شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (151)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نُرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- في باب الرحلة في المسألة النازلة، كنا في الحلقة الماضية أشرنا إلى بعض مسائل الحديث وألفاظه، نستكمل في هذه الحلقة ما تبقى، أحسن الله إليكم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

مازلنا في كلام الكرماني الذي بدأه بقوله: وفيه أن الواجب على المرء أن يجتنب مواقف التهم، وإن كان نقي الذيل، بريء الساحة، وأنشد:

قَدْ قِيلَ ما قيل إِنْ صَدَقًا وَإِنْ كَذِبًا ... فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ قولٍ إِذَا قِيلَا

يقول الكرماني: فإن قلت: هل كان ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكمًا؟ يعني هل هو حكم أو مجرد مشورة؟ قلت -يقول الكرماني-: مذهب أحمد أنه يثبت الرضاع بشهادة المُرضعة وحدها، بيمينها، لكن الأكثر على أنه محمولٌ على الأخذ بالاحتياط والورع. يعني على كلامه أنه تفرَّد أحمد بهذا، والجمهور على أنه لا يثبت بهذا حكم. لكن الأكثر على أنه محمولٌ على الأخذ بالاحتياط، والورع الحكمُ بثبوت الرضاع وفساد النكاح، إذ لم يجرِ ترافع ولا أداء شهادة، بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار.

المقدم: الاحتياط هنا يا شيخ، ما هو؟ الاحتياط ألا يُكتفى بقولها؟

لا، الاحتياط أن يتركها.

المقدم: والورع؟

يقول: لكن الأكثر على أنه محمولٌ على الأخذ بالاحتياط، يعني فعل عقبة احتياطًا.

المقدم: لكن احتياطه في قبول رأيها.

نعم.

المقدم: والورع؟

والورع الحكم بثبوت الرضاع وفساد النكاح، إذ لم يجرِ ترافعٌ ولا أداء شهادة، بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار، وإنما هو كسائر ما تُقبل فيه شهادة النساء الخُلَّص من أربع نسوة عند الشافعي ..

المقدم: يعني رجع الكلام الآن للأخذ بقولها لا إلى فعل عقبة؟ يعني كأن كلام الإمام أحمد على ..

لا، فعل عقبة امتثل وطلَّق وفارقها.

المقدم: يعني بناءً على قولها هي؟

نعم.

المقدم: فمعنى ذلك أن الورع والاحتياط هو الأخذ بقول المرأة المُرضعة؟

نعم.

المقدم: هذا رأي الإمام؟

هذا كلامه.

ننظر في كلام الحنابلة، يقول في المُغني لابن قدامة: شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع إذا كانت مرضيَّة، وبهذا قال طاووس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب وسعيد بن عبد العزيز، وعن أحمد روايةً أخرى: لا تُقبل إلا شهادة امرأتين، وهو قول الحكم؛ لأن الرجال أكمل من النساء. ولا يُقبل إلا شهادة رجلين، فالنساء أولى.

وعن أحمد روايةٌ ثالثة: أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة، وتُستحلف مع شهادتها.

الرواية الأولى: أنها تُقبل بدون استحلاف، وهو قول ابن عباس وإسحاق؛ لأن ابن عباس قال في امرأة زعمت أنها أرضعت رجلاً وأهله، فقال: إن كانت مرضيَّة، استُحلفت وفارق امرأته. وقال: إن كانت كاذبة، لم يحُل الحول حتى تبيض ثدياها. يعني يُصيبها فيهما برص، عقوبة على كذبها. وهذا لا يقتضيه قياس ولا يهتدي إليه رأي، فالظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفًا. يعني هذا له حكم الرفع.

وقال عطاء وقتادة والشافعي: لا يُقبل من النساء أقل من أربع؛ لأن كل امرأتين كرجل.

سبب الخلاف: النبي -عليه الصلاة والسلام- في النص قال: «كيف وقد قيل؟».

المقدم: واكتفى بواحدة.

لكن هل هذا اللفظ يدلُّ على أنه يلزمه مفارقتها؟

المقدم: ظاهره اللزوم يا شيخ. يعني هل يتصوَّر من الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن ...

يعني كيف فهم منه الأئمة، الجمهور على أنه احتياطًا؟ يعني ما هو بحكم هذا، هذا مجرد احتياط.

المقدم: لكن «كيف وقد قيل؟» ثمَّ التعقيب: فارقها، يدلُّ على فهم الصحابي لقول النبي -عليه الصلاة والسلام- بضرورة المفارقة.

