التعليق على تفسير القرطبي - سورة الرحمن (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى-:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:58] رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقيهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا». وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكًا ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَأُرِيتَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُرْوَى مَوْقُوفًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ:  إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَتَلْبَسُ سَبْعِينَ حُلَّةً فَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ.  وَقَالَ الْحَسَنُ:  هُنَّ فِي صَفَاءِ الْيَاقُوتِ، وَبَيَاضِ الْمَرْجَانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}..."

حديث ابن مسعود رواه الترمذي مرفوعًا، ويروى موقوفًا أيضًا، ولكنه ليس للرأي فيه مجال إلا أن يكون مما تُلقِّي عن بني إسرائيل. مخرج عندك؟ ماذا يقول؟

طالب:........

الشيخ: ذكر سبعين حلة، ذكر كم عدد لكل واحدة؟

طالب:.......

الشيخ: من وراء؟

طالب:.......

الشيخ: إي، ما في سبعين حلة، على كل حال مثل هذا يُقبل لأنه في الفضائل وله شواهد، وعطاء متابع من قِبل دراج وكلاهما ضعيف لكن في مثل هذا الباب يُحتمل. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:60] هَلْ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: تَكُونُ بِمَعْنَى قَدْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:1] وَبِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}[الأعراف:44]، وَبِمَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:91]، وَبِمَعْنَى "مَا" فِي الْجَحْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ}[النحل:35] {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:60] قَالَ عِكْرِمَةُ: أَيْ هَلْ جَزَاءُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا الْجَنَّةُ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا جَزَاءُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَمِلَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا الْجَنَّةُ. وَقِيلَ: هَلْ جَزَاءُ مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ؛ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:60] ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «يَقُولُ مَا جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجَنَّةُ».  وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ هَلْ جَزَاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِي وَتَوْحِيدِي إِلَّا أَنْ أُسْكِنَهُ جَنَّتِي وَحَظِيرَةَ قُدْسِي بِرَحْمَتِي» وَقَالَ الصَّادِقُ: هَلْ جَزَاءُ مَنْ أَحْسَنْتُ عَلَيْهِ فِي الْأَزَلِ إِلَّا حِفظُ الْإِحسَانِ عَلَيهِ فِي الْأَبَد.ِ وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ: هِيَ مُسْجَلَةٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، أَيْ مُرْسَلَةٌ عَلَى الْفَاجِرِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرِّ فِي الْآخِرَةِ..."

الإحسان منه -جل وعلا- لا ينقطع على كل مخلوق، وهذا مقتضى رحمته، فما جزاء من أحسن إليك إلا أن تكافئه بالإحسان، والآية باقية على عمومها، وما ذُكر من الأمثلة إنما هي مجرد تمثيل بالأفراد، وهي باقية على عمومها وشمولها. يقول: (هل) في الكلام على أربعة أوجه، تكون بمعنى قد، يعني كما في قوله -جل وعلا-: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ}[الإنسان:1] يعني قد أتى على الإنسان، تكون للتحقيق وليست للنفي ولا للاستفهام، وبمعنى الاستفهام كقوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}[الأعراف:44]، هم يسألون عن هذا، وبمعنى الأمر كقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}[المائدة:91]، ولذا جاء جوابهم: انتهينا انتهينا، يعني انتهوا. وبمعنى ما النافية ولذا يأتي بعدها الاستثناء بإلا، {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ}[النحل:35] يعني ما على الرسول إلا البلاغ، {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:60]، إذا جاء بعدها حرف الاستثناء (إلا) فإنها تكون بمعنى لا. الحديث مخرج هذا قول ابن عباس؟

طالب:........

الشيخ: طيب الثاني ابن عباس.

طالب:........

الشيخ: نعم. سم.

طالب:........

الشيخ: التي بمعنى ما؟

طالب:........

الشيخ: إي، إيش فيه؟

طالب:........

الشيخ: ما وإلا تأتي بمعنى ما {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}، إذا جاء بعدها (إلا) تكون نافية، نعم. مثل (إن) إذا جاء بعدها (إلا) فهي نافية، {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}[النساء:159]، يعني ما منهم أحد إلا سيؤمن به. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى..."

طالب:........

الشيخ: هذا استدلال بعموم اللفظ، وهو عام، يعني لو الإنسان أحسن إلى آخر ثم يكافئه بالإساءة يقال: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أَيْ وَلَهُ مِنْ دُونِ الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ جَنَّتَانِ أُخْرَيَانِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :وَمِنْ دُونِهِمَا فِي الدَّرَجِ. قال ابْنُ زَيْدٍ: وَمِنْ دُونِهِمَا فِي الْفَضْل."

هذا قال أكثر المفسرين على أن الجنتين الأخريين دون الجنتين الأوليين في الفضل والنعيم، ومن أهل العلم من يرى العكس على ما سيأتي. نعم.

"وقال ابْنُ عَبَّاسٍ:  وَالْجَنَّاتُ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ..."

الجنات الأربع. نعم.

"فَيَكُونُ فِي الْأُولَيَيْنِ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الزَّرْعُ وَالنَّبَاتُ وَمَا انْبَسَطَ. قال المارودي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن:62]، لِأَتْبَاعِهِ لِقُصُورِ مَنْزِلَتِهِمْ عَنْ مَنْزِلَتِهِ، إِحْدَاهُمَا لِلْحُورِ الْعِينِ، وَالْأُخْرَى لِلْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ، لِيَتَمَيَّزَ بِهِمَا الذُّكُورُ عَنِ الْإِنَاثِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هِيَ أَرْبَع..."

لمن خاف مقام ربه أربع جنات، وعلى هذا القول له جنتان ولأزواجه وولده تبعًا له ينتقل بينهما، ولخدمه من الذكور جنة. ولخدمه من الإناث جنة، فتكون أربعة. نعم

"وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هِيَ أَرْبَع: جَنَّتَانِ مِنْهَا لِلسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}[الرحمن:52] وَ{عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}[الرحمن:50] وَجَنَّتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن:68] وَ{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:66] وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ وَرِقٍ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ .قُلْتُ: إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَلِيمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ مِنْهَاجِ الدِّينِ لَهُ، وَاحْتَجَّ..."

المنهاج في شعب الإيمان لأبي عبد الله الحليمي هذا أصل شعب الإيمان للبيهقي، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات طبعة عادية غير محققة وفيها أخطاء لكن نافعة، البيهقي عمل على هذا الكتاب عمل جليل فأسند أحاديثه وجاء لها بطرق كثيرة، فكتاب البيهقي أكمل من كتاب الحليمي وإن كان هو الأصل. نعم.

"وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن:46] إِلَى قَوْلِهِ: {مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:64] قَالَ: تَانِكَ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَهَاتَانِ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ نَحْوُهُ. وَلَمَّا وَصَفَ اللَّهُ الْجَنَّتَيْنِ أَشَارَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}[الرحمن:50] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:66] أَيْ فَوَّارَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا لَيْسَتَا كَالْجَارِيَتَيْنِ لِأَنَّ النَّضْخَ دُونَ الْجَرْيِ. وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}[الرحمن:52]، فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وَلَمْ يَقُلْ مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ، وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْن..."

من وجوه التفضيل بين الأوليين والأخريين، الطرف الثاني والقائلون بالقول الثاني ينازعونهم في هذا. منهم من يقول أن النضخ وهو كون العين تفور، أشد من كونها مجرد تجري لأن الجري إنما يكون إذا كانت الأرض غير منبسطة يعني فيها ميول، فهي تجري ولو لم تكن فائرة، والتي تفور من الأسفل إلى الأعلى، من لازم ذلك الجري، من لازم ذلك الجري لأن الماء لا يستقر من عادته، فهي تفور وتجري في الوقت نفسه. وقال في الأوليين: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ}، من كل يعني (كل) من صيغ العموم فعم ولم يخص، وفي الأخريين: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وأشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير وقال: إن هذه نكرة في سياق الإثبات فلا تعم، لكن العلماء في كتب الأصول يمثلون بهذه الآية: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} على العموم لأنها نكرة في سياق الامتنان، والنكرة في سياق الامتنان تفيد العموم. نعم.

"وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}[الرحمن:54] وَهُوَ الدِّيبَاجُ..."

لا شك أن المتبادر إلى الفهم وأجزم بأن أكثر ممن لم يقف على القول الثاني أنه لا يتبادر إلى الذهن. لا يتبادر إلى الذهن أن الأخريين أفضل من الأوليين، لو لم يُقَل به هنا، لأن المتبادر {وَمِنْ دُونِهِمَا} يعني أنها أقل من دونهما في الفضل، مع أن القرب والبعد أمور نسبية، قرب عن أي شيء؟ وبعد عن أي شيء؟ فإذا كان معنى الدون الأقل، في حقيقته وفضله وما أُعِد فيه هذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان {وَمِنْ دُونِهِمَا} إلى العرش يعني أقرب إلى العرش، لأن الذي قال هذا الكلام مستوٍ على عرشه فهي أقرب إليه فتكون تفضيل تكون فاضلة أو مفضولة؟ فاضلة على هذا، وما يستدل به أصحاب القول الثاني له حظ من النظر، يعني هناك أمور تجري على ذهن الإنسان وتهجم على عقله من أول الأمر وينسى أو لا يستحضر أقوالاً أخرى، يعني مثل هذا الموضع، ومثل {رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}[الرعد:2] أتدرون أن من أهل العلم من يقول أن السماء رفعت بعمد، لكنها لا تُرى؟ وهل تعلمون أن من أهل العلم من يقول أن بني إسرائيل قوم موسى لم ينزل عليهم مائدة؟ لأنهم لما قيل لهم {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ}[المائدة:12] أنهم رفضوا ما يريدون خشية  العذاب فلم تنزل عليهم. هناك أقوال موجودة في كتب أهل العلم لكن الظاهر من السياق واللفظ يهجم على القلب بحيث لا يستطيع أن يدرك ما يحتمله اللفظ مما يضاد هذا القول، وعلى كل حال الظاهر المتبادر هو الأولى ما لم يمنع منه مانع. نعم.

طالب:.......

الشيخ: لا لا أحيانًا الترتيب يأتي عكسه، لا ما يلزم. وأحيانًا يكون الترتيب على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأسفل، وأحيانًا يكون الترتيب على سبيل الترقي من الأسفل إلى الأعلى, وهذا موجود وهذا موجود. نعم.

"{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}[الرحمن:54] وَهُوَ الدِّيبَاجُ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن:76] وَالْعَبْقَرِيُّ: الْوَشْيُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّيبَاجَ أَعْلَى مِنَ الْوَشْيِ، وَالرَّفْرَفُ كِسَرُ الْخِبَاءِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفُرُشَ الْمُعَدَّةَ لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ فَضْلِ الْخِبَاءِ. وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي صِفَةِ الْحُورِ{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن:58] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}[الرحمن:70] وَلَيْسَ كُلُّ حُسْنٍ كَحُسْنِ الْيَاقُوتِ وَالْمَرْجَانِ. وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}[الرحمن:48] وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ {مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:64] أَيْ خَضْرَاوَانِ كَأَنَّهُمَا مِنْ شِدَّةِ خُضْرَتِهِمَا سَوْدَاوَانِ ، وَوَصَفَ الْأُولَيَيْنِ بِكَثْرَةِ الْأَغْصَانِ، وَالْأُخْرَيَيْنِ بِالْخُضْرَةِ وَحْدَهَا، وَفِي هَذَا كُلِّهِ... "

أيضًا من وجوه التفضيل لأصحاب القول الأول أنه قال في نساء الجنتين الأوليين: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}[الرحمن:56] وفي نساء الأخريين {مَقْصُورَاتٌ}[الرحمن:72]، ففرق بين من يقصر نفسه وبين من يُقصَر. نعم.

"وَفِي هَذَا كُلِّهِ تَحْقِيقٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي قَصَدْنَا بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن:62] وَلَعَلَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ. فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ لَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ؟ قِيلَ: الْجِنَانُ الْأَرْبَعُ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ إِلَّا أَنَّ الْخَائِفِينَ لَهُمْ مَرَاتِبُ..."

لأن الخوف يتفاوت. نعم.

"فَالْجَنَّتَانِ الْأُولَيَانِ لِأَعْلَى الْعِبَادِ رُتْبَةً فِي الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجَنَّتَانِ الْأُخْرَيَانِ لِمَنْ قَصَرَتْ حَالُهُ فِي الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَذْهَبُ الضَّحَّاكِ أَنَّ الْجَنَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَالْأُخْرَيَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْأُولَيَيْنِ، وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أَيْ وَمِنْ أَمَامِهِمَا وَمِنْ قَبْلِهِمَا. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي " نَوَادِرِ الْأُصُولِ " فَقَالَ: وَمَعْنَى {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن:62]. أَيْ دُونَ هَذَا إِلَى الْعَرْشِ، أَيْ أَقْرَبَ وَأَدْنَى إِلَى الْعَرْشِ، وَأَخَذَ يُفَضِّلُهُمَا عَلَى الْأُولَيَيْنِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:  الْجَنَّتَانِ الْأُولَيَانِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَجَنَّةُ النَّعِيمِ، وَالْأُخْرَيَانِ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَجَنَّةُ الْمَأْوَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:64] أَيْ خَضْرَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:  مُسْوَدَّتَانِ. وَالدُّهْمَةُ فِي اللُّغَةِ السَّوَادُ، يُقَالُ: فَرَسٌ أَدْهَمُ وَبَعِيرٌ أَدْهَمُ وَنَاقَةٌ دَهْمَاءُ أَيِ: اشْتَدَّتْ زُرْقَتُهُ حَتَّى ذَهَبَ الْبَيَاضَ الَّذِي فِيهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى اشْتَدَّ السَّوَادُ فَهُوَ جَوْنٌ. وَادْهَمَّ الْفَرَسُ ادْهِمَامًا أَيْ صَارَ أَدْهَمَ. وَادْهَامَّ الشَّيْءُ ادْهِيمَامًا أَيِ: اسْوَادَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مُدْهَامَّتَانِ}  أَيْ سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ مِنَ الرَّيِّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ أَخْضَرَ أَسْوَدُ".

