التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحزاب (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلّ الله وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

نعم.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}.

 قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} أَيْ عَهْدَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا حُمِّلُوا، وَأَنْ يُبَشِّرَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَيُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَيْ كَانَ مَسْطُورًا حِينَ كَتَبَ اللَّهُ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَحِينَ أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوَاثِيقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَمِنْكَ يَا مُحَمَّدُ {وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}".

هذا من عطف الخاص على العام { أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ}، {وَمِنْكَ} وبقية الخمسة، وعطف الخاص على العام أو العكس عطف العام على الخاص، كل هذا الاهتمام بشأن الخاص والعناية بهم، وإلا فقد دخل هؤلاء الخمسة باللفظ العام من النبيين، وكرروا لمزيد من الاهتمام بهم، خُص هؤلاء الخمسة في مواضع؛ لأنهم كما قال أهل العلم: هم أولو العزم من الرسل.

 "وَإِنَّمَا خُصَّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ وَإِنْ دَخَلُوا فِي زُمْرَةِ النَّبِيِّينَ تَفْضِيلًا لَهُمْ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الشَّرَائِعِ وَالْكُتُبِ، وَأُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَأَئِمَّةُ الْأُمَمِ. وَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَعْظِيمًا فِي قَطْعِ الْوَلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ، أَيْ هَذَا مِمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ الشَّرَائِعُ، أَيْ شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-. أَيْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ تَوَارُثٌ بِالْهِجْرَةِ، وَالْهِجْرَةُ سَبَبٌ يُتأَكَّدٌ فِي الدِّيَانَةِ".

مُتَأَكَّدٌ.

"وَالْهِجْرَةُ سَبَبٌ مُتَأَكَّدٌ ٌ فِي الدِّيَانَةِ، ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْقَرَابَةِ مَعَ الْإِيمَانِ وَهُوَ سَبَبٌ وَكِيدٌ، فَأَمَّا التَّوَارُثُ بَيْنَ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي دِينِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقُ، فَلَا تُدَاهِنُوا فِي الدِّينِ وَلَا تُمَالِئُوا الْكُفَّارَ. وَنَظِيرُهُ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} إِلَى قَوْلِهِ :{وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه}".  

يعني نظيره في اجتماع الخمسة.

"وَمِنْ تَرْكِ التَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ تَرْكُ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: أَيِ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا وَمَأْخُوذًا بِهِ الْمَوَاثِيقُ مِنَ الْأَنْبِيَاء. {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} أَيْ عَهْدًا وَثِيقًا عَظِيمًا عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا التزموا مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَأَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى".

الميثاق هو العقد والعهد الموثق باليمين.

 "فَالْمِيثَاقُ الثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ بِالْيَمِينِ. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي فِي أَمْرِ النُّبُوَّةِ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى".

كل شيء يُؤكد باليمين تزداد عظمته، فالإنسان إذا وعد وفي نيته عدم الخُلف، فإذا لم يتمكن أو رجع في وعده، لا يلام، لكن إن اقترن ذلك باليمين والعهد، فليس له أن يرجع، فإن رجع فحينئذٍ يدخل في قول الله –جل وعلا-:

{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ}[التوبة:75]، فعاقبهم بالنفاق في قلوبهم، نسأل الله السلامة والعافية.

 ولو أن شخصًا قال: إذا جاء الراتب أتصدق بمائة بمائتين، ثلاثمائة، فهذا لو أخلف ولم يعطِ ما يضره هذا، لكنه مع ذلك ليس بنذر، النذر يجب عليه الوفاء به، لكن إن حدَّث نفسه أو تكلم في مجلس أو شيء من ذلك إذا طلع الراتب أو وعد إنسانًا، فهذا ليس مثل المقرون باليمين أو النذر، واليمين أشدها، والعهد مع اليمين هذا أمره عظيم، لذا جاء في مثل هذه السورة على ما ذكرنا {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:77]، أيضًا العقود إذا أكدت بالأيمان زاد تعظيمها، وضوعف الإثم على مخالفها، ومن الأيمان المؤكدة والشهادت المؤكدة بالأيمان شهادات اللعان لعظم شأنه، لعظم شأنه، فهذا العهد والميثاق إذا أُكِّد باليمين زاد شأنه وعظم أمره.

 طالب:.................

هذا عهد، لكن النذر إن شفى الله مريضي فعلت كذا.

طالب:........................

هذه زيادة، زيادة في تأكيده، زيادة في تأكيد العهد، شأنه عظيم.

طالب:..................

الأصل فيها، الأصل فيها.

"وَقِيلَ: الْأَوَّلُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي فِي أَمْرِ النُّبُوَّةِ. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} الْآيَةَ. أَيْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْلِنُوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَيُعْلِنُ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ. وَقَدَّمَ مُحَمَّدًا فِي الذِّكْرِ؛ لِمَا رَوَى قَتَادَةُعَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}  قَالَ: «كُنْتُ أَوَّلَهُمْ فِي الْخَلْقِ، وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ» .وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا فِي ظَهْرِ آدَمَ -عليه الصلاة والسلام-".   

هذا من رواية الحسن عن أبي هريرة، من رواية الحسن عن أبي هريرة، والحسن مدلس تدليسًا شديدًا، ولم يصرح بالتحديث، والخلاف معروف في سماعه من أبي هريرة بين أهل العلم، هل سمع مطلقًا، وما سمع أبا هريرة، وإن كان الحسن قد قال: حدثنا أبي هريرة، يعني حدث أهل المدينة وهو فيها، فهذا من تدليسه -رحمه الله-. ماذا عندك؟

طالب: .......................

بلا شك، أولهم في الخلق، أولهم آدم، ثم تتابعت ذريته إلى أن وصلت النوبة إلى محمد -عليه الصلاة والسلام-. نعم.

طالب:....................

 عدم ذكره  هو مر على الأنبياء في السموات، وكل سماء رأى فيها من رأى، ولا يعني أنه لا يوجد هناك أنه لا يلزم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ}  فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لِيَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ عَنْ تَبْلِيغِهِمُ الرِّسَالَةَ إِلَى قَوْمِهِمْ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ، أَيْ إِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُسْأَلُونَ، فَكَيْفَ مَنْ سِوَاهُمْ؟

 الثَّانِي: لِيَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ عَمَّا أَجَابَهُمْ بِهِ قَوْمُهُمْ، حَكَاهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى.

 الثَّالِثُ: لِيَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- عَنِ الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ، حَكَاهُ ابْنُ شَجَرَةَ. 

الرَّابِعُ: لِيَسْأَلَ الْأَفْوَاهَ الصَّادِقَةَ عَنِ الْقُلُوبِ الْمُخْلِصَةِ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}".

يعني الأوجه الثلاثة، حامل للصادقين وهو من ألفاظ العموم يشمل جميع من اتصف بالصدق، حملهم على الأنبياء، لأنهم رأس الصادقين والصديقين، شهد لهم الله -جل وعلا- بالصدق، فيكون من إرادة الخاص بلفظ العام، والقول الرابع هو يجمع الأقوال كلها ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة، وفي التنزيل يعني في القرآن {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف:6]، كلٌّ يُسأل، المرسلون يُسئلون، والذين أُرسل إليهم يُسألون أيضًا، وهذا أشمل وأعم، وتفسير القرآن بالقرآن أولى ما يُفسَّر به.

طالب:.......................

لا، كيف عن سبب صدقهم؟

طالب:.................

كلٌّ يُسأل، يقرر بحسناته ويثاب عليها، ويُسأل عن سيئاته ويعاقب عليها، وأما الصادقون فأخص ما فيهم هذا الوصف الذي هو الصدق.

"وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: فَائِدَةُ سُؤَالِهِمْ تَوْبِيخُ الْكُفَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:  {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ}[المائدة:116]. {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّم. 

قوْلُهُ تَعَالَى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } يَعْنِي غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ وَالْأَحْزَابِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ حَالًا شَدِيدَةً مُعَقَّبَةً بِنِعْمَةٍ وَرَخَاءٍ وَغِبْطَةٍ، وَتَضَمَّنَتْ أَحْكَامًا كَثِيرَةً وَآيَاتٍ بَاهِرَاتٍ عَزِيزَةً، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَكْفِي فِي عَشْرِ مَسَائِلَ".

