شرح مقدمة تحفة الأحوذي (03)

 

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه  ومن اهتدى بهداه؛ أما بعد:

 

قال المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وقال صاحب الكشف: قال الحافظ ابن الأثير الجزري: وأما مبدأ جمع الحديث، وتأليفه، وانتشاره؛ فإنه لمَّا كان من أصول الفروض وجب الاعتناء به، والاهتمام بضبطه، وحفظه، ولذلك يسر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للعلماء الثقات الذين حفظوا قوانينه، وأحاطوا فيه فتناقلوه كابراً عن كابر، وأوصلوه كما سمعه أول إلى آخر. وحببه الله تعالى إليهم لمحكمة".

لحكمةٍ.

طالب: فيه ميم زائدة عندي بالطبع، الميم تختلف بالهندية يا شيخ؟

نعم...

"لحكمة حفظ دينه، وحراسة شريعته، فما زال هذا العلم من عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرف العلوم، وأجلها لدى الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، خلفاً بعد سلف، لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظم في النفوس إلا بحسب ما يسمع من الأحاديث عنه. فتوفرت الرغبات فيه، فما زال لهم من لدن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن انعطفت الهمم على تعلمه، حتى لقد كان أحدهم يرحل المراحل، ويقطع الفيافي، والمفاوز، ويجوب البلاد شرقاً وغرباً لطلب حديث واحد؛ ليسمعه من راويه. فمنهم من يكون الباعث له على الرحلة طلب ذلك الحديث لذاته، ومنهم من يقرن بتلك الرغبة سماعه من ذلك الراوي بعينه إما لثقته في نفسه، وإما لعلوا إسناده، فانبعثت العزائم إلى تحصيله، وكان اعتمادهم:

أولاً: على الحفظ، والضبط في القلوب غير ملتفتين إلى ما يكتبونه، محافظة على هذا العلم، كحفظهم كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما انتشر الإسلام، واتسعت البلاد، وتفرقت الصحابة في الأقطار، ومات معظمهم، وقل الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث، وتقييده بالكتابة. ولعمري أنها الأصل؛ فإن الخاطر يغفل، والقلم يحفظ".

طالب: شيخ، هل الكتابة هي الأصل أم الحفظ؟

الأصل الحفظ، لكن بعد أن كثرت العلوم وتزاحمت على الفهوم صار الضبط والكتابة أفضل، لأن الحفظ خوان خلاف ضبط القلم.

طالب: طيب يا شيخ، هل يعاب من إذا سئل حدَّث من كتابه أو إذا خطب يخطب من كتابه؟

لا، ما يعاب، لكن يعاب إذا سُئل ولم يجب وليس عنده كتاب.

طالب: جمع الأمرين.

لا، هو إذا سئل مادام كتابه عنده لا بأس حافظ، لكن إذا أبعد عن كتابه، ماذا يصير؟ يصير عامي، مادام كتابه عنده يرجع إليه بسهولة لا بأس، لكن إذا اشترى الكتاب ... ينتهي، وهذا أكثر ما يحذر الاعتماد على الكتب والصحف، وإلا فضبط الكتاب لا شك أنه أقوى من ضبط الصدر.

"فانتهى الأمر إلى زمن جماعة من الأئمة، مثل: عبد الملك بن جريج، ومالك بن أنس، وغيرهما. فدونوا الحديث حتى قيل: إن أول كتاب صنف في الإسلام: كتاب ابن جريج، وقيل: موطأ مالك بن أنس، وقيل: إن أول من صنف وبوب: الربيع بن صبيح بالبصرة. ثم انتشر جمع الحديث، وتدوينه، وتسطيره في الأجزاء والكتب، وكثر ذلك، وعظم نفعه إلى زمن الإمامين، أبي عبد الله: محمد بن إسماعيل البخاري".

...معلق بالآجرومية.

طالب: خلاص، الآجرومية سبق....

... ثم عاد صار الحجم؟

طالب: نعم ...

طالب: ما هو مانع بس يأخذ، يضرب له الأوقات كلها تجمع له،

"محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين: مسلم بن الحجاج النيسابوري. فدونا في كتابيهما".

فدونا كتابيهما.

طالب: ما فيه؟

لا، كأنه يعني ... إن من الأحاديث ما انقطع بصحتها.

طالب: نجعلها في أو نحذفها يا شيخ؟

اجعل في لا بأس.

"فدونا في كتابيهما، وأثبتا فيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته".

قطع.

طالب: لا، أقصد قطعا ما تكون مبنية للمجهول؟

قطع بدون ألف.

طالب: يعني تصير قُطع أو قطع؟

فيه ألف؟

طالب: فيه ألف.

إذًا تصير قطعا.

"ما قطعا بصحته، وثبت عندهما نقله، وسميا (الصحيحان من الحديث) . ولقد صدقا فيما قالا، والله مجازيهما عليه، ولذلك رزقهما الله تعالى حسن القبول شرقاً وغرباً.

ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف".

علق علِّق.

طالب: أضبط بعد ذلك بالتسجيل يا شيخ، أعيد هذا وأضبط التشكيل، أعيد الورقة من جديد.

خلي حواشي، خلي فراغ متعلق، وضبط واكتب صح.

"ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف وكثر في الأيدي، وتفرقت أغراض الناس، وتنوعت مقاصدهم إلى أن انقرض ذلك العصر الذي قد اجتمعوا واتفقوا فيه مثلُ: أبي عيسى: محمد بن عيسى الترمذي، ومثل أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبي عبد الرحمن: أحمد بن شعيب النسائي، وغيرهم. فكان ذلك العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم، وإليه المنتهى".

طالب: نقول يا شيخ أحسن الله إليك، عصر الأئمة؟

نعم.

"ثم نقص ذلك الطلب، وقل الحرص وفترت الهمم. فكذلك كل نوع من أنواع العلوم، والصنايع، والدول وغيرها؛ فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً، ولا يزال ينمو ويزيد إلى أن يصل إلى غاية هي منتهاه، ثم يعود. وكانت غاية  هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم، ومن كان في عصرهما، ثم نزل وتقاصر إلى ما شاء الله".

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك يقول: انتهت، يعني عصر البخاري ومسلم كان وقت تدوين العلم ثم نزل وتقاصر أي التدوين؟

نزل ثم تقاصر.

طالب: الآن بعد البخاري جاء الأئمة الأربعة يا شيخ، جاء القرن الثالث، البخاري ومسلم كانا في القرن الثاني يا شيخ.

لا، كلهم جميعًا في الثالث، البخاري 256هـ ومسلم 261هـ وأبو داود والترمذي في السبعينات.

طالب: ما يضم إليهما -أحسن الله إليك- القرن الرابع؟ لأن فيه ابن حبان، فيه يعني.

لا لا، ها دول بعد.

طالب: ما يكونوا بقوتهم؟

لا لا، نعم.

"ثم إن هذا العلم على شرفه، وعلو منزلته، كان علماً عزيزاً، مشكل اللفظ والمعنى، ولذلك كان الناس في تصانيفهم مختلفي الأغراض.

فمنهم من قصرت همته على تدوين الحديث مطلقاً؛ ليحفظ لفظه، ويستنبط منه الحكم، كما فعله: عبيد الله بن موسى الضبي، وأبو داود الطيالسي، وغيرهما أولاً".

طالب: يا شيخ، عبيد الله بن موسى الضبي موجود كتابه؟ مسند هو يا شيخ؟

مسند إي، نعم موجود.

"وثانياً: أحمد بن حنبل ومن بعده، فإنهم أثبتوا الأحاديث من مسانيد رواتها، فيذكرون مسند أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مثلاً، ويثبتون فيه كل ما رووه عنه، ثم يذكرون بعده الصحابة واحداً بعد واحد على هذا النسق.

ومنهم: من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها، فيضعون لكل حديث باباً يختص به؛ فإن كان في معنى الصلاة ذكروه في باب الصلاة، وإن كان في معنى الزكاة ذكروه فيها، كما فعل مالك في الموطأ، إلا أنه لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه، ثم اقتدى به من بعده، فلما انتهى الأمر إلى زمان البخاري ومسلم، وكثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما كثرت أبوابهما، واقتدى بهما من جاء بعدهما.

وهذا النوع أسهل مطلباً من الأول؛ لأن الإنسان قد يعرف المعنى الذي يطلب الحديث لأجله وإن لم يكن يعرف راويه، بل ربما لا يحتاج إلى معرفة راويه، فإذا أراد حديثاً يتعلق بالصلاة، طلبه في كتاب الصلاة؛ لأن الحديث إذا أورد في كتاب الصلاة، علم الناظر أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم، فلا يحتاج أن يفكر فيه بخلاف الأول.

ومنهم: من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظاً لغوية ومعاني مشكلة، فوضع لها كتاباً، قصره على ذكر متن الحديث وشرحه وغريبه وإعرابه ومعناه، ولم يتعرض لذكر الأحكام، كما فعل أبو عبيد: القاسم بن سلام، وأبو محمد: عبد الله بن مسلم بن قتيبة وغيرهما".

طالب: ما كتاب القاسم يا شيخ؟

غريب.

طالب: يعني يقصد بالغريب هنا؟

نعم.

طالب: وكذلك كتاب أبي عبد الله؟

نفسه.

طالب: بس أنت يا شيخ ...

أنت تقول على حجم الكتاب؟

طالب: بس أنت اليوم ما طبعت ...

...ربعٍ ثان.

طالب: الحين عندكم استعداد يا شيخ، خلاص يقرءون وأنا أسمع في الكتاب نفسه.