التعليق على تفسير القرطبي - سورة القمر (03)

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، سم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى–:

"قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ}[القمر:33] أخبر عن قوم لوط أيضًا لما كذبوا لوطًا: {إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً}[القمر:34] أي ريحًا ترميهم بالحصباء وهي الحصى، قال النضر: الحاصب الحصباء في الريح. وقال أبو عبيدة: الحاصب الحجارة. وفي الصحاح: والحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء وكذلك الحصبة، قال لبيد:

جرت عليها أن خوت من أهلها

 

أذيالها كل عصوف حصبة

عصفت الريح أي اشتدت فهي ريح عاصف وعصوف. وقال الفرزدق:

مستقبلين شمال الشام تضربنا

 

بحاصب كنديف القطن منثور

حاصب هي الريح لأنها اسم فاعل، والحصباء محصوب بها، يعنى مرمي بها ترمي بها الريح أولئك القوم اللذين كذبوا لوطًا -عليه السلام-. نعم.

"{إلاَّ آلَ لُوطٍ}[القمر:34]: يعنى من تبعه على دينه..."

فيكون قوله: {إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً} وصف لموصوف محذوف إنا أرسلنا عليهم ريحًا حاصبًا تحصبهم بالحصباء. نعم.

"يعني من تبعه على دينه ولم يكن له إلا بنتاه."

ولم يكن يعني لم يتبعه أحد على دينه ولم يستجب له أحد إلا بنتاه، يأتي ومعه هاتان البنتان، لم يستجب له أحد من قومه. وهو في عرف بعض الكتبة الذين يكتبون اليوم ويتطاولون على الله وعلى رسله في تقديرهم أنه ليس بناجح. يدعو أمة سنين فيبذل لهم جميع الوسائل ثم بعد ذلك لم يستجب له إلا بنتاه. كما وصفوا نوحًا الذي دعا ألف سنة إلا خمسين عامًا ومع ذلك لم يستجب له إلا قليل، وممن لم يستجب أقرب الناس إليه زوجته وابنه. وصفوه بأنه فاشل في دعوته مع الأسف أن مثل هذا ينتسب إلى الإسلام، حتى تناولوا النبي-عليه الصلاة والسلام- وقالوا أنه فشل في دعوته في مكة والطائف، ونجح في المدينة! الله المستعان. جرأة، ما كان الناس يسمعون مثل هذا الكلام يوم أن كان الناس مأطورين على الحق، لكن لما فلتت الأمور وجاءت الحريات حرية الرأي وحرية الكلمة كل يقول ما شاء. نعم.

"{إلاَّ آلَ لُوطٍ}: يعنى من تبعه على دينه، ولم يكن إلا بنتاه.

{نَّجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر:34] قال الأخفش: إنما أجراه لأنه نكرة."

أجراه: يعني صَرَفهُ، وإلا لو أرد سحرًا بعينه لمنعه من الصرف.

"ولو أراد سحر يوم بعينه لما أجراه. ونظيره: {اهبِطُوا مِصْرًا}[البقرة:61]."

 صرفه لما نكّره، نعم {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ}[يوسف:21] منعه من الصرف لما أراد المصرَ المعروف مع أن مِصْر ثلاثي ساكن الوسط يُصَرف يجوز صرفه مثل هِنْد. هِنْد تصرف لأنها ثلاثي ساكن الوسط. هذا إذا كان المانع له من الصرف علتين. أما إذا كانت أكثر ثلاث علل مثلاً ثم جاء على وزن فَعْل ثلاثي ساكن الوسط مثل حِمْص، لكنه ممنوع لثلاث علل: العلمية والتأنيث والعجمة. فهل هذه الخفة تقاوم الثلاث أو تقاوم واحدة فقط ويبقى ممنوع؟ محل خلاف بين أهل العلم.

"ونظيره: {اهبِطُوا مِصْرَاً}[البقرة:61] لما نكّره، فلما عرّفه في قوله: {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ}[يوسف:99] لم يجره".

لم يجره يعني لم يصرفه. لم يجره.

وكذا قال الزجاج: سحر إذا كان نكرة يراد به سحر من الأسحار يُصرَف، تقول أتيته سحرًا، فإذا أردت سحر يومك لم تصرفه، تقول: أتيته سحر يا هذا، وأتيته بسحر. والسحر: هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر، وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أول النهار، لأن في هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار."