هذه نتائج المحن مع الصبر والاحتساب والإخلاص لله -جل وعلا-، تكون عواقبها حميدة، وبدلًا من أن تكون محنًا تكون منحًا، غزوة الأحزاب من أشق الغزوات على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم بعد ذلك في النهاية أعقبها النعمة والرخاء والغبطة والارتياح وما أشبه ذلك.
"الْأُولَى: اخْتُلِفَ فِي أَيِّ سَنَةٍ كَانَتْ، فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:  كَانَتْ فِي شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍرَحِمَهُ اللَّهُ-: كَانَتْ وَقْعَةُ الْخَنْدَقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَهِيَ وَبَنُو قُرَيْظَةَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ أَرْبَعُ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْقِتَالِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر}، قَالَ: ذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ، جَاءَتْ قُرَيْشٌ مِنْ هَاهُنَا وَالْيَهُودُ مِنْ هَاهُنَا وَالنَّجْدِيَّةُ مِنْ هَاهُنَا".

معرفة التاريخ بالنسبة لغزوة الخندق مهم، مهم جدًّا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخَّر الصلوات في غزوة الخندق، يعني صلاها بعد غروب الشمس كلها، وفي غزوة ذات الرقاع صلى صلاة الخوف، وعلى قول جمهور أهل السير أن غزوة الخندق متأخرة عن غزوة ذات الرقاع، فلماذا أخَّر الصلوات ولم يصلِّ صلاة الخوف؟ قال بعضهم: لأن صلاة الخوف لا تُشرع في الحضر، وإنما تُشرع في السفر، لكن الذي قرَّره الإمام البخاري، ورجَّحه ابن القيم أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد الخندق، وأن صلاة الخوف تُفعل في السفر والحضر، إذا قام سببها. نعم.

  "يُرِيدُ مَالِكٌ: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُم ْقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ. 

وَكَانَ سَبَبُهَا: أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّونَ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو عَمَّارٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمْ كُلُّهُمْ يَهُودُ، هُمُ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ، وَأَلَّبُوا وَجَمَعُوا، خَرَجُوا فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، فَأَتَوْا مَكَّةَ فَدَعَوْا إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَوَاعَدُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِعَوْنِ مَنِ انْتَدَبَ إِلَى ذَلِكَ، فَأَجَابَهُمْ أَهْل ُمَكَّةَ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ الْيَهُودُ الْمَذْكُورُونَ إِلَى غَطَفَانَ فَدَعَوْهُمْ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَأَجَابُوهُمْ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ يَقُودُهُمْ أَبُو سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ وَقَائِدُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ عَلَى فَزَارَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُرِّيُّ عَلَى بَنِي مُرَّةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ عَلَى أَشْجَعَ . فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِاجْتِمَاعِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ فَرَضِيَ رَأْيَهُ. وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَئِذٍ: سَلْمَانُ مِنَّا. وَقَالَ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ». وَكَانَ الْخَنْدَقُ أَوَّلَ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ سَلْمَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حُرٌّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا بِفَارِسَ إِذَا حُوصِرْنَا خَنْدَقْنَا، فَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْخَنْدَقِ مُجْتَهِدِينَ، وَنَكَصَ الْمُنَافِقُونَ".

ولهذا يقرِّر أهل العلم أنه لا مانع من الإفادة من الأمم الأخرى ولو كانت كافرة فيما ينفع من أمور الدنيا، من أمور الدنيا، والأسباب والاحتياطات لا شك أنها لا تدخل في العبادات.

" وَنَكَصَ الْمُنَافِقُونَ، وَجَعَلُوا يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا فَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ. وَكَانَ مَنْ فَرَغَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حِصَّتِهِ عَادَ إِلَى غَيْرِهِ، حَتَّى كَمَلَ الْخَنْدَقُ. وَكَانَتْ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ وَعَلَامَاتٌ لِلنُّبُوَّاتِ.

 قُلْتُ: فَفِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْفِقْهِ وَهِي: الثَّانِيَةُ: مُشَاوَرَةُ السُّلْطَانِ أَصْحَابَهُ وَخَاصَّتَهُ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ، وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي (آلِ عِمْرَانَ، وَالنَّمْلِ). وَفِيهِ التَّحَصُّنُ مِنَ الْعَدُوِّ بِمَا أَمْكَنَ مِنَ الْأَسْبَاب  وَاسْتِعْمَالُهَا،  وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَفِيهِ أَنَّ حَفْرُ الْخَنْدَقِ يَكُونُ مَقْسُومًا عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ فَرَغَ مِنْهُمْ عَاوَنَ مَنْ لَمْ يَفْرُغْ، فَالْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَال:َ « لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ»، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَيَقُولُ :

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا"

وهكذا القدوة في الإسلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومن بعده من الخلفاء والملوك وغيرهم، المقصود أن ممن يُقتدى به يجب عليه أن يكون أول من يعمل، هذا شأنه وديدنه -عليه الصلاة والسلام- وخلفاؤه من بعده، يعمل قبل الناس؛ لأن الأمر المجرد الانصياع إليه فيه ثِقل، بخلاف ما إذا اقترن بالعمل، فإذا كان الآمر أول من يبادر تبعه الناس، ولذا في حجة الوداع لما طمس معالم الجاهلية، وألقى الربا، وأهدر الدماء، قال: أول ربا نضعه ربانا ربا العباس، وأول دم دم ابن ربيعة، وهو منهم، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، بخلاف ما إذا أمر الناس، وخالف الأمر بنفسه، أو لم يأتمر هو، أو ترك بعض الناس يأتمرون، وسمح لبعض الناس، مثل هذا لا شك أنه يوجد الاضطراب في الامتثال، يوجد الاضطراب في الامتثال.

 وعلى كل حال من يتدين بالدين عليه أن يمتثل إذا أمره ولي الأمر، يجب عليه أن يمتثل، ولو وجد من يخالف سواءٌ كان ولي الأمر نفسه أو غيره، إنما عليه أن يأتي بما أُمر به، إبراءً لذمته وحرصًا على أداء ما عليه، ولا عليه من الآخرين.

"وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ: فَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سُكَيْنَةَ رَجُلٌ مِنَ الْمُحَرَّرِينَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ نَاحِيَةَ الْخَنْدَقِ وَقَال: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا} الْآيَةَ، فَنَدَرَ ثُلُثُ الْحَجَرِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ قَائِمٌ يَنْظُرُ، فَبَرَقَ مَعَ ضَرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَرْقَةً، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِيَةَ وَقَالَ: وَتَمَّتِ الْآيَةَ، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْآخَرُ، فَبَرَقَتْ بَرْقَةً فَرَآهَا سَلْمَان، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا} الْآيَةَ، فَنَدَرَ الثُّلُثُ الْبَاقِي، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَجَلَسَ. قَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ حِينَ ضَرَبْتَ! مَا تَضْرِبُ ضَرْبَةً إِلَّا كَانَتْ مَعَهَا بَرْقَةٌ؟ فقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: رَأَيْتَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ فَقَالَ: أَيْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَإِنِّي حِينَ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الْأُولَى رُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ كِسْرَى، وَمَا حَوْلَهَا وَمَدَائِنُ كَثِيرَةٌ حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ قَالَ لَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُول اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا، وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ قَيْصَرَ وَمَا حَوْلَهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَفْتَحَهَا عَلَيْنَا، وَيُغَنِّمَنَا ذَرَارِيَّهُمْ، وَيُخَرِّبَ بِأَيْدِينَا بِلَادَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ ضَرَبْتُ الضَّرْبَةَ الثَّالِثَةَ، فَرُفِعَتْ لِي مَدَائِنُ الْحَبَشَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى حَتَّى رَأَيْتُهَا بِعَيْنَيَّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ: دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ، وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ».

 وَخَرَّجَهُ أَيْضًا عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: « لَمَّا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَلْقَى ثَوْبَهُ وَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الصَّخْرَةِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ إِلَى قُصُورِهَا الْحَمْرَاءِ الْآنَ مِنْ مَكَانِي هَذَا، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ فَكَسَرَ ثُلُثًا آخَرَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ. ثُمَّ ضَرَبَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ فَقَطَعَ الْحَجَرَ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيَتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ بَابَ صَنْعَاءَ». صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ. 

