كتاب الغصب والشفعة من المحرر في الحديث - 08

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم

.. الوصية..

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا وزدنا علمًا، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين، قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في كتاب المحرر:

باب الوصية:

 عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وزاد وقال عبد الله بن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيتي.

 وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: عادني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت: يا رسول الله، بلغ بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مال؟ قال: «لا»، قلت: أتصدق بشطره؟ قال: «لا»، قلت: فالثلث، قال: «الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولست منفقًا نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في فيِّ امرأتك»، قال: قلت: يا رسول الله، أخلَّف؟ قال: قلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصيحابي؟ قال: «إنك لن تخلف وتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلَّف حتى ينتفع بك أقوام، ويُضَر بك آخرون»، ثم قال: «اللهم امضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم ولكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن توفي بمكة، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها، ولم توصِ، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»، متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولم يقل البخاري: ولم توصِ.

 وعن إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته عام حجة الوداع: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، الولد للفرش، وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها»، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: «ذلك أفضل أموالنا»، وقال: «العاريَّة مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم»، رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وهذا لفظه، وحسنه، وبعضهم اختصره، وشرحبيل من ثقات الشاميين، قاله الإمام أحمد وضعفه يحيى بن معين."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الوصية" الوصية جمعها وصايا، كعطية وهدية فعيلة بمعنى المفعول، جمعها الوصايا، كما أن الهدية جمعها الهدايا، والعطية جمعها العطايا، والوصية تصرُّف من يصح تصرفه بماله بعد وفاته، بعد موته، فالوصية لا تنفذ إلا بعد الموت، بخلاف الوقف وغيره من التصرفات المنجَزة، وأما بالنسبة للوصية فإنها تكون موقوفة على موت الموصي، والوصية من الحقوق المتعلِّقة بالتركة من الحقوق المتعلقة بتركة الميت التي أولها مؤونة التجهيز تجهيز الميِّت، فأول ما يبدأ به من تركة الميت مؤونة تجهيزه ككفنه وحنوطه وأجرة الغاسل وحافر القبر والدافن إذا لم يكن هذا من متبرِّع كبيت المال وغيره، لكن هذا أول الحقوق المتعلقة بالتركة.

 الثاني: الديون التي لها تعلُّق بعين التركة كالديون الموثَّقة برهن، الديون الموثَّقة برهن؛ لأن هذا الدين الموثَّق برهن له تعلُّق بهذا المرهون الذي هو جزء من التركة.

 والثالث: الديون المطلقة المرسلة، مات شخص وعنده تركة، وعليه ديون لآخرين، ومنها دين الله- جل وعلا- كالزكوات والكفارات هذه تخرج من التركة قبل قسمتها، هذا هو الثالث.

 والرابع: الوصايا، الرابع: الوصايا، فلا تُنَفَّذ الوصايا إلا بعد الحقوق الثلاثة السابقة: مؤونة التجهيز والديون المتعلقة بعين التركة والديون المرسلة والمطلقة التي لا تتعلق بجزء منها، ثم الوصايا الذي هي موضوع حديثنا.

 وتنفَّذ هذه الوصايا قبل الإرث، قبل قسمة التركة، والخامس هو الإرث، وبقسمة ما بقي بعد الحقوق الأربعة على الورثة بقسمة ما يبقى من تركة الميت على الورثة إن بقي لهم شيء وإلا لا شيء له، وقد يخلِّف الميت لورثته ديون الأموات، منهم الغني، ومنهم المستور، مستور الحال، ومنهم الفقير المدين، فإذا كان وراءه تركة يتصرَّف فيها على ضوء ما تقدَّم فيجهَّز الميت من تركته من رأس مال التركة، ثم بعد ذلك أصحاب الديون الذين وثقوا ديونهم برهن هؤلاء يقدَّمون على غيرهم، ثم أرباب الديون المرسلة والمطلقة وفي حكمها حقوق الله -جل وعلا- من الزكوات والكفارات والنذور وما أشبه ذلك تخرج من أصل التركة، ثم بعد ذلك الوصايا، الوصايا بعد الديون مع أن الوصية مقدَّمة في كتاب على الدين، {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [سورة النساء:12]، والعلماء يقولون: إن الديون مقدمة على الوصايا، فكيف يتفق هذا مع ما جاء في كتاب الله من تقديم الوصايا على الديون يتفق أم ما يتفق {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [سورة النساء:12]، {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} [سورة النساء:12] كلها في تقديم الوصية على الدين، فكيف يقول العلماء: إن الدين مقدَّم على الوصية؟

طالب: ............

