كتاب الجنائز من المحرر في الحديث - 01

"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

كتاب الجنائز

 بابٌ في الموتى

 عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يتمنن أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا..»."

نعم..

"«لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي»، متفق عليه، وفي البخاري: أحد منكم الموت.

 وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن»، رواه مسلم.

وعن بريدة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المؤمن يموت بعرق الجبين»، رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه.

 وعن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله»، رواه مسلم.

 وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» فضج ناس من أهله فقال: «لا تدعو على أنفسكم إلا بالخير، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون»، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته، اللهم وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه بالغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له قبره، ونوَّر له فيه»، وفي لفظ له: «واخلفه في تركته»، رواه مسلم.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سُجي ببرد حبْرة.."

حِبَرة..

"حِبَرة، متفق عليه.

 وعن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- أن أبا بكر -رضي الله عنه- قبَّل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، رواه البخاري.

 وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «نفس المؤمن معلَّقة بدَينه حتى يُقضى عنه»، رواه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى والترمذي وحسَّنه."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الجنائز"، أُفرد الجنائز بكتاب، كما أفردت الطهارة والصلاة، وجيء بكتاب الجنائز في هذا الموضع؛ لأن له تعلُّقًا بالصلاة، فمما يتعلَّق بالجنائز الصلاة، صلاة الجنازة، فلهذا أُتبعت وأردف كتاب الجنائز كتاب الصلاة، وأفرد بكتاب، وبعض الكتب، بعض المصنفين يجعله بابًا من أبواب الصلاة، من أبواب كتاب الصلاة، ولا يفرده بكتاب؛ نظرًا إلى أن ما يفعل بالميت الصلاة عليه، وما يتبع ذلك يكون تبعًا، لكنه أفرد بكتاب عند كثير من المؤلفين، بكتاب مستقل عن كتاب الصلاة؛ لأن المتعلَّقات التي تخص الميت أكثر من كونها صلاة، فهناك التغسيل، وهذا ينبغي أن يتبع كتاب الطهارة، وسبقت الإشارة إلى تغسيل الميت هناك في أبواب الغسل، هذا يتبع كتاب الطهارة، التكفين، التجهيز، الدفن، كلها لا علاقة لها بالصلاة، فاستحق أن يُفرَد بكتاب.

 قد يستغرب بعض طلاب العلم، لماذا يفرد كتاب الجنائز بكتاب، والمقصود الأهم من ذلك كله الصلاة؟

 نقول: كلها فروض كفاية، تجهيز الميت، والصلاة عليه، وحمله، ودفنه، كلها من فروض الكفايات، والصلاة جزء مما يتعلق بالميت، فاستحق أن يفرد بكتاب، وأردف كتاب الجنائز بكتاب الصلاة؛ لأن أولى ما يفعل بالميت الصلاة، الصلاة عليه والدعاء له، ولذا حاجة الإنسان حيًّا وميتًا إلى الدعاء أكثر من حاجته إلى غيره من الأمور، ولذا تجد بعض الناس يثني على فلان وعلان، وهذا حق إذا كان صدقًا، وهذا لا إشكال فيه، لكن ينبغي أن ينظر في المثنى عليه نقول: هو أولى من ثنائك عليه أولى بالدعاء منك له، الدعاء له أولى من الثناء عليه، فالدعاء خير ما يسديه المسلم لأخيه، لاسيما إذا كان بظهر الغيب، لاسيما إذا اشتدت الحاجة إليه في مثل هذه الحالة في حال الموت.

 والصلاة عليه، المحقق زاد باب في الموتى أو في الموت، وهذه زيادة ليست في الأصول، وجرت عادته أن يضعها بين قوسين.

 ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الكتاب مقدمة تتعلق بالموت، وذكر فيها أحاديث سبعة أو ثمانية، كلها مما يحتاجها المسلم في حياته.

 قال -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول: كتاب الجنائز، الكتاب مضى التعريف  به مرارًا في هذا الكتاب، مضى مرتين في كتاب الطهارة، وفي الكتاب الصلاة، قالوا: هو مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة وكتْبًا، والمادة مدارها على الجمع، تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، وجماعة الخيل يقال لها: كتيبة، والكتابة بالقلم يقال لها: كتابة؛ لاجتماع الحروف والكلمات فيها.

وكاتبين وما خطت أناملهم
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:وكاتبين وما خطت أناملهم *حرفا ولا قرؤوا ما خط في الكتب

" حرفًا ولا قرؤوا ما خط في الكتب
 

هذه في مقام الحريري يقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون بين صفائح الجلود بالخرز، فمدار المادة على الجمع، والمراد بالكتاب هنا المصدر المكتوب اسم المفعول الجامع لمسائل الجنائز، والجنائز جمع جَنازة وجِنازة بالكسر والفتح، تقال للميت، وتقال للنعش، وتقال لهما معًا، وعند أهل العلم قاعدة وإن لم تكن كلية أن الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، فجَنازة للميت؛ لأنه أعلى، والفتحة أعلى الحرف، وجِنازة للسرير النعش؛ لأنه أسفل، والكسرة تحت الحرف، كما يقال: دَجاجة ودِجاجة، قالوا دَجاجة للذكر، ودِجاجة للأنثى، وكما يقولون فيمن يستخرج الماء من البئر الأعلى للأعلى والأسفل المايح بالياء هذا الأسفل الذي في داخل البئر، في جوف البئر، يملأ الدلو، هذا يقال له: مايح، والأعلى الذي يسحب الدلو بواسطة الرشاء يقال له: ماتح بالتاء، هذا قاعدة عندهم، لكنها ليست كلية، إنما هي أغلبية، ذكروا لها أمثلة، منها ما ذكرنا.

 قال -رحمه الله تعالى-: "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يتمنين، لا يتمنين أحدكم»" لا، هذه ناهية، والفعل المضارع أُكِّد بنون التوكيد الثقيلة، فهو مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد، «لا يتمنين».

.....................
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:..................... *وأعربوا مضارعا إن عريا

" وأعربوا مضارعًا إن عريا
 

عن نون توكيد وعن
 

 

نون إناث كيرعن من فتن
 

فالمضارع معرب إذا لم تتصل به نون التوكيد سواء كانت ثقيلة كما هنا، أو خفيفة فيبنى على الفتح حينئذ، ويبنى على السكون إن اتصلت به نون النسوة كيرعن من فتن.

 «لا يتمنين أحدُكم» هذا هو الفاعل، أحدكم يعني من المسلمين من المخاطَبين ومن في حكمهم، «الموت لضر نزل به» النهي عن تمني الموت؛ لأنه دليل على عدم الصبر إذا أصيب الإنسان بضر فعليه أن يصبر ويحتسب، فينال بذلك الأجر والثواب العظيم من الله- جل وعلا-، أما إذا لم يصبر ولم يحتسب بعد أن تصيبه المصيبة فالأكثر على أنه لا أجر له، بل عليه وزر بسبب هذا، وإن حقق الحافظ ابن حجر أن أجر المصيبة ثابت، وإن لم يصبر، وأجر الصبر والرضا والاحتساب قدر زائد على ذلك.

وكن صابرًا للفقر وادرع الرضا
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:وكن صابرا للفقر وادرع الرضا *بما قدر الرحمن واشكره واحمد

" بما قدر الرحمن واشكره واحمد
 

الصبر لا بد منه، والشكر كذلك، والحمد لله على كل حال.

