شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 21

 

المقدم:

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لشرح الجامع الصحيح، مع بداية حلقتنا نسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لا زلنا في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «شهران لا ينقصان شهرا عيد رمضان وذو الحجة» أسلفتم الحديث عن شيء من أحكام هذا الحديث ومعانيه، لعله بقي شيء فيه يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، جل الحديث عن هذا الحديث قد مضى، وبقي إشكال يسير في قوله: «شهرا عيد رمضان وذو الحجة» ذو الحجة لا إشكال في كونه شهر عيد؛ لأن العيد في أثنائه، وأما العيد بالنسبة لرمضان فبعد انتهائه.

المقدم: كيف يكون شهر عيد؟

هذا إشكال، أطلق على رمضان أنه شهر عيد؛ لقربه منه؛ لأنه ملاصق له، يليه مباشرة، قالوا: أو لكون هلال العيد ربما رؤي في اليوم الأخير من رمضان، أما إذا رؤي الهلال في النهار فهو لليلة القادمة فربما يُرى هلال العيد فى نهار الثلاثين مثلاً أو التاسع والعشرين في النهار؛ لأنه إذا رؤي الهلال نهارًا فهو لليلة القادمة، فيرى هلال العيد في رمضان، فيصدق عليه من هذه الحيثية أنه شهر عيد، ويقول هنا: أو لكون هلال العيد ربما رؤي في اليوم الأخير من رمضان، قاله الأثرم، والأول أولى؛ لقربه منه وملاصقته له، ونظيره قوله -عليه الصلاة والسلام- في المغرب إنها وتر النهار، لكن هل المغرب في الليل أم في النهار؟

المقدم: في الليل.

جاء في حديث ابن عمر الذي أخرجه الترمذي يقول: «المغرب وتر النهار».

المقدم: باعتبار أنها مثل هلال شوال ملاصقة.

نعم ملاصقة، وجاء في حديث عائشة: «أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر، إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار» فأطلق عليها أنها وتر النهار وإن كانت ليلية جهرية؛ لقربها من النهار، قالوا: وفي هذا إشارة أن وقتها يقع أول ما تغرب الشمس ولذا ينبغي المبادرة بها؛ لأن في حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلاها في اليوم الأول والثاني حينما غربت الشمس، ما صلاها في اليوم الأول في أول الوقت، والثاني في آخر الوقت كما في بقية الصلوات، وإن جاء في حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم «وصلاة المغرب من غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق» هذا مفسر، وأن لها وقتين كغيرها من الصلوات، وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري في هذا الموضع فقط، قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا معتمر قال: سمعت إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، وحدثني مسدد قال: حدثنا معتمر عن خالد الحذاء، الآن ما الفائدة من التحويل هذا؟ يقول في إسناد له حدثنا مسدد قال: حدثنا معتمر قال: سمعت إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر الإسناد كامل، ثم قال: وحدثني وفي بعض النسخ ح التي هي حاء التحويل، والفائدة منها عند أهل العلم اختصار الأسانيد وهنا ما فيه اختصار، يذكر البخاري السند كاملاً إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثم يحول، وهذا مما جعل بعضهم يجعل هذه الحاء خاءً، فتكون الخاء رمز الإمام البخاري -رحمه الله- يعني عاد السند إلى المؤلف، وبعضهم يرجح في مثل هذا التصرف طريقة المغاربة في الحاء هذه أنها الحديث، يعني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث.

المقدم: وليست تحويلًا.

وليست تحويلًا، هذه طريقة المغاربة على كل حال هذه لا تفيد، وجودها مثل عدمها، والفائدة من إيراد الإسناد الثاني: إسحاق هذا إسحاق بن سويد الراوي في الطريق الأول العدوي هذا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وأيضًا فيه كلام، ولذا قرنه البخاري بخالد الحذاء وهو ثقة من رواة الصحيح، فلم يعوّل البخاري على إسحاق وحده، وإنما أردفه برواية خالد الحذاء، فقال: وحدثني مسدد قال: حدثنا معتمر عن خالد الحذاء قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: فذكره، وإسحاق هو ابن سويد بن هبيرة البصري العدوي تابعي صغير مثل ما ذكرنا، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، خرج له البخاري مقرونًا بخالد الحذاء.

