شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (51)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح ألفية الحافظ العراقي (51)

(العالي والنازل)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:

الْعَالِي وَالنَّازِلُ

وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ وَقَدْ
وَقَسَّمُوْهُ خَمْسَةً فَالأَوَّلُ
إِنْ صَحَّ الاسْنَادُ
وَقِسْمُ القُرْبِ

 

فَضَّلَ بَعْضٌ النُّزُوْلَ وَهْوَ رَدّْ
قُرْبٌ مِنَ  الرَّسُوْلِ وَهْوَ الأَفْضَلُ
إلى إِمَامٍ وَعُلُوٍّ النِسْبِي

ابعد (أل).

طالب: سم يا شيخ.

وعلو نسبي.

طالب: إي نعم.

بدون (أل).

طالب: سم يا شيخ.

بدون (أل) "وقسم القرب ** إلى إمام وعلو نسبي".

طالب: مشدد يا شيخ.

ما عندكم يا الإخوان؟

طالب: النسبي.

أنا أعرف الطبعة هذه كلها بـ(أل)، كلها واحدة، الطبعات الأخرى؟

طالب: علو نسبي.

بدون (أل) هذا أولى.

على كل حال هو لا يختلف من حيث الوزن، ما يختلف من حيث الوزن؛ لأن تشديد الواو يقوم مقام (أل) نعم في الوزن يقوم مقامه، "علو نسبي"، والنطق لا يختلف سواءً كان "علو نسبي" بدون (أل)؛ لأن (أل) هذه الشمسية لا ينطق بها.

وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ وَقَدْ
وَقَسَّمُوْهُ خَمْسَةً فَالأَوَّلُ
إِنْ صَحَّ الاسْنَادُ
وَقِسْمُ القُرْبِ
بِنِسْبـَةٍ لِلْكُتُبِ السِّـتَّةِ إِذْ
فَإِنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ قَدْ وَافَقَهْ
أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ كَذَاكَ فَالْبَدَلْ
فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ وَحَيْثُ
رَاجَحَهْ
ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ

 

فَضَّلَ بَعْضٌ النُّزُوْلَ وَهْوَ رَدّْ
قُرْبٌ مِنَ  الرَّسُوْلِ وَهْوَ الأَفْضَلُ
إلى إِمَامٍ وَعُلُوٍّ نِسْبِي
يَنْزِلُ مَتْنٌ مِنْ طَرِيْقِهَا أُخِذْ
مَعَ عُلُوٍّ فَهُوَ الْمُوَافَقَهْ
وَإِنْ يَكُنْ سَاوَاهُ عَدًّا قَدْ حَصَلْ
الأَصْلُ باِلْوَاحِدِ فَالْمُصَاَفَحَهْ
أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الثقاتِ

لا مع التفات.

طالب: أحسن الله إليك.

ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاةِ
لآخَرٍ فَقِيْلَ لِلْخَمْسِيْنَا
ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ السَّمَاعِ
وَحَيْثُ ذُمَّ فَهْوَ مَا لَمْ يُجْبَرِ

 

أَمَّا الْعُلُوُّ لاَ مَعَ الْتِفَاتِ
أَو الثَّلاَثِيْنَ مَضَتْ سِنِيْنَا
وَضِدَّه النُّـزُوْلُ كَالأَنْوَاعِ
وَالصِّحَّةُ الْعُلُوُّ عِنْدَ النَّظَرِ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"العالي والنازل" والمراد بذلك من الأسانيد، الأسانيد العالية والأسانيد النازلة، وتقدم الحديث عن الأسانيد، وأنها من خصائص هذه الأمة، وأن عليها المعول في التصحيح والتضعيف، وأن الأمم السابقة لا يوجد لها ارتباط بأنبيائها، ارتباطها بأنبيائها بوجودهم فقط، أما إذا فقدوا فلا يربطهم بهم رابط، ولذلك حصل في كتبهم من التغيير والتبديل ما يؤمن مع وجود الأسانيد؛ لأنه لو وجدت أسانيد عندهم ما حصل عندهم تحريف ولا تبديل، وديننا قد تكفل الله بحفظه، وهيأ له هؤلاء الأئمة الجهابذة الذين درسوا هذه الأسانيد، وصححوا وضعفوا من خلالها، فطلب الإسناد عند أهل العلم له شأن عظيم، والمقاطيع لا قيمة لها عندهم، حتى قال قائلهم: بيننا وبين القوم القوائم، يعني الأسانيد، شبهت الأسانيد بالقوائم؛ لأن الإنسان وغير الإنسان من حيوان وغيره لا يستطيع أن يمشي بدون قوائم، وكذلك الأخبار لا تمشي، لا يمكن أن تمشي على الأئمة بدون هذه الأسانيد.