 «لا يتمنين أحدكم الموت» تمني الموت دليل على عدم الصبر، دليل على الجزع، وهو أيضًا دعاء بانقطاع الأجر والفضل من الله -جل وعلا-؛ لأن حياة المسلم على كل حال خير له يصلي ويصوم، ويحج مع الناس، ويذكر الله، ويتطوع، ويؤدي الفرائض التي هي أحب ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، تنقطع عنه هذه الأعمال هذا إذا كان محسنًا، وإذا كان مسيئًا فإنه حينئذ يكون قد فوت الفرصة على نفسه بالاستعتاب والتوبة إلى الله- جل وعلا-؛ لأنه ما من ميت إلا سيندم إذا نزل به الموت من غير تمني ندم؛ لأنه إما أن يكون محسنًا فيتمنى المزيد من الإحسان؛ طلبًا لرفع درجاته وتكفير سيئاته، وإن كان مسيئًا فيستعتب ويطلب العتبى من الله- جل وعلا-، ويتوب مادام في زمن الإمكان.

 «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به» لهذا السبب، لأمر دنيوي؛ إما أمراض، أو كوارث مالية، أو أذى من أحد من المتسلطين عليه، أو غير ذلك، أو ضيق عيش، أو ما أشبه ذلك، لضر نزل به، لهذا السبب، فالنهي عن تمني الموت لهذا السبب، أما إذا كان السبب خشية الوقوع في الفتنة تفتنه عن دينه وتضله فإن هذا لا مانع منه، ومنه الدعاء المشهور: «وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إلهي غير مفتون»، ومنه قول مريم -عليها السلام-: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [سورة مريم:23]، ليت تمنٍّ، تمنت أن تكون قد ماتت قبل ما حصل لها؛ لأن هذا مثار فتنة عليها وعلى قومها، فإذا خشي الإنسان الفتنة على نفسه فلا مانع من أن يتمنى الموت، أما إذا كان السبب الضر الذي ينزل به؛ بماله، بنفسه، ببدنه، بولده، فإن هذا لا يجوز، فهو داخل تحت النهي المذكور «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلاً» لا محيص ولا مفر من هذا التمني؛ لأنه قد يخفى على الإنسان المآل حتى في أمر الدنيا، ويتردد هل بقاؤه أفضل أو حياته، أو موته أفضل؟

 يعني حتى إذا نزل به ضر في بدنه قد يفتتن بسببه، لا يدري، يخفى عليه المآل، ولا مفر له، ولا محيص من التمني، «فإن كان لا بد متمنيًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي»، يفوض الله -جل وعلا-، فهو الذي يختار له ما يصلحه، أو ما يصلح له. «فإن كان لا بد متمنيًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي»، يعني ما خفي عليه العاقبة والمآل فإنه حينئذ يكل الأمر إلى الله -جل وعلا-، فيختار له الخير إما البقاء واستمرار الحياة، أو الوفاة. «فإن كان لا بد متمنيًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي».

 نعم هو لا يدري عن مآله وعاقبته، إذا حصل هناك لبس وعدم وضوح فيما نزل به من ضر فإنه حينئذ يكل الأمر إلى الله، ويترك الاختيار له، ويسأله ذلك معلِّقا ذلك كله بالخير، الخير مطلوب، فإذا كانت الحياة خيرًا يطلب الحياة، اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وإذا كانت الخيرة والحظ والأحظ له في الوفاة فإنه لا مانع أن يقول: وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي.

 "متفق عليه.

 وفي البخاري: «أحد منكم الموت»، «لا يتمنين أحدكم الموت»، وفي البخاري: «لا يتمنين أحد منكم الموت»" أحد نكرة في سياق النهي فتعم الجميع، وهناك «أحدكم» أحد مفرد مضاف، والمفرد المضاف من صيغ العموم، لكن المؤلف -رحمه الله تعالى- أتى بمنكم؛ للدلالة على أن النهي موجَّه إلى المسلمين، وأحدكم أيضًا هو مضاف إلى المخاطَبين، أحد مضاف إلى المخاطبين، كاف الخطاب، والمخاطبون المسلمون، ومن في حكمهم، فالفرق سهل بين العبارتين يسير، والإتيان بالعبارة الثانية من دقة المؤلف واحتياطه- رحمه الله-.

 قال- رحمه الله- في الحديث الثاني: و"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم"-، في الحديث الأول عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، وفي الثاني عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، أنس صحابي جليل يترضى عنه، وأما أبوه فقد مات على الكفر، بخلاف عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، فإنه استشهد في أحد فيقال: رضي الله عنهما.

 "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يموتن»"، وهذا كسابقه مضارع مبني لاتصاله بنون التوكيد المباشرة، كما في قوله: «لا يتمنين»، ولا في الموضعين ناهية، والناهية تجزم الفعل المضارع، «لا يتمنين أحدكم»، «لا يموتن أحدكم»، الثاني: «لا يموتن أحدكم»، يا معشر المخاطَبين ومن في حكمهم من المسلمين، «إلا وهو يحسِّن الظن بالله- جل وعلا-، إلا وهو يحسِّن الظن بالله، أو يحسِّن بالله الظن» لأن بعض الروايات هكذا وبعضها هكذا، «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أو بالله الظن».

 قد يقول قائل: هذا أمر قد لا أملكه، قد لا أملكه، نعم الإنسان عليه أن يحسن الظن بالله- جل وعلا-، لكنه عنده أعمال تعوقه عن حسن الظن بالله- جل وعلا- في الظاهر، نعم على الإنسان أن يخشى الله -جل وعلا-، وعليه أن يخاف من الله- -جل وعلا- -، وأن يخاف من ذنبه، وأن يرجو ربه، ويحسن الظن بربه، يعني لا تعارض بين أن يكون الرجل مسيئًا، المسلم مسيئًا مذنبًا، ومع ذلك يحسِّن الظن بالله -جل وعلا-، وتحسين الظن بالله النافع كالرجاء النافع الذي يبعث على العمل، أما تحسين الظن بالله -جل وعلا- مع سوء العمل، أو توسيع الرجاء بالله- جل وعلا- مع سوء العمل فهذا غرور، هذا غرور قد يصل بالإنسان إلى الأمن من مكر الله مع سوء العمل، لكن إذا حسَّن الظن بالله -جل وعلا-، ورجا الله -جل وعلا-، ورجح جانب الرجاء في ظرف من الظروف نقول له: ما دمت ترجو رحمة أرحم الراحمين فاعمل لها، أما أن ترجو من غير عمل فهذا غرور، ترجو من غير عمل، هذه طريقة المرجئة الذين يرجون ويجعلون إيمان الواحد منهم كإيمان جبريل، وهو مع ذلك يترك الواجبات، ويفعل الموبقات؛ لأنها على حد زعمهم لا تضرهم، لا يضر مع الإيمان عمل.