الأدهم الذي نسميه في عصرنا البني، إذا ازداد إذا اشتد لونه في الدهومة وكذلك الأخضر إذا اشتد خضرته والأزرق إذا اشتدت زرقته كثير الناس ما يميز بينه وبين الأسود لشدة ذلك، وتطلب شيئًا أسود من بعض المحلات ويعطيك من هذه الأنواع التي أوغلت في هذه الألوان، يظنها كذلك يظنها هي ما تطلب، ومع التدقيق يتبين أنه في الحقيقة ليست بأسود. فكل هذه الألوان الثلاثة إذا زادت واشتد لونها فإنه يُطلق عليها الأسود، وأنت من بعيد ترى بعض الأشجار التي ارتوت من الماء وكثر عليها ورود الماء تراها سوداء، ولا يتبين لونها إلا إذا قربت منها، وكذلك في بقىية الألوان: الأخضر، والأزرق، والأدهم الذي هو البني، إذا زاد فيها البني وفيه الفاتح وفيه الغامق وفيها الأشياء ما هو أشد من ذلك حتى يصل إلى أن يُتنازع فيه هل هو أسود أم بني، وعلى كل حال كونها مدهامتان يعني لونها أدهم هي موغلة في هذا اللون حتى يظنها من يراها أنها مدهامة، وقد يقول آخر أنها سوداء، وقد يقول ثالث أنها خضراء، والسبب في ذلك الإيغال في الدخول في هذا اللون. نعم.

"وَقَالَ لَبِيَدٌ يَرْثِي قَتْلَى هَوَازِنَ:

وَجَاءُوا بِهِ فِي هَوْدَجٍ وَوَرَاءَهُ

...

كَتَائِبُ خُضْرٌ فِي نَسِيجِ السَّنَوَّرِ

السَّنَوَّرُ لَبُوسٌ مِنْ قِدٍّ كَالدِّرْعِ"

القد معروف؟ القد نعم؟ يستعمل من الجلود يبس ويضعون عليه بعض المواد ليكون شديدًا، وما زال مستعملاً إلى الآن لكن نطق القاف يختلف. نعم.

"وَسُمِّيَتْ قُرَى الْعِرَاقِ سَوَادًا لِكَثْرَةِ خُضْرَتِهَا. وَيُقَالُ لِلَّيْلِ الْمُظْلِمِ: أَخْضَرُ وَيُقَالُ : أَبَادَ اللَّهُ خَضْرَاءَهُمْ أَيْ سَوَادَهُمْ. قَوْلُهُ تَعالى..."

الشيخ: نعم؟

طالب:.....

الشيخ: إي الإنسان ما عنده إلا ما يعلم لكن ما فيه شك أنه ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، لكن ما ذكر من الأسماء الذي لها نظير في الدنيا وذكر آخر له نظير في الدنيا وإن كنا لا نحيط بما في الجنة منهما إلا أن الاسم له نصيب من المسمى. هل يستطيع أن يقول إنسان أن فضة الجنة أفضل من ذهب الجنة؟ فهمت قصدي؟ هل يستطيع قائل أن يقول إن فضة الجنة؟ لأننا لا نحيط بها ولا ندري كيفيتها ليس لها من فضة الدنيا إلا الاسم. هل يقول قائل إن فضة الجنة أفضل من ذهب الجنة؟ الاسم له نصيب من المسمى، لكن صحيح أننا لا نحيط به ولا نعرف قدره ولا كيفيته، لكن مسماه يدل على أنه فوق ذلك المسمى أو دونه في الجملة. نعم.

طالب:......

الشيخ: لا لأنه ذكر أوصاف للجنيتين الأوليين وأوصاف للجنتين الأخريين، هذه تختص بأشياء وهذه تختص بأشياء.

طالب:.........

الشيخ: مثل هذا التفصيل الدقيق مثل هذا لا ينبغي لكن نعرف التفضيل الإجمالي، ومرد ذلك كله إلى من دونهما، لأن الدون من قرب وبعد هذه أمور نسبية. أنت الآن لو يقال لك في أرض في المكان الفلاني، أرض قريبة ومناسبة، نعم، لماذا لا تشتريها وتقيم عليها بناء وتبني عليها بيتًا؟ يقول لك السمسار: قريبة، قلتَ: قريبة من أي شيء؟ لأنه القرب والبعد بالنسبة له قد تكون قريبة لكن بالنسبة لك أنت؟ كان الناس يقيسون القرب والبعد بمركز البلد الذي هو المسجد الجامع والأسواق وكذا، الآن في كل مكان مسجد جامع وفي كل مكان أسواق، صار القرب والبعد نسبيًّا، فإذا قال لك السمسار: والله هذه الأرض قريبة وزينة وممتازة، قريبة من أي شيء؟ لأن كل إنسان له نظرته في القرب والبعد، فالقرب والبعد نسبي، والناس في الجملة يزنون القرب والبعد بموقع العمل، لأنه هو الذي يضطرون إليه أن يذهبوا إليه يوميًّا، ولو كان القرب والبعد من الوالدين مثلًا لكان أولى النظر إليه، والله المستعان. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:66] أَيْ فَوَّارَتَانِ بِالْمَاءِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالنَّضْخُ بِالْخَاءِ أَكْثَرُ مِنَ النَّضْحِ بِالْحَاءِ.  وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى نَضَّاخَتَانِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ.  وقال ابْنُ مَسْعُودٍ، وابنِ عباسْ أَيْضًا وَأَنَسٌ:  تَنْضَخُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ فِي دُورِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا يَنْضَخُ رَشُّ الْمَطَرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَالْمَاءِ. قال التِّرْمِذِيُّ:  قَالُوا بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَالنِّعَمِ وَالْجَوَارِي الْمُزَيَّنَاتِ وَالدَّوَابِّ الْمُسْرَجَاتِ وَالثِّيَابِ الْمُلَوَّنَاتِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:  وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّضْخَ أَكْثَرُ مِنَ الْجَرْيِ. وَقِيلَ: تَنْبُعَانِ ثُمَّ تَجْرِيَانِ..."  