والله ما أسمع، ما أسمع شيء..

طالب: ............

ما له علاقة، الكلام على الدَّين أنت دائن لشخص توفي، وهذا هو مدين لك بمبلغ مائة ألف، وقد أوصى بثلث ماله إذا نفذت الوصية ما بقي لك شيء تسمح له، ينفذون وصيته وتفك دينك، الله- جل وعلا- يقول: {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [سورة النساء:12]، فالوصية مقدَّمة في كلام الله -جل وعلا- على الدين، فهل تجود نفسك أن تنفذ وصاياه ويضيع دينك؟ هذه حقوق العباد مبنية على المشاحة، حقوق العباد مبنية على المشاحة، والدين شأنه عظيم وأمره خطير، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «صلوا على صاحبكم»، في الشخص المدين بدراهم يسيرة درهمين أو ثلاثة، هذا ضُمنت عنه لما ضمنت صلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، من هنا جاء اهتمام أهل العلم بالدين، والناس لا يتنازلون عن حقوقهم، الوصية تفضل من الموصي، وهذا حق لازم واجب في ذمته، وتقديمها على الدين لما يخشى من ضياعها، الوصية ليس وراءها أحد يطالب بها، أما الديون فوراء ورثة الميت ووصي الميت وراءه صاحب الدين يطالب إلى أن يصل إلى حقه، فلما كانت الوصية بصدد أن تُهمَل وتضيَّع قدمت في الذكر على الدين الذي وراءه من يطالب به وإلا حتى من حيث المعنى الدين مقدم على الوصية؛ لأن الوصية فضل من الموصي إلا في حالات تجب فيها كما سيأتي فيقدم الدين، يبدأ بالدين الذي فيه رهن، ثم بالدين المرسل الذي ما فيه رهن، ثم بعد ذلك تنفذ الوصايا، الوصايا التي ليس فيها جنف ولا حيف ولا ميل، أما ما كان فيه جنف فإنه يعدَّل، ثم بعد ذلك الإرث إذا انتهت الحقوق الأربعة بقي الإرث بحيث يوزَّع على الورثة على ما سيأتي في الفرائض، يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى الفرائض.

هذا يسأل يقول: لماذا جعل المؤلف هذه الأبواب ضمن كتاب الغصب والشفعة؟

عندكم؟ كتاب الغصب والشفعة، باب الغصب والشفعة، هذا باب ثم بعد ذلك باب الباب الثاني السَّبَق، والثالث إحياء الموات، والرابع اللقطة واللقيط، الخامس الوقف، والسادس الهبة، والسابع الوصايا، أو الوصية كلها ضمن كتاب الغصب والشفعة.

 الذي يظهر أن كلمة كتاب الغصب والشفعة مدرجة من بعض النسَّاخ وإلا فلا يدخل فيها، ما علاقة الهبة والسبَق في الغصب والشفعة؟ فهو باب الغصب والشفعة باب من ضمن الأبواب، ولا ارتباط له ببقية الأبواب.

 قال -رحمه الله-: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ما حق امرئ مسلم، ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وزاد: وقال عبد الله بن عمر" زاد مسلم: "قال عبد الله بن عمر: ما مرت عَلَيَّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصية".

 وصيته تحت رأسه، هذا ابن عمر، ابن عمر عُرِف بسرعة الامتثال، مع أن الصحابة كلهم على ذلك، لكن ابن عمر في مناسبات نقل عنه سرعة الامتثال، يقول: ما مرت عليَّ ليلة واحدة في الحديث يبيت ليلتين في بعض الروايات أو ثلاثًا، ابن عمر ليلة بادر بالامتثال، «نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل»، فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، امتثال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، في حديث ابن عمر فكان عبد الله يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، هذا عبد الله بن عمر، ونحن نسمع الأوامر والنواهي وكأن الأمر لا يعنينا.

