شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الاعتكاف - 03

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله مُحمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا وسهلاً بكم مستمعينا الكِرام إلى هذا اللقاء الرمضاني في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، الذي يشرحه معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخُضير- وفقهُ الله-  عضو هيئة كبار العُلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فمرحبًا بكم فضيلة الشيخ وأهلًا وسهلًا.

 

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: الكلام لا يزال في كتاب الاعتكاف، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- وفيه قالت: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،،

ما زال الحديث في أحكام الاعتكاف، اتفق أهل العلم على أنه لا حد لأكثره، واختلفوا في أقله، لا حد لأكثره بمعنى أنه لو سكن الإنسان في المسجد، ولازم المسجد عمره كله، نعم لا حد لأكثره، فيصح أنه مجاور، ويصح أنه معتكف، لكن يبقي أنه في مثل هذه الحالة مع ملازمته للمسجد، وحصوله على الأجور المرتبة على لزوم المسجد، قد جاء أن المسجد بيت كل تقي، وهو في هذا الحال ينتظر الصلاة، ويمكث في مصلاه بعد كل صلاة، هذه أجور عظيمة رُتبت على مثل هذا العمل، لكن إذا قيل: إنه اعتكف مدة أطول من فعله -عليه الصلاة والسلام-.

لاشك أنه إن رأى أن عمله أفضل مما عمله النبي- عليه الصلاة والسلام-، فلاشك أنه مخالف نعم، وحينئذٍ يُقال: ليس عليه عمل النبي- عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا أقر بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف على العشرة الأواخر وما زاد عن عشرة أيام، المقصود أن مثل هذه الأمور يأتي في هذا المجال كما يأتي في غيره من الأعمال، فيمن يصلي أكثر مما حُفظ عنه -عليه الصلاة والسلام-، وفيمن يصوم أكثر مما حفظ عنه- عليه الصلاة والسلام-، وفيمن يقرأ القرآن أكثر، وجميع العبادات.

لاشك أن ما عمل النبي- عليه الصلاة والسلام- هو أكمل الأعمال، ويبقي أن مثل هذه الأعمال التي جاء فيها الحث المطلق، يتناول هذه الزيادات ما جاء في الحث المطلق، لكن يجب أن يستصحب المسلم أنه مهما بلغ، فلن يفعل أفضل مما فعله النبي- عليه الصلاة والسلام-، اتفقوا أنه لا حد لأكثره، واختلفوا في أقله، فمن شرط فيه الصيام قال: أقله يوم، ومنهم من قال: يصح مع شرط الصيام في دون اليوم، فمن شرط فيه الصيام قال: أقله يوم؛ لأنه لا يتصور صيام أقل من يوم نعم، ومنهم من قال: يصح مع شرط الصيام في دون اليوم، حكاه ابن قُدامة، نعم.

كيف يتصور مع شرط الصيام في دون اليوم! حكاه ابن قدامة، ممكن يتصور؟! اعتكاف مع صيام في أقل من يوم!

المقدم: مع صيام؟

مع صيام.

المقدم: ممكن يعتكف آخر النهار صيام.

نعم، وهو ولو في أثنائه، لكن ما يلزمه إتمام الصيام في الاعتكاف، هذه المدة التي يمكثها في المسجد يكون صائمًا.

المقدم: ولو ساعة.

على كل حال ما يُطلق عليه الاعتكاف، ومنهم من قال: يصح مع شرط الصيام في دون اليوم، حكاه ابن قُدامة، وعن مالك: يُشترط عشرة أيام، عملًا بما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان يعتكف بالعشر الأواخر، وعنه يومٌ أو يومان، ومن لم يشترط الصوم، قالوا: أقله ما يُطلق عليه اسم لُبث، ولا يُشترط القعود، لو وقف مدة يطلق عليها لُبس ومُكث، وقيل: يكفي المرور مع النية، كوقوف عرفه، وروى عبد الرزاق عن يعلى بن أمية الصحابي: (إني لأمكث في المسجد الساعة، وما أمكث إلا لأعتكف)، على كل حال اللغة لا تساعد على إطلاق الاعتكاف في مثل هذا، نعم، المرور مع النية كوقوف عرفة.

المقدم: لا يطلق عليه عكوف.

لا يطلق عليه لغةً اعتكاف ولا عكوف، بل المُكث الذي يطلق عليه لغةً وعرفًا أنه مكث واعتكف ولزم المكان، لأن الاعتكاف لزوم المكان.

 واتفقوا على فساده بالجِماع، حتى قال الحسن والزُهري: (من جامع فيه لزمته الكفارة)، كفارة أيش؟ من جامع فيه لزمته الكفارة.

المقدم: كانوا يشترطون الصوم.

أين؟ اتفقوا على فساده بالجماع، حتى قال الحسن والزهري: من جامع فيه لزمته الكفارة، نعم إذا كان مقترنًا بصوم وفي رمضان، معروف أنه كفارة ما صارت الكفارة لفساد الاعتكاف.