يمكن حمله كما حمله الجمهور على أنه احتياط، فارقها احتياطًا، احتمال أن يكون الرضاع ثابتًا.

المقدم: وهل النبي -عليه الصلاة والسلام- يحكم بالاحتياط في مثل هذه الحالات؟ ممكن؟

يأتي في ألفاظ الحديث ما يكشف لنا الأمر.

وقال عطاء وقتادة والشافعي: لا يُقبل من النساء أقل من أربع؛ لأن كل امرأتين كرجل.

وقال أصحاب الرأي: لا يُقبل فيه إلا رجلان أو رجلٌ وامرأتان. وروي ذلك عن عُمَر؛ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [سورة البقرة 282].

وفي فتح الباري: احتج بالحديث من قبل شهادة المرضعة وحدها، وذكر من قال به، يعني مثل ما ذكر ابن قدامة أو قريبٌ منه. ثمَّ قال: واختاره أبو عبيد، إلا أنه قال: إن شهدت المرضعة وحدها، وجب على الزوج مفارقة المرأة، ولا يجب عليه الحكم بذلك. يجب عليه في نفسه، لكن ما يحكم به على الناس. إن شهدت المرضعة وحدها وجب على الزوج مفارقة المرأة، ولا يجب عليه الحكم بذلك، وإن شهدت معها أخرى وجب الحكم به.

واحتج أيضًا بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يُلزم عقبة بفراق امرأته، بل قال له: «دعها عنك» وفي رواية ابن جريج: «كيف وقد زعمت؟» فأشار إلى أن ذلك على التنزيه، وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي في ذلك شهادة المرضعة؛ لأنها شهادةٌ على فعل نفسها.

وقد أخرج أبو عبيد من طريق عُمَر والمغيرة بن شعبة وعلي بن أبي طالب وابن عباس: أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك. فقال عُمر: فرِّق بينهما إن جاءت بينة، أو إن جاءت ببينة، وإلا فخل بين الرجل وامرأته إلا أن يتنزها. ولو فُتِح هذا الباب، لم تشأ امرأة أن تفرق بين الزوجين إلا فعلت. وقال الكرماني: فإن قلت: هل فيه دليلٌ ... انتهينا من المسألة أم ما انتهينا؟ يعني هل هو احتياط أم حكم؟ حكم مُلزم أم احتياط؟

المقدم: الجمهور على أنه احتياط.

الجمهور على أنه احتياط، ولا يلزم المفارقة، والإمام أحمد يرى أن شهادتها كافية. ويأتي في بقية الكلام ما يشرح بعض هذا.

يقول: لو فُتِح هذا الباب، لم تشأ امرأة أن تفرق بين الزوجين إلا فعلت. لكن المسألة مُفترضة في امرأةٍ ثقة، لكن هذا منقول عن عُمر -رضي الله عنه-، أما عثمان فقد فرَّق بينهما. وقال الكرماني: فإن قلت: هل فيه دليلٌ على أنه لا يُشترط العدد في الرضعات في ثبوت الرضاع؛ لأنها قالت: أرضعتكما وانتهى، ما قالت: خمس ولا عشر ولا ثلاث ولا..، قلت: هو عدم التعرُّض لا بالدلالة ولا بعدمها. يعني ما في الحديث ما يدلُّ على هذا ولا هذا.

وقال مالك وأصحاب أبي حنيفة: قليل الرضاع وكثيره سواءٌ في التحريم، وداود وأبو ثور: أقله ثلاث رضعات، والشافعي وأحمد: أقله خمس رضعات. وقد روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان فيما أُنزِل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عشرُ رضعاتٍ يُحرِّمن، فنُسخن بخمس رضعات.

فإن قلت: النكاح ما انعقد صحيحًا، يقول الكرماني: فإن قلت: النكاح ما انعقد؛ لأنه نكاح على أخت، النكاح ما انعقد صحيحًا على تقدير ثبوت الرضاع، فالمفارقة كانت حاصلةً، فما معنى ففارقها؟ قلت: إما أن يُراد بها المفارقة الصورية، يعني تركها، أو يُراد الطلاق؛ لأن مثل هذه الحالة هو الوظيفة، فيحلُّ للغير نكاحها قطعًا. يعني ما أشرنا إليه سابقًا.

المقدم: من خلاف في مسألة ..

نعم؛ لأن الخلاف قوي في المسألة، فكونها تحل للثاني بيقين أولى من أن تبقى، حتى على القول بأنها تُقبل الشهادة ويُفرق بينهما، وأن النكاح ما حصل أصلاً؛ لأنها أخته، تبقى شُبهة في نفس المتقدم الثاني؛ لأنه قد يكون ممن يرى القول الآخر.