 وزعم مغلطاي في التلويح، وزعم مغلطاي أن المراد بإسحاق في الترجمة، ومضى في الترجمة قول البخاري باب شهرا عيد لا ينقصان، قال أبو عبد الله: قال إسحاق: وإن كان ناقصًا فهو تام، مغلطاي يقول المراد بإسحاق في الترجمة هو إسحاق الراوي، وليس المراد به ابن راهويه، يقول: وزعم مغلطاي أن المراد بإسحاق المذكور في الترجمة هو ابن سويد الراوي، قال ابن حجر: ولم يأت على ذلك بحجة، لكن هل مما يحتج له أنه هو راوي الحديث، ولا يمنع أن يعلق على الحديث بشيء من عنده يوضح؟ ما فيه ما يمنع، ولذا تعقبه العيني: قول صاحب التلويح، تعقب ابن حجر أنه لم يأت على ذلك بحجة. تعقبه العيني قال: قول صاحب التلويح- يعني مغلطاي- أقرب إلى الصواب، بل الظاهر أن إسحاق هو ابن سويد؛ لأنه ممن روى الحديث، فالأقرب أن يكون هو إياه، فهذا القائل يرد على صاحب التلويح فيما قاله بأنه لم يأت بحجة.

الأخ الحاضر: أبهم.

نعم.

المقدم: كعادته يبهم.

كعادته، يرد عليه بأنه لم يأت بحجة، فهذا ادعى أنه إسحاق بن راهويه، وأين حجته على ذلك؟ هو نقل عن الترمذي أن هذا قول إسحاق بن راهويه، وهو قول أحمد أيضًا، وأحمد أيضًا تقدم فيه خلاف.

المقدم: يعني بعضهم قال: أحمد بن حنبل وبعضهم قال: البزار.

نعم، هو صاحب التلويح.

المقدم: صاحب التلويح.

نفسه مغلطاي، وإن كان حجته أن الترمذي نقل هذا أعني قوله: وإن كان ناقصًا غير تمام، عن إسحاق بن راهويه يقال له: حجة صاحب التلويح أقوى فيما قاله؛ لأنه ينسبه إلى راوي الحديث الذي فيه، وما نسبه الترمذي إلى إسحاق بن راهويه يكون من باب توارد الخواطر، يعني مثل ما توارد الخاطر مع أحمد بن حنبل والبزار، يتوارد هنا إسحاق بن راهويه وإسحاق بن سويد، في انتقاد الاعتراض للحافظ رد على العيني بقوله: قلت: وقد ذكر حجته بعد ذلك، فقال: روى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح إلى إسحاق بن راهويه سئل عن ذلك فقال: إنكم ترون العدد ثلاثين، فإن كان تسعًا وعشرين ترونه ناقصًا، وليس ذلك بنقصان، فهذه الحجة في أن المسؤول عن ذلك إسحق بن راهويه وهو المجيب بما ذكر، فأين الرواية عن إسحاق بن سويد بما زعم مغلطاي حتى يرجحها أو يلحقها بالنوادر؟

ولكل وجه لا يبعد أن الراوي إذا روى الحديث أن يعلق عليه ما يبعد، وهذه ترجح قول مغلطاي، وإذا ثبت أن هذا منقول عن ابن راهويه كما نقله الحافظ عن الحاكم بتاريخه ثبت عنه أيضًا.

المقدم: هذا تأييد قوله.

وأيضًا مجرد نسبة الإمام الترمذي القول لإسحاق بن راهويه، وهو يروي بالأسانيد المتصلة عن الأئمة، يقول يروي بالأسانيد المتصلة عن الأئمة أيضًا يكفينا في إثبات نسبة هذا القول إلى ابن راهويه، فلا يلزم أن نقول: أين حجتك يا ابن حجر؟ ولا يلزم من ذلك أيضًا تغليط مغلطاي.

الأخ الحاضر: ابن حجر هنا مستنده الرواية، لكن هذا كان مستنده الظن، مغلطاي.

لكن ما نغلط، نحن لا نجزم بأنه إسحاق بن سويد؛ لأنه لم يثبت عنه بالإسناد، لكن لا يبعد أن يعلق على الخبر، وابن حجر اكتفى بقوله: ولم يأت على ذلك بحجة، يعني إن كان القصد أن الحجة الرواية عنه بالإسناد أنه سئل فأجاب ما أتى بحجة، لكن إذا كان الظن الغالب كافيًا في مثل هذا؛ فما المانع أن يثبت عن هذا وهذا، والحديث أيضًا مخرج في صحيح مسلم، فالحديث متفق عليه.

المقدم: قال -رحمه الله- عن ابن عمر-رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعًا وعشرين ومرة ثلاثين».

راوي الحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب مر مرارًا، والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: لا نكتب ولا نحسب، يقول العيني: مطابقته للترجمة من حيث إنها بعض الحديث يعني الترجمة جزء من الحديث إنا أي العرب؛ لأن إن أصلها ...

المقدم: إننا.

أدغمت إن بـ نا فصارت إنا وهي للجمع، إننا للجمع خلاف المفرد إني لو أراد نفسه لقال: إني، لكن يريد العرب، قال الطيبي: هي كناية عن جيل العرب، وقيل: أراد نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء وصفه بأنه أمي، وجاء وصف الأمة بأنها .