قال عنه شيئًا؟

طالب:...........................

الثاني؟

طالب: ...........................

هو شاهد الذي قبله، حديث البراء شاهد الحديث الذي قبله.

طالب:...........................

 «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ»، حسن في أقل الأحوال، ماذا قال عنه؟

ما خرجوه؟

طالب: .......................

لا، الحديث بطوله فيه ما فيه، لكن هذه الجملة لها شواهد.

طالب: .......................

دعوا، دعوا، اتركوهم، اتركوهم ما تركوكم.

طالب:.....................

هذا، إضافة تشريف، أما النسب فلا.

طالب: .......................

ماذا يقول؟

طالب:.....................

هذا ضعيف، السند هذا ضعيف، لكن يبقى أن «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ»، له شواهد، والحديث بطوله ضعيف.

طالب:...............

يصل، يصل، يصل.

طالب:.................

قطرٌ أعم وأشمل، الترك يُطلقون على شعب من شعوب كثيرة، يعني يدخل فيهم شرق آسيا أيضًا.

طالب:......................

نعم، النبي-عليه الصلاة والسلام- له مسرُبة دقيقة في صدره، هكذا جاء في وصفه، وجاء في وصفه أنه أشعر يعني كثير الشعر -عليه الصلاة والسلام-، يعني في مواضع أخرى.

طالب:.........................

لا لا، الحاكم ما هو مثل الشاعر لا، الراوي ليس بشاعر.

طالب: .........................

قد تكون، يمكن أن تكون من قوله أو من قول غيره.

طالب: أقصد طريقة الأداء ...

لا شك أنها مع تحسين الصوت كالإنشاد كأنشد.

طالب:.........................

اتركوهم لا تحارجوهم.

طالب:.....................

لا، في حال الضعف اتركوهم ما تركوكم، كذلك الترك.

طالب:.................

على كل حال اللفظ أعم مما تذكر، يعني في حال الضعف اتركوا الحبشة، واتركوا الترك إلى أن تقووا على مقاتلتهم وجهادهم.

"الرَّابِعَةُ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ فِي نَحْوِ عَشَرَةِ آلَافٍ بِمَنْ مَعَهُمْ مِنْ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَة، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَان ُبِمَنْ مَعَهَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ حَتَّى نَزَلُوا إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى نَزَلُوا بِظَهْرِ سَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَضَرَبُوا عَسْكَرَهُمْ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ، وَخَرَجَ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّضَرِيُّ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ، وَكَانَ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَرَئِيسَهُمْ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَاهَدَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ بَابَ حِصْنِهِ، وَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ لِي يَا أَخِي، فَقَالَ لَهُ: لَا أَفْتَحُ لَكَ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ مَشْئُومٌ، تَدْعُونِي إِلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ، وَأَنَا قَدْ عَاقَدْتُهُ وَعَاهَدْتُهُ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا وَفَاءً وَصِدْقًا، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقَالَ حُيَيُّ: افْتَحْ لِي حَتَّى أُكَلِّمَكَ وَأَنْصَرِفَ عَنْكَ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنَّمَا تَخَافُ أَنْ آكُلَ مَعَكَ جَشِيشَئكَ".

جَشِيشَتَكَ

جَشِيشَتَكَ؟

نعم.

طالب:....................

"فَقَالَ: إِنَّمَا تَخَافُ أَنْ آكُلَ مَعَكَ جَشِيشَئكَ".

جَشِيشَتَكَ.

جَشِيشَتَكَ.

الجشيش مستعمل لفظ مستعمل، طعام مثل الجريش إلا أنه أخف منه.

" فَغَضِبَ كَعْبٌ وَفَتَحَ لَهُ، فَقَالَ: يَا كَعْبُ! إِنَّمَا جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ وَسَادَتِهَا، وَغَطَفَانَ وَقَادَتِهَا، قَدْ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: جِئْتَنِي وَاللَّهِ بِذُلِّ الدَّهْرِ وَبِجَهَامٍ لَا غَيْثَ فِيهِ! وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ؟ دَعْنِي، فَلَسْتُ بِفَاعِلٍ مَا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حُيَيُّ بِكَعْبٍ يَعِدُهُ، وَيَغُرُّهُ، حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ، وَعَاقَدَهُ عَلَى خِذْلَانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ، وَأَنْ يَسِيرَ مَعَهُمْ، وَقَالَ لَهُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ: إِنِ انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ  وَغَطَفَانُ دَخَلْتُ عِنْدَكَ بِمَنْ مَعِي مِنَ الْيَهُودِ. فَلَمَّا انْتَهَى خَبَرُ كَعْبٍ وَحُيَيٍّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَج، وَسَيِّدَ الْأَوْسِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَبَعَثَ مَعَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «انْطَلِقُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنْ كَانَ مَا قِيلَ لَنَا حَقًّا فَالْحَنُوا لَنَا لَحْنًا، وَلَا تَفُتُّوا فِي أَعْضَادِ النَّاسِ".

يعني أعطونا إشارة، لا تُصرحوا بحيث يسمع الناس فينخذلون.

"وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنَّاسِ»".

نعم، إذا كان كذبًا، هذا لا شك أنه يشجع الناس إذا كان كذبًا.

 "فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا قِيلَ لَهُمْ عَنْهُمْ، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالُوا: لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَنَا، فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَتْ فِيهِ حِدَّةٌ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: دَعْ عَنْكَ مُشَاتَمَتَهُمْ، فَالَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَكْبرُ مِنْ ذَلِكَ".

يعني المسألة ليست مسألة كلام، مسألة قتل إن ظُفر بهم بعد أن نقضوا العهد.

" ثُمَّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَا: عَضَلٌ وَالْقَارَةُ، يُعَرِّضَانِ بِغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ»، وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَتَى الْمُسْلِمِينَ عَدُوُّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، يَعْنِي مِنْ فَوْقِ الْوَادِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، حَتَّى ظَنُّوا بِاللَّهِ الظُّنُونَ، وَأَظْهَرَ الْمُنَافِقُونَ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُسِرُّونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ، فَلْنَنْصَرِفْ إِلَيْهَا، فَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْهَا، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ  وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَعِدُنَا مُحَمَّدٌ أَنْ يَفْتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ يَذْهَبُ إِلَى الْغَائِطِ!".

يعني إلى مكان مطمئن منخفض ليقضي حاجته، نعم.

" وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إِلَّا الرَّمْيَ بِالنَّبْلِ وَالْحَصَى. فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبَلَاءُ بَعَثَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ الْمُرِّيِّ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ لِيَنْصَرِفَا بِمَنْ مَعَهُمَا مِنْ غَطَفَانَ وَيَخْذُلَا قُرَيْشًا وَيَرْجِعَا بِقَوْمِهِمَا عَنْهُمْ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مُرَاوَضَةً وَلَمْ تَكُنْ عَقْدًا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ أَنَابَا وَرَضِيَا أَتَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا وَاسْتَشَارَهُمَا فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَمْرٌ تُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ لَكَ، أَوْ شَيْءٌ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ فَنَسْمَعُ لَهُ وَنُطِيعُ، أَوْ أَمْرٌ تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَمْرٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَصْنَعُهُ إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ، وَمَا طَمِعُوا قَطُّ أَنْ يَنَالُوا مِنَّا ثَمَرَةً إِلَّا شِرَاءً أَوْ قِرى، فَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزَّنَا بِك نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ! فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ وَقَالَ: أَنْتُمْ وَذَاكَ. وَقَالَ لِعُيَيْنَةَ وَالْحَارِثِ: انْصَرِفَا فَلَيْسَ لَكُمَا عِنْدَنَا إِلَّا السَّيْفَ. وَتَنَاوَلَ سَعْدٌ الصَّحِيفَةَ وَلَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَمَحَاهَا".

المسألة مسألة مراودة، ما بعد تم عقد، لم يتم العقد من قبل الطرفين، ولم يُشهد عليه، هي مسألة مراوضة ومفاوضة، يعني ما صار شيء، هذا إذا كان قد كُتب بصحيفة، فالكتابة إنما تكون بعد تمام العقد، ماذا يقول عن هذا؟

طالب: .......................

