شرح متن الورقات في أصول الفقه (14)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وإما الإجماع فهو اتفاق علماء أهل العصر على الحادثة، ونعني بالعلماء الفقهاء، ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية، وإجماع هذه الأمة حجة دون غيرها لقوله: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة))، والشرع ورد بعصمة هذه الأمة، والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان، ولا يشترط في حجيته انقراض العصر، فإن قلنا: انقراض العصر شرط.

الشيخ: على الصحيح، عندك على الصحيح؟

طالب: لا.

عندكم؟

طالب:.......

ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح.

فإن قلنا: انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه، وصار من أهل الاجتهاد، ولهم على هذا القول أن يرجعوا عن ذلك الحكم، والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم وبقول البعض وبفعل البعض، وانتشار ذلك القول أو الفعل، وسكوت الباقين عليه، وقول الواحد من الصحابة.

يكفي، يكفي بركة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: في هذا المبحث يتكلم المؤلف -رحمه الله تعالى- عن الإجماع.

والإجماع حجة شرعية عند عامة من يعتد بقوله من أهل العلم، ورتبته ثالث الأدلة بعد الكتاب والسنة، وقدمه بعضهم عليهما -على الكتاب والسنة- بعض أهل العلم -لا سميا من أهل الأصول- يقدمون الإجماع على الكتاب والسنة؛ لأن الإجماع لا يحتمل نسخاً ولا تأويلاً، بخلاف النصوص من الكتاب والسنة؛ يحتمل أن تكون منسوخة كما أنها أيضاً تحتمل التأويل، والإجماع باعتباره لا بد أن يكون له مستند من الكتاب والسنة.

والحجة في الحقيقة في الأصلين، في الأصلين الذين هما الكتاب والسنة، واستمد الإجماع حجيته من دلالة الكتاب والسنة؛ فلولاً ما ورد من أدلة الكتاب والسنة على حجية الإجماع لما اعتددنا بالإجماع، فهو استمد قوته منهما، فكيف يقدم عليهما؟

الإجماع عرفه المؤلف -رحمه الله تعالى- بقوله:

هو اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة: اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة: وخص المؤلف العلماء بالفقهاء، والحادثة خصها بالحادثة الشرعية، فالإجماع -كما هو معروف-: مصدر أجمع يجمع إجماعاً، من الرباعي أجمع يجمع إجماعاً، ويطلق ويراد به أحد معنيين:

الأول: العزم كما في قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [(71) سورة يونس]: اعزموا على أمركم، وفي الحديث: ((لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل)) الحديث: ((لا صيام لمن لم يجمع)): يعني يعزم وينوي ويعقد النية من الليل -وهذا معروف أنه في الفرض، وأما النفل فيصح من أثناء النهار على ما هو مقرر في الفقه- فيطلق ويراد به العزم كما ذكرنا، ويطلق ويراد به الاتفاق وهو المراد هنا.

تعريف المؤلف: اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة: يريد بالاتفاق هنا ما يراد في الإجماع؛ لأنه بصدد تعريفه، وهو اتفاق جميع المجتهدين من علماء هذه الأمة في عصر من العصور على حكم الحادثة الشرعية، هذا هو المراد به هنا، وإن أطلق بعضهم الاتفاق وأراد به اتفاق الأئمة الأربعة؛ لأن هذه مسائل اصطلاحية ولا مشاحة في الاصطلاح، فإذا بين العالم في مقدمة كتابه أنه إذا قال: اتفقوا -يريد بذلك الأئمة الأربعة- له ذلك على أن يبين، ولا مشاحة في الاصطلاح.

إذا نفى الخلاف فقال: بلا خلاف: الأصل أن يكون بلا خلاف بين أهل العلم، بلا نزاع: بلا نزاع بين أهل العلم، ولا نعلم في هذا خلافاً: أيضاً بين أهل العلم، لكن قد يطلق أهل العلم هذه الألفاظ: بلا خلاف: يعني في المذهب، بلا نزاع: في روايات المذهب إلى آخره، بين أتباع المذهب..

