كتاب الرجعة من سبل السلام (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

قال في البلوغ وشرحه في كتاب الرجعة باب العدة والإحداد:

"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ -أي أبي هريرة-، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةٍ ستأتي قريبًا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ، وَعَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ جَاءَ عَنْ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ بِالْفِرَاشِ مِنْ الْأَبِ".

هذا موجود عندكم؟

طالب: .......

ليس موجودًا عندنا.

(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ -أي أبي هريرة-، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ جَاءَ عن بضع وعشرين نفسًا...) هذا فقط عندنا.

طالب: يعني زاد هنا يا شيخ..

 لعلها تأتي في آخر الباب أو شيء.

طالب: .......

لكن ما فيه شيء.

طالب: .......

هذا مقحم.

أليس عندك في الشرح: وعن أبي هريرة ..؟

طالب: لا ليس عندنا.

ماذا بدأ بالشرح؟

طالب: الشرح يبدأ بـ: والحديث دليل على كذا.

لا.

طالب: .......

يعني لا يوجد في شيء من النسخ؟

طالب: .......

أكمل.

"وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ بِالْفِرَاشِ مِنْ الْأَبِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْفِرَاشِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ حَالَةِ الِافْتِرَاشِ".

ولهذا يثبت نسب الولد من الزنى لأمه دون أبيه؛ لأن الولد لها أي للفراش، والفراش الأم، «وَلِلْعَاهِرِ» الذي هو الزاني ليس له إلا «الْحَجَرُ» الذي هو الرجم بالحجارة إن كان محصنًا، وإلا فالخيبة والحرمان له على كل حال.

طالب: .......

الحديث دليل..

طالب: .......

ما فيه إشكال، صح، هذا موجود.

طالب: .......

لا لا ما فيه إشكال.

"وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلزَّوْجِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بِمَاذَا يَثْبُتُ؛ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْحُرَّةِ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ فَاسِدٍ".

طالب: شيخ، لما يقول: فاسد يقصد الزنى أم يقصد ماذا؟

لا، ما اختل فيه أحد الشروط أو الأركان، ليس بنكاحٍ باطل يعني زنى، لا، يعني يمكن تصحيحه، الفاسد يمكن تصحيحه.

"وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا، بَلْ وَلَوْ طَلَّقَهَا عَقِيبَةً فِي الْمَجْلِسِ، وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الدُّخُولِ الْمُحَقَّقِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ قَالَ: وَهَلْ يَعُدُّ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَأَهْلُ الْعُرْفِ الْمَرْأَةَ فِرَاشًا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا؟".

لا يمكن، ليست فراشًا إلا إذا افترشت، يعني بعد الدخول بها، وأما قبل الدخول فليست فراشًا، نعم.

"وَكَيْف تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِإِلْحَاقِ نَسَبِ مَنْ لَمْ يَبْنِ بِامْرَأَتِهِ، وَلَا دَخَلَ بِهَا، وَلَا اجْتَمَعَ بِهَا لِمُجَرَّدِ إمْكَانِ ذَلِكَ؟ وَهَذَا الْإِمْكَانُ قَدْ يُقْطَعُ بِانْتِفَائِهِ عَادَةً، فَلَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا إلَّا بِدُخُولٍ مُحَقَّقٍ.

قَالَ فِي الْمَنَارِ: هَذَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ. وَمِنْ أَيْنَ لَنَا الْحُكْمُ بِالدُّخُولِ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَنَحْنُ مُتَعَبَّدُونَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِعِلْمٍ، أَوْ ظَنٍّ".

بعلمٍ يقيني لا تردد فيه، أو ظن بحيث يغلب على الظن وجود مثل هذا الأمر، بخلاف الشك، وهو استواء الطرفين، والوهم من باب أولى هو الاحتمال المرجوح.

أحسن الله إليك.

"وَالْمُمْكِنُ أَعَمُّ مِنْ الْمَظْنُونِ وَالْعَجَبُ مِنْ تَطْبِيقِ الْجُمْهُورِ بِالْحُكْمِ مَعَ الشَّكِّ. فَظَهَرَ لَك قُوَّةُ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ هَذَا فِي ثُبُوتِ فِرَاشِ الْحُرَّةِ.