ما ذكر شيئًا؟

طالب: .......................

هي علامة من أخبار التاريخ هذا، وأخبار التاريخ والسير ما يهتمون بها.

طالب:..........................

نعم.

طالب:....................

الأصل فيها الكلام، الإيجاب والقبول، هذا الأصل، والكتابة سنة.

طالب:..........................

خلاص، أو بيعة.

طالب:........................

ما يستطيع أن يرجع، اشتريت أنت من شخص أرضًا، قلت له: بكام الأرض؟، قال: بمليون، فاشتريت، وكتبت شيك وما لك رصيد، راح للبنك وما لقى رصيد، يستطيع يرجع ولا ما يستطيع؟  ما يستطيع يرجع، الأرض لك خلاص، أو الأرض لك لا يستطيع أن يرجع ثم عليه أن يطالبك بالثمن.

طالب:....................

نعم.

طالب:.....................

ماذا فيه؟

طالب:........................

 ذُكر المنافقين حتى إنه ذُكر ممن استهزأ وسخر، وعلى كل حال مسائل الاختلاف في الأسماء وتصحيف بعض الأسماء إلى بعض، ساقهم البخاري، هل هو معهم؟! أبدًا، راجع  راجع الصحيح، راجع صحيح البخاري وانظر هو معهم أم لا؟

طالب: .......................

نعم.

"الْخَامِسَةُ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى حَالِهِمْ، وَالْمُشْرِكُونَ يُحَاصِرُونَهُمْ وَلَا قِتَالَ بَيْنَهُمْ، إِلَّا أَنَّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيُّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْب، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيُّ، وَكَانُوا فُرْسَانَ قُرَيْشٍ وَشُجْعَانَهُمْ، أَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ، مَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا. ثُمَّ تَيَمَّمُوا مَكَانًا ضَيِّقًا مِنَ الْخَنْدَقِ، فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمْ، وَجَاوَزُوا الْخَنْدَقَ وَصَارُوا بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَبَيْنَ سَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَيْهِمُ الثُّغْرَةَ الَّتِي اقْتَحَمُوا مِنْهَا، وَأَقْبَلَتِ الْفُرْسَانُ نَحْوَهُمْ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قد  أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا، وَأَرَادَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَنْ يُرَى مَكَانُهُ، فَلَمَّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ، نَادَى: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرُو، إِنَّكَ عَاهَدْتَ اللَّهَ فِيمَا بَلَغَنَا أَنَّكَ لَا تُدْعَى إِلَى إِحْدَى خَلَّتَيْنِ إِلَّا أَخَذْتَ إِحْدَاهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ. قَالَ: فَأَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ لِمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِيكَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ. فَحَمِيَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، فَعَقَرَهُ وَصَارَ نَحْوَ عَلِيٍّ، فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا وَثَارَ النَّقْعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى حَالَ دُونَهُمَا".

النقع: الغبار، نعم.

 "فَمَا انْجَلَى النَّقْعُ حَتَّى رُئِيَ عَلِيٌّ عَلَى صَدْرِ عَمْرٍو يَقْطَعُ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ عَلِيٌّ اقْتَحَمُوا بِخَيْلِهِمُ الثُّغْرَةَ مُنْهَزِمِينَ هَارِبِينَ. وَقَالَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- فِي ذَلِكَ:

نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ
 

وَنَصَرْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ بِضِرَابِ
  

نَازَلْتُهُ فَتَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا
 

كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكٍ وَرَوَابِي
  

وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوَ انَّنِي
 

كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِي أَثْوَابِي
  

لَا تَحْسِبُنَّ اللَّهَ خَاذِلَ دِينِهِ
 

وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ
  

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ يَشُكُّ فِيهَا لِعَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَلْقَى عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ رُمْحَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ عَنْ عَمْرٍو، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:

فَرَّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ""
  

 بعض النسخ يقول أكثر أهل العلم بالشعر، يشك في نسبة هذه القصيدة لعلي -رضي الله عنه-.

"فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:

فَرَّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ
 

لَعَلَّكَ عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلِ
  

وَوَلَّيْتَ تَعْدُو كَعَدْوِ الظَّلِ ( )
 

يمِ مَا إِنْ تَجُورُ عَنِ الْمَعْدِلِ
  

وَلَمْ تُلْقِ ظَهْرَكَ مُسْتَأْنِسًا
 

كَأَنَّ قَفَاكَ قَفَا فُرْعُلِ
  

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُرْعُلٌ: صَغِيرُ الضِّبَاعِ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ، وَأُمُّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا، وَعَلَى سَعْدٍ دِرْعٌ مُقَلِّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ وَهُوَ يَقُولُ:

لَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقُ الْهَيْجَا جَمَلْ
 

لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا كَانَ الْأَجَلْ
  

  وَرُمِيَ يَوْمَئِذٍ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ رَمَاهُ، فَقِيلَ: رَمَاهُ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ ابْنُ الْعَرِقَةِ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَلَمَّا أَصَابَهُ قَالَ لَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي رَمَاهُ خَفَاجَةُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ حِبَّانٍ. وَقِيلَ: بَلِ الَّذِي رَمَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ.

 وَلِحَسَّانَ مَعَ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَبَرٌ طَرِيفٌ يَوْمَئِذٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ. قَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنها-: كُنَّا يَوْمَ الْأَحْزَابِ فِي حِصْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَسَّانُ مَعَنَا فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ".

لأنه يوصف -رضي الله عنه وأرضاه- بالجبن، حسان مع كونه شاعر النبي -عليه الصلاة والسلام- والشعر يحتاج إلى شجاعة، لأنه يُعرّض نفسه لهجاء الناس فيتعرض لما يتطلب الشجاعة، وهم وصفوه بالجبن، والقصة تُسمع.

"وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ لَا يَسْتَطِيعُون  الِانْصِرَافَ إِلَيْنَا، فَإِذَا يَهُودِيٌّ يَدُورُ، فَقُلْتُ لِحَسَّانَ: انْزِلْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! فَأَخَذت عَمُودًا".

فأخذتْ، فأخذتْ.

" فَأَخَذْتْ عَمُودًا وَنَزَلْتُ مِنَ الْحِصْنِ فَقَتَلْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا حَسَّانُ، انْزِلْ فَاسْلُبْهُ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهُ إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ. فَقَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ حَاجَةٌ يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ!"

يعني لا يصير حيًّا بعدما مات، -رضي الله عنه وأرضاه-.

 على كل حال الشجاعة أحيانًا ما تكون في الفؤاد، أحيانًا تكون باللسان، وأحيانًا تكون في البدن، ولكل إنسان ما يُكتب له من نصيبه منها.

 "قَالَتْ: فَنَزَلْتُ فَسَلَبْتُهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا عَنْ حَسَّانَ جَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَقَالُوا: لَوْ كَانَ فِي حَسَّانَ مِنَ الْجُبْنِ مَا وَصَفْتُمْ لَهَجَاهُ بِذَلِكَ الَّذِينَ كَانَ يُهَاجِيهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَهُجِيَ بِذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يُهَاجِي النَّاسَ مِنْ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ، مِثْلَ النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ". 

على كل حال هجاء الناس يحتاج إلى شجاعة، والذي تجد من عنده شيء من الجبن لا يستطيع أن ينطق ولا بكلمة حق، يخاف، والذي ينطق بكلمة حق هذا شجاع، لاسيما إذا كان يتحمل ما يترتب عليه من آثار، ويستطيع ارتكاب العزائم، هذا لا شك أنه شجاع، ولو كان جبانًا لجرب نفسه في أول قصيدة، ثم بعد ذلك إذا هُدد أو شيء كف، ولكنه استمر إلى أن مات النبي -صلى الله عليه وسلم-  وهو شاعره، فاستمر بعد ذلك يهاجي المشركين وينصر الإسلام، وهذا ينافي ما يُقال عنه من الجبن.

"السَّادِسَةُ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-".

نعم.

طالب:................

ماذا؟

طالب:........................

يعني لو قيل فإن جبان؟

طالب:........................

