شرح مقدمة سنن ابن ماجه (05)

هذا يقول: ذكر السيوطي في تدريب الراوي في أثناء كلامه عن تعقبه لموضوعات ابن الجوزي، قال: ومنها -يعني الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي صحيحة- ما هو في صحيح البخاري من رواية حمّاد بن شاكر، وهو حديث ابن عمر: ((كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟!)) وهذا الحديث أورده الديلمي في مسند الفردوس، وعزاه إلى البخاري، وذكر سنده إلى ابن عمر، ورأيت بخط الحافظ العراقي أنه ليس في الرواية المشهورة، وأن المزي ذكر أنه في رواية حماد بن شاكر. انتهى المقصود من كلامه -رحمه الله-.

يقول: نرجو من فضيلتكم توضيح هذا الكلام، والمقصود برواية حماد بن شاكر، مع العلم أني بحثت عن هذا الحديث في البخاري فلم أجده، والحديث رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وعبد بن حميد، وذكره البغوي في التفسير، وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن أبي حاتم، وقال: هذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف. انتهى.

وقد عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي وابن عساكر، قال: بسند ضعيف، وقال الشوكاني في فتح القدير: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة؛ لمخالفته لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يعطي نساءه قوت العام، كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة. ا.هـ.

قال الحافظ في فتح الباري: "وقد ورد في الادخار كان يدخر لأهله قوت سنة، وفي رواية: كان لا يدخر لغد، والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه، ويدخر لعياله، أو أن ذلك كان باختلاف الحال، فيتركه عند حاجة الناس إليه، ويفعله عند عدم الحاجة. والله أعلم.

وصلى الله على محمد...

هذا الحديث الذي أورده، ونسبه إلى البخاري في رواية حماد بن شاكر أولاً: المراد برواية حماد بن شاكر كما تعلمون الصحيح سمعه من مؤلفه ما يزيد على تسعين ألفاً، كلهم سمعوه من الإمام البخاري، لكن الروايات التي بقيت وحفظت ودونت ورويت عمن رواها عن البخاري قليلة يعني بالنسبة لهذا العدد، وهي كثيرة بالنسبة لروايات الكتب الأخرى، فإذا قرأتم في الشروح قرأتم في رواية أبي ذر، رواية النسفي، رواية ابن عساكر، رواية كريمة، في رواية حماد بن شاكر، رواية الكشميهني، وغيرها من الروايات، رواية أبي الوقت، روايات كثيرة للصحيح.

من هذه الروايات: رواية حماد بن شاكر، وهذه الرواية فيما يذكر أنها أقل الروايات، تنقص عن غيرها بمقدار ثلاثمائة حديث، فهذه الرواية رواية من الروايات، وإذا وجد فيها هذا الحديث كما في حديث: "كانت الكلاب تغدو وتروح في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في بعض الروايات روايات الصحيح: "وتبول" هذه رواية من روايات الصحيح "وتبول" ففي بعض الروايات ما لا يوجد في بعض في الكلمات في الأحاديث من الزيادة والنقصان، لكن الأمر كما تعلمون الأئمة يؤلفون الكتاب ويملونه على طلابهم وتلاميذهم فقد يزيدون فيه، وقد ينقصون، ثم يكون عند هذا ما ليس عند هذا... إلى آخره، فرواية حماد بن شاكر من الروايات المعروفة للصحيح، لكنها كما قالوا: إنها تنقص عن غيرها من الروايات، وقد يكون في هذا الحديث زيادة.

طالب:.......

طيب هنا يقول: وهو حديث ابن عمر، قال: ((كيف بك يا ابن عمر؟)) أو يا ابن عمرو.

طالب:.......

أو يا ابن عمرو ما يفرق، الإشكال في معارضته لما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يدخر قوت أهله سنة.

طالب:.......

وين؟

طالب:.......

((إذا عمرت بين قوم يخبئون)) ويش هو؟ المقصود أن هذا أنا أحفظه من السيوطي منذ أزمان طويلة، أعرف هذا أنا، هذا ذكره السيوطي، المقصود أننا نتعامل مع هذا النص هو صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ وإذا كان صحيحاً كيف يوفق بينه وبين غيره؟

هذا الآن ما هو موجود في البخاري، ولا يمكن أن يستدل به، نعم نقلب الروايات الصحيحة المشهورة المعتبرة بين الناس ما في، المقصود أن هذا إذا صح فلا معارضة بينه وبين كونه -عليه الصلاة والسلام- يدخر قوت عياله لمدة سنة، ويقول: ((كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟!)) يعني إذا كان الناس كلهم على حد سواءً يخبئون رزق سنتهم، أما كونه يوجد في الناس أغنياء، ويوجد في الناس فقراء، ويوجد في الناس من يدخر سنة، ويوجد في الناس من يدخر شهر، ومنهم من يدخر يوم أو يومين أو ثلاثة، ومنهم من لا يجد شيئاً هذا طبيعي، هذا عادي، ما فيه إشكال، لكن كون الناس كلهم يدخرون الرزق لمدة سنة هذا لا يحدث إلا في آخر الزمان، وهذا هو المقصود بالحديث.

طالب:.......

المقصود الآن ذكره السيوطي كيف نتعامل معه؟ وهل أقررنا السيوطي على ما ذكر؟ لذلك ما نذكر أنه في البخاري، لكن نقول: إن السيوطي ذكر، وإذا أتممت البحث نقرأه على الإخوان، أعانك الله.

أنا أقول: لو صح هذا الخبر ما فيه أدنى معارضة لكونه -عليه الصلاة والسلام- كان يدخر لأهله قوت سنة؛ لأنه يقول: ((كيف بك إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟!)) قوم جميع القوم يدخرون قوت سنتهم، وهذا لا يكون إلا في آخر الزمان حينما يعرض المال على الناس فلا يجد من يقبله، يعني إذا كان الناس كلهم على حد سواء يدخرون قوت سنة هذا في آخر الزمان، أما كون بعض الناس يدخر سنة، وقد يدخر عشر سنوات، ويستطيع أن يدخر مائة سنة، قوت مائة سنة، يستطيع بعض الناس اليوم يستطيع، لكن هل جميع الناس يستطيعون الادخار؟ ألا يوجد فقراء لا يجدون قوت يومهم؟ يوجد، وعلى كل حال تتمة البحث -إن شاء الله- إذا أحضرت ما عندك.

يقول: بينتم الطريقة المثلى في التفقه من كتب السنة، فهل يراجع في هذا الشروح أيضاً أم أنه يقتصر على المتون؟

يراجع الشروح في حال الحاجة الماسة إذا كان بيان المعنى لا يستقيم لطالب العلم إلا بمراجعة الشروح، وأما إذا استقام المعنى فيقتصر على ذكر المتون في العرضة الأولى، ثم إذا تم العمل يراجع أيضاً عليها الشروح، ولا يطال أيضاً في مسألة الشروح؛ لأنها تحتاج إلى أزمان، الشروح طويلة.