وطلب العلو سنة عند أهل الحديث، والمراد به القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقلة الوسائط، هذا العلو المطلق، القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقلة الوسائط، وهناك علو نسبي يأتي بيانه -إن شاء الله تعالى-، والنازل ما كان بضده، وهو البعد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرة الوسائط.

طلب العلو سنة عند أهل الحديث متبعة؛ لأنه بقلة الوسائط يؤمن الخلل، أو دخول الخلل في الأسانيد، كلما قلت الوسائط كان احتمال دخول الخلل أضعف، وكلما كثرت الوسائط كان احتمال دخول الخلل إلى الأسانيد أقوى؛ لأنه ما من راوٍ من الرواة الذين بواسطتهم تروى الأخبار إلا ويحتمل أن يدخل الخلل بسببه، فإذا كان الحديث عاليًا، ثلاثي أو رباعي في الكتب الستة، هذا عال، فمنافذ الخلل إلى هذا الإسناد أربعة فقط، لكن إذا كان نازلًا ثُماني أو تُساعي فإن منافذ الخلل من خلال هؤلاء التسعة كلهم، فإذا أمن من الأول والثاني والثالث لا يؤمن من الرابع، وقد لا يؤمن من السادس وهكذا، فكلما قلت الوسائط قل احتمال الخطأ والوهم، وكلما كثرت الوسائط كثر احتمال هذا الخلل وهذا السهو والخطأ.

العلو موجود في كتب السنة، وكذلك النزول، وتفضيل العلو لا على إطلاقه، إنما يفضل النازل إذا كان رواته ثقات بسند متصل، وأما إذا فُقد شرط قبول الرواة أو ضعف، أو الاتصال فإن النازل يكون حينئذٍ بسند أنظف، ورواة أضبط وأتقن يكون أفضل من العالي، الكتب الستة الموطأ كما هو معروف لقدم مؤلفه فيه الثنائيات، مالك عن نافع عن ابن عمر، الواسطة بين المؤلف بين مالك والنبي -عليه الصلاة والسلام- نافع وابن عمر، ومثل هذا كثير في الموطأ ثنائيات، هذا بالنسبة للموطأ، ومسند أحمد فيه ما يزيد على ثلاثمائة حديث ثلاثي، وهذه عوالي بالنسبة لغيرها، وهذه فيها مؤلف، مجموعة في مؤلف، وكذلك هي مشروحة من قبل السفّاريني، شرح ثلاثيات المسند (نفثات الصدر المكمد في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد) في مجلدين، وفيه فوائد كثيرة جدًّا هذا الشرح، فيه فوائد، هذا بالنسبة... هاه؟

طالب: أغلبها صحاح؟

إيه غالبها الصحة، نعم.

بالنسبة للكتب الستة؛ البخاري فيه اثنان وعشرون حديثًا ثلاثيًّا، غالبها سبعة عشر جاءت من طريق المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، سبعة عشر، وخمسة من طريق غيره، فالبخاري فيه اثنان وعشرون حديثًا، مسلم ما فيه ولا حديث ثلاثي، أعلى ما فيه الرباعيات، مع أن فيه أربعة أحاديث في مسلم هي أعلى من صحيح البخاري، يعني يرويها مسلم عن راوٍ مباشرة، هذه الأحاديث يرويها البخاري عن ذلك الراوي بواسطة، فهي في صحيح مسلم أعلى منها في صحيح البخاري، وليس فيها ولا حديث ثلاثي.

سنن أبي داود حديث واحد في الحوض...

في سنن أبي داود؟ ولا عون المعبود الكبير ولا شيء؟

طالب:.......