قال ابن بطال: هذا يدلُّ على حرصهم على العلم وإيثارهم ما يُقربهم إلى الله تعالى والازدياد من طاعته -عزَّ وجلَّ-؛ لأنهم إنما كانوا يرغبون في العلم للعمل به؛ ولذلك شهد الله لهم أنهم خيرُ أمةٍ أخرجت للناس.

ونكحت زوجًا غيره اسمه ظُريب، بضم الظاء المُعجمة المُشالة؛ لأنه لو قيل: بضم الظاء المُعجمة، ظريب بضم الظاء المعجمة اشتبهت بماذا؟ بالضاد. لكن فيها الشولة هذه، لو قال: الظاء اشتبهت بالطاء، ولو قال: بضم المُعجمة..

المقدم: اشتبهت..

 بماذا؟

المقدم: بالصاد..

لا ما تشتبه

المقدم: بالضاد..

لأن شولة هذه..

المقدم: تزيل..

 تكفي نعم لو قال بضم.. يعني الظاء المعجمة الجمع بينهما.. لكن لو قال بضم المشالة.. نعم. 

الطاء فيها شولة، فقال: بضم الظاء المُعجمة المُشالة، الآن لا يشتبه بشيء. لكن هم يختصرون في الضبط بقدر الإمكان، الشيء الذي يُغني عنه غيره لا يأتون به.

وفتح الراء وفي آخره باءٌ موحدة، ابن الحارث: قال بعض الشارحين: ضُريب، بالضاد، ابن الحارث تزوجها بعد عقبة، فولدت له أم قِبال زوجة جُبير بن مُطعِم ومحمدًا ونافعًا.

ورأيت في موضعٍ، العيني يقول: ورأيت في موضعٍ نُقِل عن خط الحافظ الدمياطي: نافع بن ضُريب بن عمرو بن نوفل، والله أعلم.

والحديث خرجه الإمام البخاري في ستة مواضع:

 الأول: هنا في كتاب العلم في باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، وتقدَّم أن الصواب حذف الجملة الأخيرة؛ لأنها تأتي في بابٍ آخر.

قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، قال: أخبرنا عبد الله -يعني ابن المبارك- قال: أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: حدثني عبد الله بن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج، فذكر الحديث. المناسبة تقدمت الإشارة إليها.

والثاني: في كتاب البيوع: في باب تفسير المُشبَّهات، وقال حسان بن أبي سنان: ما رأيت شيئًا أهون من الورع، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، مع أن هذا الذي قال عنه حسان بن أبي سنان: ما رأيت شيئًا أهون منه هو الذي عجز عنه كثير من العلماء والعُبَّاد والأخيار، عجزوا عنه، يقول: سهل، ما رأيت شيئًا أهون منه وهو: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. يعني إذا كان الشيء تميل إليه النفس وترغب فيه، وأحيانًا تُشرب حبه، ومن أسهل الأمور أن يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» هذا توجيه نبوي، وأمرٌ نبوي. لكن كونه هينًا على النفوس، هذا لا ينوء به إلا مثل حسان بن أبي سنان.

وسفيان قال: هذا الذي استهان به أو هُوّن من شأنه حسان بن أبي سنان، بناءً على منزلته ومقامه، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا سفيان، قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، قال: حدثنا عبد الله بن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه-: أن امرأة سوداء جاءت فزعمت أنها أرضعتهما، فذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأعرض عنه، وتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «كيف وقد قيل؟»، وقد كانت تحته ابنة أبي إيهاب التميمي.

والمناسبة ظاهرةٌ من الباب للكتاب، تفسير المُشبهات في كتاب البيوع؛ لأن أمور البيوع تكثُر فيها الشبهات. ومن الحديث للباب؛ لأن هذا الخبر من هذه المرأة السوداء أورث عنده شبهة، فتركها من أجله، من أجل الشبهة.

والثالث، الموضع الثالث: في كتاب الشهادات، بابٌ إذا شَهِد شاهدٌ أو شهودٌ بشيء، وقال آخرون: ما علمنا بذلك، يُحكم بقول من شهد. إذا قال شخص يشهد بأن لزيد على عمرو دينًا، وقال بكر: أنا والله ما أدري عن شيء، ما أشهد بشيء، هل يُعتبر قول بكر؟ هو ينفي، يُخبر عن عدم علمه. والثاني زيد عنده شهادة، ومن حفظ حُجة على من لم يحفظ، والمُثبِت عند أهل العلم مُقدَّم على النافي.

