيفة، هذا لو كان الإسنادان نظيفين، لكن الإسناد الثاني الموجود عاصم بن أبي النَّجود معروف وضعه، ووُصِف بسوء الحفظ، وُصِف بسوء الحفظ، وحمَّاد فيه كلام.

 المقصود أن لو كانا ثقتين حافظين ضابطين أمكن تصحيح الطريقين عند المتأخرين، وأما المتقدمون فلا يسلكون مثل هذا، قد يسلكونه، لكن الجادَّة عندهم أنهم يُعِلُّون هذا بهذا، عاصم بن أبي النَّجود هو القارئ المشهور قراءته معتمدة، ويُعَوَّل عليها في كثير من الأقطار، وقد وُصِف بسوء الحفظ، وبعض من يريد الطعن بالقرآن الذي تكفَّل الله بحفظه وصانه من الزيادة والنقصان يقول: كيف يعتمد على قراءة راوٍ رُمي بسوء الحفظ؟ أولاً الرجل لا مطعن في عدالته، لا طعن في عدالته، وأما حفظه فسوؤه نسبي، السوء الذي يتطلبه الحفظ الذي يتطلبه حفظ السنة لم يكمل له عاصم، وأما الحفظ الذي يتطلبه القرآن فقد كَمُل له عاصم، ما معنى هذا الكلام؟ ما معنى هذا الكلام؟

 أنت عندك ولدان، شخص أحدهما قوي الحافظة، والثانية ضعيف الحافظة، وجَّهْت هذا القوي الحافظة لحفظ السنة، والتخصص في السنة؛ لأنه يُدرِك بقوة حافظته، السنة متشعبة وكثيرة تتطلب قوة حافظة، لكن هذا الشخص الذي عنده ضعف في الحفظ، ويريد أن يتخصص ويطلب العلم تقول له: اتجه إلى الفرائض، لماذا؟ لأنه وإن كان ضعيف الحفظ إلا أنه يمكن أن يضبط الفرائض، الفرائض علم محصور وقليل، يمكن ضبطه، وسيء الحفظ ضعيف الحافظة هذا يمكنه أن يضبط الفرائض، ما فيه ما يمنع؛ لأن الحفظ نسبي، يمكن أن يقال: عاصم بالنسبة للقرآن؛ لأنه محصور بين الدفتين، وحفظه متيسر، يسره الله- جل وعلا- أن نقول في أعلى طبقات الحفظ ما المانع؟

ما فيه ما يمنع؛ لأن الحفظ المتوفر عنده يتمكن به من ضبط القرآن، لكن قد لا يتمكن به من ضبط السنة؛ لأن السنة تحتاج إلى حافظة أقوى؛ لأن فيها كثرة، السنة فيها كثرة كاثرة أضعاف مضاعفة؛ لأنها بيان للقرآن، والأصل في البيان أن يكون أضعاف المبيَّن.

 الأمر الثاني أن فيها روايات، وفيها رواة، وفيها اختلافًا، وفيها أيضًا أمورًا تعتريها تحتاج إلى قوة قوية، وملكة متميزة في الحفظ، فلا يقال: إن الذي يوجه لحفظ القرآن هو نفسه الذي يوجه لحفظ السنة، فإذا ضعفت حافظة عاصم عن حفظ السنة، وأخطأ في بعض الأحاديث ورُمِيَ بسبب ذلك بسوء الحفظ، فإنه لن يخطئ في آية، ولا في حرف من القرآن؛ لأنه يُسِّر حفظه وضبطه وإتقانه، وهو أيضًا محصور أن يستطيع الطفل حفظ القرآن، وقد وجد على مر العصور في تاريخ الأمة من يضبط القرآن وهو صغير، وهو طفل في السابعة، وفي السادسة، وفي الثامنة من العمر، وجل المسلمين يحفظون القرآن، لكن كم نسبة الذين يحفظون السنة؟ لأنها تحتاج إلى حافظة قوية، فكون العلماء يصفون عاصمًا بأنه سيء الحفظ في هذا لا يعني أنه سيء الحفظ في القرآن، وهذا أمر معروف وملموس، أمر لا يحتاج إلى استدلال ولا تدليل، كون الإنسان كثير من عوام المسلمين يحفظ القرآن، ويضبطه، ويتقنه، لكن هل يحفظ شيئًا من السنة؟ تصعب عليه، والإنسان إذا اتجه إلى شيء أتقنه.