 «ما حق امرئ مسلم» يعني لا ينبغي لمسلم «له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، سواء كانت هذه الوصية من الوصايا الواجبة أو الوصايا المندوبة؛ لأن ترك الوصية إذا كان عنده شيء يوصي به لا شك أنه تفريط وتسويف؛ لأنه ما يدري متى يفجأه الأجل، لا يعلم قد يقول قائل: أنا سمعت هذا الحديث الليلة، وبكرة الجمعة، والسبت أذهب إلى القاضي يكتب وصيتي ويموت قبل ذلك، ويموت قبل ذلك، إذا كانت الوصية من الوصايا المستحبة فأمرها سهل، لكن هناك وصايا واجبة يترتب عليها حقوق، عليك ديون لا بد أن تبين، تقيد هذه الديون؛ من أجل براءة ذمتك، أو حصل أن طلقت زوجتك منذ أمد بعيد من عشر سنين، ثم طلقتها ثانية تقيِّد؛ لئلا تضيع وتنسى فتكون معاشرتك لزوجتك بعد الطلقة الثالثة حرامًا، فمثل هذه الأمور لا بد من الاهتمام بها والعناية بشأنها، الورثة ما يدريهم أنك مدين، وما يدريهم أن لك دينًا يضيع بسبب تفريطك، وإذا كان لا يوجد لديك شيء من ذلك مما يجب فالمستحب أن تقدم لنفسك شيئًا تجده أمامك، وهذا هو مالك الحقيقي، توصي بشيء من مالك يصرف بعد وفاتك في أعمال البر ووجوه الخير، هذا هو مالك الحقيقي، ليس مالك ما يأخذه الوارث الذي قد يستعين به على طاعة الله، وقد يستعين به على معصية الله، وقد يكون سببًا لقطيعة الرحم، وما أكثر ما تسبب الإرث في قطيعة الرحم، وكذلك الأوقاف والوصايا كلها إذا وجد أناس متشاكسون همهم وهدفهم الدنيا يحصل بينهم مثل هذا، لكن إذا كتبت الوصية بوضوح ما ترك مجال للنزاع. «ما حق امرئ مسلم»، وكذلك المرأة، ومثل ما قلنا: خشية أن يفجأه الأجل، وتضيع الحقوق سواء كانت له أو عليه أو يفرِّط، فلا يقدم لنفسه شيئًا ينفعه في الآخرة، وكذلك المرأة، فالنساء شقائق الرجال، أين هذا الكلام من مشكاة النبوة من شخص كتب وصيته في ليلة من الليالي، وهو يعرف أن الوصية فيها اقتران بالموت، فخاف من الموت، وجعل يتقلب في فراشه ما نام كل الليل حتى مزق الوصية، ما نام حتى مزق، يظن أن الموت سيهجم عليه لما كتب هذه الوصية، هذا جهل، هذا حمق، الوصية ما لها علاقة، نعم لا تنفذ إلا بعد الموت، لكن ليس لها علاقة لا تقرب أجلًا، ولا تبعد أجلًا.

 «ما حق امرئ مسلم له شيء» بهذا القيد؛ لأن بعض الناس ما عنده شيء، ماذا يوصي؟ لا عليه شيء، ولا له شيء، ولا في حوزته شيء، هذا ما يحتاج أن يوصي، «ما حق امرئ مسلم له شيء» بهذا القيد يريد أن يوصي فيه، يريد هذه الإرادة استدل بها أهل العلم على أن الوصية مستحبة إلا إذا كان متعلقًا بها حقوق واجبة في الحقوق الواجبة في الديون هذه واجبة بلا شك لوجوب هذه الديون، أما إذا كان ليس عليه حقوق واجبة يريد أن يوصي فيه إذًا الوصية مستحبة عند جماهير أهل العلم وأوجبها الظاهرة مطلقًا، وعرفنا أنها قد تجب إذا كانت مرتبطة بواجب.

 «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين» المقصود بذلك المبادرة، والعدد لا مفهوم؛ لأنه جاء أو ثلاث؛ لأنه قد يلتفت يمينًا وشمالاً يبحث عن قلم يبحث عن ورقة ما يجد فترك له فرصة، والآجال بيد الله قد يعزم على الكتابة فورًا بعد سماع الحديث، ويموت قبل أن يكتب، لكن المقصود بذلك الحث على المسارعة في كتابة الوصية ، «إلا ووصيته مكتوبة عنده».