الترمذي المراد به الحكيم صاحب نوادر الأصول الذي يفضل الأخريين على الأوليين. نعم.

طالب:.....

الشيخ: ينقل عنه ويعتني به وغيره من يعتني به لأن المؤلف ليس له يد في الحديث والتحقيق وتمحيص والأخبار، والترمذي فيه أمور تغري بأن تنقل، فيه شيء جديد يعني شيء ما سُمع، فيه من الغرائب ما فيه. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن:68] فِيهِ مَسْأَلَتَانِ..."

المؤلف -رحمه الله تعالى- عنده الأسلوب الوعظي الرقيق مما يجعله يعتني بأهل هذا النوع من التصنيف، ومع ذلك هو من أشد الناس على الصوفية. المؤلف من أشد الناس على الصوفية المراد بهم الغلاة. نعم.

"قوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن:68] فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّمَا يُعْطَفُ..."

هنا العطف يقتضي المغايرة. نعم.

"إِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ".

هذا الأصل، وقد يُعطف الشيء على نفسه لاختلاف اللفظ، وقد يُعطف البعض على الكل والعام على الخاص والخاص على العام من أجل عناية بشأن الخاص والاهتمام به. نعم.

"وَهَذَا ظَاهِرُ الْكَلَامِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُمَا مِنَ الْفَاكِهَةِ وَإِنَّمَا أَعَادَ ذِكْرَ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ لِفَضْلِهِمَا وَحُسْنِ مَوْقِعِهِمَا عَلَى الْفَاكِهَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] وَقَوْله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة:98] وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا كَرَّرَهَما لِأَنَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ كَانَا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ الْبُرِّ عِنْدَنَا، لِأَنَّ النَّخْلَ عَامَّةُ قُوتِهِمْ، وَالرُّمَّانَ كَالثَّمَرَاتِ، فَكَانَ يَكْثُرُ غَرْسُهُمَا عِنْدَهُمْ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمَا."

يعني في كل بلد وفي كل إقليم وكل قطر نوع من المأكول يهتمون به ويعتنون به لكثرته عندهم، فمثلًا النخل في العراق كثير جدًّا، والفاكهة لا سيما الزيتون في الشام يعتنون به ويفضلونه على التمر، وأهل العراق العكس، فلكثرته عندهم يعتنون به ويهتمون بشأنه ويكون أليق بأبدانهم، ووُجد مناظرة بين شامي وعراقي في تفضيل التمر على الزيتون أو العكس، لكنها خُتمت بقول العراقي أننا نشتري زيتون بنوى التمر، فما تصنعون بنوى الزيتون؟ لا شك أن التمر أفضل، ولا يستقل البدن بزيتون فقط، بينما التمر قد يكفي. نعم.

"وَكَانَتِ الْفَوَاكِهُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّمَارِ الَّتِي يُعْجَبُونَ بِهَا، فَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفَاكِهَةَ ثُمَّ ذَكَرَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ لِعُمُومِهِمَا وَكَثْرَتِهِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ إِلَى مَا وَالَاهَا مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فَأَخْرَجَهُمَا فِي الذِّكْرِ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَأَفْرَدَ الْفَوَاكِهَ عَلَى حِدَتِهَا. وَقِيلَ: أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ النَّخْلَ ثَمَرُهُ فَاكِهَةٌ وَطَعَامٌ، وَالرُّمَّانُ فَاكِهَةٌ وَدَوَاءٌ، فَلَمْ يَخْلُصَا لِلتَّفَكُّهِ، وَمِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَاكِهَةً فَأَكَلَ رُمَّانًا أَوْ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ. وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَالنَّاسُ .قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرُّمَّانَةُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلُ الْبَعِيرِ الْمُقَتَّبِ.  وذكر ابن الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَمَّاد عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ..."

حماد مصروف: حمادٍ.

"أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَمَّاد..."

إذا حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رمانًا أو رطبًا لم يحنث. مذهب أبي حنيفة كقول الشافعي وأحمد أن الأيمان مردها إلى الأعراف، لكن قد ينظرون إلى مفردات المسائل ويجرونها على الآيات من أجل تخليص من وقع في يمين أو في نذر أو ما أشبه ذلك لسبب يقتضيه، وإلا فمن حلف ألا ينام على فراش، ولا تحت سقف، فنام على الأرض والسماء سقف، يحنث أو ما يحنث؟ إذا أردنا أن نقول بمثل ما قال أبو حنيفة -رحمه الله- يحنث، لأن الأرض بساط والسماء سقف، فنام على بساط واستظل بسقف، لكن العرف هل يمكن أن يقول القائل أنه نائم على فراش وهو على الأرض؟ ما يمكن، فالأيمان والنذور مردها إلى الأعراف، فإذا حلف ألا يأكل فاكهة فأكل تمرًا، إذا كان في عرفه وعرف قومه أن التمر فاكهة لا شك أنه يحنث وإلا فلا. هذ إذا لم يكن هذا العرف لا حظ له لا من عقل ولا من نقل، يعني سُمِع من يقول أن الجبن سيد الفواكه، هل له حظ من النظر؟ يقال: هذا ليس له حظ لا من عقل ولا من نقل ولا من عرف ولا تسنده أي حقيقة، لكن إذا كانت حقيقتهم أنهم يتفكهون بالتمر والرمان، وحلف ألا يأكل فاكهة فأكل تمرًا وهم يدرجونه ضمن الفواكه عرفًا عندهم هذا حينئذ يحنث وإلا فلا. نعم.

طالب:.........

الشيخ: لا لا، ما يفتى إلا بعرفه هو. نعم.

" وذكر ابن الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ ، وَكَرَانِيفُهَا ذَهَبٌ أَحْمَر، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ وَالدِّلَاءِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، لَيْسَ فِيهِ عَجَمٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: نَخْلُ الْجَنَّةِ نَضِيدٌ مِنْ أَصْلِهَا إِلَى فَرْعِهَا، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ كُلَّمَا نُزِعَتْ ثَمَرَةٌ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَإِنَّ مَاءَهَا لَيَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ، وَالْعُنْقُودُ اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}[الرحمن:70] فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}[الرحمن:70] يَعْنِي النِّسَاءَ  الْوَاحِدَةُ خَيْرَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَوَاتِ خَيْرٍ. وَقِيلَ: خَيِّرَاتٌ بِمَعْنَى خَيْرَاتٍ فَخُفِّفَ، كَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ."

كَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ فيه التخفيف أيضًا هيْن وليْن لكن العرب تمدح بالتشديد وتذم بالتخفيف، تمدح الهيّن الليّن السمح، لكن إذا قيل: فلان هيْن ليْن، هذا عندهم ذم. نعم. من الهوان. نعم.

"قال ابْنُ الْمُبَارَكِ:  حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ خَيْرَةً مِنْ {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}[الرحمن:70] اطَّلَعَتْ مِنَ السَّمَاءِ لَأَضَاءَتْ لَهَا، وَلَقَهَرَ ضَوْءُ وَجْهِهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَلَنَصِيفٌ تُكْسَاهُ خَيْرَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.  حِسَانٌ أَيْ حِسَانُ الْخَلْقِ، وَإِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حِسَانٌ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَصِفَ حُسْنَهُنَّ! وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ حِسَانُ الْوُجُوهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ:  لِأَنَّهُنَّ عَذَارَى أَبْكَارٌ."

الشيخ: حديث أم سلمة مخرج؟

طالب:........

الشيخ: كذا عندك؟

طالب:.......

الشيخ: إي نعم.

طالب:........

الشيخ: ها؟

طالب:........

الشيخ: تمام. سم.

"وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَابْنُ السَّمَيْقَعِ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَبَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ السَّهْمِيُّ خَيِّرَاتٌ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ "خَيْرَاتٍ" جَمْعُ خَيْرٍ وَالْمَعْنَى ذَوَاتُ خَيْرٍ. وَقِيلَ: مُخْتَارَاتٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:  فَالْخَيْرَاتُ مَا اخْتَارَهُنَّ اللَّهُ فَأَبْدَعَ خَلْقَهُنَّ بِاخْتِيَارِهِ، فَاخْتِيَارُ اللَّهِ لَا يُشْبِهُ اخْتِيَارَ الْآدَمِيِّينَ. ثُمَّ قَالَ: حِسَانٌ فَوَصَفَهُنَّ بِالْحُسْنِ فَإِذَا وَصَفَ خَالِقُ الْحُسْنِ شَيْئًا بِالْحُسْنِ فَانْظُرْ مَا هُنَاكَ. وَفِي الْأُولَيَيْنِ ذَكَرَ بِأَنَّهُنَّ: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن:56] وَ{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58] فَانْظُرْ كَمْ بَيْنَ الْخَيْرَةِ وَهِيَ مُخْتَارَةُ اللَّهِ، وَبَيْنَ قَاصِرَاتِ الطَّرْفِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يَأْخُذُ بَعْضُهُنَّ..."

التنظير هنا ليس بمطابق وليس بمتوافق، لو قال: فانظر كم بين قاصرات الطرف وبين مقصورات، هنا يأتي المفاضلة، أما قوله: "فَانْظُرْ كَمْ بَيْنَ الْخَيْرَةِ وَهِيَ مُخْتَارَةُ اللَّهِ، وَبَيْنَ قَاصِرَاتِ الطَّرْفِ" الجهة ما هي بواحدة. نعم.

"وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يَأْخُذُ بَعْضُهُنَّ بِأَيْدِي بَعْضٍ وَيَتَغَنَّيْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ تَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَلَا بِمِثْلِهَا: نَحْنُ الرَّاضِيَاتِ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ أَبَدًا وَنَحْنُ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ حَبِيبَاتٌ لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ». خَرجه التِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَقَالَتْ عَائِشَةُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ إِذَا قُلْنَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَجَابَهُنَّ الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا: نَحْنُ الْمُصَلِّيَاتُ وَمَا صَلَّيْتُنَّ، وَنَحْنُ الصَّائِمَاتُ وَمَا صُمْتُنَّ، وَنَحْنُ الْمُتَوَضِّئَاتُ وَمَا تَوَضَّأْتُنَّ، وَنَحْنُ الْمُتَصَدِّقَاتُ وَمَا تَصَدَّقْتُنَّ. فَقَالَتْ عَائِشَةُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: فَغَلَبْنَهُنَّ وَاللَّهِ.

الثَّانِيَةُ: وَاخْتُلِفَ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ حُسْنًا وَأَبْهَرُ جَمَالًا الْحُورُ أَوِ الْآدَمِيَّاتُ؟ فَقِيلَ: الْحُورُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ وَصْفِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «فِي دُعَائِهِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْجِنَازَةِ : وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ» وَقِيلَ : الْآدَمِيَّاتُ أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ بِسَبْعِينَ أَلْفَ ضِعْفٍ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ :وَأَخْبَرَنَا رِشْدِينُ عَنِ ابْنِ أَنْعُمَ..."

رشدين بن سعد عن ابن أنعم عبد الرحمن بن أنعم الأفريقي، عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وكلاهما ضعيف، نعم.

"وَأَخْبَرَنَا رِشْدِينُ عَنِ ابْنِ أَنْعُمَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، قَالَ: إِنَّ نِسَاءَ الدُّنْيَا مَنْ دَخَلَ مِنْهُنَّ الْجَنَّةَ فُضِّلْنَ عَلَى الْحُورِ الْعِينِ بِمَا عَمِلْنَ فِي الدُّنْيَا.  وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْقُرْآنِ هُنَّ الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ يُخْلَقْنَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَسْنَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُنَّ مَخْلُوقَاتٌ فِي الْجَنَّةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}[الرحمن:56] وَأَكْثَرُ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا مَطْمُوثَاتٍ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ» فَلَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ امْرَأَةً، وَوَعَدَ الْحُورَ الْعِينَ لِجَمَاعَتِهِمْ، فَثَبَتَ أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْرِ نِسَاءِ الدُّنْيَا..."

نعم من المجزوم والمقطوع به أن الحور العين غير نساء الدنيا، وحديث «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ» ورد «ورأيتُكُنَّ أَكْثرَ أَهْلِ النَّارِ» هذا المعروف في الحديث الصحيح، وهذا اللفظ مخرَّج أو؟

طالب:........

الشيخ: إي أكثر أهل النار. نعم.

طالب:........

الشيخ: لا لا هذا ما يترتب عليه الفائدة التي من أجلها سيق، لا لا هذا يجرد الحديث من فائدته، نعم.

طالب:........

الشيخ: بهذا اللفظ ما أدري.

طالب:........

الشيخ: «إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ» هذا اللفظ؟

طالب:........

الشيخ: بهذا اللفظ أو بمعناه؟

طالب:........

الشيخ: كم رقمه عند مسلم؟

طالب:........