 يعني الإمام أبو حنيفة، الإمام الأعظم عند الأمة محل تقدير، يضبط مسائل فقهية لا تخطر على البال؛ لأنه توجَّه إلى هذا، وهو في باب الرواية عند أهل العلم رُمِيَ بسوء الحفظ، هل يعني هذا أن المسائل التي ضبطها وأتقنها أبو حنيفة من الفقه الدقيق يعني أنه لا يحفظ؟ بلى يحفظ، لكن من اتجهت همته إلى شيء أتقنه، والسبب في هذا الكلام أن من بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، ويزعمون أن القرآن غير محفوظ، وأنه دخله التحريف والزيادة والنقص، وكيف نعتمد على قراءة مثل هذا وقد وصفه أهل العلم بهذا الوصف؟ نقول: أبدًا، ولا مغمز ولا مطعن، وليس عندنا أدنى إشكال، ولا تردد في مثل هذا؛ لأن الإنسان إذا اتجه إلى شيء أتقنه أكثر من غيره.

 الأمر الثاني أن القرآن يمكن ضبطه وحفظه وإتقانه، وقد يسره الله -جل وعلا- لمن أراد، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [سورة القمر:17]، لكن السنة أضعاف مضاعفة عن القرآن، وفيها اختلافات، وفيها وجوه، وفيها روايات، وفيها رواة، قد لا يكمل لها كثير، بل أكثر من يتصدى لحفظ القرآن ويضبط القرآن، فلنكن على بينة من مثل هذه الشبهات.

طالب: يا شيخ فرقتم بين المتقدمين والمتأخرين في هذه المسألة.

تحدثنا مرارًا عن طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين، وذكرنا مرارًا أن المتأخرين عالة على المتقدمين، وأن المعوَّل أوَّلا وآخرًا على المتقدمين الذين هم أهل هذا الشأن، لكن يبقى أن هذا الكلام يوجَّه إلى من يحسنه ويتقنه، أما طالب العلم المبتدئ ومن في حكمه، ولو طال عمره في الطلب ولم يتأهَّل لمحاكاة المتقدمين، فمخاطبته بمثل هذا الكلام تضييع له، لا بد أن يسلك طريقة تفيده، ما نقول: والله رجِّح بالقرائن، وهو ما يدري ما معنى القرائن، كارثة هذه، هذا تضييع له، مثل أن نقول لطالب مبتدئ: اترك الفقه واستنبط من الكتاب والسنة مباشرة، أما من كمل لذلك وتأهل له فهذا فرضه، هذا فرضه مثل الاجتهاد في مسائل الأحكام؛ لأن المتأخرين عالة على..

طالب: ............

كيف؟

طالب: ............

الإمام أحمد يعل عاصمًا وحمادًا عن أبي وائل عن المغيرة، يعله بقوله: رواه منصور عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي حذيفة، هذا الصحيح، منصور والأعمش، منصور والأعمش من كبار الحفاظ عن أبي وائل عن حذيفة، هذا هو المحفوظ، هذا هو المحفوظ، ويكون قوله: وعن عاصم بن بهدلة وحماد بن سليمان إن شئت فقل: شاذ، وإن شئت فقل: منكر.

.......................

 

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

"قال -رحمه الله-: وعن أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء»، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم."

يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن أبي قتادة الأنصاري" واسمه الحارث بن رِبْعِي "رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء»، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم"، ويكون عند البخاري بمعناه، يكون عند البخاري بمعناه «لا يمسكن» لا هذه ناهية، وأثرها في مدخولها الجزم جزم المضارع، ويمسكن فعل مضارع مجزوم بمقدَّر؛ لأنه هنا مبني على إيش؟

طالب:.........

على الفتح، لماذا؟

طالب: لاتصاله بنون التوكيد.