المقصود أنه الأصل إذا أثبت الاتفاق والإجماع فالمراد به اتفاق علماء الأمة، وإذا نفي الخلاف فالمراد خلافهم، هذا هو الحقيقة في الباب، لكن إذا اصطلح أحد على غير ذلك وبين اصطلاحه فلا مشاحة حينئذ في الاصطلاح، وهو موجود نعم، موجود يقول: بلا نزاع: والمراد به بين أتباع هذا المذهب، بلا خلاف: بين روايات المذهب ولا اختلاف، هذا لا يدخل فيما معنا.

يطلق الإجماع ويراد به قول الأكثر، المبحوث هنا، المراد بالإجماع قول الكل، قول جميع علماء العصر، والمراد بذلك المجتهدين من الفقهاء، لكن قد يطلق الإجماع ويراد به قول الأكثر، وهذا معروف عند الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- وهذا كثير ملحوظ في تفسيره؛ لأنه يذكر الخلاف، يذكر الخلاف، يذكر قول الأكثر، ثم يذكر قول المخالف، ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القرأة على ذلك، كيف يقول لإجماع وقد ذكر الخلاف؟ نعم، كيف يقول لإجماع القرأة لإجماع العلماء، لإجماع الفقهاء، لإجماع المفسرين، وقد ذكر الخلاف هو بنفسه؟ هو يرى أن الإجماع قول الأكثر، وهذا قول انفرد به عن غيره رحمة الله عليه.

العلماء الذين يعتنون أو يعنون بنقل الإجماع ونفي الخلاف -كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وابن قدامة- يلهجون بذكر الإجماع بكثرة، وابن حزم له مؤلف في الإجماع، ابن المنذر له مؤلف في الإجماع.

المقصود أن هذه كلمة يلهج بها كثير من أهل العلم، مع أنها لا تُسلَّم لهم كل دعاواهم؛ قد ينقل ابن المنذر الإجماع ثم يوقف على مخالف، وقد ينقل ابن عبد البر الإجماع على مسألة مع وجود المخالف، ومثلهم..، أقول مثل ذلك بالنسبة لابن قدامة والنووي، والنووي -رحمة الله عليه- واسع الخطو في هذا الباب، متساهل في نقل الإجماع أكثر من غيره، فقد يذكر الإجماع وينقله في مسائل الخلاف فيها واضح -في مسائل اشتهر فيها الخلاف- سواءً كان بين العلماء عامة من مذهبه وغيره، أو الخلاف في مذهبه -مذهب الشافعي- وقد ينقل الخلاف هو، وقد ينقل الخلاف، لكن إن كان نقله للخلاف عن الظاهرية مثلاً، أو عن من لا يعتد بقوله، فلا اعتراض؛ كثيراً ما يقول: والإجماع قائم على كذا، وأجمع العلماء على كذا، وينقل قول الظاهرية، هذا لا اعتراض عليه لماذا؟ لأنه نص في شرح مسلم على أنه لا يعتد بقول داود، لماذا؟ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، لكن قد ينقل الإجماع والخلاف معتبر.

في مسائل كثيرة منها يقول -رحمه الله-: "عيادة المريض سنة بالإجماع"، مع أن الإمام البخاري ترجم في صحيحه باب وجوب عيادة المريض. وقال: "صلاة الكسوف سنة بالإجماع"، مع أن أبا عوانة في صحيحه قال: باب وجوب صلاة الكسوف، هل نقول إن مثل هذا الخلاف خفي على النووي؟ إن خفي عليه ما في صحيح أبي عوانة، لا يخفى عليه ما في صحيح البخاري -رحمه الله- لكن هم البشر، لا بد من الغفلة، لا بد من الغفلة.

الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- نفى الخلاف، وقال: لا يعلم خلافاً في عدم وجوب الزكاة في البقر إذا لم تبلغ الثلاثين، والخلاف معروف بين الصحابة في العشر. والإمام مالك -رحمه الله تعالى- في الموطأ ذكر أنه لا يعلم خلافاً في مسألة رد اليمين على المدعي، والخلاف معروف بين قضاة عصره، كابن أبي ليلى وابن شبرمة.