الشيخ: هات صحيح مسلم ونششوفه عليه. سم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن:72] حُورٌ جَمْعُ حَوْرَاءَ، وَهِيَ الشَّدِيدَةُ  بَيَاضَ الْعَيْنِ الشَّدِيدَةُ سَوَادَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ.  مَقْصُورَاتٌ: مَحْبُوسَاتٌ مَسْتُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فِي الْحِجَالِ لَسْنَ بِالطَّوَّافَاتِ فِي الطُّرُقِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ عُمَرُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: هِيَ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ لَهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:  {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}، بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ سَحَابَةً أَمْطَرَتْ مِنَ الْعَرْشِ فَخُلِقَتِ الْحُورُ مِنْ قَطَرَاتِ الرَّحْمَةِ، ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَيْمَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ سَعَتُهَا أَرْبَعُونَ مِيلًا وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ وَلِيُّ اللَّهِ الْجَنَّةَ انْصَدَعَتِ الْخَيْمَةُ عَنْ بَابٍ لِيَعْلَمَ وَلِيُّ اللَّهِ أَنَّ أَبْصَارَ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَدَمِ لَمْ تَأْخُذْهَا، فَهِيَ مَقْصُورَةٌ قَدْ قُصِرَ بِهَا عَنْ أَبْصَارِ الْمَخْلُوقِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الْأُولَيَيْنِ: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}[الرحمن:56] قَصَرْنَ طَرْفَهُنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُنَّ مَقْصُورَاتٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُورَاتِ أَعْلَى وَأَفْضَلُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَقْصُورَاتٌ قَدْ قُصِرْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَلَا يُرِدْنَ بَدَلًا مِنْهُمْ..."

ولأصحاب القول الأول عكس ما قيل هنا وأن التي تقصر نفسها أفضل ممن يقصرها غيرها. يعني فرق بين أن تجد امرأة ليس لها ولي، قد مات وليها، وبقيت وحدها لكنها قصرت طرفها، وبين من يقصر طرفها وليها ولا يدرى ماذا تصنع لو كان لم يكن لها ولي، فهم يفضلون قاصرات عن مقصورات، وهذا من أوجه تفضيل الأوليين عن الآخريين. نعم.

"وَفِي الصِّحَاحِ: وَقَصَرْتُ الشَّيْءَ..."

وتفضيل الحكيم هنا المقصورات على القاصرات يعني من نفس تفضيلهم اليد السفلى على اليد العليا، الآخذ يقولون: أفضل من المعطي، لماذا؟ لأن الآخذ نائب عن الله والمعطي يقرض الله، نعم، والآخذ ينوب عن الله في قبض هذا القرض، وهذه طريقة المتصوفة لأنهم يؤثرون الخمول والدعة ولا يتكسبون ويتعيشون على أرزاق الناس ويفضلون أنفسهم على غيرهم. والله المستعان. نعم.

"وَفِي الصِّحَاحِ: وَقَصَرْتُ الشَّيْءَ أَقْصُرُهُ قَصْرًا حَبَسْتُهُ، وَمِنْهُ مَقْصُورَةُ الْجَامِعِ، وَقَصَرْتُ الشَّيْءَ عَلَى كَذَا إِذَا لَمْ تُجَاوِزْ إِلَى غَيْرِهِ، وَامْرَأَةٌ قَصِيرَةٌ وَقَصُورَةٌ أَيْ مَقْصُورَةٌ فِي الْبَيْتِ لَا تُتْرَكُ أَنْ تَخْرُجَ، قَالَ كُثَيِّرٌ:

وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلَّ قَصِيرَةٍ

...

إِلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِر

عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الْحِجَالِ وَلَمْ أُرِدْ

...

قِصَارَ الْخُطَا شَرُّ النِّسَاءِ الْبَحَاتِرُ

وَأَنْشَدَهُ الْفَرَّاءقَصُورَةٍ "، ذَكَرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ.  وَرَوَى أَنَسٌ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فِي الْجَنَّةِ بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ الْمَرْجَانِ فَنُودِيتُ مِنْهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ جَوَارٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ اسْتَأْذَنَّ رَبَّهُنَّ فِي أَنْ يُسَلِّمْنَ عَلَيْكَ فَأَذِنَ لَهُنَّ فَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ أَبَدًا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا أَزْوَاجُ رِجَالٍ كِرَامٍ» ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن:72] أَيْ مَحْبُوسَاتٌ حَبْسُ صِيَانَةٍ وَتَكْرِمَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَشْهَلِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ، قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ وَحَوَامِلُ أَوْلَادِكُمْ، فَهَلْ نُشَارِكُكُمْ فِي الْأَجْرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَعَمْ، إِذَا أَحْسَنْتُنَّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجَكُنَّ وَطَلَبْتُنَّ مَرْضَاتَهُمْ».

الشيخ: مخرج الأول والثاني؟

طالب:.......

طالب:.......

الشيخ: إي يشهد لآخره، لآخره لا لجميعه. نعم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ}[الرحمن:56] أَيْ لَمْ يَمْسَسْهُنَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "يَطْمِثْهُنَّ " بِكَسْرِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ الشَّامِيُّ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْأَعْرَجُ وَالشِّيرَازِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ. وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَكْسِرُ إِحْدَاهُمَا وَيَضُمُّ الْأُخْرَى وَيُخَيِّرُ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا رَفَعَ الْأُولَى كَسَرَ الثَّانِيَةَ وَإِذَا كَسَرَ الْأُولَى رَفَعَ الثَّانِيَةَ. وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ .قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : كُنْتُ أُصَلِّي خَلْفَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ فَيَرْفَعُونَ الْمِيمَ، وَكُنْتُ أُصَلِّي خَلْفَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ فَيَكْسِرُونَهَا، فَاسْتَعْمَلَ الْكِسَائِيُّ الْأَثَرَيْنِ. وَهُمَا لُغَتَانِ طَمُثَ وَطَمِثَ مِثْلُ يَعْرُشُونَ وَيَعْكِفُونَ، فَمَنْ ضَمَّ فَلِلْجَمْعِ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ، وَمَنْ كَسَرَ فَلِأَنَّهَا اللُّغَةُ السَّائِرَةُ. وَإِنَّمَا أَعَادَ قَوْلَهُ: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ}  لِيُبَيِّنَ أَنَّ صِفَةَ الْحُورِ الْمَقْصُورَاتِ فِي الْخِيَامِ كَصِفَةِ الْحُورِ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ. يَقُولُ: إِذَا قُصِرْنَ كَانَتْ لَهُنَّ الْخِيَامُ فِي تِلْكَ الْحَال.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن:76] الرَّفْرَفُ الْمَحَابِسُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّفْرَفُ فُضُولُ الْفُرُشِ وَالْبُسُطِ.  وَعَنْهُ أَيْضًا: الرَّفْرَفُ الْمَحَابِسُ يَتَّكِئُونَ عَلَى فُضُولِهَا، وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ: هِيَ الْبُسُطُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ:  هِيَ الزَّرَابِيُّ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ الْمرافَقُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ أَيْضًا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ حَاشِيَةُ الثَّوْبِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ الْخُضْرِ تُبْسَطُ. وَقِيلَ: الْفُرُشُ الْمُرْتَفِعَةُ. وَقِيلَ: كُلُّ ثَوْبٍ عَرِيضٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ رَفْرَفٌ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

وَإِنَّا لَنَزَّالُونَ تَغْشَى نِعَالُنَا

...