 «لا يموتن أحدكم إلا ويحسن الظن بالله- جل وعلا-»، الله -جل وعلا- جواد كريم، وسعت رحمته كل شيء، ومع ذلكم هو شديد العقاب، شديد العقاب، وأعد جنته لأهل طاعته للمحسنين، وأعد النار بما وُصف، وبما جاء من وصف ما فيها من أنكال وأغلال للمسيئين، فلا يعتمد الإنسان على الرجاء، ويأمن من مكر الله، ثم إذا أُخذ أخذه الله- جل وعلا- أخذ عزيز مقتدر أخذه إن لم يفلته، كما جاء في بعض الأحاديث إذا أحسن الظن بالله -جل وعلا- يجعل لإحسانه مستندًا، وإذا خاف من الله -جل وعلا-، فينبغي أن يقود الخوف إلى العمل، فالمطلوب العمل في الحالين، في حال الرجاء، وفي حال تحسين الظن، وفي حال الخوف أيضًا، وأهل العلم يقولون: إن المسلم مادام في حال الصحة يكون بالنسبة للرجاء والخوف كالطائر، والخوف والرجاء بالنسبة له كجناحي الطائر، لا يعتمد على الرجاء وحده، ولا على الخوف وحده، فلم يكون هذا؟

 لأنه إذا اعتمد على الرجاء أمن مكر الله، وإذا اعتمد على الخوف قنط وأيس من روح الله، وكلاهما من عظائم الأمور، وكلاهما من عظائم الأمور، بل ينبغي له أن يعيش خائفًا راجيًا، ومنهم من يرى أنه في حال الصحة يرجح ويغلِّب جانب الخوف؛ ليعمل، وإذا دنا أجله فيغلِّب جانب الرجاء؛ ليحب لقاء الله، فيحب الله لقاءه، فيحب الله لقاءه، وهذا من هذا الباب، «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن»، نعم «أنا عند حسن ظن عبدي بي»، فإذا ظن به أنه يعفو عنه ويتجاوز عنه لاسيما فيما بينه فيما دون الشرك فجدير به وحري أن يتجاوز الله عنه، وإذا قنط وأيس وخاف خوفًا شديدًا يجعله ييأس ويقنط، فهذا لا يحسن الظن بالله، ولا يحب لقاء الله، ولا يحب الله لقاءه.

 قد يقول قائل: إن الرجل من بني إسرائيل الذي أوصى أولاده بعد موته أن يحرقوه في يوم شديد الريح فيذروه في الريح، رماده يذرى في الريح، فيتفرق، قائلاً: لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا لم يعذبه أحدًا من العالمين، أو عذابًا شديدًا كما جاء في الحديث، فلما جمع الله -جل وعلا- ما تفرق من جسمه سأله، لئن قدر الله عليَّ كأنه شك في قدرة الله -جل وعلا- على جمعه، شك في القدرة، وغلَّب جانب الخوف من الله -جل وعلا-، فسأله لما جمع شتاته، سأله قال: ما الذي حملك على ذلك؟

 قال: خشيتك، يعني الخوف من الله -جل وعلا- فغفر الله له؛ بسبب هذه الخشية وهذا الخوف من الله -جل وعلا-، لا شك أن في هذا إشكالًا مع الحديث الذي معنا، هل هذا يحسِّن الظن بالله- جل وعلا-، الذي وصل به الأمر إلى هذا الحد؟ فإما أن يقال: إن هذا في شرع من قبلنا، أو أنه وصل إلى حد غُلب على عقله فصنع ما صنع، والمغلوب يرتفع عنه التكليف، يعني مثل الذي قال لما وجد دابته التي عليها متاعه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، هذا مغلوب مسكين، هذا لا يؤاخَذ بمثل هذا الخطأ، لا يؤاخَذ عليه، فإما أن يقال: إن هذا الشخص غُلب في هذه الحالة على عقله، وتصرَّف هذا التصرف، أو يقال: إن هذا في شرع من قبلنا، وشرعنا لا يجيز مثل هذا، ولا يمكن أن يتجاوز عمن أنكر قدرة الله -جل وعلا-.

 «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن»، "رواه مسلم".

 قال -رحمه الله- "وعن بريدة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المؤمن يموت بعرق الجبين، المؤمن يموت بعرق الجبين»" يموت بعرق الجبين يعني أنه يشدَّد عليه حال الاحتضار ونزع الروح؛ ليُكَفَّر عنه ما عليه من سيئات بهذا التشديد، يُشَدَّد عليه حال الموت وحال النزع، فيعرق جبينه من شدة سكرات الموت، إن للموت لسكرات، والنبي- عليه الصلاة والسلام- كما جاء في حديث ابن مسعود: إنك لتوعك وعْكًا شديدًا يا رسول الله، قال: «أجل، كما يوعك الرجلان منكم، كما يوعك الرجلان منكم»، يعني ضعف ما يوعَك الرجل الواحد، وهذا الرسول أشرف الخلْق، وأفضل الخلْق، وأكرم الخلق على الله، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -عليه الصلاة والسلام-، ويوعَك كما يوعك الرجلان من المسلمين، ذلك- يقول ابن مسعود- أن لك أجرين؟ قال: «أجل»، فكلما ارتفعت منزلة الإنسان اشتد عليه النزع، وهذا ليس بمطَّرِد، هذا ليس بمطَّرِد؛ لأن هذا من المكفرات، هذا من المكفرات، فقد يكفَّر للمسلم بغير هذا النوع، وقد يحتاج إلى التكفير بشيء من هذا النوع، والمكفرات متعددة، كما جاءت بها النصوص.

 المقصود أن في الحديث يقول: «المؤمن يموت بعرق الجبين»، يعني يُشدَّد عليه في النزع، وفي الاحتضار، وفي سكرات الموت، فتجده يعرق من شدة ما يواجِه، ومن شدة ما يحصل له، وعرفنا ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يوعَك ضعف ما يوعكه الرجل المسلم؛ وذلكم لأن له أجرين، والغُنْم مع الغُرْم، والقاعدة الخراج بالضمان، يعني له أجران يوعك كما يوعك الرجلان، أمهات المؤمنين لهن من المنزلة ما لهن، ويضاعَف لهن العذاب ضعفين، والناس منازل، الناس منازِل، يعني ليست محاسبة زيد كمحاسبة عمرو، كلٌّ على حسب منزلته يحاسَب، كما يقرر أهل العلم حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين، حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين، وهذا أمر مشاهَد حتى في الدنيا في معاملة الناس بعضهم مع بعض، يعني إمام المسجد إذا سلَّم من الصلاة وانصرف إلى المأمومين يجد اثنين يقضيان ما فاتهما من الصلاة، فيتوجَّه إلى أحدهما باللوم، لماذا يفوتك ركعة من الصلاة؟ لماذا تفوتك ركعة أو ركعتان من الصلاة؟ والثاني يشكره الذي أدرك ما أدرك من الصلاة.

 نعم الناس منازل، وطالب العلم ينبغي أن يكون قدوة للناس، يعني إذا فاتته ركعة ينبغي أن يلام، بينما العادي من سائر الناس يُفرَح إذا أدرك شيئًا من الصلاة، مع أنهم أمام التشريع واحد، والناس سواسية ومطالَبون بالواجبات، وبالكف عن المحرمات على حد سواء، لكن هم منازل، كما يقرِّر أهل العلم حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين.