يعني امتزاج بين ظلمة الليل و بين ضوء النهار، يعني مثل ما يكون أول المغرب يكون فيه امتزاج بين هذا وهذا. وهو وقت الاستغفار، هذا يستغله المستغفرون بالأسحار الموفقون باستغلال الأوقات. نعم.

"{نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا}[القمر:35] إنعامًا منا على لوط وابنتيه. فهو نصب لأنه مفعول به. {كَذَلِكَ نَجْزِيْ مَنْ شَكَرَ}[القمر:35] أي من آمن بالله وأطاعه. {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ}[القمر:36] يعني لوطًا خوّفهم {بَطْشَتَنَا}[القمر:36] عقوبتنا وأخذنا إياهم بالعذاب، {فَتَمَارَوْا بالنُّذُر}[القمر:36] أي شكوا فيما أنذرهم به الرسول ولم يصدقوه. وهو تفاعل من المرية. {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ}[القمر:37] أي أرادوا منه تمكينهم ممن كان أتاه من الملائكة..."

المرية والمراء والجدال ألفاظ متقاربة. نعم.

"أي أرادوا منه تمكينهم ممن كان أتاه من الملائكة في هيئة الأضياف طلبًا للفاحشة على ما تقدم. يقال: راودته على كذا مراودة ورِوادًا أي أردته. وراد الكلأ يروده رودًا وريادًا، وارتاده ارتيادًا لمعنى أي طلبه، وفي الحديث: «إذا بال أحدكم فليرتدِ لبوله» أي يطلب مكانًا لينًا أو منحدرًا."

أي يبحث له عن مكان يرتد له مكانًا رِخوًا ينساب فيه البول ولا يرتد عليه. لأنه لو كان المكان صلبًا لا يأمن من الرِّشاش، لكن إذا كان المكان رخوًا فانه يأمن من ذلك «فليرتدِ لبوله». نعم.

"{فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ}[القمر:37] يروى أن جبريل -عليه السلام- ضربهم بجناحه فعموا. وقيل: صارت أعينهم كسائر الوجه لا يرى لها شق كما تطمس الريح الأعلام بما تسفي عليها من التراب. وقيل: لا."

والطمس الإزالة بالكلية، الطمس هذا مقتضاه، {لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ}[يس:66] يعني مسحناها مسحًا تامًّا، وإن كان أخذ الأبصار مع إبقاء العيون نوع من الطمس طمس لنور البصر. نعم.

"وقيل: لا، بل أعماهم الله مع صحة أبصارهم فلم يروهم. قال الضحاك: طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل..."

مع أنهم يرون غيرهم، يرى بعضهم بعضًا فلم يروا هؤلاء الرسل من الملائكة. كما خرج النبي  –عليه الصلاة والسلام- والكفار خرج من بينهم، فلم يروه. نعم.

"فقالوا: لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا؟ فرجعوا ولم يروهم. {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:37] أي: فقلنا لهم ذوقوا، والمراد من هذا الأمر الخبر أي فأذقناهم عذابي الذي أنذرهم به لوط."

لكن {ذُوقُوا} هل هو فعل أمر يقال لهم: ذوقوا، أو أن الله أذاقهم فيكون الفعل ماضي مبني للمجهول للعلم بالفاعل؟ {ذُوقُوا} يعني أذاقهم الله فحُذِف الفاعل وغُيِّرت صيغة الفعل، فيكون فعل ماضي مبني للمجهول، أو أنه فعل أمر يقال لهم: {ذُوقُوا} يؤمرون بذوق هذا العذاب؟ نسأل الله العافية. في شيء؟ الصيغة محتمِلة أو غير محتمِلة؟ أحيانًا تأتي الصيغة محتمِلة مثل ما هنا. محتمِلة أن يكون {ذُوقُوا} فعل أمر ويُقدَّر قبله: يقال لهم: {ذُوقُوا}، ويحتمل أن يكون فعل ماضي مبني للمجهول مُغيَّر الصيغة للعلم بالفاعل؛ يعنى أذاقهم الله. والاحتمالان أوردهما المؤلف -رحمه الله- لا على سبيل التقرير لهذا الاحتمال، وإنما بيانًا للمعنى؛ لأنه قال: فقلنا لهم ذوقوا، هذا على أنه أمر، والمراد من هذا الأمر الخبر. لماذا لا يكون خبر على حقيقته؟ خبر على حقيقته، يعني أذاقهم الله يعني فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط. وحينئذ لا نحتاج إلى تقدير. معروف عند أهل العربية أن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج إليه. نعم.