المقدم: أمية.

إنا أمة أمية، لكن القول بأنه أراد نفسه والإخبار عن حرف التوكيد أمة، هل يمكن أن يريد نفسه ويقول: إنا أمة؟

الأخ الحاضر: يبعد.

لكن ليس بممتنع.

المقدم: لأن إبراهيم أمة.

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [سورة النحل 120]، وأيضًا العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع.

المقدم: للتعظيم.

لا بدون تعظيم.

الأخ الحاضر: للتأكيد فقط.

للتأكيد، كما نص على ذلك الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه في تفسير{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } قال: والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجماعة، ولا يمنع أن يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- نفسه وإن كان خلاف الظاهر، لكن هو يريد مجموع الأمة؛ لأن الخبر مما يهم الأمة بكاملها.

المقدم: صحيح.

الخبر يهم الأمة بكاملها، لو كان الأمي هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- فقط من بين أمته {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [سورة الجمعة 2]،  ما سرى هذا الخبر على جميع الأمة لو كان المقصد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمي، وأمته أمية، أمة يقول الجوهري: الأمة الجماعة، وقال الأخفش: هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان، الأخفش إذا أطلق يراد به؟

المقدم:........

 لا لا شخص بعينه، الأخفش.

الأخ الحاضر: من علماء النحو.

من علماء النحو، لكن كم من الأخافش؟

المقدم: فيه أخفش متقدم وأخفش متأخر.

قل كبير ومتوسط وأوسط وصغير، لكن الأخافش ثلاثة عشر.

المقدم: كلهم أئمة نحو.

كلهم علماء.

المقدم: نحو.

نحو..... لكن إذا أطلق من غير ذكر لاسمه فهو الأوسط سعيد بن مسعدة، وقال ابن الأثير: الأمة الرجل ينفرد بدين كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ } [سورة النحل 120]، إبراهيم كان أمة -عليه السلام-،  فالرجل الذي ينفرد بدين أمة، والذي يشتمل على الأوصاف ما تشتمل عليه الأمة بكاملها من جميع صفات الكمال ومما يمدح به يمكن أن يقال أمة، أمية بلفظ النسب إلى الأم فقيل: أراد أمة العرب؛ لأنها لا تكتب، أو منسوب إلى الأم؛ لأن المرأة هذه صفتها غالباً، غالبًا متى؟

المقدم: في وقتهم.

في وقتهم، لا أقول وأبعد إلى وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى وقت ليس ببعيد، هذه غالب النساء، لكن الآن تعلمت النساء ففاق كثير منهن كثيرًا من الرجال، وقيل: منسوبون إلى أم القرى، أمية نسبة إلى أم القرى، وقال الداودي: أمة أمية لم تأخذ عن كتب الأمم قبلها، وإنما أخذت عما جاءها من الوحي المنزل من الله -عز وجل- يقول ابن حجر في ضمن ما قال من الأقوال: أو منسوب إلى الأمهات أي أنهم على أصل ولادة أمهم، منسوب إلى الأم ظاهر، الأم تنسب إليها فتقول أمي، النسبة إلى الأمهات كيف تنسب إليها؟ تستطيع أن تنسب أمي إلى أمهات؟

المقدم: لا.

الأخ الحاضر: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}[سورة النحل 78].

نعم، لكن النسبة ألحق بها ياء النسب.

المقدم: يعني ما يمكن أن تقول: أمهاتي.

أمهاتي، لكن النسبة إلى الجمع شاذة، مادام وجد المفرد التي هي أم ينسب إلى المفرد، على كل حال هذا كلام ابن حجر في ضمن ما قاله من الأقوال، أو منسوب إلى الأمهات أي أنهم على أصل ولادة أمهم. تعقبه العيني بقوله: من له أدنى شمة من التصريف لا يتصرف هكذا، لماذا؟ لأن العيني نظر مثل ما عرضنا الآن إلى اللفظ يعني لو كانت أمة أمهاتية صارت نسبة إلى الأمهات لكن أمة أمية نسبة إلى الأم هذا كلام من؟

الأخ الحاضر: العيني.

العيني، أجاب البوصيري في المبتكرات إن هذه النسبة يعني النسبة إلى الأمهات تعود إلى الأم، يعني ما يمنع أن تنسب إلى جزء الكلمة الأمهات ما هي مبدوءة بالأم وزيد عليها بالهاء وعلامة الجمع، يقول صاحب المبتكرات: إن هذه النسبة تعود إلى الأم؛ لأن الهاء في هذا الجمع زائدة، فالمنسوب إليه هو الأصل دون الزائد، وفي القاموس: ويقال للأم الأمة والأمهة، والجمع أمات وأمهات، وفي التاج فالهاء من حروف الزيادة وهي مزيدة في الأمهات، والأصل الأم، قال الأزهري: وهذا هو الصواب؛ لأن الهاء مزيدة في الأمهات. وفي الشافية -هذا كله من نقول البوصيري- وفي الشافية أن النسبة إلى قنسرين قنسري بدون نون والنسبة إلى حنيفة.