على كل، أما بالنسبة للعموم، سب العموم هذا يحكم أهل العلم بأنه كُفر، كفر أكبر مخرج عن الملة، أما سب بعضهم إذا كان من أجل ديانته وغنائه في الإسلام، فلا شك أن مثل هذا خطرٌ عظيم قد يُحكم بكفره؛ لأنه يسب حينئذٍ، وإذا التزم بما يترتب على هذا السب -نسأل الله العافية- من نقل الدين، يعني إذا كان يُكفر، أكثر الصحابة ولا يُبقي منهم إلا من له رواية قليلة يسيرة فهذا يترتب عليه نفي الدين بالجملة، هذا أيضًا إذا التزم باللازم يكفر، أما إذا عُرف شخص بأنه جبان، والجبن خُلق وغريزة، قد يُجبل عليها الإنسان، قد يجبل على البخل مثلًا وذكره بما فيه هذا لا يصل إلى هذا الحد، وإن كان الأصل أن يكون المسلم عفيف اللسان، لاسيما ما يتعلق بخيار الأمة وساداتها.

طالب:.......................

سب مَن؟

طالب:.......................

بلا شك؛ لأن الله -جل وعلا- أثنى عليهم جملة.

طالب:......................

يتنقصه بذلك؟ أو لأنه مكثر من النساء، وهذا يدل على كذا، يعني استنباطًا. نعم.

طالب:.......................

لا يختلقه، إذا كان له سبب، سبب محسوس، مثل أن نقول: الحسن عالم شهواني لماذا؟ لأنه تزوج عشرات من النساء، وهو سيد شباب أهل الجنة مع أخيه، هذا له تأويل سائغ، لا شك أن الواجب الكف عن مثل هذا الكلام، هو يأثم  من مثل هذا الكلام، لكن ليس بمثل السب المتعلق بالدين، أو لأنهم نصروا الدين أو لأنهم صحابة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولهم هذا الشرف المختص بهم.

طالب:..........................

أعوذ بالله، نسأل الله العافية هذا لا شك فيه، هذا لا شك في كفره؛ لأن تبرئته من مثل هذا والإشادة به وفضله في الإسلام متواتر قطعي، معلوم من الدين بالضرورة.

طالب:..........................

أهل السير يطعنون فيها باعتبار أنها مخالفة لواقعه، لواقعها الشخص الذي يهجو الناس لا بد أن يكون شجاعًا، وإذا هجا مرة ما يهجو الثانية الجبان.

"السَّادِسَةُ: وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَلَمْ يَعْلَمْ قَوْمِيِّ بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَلَوْ خَرَجْتَ فَخَذَّلْتَ عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ بَقَائِكَ مَعَنَا، فَاخْرُجْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ»".

في سنن أبي داود الحرب خَدعة بالفتح، لغة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَة، وَكَانَ يُنَادِمُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ  فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي إِيَّاكُمْ، وَخَاصَّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: قُلْ فَلَسْتَ عِنْدَنَا بِمُتَّهَمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ، فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، وَإِنَّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ قَدْ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَكُم ْوَبَيْنَ الرَّجُلِ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رُهُنًا. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْش، وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَقَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ أَرَى مِنَ الْحَقِّ أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ نُصْحًا لَكُمْ، فَاكْتُمُوا عَلَيَّ، قَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْ خِذْلَانِهِمْ مُحَمَّدًا، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ: إِنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا؛ فَهَلْ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ نَكُونُ مَعَكَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ. ثُمَّ أَتَى غَطَفَانَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ، قَدْ هَلَكَ الْخُفُّ وَالْحَافِرُ، فَاغْدُوَا صَبِيحَةَ غَدٍ لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَالَ مِنَّا مَنْ تَعَدَّى فِي السَّبْتِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتَّى تُعْطُوا رُهُونًا، فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ بِذَلِكَ قَالُوا: صَدَقَنَا وَاللَّهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ ، فَرَدُّوا إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُعْطِيكُمْ رُهُنًا أَبَدًا، فَاخْرُجُوا مَعَنَا إِنْ شِئْتُمْ وَإِلَّا فَلَا عَهْدَ بَيْنِنَا وَبَيْنَكُمْ. فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَة:  صَدَقَ وَاللَّهِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ .وَخَذَّلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَاخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا عَاصِفًا فِي لَيَالٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَقْلِبُ آنِيَتَهُمْ وَتَكْفَأُ قُدُورَهُمْ.

السَّابِعَةُ: فَلَمَّا اتَّصَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اخْتِلَافُ أَمْرِهِمْ، بَعَثَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ؛ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ، فَأَتَاهُمْ وَاسْتَتَرَ فِي غِمَارِهِمْ، وَسَمِعَ أَبَا سُفْيَانَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْش، لِيَتَعَرَّفْ كُلُّ امْرِئٍ جَلِيسَهُ. فقَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ جَلِيسِي وَقُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَنَا فُلَانٌ. ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَيْلَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، وَلَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، مَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، وَلَا تَثْبُتُ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ، وَوَثَبَ عَلَى جَمَلِهِ، فَمَا حَلَّ عِقَالَ يَدِهُ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ.

قَالَ حُذَيْفَةُ: وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِي إِذْ بَعَثَنِي، قَالَ لِي: «مُرَّ إِلَى الْقَوْمِ فَاعْلَمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَا تُحْدِثْ شَيْئًا»، لَقَتَلْتُهُ بِسَهْمٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ رَحِيلِهِمْ، فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ مَرَاجِلَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاجِلُ ضَرْبٌ مِنْ وَشْيِ الْيَمَنِ-  فَأَخْبَرْتُهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ. قُلْتُ: وَخَبَرُ حُذَيْفَةَ هَذَا مَذْكُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ آيَاتٌ عَظِيمَةٌ، رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: َ«كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ! لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقَرٌّ»".

يعني برد شديد. نعم.

"«فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلُ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ. فَقَالَ: قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ. قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرهُمْ عَلَيَّ قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ»".

يعني من شدة الحر، من شدة الحر عرق الرحضاء من الخوف، أو أن الجو بارد، وباعتبار أنه رسول الرسول -عليه الصلاة والسلام- أصيب بهذا الدفء وهذا الحر الذي يقاوم البرد.

 "فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ: فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ".

قُررت يعني بردت.

" فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى  أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ».

وَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ ذَهَبَ الْأَحْزَابُ، رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ سِلَاحَهُمْ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- فِي صُورَةِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ وَضَعْتُمْ سِلَاحَكُمْ فَمَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ سِلَاحَهَا. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَإِنِّي مُتَقَدِّمٌ إِلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ حُصُونَهُمْ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ: الثَّامِنَةُ: مُنَادِيًا فَنَادَى: « لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي الْعَصْرَ إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ. قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدِينَ".

يعني ثبوت الأجر للمجتهدين كلهم؛ لأن النص يحتمل، منهم من قال: المراد حقيقة النص، وأننا لا نصلي إلا في هذا المكان ولو خرج الوقت، ومنهم من قال: القصد من ذلك المبادرة والمسارعة إلى ما أُمرنا به، يعني لو تقرر عندنا أن للصلاة وقتًا يخرج فيه فلا يجوز أن نخرج الصلاة عن وقتها، وعلينا أن نبادر، فهؤلاء عملوا بالحرف بالنص، وهؤلاء عملوا بالفحوى، بالمفهوم، وكلهم على خير إن شاء الله تعالى.

طالب:...................

 الأقرب لا شك أن المحافظة على الوقت، والوقت شرط من شروط الصلاة، هذا في غاية الأهمية، وأيضًا إذا كان هناك أمر يفوت؛ لأن هذه المسائل تتاوفت، يتفاوت التقرير الراجح فيها بحسب الآثار المترتبة عليها، إذا كان هناك أمر يفوت بفعل الصلاة في وقتها لا شك أنه يقدم عليه.

طالب:....................

 عليه الصلاة والسلام، لكنه ما يشرع تفويت الصلاة عن وقتها في آخر الأمر، ولو صلاة خوف يصليها.

طالب:............................