وَأَمَّا ثُبُوتُ فِرَاشِ الْأَمَةِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ شُمُولُهُ لَهُ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ الْفِرَاشُ لِلْأَمَةِ بِالْوَطْءِ إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْوَاطِئِ، أَوْ فِي شُبْهَةِ مِلْكٍ إذَا اعْتَرَفَ به السَّيِّدُ أَوْ ثَبَتَ بِوَجْهٍ، وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الْأَمَةِ، وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَتْ: "اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي -أي مِنْ وَلِيدَتِهِ-، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ»".

فحكم به لعبد بن زمعة؛ لأنه ولد على فراش أبيه، والولد للفراش، ولما كان شبهه بينًا بعتبة، والشبه لا يكفي في إلحاق النسب، قال: «وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ»، «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» يعني هو أخٌ لك، ويكون أخًا لسودة؛ لأنه ولدٌ لزمعة والد سودة، فهو أخوها، لكن لما رأى من الشبه البيِّن بعتبة بحيث يورث هذا شكًا في هذا النسب، قال: «وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ».

 ولا شك أن في هذا الحكم الشرعي بناءً على المقدمات الشرعية، والنتيجة صحيحة مائة في المائة شرعًا، لكن لا يمنع أن يوجد هناك شبهة، وهذا الشبه شبهة بلا شك، وأنه ليس من ولد زمعة، لكن الإمكان قائم، وهي في عصمته، وحبلت على فراشه، وولدت وهي في ذمته، إذًا الولد له، والشبه إنما يحتاج إليه إذا تداعاه أكثر من شخص، ولا يوجد مرجح لأحدهم عن الآخر، الشبه يستفاد منه، قرينة، لكنه لا يحكم به ما وُجِدت الوسائل الشرعية للحكم الشرعي، فالوسائل الشرعية تقتضي بأن الولد لزمعة؛ لأنه ولد على فراشه، و«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»، ولما كان الشبه بينًا بعتبة، وهذا الشبه يورث شكًا وافتراضًا في النفس، قال: «وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ»، هذه شبهة، ولا شك أن الاحتياط الاحتجاب منه.

طالب:.........

ما يقطع، هي قرائن، كلها قرائن.

أحسن الله إليك.

"فَقَالَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ»، فَأَثْبَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَلَدَ لِفِرَاشِ زَمْعَةَ لِلْوَلِيدَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَسَبَبُ الْحُكْمِ وَمَحَلِّهِ إنَّمَا كَانَ فِي الْأَمَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْفِرَاشُ لِلْأَمَةِ إلَّا بِدَعْوَى الْوَلَدِ، وَلَا يَكْفِي الْإِقْرَارُ بِالْوَطْءِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، فَلَا نَسَبَ لَهُ، وَكَانَ مِلْكًا لِمَالِكِ الْأَمَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِرَاشُهَا بِدَعْوَى أَوَّلِ وَلَدٍ مِنْهَا فَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَحِقَ بِالسَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَالِكُ ذَلِكَ.

 قَالُوا: وَذَلِكَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، فَإِنَّ الْحُرَّةَ تُرَادُ لِلِاسْتِفْرَاشِ وَالْوَطْءِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَابِعٌ وَأَغْلَبُ الْمَنَافِعِ غَيْرُهُ".

"وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اُتُّخِذَتْ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْ الِاسْتِفْرَاشِ قَدْ حَصَلَ بِهَا، فَإِذَا عُرِفَ الْوَطْءُ كَانَتْ فِرَاشًا، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِلْحَاقٍ وَالْحَدِيثُ دَالٌّ لِذَلِكَ".

لا شك أن حكم الأمة حكم الحرة مادام الولد ينسب ويضاف إلى أبيه سواءٌ كانت زوجته حرةً أو أمة، إذا كانت أمة فالولد لسيدها إذا كان نكاحًا، في حال الزواج زواج الحر بالأمة فالولد للسيد ليس لأبيه، وإن كان الوطء بملك اليمين، فالولد له، وأمه تعتق به، تصير أم ولد. وعلى كل حال إذا كانت أمة مملوكة توطئ، فحكمها في هذه الصورة حكم الحرة، إذا ولد على فراشها ولد فهو للسيد كما أنه في حال ما إذا كانت حرة فالولد للزوج.