قال: حدثنا حبان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج ابنة لأبي إيهاب بن عزيز، فأتته امرأةٌ فقالت: قد أرضعت عقبة، والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فأرسل إلى آل إيهاب يسألهم - أرسل إلى أهل المرأة يسألهم؛ ليتأكد- فقالوا: ما علمناه أرضعت صاحبتنا - قالوا: ما جاءنا خبر- فركب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- الحديث..

المقدم:......

ما علمناه يعني الخبر أرضعت صاحبتنا، فركب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث. والمناسبة ظاهرة: إذا شهد شاهد أو شهود بشيء وقال آخرون: ما علمنا بذلك، شهدت المرأة، وأخبرت المرأة، وقال: ما علمنا، وأهل الزوجة قالوا: ما علمنا، فما اعتبر نفيهم قادحًا في إثباتها، فالمناسبة ظاهرة.

والموضع الرابع: في كتاب الشهادات، في باب شهادة الإماء والعبيد:

حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، ح وحدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: سمعت ابن أبي مليكة، قال: حدثني عقبة بن الحارث، أو سمعته منه، صرح بالتحديث، يعني هل حدثه به أو سمعه منه؟ حدثني عقبة بن الحارث أو سمعته منه، ما الفرق؟ لماذا تردد ولفظ التحديث والسماع كلٌّ منهما يُتحمَّل به أو صيغة من صيغ أداء التحمُّل لمن روى بطريق السماع من لفظ الشيخ، له أن يقول: حدثني أو يقول: سمعت، لا فرق بينهما. وهذا يحكيه عن نفسه، لا ينقله عن غيره، ليُقال: احتياط ينقل ما سمع، أو يكون التردد ممن بعد ابن أبي مليكة، هل قال ابن أبي مليكة: حدثني أو قال: سمعت؟ احتمال. احتمال ثانٍ: أن التردد من ابن أبي مليكة هل حدثه به؟ يعني أنه هل قصده عقبة به بالتحديث أو سمعه من غير قصد؟  أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إيهاب، قال: فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما، فذكرتُ ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأعرض عني، قال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، قال: «وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما» فنهاه عنها.

شهادة الإماء والعبيد، فجاءت أمةٌ، هذه شهادة الإماء، والحديث نص في الشهادة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سأل بريرة عن عائشة، فأخبرته، فقَبِل شهادتها وقَبِل خبرها.

يقول ابن حجر: ذهب الجمهور إلى أن شهادة العبيد لا تُقبل مطلقًا، وقال طائفةٌ تُقبل مطلقًا، قلت: وإليه ميل البخاري، أنها تُقبل؛ لأن المُقرر أن البخاري -رحمه الله تعالى- إذا جاء بمثل هذه الترجمة: باب شهادة الإماء والعبيد، يعني ما جزم تُقبل أو ما تُقبل، ما ذكر شيئًا، يعني فما الحكم؟ أو هل تُقبل أو لا تُقبل؟ قلت: وإليه ميل البخاري، لماذا؟ لأنه أردف الترجمة بقول أنس، في العادة أن البخاري يُرجِّح ما سبيله التردد كما هنا، إذا لم يجزم بالحكم، يُرجح اختياره بما يُردف الترجمة به من أخبار موقوفة على الصحابة والتابعين.

إذا أردف الترجمة التي لم يجزم فيها بحكمٍ معين، إذا أردف بقول صحابي أو قول تابعي، فهو اختياره من خلال الاستقراء.

قلت: وإليه ميل البخاري؛ فإنه أردف الترجمة بقول أنس: شهادة العبد جائزة إذا كان عدلاً، وأجازه شريح، وزرارة بن أوفى، وقال ابن سيرين: شهادته جائزة إلا العبد لسيده، العبد لسيده؛ لوجود التهمة-، وأجازه الحسن وإبراهيم في الشيء التافه، وقال شريح: كلكم بنو عبيد وإماء. فيدلُّ على أن البخاري يميل أو يختار جواز شهادة الإماء والعبيد.

والخامس: في كتاب الشهادات، باب شهادة المرضعة:

قال: حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال: تزوجت امرأة، فجاءت امرأة فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «وكيف وقد قيل، دعها عنك» أو نحوه، يعني قال: دعها عنك أو قال كلمة نحو هذه الكلمة.

المناسبة ظاهرة: شهادة المرضعة، كتاب الشهادات شهادة المرضعة واضحة. والنص في الحديث: فجاءت امرأةٌ فقالت..، هذه هي الشهادة، شهادة المُرضعة.