يقول: ما مقصود ابن عباس وغيره من الرواة -رضي الله عنهم- في قولهم: "فأما إذا ركبتم الصعب والذلول"؟

يعني ركبتم كل مرتكب، ركبتم كل ما يرتكب، وسلكتم المسالك السهلة والمسالك الصعبة، وأجلبتم على التحديث بكل ما تستطيعون فحينئذٍ يتوقى ويتوقف، وفي هذه العصور كل شيء يسلك، كل الوسائل تسلك، ويسلك في هذه الأيام ما لم يسلك قبل، فالوسائل تعددت في التحديث، تجد الشخص الواحد يتحدث في آنٍ واحد على ملايين البشر، ومن خلال قنوات متعددة، وفي أحاديث مختلفة، تجده يبث له في هذه القناة كلام، وفي الثانية كلام، وفي الصحيفة يكتب كلام، وفي الإذاعة يتكلم بكلام وهو شخص واحد، فتيسر من الوسائل ما لم يتسير من ذي قبل، وعلى كل حال الواجب على الإنسان أن يبذل كما أنه يجب عليه أن يحتاط، والله المستعان.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.

قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-:

باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالوا: حدثنا شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالا: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي بن حراش عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تكذبوا علي، فإن الكذب علي يولج النار)).

حدثنا محمد بن رمح المصري قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي -حسبته قال: متعمداً- فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تقول عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن يعلى التيمي عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على هذا المنبر: ((إياكم وكثرة الحديث عني، فمن قال عليّ فليقل حقاً أو صدقاً، ومن تقول عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن جامع بن شداد أبي صخرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير بن العوام: "ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعت منه كلمة يقول: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)).

حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن مطرف عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

وهذا مر نظيره في درسي صحيح مسلم والألفية، فكلاهما مر فيه هذا الكلام، لكن يجمل الكلام في هذا الباب؛ لأنه مر بشيء من التفصيل في الألفية وصحيح مسلم.

قال -رحمه الله-:

"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وسويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى أربعتهم" روى عنهم المؤلف -رحمه الله تعالى- "قالوا: حدثنا شريك" شريك بن عبد الله بن أبي نمر النخعي القاضي، متكلم فيه، وحديثه لا ينزل عن درجة القبول، وإن لم يكن في أعلى درجات الصحيح، فحديثه حسن "عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))".

وهذا الحديث بهذا اللفظ متواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد رواه عنه أكثر من ستين صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة، ورواه عن كل صحابي جماعة، فطرقه لا تكاد تحصى، ولذا حكم العلماء بأنه متواتر لفظاً ومعنى، والمتواتر حينما يذكره أهل العلم وإن لم يكن من مباحث علوم الحديث وإنما هو من مباحث الأصول إلا أن معرفته تفيد طالب العلم، لا يعني أن كون المتواتر ليس من مباحث أهل الحديث، وأنه من مباحث الفقهاء والأصوليين أن هذا قدح في هذا الفن من أنواع علوم الحديث، وهذا الفن استعمله أهل العلم، جاء على ألسنة أهل العلم الذين هم أشد غيرة على السنة ممن تكلم في هذه الأنواع، فمن يتكلم في هذا الأنواع ويقول: إن المتواتر لا وجود له في كلام أهل العلم، في كلام المحدثين، وإنما وجد في كلام المخالفين ليقسموا الكلام إلى متواتر وآحاد، فيردوا الآحاد في باب العقائد، نقول: إذا أمنت هذه الفتنة وهذه الشبهة فلا مانع من تقسيم الكلام إلى متواتر وآحاد، والآحاد إذا صح إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فالإجماع قائم عند جميع من يعتد بقوله من أهل العلم على أنه حجة في جميع أبواب الدين حتى العقائد، وأنه لا يرده إلا مبتدع، فإذا أمنا من هذه الشبهة، ووجدنا هذا الكلام أعني المتواتر والآحاد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكلام شيوخنا قاطبة وشيوخهم وأئمة الدعوة كلهم يقولون بتقسيم الكلام إلى متواتر وآحاد، أما كونه يندر وجوده في كلام أهل الحديث وليس من مباحثهم؛ لأن هذا النوع من الأخبار لا يدخل تحت صناعتهم؛ لأنهم يبحثون في علوم الحديث وفي صناعتهم ما يمكن أن يثبت، وما يمكن أن ينفى، فيثبتونه من خلال صحة سنده، وينفونه من خلال ضعفه، وأما المتواتر فلا يحتاج إلى بحث، فإذا بلغت رواته من الكثرة الكاثرة بحيث لا يحصرون، وأمن تواطئهم على الكذب، فأحالت العادة أن يتواطئوا على الكذب فإنه حينئذٍ ولو كان رواته فساقاً بل كفاراً فإن العمل به لازم، وليس للإنسان خيرة في أن يعمل أو لا يعمل، مجرد ما يسمع الخبر يصدقه تلقائياً، ولذا أي خبر مستفيض متواتر يعني يأتي بطرق متعددة متباينة لا يحتمل توطئهم الكذب فإن هذا الإنسان ملزم بقبوله، فكل واحد منا يؤمن بأن هناك بلد يقال لها: بغداد، وأن هناك جواد يقال له: حاتم، وهكذا كما أننا نؤمن بإيمان الصديق، وشجاعة علي، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا خيرة لنا في قبولها، الإنسان لا يتردد في قبول مثل هذه الأخبار؛ لأنها وردت إليه بطرق ملزمة، ومنتشرة انتشاراًَ لا يستطيع، ولا يستطيع ولا المكابرة أن يرد مثل هذا، هل على وجه الأرض من يقول: إنه لا يوجد بغداد، أو لا توجد مكة، أو لا توجد المدينة وإن لم يكن دخلها؟ فهذه بلغته بأخبار كثيرة جداً، وصلت إلى هذا الحد الموجب للعلم الضروري الذي لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه، فهذا الحديث متواتر بلفظه ومعناه، ولذا يقول التاودي ابن سودة مغربي:

مما تواتر حديث من كذب

 

ومن بنى لله بيتاً واحتسب

"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً))" الكذب مصدر كذب يكذب كَذِباً وكِذْباً وكِذَاباً وكِذّاباً، ولا مانع من إعادة بعض الكلام الذي قيل في درس الفجر اليوم في الكتابين وفي درس الأمس، لا مانع من إعادته؛ لأن تسجيل هذا الدرس غير تسجيل الدرس الماضي، فلا يكتفى بما تقدم؛ لأن حفظ شرح هذه الأحاديث لا يقترن بشرح الدروس الأخرى، فالذي يستمع لأحاديث ابن ماجه يمكن ما يستمع لأحاديث مسلم وهكذا مقدمة مسلم ولا لألفية العراقي، وإلا مباحث متداخلة بين الكتب الثلاثة.