على كل حال هم بشر، هم بشر لا يتصور أن يحيطوا بكل مسائل العلم، وبكل أقوال العلماء.

مثل هذه الاستدراكات على هؤلاء الأئمة جعلت مثل الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار يقول: هذه الدعاوى التي يدعيها بعض أهل العلم –يعني يكثرون منها، من دعاوى الإجماع- قال: كل هذا يجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع، لا يهاب الإجماع.

على أنه على طالب العلم أن يهاب الإجماع، فإذا ذكر الإجماع، على طالب العلم أن يقف، ولا يتسرع ولا يتعجل، يبحث إن وُجِد مخالف، يبحث عن دليله، إن كان له حظ من النظر نظر فيه، وإلا فالإجماع له هيبته؛ لأنه حجة عند من يعتد بقوله من أهل العلم.

المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: ونعني بالعلماء الفقهاء: نعني بالعلماء الفقهاء: وعلى هذا لا يعتبر اتفاق غيرهم -والغير يشمل جميع التخصصات، وإن كانت شرعية- فلا عبرة بإجماع المفسرين، ولا عبرة بإجماع المحدثين، ولا عبرة بإجماع علماء العقيدة، كل هذا على حدِّ كلامه -رحمه الله تعالى- ونعني بالعلماء الفقهاء: نعم من كانت همته مصروفة لرواية الحديث دون درايته ولا التفقه منه، ومن كانت همته مصروفة لفهم كلام الله -عز وجل- دون التفقه، يعني فهم المعاني وربط..، وتحريرها لفظياً من غير استنباط منها واستدلالاً بها، ما يبعد كلامه، لكن الفقهاء الحقيقيون هم العلماء وهم المفسرون، وهم المحدثون، نعم، ما عرف انفكاك هذه الجهات من بعضها بحيث يكون عالماً في علم، عامياً في علم إلا في العصور المتأخرة، وإلا فالأصل أن العلوم الشرعية مترابطة مترابطة؛ الفقيه على أي شيء يبني فقهه؟ على نصوص الكتاب والسنة، الفقيه إنما يبني فقهه على نصوص الكتاب والسنة.

كيف يكون فقيهاً وهو لا علاقة له ولا دراية بكلام الله -عز وجل- ولا كيف يعتمد في الأحكام ويؤصل ويؤسس وهو لا بضاعة له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وعلى هذا قوله: العلماء: المقصود بهم من يجمع هذه العلوم بحيث يكون فقيهاً معتمداً على نصوص الكتاب والسنة، والمراد بالعلماء المجتهدون لماذا؟

لأن المقلد لا عبرة بوفاقه ولا خلافه، المقلد لا عبرة بقوله وفاقاً ولا خلافاً؛ لأنه تابع لغيره، فضلاً عن العوام، إذا كان من يعرف المسائل الفقهية من أول باب في كتب الفقه إلى آخر باب من الطهارة إلى الإقرار، لكن تفقهه على جهة التقليد وقبول قول الغير من غير حجة، مثل هذا لا عبرة به؛ العبرة بالمقلَّد، أما المقلد لا عبرة به، ولذا نقل ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد ليس من أهل العلم؛ المقلد في حكم الناقل لقول غيره.

فالمراد باتفاق العلماء: العلماء المجتهدين، والمراد بعلماء العصر: علماء الزمان، قلَّ أو كثر، إجماع العلماء، إجماع طبقة من أهل العلم وجدوا في عصر واحد متقاربون في السن والتحمل والأخذ من الشيوخ -هذه طبقة- إذا انقرضوا جاء العصر الثاني، وإلا لو لم نقل بهذا قلنا: إن الأمة كلها طبقة واحدة؛ لأنها مترابطة يذهب هذا ويخلفه هذا.