والموضع السادس: في كتاب النكاح، في باب شهادة المرضعة، هناك في كتاب الشهادات باب شهادة المرضعة، في كتاب النكاح باب شهادة المرضعة. كتاب الشهادات وشهادة المرضعة واضح، شهادة المرضعة لكتاب النكاح أيضًا من أجل إبطال النكاح، فمناسبة الباب للكتاب ظاهرة.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا علي بن عبد الله - بن المديني- قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: حدثني عبيد بن أبي مريم، عن عقبة بن الحارث، - قال: وقد سمعته من عقبة، لكني لحديث عبيد أحفظ - فذكر الحديث.

تقدمت الإشارة في الحلقة الأولى عن قوله: لكني لحديث عبيد أحفظ، يعني سمعه من عقبة بدون واسطة، وسمعه من عقبة بواسطة عبيد بن أبي مريم، فكان يرويه تارةً بدون واسطة، وتارةً يرويه بالواسطة، وهو بالواسطة أحفظ له من دون الواسطة. وعلى كل حال، هو حفظه على الوجهين، يعني كونه أحفظ لا ينفي أنه حفظ، بدليل اتفاق الروايتين في اللفظ، التي بواسطة والتي بدون الواسطة.

قال ابن حجر: أغرب ابن بطال هنا، فنقل الإجماع على أن شهادة المرأة وحدها لا يجوز في الرضاع وشبهه، وهو عجيبٌ منه، فإنه قول جماعة من السلف. حتى إن عند المالكية رواية: أنها تُقبل وحدها عند المالكية وابن بطال مالكي، يعني في مذهبه رواية. وهو قول كثير من السلف، لكن قد يخفى عليه قول هؤلاء السلف، لكن مذهبه. فإنه قول جماعة من السلف، حتى إن عند المالكية رواية أنها تُقبل وحدها، لكن بشرط فشو ذلك في الجيران. يعني إذا استفاض الأمر، يعني ولو لم يشهد به أحدٌ بعينه، استفاض مع شهادة هذه المرضعة، فدلَّ على أن عند مالك فيها ضعفًا، تحتاج إلى ما يدعمها ويؤيدها من الاستفاضة.

المقدم: المعمول به، أحسن الله إليك، الآن في المحاكم هو قبول قول المرأة في مسألة الرضاع.

هذا هو المذهب على كل حال، هو المذهب عند الحنابلة، والجمهور على خلافه. لكن إذا رأى القاضي والحاكم أن هذا صار سبيلًا إلى التفريق بين الأزواج، لاسيما بعد طول العشرة وبعد الإنجاب، وصار سبيلًا إلى ذلك، فنرجع إلى قول عُمر: لا تشاء امرأة أن تُفرِّق بين زوجين، إلا فرقت. إذا أوجس القاضي خيفة ووقع في نفسه شيء أن هذا شيء مُدبَّر أو يُمكن أن يخطر على بال هذه المُفرِّقة أو وجد لوثًا أو قرينة تدلُّ على عدم صدقها، عَمِل بقول الجمهور، لاسيما وأنه قول جمع من الصحابة. والحديث مُحتمِل، ليس بنص قاطع على وجوب التفريق، يعني ولو كان التفريق في هذه الحادثة، فقد لا يدلُّ على التفريق في حوادث أخرى.

المقدم: الأبناء، أحسن الله إليك، يُنسبون إلى الأب؟

يُنسبون إلى الأب؛ لأنهم أولاد شبهة.

المقدم: يعني حق الوالد والوالدة قائم عليهم؟ ما يسقط؟

بلا شك، ما يسقط.

المقدم: بالنسبة للرضاعة تكون في الحولين وبخمس رضعات، وهذه أرضعتهم ...

هذا المُعتمد عند الجمهور، وعائشة -رضي الله عنها- ترى أن رضاع الكبير يُحرم مطلقًا؛ لقصة سالم مولى أبي حذيفة. وشيخ الإسلام قوله بعض قول عائشة، أنه يراه عند الحاجة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أجازه شيخ الإسلام، والجمهور على أنه في الحولين فقط.

المقدم: والخمس رضعات تكون يا شيخ، يعني خمس مصات أو خمس انقطاعات؟

لا، خمس بحيث يُمسك الثدي ويتركه مع الرغبة عنه.

المقدم: نعم، هذه واحدة تُحسب؟

تُحسب واحدة.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، كان هذا هو صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير. كنا مع حديث عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- في باب الرحلة في المسألة النازلة، الباب القادم بإذن الله هو موضوع حلقتنا، وأنتم على خير.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.