فالكذب مصدر وهو نقيض الصدق، والكذب في اللغة مصدر كذب يكذب كذباً وكذباً وكذاباً وكذاباً، وهو نقيض الصدق، والإخبار عن الشيء على خلاف ما هو في الواقع، على خلاف واقعه، وأما الصدق فهو الإخبار عن الشيء على وفق الواقع، وهما نقيضان فلا واسطة بينهما خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن هناك كلام ليس بصدق ولا كذب، ويستدلون بقول الله {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ] فجعل المقابل للكذب ليس هو الصدق إنما هو كون الإنسان مجنون، جعلوا الجنون مقابل الكذب، وفصلنا الكلام في هذا في الدرسين الماضيين، في درس مسلم وفي الألفية.

((من كذب عليّ متعمداً)) ((عليّ)) تمسك بها من أجاز الكذب نصراً للحق، ودعوة إليه، وترغيباً فيه، وقالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من كذب عليّ)) ولم يقل: من كذب لي، ونحن نكذب له لا عليه، فأجازوا وضع الحديث في الترغيب وفي الفضائل، وقالوا: إن الناس اشتغلوا في فقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق عن القرآن، فوضعوا أحاديث يرغبون فيها الناس بفضل القرآن وقراءة القرآن حسبةً على حد زعمهم، وأنهم كذبوا له لا عليه، وهذا قول في غاية السخف والسقوط، فالدين كامل ليس بحاجة إلى ترويج، وليس بحاجة إلى دعاية، ففي ما صح في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- غنية للمسلم ولو عمل بكل ما ورده مما صح لشغل وقته به، ولاستغنى به عما لم يصح.

((من كذب عليّ متعمداً)) يستدلون أيضاً برواية: ((ليضل الناس)) فقالوا: ما قصدنا إضلال الناس، وهذه الرواية ضعيفة، بل حكم بعضهم ببطلانها، ولو قدر ثبوتها لقلنا: إن اللام ليست للتعليل، وإنما هي لام العاقبة والصيرورة، كما في قوله -جل وعلا-: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [(8) سورة القصص] فهم ما اتخذوه، ما اتخذه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً، إنما اتخذوه رجاء الانتفاع به، لكن صارت العاقبة أن صار عدواً لهم، وحزناً عليهم.

((من كذب عليّ متعمداً)) هذا القيد يترتب عليه هذا الإثم العظيم ((فليتبوأ مقعده من النار)) دليل على أن من كذب من غير عمد أنه لا يستحق هذا العقاب؛ لأن المخطئ والناسي معذور {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] لكن هل يعذر الجهل؟ هل يعذر بالجهل في مثل هذا؟ للجاهل أن يتحدث بما شاء؟ له نصيبه من الباب الثاني ((من حدث عني بحديث وهو -يُرى أو- يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) لا يعذر في حديثه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو كان جاهلاً، لكن إن أخطأ أو سبق لسانه، أو سها وندم على ذلك وصحح هذا لا إثم عليه؛ لأن الإثم المذكور في الحديث مقيد بالتعمد ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فليتخذ مباءة ومنزلاً من النار -نسأل الله السلامة والعافية-.

وعلى كل حال الحديث سنده حسن، ومتنه متواتر لا إشكال فيه.

قال بعد ذلك: "حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن موسى قالا: حدثنا شريك عن منصور" وشريك هو شريك السابق، والحديث بسببه حسن "عن منصور" بن المعتمر "عن ربعي بن حراش" بالحاء المهملة، وإن ضبطه المنذري في مختصر سنن أبي داود بالخاء المعجمة، لكن الأئمة كلهم على أنه بالحاء، "عن ربعي بن حراش عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تكذبوا علي فإن الكذب علي يولج النار))" يعني يدخل النار، فهو سبب لدخول النار، ومع ذلك عامة أهل العلم على أن من تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يكفر، بل هي هفوة عظيمة، وزلة وموبقة من الموبقات، لكنه ليس بكافر خلافاً لما يقوله الجويني والد إمام الحرمين فهو يقول: يكفر، وابن الجوزي فيما نقله عنه الحافظ الذهبي في الكبائر يقول: "لا شك أن من كذب على الله ورسوله في تحليل حرام، أو تحريم حلال فإنه كفر محض" هكذا قال، وعامة أهل العلم على أن من كذب على الله وعلى رسوله ما لم يستحل الكذب أنه لا يكفر، ثم إن تعمد الكذب جُرح به، وردت جميع أخباره السابقة واللاحقة، ثم بعد ذلك إن ندم وتاب وأقلع وعزم على ألا يعود تاب توبة نصوحاً فإنه تقبل توبته يعني في الآخرة، في الآخرة تقبل توبته لأن التوبة من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليست بأعظم من الشرك، التوبة تهدم ما كان قبلها، لكن هل تنفعه هذه التوبة في الدنيا، بمعنى أنه تقبل وراياته بعد ذلك؟ من أهل العلم من يقول: إنها لا تقبل، بل يستمر تركه وترك حديثه، ومنهم من يقول: إنه ليس بأعظم من الشرك، فالمشرك والكافر إذا أسلم تقبل توبته، وتقبل روايته.

((فإن الكذب علي يولج النار)) يعني يدخل النار، يعني من أسباب دخول النار، وقد يكون هذا السبب معارض بمانع، إنما هو وعيد من الله -جل وعلا-، وقد يتحقق هذا الوعيد وقد لا يتحقق، لكنه على خطر عظيم {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(116) سورة النساء] فهو تحت المشيئة كسائر الكبائر.

قال بعد هذا: "حدثنا محمد بن رمح المصري قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي -حسبته قال: متعمداً- فليتبوأ مقعده من النار))" وهذه الكلمة التي جاءت على سبيل التردد هنا جاءت مجزوماً بها في حديث جمع غفير من الصحابة، فهذا التردد لا يقدح فيها، فاشتراط التعمد في الكذب إنما هو لثبوت الإثم والوعد والوعيد الذي رتب عليه هذا، وأما تسميته كذب فإن هذه اللفظة تدل على أن ما لم يقصد وما لم يتعمد يسمى كذب، ولو كان الكذب خاص بالعمد لما احتيج إلى هذه الكلمة، اكتفي بقوله: ((من كذب علي... فليتبوأ مقعده من النار)) لما قيد الكذب بالعمد الكذب الذي يدخل النار، ويكون سبباً لدخول النار، والذي توعد عليه بالنار هو التعمد، دل على أن هناك كذب ليس عن عمد ولا يترتب عليه هذا الوعيد، هذا يستدل به على أن الكذب يشمل جميع الكلام الذي لا يطابق الواقع، سواءً كان صاحبه قد تعمد ذلك أو أخطأ فيه، أو نسي أو ما أشبه ذلك، فإنه كذب ولو لم يترتب عليه هذا الوعيد.