"{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ}[القمر:38]: أي دائم عام استقر فيهم حتى يفضى بهم إلى عذاب الآخرة. وذلك العذاب قلب قريتهم عليهم وجعل أعلاها أسفلها، {بُكْرَةً} هنا نكرة فلذلك صرفت."

مثل: سحر. نعم.

"{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:39] العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي أُهلكوا به، فلذلك حسن التكرير."

يعني مرتين {فَذُوقُوا عَذَابِي} للطمس، {فَذُوقُوا عَذَابِي} للمرة الثانية للعذاب المستقر، نسأل الله العافية. نعم.

"{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[القمر:40] تقدم."

أي كما تقدم من بعض السلف هل من طالب علم فيعان عليه؟ على القرآن لأنه مُيسَّر، لكن هل من مدكر؟ أما المُعرِض المُسوِّف الذي مجرد أماني يتمنى أن يكون من أهل القرآن ومن حملة القرآن ولا يبذل شيئًا هذا ليس بمُيسَّر عليه. نعم.

"قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}[القمر:41] يعني القبط، والنذر موسى وهارون، وقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين، {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}[القمر:42] معجزاتنا الدالة على توحيدنا ونبوة أنبيائنا وهى: العصا، واليد، والسنون، والطمسة، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم."

تسع آيات. كم ذكر هنا؟ نعم. وما فيه زيادة من خلال استعراض ما عاقبهم الله به، ما فيه زيادة على التسع؟ الحصر جاء.

طالب: الطمس هو الظلة.

الشيخ: الحصر جاء في القرآن، نعم، لكن غير هذا ما فيه؟

طالب: الظلة.

الشيخ: العصا، واليد، والسنون، والطمسة، والطوفان.

طالب: يقصد بالطمسة الظلة.

الشيخ: والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. سم.

طالب: الظلة.

الشيخ: {عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}[الشعراء:189]، غيره؟

طالب: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ}[الأعراف:171].

الشيخ: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}[الأعراف:171]. هذه آية أيضا.

طالب:.....

الشيخ: ها؟

طالب: المن والسلوى.

الشيخ: آيات أيضًا

طالب:...على فرعون.

طالب: المن والسلوى...

الشيخ: شو؟

طالب: المن والسلوى.

الشيخ: بني إسرائيل نعم، وهذا على فرعون وقومه.

طالب:.....

الشيخ: ها؟

طالب:.....

الشيخ: العصا فيها أكثر من آية، فكونها إذا أدخلها في جيبه تخرج بيضاء هذه آية، وكونه يضرب بها الحجر تتفجر منه الأنهار هذه آية أخرى. لكن هذه آية بالنسبة لفرعون، وتلك آية بالنسبة لبني إسرائيل. نعم.

طالب:.....

الشيخ:....عذاب. نعم.

طالب:.....

الشيخ: إي لكن الآية حينما تُعَد تُعَد إذا بقي من وُجِّهت إليه، فهل بقي من أهل فرعون أحد لتكون لهم آية؟ نعم فرعون صار آية لكن آية لمن؟

طالب:.....

الشيخ: ها؟ لمن خلفه، ولكن مَن الذي خلفه؟ بنو إسرائيل. نعم.

طالب: ...لبني إسرائيل بعد ما بقي من فرعون ملة فرعون...؟

الشيخ: ما ندري والله؛ لأنه تبعه قومه لما تكاملوا أُغرِقوا. نعم.

"وقيل: {النُّذُرُ} الرسل. فقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى. وقيل {النُّذُرُ} الإنذار. {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ}[القمر:42] أي غالب في انتقامه، {مُّقْتَدِرٍ}[القمر:42] أي قادر على ما أراد. قوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ}[القمر:43] خاطب العرب، وقيل: أراد كفار أمة محمد-صلى الله عليه و سلم-."

لكل من يتجه له الخطاب، لمن يرى أن لنفسه مزية على غيره وأنه إذا خالف يُعامَل معاملة خاصة. نقول: ما فيه معاملة خاصة، السنن الإلهية واحدة لا تتغير ولا تتبدل. {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ} الوصف الذي يجمع الجميع الكفر. ولا مزية لكافر من قوم نوح ولا لكافر من قوم محمد -عليه الصلاة والسلام– من أمة محمد من أمة الدعوة. لا مزية لهذا ولو كان من ذريته -عليه الصلاة والسلام-. كافر كافر خلاص. ما يدخل الجنة مهما كان نسبه. «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» والنبي –عليه الصلاة والسلام- من أعظم الناس منة عليه عمه أبو طالب وما استطاع أن يهديه {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص:56]، أكرمك الله، ف {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ} استفهام إنكاري. الكفار حكمهم واحد في القديم والحديث. نعم.