 النبي -عليه الصلاة والسلام- قام من الليل حتى تفطرت قدماه، لكن لو يقوم شخص حتى تتفطر قدماه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر على الذي قال: إنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم الدهر ولا يفطر، ونهى عبد الله بن عمرو حينما قرر أن يختم القرآن في كل يوم، وقال له: «اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد»، نعم ينبغي للمسلم أن يكون متوازنًا في جميع أحواله، ولا يكون بعض أعماله على حساب بعض، يقوم من الليل ما يُكتَب به عند الله -جل وعلا- من أهل القيام، والقيام هو دأب الصالحين، «ونعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل»، ومع ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينام ويقوم وقال: «أفضل القيام قيام داود ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه»، هذا أفضل القيام على الإطلاق، هل هو أفضل من أن يقوم الشخص من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؟

نعم، أفضل بالنص، وهو في نومه معدود مع القائمين إذا احتسب ذلك للإعانة على قيامه، فالأمور بمقاصدها.

 «المؤمن يموت بعرق الجبين» هذا أحد التأويلين عند أهل العلم، وأنه عند الاحتضار يشدد عليه حتى يعرق جبينه، والتأويل الثاني أنه في حياته حتى يموت وجبينه يعرق من الكَدّ فيما يصلح أمره في دينه ودنياه، المؤمن جادّ، المؤمن الأصل فيه أن يكون جادًّا في تحصيل ما ينفعه في دنياه وأخراه، فالمؤمن مخلوق وموجَد لتحقيق هدف وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، هذا الأصل، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]، فعليه أن يكد ويتعب ويعرق في تحقيق هذا الهدف؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره، فيسعى ويُضرِب بجميع أبواب الدِّين أو بكل باب من أبواب الدين بسهم، لا يفوِّت شيئًا ينفعه في آخرته إلا وقد أتى منه بما يستطيع، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، ومع ذلك يقول الله -جل وعلا-: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77]، هذا أيضًا مطلوب أن يسعى في تحصيل ما يغنيه عن الناس، ما يغنيه عن الناس، يسعى في تحصيل المال الذي يقوم به أوده، وتبقى به معه حياته وحياة من تحت يده، لا يُضيِّع نفسه أو يضيع من يمون، وكفى به إثمًا أن يضيع من يمون، أو من يقوت، ثم بعد ذلك يكون عالة على الناس.

 وكثيرًا ما يسأل طلاب العلم أنه قد يتعارَض تحصيل الرزق والكسب مع طلب العلم، نقول: إنه لا يتعارَض، نعم مَن أراد أن يعطي أمر الدنيا كلَّه نعم يتعارض، أيضًا قد يتعارَض مع الواجبات، لكن إذا سعى في تحصيل ما يحقق به الأمر الإلهي بقوله: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77] فهذا لا يتعارَض مع علم ولا عمل؛ لأن الإنسان يستطيع أن يكسب قوت يومه بجزء يسير من وقته، ويصرف ما بقي من الوقت لتحقيق ما خُلِق من أجله، ومن أعظم ذلك بعد الواجبات تحصيل العلم، تحصيل العلم الشرعي، المورِث خشية الله -جل وعلا-. فالموت بعرق الجبين إما أن يكون عند الاحتضار وتشديد النزع، وإما أن يكون في مدة الحياة من وجوده إلى وفاته يموت وهو يسعى ويكد لتحصيل ما ينفعه من أمور دينه ودنياه، ولا يغلِّب جانب الدنيا كما هو حاصل لكثير من المسلمين اليوم، بل وجد من يسخر لمن يقول مثل هذا الكلام، وكتب في الصحف عن الزهد والورع هذا هو الذي أخَّر الأمة عن أن تلحق بركب الأمم الأخرى المتحضِّرة. كيف نقول: ازهدوا في الدنيا، والحديث «ازهد في الدنيا يحبك الله»، وفي حديث ابن عمر «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، ويقول ابن عمر: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، ومع ذلك يُكتَب مع الأسف في صحفنا عن الزهد والورَع أنه غل يمدح به فلان وفلان الذين عطلوا الحياة عن هدفها، لا يا أخي أنت مأمور بأن تسعى في الكسب والبحث عن لقمة العيش لك ولمن تحت يدك، لكن مع ذلك أنت خلقت لأمر عظيم، ولما كان الناس في صدر هذه الأمة في قرونها المفضلة وفي عصرها الزاهر يطبِّقون ما يسمعون من كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- فهم المتقدمون، والناس يلهثون وراءهم، لكن لما فرَّطت في أمر دينها ودنياها، وفرطت في أمر الدين قبل ذلك، ثم تلا ذلك التفريط في أمر الدنيا صارت وراء الناس.

 وأَلَّف من ألَّف في الدين وسماه أغلالًا، نسأل الله السلامة والعافية، وأن الأمم كلها إنما تقدمت وتحضرت حينما انسلخت من دينها، نقول: ديننا- ولله الحمد- دين الوسطية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [سورة البقرة:143]، فالإنسان مأمور بتحقيق الهدف الأصلي الذي من أجله خلق، وهو تحقيق العبودية، ومع ذلك هو مأمور بأن لا ينسى نصيبه من الدنيا، ولا رهبانية في الإسلام يعني انقطاعًا تامًّا للعبادة، وترك ما يعينه على تحقيق الهدف، لا، واليد العليا خير من اليد السفلى.

 يعني لو تصورنا أن شخصًا فعل الواجبات، أدى الواجبات، وترك المحرمات، وسعى في كسب شيء من أمر الدنيا، وتفضَّل به على من تحت يده، وعلى غيره من المسلمين، وأعطاهم ما ينفعهم، والثاني تفرَّغ للعبادة، لكنه صار عالة على غيره قلنا: ذاك أفضل من هذا؛ لأن اليد العليا خير من اليد السفلى.

 قال: "رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه".

 ثم قال- رحمه الله تعالى-: "وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله، لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله» التلقين أن يُذكَر الشيء عند شخص ليذكره بعد ذلك، التلقين هنا مأمور به، والذي يقبل التلقين من رواة الحديث هذا مجروح، الذي يلقَّن الأحاديث ثم يرويها على أنها من روايته، وهي في الحقيقة ليست من روايته فهذا مجروح، ويقولون: فلان يقبل التلقين، كناية عن ضعفه، هنا «لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله» يعني اذكروا عندهم لا إله إلا الله؛ ليكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، «ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»، فيُلَقَّن موتاكم يعني المحتضَرين الذين هم على قرب من الوفاة، لا أنهم من ماتوا، وخرجت أرواحُهم، وفارقت أبدانَهم؛ لأنه لا ينتفع بذلك، لن يقولها بعد أن تخرج روحه من بدنه، وإنما المراد بالميت هنا من سيموت، كما في قوله -جل وعلا-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر:30]، يعني إنك ستموت، وإنهم سيموتون، لكن هنا المراد بالموتى من قارب الموت، حضرته الوفاة، «لقِّنوا موتاكم»، هذا ليس بميِّت حقيقة الذي فارقت روحُه جسدَه، وإنما من قربت وفاته ونُزِل به واحتُضِر فإنه تُكَرَّر عنده لا إله إلا الله حتى يقولها، ولا يؤمَر بقوة وبشدة: يا فلان قل؛ لأن هذا وهو في هذا الظرف الحرج المستغلِق قد يرفض قول لا إله إلا الله، وقد يتكلم بكلام يضره في هذه الحالة، فيُختَم له به، إنما يُلقَّن برفق فيقال: لا إله إلا الله برفق، يعني تكرر عليه حتى يقولها، فإذا قالها انقطع التلقين، إلا إذا تكلم بكلام جديد فإنه يعاد التلقين؛ ليكون آخر كلام هذا الميت لا إله إلا الله.