يقول: على حكم الحادثة، ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية: هذا المبحث وهو الاتفاق والإجماع تبحث فيه من الناحية الشرعية، يستدل به على الأحكام الشرعية، فلا يحتج به في الأحكام على الأمور العادية، الأمور العادية، لو نظرنا في إشارات المرور وجدنا الإجماع قائم في دول العالم كلها على الألوان الثلاثة، صح وإلا لا؟ نعم؟ فيه بلد يختلف عن هذا؟

طالب:.......

أنا ما سافرت، ولا رحت ولا جيت، لكن هذا المستفيض، في بلد يختلف عن الألوان الثلاثة الأحمر والأصفر والأخضر؟

طالب:.......

ما فيه، إذن هذا إجماع، هذا إجماع، لو جاء في بلد من البلدان شخص مسؤول عن المرور أو ملك أو شيئاً من هذا قال: والله العالم كله على هذا الترتيب، أنا اقلب الترتيب، اعكسوه، نقول: يأثم لمخالفته الإجماع؟

طالب:.......

لا، لماذا؟ لأنه ليس من المسائل الشرعية، هذه أمور عادية اصطلاحية، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولا يعني هذا الكلام أننا لا نلتزم بما تدل عليه هذه الإشارات؛ لأن الشخص يسمع مثل هذا الكلام ويخلط، يفهم من هذا الكلام أنه يمشي يقطع الإشارة؛ وهذه أمور عادية ولا فيها اجتماع، ولا إجماع ولا شيء، نعم؟

طالب:.......

قد يسمع هذا الكلام ولا يوفق لفهمه، الكلام منصب على أنه لو رأى ولي أمر في بلد من البلدان أنه يغير الترتيب هذا، اللون الأخضر للوقوف، والأحمر للمشي، أو الأصفر وإلى آخره، نقول: يأثم؛ لأنه خالف الإجماع؟ لا يأثم، ومعنى هذا أنه يغير نظام هذه الأمور من قبل من تلزم طاعته.

لكن لو جاء شخص –فرد- وقال: العالم كله مجمع على أن الإشارة إذا صارت حمراء يقف، أنا ما نبغاها إلا إذا صارت خضراء، يأثم وإلا ما يأثم؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

هذه مخالفة صريحة، وضررها ظاهر ومصلحتها ظاهرة، إذن أهل العلم يقولون: يأثم للمخالفة، وهذه مسألة وتلك مسألة أخرى.

المقصود أن الإجماع هنا يراد به الإجماع على المسائل الشرعية، والمراد بالعلماء علماء هذه الأمة، فلا يعتبر اتفاق علماء الشرائع السابقة، ولو قيل: إن الإجماع من خصائص هذه الأمة التي فيها حصول الاتفاق واتحاد الكلمة..، الأمم السابقة قد يتفقون على المخالفة لشرائعهم وهذا ظاهر، يتفق العلماء -إن استحقوا هذا الوصف- على مخالفة النص، أو على تحريف النص، ويتتابعون عليه، فالأمم السابقة ليست معصومة، ولذا ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- أن عشرة من النصارى اجتمعوا لبحث مسألة، اتفقوا فصدروا عن أحد عشر قولاً، هذا ذكره الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- عشرة اجتمعوا لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشر قولاً.

ومما ينبغي إضافته إلى الحد ما قرره أهل العلم من أن الإجماع المعتبر لا بد أن يكون بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في حياته الدليل يحصل بسنته -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير؛ فلسنا بحاجة إلى اتفاق غيره مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.

الإجماع..، قد يقول قائل كيف يتصور الإجماع؟

الإجماع في عصر الصحابة وقت اجتماعهم بالمدينة ممكن، وبعد تفرقهم في الأمصار صعُب تصور الإجماع، وأصعب منه من جاء بعد الصحابة، بعد انتشار العلماء في الأقطار المترامية الأطراف من شرق الأرض وغربها مع صعوبة الاتصال، ولذا أنكر بعضهم وقوع الإجماع، ولا شك أن الإجماع واقع، والدليل على ذلك حصوله في مسائل كثيرة، مسائل نقل فيها الإجماع، والنقل مطابق للواقع، النقل مطابق للواقع، كثير من المسائل التي نقل فيها الإجماع مطابق للواقع، يعني المسائل التي نقل فيها الإجماع وخرم هذا الإجماع قليلة بالنسبة للمسائل التي اختلف فيها العلماء، والناظم -رحمه الله- ذكر مثال بعد أن عرف الإجماع بقوله:

هو اتفاق كل أهل العصر
على اعتبار حكم أمر قد حدث

 

 

أي علماء الفقه دون نكر
شرعاً كحرمة الصلاة بالحدث

 

إجماع: أجمع أهل العلم على تقديم الدين على الإرث، مسائل كثيرة حصل فيها الإجماع، أجمعوا على تحريم الزنا، تحريم شرب المسكر، تحريم الربا، أجمعوا على إباحة شرب الماء، إباحة أكل الخبز وما أشبه ذلك، هذه مسائل حصل فيها الإجماع ولم يخالف فيها أحد، المقصود أنه واقع واقع.

بعض أهل العلم جعل الإجماع من قبيل المستحيل؛ لا سيما بعد أن تفرق الناس، ولذا منهم من يرى أن الإجماع المعتبر إجماع الصحابة دون غيرهم.

يقول -رحمه الله تعالى-: وإجماع هذه الأمة حجة دون غيرها لقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) والشرع ورد بعصمة هذه الأمة: الإجماع مثل ما تقدم حجة قطعية شرعية، يجب العمل به على كل مسلم، بل هو ثالث الأدلة، وعرفنا أن بعضهم بالغ حتى قدمه على النصوص؛ لأنه لا يحتمل نسخاً ولا تأويلاً بخلاف النصوص؛ لأنها تحتمل، وعرفنا أنه لو لولا النصوص لما حصل الإجماع، إذ لا بد في كل إجماع من مستند من الكتاب أو السنة، علمناه أو خفي علينا.

إذا نقل الإجماع في المسألة ولم نعرف لها دليلاً جزمنا بأن لها دليلاً ولو لم نطلع عليه، وإذا أجمع أهل العلم على ترك العمل بخبر ثابت جزمنا بأن هذا الخبر منسوخ بدليل شرعي، ولو لم نطلع عليه؛ دلنا على وجوده هذا الإجماع، فالإجماع دلنا على وجود ناسخ، وإلا كما تقدم النسخ من خصائص النصوص والإجماع لا ينسخ ولا يُنسخ، نعم؟

طالب:.......

أيش؟

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

الاحتمال قائم، نعم، الاحتمال قائم ويتداوله الأئمة ولا ينتقدونه، نعم، ويمر على علماء الأمة، ولا في أحد يقول: لا خالف فلان، هذا يثبت إجماعاً، معنى هذا أن الأمة فرطت في دينها، والأمة معصومة من التفريط في شيء من دينها.

طالب:.......

لا، وتداوله الناس، صار فيه فرصة لأن يتداوله الناس ولم يطلعوا على مخالف!!

طالب:.......

إذا لم يكن له سلف يكن آثم، إذا لم يكن له سلف لا يجوز له إحداث قول جديد، نعم؟

طالب: كيف نعول قول الإمام أحمد....؟

يعني بعد انتشار الأمة في الأقطار في...

طالب: هل مستند الإجماع الأول إجماع الصحابة...؟

هذه رواية في المذهب، هذه رواية في المذهب أن الإجماع المعتبر إجماع الصحابة؛ لأنهم هم الذين يمكن حصرهم وحصر أقوالهم، وأما الأمة تفرقت شذر مذر، يعني من في الأندلس كيف يتسنى له أن يطلع على أقوال علماء اليمن، أو علماء خراسان، أو ما أشبه ذلك، نعم؟

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك: يوجد بعض الإجماعات من الصحابة الأئمة على خلافها مثل يا شيخ تارك الصلاة مثل.... نقل الإجماع عن الصحابة بعض الأئمة المتقدمين المعتبرين، ولكن الأئمة على خلاف.... كيف نعوله يا شيخ؟

يعني كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر، شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، معروف أنه إذا قيل: كانوا، المراد به الصحابة، وجود الخلاف من إمام معتبر، أو من أئمة معتبرين، نعم، وجود هذا الخلاف يدل على خلل في هذا الإجماع إما في حقيقته أو في نقله، إما في حقيقته أو في نقله، وجود مثل هذا الخلاف.