سنن أبي داود فيه حديث أبي برزة في الحوض يرويه أبو داود بواسطة ثلاثة، والثلاثي من هذا الحديث هو الموقوف على أبي برزة، وأما بالنسبة للمرفوع فليس بثلاثي؛ لأن فيه واسطة رجل مبهم، في أواخر سنن أبي داود حديث الحوض.

طالب:.......

لا، الأول، هذا الأول.

على كل حال سنن أبي داود ليس فيه حديث مرفوع ثلاثي، الموقوف نعم حديث أبي برزة، وأما المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه بواسطة رجل مبهم، فهو في الحقيقة رباعي وليس بثلاثي، إذن الخلاف في كون سنن أبي داود فيه حديث ثلاثي أو ليس فيه حديث ثلاثي مرده إلى هذا، وأبو داود يروي الخبر عن طريق ثلاثة، لكن الثلاثي هو الموقوف، يعني بينه وبين أبي برزة رجلان، ثم بعد ذلك لما دخل أبو برزة على الأمير الذي حدث بالحديث عن أبي برزة رجل مجهول، مبهم، فقال رجل: جرى كذا وكذا بين أبي برزة والأمير في حديث الحوض، فالمرفوع إنما هو ثلاثي، فالذي أثبت نظر إلى أصل القصة، والذي نفى نظر إلى أن المقصود هو ماذا؟ المرفوع، والمرفوع فيه واسطة، فهو رباعي.

عرفنا أن صحيح البخاري فيه اثنان وعشرون حديثًا ثلاثيًا، مسلم ليس فيه حديث ثلاثي وإن كان في أحاديث أربعة أحاديث هي أعلى منها في صحيح البخاري، أبو داود حديث واحد -حديث الحوض- هو الذي يختلف فيه هل هو ثلاثي أو رباعي؟ الترمذي فيه حديث أو حديثان ثلاثيان لكنهما ضعيفان، سنن ابن ماجه فيه أيضًا خمسة أحاديث ثلاثية ضعاف، أما سنن النسائي فلتأخر وفاته ما في مطمع أن يوجد فيه ثلاثي، ليس فيه مطمع، أما بالنسبة للنوازل في الكتب الستة، الأحاديث النازلة في الكتب الستة ففيه حديث: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا في صحيح البخاري، هذا أنزل أحديث فيه وهو حديث تساعي، نازل جدًّا، وفي سنن النسائي أنزل حديث أو أطول إسناد كما قال النسائي في الدنيا حديث يروى في فضل سورة الإخلاص، وفي إسناده ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، يعني في طبقة واحدة ستة، تتوقع هذا عال وإلا نازل؟ في غاية النزول، وهذا أنزل ما يوجد في الكتب الستة، قال:

وطلب العلو سنة.........

 

......................

يعني طريقة متبعة عند أهل هذا الشأن، عند أهل الحديث؛ ولذلك كثرت فيهم الرحلة، يعني الرحلة عند أهل الحديث أكثر منها عند غيرهم، يعني الرحلة عند الفقهاء نادرة؛ لأنهم لا يطلبون علوًّا، الرحلة عند غيرهم من أهل الفنون أقل من الرحلة عند أهل الحديث؛ لأنهم يختصرون بهذه الرحلة رواة، قد يحدثه في بلده شيخ عن شيخ في بلد آخر، فيرحل إليه فيسقط راوٍ من السند، فيعلو هذا الإسناد، طلب العلو سنة، والرحلة صُنف فيها، صنف فيها الخطيب، الرحلة عند أهل الحديث صنف فيها الخطيب مصنفًا جمع فيها ما وقع له ممن رحل بسبب حديث أو حديثين أو أكثر من ذلك، بدءًا من الصحابة إلى نهاية عصر الرواية، والرحلة معروفة عند أهل الحديث، وفي تراجم الأئمة في السير وتذكرة الحفاظ وغيرهما يندر أن يوجد عالم ما رحل، كل هذا من أجل العلو ولقاء الشيوخ، والاستغناء عن الوسائط الذين بسببهم يدخل الخلل إلى بعض الأسانيد.

.............سنة وقد

 

فضل بعض النزول........