سَوَاقِطَ مِنْ أَصْنَافِ رَيْطٍ وَرَفْرَفِ

وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ."

لكن ما فيها شيء إلا القول بأنها الفرش المرتفعة لأنها هي التي يمكن أن يتكأ عليها، أما ما يبسط من غير ارتفاع هذا لا يمكن الاتكاء عليها وإن أمكن الجلوس عليه. نعم.

"وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّفْرَفُ ثِيَابٌ خُضْرٌ تُتَّخَذُ مِنْهَا الْمَحَابِسٌ، الْوَاحِدَةُ رَفْرَفَةٌ.  وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الرَّفْرَفُ رِيَاضُ الْجَنَّةِ، وَاشْتِقَاقُ الرَّفْرَفِ مِنْ رَفَّ يَرِفُّ إِذَا ارْتَفَعَ، وَمِنْهُ رَفْرَفَةُ الطَّائِرِ لِتَحْرِيكِهِ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ. وَرُبَّمَا سَمَّوُا الظَّلِيمَ رَفْرَافًا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُرَفْرِفُ بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ يَعْدُو. وَرَفْرَفَ الطَّائِرُ أَيْضًا إِذَا حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ حَوْلَ الشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ. وَالرَّفْرَفُ أَيْضًا كِسْرُ الْخِبَاءِ وَجَوَانِبُ الدِّرْعِ وَمَا تَدَلَّى مِنْهَا، الْوَاحِدُ رَفْرَفَةٌ. وَفِي الْخَبَرِ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَرَفَعَ الرَّفْرَفَ فَرَأَيْنَا وَجْهَهُ كَأَنَّهُ وَرَقَةٌ تُخَشْخِشُ أَيْ رَفَعَ طَرْفَ الْفُسْطَاطِ. وَقِيلَ: أَصْلُ الرَّفْرَفِ مِنْ رَفَّ النَّبْتُ يَرِفُّ إِذَا صَارَ غَضَا نَضِيرًا؛ حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ.  وَقَالَ الْقُتَبِيُّ:  يُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا كَثُرَ مَاؤُهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْغَضَاضَةِ حَتَّى كَادَ يَهْتَزُّ: رَفَّ يَرِفُّ رَفِيفًا؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الرَّفْرَفَ شَيْءٌ إِذَا اسْتَوَى عَلَيْهِ صَاحِبُهُ رَفْرَفَ بِهِ وَأَهْوَى بِهِ كَالْمِرْجَاحِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَرَفْعًا وَخَفْضًا يَتَلَذَّذُ بِهِ مَعَ أَنِيسَتِهِ؛ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي " نَوَادِرِ الْأُصُولِ" وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي (التَّذْكِرَةِ). قَالَ التِّرْمِذِيُّ:  فَالرَّفْرَفُ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنَ الْفُرُشِ فَذَكَرَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} وَقَالَ هُنَا: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ}[الرحمن:76] فَالرَّفْرَفُ هُوَ شَيْءٌ إِذَا اسْتَوَى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ رَفْرَفَ بِهِ، أَيْ طَارَ بِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا حَيْثُ مَا يُرِيدُ كَالْمِرْجَاحِ، وَأَصْلُهُ مِنْ رَفْرَفٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رُوِيَ لَنَا فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى جَاءَهُ الرَّفْرَفُ فَتَنَاوَلَهُ مِنْ جِبْرِيلَ وَطَارَ بِهِ إِلَى مَسْنَدِ الْعَرْشِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ: «طَارَ بِي يَخْفِضُنِي وَيَرْفَعُنِي حَتَّى وَقَفَ بِي بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي» ثُمَّ لَمَّا حَانَ الِانْصِرَافُ تَنَاوَلَهُ فَطَارَ بِهِ خَفْضًا وَرَفْعًا يَهْوِي بِهِ حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَجِبْرِيلُ يَبْكِي وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيد، فَالرَّفْرَفُ خَادِمٌ مِنَ الْخَدَمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ خَوَاصُّ الْأُمُورِ فِي مَحَلِّ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ، كَمَا أَنَّ الْبُرَاقَ دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا الْأَنْبِيَاءُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ فِي أَرْضِهِ ، فَهَذَا الرَّفْرَفُ الَّذِي سَخَّرَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْجَنَّتَيْنِ الدَّانِيَتَيْنِ هُوَ مُتَّكَؤُهُمَا وَفُرُشُهُمَا، يُرَفْرِفُ بِالْوَلِيِّ عَلَى حَافَّاتِ تِلْكَ الْأَنْهَارِ وَشُطُوطِهَا حَيْثُ شَاءَ إِلَى خِيَامِ أَزْوَاجِهِ الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ.  ثُمَّ قَالَ:  {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن:76] فَالْعَبْقَرِيُّ ثِيَابٌ مَنْقُوشَةٌ تُبْسَطُ، فَإِذَا قَالَ خَالِقُ النُّقُوشِ: إِنَّهَا حِسَانٌ فَمَا ظَنُّكَ بِتِلْكَ الْعَبَاقِرِ! وَقَرَأَ عُثْمَانُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَالْجَحْدَرِيُّ..."

هذا مما يجلب به على الحكيم الترمذي على تأييد رأيه في تفضيل الجنتين الأخريين على الأوليين، وكل هذا مما يحتاج إلى نص ملزم صحيح. نعم.