الترمذي -رحمه الله تعالى- في (علل الجامع) قال: إنه لا يوجد حديث في كتابي أجمع العلماء على ترك العمل به سوى حديثين الأول: أيش؟ الجمع، الجمع من غير سفر ولا مط،ر حديث ابن عباس، وهو حديث صحيح مخرج في صحيح مسلم، الثاني: قتل الشارب، قتل المدمن في المرة الرابعة أو الخامسة في حديث معاوية وغيره، أحاديث صحيحة، أجمع العلماء على ترك العمل بها ونقل الإجماع، يعني الترمذي نقله، والنووي نقله لكن المخالف موجود؛ من أهل العلم من يرى قتل الشارب في المرة الرابعة أو الخامسة، منهم من يراه حد، شرب في الأولى يجلد، ثم يجلد، ثم يجلد، ثم..، ثم يقتل، نعم، وممن يرى قتله ابن حزم وجمع من أهل العلم، لكن شيخ الإسلام يرى أنه ليس بحد وإنما هو تعزير، وأيده ابن القيم؛ يرى أن قتل الشارب المدمن من باب التعزير، وأنه إذا لم يرتدع بالجلد فإنه يقتل.

على كل حال مثل هذه النقول الآن موقف أهل العلم من الأحاديث التي أجمع العلماء على ترك العمل بها، هل نقول: إن الأمة ردت على النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله؟ أو نقول إن هذا الإجماع دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؟

دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ لأنه لا يتصور أن الأمة ترد كذا معاندة الرسول يقول كذا، يقولون: بدنا نجمع على خلافه، فقول الرسول لا يرد إلا بقوله -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

إيه.

طالب:.......

أيش لون؟

طالب:.......

إيه، لكن مع ذلك نتحرى ونتثبت في الإجماع؛ الكلام على الإجماع الذي له حظ من النظر، واقع بالفعل وليس له مخالف، لا بد أن نقول: إنه..، هذا يجعلنا نزيد في البحث عن وجود معارض للدليل.

كلام من يقول: إن الإجماع مقدم على النصوص، يعني ما فيه إلا أنه سوء أدب في التعبير؛ يعني سوء أدب في التعبير؛ لأن الإجماع مستند على نصوص فكيف يقدم عليها.

أيضاً يهاب الإنسان أن يقول: إن الإجماع وكلام الناس مقدم على قال الله وقال رسوله، لكن إذا نظرت بعين البصيرة والواقع أنه إذا أجمع، والإجماع مستند إلى نص، صار التقديم للنص الذي اعتمد عليه الإجماع، واتفاق علماء الأمة على حكم من الأحكام يدلنا على أن النص الثاني الذي من الكتاب أو من السنة إما منسوخ أو مؤول.

طالب: ألا يشترط العلم بالناسخ؟

لا ما يشترط وين، في مثل هذه الحالة إذا أجمع أهل العلم على ترك حديث، نعم، ما يشترط العلم بالناسخ، وأيش تسوي؟ تترك الإجماع وإلا تترك النص؟

تقول: هذا الإجماع وقد اشترط للإجماع أن يعتمد على نص، ما في إجماع بدون نص، إذا لم نطلع على هذا النص الذي اعتمد عليه الإجماع نتهم أنفسنا نقول: هذا الإجماع له مستند ولو لم نطلع عليه، لقصورنا أو تقصيرنا.

طالب: يا شيخ من لم يرَ العمل بالإجماع هل يبدع أو يفسق؟

أما الإجماع اتفاق الأمة لا شك أنه حجة، يعني لا يراه مع الأدلة التي نسوقها؟! لأنهم قالوا: من الأدلة على حجية الإجماع قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [(115) سورة النساء]، يتبع غير سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين على قول واحد، ثم يأتي فيحدث قول جديد: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}.