بعضهم فضل النزول، لكنه ليس من أهل هذا الشأن، ما في أحد من المحدثين فضل النزول إلا بمرجح آخر، إما لذات النزول يعني الرواة في السند العالي بمنزلة الرواة في السند النازل ما في أحد من أهل الحديث يفضل النازل على العالي، وقيل للإمام علي بن المديني في مرض موته ماذا تشتهي؟ قال: "بيت خال وإسناد عال".

والناس في عصرنا هذا حتى من طلاب العلم لا يطيق البقاء في مكان خالٍ، لا بد أن يبحث عمن يؤنسه، وذلكم سببه كون كثير من الناس لا إلف له بالأنس بالله -جل وعلا-، ولا اعتاد الذكر مع الخلوة، والله المستعان، بيت خال وإسناد عال، قال: "وقد ** فضل بعض النزول" الذين فضلوا النزول هم من أهل النظر، يعني بعض الفقهاء وبعض المتكلمين قالوا: إن النزول أفضل، والسبب أن النزول عند دراسته يحتاج من المشقة والتعب والعناء أكثر من العلو، يعني إذا كان الإسناد ثلاثيًّا يمكن أن تدرس الإسناد بنصف ساعة، وإذا كان تساعيًّا تحتاج إلى ثلاثة أضعاف هذا الوقت، والأجر على قدر النصب، الأجر على قدر التعب، فهو أفضل، هذه حجة من يفضل النزول.

يقول الحافظ العراقي وغيره من أهل العلم: إن المشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، ونظير ما ذكر هنا يقول: نظير من يذهب إلى المسجد مع الطريق الأبعد تحصيلًا لكثرة الخطا ولو فاتته الجماعة، ولو فاتته الجماعة، واضح التنظير؟ نعم.

يقول: الآن العلو مفضل عند أهل العلم، عند أهل الحديث، والنزول مفضل عند من لا صلة له بعلم الحديث، وما تلذذوا بتحصيل العوالي ولا رحلوا من أجلها، أقول: لا، تدرس إسنادًا عاليًا بمدة تحتاج إلى ضعفها أو أكثر في الإسناد النازل، يقول الحافظ العراقي: نظير هذا من يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة مع الطريق الأبعد لتحصيل أجر الخطا أكثر، ولو ترتب على ذلك فوات الجماعة، أيهم أفضل؟

طالب:.......

بلا شك، لا إشكال ولا مقارنة، ولو قيل: إنه إذا ذهب مع الطريق الأبعد لا أجر له، قدر زائد على الطريق الأدنى؛ لأن هذه المشقة وهذه الخطا لم تطلب لذاتها وليست غاية، إنما طلبت تحصيلًا للهدف والغاية التي هي الصلاة.

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

نعم، هو يفترض المسألة في شخص خرج مع الأذان إلى المسجد مع الطريق الأبعد، بحيث وصل بعد ربع ساعة مع الإقامة أو ثلث ساعة، والثاني تأخر ربع ساعة ومشى مع الطريق الأقرب ووصلا جميعًا، أيهم أفضل؟

طالب:.......

ما هو بأبعد هو نفسه، البيت خمسين خطوة، لكن بدلًا من أن يأتي رأسًا إلى المسجد هذا راح يدور الحارة، له أجر على دوران الحارة؟ المقصود أن مثل هذا تنظيرهم، كما أن دراسة الإسناد مع أنه يمكن أن يستغنى عنه بدون ذلك ليس من مقاصد الشرع، يعني التعب في مثل هذا ليس وراءه أرب.

....................وقد

 

فضل بعض النزول وهو رد

يعني مردود على قائله، نعم؟

طالب:.......

نعم إيه.

طالب:.......

لا، لا.

طالب: يعني أنا....... يكثر فيه راوي الحديث يعني يمكن يصل تسعة.

تسعة نعم.

طالب: مثلًا يروي الحديث تسعة........

ما هم يشهد بعضهم لبعض، يروي بعضهم عن بعض.

طالب: لكن تحملوا........

لا، لا لو كانوا يشهد بعضهم لبعض يعني يأتي من تسعة طرق أفضل بلا شك، لكن من طريق واحد، أنت الآن تقول: إن فلان قدِم مثلًا، عالم من علماء مصر قدم إلى الرياض، كونك أنت مباشرة رأيته أفضل من كونه ينقله لك آخر، بواسطة واحد، واحد ينقله لك أفضل من كونه ينقل بواسطة اثنين، وكونه تنقله بواسطة اثنين، أفضل من كونك تنقله بواسطة ثلاثة، كل واحد من هؤلاء يحتمل أن يتطرق الخلل إلى الخبر من قِبله.