"وقيل: استفهام وهو استفهام إنكار ومعناه النفي أي ليس كفاركم خيرًا من كفار من تقدم من الأمم الذين أُهلكوا بكفرهم، {أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}[القمر:43] أي في الكتب المنزلة على الأنبياء بالسلامة من العقوبة. وقال ابن عباس: أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب. {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ}[القمر:44]."

هل عندكم خبر من الله –جل وعلا- نزلت به الكتب أنكم مخصوصون دون غيركم باستثناء معين؟ لا، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}[محمد:38] ما في استثناء لأحد إلا قوم يونس. هم الذين استثنوا من السنة الإلهية التي إذا رئي العذاب حقت كلمة العذاب. ما فيه استثناء لأحد. قوم يونس استُثنوا من ذلك. {لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ}[يونس:98] وهذا خاص بهم، والله أعلم بسبب الاستثناء، لكن الذي يظهر أنهم حصل لهم مع نبيهم أشياء، وحصل من نبيهم أشياء لامه الله –جل وعلا- عليها. فعلى كل حال ومع ذلك لا يجوز أن يُفضَّل عليه أحد مع ما حصل منه، ومع ما قص الله علينا من خبره و مع ما جاءت به السنة كل هذا أيضًا لا يخول للإنسان أن يستطيل عليه يتطاول عليه أو يذكره بشيء ولا في سياق الذم إلا بقدر ما جاءت به النصوص. {وَهُوَ مُلِيمٌ}[الصافات:142] يعني آتٍ بما يلام عليه؛ على كل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح يقول: «لا تفضلوني على يونس» سبب التنصيص على يونس أنه مظِنة لأن يتطاول عليه من يتطاول لما قص الله -جل و علا- من خبره. نعم.

"{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ}[القمر:44] أي جماعة لا تطاق لكثرة عددهم وقوتهم. ولم يقل منتصرين اتباعًا لرءوس الآي؛ فرد الله عليهم فقال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ}[القمر:45] أي جمع كفار مكة؛ وقد كان ذلك يوم بدر وغيره. وقراءة العامة (سيهزم) بالياء على ما لم يُسَم فاعله، و{الْجَمْعُ} بالرفع. وقرأ رويس عن يعقوب (سنهزم) بالنون وكسر الزاي، و{الْجَمْع} نصبًا."

...مفعول. نعم.

"{وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45] قراءة العامة بالياء على الخبر عنهم، وقرأ عيسى وابن إسحاق ورويس عن يعقوب (وتولون) بالتاء على الخطاب. و{الدُّبُر}[القمر:45] اسم جنس كالدرهم والدينار فوُحِّد والمراد الجمع لأجل رءوس الآي. وقال مقاتل: ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه، فأنزل الله تعالى: { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:44-45]. وقال سعيد بن جبير: قال سعد بن أبي وقاص: لما نزل قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}[القمر:45] كنت لا أدري أي الجمع ينهزم؛ فلما كان يوم بدر رأيت النبي -صلى الله عليه و سلم- يثب في الدرع ويقول: «اللهم إن قريشًا جاءتك تحادك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها فأَخِنهم الغداة» ثم قال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر}َ[القمر:45]. فعرفتُ تأويلها. وهذا من معجزات النبي –صلى الله عليه وسلم- لأنه أخبر عن غيب، فكان كما أخبر. أخنى عليه الدهر: أي أتى عليه وأهلكه، ومنه قول النابغة: أخنى عليه الذي أخنى على لُبد.

وأخنيت عليه: أفسدت. قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين، فالآية على هذا مكية. وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: لقد أُنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- بمكة وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرّ}[القمر:46]. وعن ابن عباس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال وهو في قبة له يوم بدر: «أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا» فأخذ أبو بكر-رضي الله عنه- بيده وقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك. وهو في الدرع فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}[القمر:45-46] يريد القيامة، {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر:46] أي أدهى وأمر مما لحقهم يوم بدر. و{ أَدْهَى} من الداهية وهي الأمر العظيم. يقال: دهاه أمر كذا أي أصابه دهوًا ودهيًا. وقال ابن السكيت: دهته داهية دهواء دهياء وهى توكيد لها. قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:47]..."

الشيخ: لحظة لحظة.