 "رواه مسلم".

 الإمام الكبير المحدِّث أبو زرعة الرازي -رحمه الله تعالى- في حال الاحتضار هابوا تلقينه، هابوا تلقينه، إمام من أئمة المسلمين وسيِّد من سادات المحدِّثين، هابوا تلقينه، فماذا صنعوا؟ جاؤوا بحديث التلقين هذا، جاؤوا بحديث التلقين، وأوجدوا خطأً في إسناده، أوجدوا خطأً في إسناده، قلبوا الإسناد وغيروا بعض الرواة، فصحح لهم الإسناد ثم قال: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله»، ثم فاضت روحه- رحمه الله-، يعني في آخر لحظة يرد على المخطئ في الحديث؛ لأن من عاش على شيء مات عليه، فهم لقَّنوه بطريقة ذكية، هم افتعلوا هذا الخطأ؛ ليصحِّح لهم هذا الخطأ، افتعلوه ليصحِّح لهم، ثم يقول الحديث- رحمه الله- وقد قال: لا إله إلا الله، فاضت روحه- رحمه الله- فكانت هذه الكلمة آخر ما قال.

 "رواه مسلم"، «موتاكم» المخاطَبون هم المسلمون، والخطاب في الأصل للصحابة، وفي حكمهم من يأتي بعدهم، «موتاكم» يعني موتى المسلمين، فهل التلقين ينفع الكافر أو لا ينفعه؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حضرت عمه أبا طالب الوفاة قال له: «يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، وزار اليهودي الذي كان يخدمه فقال له: «يا فلان قل: لا إله إلا الله» فنظر إلى أبيه فقال: أطع أبا القاسم، فقال: لا إله إلا الله فمات، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «الحمد لله الذي أنقذه بي»، فهل ينفع التلقين غير المسلمين، وفي الحديث «لقنوا موتاكم»، يعني من المسلمين؟ فهل ينفع غير المسلم أن يلقن لا إله إلا الله؟

 أما في وقت الغرغرة، إذا بلغت الروح الحلقوم فإنه {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [سورة يونس:91]، ما تنفعه إطلاقًا، ولو قال: لا إله إلا الله، وقبل ذلك تنفع، وقبل ذلك تنفعه، من عاش على شيء مات عليه، والشواهد في الماضي والحاضر كثيرة، سمعنا قصة أبي زُرعة الإمام الكبير المحدِّث، يعني في آخر لحظة يصحِّح إسناد حديث؛ لأنه عاش على ذلك، وفي أحوال كثير من المحتضَرين تعجب العجب العجاب، يعني تدخل المستشفيات في أقسام العنايات المركَّزة، تجد العجب، تجد هذا يقرأ القرآن، ولا يعي ما يدور في حوله بقربه، لا يعي شيئًا، ويُسمع القرآن منه ظاهرًا، وتجد من إذا حان وقت الصلاة أذَّن؛ لأنه عاش مؤذِّنًا، وتجد من يذكر الله -جل وعلا-؛ لأنه كان ديدنه في صحته الذكر، وتسمع من يغني، وتسمع من يلعن ويشتم، كل هذا في قرب الوفاة، يعني مع اليأس من الحياة، هذا كله موجود، والشواهد كثيرة، يعني تدخل العناية المركَّزة فتجد شخصًا يلهج بذكر الله، تكلمه يا فلان ما يرد عليك، وتجد من يُسمَع منه القرآن واضحًا، ولا يرد جوابًا، وتجد أيضًا من يؤذِّن، كما تجد من يغني، وتجد من يشتم ويلعن وهو طاعن في السن، قريب من الموت، بعيد من الحياة، والناس كما قال الله -جل وعلا-: {إن سعيكم لشتى}، فلينظر الإنسان لنفسه ما ينفعه ويخلِّصه.

 جاء قراءة سورة يس عند الاحتضار، عند الاحتضار جاء قراءة سورة يس، «اقرؤوا يس على موتاكم»، والجمهور على أنه ضعيف، جمهور أهل الحديث على أنه حديث ضعيف، والمراد بالموتى مثل المراد منهم هنا، يعني من سيموت، المحتضَرين، قالوا: لأنها تسهِّل خروج الروح، وتذكِّر هذا المحتضَر بما فيها من مواعظ، وما أعد الله لأهل جنته، وما أعد الله للعصاة والمكذبين لرسله، تسهِّل خروج الروح، وتذكر هذا الميت الذي قارب مفارقة الحياة، والحديث على كل حال ضعيف عند جمهور أهل العلم، ومنهم من حسنه، ومنهم من حسنه، وعلى رأي الجمهور العمل بالضعيف في مثل هذه الحال؛ لأنه في الفضائل يعملون به وإن كان ضعيفًا، جمهور أهل العلم الذي يرون العمل بالحديث الضعيف في الفضائل يعملون بمثل هذا، وأما من يرى أن الضعيف لا يُعمَل به مطلقًا فإنه لا يعمل بمثل هذا الحديث؛ لأنه ضعيف عند جماهير المحدثين.

 هذه الحالة حالة الاحتضار ودُنوِّ الأجل من أعظم المواعظ، من أعظم ما يوعَظ به الإنسان، «كفى بالموت واعظًا، كفى بالموت واعظًا»، وأهل العلم يوصون أن يشهد بمثل هذا الموقِف المهول، القرطبي في تفسير {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ،  حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [سورة التكاثر:1-2]، جاء في بالنصوص التي تدل على مشروعية زيارة القبور؛ لأنها تذكر الآخرة، وفيها عظة، لكن إن كان الإنسان لا يتذكَّر إذا زار المقبرة، وقد وصل الأمر ببعض الناس إلى أنه لا فرق بين القبر وبين أي حفرة، يعني ينظر في القبر والميت يدفن كأنه ينظر في حفرة زيت، ما فيه فرق، وهذا حاصل، وقد شاهدنا كهلاً نصف لحيته شيب، ويدخِّن على شفير القبر.

 يقول القرطبي: إذا وصل الحد بالمرء إلى هذا فالقلب ميِّت، القلب ميِّت، ما بقي عنده إلا أن يشاهد المحتضَرين قبل خروج الروح، فإن كان لا يتأثَّر في هذه الحالة، تخرج روح أخيه المسلم وهو ينظر إليه فهذا ممسوخ، نسأل الله السلامة والعافية، هذا ممسوخ، عليه أن يبدأ بالعلاج من الأول، من الصِّفِر، نعم الإنسان الذي لا يتذكَّر بالقرآن، والله -جل وعلا- يقول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [سورة ق:45]، ولا يتذكر بالموت، «وكفى بالموت واعظًا»، الحوادث على الطرق كثيرًا ما نراها، ونرى أصحاب السيارات بعضهم مسجَّى ميتًا، فاضت روحه، وبعضهم متقطع الأوصال، وبعضهم يرفس، وبعضهم يصيح بأعلى صوته، ثم بعد ذلك لا يحرك في بعض المسلمين شعرة، أين القلوب؟ أبعد القلوب من الله القلب القاسي، وأي قسوة أعظم من هذا؟ نسأل الله السلامة والعافية، نعم بعض الناس إذا مر بالحادث وهو مسرع في سيارته يخفف السرعة، يعني بعضهم يمشي مائة وثمانين، مائة وستين، يخفف إلى ستين، أربعين، ثم إذا تجاوز الحادث بعشرة كيلو زاد قليلاً، ثم عشرين كيلو، ثلاثين كيلو، يرجع إلى عادته، ليس لمثل هذه الحوادث أثر، والسبب في ذلك ما غطى القلوب وران عليها من المكاسب، وما يشغلها من الفضول، غطى عليها كثرة الفضول، فضول الأكل، فضول النوم، فضول النظر، فضول الكلام، كل هذه تغطي القلوب وتغلفها، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنه ليغان على قلبي حتى إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم  أكثر من مائة مرة»، إذا كان هذا المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق بالله، وأتقاهم وأخشاهم له، فكيف بغيره؟ فكيف بغيره ممن طال بهم العهد حتى نسوا وغفلوا؟