أحسن الله إليك.

"فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ: وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَمْعَةَ صَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى الشَّبَهِ الْبَيِّنِ الَّذِي فِيهِ الْمُخَالَفَةُ لِلْمَلْحُوقِ بِهِ. وَتَأَوَّلَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِتَأْوِيلَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُلْحَقْ الْغُلَامُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِنَسَبِ زَمْعَةَ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ.

 وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ وَالصِّيَانَةِ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ مَعَ الشُّبْهَةِ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْوَلَدِ مِنْ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ".

"وَلِلْمَالِكِيَّةِ هُنَا مَسْلَكٌ آخَرُ، فَقَالُوا: الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حُكْمٍ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَرْعُ شَبَهًا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلٍ فَيُعْطَى أَحْكَامًا، فَإِنَّ الْفِرَاشَ يَقْتَضِي إلْحَاقَهُ بِزَمْعَةَ، وَالشَّبَهُ يَقْتَضِي إلْحَاقَهُ بِعُتْبَةَ، فَأُعْطِيَ الْفَرْعُ حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ، فَرُوعِيَ الْفِرَاشُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ، وَرُوعِيَ الشَّبَهُ الْبَيِّنُ بِعُتْبَةَ فِي أَمْرِ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ".

وهذا إذا أمكن أن يعطى أكثر من حكم لتعدد الجهات، وإلا فالأصل أنه في مثل هذه الحالة في قياس الشبه إذا تردد الفرع بين أصلين أنه يعطى حكم الأكثر بهما شبهًا، والأقرب به شبهًا من الأصلين، أو من الأصول، فيأخذ حكمًا واحدً، لكن إذا تعددت الجهات، وأمكن إلحاقه من وجهٍ دون وجه فهذا ظاهر، والذي يظهر أنه ألحقه إلحاقًا تامًا بزمعة، وأمره سودة إنما هو من باب الاحتياط، والغيرة على المحارم هي زوجته -عليه الصلاة والسلام-، والشبه بين يورث شبهة، وهذه الشبهة تحتاج إلى احتياط.

أحسن الله إليك.

"قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى التَّقْدِيرَاتِ، فَإِنَّ الْفَرْعَ إذَا دَارَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَأُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ، فَقَدْ أبْطلَ شَبَهَهُ بِالثَّانِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا أُلْحِقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَيَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ، وَهُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَجِبُ لِلْمُدَّعِي مِنْ أَحْكَامِ الْبُنُوَّةِ ثَابِتًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَيْرِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَحَارِمِ غَيْرَ ثَابِتٍ.

 قَالُوا: وَلَا يَمْتَنِعُ النَّسَبُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبنْتَه مِنْ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ هَذَا المحقق العلامة تاج الدين".

لا، هو تقي الدين.

طالب: .......

 ماذا عندكم؟

طالب: .......

 لا، هو تقي الدين. وَقَدْ اعْتَرَضَ هَذَا المحقق العلامة تقي الدين ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِمَا لَيْسَ بِنَاهِضٍ.

" وَقَدْ اعْتَرَضَ هَذَا المحقق العلامة تقي الدين ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِمَا لَيْسَ بِنَاهِضٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِغَيْرِ الْأَبِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْوَلَدَ، فَإِنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ اسْتَلْحَقَ أَخَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ الْفِرَاشَ لِأَبِيهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَرَثَةُ، فَإِنَّ سَوْدَةَ لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا تَصْدِيقٌ، وَلَا إنْكَارٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ سُكُوتَهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ".