"متفق عليه، وهذا لفظ مسلم" إذا كان هذا لفظ مسلم فما الذي للبخاري منه؟ هذا لفظ مسلم إذًا يكون للبخاري معناه أو يكون فيه اختلاف يسير.

 "متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وقال عبد الله بن عمر: ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيتي".

 يعني الوصية أمرها أيسر من أن تكون عند قاضٍ أو في محكمة أو كذا يبيِّن الشخص ما عليه من حقوق لازمة، عليه كفارة يمين، عليه باقي زكاة، عليه شيء، عليه دين لفلان مقداره كذا أو شيء من هذا ويوصي بثلث ماله، ربع ماله، خمس ماله في أعمال البر، ويبين هذه الأعمال وأُثِر عن بعض السلف صيغ لهذه الوصية، هذا ما أوصى به فلان بن فلان بعد أن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله إلى آخر ما هو موجود ومسطور في كتب أهل العلم، قد يكون هناك تصرفات من بعض العامة فيها مخالفة، فيها مخالفة، فإذا لم يأمن على نفسه من هذه المخالفة فإنه لا مانع أن يذهب إلى طالب علم أو عالم يكتب له هذه الوصية، لكن يؤخِّر الوصية باعتبار أنه ما وجد أحدًا يكتب له فهذا ليس صحيحًا.

 "قال عبد الله بن عمر: ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك إلا وعندي وصيتي" قد يخيل لبعض الناس أن ابن عمر أحرص من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، الرسول يقول: ليلتين، وابن عمر قال: ليلة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما قصد ما قصد العدد لذاته، وإنما حث على المسارعة في كتابة الوصايا، وكل ما بادرت أفضل لك، كل ما تبادر أفضل لك وآمن من أن يفجأك الأجل، وأنت ما فعلت شيئًا، ثم تندم، ثم إذا مت وأنت ما أوصيت بشيء تنتفع به في آخرتك، أو تبرأ به ذمتك، الآن صرت تحت منَّة الورثة، تحت منة الورثة إذا منوا عليك وأخرجوا جزءًا يسيرًا من مالك، هذا من فضلهم عليك، ومنتهم عليك، لا يجب عليهم أن يتصدقوا عنك، ولا يجب عليهم أن يتبرعوا أو بشيء.. لا، هم يمنون عليك، لكن أنت افرض لنفسك من مالك، ما ينفعك وهذا هو مالك الحقيقي.

 "وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه" سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة قال سعد بن أبي وقاص: "عادني النبي -صلى الله عليه وسلم"- يعني زارني النبي -عليه الصلاة والسلام- العيادة هي زيارة المريض، وزيارة المريض سنة بالاتفاق، نقل النووي الإجماع على أن زيارة المريض مستحبة مع أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه باب وجوب عيادة المريض، باب وجوب عيادة المريض، "عادني النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -عليه الصلاة والسلام"- يعود المرضى طلبًا لما عند الله -جل وعلا- يزور القبور، ويعود المرضى، ويزور أصحابه ويواسيهم، "عادني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع"، وفي بعض الروايات عام الفتح.

 المقصود أنه بمكة، لكن هذا الحديث متفق عليه في الصحيحين، وبعضهم يقول: إنه عاد مرتين، عاد في عام الفتح، وعاده في حجة الوداع، وهذه طريقة ومنهج عند أهل العلم إذا وجد الاختلاف بين الروايات قال بتعدد القصة، قال بتعدد القصة، وحصلت مرتين، لكن السياق واحد، والألفاظ واحدة، فالمرجَّح بل المتعيِّن أن القصة واحدة، ولا يمنع أن يكون هناك راجح ومرجوح فيحكَم بالراجح للراجح بأنه محفوظ، وعلى المرجوح بـأنه وهم أو منكر يكون شاذًّا، ولو كان راويه ثقة، لكن بعضهم صيانة لرواية الثقات وحفظًا لمكانتهم يقول بتعدد القصة، يعني مثل ما قالوا في صلاة الكسوف: اختلفت صفتها فقالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها مرارًا على هذه الأوجه الموجودة في الروايات، الإشكال أن هذه الروايات مقرونة ومربوطة بوفاة إبراهيم ابن النبي- عليه الصلاة والسلام-، ولذا يقول شيخ الإسلام: إن إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، أقول أهل العلم منهم من لديه القوة العلمية والجرأة التي تأوي وترجع إلى علم، علم محقَّق ومؤكَّد، فلا مانع أن يحكم على بعض الروايات بالوهم، وإن كان راويها ثقة، ومن يعرى من الخطأ والنسيان؟ ومن أهل العلم من لا توجد عنده هذه الجرأة فيقول بتعدد القصة ما المانع أن تكون القصة أكثر من مرة صيانة لهؤلاء الرواة الثقات؟