كثير ممن ينتسب إلى الإسلام يعيش بقلب ممسوخ وهو لا يشعر، وهو لا يشعر، تجد القوارع والمصائب والمثلات محيطة محدقة به من جميع الجهات وهو في غيه وضلاله، وذكر ابن القيم- رحمه الله- في إغاثة اللفهان أن الرجلين يمضيان إلى معصية فيمسخ أحدهما خنزيرًا، ويمضي الثاني إلى معصيته.

يا إخوان هذا حال كثير من الناس، تجده يقرأ القرآن، ويصلي خلف الإمام، والإمام يقرأ بقراءة مؤثرة، وقلبه خارج المسجد وهو يقرأ القرآن، يا إخوان وصل الأمر إلى حد لا يُتَصوَّر، يعني يسأل سائل يقول: القرآن في حجري، وأقرأ القرآن وأتلوه، يقول: وأنا في أثناء التلاوة أحاول أن أُحْدِث هل هذا يستحضر أنه يقرأ قرآنًا؟! هل هذا يتصور أنه يقرأ قرآنًا وهو يعلم أن الحدث لا يجوز معه مس المصحف؟! أين قلبه هذا، نسأل الله العافية، يعني وصل الأمر إلى هذا الحد، تصوَّر يعني علينا أن نتعاهد هذه القلوب، فالمدار عليها، والله -جل وعلا- لا ينظر إلى الصور، إنما ينظر إلى القلوب وما وقر فيها، كما جاء في الحديث الصحيح.

 "رواه مسلم".

 قال -رحمه الله-: "وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره" شق بصره، شخص شخص بصره: ارتفع، "فأغمضه النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: «إن الروح إذا قُبض تبعه البصر، إن الروح إذا قبض تبعه البصر»الروح يُصعَد بها إذا قبضتها الملائكة، توفته رسلنا، إذا قبضت روحه تبعها البصر، «إن الروح إذا قبض تبعه البصر»، شق بصره فأغمضه.

 ففيه مشروعية تغميض عيني الميت، تغميض عينيه، يسن تغميض عينيه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أغمض عيني أبي سلمة- رضي الله عنه وأرضاه- ثم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر»، فدل على أن الروح شيء، وأنها شيء يمكن أن يُرى، يمكن أن يُرى، وإن كان علمنا بها لا يتجاوز هذا، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [سورة الإسراء:85]، حسم المادة، وتجد المصنفات في الروح والأقوال الكثيرة في الروح، مع أنها من أمر الله -جل وعلا-، لا يُعرَف عنها إلا ما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» ماذا نفهم من هذا الكلام؟

نفهم إن أبا سلمة حي أو ميت؟ قد مات، فضج ناس من أهله، يعني عرفوا أنه مات؛ لأنه قال: «إن الروح إذا قبض» يعني فارقت الروح البدن، حينئذ يكون قد مات، ولا يحصل الموت إلا بهذا، إلا بمفارقة الروح البدن، ولا يكفي في الحكم بالموت الحكم بموت الدماغ مثلاً، مع بقاء الروح في البدن، مع بقاء القلب ينبض، هو حي له جميع الأحكام، أحكام المسلم الحي، وبعض الأطباء وأقره بعض المجامع أنه إذا مات دماغيًّا، وشهد به ثلاثة من الأطباء أنه يقرَّر وفاته، وترفع عنه الأجهزة، وأنه ميؤوس منه، مع أنهم قرروا في مثل هذه الحالة، وعادت له الحياة من جديد في قصة يرويها الثقات مباشرة عن الشخص الذي قررت وفاته، قرر ثلاثة من الأطباء أنه ميت دماغيًّا، فأحضروا إخوانه الأربعة؛ ليتبرعوا بشيء من أعضائه فوافق ثلاثة، ورفض الرابع، قال: لا أستطيع أن أوافق وهو ما أوصى، ولا ذكر شيئًا، نحن ما نتصرف بشيء لا نملكه، فأراد الله -جل وعلا- له الحياة وإذا به قد سمع ما قيل وما دار في المحاورة، وصارت العداوة بينه وبين إخوته الثلاثة، وصار الرابع أحب الناس إليه، فمثل هذه العجلة حقيقة ولو كان هذا نادرًا، لكن ينبغي أن يحسب له حساب، ينبغي أن يحسب له حساب، فالله -جل وعلا- قادر على كل شيء، ومادامت الروح في البدن لم تفارق البدن فله أحكام الأحياء.

 «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» "فضج ناس من أهله" يعني بالصياح، ورفعوا أصواتهم فقال: «لا تدعوا على أنفسكم  إلا بخير»؛ لأن الناس أو بعض الناس في هذا الظرف يطيش عقله، فتجده يدعو إما بخير أو بِشَرّ، يدعو على نفسه وعلى من حوله أو من تسبب في شيء من هذه الوفاة، يدعو عليه ويدعو، قد يدعو يتناول نفسه أو يدعو على بعض أولاده الذين قصروا في حقه، حق هذا الميت.

 المقصود أنه في هذا الظرف ظرف دعاء إما بخير أو بشر، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تدعو على أنفسكم إلا بخير»، «لا تدعو على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: «اللهم اغفر لأبي سلمة»، دعا له، وهو المجاب الدعوة -عليه الصلاة والسلام-، «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته، اللهم وارفع درجته في المهديين»، في هذا منقبة لأبي سلمة، «واخلفه في عقبه» فيمن بقي بعده من زوجة وأولاد وأهله، «واخلفه في عقبه في الغابرين»، يعني الباقي بعده في الغابرين الباقين بعده.

 والفعل غَبر يستعمل في الباقي، هذا هو الأصل، وقد يُستعمَل في الماضي، ولذا يقول بعض اللغويين: هو من الأضداد، ولما طُبع كتاب العِبَر في خبر من غَبَر حصل كلام كثير حول هذه الكلمة، غبر هل هي غبر أو عبر؛ لأنه في الماضين، العبر للذهبي في خبر من غبر؛ لأنه في أخبار الماضين، فكيف يقال: غبر، والغابر الباقي، المفترض أن يقال في خبر من عبر، والتخريج على قول من يقول: غبر من الأضداد، كما تقال في الباقين، تقال أيضًا في الماضين. «واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، واغفر لنا وله يا رب العالمين»، وفي هذا أن الإنسان إذا دعا أن يبدأ لمن له عليه حق، ولجميع المسلمين، واغفر لنا، إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه، وبعض الناس يقول: دعاء الملك لي أفضل من دعائي لنفسي، فيقتصر على دعائه لغيره بظهر الغيب ليقول الملك: ولك بمثله، ويكتفي بهذا، نقول: ادع لنفسك، ويدعو لك الملك، ولا شك أن دعاء الإنسان لنفسه مع تأمين الملك على ذلك ودعاء الملك له إذا دعا لأخيه بظهر الغيب أفضل من أن يقتصر على واحد منها.