نعم، لا شك، لكن مثله لا يُحكم بحكم عام مضطرد، ولذلك ما تجد أهل العلم يرجحون، لا الذين صلوا قبل ولا الذين صلوا بعد؛ لأن مثل هذه تتبع الآثار المترتبة عليها، تتبع الآثار المترتبة عليها، إذا كان هناك شيء يفوت وفيه وقع للإسلام والمسلمين فلا شك أنه يُقدّم على وقت الصلاة، نعم، وإذا كان الأمر سهلًا، طالب غريم مثلًا وهو يصلي في المسجد الفلاني، تفوتك الصلاة إن لم تصلِّ معه؟!  فهذا أمر سهل، لا تفوت، الصلاة أهم من هذا.

طالب:.....................

نعم، معروف، هذا هو الأصل إذا كان الأثر ضعيفًا يعني ما يقاوم تفويت الوقت، وإذا كان الأثر عظيمًا، يقاوم تفويت الوقت رُجّح عليه.

طالب:........................

لا لا، ما يلزم، لا يُحكم بحكم عام مضطرد، إنما الحكم يتبع الأثر المترتب عليه، يعني فرق بين أن يقال لك: إن هناك شخصًا غريمًا لك يصلي في مسجد كذا، يصلي بالخارج مثلًا، إن جاز تصلي راح وفاتك، خله يروح، فالصلاة أهم منه، لكن شخص -لا سمح الله- خُطف ولده أو بنته، فقيل له: إن مكانهم الذي يجتمعون فيه ويلتقون فيه المكان الفلاني، تجري تصلي وهم يفرون؟! على حسب الأثر المترتب على هذا، فإن كان الأثر يسيرًا، تصلي الصلاة في وقتها، وإن كان أثره بالغًا، فلا شك أن تفويت الصلاة أسهل منه، فلا يُحكم في مثل هذا بحكم عام مضطرد أبدًا.

طالب:..........................

يخرج، يخرج بدل اليوم باكرًا.

طالب:.......................

لا لا، أقول لك: على حسب الأثر المترتب، ولذلك ما تجد أهل العلم يرجحون ترجيحًا مطلقًا. ونظير ذلك مسألة الرجل المدين، الرجل الغريم المدين قالوا: يصلي في الخرج ولو صليت المغرب بالرياض راح، ما أدركته، تخلي الصلاة من أجله؟ تترك الصلاة من أجله؟! ما تترك الصلاة، لكن لو خُطف ولد، أو بنت، أو شيء وهرب به، ما تترك الصلاة من أجله؟! نعم، فرق بين هذا وهذا.

طالب:.........................

على كل حال، مثلما ذكرنا، حتى صلاة المسافر فيها تنازلات كبيرة من أركان الصلاة وشروطها.

طالب:....................

صلاة الخوف، يستدل بها أهل العلم على أمور منها:- وجوب صلاة الجماعة، ومنها أيضًا وجوب الصلاة في الوقت، الصلاة في الوقت شرط، ومثلما قلت على حسب الأثر المترتب، على حسب الأثر المترتب تبحث عن ماء، ذهبت تبحث عن ماء وعن سترة وتصلي وكذا، يصل الصائل أو المغتصب إلى مكان لا تصل إليه.

طالب:........................

هذا إن كان المريض يحتمل التأخير يؤخر إلى أن يصلي، وإذا كان ما يحتمل، حوادث أو شبهه، يؤخر الصلاة، ما فيه إشكال.

طالب:..................

لا لا لا.

طالب:........................

لا، الصحابة الذين صلوا قبل الوقت خشوا من فوات الوقت، يدل على أنه ليس بقرينة.

طالب:................

نعم، هؤلاء طالبون، والطالب مثل ما ذكرناه بالأمس الطلب يختلف، والمطلوب يختلف، ومن أجله الطلب يختلف والأمور تُقدَّر بقدرها.

طالب:.....................

نعم، يعني من كربهم. من أجل أن يُفرَق عن شرهم؟

طالب: .......................

وما المانع؟ ما فيه مانع.

طالب:....................

على كل حال بحيث لا، إذا ترتب على ذلك المصلحة الراجحة كما هنا فلا بأس.  

"وَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ فِي (الْأَنْبِيَاءِ). وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ إِذْ أَصَابَهُ السَّهْمُ دَعَا رَبَّهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنَّهُ لَا قَوْمَ أَحَبُّ إلي أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ. اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهَا لِي شَهَادَةً، وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي فِي بَنِي قُرَيْظَةَ .وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَرَّ بِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَنِسَاءٍ مَعَهَا فِي الْأَطُمِ (فَارِعٍ)".

الأطم: الحصون.

"فِي الْأَطُمِ (فَارِعٍ)، وَعَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلِّصَةٌ، مُشَمِّرٌ الْكُمَّيْنِ، وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:

لبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا جَمَلْ
 

لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ
 

فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لَسْتُ أَخَافُ أَنْ يُصَابَ سَعْدٌ الْيَوْمَ إِلَّا فِي أَطْرَافِهِ، فَأُصِيبَ فِي أَكْحَلِهِ".

لأنه مشمر الكمين، فإصابة العاري من الجسد أبلغ من إصابة المستور، فخشيت أن يُصاب في أطرافه، وحصل ذلك، الأكحل عِرق في الذراع، عِرق في الذراع.

 "وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَجْمَلَ مِنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حَاشَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَأُصِيبَ فِي أَكْحَلِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ حَرْبُ قُرَيْظَةَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَأَبْقِنِي حَتَّى أُجَاهِدَ مَعَ رَسُولِكَ أَعْدَاءَهُ، فَلَمَّا حُكِّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ تُوُفِّيَ، فَفَرِحَ النَّاسُ وَقَالُوا: نَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ.

 التَّاسِعَةُ: وَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّايَةَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي  طَالِبٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ".

واستدل أهل العلم بهذا على أن الأعمى تجوز ولايته، يجوز أن يتولى الإمارة والإمامة والقضاء والولاية العامة. نعم.

طالب:...................

تراهم من وراء الحجاب، ما المانع؟

طالب:..........................

ما فيه ما يمنع.

طالب: .......................

ماذا؟

طالب:..........................

إن كان أجمل تصفه بما فيه، مع أمن الفتن ما فيه إشكال إن شاء الله.

" وَنَهَضَ عَلِيٌّ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ حَتَّى أَتَوْا بَنِي قُرَيْظَةَ وَنَازَلُوهُمْ، فَسَمِعُوا سَبَّ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَبْلُغْ إِلَيْهِمْ، وَعَرَّضَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ: أَظُنُّكَ سَمِعْتَ مِنْهُمْ شَتْمِي. لَوْ رَأَوْنِي لَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ، وَنَهَضَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمْسَكُوا. فَقَالَ لَهُمْ: «نَقَضْتُمُ الْعَهْدَ يَا إِخْوَةَ الْقُرُودِ، أَخْزَاكُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ». فَقَالُوا: مَا كُنْتَ جَاهِلًا يَا مُحَمَّدُ فَلَا تَجْهَلْ عَلَيْنَا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ سَيِّدُهُمْ كَعْبٌ ثَلَاثَ خِصَالٍ لِيَخْتَارُوا أَيُّهَا شَاءُوا: إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَيَسْلَمُوا".

إما.

 "إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَيَسْلَمُوا".

نعم.

"قَالَ: وَتُحْرِزُوا أَمْوَالَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا فِي كِتَابِكُمْ. وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ثُمَّ يَتَقَدَّمُوا، فَيُقَاتِلُونَ حَتَّى يَمُوتُوا مِنْ آخِرِهِمْ. وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّتُوا الْمُسْلِمِينَ لَيْلَةَ السَّبْتِ فِي حِينِ طُمَأْنِينَتِهِمْ فَيَقْتُلُوهُمْ قَتْلًا. فَقَالُوا لَهُ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا نُسْلِمُ وَلَا نُخَالِفُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ".

حكم التوراة المُحَرفة، وإلا فالتوراة الصحيحة فهي تأمرهم بالإسلام.

 "وَأَمَّا قَتْلُ أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا فَمَا جَزَاؤُهُمُ الْمَسَاكِينِ مِنَّا أَنْ نَقْتُلَهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَتَعَدَّى فِي السَّبْتِ. ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى أَبِي لُبَابَةَ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَسَائِرِ الْأَوْسِ، فَأَتَاهُمْ فَجَمَعُوا إِلَيْهِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَرِجَالَهُمْ وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ إِنَّهُ الذَّبْحُ إِنْ فَعَلْتُم. ثُمَّ نَدِمَ أَبُو لُبَابَةَ فِي الْحِينِ".