لاتصاله بنون التوكيد المباشِرة وإذا قلت: اتصال لا تحتاج أن تقول مباشِرة؛ لأنها إذا لم تتصل لم تكن مباشِرة «لينتهين أقوام لينتهين أقوام» مثله؟ مثله «ثم ليكونُنّ» مثله أم لا؟

طالب: ..غير مباشرة غير مباشرة..

هذه غير مباشرة، الفاصل بين نون التوكيد والفعل واو الجماعة واو الجماعة المحذوفة فهو غير مباشرة.

.........................

 

وأعربوا مضارعًا إن عريا

عن نون توكيد مباشِر ومن

 

نون إناث كيا رعن من فتن

المقصود أنه هنا مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد «لا يمسكن أحدكم» هذا هو الفاعل، «أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول» أحدكم هذا خطاب موجَّه لإيش؟ للرجال؟ يدخل فيه النساء يدخل النساء أم لا؟

على كل حال الحكم واحد في إمساك الآلة باليمين أثناء البول الحكم واحد؛ لأن العلة واحدة «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه» طيب الذكر «وهو يبول» هل له أن يمسك الدبر وهو يقضي حاجته أو من باب أولى؟

من باب أولى «بيمينه» هل له أن يمسك ذكره بشماله وهو يبول؟

نعم، له ذلك له ذلك، وهو مفهوم الحديث مفهومه أنه له أن يمسكه بشماله «وهو يبول»، الواو واو واو الحال، والجملة حالية، وهل هي مؤثِّرة أم غير مؤثِّرة في الحكم لها مفهوم أم لا، مفهوم لها يعني فرق بين أن نقول: إن مفهومها ملغى، وعلى هذا له أن يمسك ذكره بيمينه في غير هذه الحالة أو نقول: لا مفهوم لها، إذا قلنا: إن مفهومها معتبر قلنا: إن مسك الذكر باليمين في غير هذه الحالة جائز، وإذا قلنا: إن مفهومها ملغى منعنا من إمساك الذكر باليمين مطلقًا حال قضاء الحاجة وفي غيرها ظاهر أم ما هو ظاهر؟ والآن وصف مؤثِّر؟ معتبر أم غير معتبر؟ قيد معتبر أم ملغى؟

هو لا شك أن حال البول أشد وأشنع من غيرها، وإذا ثبت الحكم في الأشد لا يلزم منه ثبوت الحكم في غيره، يعني لو لم تذكر هذه الجملة «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه» لقلنا بالعموم، طيب ما فيه وهو يبول، هل يمكن أن نقول: لا يمسكن ذكره بيمينه مطلقًا، لكن في حال البول جائز؟ نقول: لا، نقول: إذا مُنع في غير هذه الحالة فمنعه في هذه الحالة من باب أولى، لكن إذا ذكر هذا القيد فهل معنى هذا أننا نلحق الحالات الأخرى بهذه الحالة وهي دونها؟ يعني استوى الأصل والفرع ليتم الإلحاق أم ما استوى؟ ما استوى، ما استوى؛ لأنه في حال البول أشد منه في حال غير البول، فلا يتم الإلحاق وعلى هذا من أهل العلم من يرى أنه قيد معتبر ووصف مؤثِّر وله مفهوم، وهو أن للإنسان أن يمس ذكره في غير حال البول؛ لأنه كونه ينص عليه في حال البول لا يعني أنه في سائر الأحوال، ومنهم من يقول: إن اليد اليمنى ينبغي أن تصان من مس العورات من مس العورات، والتنصيص على هذه الحالة لماذا؟ لأنها أشد؛ لأنها أشد، ولا يعني أنه يجوز له أن يمسك ذكره بيمينه، وهو لا يبول، طيب هناك حالات أخرى حالات أخرى غير البول هل له أن يمسك ذكره وهو إيش؟