طالب: هذه وجهة نظر نعم، لكن هناك وجهة نظر.... القصة بحد ذاتها قد يطمئن لها القلب.

ما يطمئن مع كثرة الوسائط، يطمئن مع قلة الوسائط.

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

لا، لا ما هي المسألة مفترضة بضعفاء كلهم ثقات، لكن ما من واحد إلا ويحتمل أنه أخطأ من هؤلاء الثقات، احتمال الخلل وارد، هذا النوع من أنواع علوم الحديث لا شك أنه مطلب عند أهل الحديث، وسنة متبعة، ويرحلون من أجله، لكن إذا عارضه ما هو أولى منه وأقوى وأدخل في الصحة من كون رواة الإسناد النازل أوثق من رواة الإسناد العالي فلا قيمة له، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يعني في مقابل اهتمام المحدثين بهذا النوع، قال: ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله، وقد قال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر، فيكون الأجر على قدر المشقة، وهذا لا يقابل ما ذكرناه والله أعلم.

هذا في تعليقاته.

طالب:.......

لا، هو يمكن أن يوجه كلام الأخ فيما إذا كان النازل يتداوله الأئمة، يعني سند يتداوله الأئمة، ولو كونهم أكثر، لا شك أن طمأنينة النفس إليه أكثر، لماذا؟ لأنه إن احتمل أن يخطئ الذي قبله فلن يمر الخطأ على الذي يليه، ما داموا أئمة حفاظًا؛ ولذا قالوا: إن من القرائن التي تجعل خبر الواحد يفيد العلم كونه يتداوله الأئمة، كالذي يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، لماذا؟ وهو خبر واحد في الأصل لا يفيد في أصله إلا الظن، قالوا: مثل هذا تدل القرينة على أنه يفيد العلم مقطوع به، لماذا؟ لأنه لو احتمل أن يخطئ ابن عمر استدرك نافع، ولو احتمل أن يخطئ نافع استدرك مالك، ولو أخطأ مالك لن يمر هذا الخطأ على الشافعي، ولو أخطأ الشافعي لن يمر أيضًا على الإمام أحمد، لعلك تقصد مثل هذا، فإن كان هذا فيما إذا تداوله الأئمة على العين والرأس.

طالب:.......

أين؟

طالب:.......

هو في مسند الإمام أحمد أربع جمل مجموعة في حديث واحد، ما فيه إلا هو، في مسند الإمام أحمد يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.

طالب: أقول يا شيخ كثرة رواة السند، حديث واحد يا شيخ؟

هي أربع جمل مفرقة في البخاري وغيره، لكنها مجموعة عند أحمد.

طالب: كثرة طرقه.

لا، إذا كثرت الطرق لا شك أنه أفضل من الإسناد الواحد، "وقسموه خمسةً" يعني قسموا العالي إلى خمسة أقسام: الأول: الذي هو العلو المطلق.

..........................
إن صح الإسناد..............

 

قربٌ من الرسول وهو الأفضلُ
..........................

بهذا الشرط.

القسم الأول: العلو المطلق، وهو القرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الأفضل؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الإسناد هو الغاية، هو الغاية، وهو العلو المطلق، فكلما قرب منه -عليه الصلاة والسلام- بقلة الوسائط والرواة فهو أفضل، وهو أعلى، هذا العلو الذي ينبغي أن يسمى علوًّا بخلاف العلو النسبي؛ لأنه قد يعتريه نزول على ما سيأتي، أما هذا لا يعتريه نزول بحال من الأحوال.