 المقصود أنه عندنا في الصحيحين: "عادني النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت، أشفيت منه على الموت" يعني قاربت، قاربت، وكنت على شفا الموت كما يكون على شفا حفرة، أشفا على الموت يعني قارب، ونسمع بعض الناس وهو يدعو حتى في القنوت: اللهم أشف مرضى المسلمين، صحيح أم خطأ؟ صحيح أم خطأ؟ خطأ، يعني قربهم من الهلاك ما هو بصحيح، كل هذا لعدم معرفة بعض الناس بما يحيل المعاني، هي همزة وصل، وليست بهمزة قطع.

 "أشفيت منه على الموت فقلت: يا رسول الله، بلغ بي ما ترى من الوجع، بلغ بي ما ترى من الوجع"، كأن الوجع والإرهاق ظاهر عليه؛ لأنه قال ما ترى، "وأنا ذو مال" يعني صاحب مال، وفي بعض الروايات كثير، وفي بعضها كبير عنده أموال سعد بن أبي وقاص، "ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة" يعني لا يرثه من أصحاب الفروض إلا هذه البنت ومن بيته وأسرته وإلا هو من بني زُهْرَة زهري، هو وعصبته كثر متوافرون، أخوال النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني ما يرثه بالفرض أو من ورثته الأقربين إلا هذه البنت، وأما بالنسبة للعصبة فهم كثر.

 "ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصد بثلثي مالي أفأتصدق بثلثي مالي" طيب هذه البنت كم لها من الإرث؟ يعني افترض أنه مات وما عنده إلا هذه البنت النصف.

 "قال: «لا»، قلت: أفأتصدق بشطره؟" يعني البنت تأخذ النصف، والنصف الثاني صدقة، "قال: «لا»، قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث»" يعني تصدق بالثلث، «والثلث كثير، والثلث كثير»، السياق يدل على أن الثلث أفضل من غيره، أو ما أقل منه أفضل منه؟ السياق؛ لأنه قال: «الثلث، والثلث كثير»، بعضهم يقول: أفضل شيء الثلث، ويقول: «الثلث كثير»، يعني كثير أجره، لكن السياق يأبى مثل هذا التأويل لقوله: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء» يدل على أنك كلما قللت من الوصية زاد نصيب الورثة خير لك من أن تذرهم إلى آخره.

 «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»، والذي يحقق مثل هذا أن يوصي بالثلث أو بالربع أو بالخمس أو بما أقل من ذلك، «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» يسألون الناس بأكفهم، ولذا أوصى أبو بكر بالخمس، وقال: إنه رضي بما رضي به الله لنفسه، وأوصى عمر بالربع، والباقي يوفَّر للورثة ليكونوا أغنياء، وحينئذ يكون الأمر خيرًا لهم من أن يكونوا عالة يتكففون الناس.

 «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» هذا كلام الرسول، وكلام من لا ينطق عن الهوى في الصحيحين، عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد -رحمه الله- ما ترك وراءه شيئًا، ما ترك شيئًا الحلي للزوجة والبنات رده إلى بيت المال، عمر بن عبد العزيز، نحن نريد أن نقرر كلام عمر بن عبد العزيز ونطبقه على كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- قيل لعمر بن عبد العزيز: أنت ما تركت لورثتك شيئًا قال: ما تركت لهم شيئًا؛ لأن الصالح التقي لن يضيعه الله، والفاسق لن أعينه على فسقه، كلام صحيح أم غير صحيح؟

طالب: ............

والحديث..

طالب: ............

يعني نأخذ بكلام عمر بن عبد العزيز أم بالحديث؟

طالب: ............