طالب: أخنى أو أحنى؟

الشيخ: وإيش في؟

طالب: عندي مكتوب أخنى.

الشيخ: أخنى أخنى، إي، «فأَخِنهم الغداة».

طالب: بالخاء أو الحاء؟

الشيخ: بالخاء، كلها بالخاء.

"قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ}[القمر:47] فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} أي في حيدة عن الحق، و{سُعُرٍ} أي احتراق. وقيل: جنون على ما تقدم في هذه السورة، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدر فنزلت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:48-49]."

إذا قُدِّرت عليهم المخالفة مع أنهم أعطوا من الحرية والاختيار ما يميزون به بين ما ينفعهم وما يضرهم فاختاروا ما يضرهم. هذا مقدَّر عليهم ومكتوب عليهم، ولم يجبَروا على سلوك الصراط الثاني غير المستقيم. نعم.

"خرّجه الترمذي أيضًا، وقال: حديث حسن صحيح. وروى مسلم عن طاووس قال: أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كل شيء بقدر. قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال -النبي صلى الله عليه وسلم-: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز». وهذا إبطال لمذهب القدرية."

مذهب القدرية النفاة الذين يثبتون القدرة المستقلة والمشيئة التامة للمخلوق المنفصلة عن مشيئة الله وإرادته؛ فيثبتون مع الله –جل وعلا- خالقًا آخر، ويجعلون العبد يخلق فعله، ولذا سُمّوا مجوس هذه الأمة. ويقابلهم الذين ينفون القدر بالنسبة للمخلوق يجعلون حركات المخلوق مثل حركات ورق الشجر ليست له إرادة ولا حرية ولا مشيئة، لا تابعة ولا مستقلة. فهما على طرفي نقيض. توسط أهل السنة وفقهم الله -جل وعلا- للتوفيق بين النصوص؛ لأن القدرية النفاة تمسكوا بنصوص، والغلاة في مقابلهم أيضًا الجبرية تمسكوا بنصوص، وضربوا هذه بهذه، لكن وفق الله -جل وعلا- أهل السنة للعمل بنصوص الطرفين. والحمد لله على توفيقه. فجعلوا العبد له حرية وله اختيار وله مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله -جل وعلا– واختياره. لا يمكن أن يخرج اختيار العبد عن اختيار الله -جل وعلا- لأنه مخلوق ومدبَّر ومربوب ومكتوب عليه كل شيء. فقولهم وسط بين القولين. لا يقولون إن العبد مستقل حرية تامة ليست تابعة ومستقلة عن مشيئة الله -جل وعلا- وإرادته، هذا ضلال، نسأل الله العافية، ولا يقولون أنه مسلوب الحرية ليكون في النهاية مجبور على فعله فيكون مظلومًا إن عذب على ما جُبِر عليه. نعم.

"{ذُوقُوا} أي يقال لهم: ذوقوا. ومسها: ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها. و{سَقَرَ} اسم من أسماء جهنم لا ينصرف; لأنه اسم مؤنث معرفة، وكذا لظى وجهنم .وقال عطاء: {سَقَرَ} الطبق السادس من جهنم. وقال قطرب: {سَقَرَ} من سقرته الشمس وسقرته لوحته. ويوم مسمقر ومصمقر: شديد الحر."

طالب:......

الشيخ: هؤلاء احتجوا بالقدر، احتجوا بالقدر فأشركوا؛ والجبرية زعموا أنهم مجبورون على أفعالهم، ولا يعني أنهم خرجوا عن الطاعة لأنهم مجبورون، بل منهم من يعمل بأسباب الطاعة، ويرى أنه مجبور عليها، وإذ وقعت منه هفوة أو زلة أو معصية قال إنه مجبور، فاحتج بالقدر من هذه الجهة يشبه المشركين. نعم.

"الثانية: قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}[القمر:49]، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ}: قراءة العامة كل بالنصب."

النصب واضح لأنه منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور.

"وقرأ أبو السمال (كُلّ) بالرفع على الابتداء. ومن نصب فبإضمار فعل وهو اختيار الكوفيين; لأن (إِنَّ) تطلب الفعل فهي به أولى، والنصب أدل على العموم في المخلوقات لله تعالى؛ لأنك لو حذفت {خَلَقْنَاهُ} المفسر..."