"وهو الأفضلُ ** إن صح الإسناد" بهذا الشرط، لا بد أن يصح الإسناد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان بإسناد ضعيف فلا يفرح بمثل هذا العلو، يعني بعض المحدثين يعني ممن لا عناية لهم بالتصحيح والتضعيف والتعليل فرحوا بأسانيد لا قيمة لها؛ لأنها عالية على حد زعمهم، وفيها من فيها من الضعفاء والمتروكين والكذابين، حتى أن بعضهم أثبت الرواية عمن ادعى الصحبة من المتأخرين، يقول: علو، وكذاب دجال، يقول: هذا علو، يعني بيني وبين الرسول ثلاثة، وهو في القرن السابع مثلًا؛ لأنه روى عمن ادعى الصحبة ممن جاء متأخرًا، كرتن الهندي أو ما أشبه ذلك، يعني بعد الستمائة يقول: صحابي! وتبعه أناس وصدقه آخرون، لكن ما يمكن أن يمشي مثل هذا الكلام على عاقل، مع أنه وجد في العصور المتأخرة ممن يروي الحديث ممن هو عامي، لا يميز، وتجد الطلاب عليه يتزاحمون، لماذا؟ لأنه أُحضر في درس قد يكون قبل التمييز، وأجيز به وطال عمره، عاش مائة سنة، وحضر قبل مائة سنة عن شخص مات من تسعين سنة، هذا علو، لكن ما يفرح بمثل هذا؛ لأن العبرة بالدراية، الرواية تثبت بها الأخبار، وينتهي دورها عند هذا الحد، لكن الغاية العظمى النظر في المتون، تقرأ على عامي لا يستطيع أن يصحح لك كلمة، وتترك إمام من أئمة المسلمين من أهل العلم والنظر والدراية والخبرة، العلم والعمل، كل هذا لأنه أنزل بدرجة أو درجتين، هذا وُجد في العصور المتأخرة، ولا شك أن هذا إفراط في طلب العلو، وهذا غير مقبول إطلاقًا.

..........................
إن صح الإسناد...........

 

قربٌ من الرسول وهو الأفضلُ
............................

يعني بهذا القيد.

"وقسم القرب ** إلى إمام" قد يكون الواسطة بينك وبين إمام من أئمة الحديث كالزهري مثلًا، أو شعبة، أو الثوري، أو مالك يكون الإسناد بينك وبين هذا الإمام أقل من إسناد ترويه عن غيره، هذا علو، لماذا؟

لأنك إذا وصلت إلى هذا الإمام فإن هذا الإمام من أهل النقد يضمن لك ما بعده، فإذا قربت من هذا الإمام فكأنك قربت من الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هؤلاء أئمة نقاد، فإذا كانت الوسائط بينك وبينه أقل هذا علو.

"وقسم القرب ** إلى إمام"، وقد يكون -وسيأتي الكلام فيه- ولو جُعل معه لكان أولى، يعني القرب من أصحاب الكتب المصنفة، يعني أنت تروي صحيح البخاري بإسناد بينك وبين الإمام البخاري خمسة عشر، وغيرك يروي صحيح البخاري بواسطة عشرين، أو ثمانية عشر، فأنت أعلى منهم بلا شك، لماذا؟ لأنه من لازمه أن يكون بينك وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا العدد، ولا شك أن هذا داخل في النسبي كما أن الذي قبله أيضًا داخل في النسبي، قال:

.........................

بنسبة للكتب الستة إذ

 

................وعلو نسبي
.........................

بالنسبة إلى الكتب الستة.

.........................

 

ينزل متن من طريقها أخذ

الآن أنت إذا رويت صحيح البخاري أو صحيح مسلم بوسائط أقل هذا علو، قد يقول قائل: لماذا لا يكون هذا علوًّا مطلقًا، كيف علو مطلق؟ لأنك إذا رويت البخاري من طريق خمسة عشر وغيرك يرويه من طريق ستة عشر أو سبعة عشر صرت أقرب إلى الرسول منه، نعم، واضح؟ يعني صار بينك وبين الرسول في الثلاثيات ثمانية عشر، والثاني صار بينه وبين الرسول عشرين، فهذا قرب مطلق، علو مطلق، لكن من يروي عن صحيح البخاري بواسطة ثمانية عشر، وأنت ترويه بأقل بستة عشر، بخمسة عشر، يكون الحديث النازل في البخاري التساعي أعلى من الثلاثي عنده، يعني يرويه من طريق ثمانية عشر، أضف إليه البخاري والثلاثة الذي بينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- يكون المجموع اثنين وعشرين، وأنت تروي البخاري من طريق خمسة عشر، عال، هذا التساعي مثلًا يكون بينك وبين الرسول أربعة وعشرين، أكثر، ومع ذلك أنت أعلى منه، لماذا؟ لقربك من هذا الإمام، هذا علو نسبي، وهو القرب بالنسبة للكتب الستة.