نعم، قال: نعم انزلوا على حكمه، هذا في الظاهر، كأنه يأمرهم بذلك، ويشير عليهم بذلك، لكنه أشار إشارة خفية ألا ينزلوا؛ لأن نزولهم على حكمه -عليه الصلاة والسلام- يلزم منه قتلهم، وأشار بيده للذبح، فيما يظهر ويبدو للناس أنه قال: انزلوا على حكم محمد، وفيما يخفى أشار إليهم ألا تنزلوا؛ لأن العاقبة معروفة، وهي الذبح، لا شك أن مثل هذا إظهار خلاف ما يبطن، ففيه ضرب من النفاق.

"ثُمَّ نَدِمَ أَبُو لُبَابَةَ فِي الْحِينِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَسْتُرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَنْ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَرَبَطَ نَفْسَهُ فِي سَارِيَةٍ وَأَقْسَمَ أَلَّا يَبْرَحَ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَحُلُّهُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ: فِيهِ نَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} الْآيَةَ. وَأَقْسَمَ أَلَّا يَدْخُلَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا مَكَانًا أَصَابَ فِيهِ الذَّنْبَ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فِعْلِ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ :أَمَا إِنَّهُ لَوْ أَتَانِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، وَأَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَلَا أُطْلِقُهُ حَتَّى يُطْلِقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ أَبِي لُبَابَةَ: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الْآيَةَ. فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِإِطْلَاقِهِ".

 نظير ما فعل ثابت بن قيس بن شماس كان خطيبًا جهوري الصوت، نزل قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2]، والخطيب ثابت كان جهوري الصوت، إذا تكلم تكلم بكلام أرفع من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فظن أنه هو المقصود بالآية، فربط نفسه في بيت فرسه، وفقده النبي -عليه الصلاة والسلام-، فسأل عنه، فقيل له: نأتي بالخبر، فأُتي بالخبر على ما ذُكر، فشهد له النبي- عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وقال: إنك لست من أهل النار، وإنما أنت من أهل الجنة، هذا كان خوفه، وهذا كان وجله من هذه المخالفات، المقصود منها وغير المقصود، والله المستعان.

طالب:........................

نعم.

طالب:...................

هو لو استشفع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ربه لدعا له، دعاء النبي –عليه الصلاة والسلام- يدعو له، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عرف منه صدق التوبة، وأن الله -جل وعلا- سوف يطلقه.

طالب:............................

هو ما فيه شك أن دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- مستجابة، لكن قد يغفل عنها الإنسان، غفل عنها، وفعل ما بوسعه.

طالب:......................

نعم؟

طالب: .......................

نعم هذا ضال، كفار بالإجماع، هم كفار بالإجماع {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، والكافر ليس بأخٍ للمسلم، فهم كفار إجماعًا، حتى كفّر أهل العلم من شك في كفره، وقال بعضهم: من شك في كفر اليهود والنصارى كفر إجماعًا. نسأل الله العافية.

طالب:......................

ولا صديق ولا حبيب ولا شيء.

طالب:....................

الموالاة غير الصلة، الموالاة غير الصلة، البراء نقيده الولاء، وإذا لم تبرأ إلا من المحارب وواليت غير المحارب، ولا تجوز الموالاة بحال، لكن صلته إذا لم يكن محاربًا، ولا أخرجك من الديار فلا مانع من صلته، ولا مانع من بِره من غير موالاة.

"فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِإِطْلَاقِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بَنُو قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَوَاثَبَ الْأَوْسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ حُلَفَاؤُنَا، وَقَدْ أَسْعَفْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ فِي بَنِي النَّضِيرِ حُلَفَاءِ الْخَزْرَجِ، فَلَا يَكُنْ حَظُّنَا أَوْكَسَ وَأَنْقَصَ عِنْدَكَ مِنْ حَظِّ غَيْرِنَا، فَهُمْ مَوَالِينَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ ضَرَبَ لَهُ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَرَضِهِ مِنْ جُرْحِهِ الَّذِي أَصَابَهُ فِي الْخَنْدَقِ. فَحَكَمَ فِيهِمْ بِأَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ أَرْقِعَةٍ»".

أي سبع سموات.

 "وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأُخْرِجُوا إِلَى مَوْضِعٍ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ الْيَوْم زَمَنَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ أَمَرَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ أَسَد، وَكَانَا رَأْسَ الْقَوْمِ، وَكَانُوا مِنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ. وَكَانَ عَلَى حُيَيٍّ حُلَّةٌ فُقَّاحِيَّةٌ قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَةِ، أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً؛ لِئَلَّا يُسْلَبَهَا".

أراد إفسادها؛ لئلا تُسلب منه، كما يُصنع في الكفن حينما شاع بين الناس أن القبور تُنبش وتُسلب الأكفان، صاروا يُخرقون هذه الأكفان؛ لئلا تُسلب، الله المستعان.

 "فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ أُتِيَ بِهِ وَيَدَاهُ مَجْمُوعَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ.

وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللَّهُ يُخْذَل
  

ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ كِتَابٍ وَقَدَرٍ وَمَلْحَمَةٍ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَقُتِلَ مِنْ نِسَائِهِمُ امْرَأَةٌ، وَهِيَ بُنَانَةُ امْرَأَةُ الْحَكَمِ الْقُرَظِيِّ الَّتِي طَرَحَتِ الرَّحَى عَلَى خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ".

الأصل أن النساء والذراري لا تُقتل، في الإسلام لا تُقتل النساء ولا الذرية، لكن هذه قتلت فاقتُص منها.

 "وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ".

لأنه بلغ الحلم، إذا أنبت بلغ الحُلم.

 "وَكَانَ عَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ مِمَّنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَاسْتَحْيَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الصَّحَابَةِ. وَوَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَلَدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا فَاسْتَحْيَاهُمْ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَسْلَمَ وَلَهُ صُحْبَةٌ. وَوَهَبَ أَيْضًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلِ الْقُرَظِيَّ لِأُمِّ الْمُنْذِرِ سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ، أُخْتِ سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ بَنِي النَّجَّار، وَكَانَتْ قَدْ صَلَّتْ إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، فَأَسْلَمَ رِفَاعَةُ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى ابْنِ بَاطَا  وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ يَدٌ  وَقَالَ: قَدِ اسْتَوْهَبْتُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيَدِكَ الَّتِي لَكَ عِنْدِي، قَالَ: ذَلِكَ يَفْعَلُ الْكَرِيمُ بِالْكَرِيمِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَيْفَ يَعِيشُ رَجُلٌ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا أَهْلَ؟ قَالَ: فَأَتَى ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَعْطَاهُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، فَأَتَى فَأَعْلَمَهُ فَقَالَ: كَيْفَ يَعِيشُ رَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ مَالَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ الَّذِي كَأَنَّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيَّةٌ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ، يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَة؟ قَالَ: قُتِلُوا. قَالَ: فَمَا فَعَلَتِ الْفِئَتَانِ؟ قَالَ: قُتِلَتَا. قَالَ: بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ، وَلَنْ أَصُبَّ فِيهَا دَلْوًا أَبَدًا، يَعْنِي النَّخْلَ، فَأَلْحِقْنِي بِهِمْ، فَأَبَى أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ. وَالْيَدُ الَّتِي كَانَتْ لِابْنِ بَاطَا عِنْدَ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَسَرَهُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَجَزَّ نَاصِيَتَهُ وَأَطْلَقَهُ".

الله المستعان، نعم.

"الْعَاشِرَةُ: وَقَسَّمَ -صلى الله عليه وسلم- أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. وَقَدْ قِيلَ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. وَكَانَتِ الْخَيْلُ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا. وَوَقَعَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ سَبْيِهِمْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ جُنَافَةَ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ -صلى الله عليه وسلم-. وَقِيلَ: إِنَّ غَنِيمَةَ قُرَيْظَةَ هِيَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ قَسَّمَ فِيهَا لِلْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَأَوَّلُ غَنِيمَةٍ جُعَلَ فِيهَا الْخُمُسَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَوَّلَ ذَلِكَ كَانَ فِي بَعْثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَبُو عُمَرَ: وَتَهْذِيبُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ".