لأن (إِنَّ) تطلب الفعل فهي به أولى، والتقدير: (إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ). يعني خبر إن اسمها الضمير المتصل بها، وإذا فُقِّل إننا، هذا اسمها، وخبرها الجملة من فعلها المقدر (إِنَّا خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر)، لأن (إِنَّ) تطلب الفعل فهي به أولى، إما أن تطلب فعل أو تطلب اسمًا يعمل عمل فعله، ما تطلب اسمًا جامدًا، وإنما تطلب فعلاً أو اسمًا يعمل عمل فعله. "إن زيدًا يقوم" أو"إن زيدًا قائم". نعم.

"لأنك لو حذفت {خَلَقْنَاهُ} المفسر وأظهرت الأول لصار (إنا خلقنا كل شيء بقدر). ولا يصح كون (خلقناه) صفة (لشيء); لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف، ولا تكون تفسيرًا لما يعمل فيما قبله.

الثالثة: الذي عليه أهل السنة أن الله -سبحانه- قدّر الأشياء; أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه، سبحانه لا إله إلا هو، ولا خالق غيره؛ كما نص عليه القرآن والسنة لا كما قالت القدرية وغيرهم من أن الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا. قال أبو ذر -رضي الله عنه-: قَدِم وفد نجران على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرنا، فنزلت هذه الآية."

يعنى يحتجون بهذا، ما دامت الأعمال إلينا لماذا لا تكون الآجال بأيدينا؟ أو العكس ما دامت الآجال بيد غيرنا فلماذا كانت الأعمال بأيدينا؟ وهذا من باب الاحتجاج بالقدر. والخبر مخرَّج؟ إيش يقول؟

طالب: قال: أخرجه واحد عن بحر السِّقاء عن شيخ من قريش عن عطاء.

الشيخ: عن بحر السقَّاء، كذا.

طالب: أحسن الله إليك. عن بحر السقَّاء عن شيخ من قريش أن عطاء مسنده ضعيف، بحر السقَّاء...فيه شيء لم يسمَّ ومرسل أيضًا، ولم أره من حديث أبي ذر، ولو صح لذكره الواحدي في أسباب النزول....

الشيخ: نعم.

"فنزلت هذه الآيات إلى قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}[القمر:49]،  فقالوا: يا محمد يكتب علينا الذنب ويعذبنا؟ فقال: «أنتم خصماء الله يوم القيامة».

الرابعة: روى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم».  خرّجه ابن ماجة في سننه. وخرّج أيضًا عن ابن عباس وجابر قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صنفان من أمتي ليس لهم في الإسلام نصيب أهل الإرجاء والقدر»."

الشيخ: مُخرَّجة؟ تخريج؟

طالب: الذي قبله أم هذا؟

الشيخ: ها؟

طالب: الأول أم الثاني؟

الشيخ: كلاهما.

طالب: أحسن الله إليك. قال: ضعيف أخرجه ابن ماجة من حديث جابر، وفيه...المدلس وقد عنعن، وكان ابن جريج وابن الزبير...والألباني حسن الحديث.

الحديث الآخر قال: ضعيف أخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس وجابر بهذا النص، وإسناده ضعيف لضعفه...، قال ابن حبان: ...عن عكرمة بما ليس من حديثه حتى يسبق إلى القلب أنه متعمد إلى ذلك. وأخرجه الترمذي وابن ماجة عن ابن عباس متصلاً وإسناده ضعيف أيضًا...ويراجع هذا الحديث في ...واللآلئ للسيوطي  وغيرها.

الشيخ: نعم.

"وأسند النحاس: وحدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي، قال: حدثنا عقبة بن مكرم الضبي، قال: حدثنا يونس بن بُكَيْر عن سعيد بن ميسرة عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «القدرية الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب، ولا أنا منهم ولا هم مني». وفي صحيح مسلم أن ابن عمر تبرأ منهم ولا يتبرأ إلا من كافر، ثم أكد هذا بقوله: والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قَبِل الله منه حتى يؤمن بالقدر..."

حديث مسلم الذي يرويه عن طريق ابن عمر أنه جاءه أناس من قِبَل العراق وصفهم بالحرص على العلم وأنهم يتقفرون العلم إلا أنهم يقولون: إن الأمر أنف، يعنى مستأنف لم يسبق في علم الله –جل وعلا- ما يحصل من المخلوق. فأغلظ القول عليهم ابن عمر وأنهم لو فعلوا ما فعلوا ما تقبل الله منهم وهذه عقيدتهم! المقصود أن بدعة القدرية من أوائل البدع التي حصلت في عهد الصحابة، ولكل قوم وارث؛ ما زلنا نسمع في كتابات بعض المعاصرين من يؤيد قولهم، لكن إثبات خالق مع الله –جل وعلا- يخلق فعله هذا شرك، نسأل الله العافية، ولذا جاءت تسميتهم بمجوس هذه الأمة. {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96]. فالله -جل وعلا- يخلق العبد ويخلق فعله. وللإمام البخاري –رحمه الله تعالى- كتاب اسمه "خلق أفعال العباد" يعني من قِبَل الله –جل وعلا-. نعم.