ثم قال بعد ذلك -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن جابر" هشيم بن بشير الواسطي ثقة من رجال الصحيح، لكنه مدلس، وروى هنا بالعنعنة.

"وفي الصحيح عدة" يعني من المدلسين.

وفي الصحيح عدة كالأعمشِ

 

وكهشيم بعده وفتشِ

"عن أبي الزبير" محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو أيضاً معروف بالتدليس، قال: عن جابر، ففي الخبر مدلسان حدثا بالعنعنة، فالخبر بسببهما فيه مقال، وإن كان المتن صحيحاً متواتراً من غير هذا الطريق، فعندنا هشيم، وعندنا أبو الزبير من رواة الصحيح، ورويا بالعنعنة، وخرج لهما في الصحيح بالعنعنة، وعنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، فلا كلام فيها لأحد، أحاديث الصحيحين التي فيها بعض المدلسين ورووا بالعنعنة؛ لأنها فتشت ووجد لها طرق صرح فيها بالتحديث، وتحسيناًَ للظن بالشيخين واعتباراً لتلقي الأمة لهذين الكتابين بالقبول، فلا شك أن ما جاء في الصحيحين لا يحتاج أن يبحث فيه، ولا يطعن بسبب عنعنة مدلس، وهنا خارج الصحيحين لا مانع من أن يطلب التصريح، وأن يرد الخبر إذا لم يصرح مدلس لا سيما إذا كان من الطبقة الثالثة، من طبقات المدلسين إذا كان من الثالثة فإنه لا بد أن يصرح بالتحديث، فالطبقة الأولى من لم يدلس إلا نادراً، يعني في جنب روايته، وهذا النادر وجوده كعدمه، الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه لإمامته كالسفيانين، وهذا لا يحتاج أن يصرح، أما من أكثر من التدليس ودلس عن ثقة وغير ثقة فإنه لا بد أن يصرح بالتحديث، كما هنا أبو الزبير من الطبقة الثالثة، وأما الطبقة الرابعة من المدلسين فإنهم الذين يدلسون ويكثرون منه عن الضعفاء وعن الثقات، أو جرحوا بغير التدليس، فإن هؤلاء ولو صرحوا بالتحديث.

"عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))" وأنتم سمعتم هذه الأحاديث عن جمع من الصحابة بهذا اللفظ، ولذا يمثل به أهل العلم للمتواتر لفظاً ومعنى، ويمثل به شيخ الإسلام في مواضع من كتبه، في مواضع من كتبه يمثل بهذا الحديث للمتواتر لفظاً ومعنى، ومثل للتواتر المعنوي في كل كتاب بحسب ما يبحث فيه هذا الكتاب، تجده إذا كان المسألة في الحوض قال: أحاديث الحوض متواترة، وإذا كانت المسألة في الميزان قال: أحاديث الميزان متواترة، إذا كان المسألة في الرد على المبتدعة ذكر الأحاديث وقال: إنها متواترة في المسائل التي يبحث فيها، وفي منهاج السنة يذكر أن فضائل الشيخين أبي بكر وعمر متواترة، يعني تواتراً معنوياً لا لفظياً، أما التواتر اللفظي فمثاله هذا.

بعضهم يضيف إلى النوعين أعني التواتر اللفظي والمعنوي تواتر العمل والتوارث، وتواتر الطبقة، تواتر العمل والتوارث كأعداد الصلوات، أعداد الصلوات لو بحثت في أسانيدها ما وجدت في هذه الأسانيد ما يصل إلى حد التواتر، لكن تواتر العمل والتوارث منذ زمن النبوة إلى يومنا هذا وصلاة الظهر أربع ركعات، وغيرها من أعداد الصلوات بحيث لو قال أحد: إن صلاة الظهر ثلاث ركعات يحكم بكفره؛ لأنه خالف القطعي المتواتر تواتراً عملياً، وكذلك تواتر الطبقة، فالقرآن الكريم متواتر بإجماع الصحابة عليه، واتفاقهم على ما بين الدفتين، وأيضاً بالطبقة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بلغه عن طريق جبريل، وعارضه به في كل ليلة من ليالي رمضان حتى أتمه الله في آخر حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم الصحابة تلقوه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتابعون تلقوه عن الصحابة، وهكذا تابعوهم وتابعو تابعيهم إلى يومنا هذا.

قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تَقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار))" وهذا أيضاً إسناده حسن لما في محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي هذا في حفظه مقال لأهل العلم، وحديثه حسن، لا ينزل عن الحسن لذاته، وصححه بعضهم، وعلى كل حال التوسط في أمره لما قيل في حفظه أن حديثه من قبيل الحسن، ومثل الحافظ العراقي بالصحيح لغيره بحديثه، فقال:

والحسن المعروف بالعدالة
طرق أخرى نحوها من الطرق
إذ تابعوا محمد بن عمرو

 

والصدق راويه إذا أتى له
صححته كمتن (لولا أن أشق)
عليه فارتقى الصحيح يجري

محمد بن عمرو هذا الذي معنا، حديثه حسن توبع عليه فارتقى إلى الصحيح، وهذا الإسناد وإن كان حسناً إلا أن المتن صحيح، بل متواتر.

"عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة" الصحابي الجليل، حافظ الأمة على الإطلاق "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تَقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار))" قد يقول قائل: إن الأحاديث كيف نقول: إنها متواترة لفظاً ومعنىً وفي بعضها ((لا تكذبوا علي فإن الكذب)) وبعضها: ((من كذب علي)) حسبته قال، ((من كذب علي متعمداً)) ((من تقول علي ما لم أقل)) هذه معناها واحد، لكن ألفاظها مختلفة، فكيف نقول: إنها متواترة لفظاً ومعنى؟ نقول: إنه بهذا اللفظ: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) متواتر، والألفاظ الأخرى قدر زائد على هذا التواتر.

ثم قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن يعلى" التيمي "عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب" وهذا الحديث مروي من طريق محمد بن إسحاق إمام في المغازي، لكنه بالنسبة للحديث أعدل ما يقال فيه: إنه صدوق يدلس، صدوق يعني حديثه من قبيل الحسن، لا يرد ولا يحكم له بأعلى درجات الصحة، بل هو حسن، ومع ذلك هو مدلس، وحدث بالعنعنة هنا، لكنه في مسند أحمد صرح بالسماع، وعلى هذا يكون الخبر حسن إلا أن متنه كما تقدم متواتر.

"عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أبي قتادة الحارث بن ربعي" فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر: ((إياكم وكثرة الحديث عني))" تحذير ((إياكم وكثرة الحديث عني)) يعني لا تكثروا الحديث عني؛ لأن من أكثر من الحديث لا يأمن أن يقع في الغلط، لا يأمن أن يقع في الكذب، لا يأمن من أن يقول على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقله.

((إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً)) ((فليقل حقاً أو صدقاً)) يعني هل كل حق أو صدق يمكن نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من خلال هذا الحديث؟ ((إياكم وكثرة الحديث عني فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً)) هل يجوز أن نركب للكلام الصحيح الذي يحلف على صدقه وننسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً)) يعني مما يضاف إلي، أما ما لا يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يجوز أن ينسب إليه ولو كان حقاً أو صدقاً، يعني لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يقول: إن الرسول قال -عليه الصلاة والسلام-: الواحد نصف الاثنين، هذا الكلام حق وصحيح ويحلف عليه، لكن مع ذلك لا تجوز نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا لو ورد بالأسانيد الصحيحة أنه قاله.

((فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً، ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) ((من تقول علي)) يعني من قال علي ما لم أقل ((فليتبوأ مقعده من النار)) يعني من قال بنفسه أو حمل أحداً يقول، أو كلف أحداً يقول علي ما لم أقل، سواءً كان الشخص بنفسه يتكلم ويحدث الناس، ويقول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، أو كلف بإلقاء كلمة كتبها من كتب وكلف يعني أنه قولّه، قوّل هذا المتكلم ما لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فليتبوأ مقعده من النار، ولو لم يقله بنفسه إنما كتبه أو كلف أحداً يخطب به أو يذكره على الناس، وعلى هذا من يرسل الأحاديث الضعيفة والموضوعة والقصص والخرافات في رسائل الجوال، ويطلب نشرها من الناس، هذا عليه إثمه وإثم من غرر به، كثيراً ما يأتي برسائل الجوال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، انشر، ولم يقل، فيدخل في هذا الحديث -نسأل الله السلامة والعافية-.

((ومن تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) فالصيغة تقوّل، يعني من قال علي ما لم أقل يعني من نفسه ابتداءً قال ما لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما من تقول فالتفعل هذه تدل على أنه يستوي في ذلك، سواءً قال أو أمر أحداً أن يقول، ((فليتبوأ مقعده من النار)).

قال -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار قالا: حدثنا غندر" محمد بن بشار لقبه بندار بالألف "قالا: حدثنا غندر وهو محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن جامع بن شداد أبي صخرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه" عبد الله بن الزبير "قال: قلت للزبير بن العوام" يعني أنه قال لأبيه: "ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟" يعني الإنسان يهمه أن يكون أبوه نافعاً للناس، ولذا تجد بعض الأولاد يغري والده بالنفع، يقول: انظر فلان وفلان، إن كان من أهل الأموال يقول: انظر فلان يتصدق بالليل والنهار بأموال تنفعه في القيامة، إذا كان من أهل العلم يقول: انظر الشيخ الفلاني يبذل، وانظر الشيخ الفلاني يُعلم، وانظر الشيخ الفلاني كذا، وإلا انظر فلان إلى آخر ذلك من أبواب الخير، فعبد الله بن الزبير يرى الصحابة يحدثون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرى أباه مقلاً من التحديث، فيريد أن ينهض همته؛ ليكون شريكاً له في الأجر.

"ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعت منه كلمة يقول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))" وهذا الحديث جعل كثير من الصحابة يتحرجون من التحديث؛ خشية أن يقعوا في مثل هذا، وأبو هريرة يقول: "لولا آيتان في كتاب الله لما حدثتكم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [(159) سورة البقرة] إلى آخر ما جاء في حديثه، فهو يحدث خشية الكتمان الذي جاء عليه الوعيد الشديد، واتهم أبو هريرة بالإكثار لا بالكذب، اتهم بالإكثار وإلا قد أكثر أبو هريرة، يقول -رضي الله عنه-: والله الموعد، أنا أكثرت من أجل التبليغ الذي وعد على كتمانه بالتهديد والوعيد، أنا أحدث من أجل التبليغ، ومع ذلك بين أنه متفرغ للحديث، تلقياً وتحملاً وتبليغاً، وأداءً، هو متفرغ وأما إخوانه من المهاجرين فشغلهم الصفق في الأسواق، وإخوانه من الأنصار شغلهم العمل في أموالهم، في مزارعهم، في تجاراتهم، اشتغلوا عن هذا الأمر فقام بحمله وبأعبائه على أكمل وجه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((ابسط رداءك)) كان ينسى -رضي الله عنه-، فلما بسط رداءه دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((ضمه)) ضم الرداء فضمه فما نسي شيئاً قط، ولذا حفظ كثيراً، وبلغ كثيراً -رضي الله عنه وأرضاه-.

قال -رحمه الله-: "حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن مطرف" وهو ابن عبد الله بن الشخير "عن عطية" وهو ابن سعد العوفي مضعف، عن عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف عند أهل العلم "عن أبي سعيد الخدري" سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))" الخبر بهذا الإسناد ضعيف لضعف عطية، ولكن المتن صحيح، بل متواتر.

سم.

طالب:.......

المغازي موجودة؟

طالب:.......

أحاديث المغازي عموماً يتسامحون فيها ما لا يتسامحون في أحاديث الأحكام، فالجمهور على أن المسألة مبنية على التسامح، وأما من يقول: إنه لا فرق بين المغازي وبين الأحكام وبين الفضائل وبين العقائد وبين التفسير، وأنها كلها لا تثبت إلا بخبر صحيح لا بد من التثبت، المغازي والسير وما أشبه ذلك لا شك أن أحداثها متفاوتة، فمنها ما يستنبط منه حكم شرعي، ومنها ما لا يشتمل على حكم، فما يشتمل على حكم لا بد من التثبت فيه كأحاديث الأحكام، وما لا يشتمل على حكم شرعي فإنه يتسامح في روايته كالقصص، يتسامح في روايته، ومع ذلك يطالب بعضهم، بل أخذ ينفذ ما يطالب به من الاقتصار على صحيح السيرة، يقتصر عليها بما صح فقط، ووجدت كتب بهذا العنوان صحيح السيرة، لكن تجد أثناء قراءة هذه الكتب تجد هناك خلل، يعني لا بد من رابط بين الحدثين لا يكون على شرط المؤلف ثم يحذفه، وحينئذٍ يختل نظام الكلام، فلو ربطت هذه الأحداث بما لم يكن على شرط المؤلف؛ لأن هذا الرابط في الغالب ما فيه حكم شرعي، إنما يؤتى به للربط بين هذه الأخبار.