القسم هنا وجعل الفارس له ثلاثة أسهم، وللراجل له سهمًا واحدًا، وللفرس سهمين، ولراكبه واحدًا، هذا يدل على أن المال أكثر غناءً في الحرب من الرجال، والسلاح الحاجة إليه أدعى من كثرة الرجال بدون سلاح. فساعٍ إلى الهيجة بغير سلاح، هذا لا قيمة له، فالخيل نفعها عظيم في الحرب، ولذا قُسم لها أكثر مما يُقسم للراجل،  والنصوص الشرعية كلها تقدم المال على النفس في الجهاد، ما عدا آية واحدة {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111]، والله المستعان.

" قَالَ: أَبُو عُمَرَ: وَتَهْذِيبُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ غَنِيمَةُ قُرَيْظَةَ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ جَرَى فِيهَا الْخُمُسُ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قَدْ خَمَّسَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي بَعْثِهِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِهِ -رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ-. وَكَانَ فَتْحُ قُرَيْظَةَ فِي آخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ وَأَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ. فَلَمَّا تَمَّ أَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ أُجِيبَتْ دَعْوَةُ الرَّجُلِ الْفَاضِلِ الصَّالِحِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَانْفَجَرَ جُرْحُهُ، وَانْفَتَحَ عِرْقُهُ، فَجَرَى دَمُهُ وَمَاتَ -رضي الله عنه-. وَهُوَ الَّذِي أَتَى الْحَدِيثُ فِيهِ: اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي سُكَّانَ الْعَرْشِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَرِحُوا بِقُدُومِ رُوحِهِ وَاهْتَزُّوا لَهُ".

هذا تأويل، والأصل أن يُجرى اللفظ على ظاهره، اهتز له العرش، بمعنى العرش مخلوق عظيم من المخلوقات، والحادث جلل أيضًا لموت هذا العبد الصالح مناسب للاهتزاز.

 "وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك، مَا نَزَلُوا إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يُسْتَشْهَدْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ.

قُلْتُ: الَّذِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِتَّةُ نَفَرٍ فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسِّيَر: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَبُو عَمْرٍو مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْل، وَكِلَاهُمَا أَيْضًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَالطُّفَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ، وَكِلَاهُمَا مِنْ بَنِي سَلمَةَ، وَكَعْبُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النَّجَّارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ، -رضي الله عنهم-". 

غرب: يعني طائش لا يُعلم أين جهته، ولم يُقصد به الشخص المقتول.

"وَقُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ ثَلَاثَةٌ: مُنَبِّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ  مَاتَ مِنْهُ بِمَكَّةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ. وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ فَتَوَرَّطَ فِيهِ فَقُتِلَ، وَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ، فَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي جَسَدِهِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا بِجَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ".

شراء الجسد لاسيما جسد الكافر سواء كان البائع مسلمًا أو المشتري مسلمًا، وقد يكون في ذلك مصلحة، تشريح مثلًا، فشراء أجساد الكفار أصلها هذه القصة. فهل تم الشراء، فهي تدل على الجواز، أو لم يتم الشراء فنقول بعدم الجواز؟ أو نفرق بينما كان محاربًا وأصله والأصل فيه أنه يُسترق فيباع حيًا ويباع ميتًا، أو نقول: إنه لم يتم استرقاقه قبل موته فلا يكون له حكم الأرقاء؟ غلب المسلمون على جسده، فروي عن الزهري أنهم أعطوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جسده عشرة آلاف درهم، فقال: لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه، يعني هل يقال: لا يجوز البيع؟، جثة الأدمي لا يجوز بيعها؟ يعني لو كان الحكم عدم الجواز، لكان هذا هو الجواب. ظاهر أم ليس بظاهر؟  

ظاهر.

يعني على هذا يجوز أن يُشترى جسد الكافر للتشريح مثلًا، أو إذا استولى عليه المسلمون وأراد أهله فكاكه وفداءه يجوز، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- منَّ عليهم بذلك، لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه.

طالب:..................

أعطوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجسده عشرة آلاف درهم، أحيانًا يُدفع مبلغ كبير لعظم المقابل ولو لم تحصل المساومة.

 "وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ الَّذِي قَتَلَهُ عَلِيٌّ مُبَارَزَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

 وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَلَّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج.ِ طَرَحَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ رَحًى فَقَتَلَتْهُ. وَمَاتَ فِي الْحِصَارِ أَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ الْأَسَدِيُّ، أَخُو عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، فَدَفَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الَّتِي يَتَدَافَنُ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ السُّكَّانُ بِهَا الْيَوْمَ. وَلَمْ يُصَبْ غَيْرُ هَذَيْنِ، وَلَمْ يَغْزُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ. وَأَسْنَدَ الدَّارِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}  فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَأَحْسَنَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا» وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة:239] خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا. وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي (طَه)".

هذه المسألة هي التي ذكرناها في أول الأمر، وأن غزوة الخندق كانت قبل ذات الرقاع أو بعدها، على الخلاف بين أهل العلم، وأن الجمهور يقول: إنها بعد ذات الرقاع، ويتخلصون من هذا بأن صلاة الخوف لا تُصلى في الحذر ولو ترتب على ذلك تأخير الصلوات، والقول الثاني هو الذي رجحه البخاري -رحمه الله - وابن القيم قالوا: إن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق، ولذا قال: وذلك قبل أن ينزل {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239].

 "وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً لِمَنْ تَأَمَّلَهَا فِي مَسَائِلَ عَشْرٍ. ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى أَوَّلِ الْآيِ وَهِيَ تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً تَضَمَّنَتْ مَا ذَكَرْنَاه.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} يَعْنِي الْأَحْزَابَ.{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} قَالَ مُجَاهِدٌ:هِيَ الصَّبَا، أُرْسِلَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَلْقَتْ قُدُورَهُمْ وَنَزَعَتْ فَسَاطِيطَهُمْ. قَالَ: وَالْجُنُودُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَمْ تُقَاتِلْ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَتِ الْجَنُوبُ لِلشَّمَالِ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ: انْطَلِقِي لِنُصْرَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتِ الشَّمَالُ: إِنَّ مَحْوَةَ لَا تَسْرِي بِلَيْلٍ. فَكَانَت الرِّيحُ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الصَّبَا. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:َ « نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» وَكَانَتْ هَذِهِ الرِّيحُ مُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْهَا، لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِلَّا عَرْضُ الْخَنْدَقِ، وَكَانُوا فِي عَافِيَةٍ مِنْهَا، وَلَا خَبَرَ عِنْدَهُمْ بِهَا {وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وَقُرِئَ بِالْيَاءِ، أَيْ لَمْ يَرَهَا الْمُشْرِكُونَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَقَلَعَتِ الْأَوْتَادَ، وَقَطَعَتْ أَطْنَابَ الْفَسَاطِيطِ، وَأَطْفَأَتِ النِّيرَانَ، وَأَكْفَأَتِ الْقُدُورَ، وَجَالَتِ الْخَيْلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرُّعْبَ، وَكَثُرَ تَكْبِيرُ الْمَلَائِكَةِ فِي جَوَانِبِ الْعَسْكَرِ، حَتَّى كَانَ سَيِّدُ كُلِّ خِبَاءٍ يَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ، هَلُمَّ إِلَيَّ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمُ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، لِمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنَ الرُّعْبِ".

وأنتم تسمعون وتشاهدون ما تحمله هذه الأعاصير، وهذه الرياح التي تدمر ما تمر به، وهي لا شك أنها عظة وعبرة للناس، ومر علينا في الأيام السابقة شيءٌ يسير منها، تضايق الناس منها، وتضرر بها أصحاب الأمراض، الربو وما أشبه ذلك، فكيف بالأعاصير التي تقتلع الأشجار، وتهدم المنازل وتشرد السكان، نسأل الله السلامة والعافية، فضلًا عن ريح عاد التي ما أتت من شيءٍ إلا جعلته كالرميم {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42]

 "{ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}  وَقُرِئَ: (يَعْمَلُونَ) بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو. والْبَاقُونَ بِالتَّاءِ، يَعْنِي مِنْ حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ". 

يكفي يكفي، بارك الله