طالب:.......

أنت الآن أثبِت حجيته، ثم ثبوته مرحلة ثانية، فلا تستدل ولا تحتج إلا بما ثبت.

الحديث الذي أشار إليه المؤلف: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)): أيضاً يدل على حجية الإجماع، وهو حديث مخرج عند أبي داود والترمذي ولا يسلم من مقال، لكنه له طرق تشد بعضها بعضاً، تدل على أن له أصلاً، والشرع ورد بعصمة هذه الأمة -كما قال المؤلف- للأدلة التي ذكرها ولغيرها.

يقول -رحمه الله تعالى-:

والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان: من لازم كون الإجماع حجة قطعية أن يلزم أهل العصر الثاني، مقتضاه هو العمل به، فإذا أجمع الصحابة -رضوان الله عليهم- على حكم شرعي حينئذ ليس للتابعين أن يخالفوا هذا الإجماع، بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم في أي عصر من العصور، وهكذا.

ثم قال: ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح: قوله: على الصحيح: يدل على أن هناك من يشترط، وإن كان مرجوحاً إلا أن هناك قول يقول باشتراط انقراض العصر.

فإن قلنا: انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه -هذا كلام المؤلف- وصار من أهل الاجتهاد، ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم: خلاص ما دام وجد قبل انقراضهم فإنه لا ينعقد إجماعاً.

ذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط انقراض العصر فينعقد الإجماع بمجرد اتفاق المجتهدين ولو كانوا أحياء، فلا تجوز حينئذ مخالفتهم؛ لأن أدلة حجية الإجماع لا توجب ولا تشير، وليس فيها إشارة إلى انقراض العصر.

والإجماع..، ولأن الإجماع هو الاتفاق بين العلماء المجتهدين في عصر من العصور، وقد حصل، فإذا حصل هذا الاتفاق من المجتهدين كلهم فقد حصلت حقيقة الإجماع.

ذهب بعض الشافعية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه يشترط انقراض العصر، ووجه اشتراطه احتمال رجوع بعض المجتهدين عن رأيه، بعض المجتهدين متفق، هو في الأصل متفق مع العلماء، ثم يتبين له من أدلة المسألة ما يرجح له خلاف ما قاله أولاً، وإذا ترجح لديه خلاف ما ذهب إليه أولاًً فإنه حينئذ يؤول الأمر إلى الخلاف، وإذا وجد الخلاف فلا إجماع، لكن الراجح هو القول الأول، ولذا قال المصنف: هو الصحيح.

وفي قوله: فإن قلنا انقراض العصر شرط: بيان لثمرة الخلاف، وتتمثل في أمرين:_

الأول: اعتبار قول من ولد في عصر المجمعين وبلغ رتبة الاجتهاد في حياتهم أو في حياة بعضهم، فله أن يخالف ولا يعد مخالفاً للإجماع؛ لأنه لم ينعقد؛ لأنه ما انقرض العصر، ما مات جميع المجتهدين بقي بعضهم، ولد من تفقه ووصل إلى درجة الاجتهاد ثم خالفهم، ذا في الحقيقة العصر استوعب الإجماع السابق ومن لحق بهم فيما بعد ووجد منه الخلاف، هذه ثمرة الخلاف.

فإذا قلنا: إنه يشترط انقراض العصر اعتددنا بقول المخالف، وإن جاء بعدهم، يعني ممن ولد في حياتهم، وإذا قلنا بعدم الاشتراط، إذا قلنا بعدم الاشتراط لم نعتدد، نعم، وإذا قلنا بالاشتراط اعتددنا به.

الفائدة والثمرة الثانية: أن للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه، ولا يعد ذلك نقضاً للإجماع؛ لأنه لم يستقر، ومعروف أن رجوعهم إنما هو إلى الحق، يعني المسألة مفترضة في أئمة، في علماء مجتهدين ومعول عليهم في بيان الحلال والحرام، لا يكون رجوعهم عن هوى أو تحت ضغط أو تأثير؛ هذا لا عبرة به، لكن المسألة مفترضة في علماء أئمة تجردوا للدين ولنصره وبيان ما أمروا ببيانه من الشرع، للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه، ولا يعد ذلك نقضاً للإجماع؛ لأنه لم يستقر، وعلى القول الأول ليس لأحدهم أن يرجع بعد حصول الاتفاق.