المقدم: حنفي.

حنفي لا نذكر حنيفي.

المقدم: بدون ياء.

 تحذف والنسبة إلى شنوءة .

المقدم: شنئي.

فكما أن العرب يتصرفون في النسبة بمثل هذا النقصان يتصرفون في النسبة بمثل هذا النقصان، يتصرفون فيها بالزيادة أيضًا، فقد نسبوا إلى الري فقالوا: رازي، الرازي نسبة إلى الري، وإلى مرو.

الأخ الحاضر: مروزي.

مروزي، وإلى الهند هندواني، فيزيدون في النسبة وينقصون، وهذا منها ينقصون الهاء في النسبة، وفي الصحاح سيوف هندكية.

المقدم: من الهند.

الهنادكة الهنود، والكاف زائدة، نسبوا إلى الهند على غير قياس، وسيوف هندكية أي هندية، ولم تسمع زيادة الكاف في النسبة في غير هذه الكلمة، اسمع كلام البوصيري ماذا يقول: ثم إني أشهد الله تعالى أن من عرف هذا الكلام، ولم يكن فيه عرق التعصب يسلم بأن ابن حجر ممن أكل التصريف في الألفاظ والمعاني أكلاً لما لا أنه شمها شمًّا، العيني يقول: من له أدنى شمة من التصريف لا يتصرف هكذا.

المقدم: لكن ذلك يقول أكلها أكلاً.

 ثم إني أشهد الله تعالى أن من عرف هذا الكلام، ولم يكن فيه عرق التعصب، يسلم بأن ابن حجر ممن أكل التصريف في الألفاظ والمعاني أكلاً لما لا أنه شمها شمًّا، والحاصل أن ابن حجر موافق للعيني في جميع ما جوزه ونقلاه في هذه النسبة، غير النسبة إلى الأمهات التي نقلها بالقيل، وقصر العيني كلام ابن حجر، فتأمل الجميع، والله أعلم. لأنه ما نسب إلى ابن حجر إلا النسبة إلى الأمهات لكي يتعقبه.

المقدم: صحيح.

ومر بنا مرارًا أن العيني ينقل الكلام الكثير عن ابن حجر ولا ينسبه، لكن إذا أراد أن يتعقب.

المقدم: نسب.

 نسبه مع الإبهام، قال: قال بعضهم، في روح المعاني للألوسي في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [سورة الجمعة 2] يعني سبحانه العرب؛ لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون، وقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر عن النبي -عليه الصلاة السلام- قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»، وأريد بذلك أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب، فهم على أصل جبلتهم الأولى، فالأمي نسبة إلى الأم التي ولدتهم، وقيل: نسبة إلى أمة العرب، وقيل: إلى أم القرى، والأول أشهر، واقتصر بعضهم في تفسيره على أنه الذي لا يكتب، والكتابة على ما قيل بدئت بالطائف أخذوها من أهل الحيرة وهم من أهل الأنبار يعني أهل الحيرة أخذوها ممن؟

المقدم: أهل الأنبار.

أهل الأنبار، هذا كلام الألوسي في تفسير آية الجمعة.

المقدم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [سورة الجمعة 2].

يقول: يعني -جل وعلا- العرب؛ لأن أكثرهم لا يقرؤون ولا يكتبون، وإذا كانت هذه صفتهم، إذا كانت الأمية صفة الأمة فهي صفة نبيها -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق وأكمل الخلق، لكن لا يعني الأمية التي هي الجهل أفضل من العلم لا.

المقدم: ثم لا يعني أنها مستمرة أو لا يعني هذا؟

كيف؟

المقدم: هل يعني كونها وصفت بالأمية أنها أمية مستمرة أو أنه وصف في حال؟

هذا الوصف حقيقة حينما تكلم النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويستمر حكم هذا الوصف الحقيقي يستمر حكمًا ولو ارتفعت حقيقته يستمر إلى قيام الساعة؛ لأن حكم الأمي هذا الذي لا يكتب ولا يحسب لا يتعلق بالكتابة والحساب في هذا الباب الذي هو باب إدخال الشهر.

المقدم: ولو تعلم ولو كتب ولو حسب.

ولو تعلم ولو كتب ولو عرف دقائق العلوم يرتفع الوصف الحقيقي، ويبقى الوصف الحكمي.

المقدم: يعني هذا في الحقيقة هو موضع سؤال، أنا أستئذن فضيلتكم في أن نبتدئ به الحلقة القادمة فيما يتعلق بهذا الوصف نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، أشكر في ختام هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة وأنتم على خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.