"وهذا مثل قوله تعالى في المنافقين: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ}[التوبة:54] وهذا واضح. وقال أبو هريرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الإيمان بالقدر يذهب الهم والحز"

طالب: أحسن الله إليك. قال المحقق: لم أجده...انتهى كلامه الحديث أخرجه الحاكم وابن عدي، وقال واهب: أورده ابن الجوزي في الموضوعات.

الشيخ: إيش لون لم يجده؟

طالب: كلام المحقق يقول: لم أجده.

الشيخ: إيش لون لم أجده ثم رواه الحاكم؟

طالب:...انتهى كلام المحقق. وأنا بحثت في الحديث وجدته عند الحاكم وابن عدي.

الشيخ: إي إي، ما قلتَ: قلتُ. يعني معنى الحديث أولاً ليس بحديث ولا يثبت، لكن كونه يُذهِب الهم والحزن لأن الخلل في هذا الباب يوجد الاضطراب في النفس. الخلل في باب القدر يوجد الاضطراب في النفس: كيف يكتب عليّ ثم يعذبني؟! إذًا أنا الذي أخلق فعلي لأستحق العذاب؛ ثم يعود لنفسه مرة ثانية: كيف أكون خالقًا مع الله؟! الله الذي خلق وفرض عليّ هذا وقدر عليّ قبل أن أُخْلَق، ثم يضطرب بنفسه ويصاب بالهم والغم والحزن، لكن إذا وُفِّق للتوسط في هذا الباب ذهب عنه الهم والحزن واستنارت بصيرته وعرف طريقه، «وكل مُيسَّر لما خُلِق له«. فلا يمنع أن يكون الحديث ليس بصحيح وأن يكون له معنى صحيح؛ يمكن أن يُوجَّه. نعم.

طالب:......

الشيخ: إي ما يزداد إلا ضعف. ما دام تفرد به الديلمي والخطيب كلها من مظان الضعيف. نعم.

وما نُمِي لعَقّ (العقيلي) وعّدّ (ابن عدي) وكرّ(ابن عساكر) ومسند الفردوس ضعفه شُهِر

كل ما ذكر عندك كلها تجمع الأحاديث الضعيفة والواهية. نعم

"قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ}[القمر:50] أي مرة واحدة {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:50]: أي قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. واللمح: النظر بالعجلة; يقال: لمح البرق ببصره. وفي الصحاح: لمحه وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف ، والاسم اللمحة، ولمح البرق والنجم لمحًا أي لمع .

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ}[القمر:51]: أي أشباهكم في الكفر من الأمم الخالية. وقيل: أتباعكم وأعوانكم، {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[القمر:51] أي من يتذكر" .

نعم يتذكر ويتعظ ويعتبر بمن سبق من الأمم السابقة. الله -جل وعلا- قص علينا قصصهم وأنذرنا وحذرنا أن نفعل مثل أفعالهم لئلا يصيبنا ما أصابهم، وليس سياق هذه القصص في القرآن من أجل التسلية {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}[يوسف:111]. عمر –رضي الله عنه- يقول: مضى القوم ولم يُرَد به سوانا. والسعيد من اتعظ واعتبر بغيره، و الشقي من انتظر حتى يكون عِبرة لغيره. نعم.

"قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر}[القمر:52] أي جميع ما فعلته الأمم قبلهم من خير أو شر كان مكتوبًا عليهم; وهذا بيان قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]. {فِي الزُّبُر} أي في اللوح المحفوظ. وقيل: في كتب الحفظة. وقيل: في أم الكتاب."

الزبر: جمع زَبُور وهى الكتب، فكونه يراد بالزبر اللوح المحفوظ أو أم الكتاب وهو مفرد والمفسَّر جمع يليق به أن يكون التفسير جمعًا. 

"{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَر}[القمر:53] أي كل ذنب كبير وصغير..."

طالب:.....

الشيخ: المهم أن اللوح المحفوظ واحد مفرد. نعم.