ثم قال -رحمه الله تعالى-:

طالب: القول الثاني يكون......قد يوجد مخالف ما دام ما انقضى العصر؟

الاحتمال أنه يوجد بعدهم مخالف، على كل حال القول الصحيح أنه لا يشترط.

والإجماع يصح بقولهم: يعني بقول العلماء المجتهدين، وبفعلهم: أيضاً، وبقول البعض وبفعل البعض، وانتشار ذلك: القول وسكوت الباقين عنه -هذا كلام المؤلف- والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم، وبقول البعض، وبفعل البعض وانتشار القول أو الفعل وسكوت الباقين: عنه يعني أن الإجماع يصح بقول المجتهدين في حكم من الأحكام أنه حلال أو حرام، أو واجب أو مندوب، أو غير ذلك، وهذا هو الإجماع القولي المعتد به عند أهل العلم.

وأما الثاني وهو الذي يسمى بالإجماع السكوتي، ويكون بقول البعض أو فعل البعض، وانتشار ذلك القول أو الفعل وسكوت الباقين عليه، ويسمى الإجماع السكوتي، والعلماء يختلفون في حجيته ولزوم العمل به.

ذهب أكثر الشافعية والمالكية وهذه رواية عن أحمد إلى أنه إجماع، يعني فعل عالم فعلاً أو قال قولاً وانتشر ولم يخالف -وهذا كثير ما يستدل به أهل العلم- قاله فلان ولا يعرف له مخالف، فهو إجماع، يعني عند ابن قدامة كثير وعند غيره، وهذا يسمى الإجماع السكوتي.

فالقول الأول إلى أنه إجماع له حكم الإجماع النطقي؛ تنزيلاً للسكوت منزلة الرضى، لكن ألا يسكت العالم لمصلحة راجحة يراها؟ نعم، قد يسكت العالم لمصلحة يراها، لكن قد يقول قائل هذا القول: إنه إن سكت فلان ما سكت الثاني، فلا بد من قائم لله بحجة، ما يمكن أن يسكت الناس كلهم على خطأ.

منهم من يقول: هو حجة يلزم العمل به وليس بإجماع؛ لرجحان الموافقة بالسكوت على المخالفة، يعني رجحان الموافقة تجعلنا نقول: إن إصابة هذا السكوت صار غلبة ظن، وغلبة الظن موجبة للعمل، وإن لم توجب القطعية.

يقول: وليس إجماعاً؛ لأن حقيقة الإجماع لم تتحقق فيه، وقيل: ليس بحجة ولا إجماع، لماذا؟ لأن الساكت ساكت، ما يدرى أيش عنده، ولا ينسب لساكت قول.

إلى غير ذلك من الأقوال التي أوردها الشوكاني في إرشاد الفحول، أورد منها اثني عشر قولاً، إرشاد الفحول للشوكاني هنا أورد اثني عشر قولاً في هذه المسألة: القول الأول: أنه إجماع: هنا يقول: القول الأول: إنه ليس بإجماع ولا حجة قاله داود الظاهري وابنه والمرتضى وعزاه القاضي.. إلى آخره، إنه ليس بإجماع، ولا حجة.

الثاني: أنه إجماع وحجة، وبه قال جماعة من الشافعية.

والقول الثالث: إنه حجة وليس بإجماع.

والرابع: إنه إجماع بشرط انقراض العصر.

والخامس: إنه إجماع إن كان فتيا لا حكماً.

والسادس: إنه إجماع إن كان صادراً عن فتيا.

السابع: إنه إن وقع في شيء يفوت استدراكه من إراقة دم أو استباحة فرج كان إجماعاً، وإلا فهو حجة، إلى آخر الأقوال التي وصلت عنده إلى اثني عشر قولاً.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.