"وَقَرَأَ عُثْمَانُرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَالْجَحْدَرِيُّ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ "مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ" بِالْجَمْعِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ كَذَلِكَ" وَعَبَاقَرِيٍّ حِسَانٍ" جَمْعُ رَفْرَفٍ وَعَبْقَرِيٍّ. وَ"رَفْرَفٌ" اسم للجمع وَ "عَبْقَرِيٌّ" وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ الْمَنْسُوبِ إِلَى عَبْقَرٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ وَاحِدَ رَفْرَفٍ وَعَبْقَرِيٍّ رَفْرَفَةٌ وَعَبْقَرِيَّةٌ، وَالرَّفَارِفُ وَالْعَبَاقِرُ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَالْعَبْقَرِيُّ الطَّنَافِسُ الثِّخَانُ مِنْهَا؛ قَالَهُ الْفَرَّاءُ.  وَقِيلَ: الزَّرَابِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وقال الْحَسَنُ: هِيَ الْبُسُطُ. وقال مُجَاهِدٌ: الدِّيبَاجُ. وقال الْقُتَبِيُّ: كُلُّ ثَوْبٍ وَشْيٍ عِنْدَ الْعَرَبِ عَبْقَرِيٌّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَرْضٍ يُعْمَلُ فِيهَا الْوَشْيُ فَيُنْسَبُ إِلَيْهَا كُلُّ وَشْيٍ حُبِكَ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

حَتَّى كَأَنَّ رِيَاضَ الْقُفِّ أَلْبَسَهَا

...

مِنْ وَشْيِ عَبْقَرِ تَجْلِيلٌ وَتَنْجِيدُ

وَيُقَالُ: عَبْقَرُ قَرْيَةٌ بِنَاحِيَةِ الْيَمَنِ تُنْسَجُ فِيهَا بُسُطٌ مَنْقُوشَةٌ.  وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّ عَبْقَرَ قَرْيَةٌ يَسْكُنُهَا الْجِنُّ يُنْسَبُ إِلَيْهَا كُلُّ فَائِقٍ جَلِيلٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ..."
الأصل أنه الوادي من الأودية يسكنه الجن. نعم.

"وَقَالَ الْخَلِيلُ: كُلُّ جَلِيلٍ نَافِسٍ فَاضِلٍ وَفَاخِرٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدَ الْعَرَبِ عَبْقَرِيٌّ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عُمَرَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» وَقَالَ أَبُو عمرو بْنُ الْعَلَاءِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» فَقَالَ: رَئِيسُ قَوْمٍ وَجَلِيلُهُمْ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:

 

بَخِيلٍ عَلَيْهَا جَنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ

...

جَدِيرُونَ يَوْمًا أَنْ يَنَالُوا فَيَسْتَعْلُوا

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ:  الْعَبْقَرِيُّ مَوْضِعٌ تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّهُ مِنْ أَرْضِ الْجِنِّ. قَالَ لَبِيَدٌ:  
كُهُولٌ وَشُبَّانٌ كَجِنَّةِ عَبْقَرِ.

ثُمَّ نَسَبُوا إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ يَعْجَبُونَ مِنْ حِذْقِهِ وَجَوْدَةِ صَنْعَتِهِ وَقُوَّتِهِ فَقَالُوا: عَبْقَرِيٌّ وَهُوَ وَاحِدٌ وَجَمْعٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: »أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى عَبْقَرِيٍّ« وَهُوَ هَذِهِ الْبُسُطُ الَّتِي فِيهَا الْأَصْبَاغُ وَالنُّقُوشُ حَتَّى قَالُوا: ظُلْمٌ عَبْقَرِيٌّ وَهَذَا عَبْقَرِيُّ قَوْمٍ لِلرَّجُلِ الْقَوِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ» ثُمَّ خَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا تَعَارَفُوهُ فَقَالَ: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن:76] وَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ "عَبَاقِرِيٌّ " وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَنْسُوبَ لَا يُجْمَعُ عَلَى نِسْبَتِهِ..."

بل يُرَد إلى مفرده، النسبة إلى الجمع شاذة، لكن يُرَد إلى المفرد فينسب إليه. في حديث «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا» هذا في حديث الرؤيا الصحيح حينما رأى أبا بكر يستخرج الماء من البئر وفي نزعه ضعف ثم رأى عمر وفيه قوة يفري إلى آخر الرؤيا، المقصود أنه الحديث الصحيح لكن »أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى عَبْقَرِيٍّ« ماذا قال؟

طالب:.........

الشيخ: ما في حكم؟ نعم.

"وَقَالَ قُطْرُبٌ:  لَيْسَ بِمَنْسُوبٍ وَهُوَ مِثْلُ: كُرْسِيٌّ وَكَرَاسِيٌّ وَبُخْتِيٌّ وَبَخَاتِيٌّ..."

نوع من الإبل يذكرون أن لها سنامين. نعم.

"وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ خُضْرٍ وَعَبَاقِرَ حِسَانٍ) ذكره الثعلبي. وَضَم الضَّادَ مِنْ خُضْرٍ قَلِيلٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:78] تَبَارَكَ تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. ذِي الْجَلَالِ أَيِ: الْعَظَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَالْإِكْرَامِ وَقَرَأَ عَامِرٌذُو الْجَلَالِ) بِالْوَاوِ وَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلِاسْمِ، وَذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِكَوْنِ الِاسْمِ هُوَ الْمُسَمَّى. الْبَاقُونَ "ذِي الْجَلَالِ" جَعَلُوا " ذِي" صِفَةً لِ "رَبِّكَ". وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ..."

وصف للمضاف إليه بخلاف {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:27] فإنه وصف للمضاف. نعم.

"وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْمَ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ السُّورَةَ، فَقَالَ: الرَّحْمَنُ فَافْتَتَحَ بِهَذَا الِاسْمِ، فَوَصَفَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَالْجِنِّ، وَخَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَصُنْعَهُ، وأنه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29] وَوَصَفَ تَدْبِيرَهُ فِيهِمْ، ثُمَّ وَصَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالَهَا، وَصِفَةَ النَّارِ ثُمَّ خَتَمَهَا بِصِفَةِ الْجِنَانِ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ السورة: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:78] أَيْ هَذَا الِاسْمُ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ هَذِهِ السُّورَةَ، كَأَنَّهُ يُعْلِمُهُمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خَرَجَ لَكُمْ مِنْ رَحْمَتِي، فَمِنْ رَحْمَتِي خَلَقْتُكُمْ وَخَلَقْتُ لَكُمُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْخَلْقَ وَالْخَلِيقَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَهَذَا كُلُّهُ لَكُمْ مِنَ اسْمِ الرَّحْمَنِ فَمَدَحَ اسْمَهُ ثُمَّ قَالَ: {ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:78] جَلِيلٌ فِي ذَاتِهِ، كَرِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ. وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْقُرَّاءُ فِي إِجْرَاءِ النَّعْتِ عَلَى الْوَجْهِ بِالرَّفْعِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ الَّذِي يَلْقَى الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَمَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيَسْتَبْشِرُونَ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ، وَجَمِيلِ اللِّقَاءِ، وَحَسْنِ الْعَطَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ."  

اللهم صل على محمد.