المقدم: لرمضان مثلًا.

نعم للوطء في رمضان.

المقدم: اعتباره نذرًا يعني اعتباره أنه ألزم نفسه مثل النذر، فتكون كفارة النذر.

يعني لو أبطله بغير جماع، تلزمه كفارة؟

المقدم: لا.

هم ربطوا الكفارة بالجماع، من جامع فيه لزمته كفارة، ما فيه بيان لهذه الكفارة، والكفارة المتعلقة بالجماع يحتمل أن تكون كفارة الجماع في نهار رمضان، ويحتمل أن تكون كفارة وطء الحائض مثلًا؛ لأنها متعلقة بالجماع، وهذا الفرع الذي ذُكر في كلام الحسن والزهري، وإن كان لا حظ له من النظر، لكن لتخريج أقوال أهل العلم، على القواعد المعروفة يكون مترددًا بين الكفارتين، فيكون حينئذٍ من قياس الشبه، فهل هو بالصيام أشبه؟ صيام.. الاعتكاف بالصيام أشبه؟ أو أشبه بوطء الحائض؛ لأنه ممنوع من قربان زوجته في هذه المدة؟

المقدم: ربما الثانية، والله أعلم.

وهذا القول ليس براجح ولا يعمل به، لكن من باب تخريج أقوال أهل العلم على القواعد، ألزموه بكفارة، هل هي كفارة يمين، أو كفارة جماع؟ كفارة جماع، الجماع فيه أكثر من كفارة، المجامع في نهار رمضان تلزمه كفارة، ومن جامع امرأته وهي حائض تلزمه كفارة، على القول بصحة الحديث الوارد فيه، وأكثر أهل العلم على تضعيفه.

 لكن من باب تخريج أقوال العُلماء على القواعد، نقول: هذا فرع متردد بين أصلين، ونحن نتحدث بلسانهم، فإما أن يقال عليه كفارة مجامع في نهار رمضان، باعتبار أنه ممنوع من الجماع في الاعتكاف، كما مُنع من الجماع في الصيام، أو نقول: إنه ممنوعٌ من الجماع في الاعتكاف، ممنوع من قربان امرأته وجماعها في الاعتكاف، كما مُنع منها في حال الحيض، وحينئذٍ.

المقدم: وجه الشبه هنا.. فالأمر هو متردد.

هو متردد بينهما، مجاهد ماذا يقول؟ يتصدق بدينارين، والكفارة الواردة في وطء الحائض، يتصدق بدينار أو نصفه، هذا إذا صح الخبر، واختلفوا في غير الجماع، ففي المباشرة أقوال ثالثها: إن أنزل بطل وإلا فلا، اختلفوا في غير الجماع، ففي المباشرة أقوال ثالثها: إن أنزل بطل وإلا فلا، حينما يذكرون الأقوال وما يذكرون الأول والثاني، يذكرون الثالث، إن وأن والثالث أصلان، هذا من باب المبالغة في الاختصار، إن وأن الثالث أصلان، يعني اختلفوا في الأصل هل هي إن المكسورة وتفتح في مواضع، أو أن المفتوحة وتكسر في مواضع.

فالقول الأول من الأصل إن، والقول الثاني أن الأصل أن، والثالث أصلان، كلاهما قائم برأسه، هنا اختلفوا في غير الجماع في المباشرة أقوال ثالثها: إن أنزل بطل وإلا فلا، القولان المتقابلان يبطل مطلقًا، والثاني: لا يبطل مطلقًا، والثالث: إن أنزل بطل وإلا فلا.

وقال العيني: قوله والاعتكاف في المساجد كلها، والاعتكاف بالجر عطفًا على لفظ الاعتكاف الأول، وقيّده بالمساجد؛ لأنه لا يصح في غير المساجد، وجمع المساجد وأكدها بلفظ كلها إشارة إلى أن الاعتكاف لا يختص بمسجد دون مسجد، وفي شرح ابن بطّال: أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد؛ لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، وقال حذيفة: (لا اعتكاف إلا في مسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس)، وقال سعيد بن المسيب: (لا اعتكاف إلا في مسجد نبي)، سبق أن سعيد بن المسيب نُقل عنه أنه يخصه بمسجد المدينة، وهنا قال: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي، لعله يُريد مسجد النبي عليه الصلاة والسلام.

ويطلق على الثلاثة وعلى غيرها من مساجد الأنبياء، وذهب هؤلاء إلى أن الآية خرجت على نوعٍ من المساجد، وهو ما بناه نبي؛ لأن الآية نزلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف في مسجده، فكان القصد والإشارة إلى نوع تلك المساجد مما بناه نبي.

المقدم: نعم، أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، ونفع بما قلتم، وبهذا أيها الإخوة المستمعون الكرام، نصل إلى ختام هذه الحلقة، نتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لمعالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير- وفقه الله- عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، فشكر الله لكم فضيلة الشيخ، وجزاكم عنا خيرًا، شكرًا لكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى وأنتم بخير على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.