لكن إن ترتب على ذلك إرث ونقص في حق بعض الورثة، واعترضوا على هذا الاستلحاق فلهم الحق، إذا استلحقه أحد الإخوة، هم خمسة، فادعى واحدٌ منهم أن لهم سادسًا من الإخوة، وقال الأربعة: ما لنا أحد، ثم ألحق به باستلحاقه وببيناته ألحق به، والأربعة أنكروا، يقتسم ميراث الخامس، يصير بينهما، ولا يتضرر الأربعة؛ لأنهم أنكروا، إلا إذا كان طريق الإلحاق به ملزمًا لا اجتهادًا مجردًا، إذا كان طريق الإلحاق به ملزمًا فإنه يكون على الجميع.

"وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ غَيْرَ الْأَبِ، وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَسْتَلْحِقَ الْجَدُّ، وَلَا وَارِثَ سِوَاهُ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ بَعْضَ الْوَرَثَةِ وَصَدَّقَهُ الْبَاقُونَ". 

وهكذا في كل إقرارٍ يتضرر به ولا ينتفع به، أما إذا كان ينتفع به من غير ضرر فلا يوافق عليه، وإن كان ينتفع به مع تضرره فإنه يُحكم عليه بما يضره، لا بما ينفعه.

 لو ادعى شخص أنه من أهل البيت صدقناه من وجه ولم نصدقه من وجه؛ لأنه يدعي شيئًا لنفسه. نقول: الزكاة حرامٌ عليك، تريد زكاة، فهذا ليس لك؛ لأن هذا إقرار فيما يضره يثبت به، ولو قال: أعطوني من الخمس قلنا: لا، حتى تأتي بالبينة أنك من أهل البيت، فيصدق الإنسان بإقراره على نفسه بما يضره، لا بما يجلب إليه نفعًا.

" وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ بَعْضَ الْوَرَثَةِ وَصَدَّقَهُ الْبَاقُونَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَازَ لْمَالَ ثَبَتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِ وَاحِدًا كَانَ، أَوْ جَمَاعَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ وَحَلُّوا مَحَلَّهُ".

نعم، إذا اتفقوا جميعًا على الاستلحاق فهم يقومون مقام ميتهم.

"الثَّانِي: لِلْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِلْحَاقُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ، وَإِنَّمَا الْمُقَرُّ بِهِ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي الْإِرْثِ دُونَ النَّسَبِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَبْدٍ: «هُوَ أَخُوك» كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، دَلِيلُ على ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي ذَلِكَ.

 ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ: بِلُحُوقِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِ غَيْرِ الْأَبِ هَلْ هُوَ إقْرَارُ خِلَافَةٍ وَنِيَابَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُسْتَلْحِقِ بَلْ وَلَا إسْلَامُهُ، أَوْ هُوَ إقْرَارُ شَهَادَةٍ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ؟ فَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ: إنَّهُ إقْرَارُ خِلَافَةٍ وَنِيَابَةٍ، وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ: إنَّهُ إقْرَارُ شَهَادَةٍ. وَاسْتَدَلَّ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِالْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ؛ لِقَوْلِهِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»، قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ يُفِيدُ الْحَصْرَ".

لأنها جملة معرفة الجزأين، المبتدأ معرفة، والخبر معرفة يفيد الحصر«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» يعني لا غير، وإذا تعادلت البينات في الدعاوى يرجح بالقيافة.

أحسن الله إليك.

"قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِالْقِيَافَةِ لَكَانَتْ قَدْ حَصَلَتْ بِمَا رَآهُ مِنْ شَبَهِ الْمُدَّعَى بِهِ بِعُتْبَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ لَهُ، بَلْ حَكَمَ بِهِ لِغَيْرِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى ثُبُوتِهِ بِالْقِيَافَةِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهَا فِيمَا حَصَلَ مِنْ وَطْأَيْنِ مُحَرَّمَيْنِ، كَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ يَطَآنِ الْجَارِيَةَ فِي طُهْرٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ اسْتِبْشَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَقَدْ رَأَى قَدَمَيْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَزَيْدٍ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَاسْتَبْشَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ وَقَرَّرَهُ عَلَى قِيَافَتِهِ".