 واغفر لنا وله يا رب العالمين، الدعاء بهذا الاسم ربما من أسباب الإجابة، ما قال: واغفر لنا وله يا الله، قال: يا رب العالمين، فالدعاء بهذا الاسم من أسباب الإجابة، حتى قرر بعض أهل العلم أن من دعا بيا رب خمس مرات أجيب له، كما يدل على ذلك آخر سورة آل عمران لما كرر الدعاء بهذا الاسم ربنا خمس مرات قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [سورة آل عمران:195]، وفي الحديث: وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يقول: يا رب، يا رب، كلها من أسباب الإجابة، إطالة السفر، والشعث، ومد اليد، ورفع اليدين في الدعاء، والدعاء بيا رب، يا رب، وكلها من أسباب الإجابة، لكن هناك موانع تمنع الإجابة، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، ملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك، يعني استبعاد أن يستجاب له؛ لوجود المانع وإن وجدت الأسباب، وهنا قال: يا رب العالمين.

 وافسح له في قبره، القبر معروف أنه بقدر الجسم، بقدر الجسم من غير زيادة، لكنه يختلف من شخص إلى آخر، فإما أن يوسع له مد البصر، وإما أن يضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، ولذا دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي سلمة أن يفسح له في قبره، «وافسح له قبره»، أي وسعه عليه.

 ونوِّر له فيه، القبر ضيق ومظلم، مظلم، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ونوِّر له فيه»، قد يقول قائل: ما الذي يستفيده البدن الذي فارقته الروح، وذهب عنه الإحساس، وبعد مدة يسيرة ينقلب هذا الجسد إلى صديد ودود ويتحلل ويتفتت، ولا يبقى منه إلا عجب الذنب، ما الذي يستفيد؟

يستفيد؛ لأن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، والإحساس موجود؛ لأن البدن وإن فني فالروح باقية، وهي التي تعذب في البرزخ.

 ونور له فيه، وفي لفظ أو "في لفظه: «واخلفه في تركته، واخلفه في تركته»" يعني ما ترك، وقد أجاب الله -جل وعلا- دعاءه، وأي خلف خُلِفَه أبو سلمة أعظم من أن تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أم سلمة، وصار أولاد أبي سلمة أربابًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني الإنسان إذا مات أكثر ما يخشى على ما يتركه من زوجة وأولاد، يعني في المسائل التي نعاني منها التربية، كون الإنسان يحتاط لنفسه، ويتزوج امرأة صالحة من بيت صالح؛ لأنه إذا غاب، سافر أو مات فإن أصهاره يتولون تربية أولاده، لكن إذا تزوجت الأم من رجل صالح يرعاها، ويرعى أولادها، ويقوم على تربيتهم ورعايتهم فلا شك أن هذا من نعم الله -جل وعلا-، وأي رجل صالح أصلح ممن خلف أبا سلمة على زوجته وأولاده.

 واخلفه في تركته، حيث تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أم سلمة فصار خلفًا له، وأي خلف أعظم من ذلك.

 "رواه مسلم.

 وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سُجِّي ببُرْد حِبَرة"، حِبَرة بكسر الحاء بوزن عِنَبَة، يعني مخططًا بِبُرْد حِبَرة، حِبَرة على وزن عِنَبة، سُجِّي يعني غطي، فيسن تغطية الميت، ولا يترك مكشوفًا؛ لأن منظره لا شك أنه غير عادي، وغير طبيعي، فيتأثر به الرائي، نعم قد يعتبر به من يعتبر، لكن قد يخاف منه من يخاف؛ لأن الناس يتفاوتون، والنساء والصبيان الخوف والوجل عندهم سجية، وبعض الرجال الكبار قريب من النساء في هذا الباب.

 على كل حال إذا مات الميت يغطى ويسجى، وإن كان ببرد حبرة مخطط كما غطي النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أفضل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غُطِّي هنا قبل تغسيله، وغطي أيضًا قبل تكفينه، وأما تكفينه فبثلاثة أثواب بيض سحولية، على ما سيأتي، ثلاثة أثواب بيض سحولية، هذا رأي الجمهور، وإن كان رأي بعض أهل العلم أن يكفن بالحبرة، كما هنا، لكن هنا تسجية غير التكفين، هنا تسجية، وأما التكفي فسيأتي.

 "متفق عليه.

 وعن عائشة وابن عباس -رضي الله" ماذا عندكم؟

طالب: .............

لا، الصواب: عنهم، لماذا؟

طالب: .............

لأن عائشة وابن عباس وأباه، عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، يعني عن عمر وابنه، والعباس وابنه، وهنا ابن عباس، عبد الله بن عباس وعائشة "رضي الله عنهم" أن أبا بكر -رضي الله عنه- خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصديق، "أن أبا بكر -رضي الله عنه- قَبَّل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، رواه البخاري"، قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، هذا الخليفة الراشد أفضل الأمة بعد نبيها- عليه الصلاة والسلام-، ورضي الله عنه وأرضاه، قبَّل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في حال الوفاة لم يكن حاضرًا، في مال له خارج المدينة، فلما حضر وبلغته وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- حضر كشف البرد وقبَّله -رضي الله عنه وأرضاه، عليه الصلاة والسلام- "رواه البخاري"، ولا مانع من تقبيل الميت من أهله وذويه، لا مانع من ذلك.

 قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»" يعني هو مرتهَن بدينه، كما أن الغلام مرتهن بعقيقته، كذلك نفس المؤمن إذا مات مرتهنة ومعلَّقة بدينه حتى يقضى عنه، هذا إذا كان الدين والمال مال الغير أخذ على وجه شرعي إما بقرض أو دين، أو ما أشبه ذلك، أو سلم، إذا كان بطريق شرعي تكون النفس معلقة به، فكيف إذا كان هذا المال أخذ من صاحبه من غير وجه شرعي؛ إما بغصب أو ظلم أو سرقة أو ما أشبه ذلك، هذا الأمر أشد، فعلى الإنسان أن يسارع في إبراء ذمته، والدين شأنه عظيم، ولو كان يسيرًا لما قُدِّم الميت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليصلي عليه لما تقدم قال: هل عليه دَين؟ قالوا: نعم، ديناران، قال: «صلوا على صاحبكم، صلوا على صاحبكم»، لما ضمنها بعض الحاضرين تقدم النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى عليه، لكن هل تبرأ الذمة بمجرد الضمان؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لقيه من الغد قال: «ما فعل الديناران؟» قال: يا رسول الله، ما مضى وقت، فلما لقيه في اليوم الثاني قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ما فعل الديناران؟» قال: قضيتهما، قال: «الآن بردت جلدته»، فهو ضامن، الضامن غير المتحوِّل، الضامن غير المتحول، يعني تحول الدين إلى ذمته، فالضامن لا تبرأ ذمة المضمون إلا بالوفاء، أما إذا تحوله الإنسان وقبله نقله إلا ذمته تبرأ عهدة الميت منه المتحول عنه.