أما بالنسبة لنقضه الوضوء أو عدم النقض فهذا انتهينا منه، شرحناه سابقًا، هناك حاجات تقضى غير البول بهذه الآلة، فهل للإنسان أن يمسك ذكره وهو يقضي هذه الحاجة، ولا يحتاج يا إخوان أن يصرح بكل شيء مثلاً له أم ليس له؟ الذين ألغوا المفهوم يقولون: لا يمس ذكره بيمينه مطلقًا، لا يمس ذكره بيمينه مطلقًا، وهذا قول معتبَر عند أهل العلم، وأن اليمين ينبغي أن تصان عن مثل هذا، ومن قيده بهذا أباح ما عداه، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، يتمسح من الخلاء بيمينه، يعني يستنجي بيمينه، لا يستنجي بيمينه، يتمسح، قد يحتاج إلى اليمين، قد يحتاج إلى اليمين حال الاستنجاء، أو حال الاستجمار، يحتاج إليها على ألا تباشر لا النجاسة ولا الذكر، يعني لا تباشر النجاسة ولا مخرجها، الآن إذا أراد أن يستنجي من البول يحتاج إلى أحجار، وقد يحتاج إلى إمساك الآلة، يمسك الآلة بشماله، ثم بعد ذلك الحجر إن أمسك الحجر بيمينه تمسح من الخلاء بيمينه، أو نحمل هذه الجملة على التي قبلها، يتمسح بمعنى يمسك ذكره ويمسحه بالحجارة بيمينه لا يجوز، لكن إذا أمسكه بشماله والحجر بيمينه، والأصل ألا يباشر النجاسة، ولا مخرج النجاسة بيمينه، يجوز أم ما يجوز أن يمسك الحجر؟

طالب:.........

ويمسح، فيكون المسح بالذكر لا بالحجر، فيجتنب النهيين بهذه الطريقة يثبت الحجر بيمينه، قد يقول قائل: لماذا لا يثبت الحجر بالأرض؟ يعني إن كان الحجر صغيرًا لا يثبت، فيحتاج إلى تثبيت. الشافعية يذكرون صورًا في مثل هذا لا شك أن فيها مشقة شديدة بأن يجعل الحجر بين رجليه، ويمسح ذكره بشماله.

 على كل حال المطلوب في الحديث تكريم اليمين، وأنها ليست لهذه الأمور، وإنما هي لما يُحترم، للتصرفات المحترمة، بخلاف التصرفات التي هي دونها مما يستقذر ويستقبح، فله الشمال، «ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء، ولا يتنفس في الإناء، ولا يتنفس في الإناء»؛ لئلا يخرج مع النفس شيء يقذِّره على نفسه وعلى غيره، سواء كان هذا الشيء مرئيًّا أو غير مرئي، قد يخرج أمور تؤثر في الماء وهو لا يدري ولا شيء ولا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، ففي كل نهي ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يشتمل على ضرر، كل أمر لا بد أن يشتمل على مصلحة، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، فكونه يشرب ويتنفس والإناء في يده لا شك أن هذا خلاف هذا الأمر والأصل في الأمر الوجوب، ومنهم من يقول: إن هذا من باب الأدب، من باب الأدب، وهو محمول على الاستحباب عند الجمهور، «لا يتنفس في الإناء»، بل إذا أراد أن يتنفس يبعد الإناء عن اتجاه الوجه، ويتنفس خارجه، ومن السنة أن يتنفس ثلاثًا، يعني خارج الإناء، ولا يَعُبّ الماء عبًّا بنفس واحد إذا احتيج الطعام الذي في هذا الإناء إلى نفخ احتيج إلى نفخ حار، وأراد أن يبرده بالنفخ، أو أراد أن ينفث في الإناء من باب الرقية، هل هذا يدخل في التنفس أو لا يدخل؟ يدخل أم ما يدخل؟

التنفس إنما يكون مع الأنف، والنفث يكون من طريق الفم، والنفث يختلف، تختلف حقيقته ومعناه عن التنفس، حتى لو احتاج أن يتنفس مع فمه، ممكن، لكن تختلف حقيقة النفث عن حقيقة التنفس والنفث التنفس سواء كان من الفم أو من الأنف، رائحته قبيحة، بينما النفث لا رائحة له، لا رائحة له، ومن جرب يعرف حقيقة هذا الأمر، ولذا مُنِع من التنفس، وأما النفخ والنفث فلا شيء فيه للحاجة.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعن.

"