"أي كل ذنب كبير وصغير مكتوب على عامله قبل أن يفعله ليجازى به ومكتوب إذا فعله. سطر يسطر سطرًا كتب، واستطر مثله. قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:54] لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضًا."

وهذا مما قيل في سبب التسمية للقرآن بأنه مثاني تثنى فيه الأمور؛ فإذا ذكر أحوال السعداء ذكر أخبار الأشقياء. وإذا ذكر أحوال الكفار عقبها بأخبار السعداء والمؤمنين كما هنا. نعم.

"{وَنَهَرٍ} يعني أنهار الماء، والخمر، والعسل، واللبن."

يعنى جنس النهر. نعم.

"قاله ابن جريج. ووحّد لأنه رأس الآية، ثم الواحد قد ينبئ عن الجميع، وقيل: في نهر في ضياء وسعة؛ ومنه النهار لضيائه، ومنه أنهرت الجرح; قال الشاعر:

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها

 

يرى قائم من دونها ما وراءها

يقول:

لست بليلي ولكنى نهر 

 

لا أدلج الليل ولكن أبتكر

بالنسبة إلى النهار. نعم.

"وقرأ أبو مجلز وأبو نهيك والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة (ونُهُر) بضمتين كأنه جمع نهار لا ليل لهم; كسحاب وسحب. قال الفراء: أنشدني بعض العرب:

إن تك ليليًّا فإني نَهِر

 

متى أرى الصبح فلا أنتظر

أي صاحب النهار.

و قال آخر:

لولا الثريدان هلكنا بالضمر

 

ثريد ليل وثريد بالنُّهُر

{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}[القمر:55] أي مجلس حق..."

 لولا الثريدان: أي ثريد الليل وثريد النهار لهلكنا بالجوع، ضمروا حتى هلكوا من الجوع لكن عندهم الثريد بالليل وبالنهار. نعم.

"{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ}[القمر:55] أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة. {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر:55] أي يقدر على ما يشاء. و(عِندَ) ها هنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة. قال الصادق: مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق. وقرأ عثمان البتي: (فِي مَقَاعِدِ صِدْقٍ) بالجمع; والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها."

عثمان البتي شيخ الإمام أبي حنيفة، الذي نُقِل عن أبي حنيفة أنه قال: لو كان البتي حيًّا لما وسعه إلا أن يتبعني. فتصحفت إلى النبي، ونيل من أبي حنيفة بسبب هذه الجملة بعد التصحيف. وإلا لو كان مراده النبي -عليه الصلاة والسلام- ضلال مبين، نسأل الله العافية، هذا خطر عظيم حتى كفّره من كفّره بسبب بعض الأقوال التي نُقلت وأكثرها مُصحَّف.

فقوله: لولا البتي صُحِّف إلى قول: لولا النبي. فلو ثبت عنه مثل هذا الكلام غير مُصحَّف لا شك أن هذا أمر عظيم. فالأصل في الجملة: لولا البتي. وهذه قد يراها بعضهم بعض طلاب العلم مثل هذه الجملة في بعض الكتب المسندة وفيها هذا التصحيف والتشنيع على أبي حنيفة بسببه، فإذا عرفنا السبب بطل العجب. نعم. ها؟

طالب: قال الصادق.

الشيخ: الصادق جعفر. هذا الذي يظهر. نعم.

"قال عبد الله بن بريدة: إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى، فيقرأون القرآن على ربهم -تبارك وتعالى-، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه على منابر من الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بقدر أعمالهم، فلا تقر أعينهم بشيء قط كما تقر بذلك، ولم يسمعوا شيئًا أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى منازلهم قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد. وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان: بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون: يا أولياء الله انطلقوا، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقول المؤمنون: إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا. فيقولون: فما بغيتكم؟ فيقولون: مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد رُوي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى، ففي الخبر: أن طائفة من العقلاء بالله -عز وجل- تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب، فيقولون للملائكة: إلى أين تحملوننا؟ فيقولون إلى الجنة. فيقولون: إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا، فيقولون: وما بغيتكم؟ فيقولون: المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر: {فِي مَقعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر:55]، والله أعلم."

الشيخ: مُخرَّج هذا؟

طالب:......

الشيخ: إي باعتبار غير مرفوع لكن مثل هذا لا يقال بالرأي، فلا بد من تخريجه والبحث عن سنده؛ مُخرَّج عندكم؟

طالب: ما عندي.

الشيخ: اللهم صل على محمد.

"