 الدين شأنه عظيم، والشهادة تكفِّر كل ذنب إلا الدين، والناس يتساهلون في أمر الدين، وتجد كثيرًا من الناس، نسبة كبيرة جدًّا من المسلمين تجدهم مدينين، ويتساهلون في هذا؛ لأن الوسائل يسرت لهم ذلك، يسرت لهم أسباب الدين والقروض والأقساط، وما أشبه ذلك، تجده في السابق لما كان أمر الدين ليس بالسهل ولا باليسير تجده يمضي حياته ولو كان عليه شيء من المشقة، لكنه لا يقدم على الدين؛ لعدم تيسر أسبابه، أما الآن فتجده يكلف نفسه، ويحمل نفسه ما لا تطيق، إذا أراد سيارة معه سيارة تكفيه وتكفي ولده، لكنها مضى عليها ثلاث سنوات يقول: ما له داعٍ، وأنا أجد سيارة جديدة من الوكالة، والمسألة مسألة أقساط، ألفان أو ثلاثة في الشهر.

 امرأة تقول عندها مبلغ من المال يبلغ مائتين وخمسين ألفًا، وتريد أن تشتري بيتًا وهي مدرسة تقول: إنها وجدت بيتًا مناسبًا تدفع المائتين والخمسين، والباقي أقساط مدة ستة عشر عامًا، كل شهر خمسة آلاف، من يضمن لها أن تعيش ستة عشر عامًا وهي تجد بالمائتين والخمسين بيتًا مع ما تتحمله من أقساط الصندوق، صندوق التنمية بمعدل تسعمائة ريـال في الشهر لمدة لمدة يسيرة، أقل من خمسة آلاف في كل شهر لمدة ستة عشر عامًا، ومن مائتين وخمسين ألفًا، الأمر أهون من ذلك.

 «كن في الدنيا» ليس على بالنا، ولا يخطر على بالنا مثل هذا الحديث، «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، ابن عمر ماذا فعل في بيته في بضعة أيام بنى البيت، والناس إلى عهد قريب لما فتحت الدنيا تغيرت الأحوال، وكان الناس إذا كان عند أحدهم بناء بيت أو بعض بيت تهدم وقف بباب المسجد وقال: أعان الله من يعين، وهذا لبن، وهذا طين، وهذا يجيء بماء، وهذا كذا، وينتهي البيت في يوم أو يومين، لكن الآن نحتاج إلى أن ننتظر البناء ثلاث سنين أو سنتين، أو أقل أو أكثر، وننتظر السداد في ربع قرن، هذا الذي ما يتكلف يفعل هذا وإلا فبعض الناس مثل ما سمعنا مثل هذه المرأة خمسة آلاف شهريًّا، يعني صندوق التنمية يعني ميسر، اثنا عشر ألفًا على مدى خمس وعشرين سنة، بمعدل ألف شهريًّا، وإذا كان التسديد منتظمًا فأقل من عشرة آلاف مع التخفيض, لكن هذه خمسة آلاف شهريًّا.

 يعني صار الناس ما يبالون بأمر الدين، يركب السيارة قيمتها ثلاثمائة ألف، وكلها أقساط لسنين عديدة من أجل إيش؟ من أجل إيش؟ من أجل أن يقال: معه سيارة فخمة، نعم غوغاء الناس ورعاعهم يهتمون بمثل هذه الأمور، وتجدهم يجتمعون عليها، وبعضهم يصوِّر بجوارها، وتحسن إليه إذا قلت: اركب وصور نفسك وأنت داخل السيارة، كما يفعل بعضهم، يعني هل هذا من الأهداف ومن المقاصد الذي يلاحظ الهدف الذي من أجله خلق هذه صارت أهدافًا من أهداف خير أمة أخرجت للناس؟!

الله المستعان، الناس لهم مقاصد، والأمور بمقاصدها، من تكلف بعض هذه الأمور تجد بعض الناس يشتري السيارة بالمبلغ الكبير لهدف، والهدف يختلف من شخص إلى آخر، منهم من همه الدنيا، من همه الدنيا، فتجده إذا تعاطى بعض الأسباب التجارية وسيارته فخمة أحسن بعض الناس به الظن، وتعاملوا معه على حسن هذا الظن، ومكنوه من أموالهم، وجعلوه وسيطًا بينهم وبين التجار، هذا حاصل أم ليس بحاصل؟ لكن لو ركب سيارة متواضعة ما أحسنوا به الظن، وهذا هدف بعضهم، نسأل الله السلامة والعافية، يقتنص بهذه السيارة الفخمة بعض الأمور المحرمة، ولا نريد أن نصرح ببعض الأشياء، وبعضهم يزاول بها ما يعينه على الدعوة يقول: كانت معه سيارة متواضعة، ويوزع أشرطة ومطويات، إذا أقبل على الشباب في تجمعاتهم نفروا منه، وما قبلوا، فذهب واشترى سيارة فخمة بثلاثمائة ألف، فإذا وقف في مجتمع هؤلاء الشباب اجتمعوا عليه، ووزع عليهم وهو مرتاح، لا شك أن الأمور تختلف باختلاف المقاصد، فهذا نرجو له الأجر والمثوبة من الله -جل وعلا-، إذا كان هذا هو الهدف الباعث عليه، ولا نظن به إلا هذا.

 «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»، فعلى الإنسان أن يبادر ويسارع في قضاء دينه، ويتولى ذلك بنفسه؛ لئلا ترتهن نفسه، ويكون تحت رحمة أولاده أن يقضوا دينه من ماله، فكيف إذا كان دينه يقضى من مال غيره؟".

 رواه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى وحسنه".

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا يقول: هل وساوس النفس تؤثر على العمل الصالح؟

الوساوس من الخطرات والهواجس وحديث النفس هذه كلها معفو عنها، كلها معفو عنها ما لم يتحدث الإنسان أو يعمل، ما لم يتحدث الإنسان أو يعمل، فإذا تحدث بها أو عمل بها فإنه يؤاخذ بكلامه وفعله.

يقول: هل الخوف والرجاء فقط؟! ثم قال: وهل تحقيق التوحيد يدخل الجنة؟ وما الأعمال التي يبتغي بها مرضاة الله؟.. والله ليس بواضح..! واشرح لنا الأعمال الصالحة..

ما هذا؟!

هذا سؤال طويل!

لا شك أن من حقق التوحيد دخل الجنة، من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، لكن معنى تحقيق التوحيد تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك الأكبر، والأصغر، والبدع، والمعاصي، فإذا حصل تحقيقه.. إذا حصل تحقيق التوحيد، حصل الموعود- إن شاء الله تعالى-نعم.

يقول: السَّوق صيف المزرعة.. من المبلغ الذي استلمت أو من التمر؟

 وما هو الفضل؟

أنا أظن أنه يريد الزكاة، يعني زكاة التمر هل هي من جنسه، من عينه، أو من ثمنه إذا باعه؟ الأصل أن الزكاة تتعلق بعين المال، بعين المال، فتخرج زكاته منه، تخرج زكاته منه، لكن إذا باعه قبل جذاذه فإنه يخرج الزكاة من قيمته.

يقول: في بلادنا غالبية الشركات والبنوك بعد وفاة الأشخاص المطلوبين لديها يسقط هذا الدين، هل تبرأ ذمته؟

نعم، تبرأ ذمته، إذا عفا الدائن بطوعه واختياره، فإنه تبرأ ذمته من الدين.