الزمان هذا زمن الصحابة سعد بن أبي وقاص زمن الصحابة والصحابة متوافرون في عهده -عليه الصلاة والسلام- وعمر بن عبد العزيز بعد ذلك بتسعين سنة.

طالب: ............

الله أعلم..

طالب: ..........

زين إذا قلت: الله أعلم سلمت.. يعني كلام عمر بن عبد العزيز وجيه أم غير وجيه؟ وجيه لو ما عندنا هذا النص، النص الذي عندنا حاسم، كلام من لا ينطق عن الهوى.

طالب: ............

طيب أنت الآن في زمننا هذا بعد مضي أربعة عشر قرنًا تتركهم عالة يتكففون الناس أم تقول دعهم الصالح ما هو بضائع، والفاسق لن أعينه، ما تتركهم يعني اسمع الآن تظن أن زمن عمر بن عبد العزيز أفضل من زمن الصحابة؟! يعني لو المسألة كانت تدريجًا..

طالب: ............

الرسول يقول: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة»، وعمر بن عبد العزيز بين عصرنا وبين الصحابة.

طالب: ............

لا لا، هناك الأصل الحديث يبقى أن الأصل النص الملزِم من كلامه -عليه الصلاة والسلام- الذي هو شرع لا ينطق عن الهوى، ويبقى أنه هناك قد يتذرع عمر بن عبد العزيز بشبهة سعد بن أبي وقاص من أين اكتسب المال من تجارته من تجارة، عمر بن عبد العزيز خليفة، ودخله من بيت المال، فلا يريد أن يأخذ من بيت المال شيئًا -رحمه الله-.

طالب: ............

نعم نحن ما نشك في هذا، ما نشك في عمر بن عبد العزيز، وأنه شخص راشد وموفَّق، ما عندنا إشكال في هذا، وألسنة الناس من زمنه إلى يومنا إلى قيام الساعة، والله أعلم، كلها تلهج بالثناء عليه، والدعاء له، ومن غرائب الاتفاق، من غرائب الاتفاق أن عمر بن عبد العزيز مات عن تسع وثلاثين سنة، ومؤلف الكتاب مات عن تسع وثلاثين سنة.

 فأيهما أفضل أن تجعل ورثتك أغنياء أفضل أو خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس إذا كنت عندك شك في دخلك كالموظفين مثلنا، نسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو عندنا تقصير، وعندنا تفريط، وعندنا أشياء، فيتورع الإنسان عن كثير من أمواله؛ لتبرأ ذمته، لكن مثل سعد بن أبي وقاص مشهود له بالجنة ومن عرق جبينه، من تعبه، من كدِّه، من تجارة، «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» يعني يسألون الناس بأكفهم، «ولست منفقًا نفقة، ولست منفقًا نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، ولست منفقًا نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها»، وفي هذا إثبات صفة الوجه لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته مخلصًا بذلك لله -جل وعلا- فأنت تؤجر عليها.

 «حتى اللقمة» يعني لا تحتقر شيئًا، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة، يعني تتصدق عليها بالشيء اليسير، الفرسن الظلف وما أشبه ذلك، والآن تبقى الأطعمة ويفرَّط فيها وتهان وتضيع مع الزبائل والقمائم، وقد يكون أقرب جيرانك محتاجًا إليها، «لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» يعني ولو شيئًا يسيرًا جدًّا جدًّا، «ولست منفقًا نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها»، يعني ما يضيع عند الله شيء في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، تتصدق بريال وإلا فريال والله ما يعطى، ماذا يفعل الريال؟! ينفع، لا تحقر شيئًا، تتصدق بمائة، تتصدق بألف، كل شيء بحسبه، وقد يقع القليل موقعًا ينتفع به آخذه أكثر من المبلغ الكبير، وقد سبق دينار ألف دينار.

 «إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فيِّ امرأتك» أو طفلك، أو تأكلها أنت تستعين تنوي بها الاستعانة على طاعة الله -جل وعلا-، لكن على الإنسان أن ينوي بذلك وجه الله، ويستحضر النية الصالحة، كم ينفق الإنسان من الأموال من دخله يمكن أن ينفق خمسين بالمائة أو ستين بالمائة في المواد الغذائية من دخله، ويتفاوت الناس في ذلك، بعض الناس وهو في المحل يشتري يستحضر أن هذا الغذاء له يتقوى به على طاعة الله ويضعه في فيِّ امرأته وولده وطفله، ويستعين به على طاعة الله، أجور عظيمة، وبعض الناس عادي يروح يشتري، ويرجع، ما بنيته شيء، ما يبتغي بذلك وجه الله، إنما هو إسقاط واجب. «حتى اللقمة تجعلها في فيِّ امرأتك» يعني في فمها.