لو مثلاً في الأخبار العادية تذكر عن شخص بأنه خرج من بيته ليذهب إلى ولي الأمر ليبلغه عن منكر مثلاً، وأنت ثبت عندك هذا بطريق قطعي ما تشك فيه، فتنقل هذا الخبر أنه ذهب إلى ولي الأمر ليبلغه عن منكر لإزالته، أنت هذا الذي بلغك بالطرق الصحيحة، لكن لو قلت: إن هذا الرجل أو هذا الشيخ أو هذا الغيور لما أراد أن يذهب إلى ولي الأمر لبس ثيابه ولبس كذا هذا ما بلغك يعني بطريق يصح لكنه للربط في الخبر، ثم استأذن على ولي الأمر بالطرق الشرعية المعروفة، ثم بعد ذلك دخل عليه وحدثه وانبسط معه في الكلام فذكر له هذا الخبر، يعني جئت بقصة كاملة متسلسلة من أولها إلى آخرها هذه الروابط ما يترتب عليها شيء، نعم لا يجوز لك أن تفتري، لكن بلغك هذا الكلام الرابط مما لا تقبله لو كان منفرداً، إنما جاء للربط بين هذه الأحداث، فلا يضر مثل هذا أن يروى بطرق ليست بمستوى الطريق الذي عليه الطريق لأصل الخبر الذي تريد تبليغه، فهناك أمور تربط بين الأخبار لا يلزم فيها ما يلزم في الأخبار نفسها، وبعض الناس يقول: لا، أنا ما أثبت إلا في السيرة، ما أثبت إلا ما أثبته في الحديث، نقول: الأمر أهون من ذلك بالنسبة لما يربط بين الأحداث بدون أن يكون كذب أو افتراء أو زور، يأتي من طرق لكنها ليست بمستوى الطرق التي عليها المعول في أصل القصة.

سم.

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

التائب من الكذب، الكذب ليس بأعظم من الشرك، لكن من باب العقوبة والزجر له، ولا يوجد يعني في الرواة الثقات الذين قبل الأئمة توبتهم، لا يوجد في الرواة الثقات الذين قبل الأئمة رواياتهم من باشر الكذب لا قبل ولا بعد، ما يعرف أحد لا سيما الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

لا هو ما يقول: يا زبير، ما قال له: يا زبير، يعني لو قال له: يا زبير، لكنه يخبر ويحدث، الآن فرق بين أن تدعو أباك بحضرته تواجهه باسمه، أو تتحدث عنه في خلفه، فرق بين هذا وهذا، لكن لو قال: يا زبير قلنا: أساء الأدب، لكن لما يقول: قلت للزبير، أو قلت لأبي ما يضر، ما يفرق.

طالب:.......

عامر بن عبد الله الراوي عنه؟

طالب:.......

ما فيه كلام قادح، ليس فيه كلام قادح.

سم.

باب: من حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً وهو يرى أنه كذب

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).

حدثنا محمد بن عبد الله قال: أنبأنا الحسن بن موسى الأشيب عن شعبة مثل حديث سمرة بن جندب.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)).

لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- الكذب الصريح المتعمد على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن شأنه عظيم، وأنه من أسباب دخول النار -نسأل الله السلامة والعافية- ذكر الكذب الذي قد ينقله الإنسان عن غيره، وقد يراه كذباً، وقد لا يراه كذباً، بل مجرد رؤيته كذب سواءً كان من قبله أو من قبل غيره فهو أحد الكاذبين.

باب: من حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً وهو يَرى أو يُرى أنه كذب

قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى" وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المشهور الذي تدور أقواله في كتب الفقه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقيه كبير بالنسبة للفقه والرأي، لكنه بالنسبة للحديث سيء الحفظ.

"عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" والد محمد المذكور، فهو يروي الحديث عن والده عبد الرحمن بواسطة الحكم، الابن محمد بن عبد الرحمن ذكرنا أنه فقيه مشهور، تدور أقواله، لا يخلو باب من أبواب الفقه لا يذكر اسمه، ومع ذلكم في الحديث سيء الحفظ، أبو حنيفة قيل فيه مثل ذلك، فكل في فنه، هذا في الفقه إمام، وأبوه عبد الرحمن في الحديث إمام، لكن محمد في الحديث سيء الحفظ، وأبوه عبد الرحمن لم يعد من الفقهاء، كل في فنه معتمد ومعتبر، فأبو حنيفة في الفقه يسمى الإمام الأعظم، لكنه في الرواية أقل، عاصم بن أبي النجود في القراءة إمام من أئمة المسلمين، وفي الحديث شأنه أقل.

المقصود أن كل شخص يقبل في فنه، ولكون ابن أبي ليلى محمد الفقيه يدور اسمه هكذا وبهذا قال فلان وفلان وابن أبي ليلى، وقد وجد بحث عن فقه ابن أبي ليلى، رسالة عن فقه ابن أبي ليلى، ولم يستطع الباحث بعد أن استعان بالكبار من الشيوخ تحديد المراد هل هو الابن أو الأب؛ لماذا؟ لأنه إذا قرأ في ترجمة الابن ورأى الكلام فيه من قبل أهل العلم وأنه سيء الحفظ، قال: هذا لا يستحق أن تدور أقواله في كتب العلم، والأب ما ذكر في ترجمته أنه من أهل الرأي والفقه والنظر، فاحتار كثيراً وسأل كثيراً، لكن ما الذي يحل الإشكال في مثل هذا؟ كتب الفقه لا تقول: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولا تسميه، في شرح النووي قال لما ذكر محمد بن عبد الرحمن قال: وهو الذي يدور اسمه كثيراً في كتب الفقه؛ لأنه هو الفقيه، وليس المراد به أباه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلى هذا كل في فنه معتبر، هذا في الفقه إمام ومعتبر، وأبوه في الحديث إمام ومعتبر، والتخصص معروف من القدم، وقد يكون الإنسان عنده من القدرة على الفهم والاستنباط والدقة فيه وإن كان في حفظه خلل وضعف؛ لأنه يتعامل مع نصوص بين يديه، فمثل هذا يستنبط من النصوص المكتوبة، بعض الناس لديه قدرة على أن يحفظ القدر الكبير لكن في استنباطه ضعف، وذكروا في ترجمة جلال الدين المحلي من فقهاء الشافعية من أئمتهم المتأخرين قالوا: إن فهمه يثقب الماس، وحافظته ضعيفة جداً، تكلف حفظ قطعة يسيرة من كتاب من كتب الفقه فارتفعت حرارته، وصار فيه خراجات ودمامل إلى أن ترك الحفظ، فلا يستطيع أن يحفظ، ومع ذلك صار إمام من أئمة الشافعية المتأخرين، وله كتب يتداولها الناس، مختصرات ومطولات وشروح، فالذي يفهم يتعامل مع الكتب، ولا يمنع أن يمسك الكتاب ويحلل ويشرح لأنه يفهم، والذي وظيفته الحفظ فقط وفهمه أقل مثل هذا عليه أن يحفظ، وعليه أن يسرد إذا طلب منه ما يحفظ، ويعاني الفهم أيضاً بمراجعة الشروح، ويسدد مع الحرص والإخلاص، ومن جمع الله له بين الأمرين الحفظ والفهم فقد اكتملت عنده آلة التحصيل، فبقي أن يبذل من نفسه، ويجتهد في طلبه، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-.

"عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب))"...

يعني بالمناسبة تفسير الجلالين بدأه جلال الدين المحلي فأكمل النصف، وأتمه السيوطي جلال الدين، هذا لا يستطيع أن يحفظ صفحة، ما يستطيع المحلي أبداً أن يحفظ، فلما عانى الحفظ وحفظ له قطعة حصل له ما حصل، والسيوطي يحفظ من الحديث أكثر من مائتي ألف حديث، ويقول: لو وجد على ظهر الأرض أكثر من ذلك لحفظته، ويحفظ الكتب برمتها، المقصود أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والعبرة بمن استغل هذه النعم، وإلا يوجد في عوام المسلمين من يحفظ الكلام الطويل لأول مرة، تجده يسرد كلاماً طويلاً، وقصص وحكايات وأخبار وسواليف، لكن هل يستفيد؟ العبرة بالإفادة، العبرة بالانتفاع ثم النفع، فهذه نِعم على من أوتي هذه النعم أن يؤدي شكرها، والله المستعان.

"عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))" يرى يعني بنفسه...

طالب:......

لحظة لحظة لا تستعجل.

((وهو يَرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) إذا رأى بنفسه أنه كذب فهو أحد الكاذبين وهذا أمره سهل؛ لأنه قد يلقي حديثاً مكذوباً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه لا يراه مكذوباً وإن رآه غيره، والضبط الثاني: ((من حدث عني حديثاً وهو يُرى)) وهو يُرى يعني أنه كذب ولو لم يره غيره، ولو لم ينتبه له، ولو لم يتفطن له، وإنما يراه غيره، أنه كذب فهو أحد الكاذبَين الذي أنشأه والذي رواه ونقله، أو أحد الكاذبِين يعني من جملة الكذابين الذين يفترون على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأمر شديد لا سيما على رواية الضم: ((يُرى)) لا يلزم أن يراه هو بنفسه، يعني وإن رآه غيره أنه كذب، فعلى هذا الأصل الامتناع عن التحديث، فلا يحدث بحديث إلا بعد أن يتأكد من صحة نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يُرى أنه كذب وهو لا يشعر، يراه غيره أنه كذب وهو لا يدري، فيدخل في هذا الحديث، أما على رواية: "يَرى" فهذه الأمر فيها أسهل، الأصل أن تحدث ما لم تر أنه موضوع، لكن الضبط الأول كأنه هو المترجح احتياطاً للسنة، ولو تركنا كل أحد يحدث من الجهال ومن العلماء اللهم إلا إذا قيل: إن الخطاب خاص بأهل العلم، فإن كان يراه كذباً لا يحدث به، وإن كان يراه صحيحاً فليحدث به ولو رآه غيره كذباً فهو أحد الكاذبِين أو الكاذبَين على ما جاء في الضبط.

ثم قال بعد ذلك: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا وكيع، قالا: حدثنا شعبة" فوكيع ومحمد بن جعفر يرويان الحديث عن شعبة "عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))".

فشعبة متابع لابن أبي ليلى، هذه متابعة لمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فارتقى حديثه إلى الصحيح، فهو أحد الكاذبين أو الكاذبين.

قال: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" وهذه أيضاً متابعة من الأعمش لمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولمن تقدم وهو شعبة، فالحديث مروي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم، وأيضاً عن شعبة عن الحكم، وأيضاً عن الأعمش عن الحكم.

طالب:.......

وين سمرة؟

طالب:.......

حديث سمرة وهذا حديث علي، إذاً الثاني يكون شاهد وليس بمتابعة، الثانية رقم تسعة وثلاثين شاهد وليس بمتابع، أما المتابع فهو رقم أربعين.

طالب:.......

عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

إيه عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذه متابعة، اكتبوها.

"عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))" أو أحد الكاذبين، وفي هذا تحذير من إلقاء الأحاديث التي لم يتثبت ملقوها، وفي هذا تبعة عظيمة على المعلمين، وتبعة على الخطباء، وعلى الأئمة الذين يحدثون الناس لا بد أن يتثبتوا من صدق وصحة هذه الأحاديث التي يلقونها على الناس، وإذا كان الأمر عظيماً في التحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والكذب عليه فإن أيضاً التحديث عن الناس عموماً لا سيما العلماء والنقل عنهم مما لم يثبت عنهم أو يُرى أنه كذب عليهم هذا أيضاً فيه ما فيه من الكذب والافتراء، فهو كاذب أيضاً، هو أحد الكاذبين، لكنه كاذب على فلان ليس ككاذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن سمي كاذباً آثماً.

"حدثنا محمد بن عبد الله قال: أنبأنا الحسن بن موسى الأشيب عن شعبة مثل حديث سمرة بن جندب" وهذا من زوائد ابن القطان، وليس من رواية ابن ماجه، يعني ما يرويه عن مؤلف الكتاب ابن ماجه، إنما هو من الزوائد.

قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))" فهذا الحديث صحيح لا إشكال في تصحيحه، مروي من طرق عن المغيرة وعن علي بن أبي طالب، وعن سمرة بن جندب وغيرهم من الصحابة، فالحديث صحيح، وفيه التحذير من الرواية بما لم يتثبت فيه، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
هذا يقول:

ذكر السيوطي في تدريب الراوي في أثناء كلامه عن تعقبه لموضوعات ابن الجوزي، قال: ومنها -يعني الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي صحيحة- ما هو في صحيح البخاري من رواية حمّاد بن شاكر، وهو حديث ابن عمر: ((كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟!)) وهذا الحديث أورده الديلمي في مسند الفردوس، وعزاه إلى البخاري، وذكر سنده إلى ابن عمر، ورأيت بخط الحافظ العراقي أنه ليس في الرواية المشهورة، وأن المزي ذكر أنه في رواية حماد بن شاكر. انتهى المقصود من كلامه -رحمه الله-.
يقول: نرجو من فضيلتكم توضيح هذا الكلام، والمقصود برواية حماد بن شاكر، مع العلم أني بحثت عن هذا الحديث في البخاري فلم أجده، والحديث رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وعبد بن حميد، وذكره البغوي في التفسير، وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن أبي حاتم، وقال: هذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف. انتهى.
وقد عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي وابن عساكر، قال: بسند ضعيف، وقال الشوكاني في فتح القدير: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة؛ لمخالفته لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان يعطي نساءه قوت العام، كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة. ا.هـ.
قال الحافظ في فتح الباري: "وقد ورد في الادخار كان يدخر لأهله قوت سنة، وفي رواية: كان لا يدخر لغد، والأول في الصحيحين، والثاني في مسلم، والجمع بينهما أنه كان لا يدخر لنفسه، ويدخر لعياله، أو أن ذلك كان باختلاف الحال، فيتركه عند حاجة الناس إليه، ويفعله عند عدم الحاجة. والله أعلم.
وصلى الله على محمد...
هذا الحديث الذي أورده، ونسبه إلى البخاري في رواية حماد بن شاكر أولاً: المراد برواية حماد بن شاكر كما تعلمون الصحيح سمعه من مؤلفه ما يزيد على تسعين ألفاً، كلهم سمعوه من الإمام البخاري، لكن الروايات التي بقيت وحفظت ودونت ورويت عمن رواها عن البخاري قليلة يعني بالنسبة لهذا العدد، وهي كثيرة بالنسبة لروايات الكتب الأخرى، فإذا قرأتم في الشروح قرأتم في رواية أبي ذر، رواية النسفي، رواية ابن عساكر، رواية كريمة، في رواية حماد بن شاكر، رواية الكشميهني، وغيرها من الروايات، رواية أبي الوقت، روايات كثيرة للصحيح.
من هذه الروايات: رواية حماد بن شاكر، وهذه الرواية فيما يذكر أنها أقل الروايات، تنقص عن غيرها بمقدار ثلاثمائة حديث، فهذه الرواية رواية من الروايات، وإذا وجد فيها هذا الحديث كما في حديث: "كانت الكلاب تغدو وتروح في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في بعض الروايات روايات الصحيح: "وتبول" هذه رواية من روايات الصحيح "وتبول" ففي بعض الروايات ما لا يوجد في بعض في الكلمات في الأحاديث من الزيادة والنقصان، لكن الأمر كما تعلمون الأئمة يؤلفون الكتاب ويملونه على طلابهم وتلاميذهم فقد يزيدون فيه، وقد ينقصون، ثم يكون عند هذا ما ليس عند هذا... إلى آخره، فرواية حماد بن شاكر من الروايات المعروفة للصحيح، لكنها كما قالوا: إنها تنقص عن غيرها من الروايات، وقد يكون في هذا الحديث زيادة.
طالب:.......
طيب هنا يقول: وهو حديث ابن عمر، قال: ((كيف بك يا ابن عمر؟)) أو يا ابن عمرو.
طالب:.......
أو يا ابن عمرو ما يفرق، الإشكال في معارضته لما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يدخر قوت أهله سنة.
طالب:.......
وين؟
طالب:.......
((إذا عمرت بين قوم يخبئون)) ويش هو؟ المقصود أن هذا أنا أحفظه من السيوطي منذ أزمان طويلة، أعرف هذا أنا، هذا ذكره السيوطي، المقصود أننا نتعامل مع هذا النص هو صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ وإذا كان صحيحاً كيف يوفق بينه وبين غيره؟
هذا الآن ما هو موجود في البخاري، ولا يمكن أن يستدل به، نعم نقلب الروايات الصحيحة المشهورة المعتبرة بين الناس ما في، المقصود أن هذا إذا صح فلا معارضة بينه وبين كونه -عليه الصلاة والسلام- يدخر قوت عياله لمدة سنة، ويقول: ((كيف بك يا ابن عمر إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟!)) يعني إذا كان الناس كلهم على حد سواءً يخبئون رزق سنتهم، أما كونه يوجد في الناس أغنياء، ويوجد في الناس فقراء، ويوجد في الناس من يدخر سنة، ويوجد في الناس من يدخر شهر، ومنهم من يدخر يوم أو يومين أو ثلاثة، ومنهم من لا يجد شيئاً هذا طبيعي، هذا عادي، ما فيه إشكال، لكن كون الناس كلهم يدخرون الرزق لمدة سنة هذا لا يحدث إلا في آخر الزمان، وهذا هو المقصود بالحديث.
طالب:.......
المقصود الآن ذكره السيوطي كيف نتعامل معه؟ وهل أقررنا السيوطي على ما ذكر؟ لذلك ما نذكر أنه في البخاري، لكن نقول: إن السيوطي ذكر، وإذا أتممت البحث نقرأه على الإخوان، أعانك الله.
أنا أقول: لو صح هذا الخبر ما فيه أدنى معارضة لكونه -عليه الصلاة والسلام- كان يدخر لأهله قوت سنة؛ لأنه يقول: ((كيف بك إذا عمرت بين قوم يخبئون رزق سنتهم؟!)) قوم جميع القوم يدخرون قوت سنتهم، وهذا لا يكون إلا في آخر الزمان حينما يعرض المال على الناس فلا يجد من يقبله، يعني إذا كان الناس كلهم على حد سواء يدخرون قوت سنة هذا في آخر الزمان، أما كون بعض الناس يدخر سنة، وقد يدخر عشر سنوات، ويستطيع أن يدخر مائة سنة، قوت مائة سنة، يستطيع بعض الناس اليوم يستطيع، لكن هل جميع الناس يستطيعون الادخار؟ ألا يوجد فقراء لا يجدون قوت يومهم؟ يوجد، وعلى كل حال تتمة البحث -إن شاء الله- إذا أحضرت ما عندك.

يقول: بينتم الطريقة المثلى في التفقه من كتب السنة، فهل يراجع في هذا الشروح أيضاً أم أنه يقتصر على المتون؟

يراجع الشروح في حال الحاجة الماسة إذا كان بيان المعنى لا يستقيم لطالب العلم إلا بمراجعة الشروح، وأما إذا استقام المعنى فيقتصر على ذكر المتون في العرضة الأولى، ثم إذا تم العمل يراجع أيضاً عليها الشروح، ولا يطال أيضاً في مسألة الشروح؛ لأنها تحتاج إلى أزمان، الشروح طويلة.

يقول: ما مقصود ابن عباس وغيره من الرواة -رضي الله عنهم- في قولهم: "فأما إذا ركبتم الصعب والذلول"؟

يعني ركبتم كل مرتكب، ركبتم كل ما يرتكب، وسلكتم المسالك السهلة والمسالك الصعبة، وأجلبتم على التحديث بكل ما تستطيعون فحينئذٍ يتوقى ويتوقف، وفي هذه العصور كل شيء يسلك، كل الوسائل تسلك، ويسلك في هذه الأيام ما لم يسلك قبل، فالوسائل تعددت في التحديث، تجد الشخص الواحد يتحدث في آنٍ واحد على ملايين البشر، ومن خلال قنوات متعددة، وفي أحاديث مختلفة، تجده يبث له في هذه القناة كلام، وفي الثانية كلام، وفي الصحيفة يكتب كلام، وفي الإذاعة يتكلم بكلام وهو شخص واحد، فتيسر من الوسائل ما لم يتسير من ذي قبل، وعلى كل حال الواجب على الإنسان أن يبذل كما أنه يجب عليه أن يحتاط، والله المستعان.