ليس هذا مقتضاه الشك الشرعي في نسبة أسامة إلى زيد، لكن نظرًا لاختلاف الألوان وجد من يتكلم في نسب أسامة، وإلا فالنسب ثابت، ولد على فراشه ومن وطئه، ولا فيه أدنى إشكال، لكن المغرض إذا أراد أن يتحدث وجد، إذا وجد فرصة استغلها، فكانوا يطعنون في نسب أسامة لمخالفته للون أبيه، ومع ذلك فرح النبي –عليه الصلاة والسلام- بقول مجزز الملجي: هذه الأقدام بعضها من بعض، وفرح النبي –عليه الصلاة والسلام- لا لشكٍ في نسبه من قِبَلِه -عليه الصلاة والسلام- وإنما لرفع مثل هذه التهمة التي لا أصل لها، ولا أساس لها.

"وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي آخِرِ بَابِ الدَّعَاوَى، وَبِمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ اللِّعَانِ: إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ، أَوْ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ، فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْإِلْحَاقِ بِالْقِيَافَةِ، وَلَكِنْ مَنَعَتْهُ الْأَيْمَانُ عَنْ الْإِلْحَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِيَافَةَ مُقْتَضٍ، لَكِنَّهُ عَارَضَ الْعَمَلَ بِهَا الْمَانِعُ".

لا شك أن القيافة والشبه سبب من أسباب الإلحاق، وهو مقتضٍ مؤثر، إلا إذا عورض بمانعٍ أقوى منه، فإذا عورض بمانع أقوى منه فإنه حينئذٍ يكون السبب ملغى.

"وَبِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ لَمَّا قَالَتْ: أَوَ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟:  «فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟»، وَلِأَنَّهُ أَمَرَ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ، كَمَا سَلَفَ لِمَا رَأَى مِنْ الشَّبَهِ، وَبِأَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي ذَكَرَ لَهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَتَتْ بِوَلَدٍ عَنْ غَيْرِ لَوْنِهِ: «لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ»، فَإِنَّهُ مُلَاحَظَةٌ لِلشَّبَهِ، وَلَكِنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْقِيَافَةِ مَعَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ.

 وَقَدْ أَجَابَ النُّفَات لِلْقِيَافَةِ بِأَجْوِبَةٍ لَا تَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ يُثْبِتُهُ الدَّلِيلُ الظَّاهِرُ، فالتَّكَلُّفُ لِرَدِّ الظَّوَاهِرِ مِنْ الْأَدِلَّةِ مُحَابَاةٌ عَنْ الْمَذَاهِبِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُتَّبِعِ لِمَا جَاءَ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وهذا شأن المقلد المتعصب لأئمتهم، وأما المتبع للنصوص فليس هذا شأنه.

"وَأَمَّا الْحَصْرُ فِي حَدِيثِ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " فَنَعَمْ هُوَ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ إلَّا لِلْفِرَاشِ مَعَ ثُبُوتِهِ وَالْكَلَامُ مَعَ انْتِفَائِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَصْرًا أَغْلَبِيًّا، وَهُوَ غَالِبُ مَا يَأْتِي مِنْ الْحَصْرِ، فَإِنَّ الْحَصْرَ الْحَقِيقِيَّ قَلِيلٌ".

يسمونه حصرًا إضافيًّا «الحج عرفة»، و«الشاعر حسان» الحج عرفة وغير عرفة، والشعراء كُثر، لكنه حصرٌ إضافي، يعني كأن هذا الشاعر له منزلة من هذا المتكلم بحيث اعتبر وجود غيره كعدمه؛ ولأهمية الوقوف بعرفة، وهو ركنٌ من أركان الحج يفوت الحج بفواته جُعل هو الحج، وأما غيره من الأركان فهو مُدرك.

أحسن الله إليك.

"فَلَا يُقَالُ: قَدْ رَجَعْتُمْ إلَى مَا ذَمَمْتُمْ مِنْ التَّأْوِيلِ".

"وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَلِلْعَاهِرِ» أَيْ الزَّانِي «الْحَجَرُ» فَالْمُرَادُ لَهُ الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ، وَقِيلَ: لَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَقْصُرُ الْحَدِيثَ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ".

الخيبة والحرمان عام، وأما الرجم فهو خاصٌّ بالمحصن.

اللهم صل على محمد.