 "قال: قلت: يا رسول الله أخلَّف بعد أصحابي"؛ لأنه مهاجِر من المهاجرين، ومرض بمكة وخاف أن يموت بمكة، فظن ألا تمضي له هجرته. أخلَّف بعد أصحابي، يعني أموت بمكة وأنا هاجرت، تركتها لله، "قال: «إنك لن تخلَّف»، قال: «إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله»" يعني لن تعمَّر بعد ذلك تخلف بمكة معمرًا بها، ثم بعد ذلك ترجع إلى مهاجرك أو يطول عمرك «فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، إلا ازددت به درجة ورفعة»، ولعلك أن تخلف، يعني في عمرك ما هو في مكة، يعني لعله أن يطوف عمرك «حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون»، وهذا ما حصل، عُمِّر سعد حتى ولد له الآن يقول: ليس لي إلا ابنة واحدة، ما مات إلا عن عدد من البنين والبنات أقل ما قيل: أربعة من الذكور، وقيل: عشرة، واثنا عشر بنتًا، ويقول: لا يرثني إلا ابنة واحدة.

 «ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون» تعرفون موقف سعد من الفتن التي حصلت بين الصحابة، سعد اعتزل، اعتزل الفتن كلها، ما دخل فيها، اعتزل الفتن، وصار قدوة لمن طلب السلامة لنفسه، صار قدوة لمن طلب السلام لنفسه اعتزل في مزرعته بالعقيق، وجاءه أحد أولاده ما أظنه عامرًا، أظنه عمر بن سعد، عمر ليس عامر الراوي عنه وقال له: يا أبتِ الناس يقتسمون الملك، وأنت جالس في هذه المزرعة، أو هذا المكان؟! قال: اذهب فقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».

 الفتن نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، سعد اعتزل الملك، ما له دعوة، يطلب السلامة والنجاة لنفسه، ويتعبَّد، والعبادة في الهرج يعني في وقت الفتن والقتل، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «كهجرة إليّ».

 «ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون» ثم قال: «اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم» يعني جميع المهاجرين يموتون في المدينة التي هاجروا إليها، ولا يموتون في مكة التي هاجروا منها، «اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم» بأن يرجعوا إلى ما تركوه لله -جل وعلا-، "«لكن البائس سعد بن خَوْلَة» يرثي له النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن توفي بمكة" وقد هاجر منها وتركها لله -جل وعلا- ثم مات بمكة، يعني هل عليه إثم أو ذنب أو شيء إذا جاء الحج أو العمرة ومات بمكة وقد هاجر منها هو لا يجوز الإقامة فيها، ورخص النبي -عليه الصلاة والسلام- للمهاجرين بعد الحج ثلاثة أيام فقط.

 "«ولكن البائس سعد بن خولة» يرثي له النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن توفي بمكة، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله"..

طالب: ............

البائس من باب أنه ما تحقق له أن يموت في المدينة أو.. يعني في نظرته لنفسه أو نظرة من حوله يعني فيها كأنها نظرة دون.

طالب: ............

لا لا، هو الرثاء قوله البائس، هو الرثاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-.

"متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أمي" أولاً هذا الرجل هو سعد بن عبادة سيِّد الخزرج، سعد بن عبادة سيد الخزرج، "أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أمي افتُلِتت، افتُلتت نفسها"، يعني ماتت فجأة، ماتت فجأة وبغتة ولم توصِ، وهذا الذي خافه النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن عمر، «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عند رأسه»، هذه المرأة أم سعد ماتت فجأة قبل أن توصي ولم توصِ، "وأظنها لو تكلمت" يعني تمكنت من الوصية أنها تتصدق يعني لو ترك لها فرصة ووقت من الزمن أنها تتصدق؛ لأنها محبة للصدقة ومعروفة بها، لكن ماتت فجأة قبل أن توصي.