.......................إذ

 

ينزل متن من طريقها أخذ

يعني أنت لو أخذت حديثًا من صحيح البخاري مثلًا، حتى لو..، خلنا نجمع الكتب كلها، يعني أخذت التساعي من طريق البخاري لن تصل إلا بأربعة وعشرين، نعم لكن لو أخذت هذا الحديث من غير طريق البخاري الذي يوجد عنده عاليًا كأحمد مثلًا، ولا تقول: إن أخذ الحديث من أحمد أو من الموطأ أعلى مطلقًا مما في البخاري، أنت احسب من يروي عن أحمد ممن يساوي البخاري؛ لأن أحمد من شيوخ البخاري، ومالك من شيوخ شيوخه، فاحسب هذا العدد، لا تقول: والله أنا أروي ثنائيات مالك أعلى مما أروي ثلاثيات البخاري، لا، احسب هذه المدة التي بين الإمام مالك وبين الإمام البخاري.

......................إذ

 

ينزل متن من طريقها أخذ

أنت أخذت من طريق عبد الرزاق بواسطة عشرين راويًا، وبإمكانك أن تروي عن طريق عبد الرزاق بواسطة الطبراني عن الدبري يكون بينك وبينه أقل براويين أو ثلاثة، هذا العلو النسبي بالنسبة لمصنف عبد الرزاق، رويت حديث: (الأعمال بالنيات) من غير طريق البخاري، ممن يوجد عنده الحديث أعلى، أو ((ويل للعرب)) قد يوجد عند الأئمة بسند أعلى من سند البخاري، فأنت من غير طريق البخاري رويت هذا الحديث صار بالنسبة لك أعلى ممن يرويه بواسطة صحيح البخاري.

فإن يكن في شيخه قد وافقه

 

مع علو فهو الموافقه

هذه الأمور بالنسبة لمن تأخر دونها خرط القتاد، ولذلك يقول الشيخ أحمد هنا -أحمد شاكر- في مسألة المساواة والمصافحة يقول: "هذان النوعان المساواة والمصافحة لا يمكنان في زماننا هذا -سنة 1355هـ- ولا فيما قاربه من العصور الماضية؛ لبعد الإسناد بالنسبة إلينا" وهو واضح، لا يمكن أن تساوي البخاري بحال من الأحوال وأنت متأخر، لا يمكن، ما يمكن أن تصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة تسعة، الحافظ العراقي يمكن، عنده تساعيات، فهو مساوٍ للبخاري في هذا الحديث، هذه مساواة، لكن بالنسبة للعصور المتأخرة مستحيل، يعني يمكن أن تساوي -وإن كان فيه بُعد شديد لكن الاحتمال قائم- أن تساوي البيهقي مثلًا؛ لأنه إذا وجد تساع عند البخاري فعند البيهقي يمكن بضعة عشر، بعض الأحاديث عنده، فأنت يمكن أن تساوي البيهقي، وقس على هذا كلما تأخر المؤلف يمكن أن تساويه؛ لأن عنده الوسائط كثيرة، وبإمكانك أن تحرص على الأسانيد العالية، فتحصل على بعض الأحاديث بما يساوي ما عند البيهقي، وهذا كله تنظير، مجرد تنظير.

فإن يكن في شيخه قد وافقه

 

مع علو فهو الموافقه

عندنا من الآن؟ الحافظ العراقي عنده تساعيات وعشاريات، في التساعيات يساوي البخاري، في العشاريات يساوي النسائي.

فإن يكن في شيخه قد وافقه

 

مع علو فهو الموافقه

يعني إذا كان وافقه في شيخه، يعني من غير طريقه، هل يمكن أن تصل إلى حديث مساوٍ لسند البخاري عن طريق شيخ البخاري؟ مستحيل، لماذا؟ لأنه يلزم عليه أن يكون شيخ البخاري عُمّر قرون؛ لتروي عنه مثل ما روى عنه البخاري المتوفى في منتصف القرن الثالث.

أو شيخ شيخه كذاك فالبدل

 

.........................

فإن يكن في شيخه قد وافقه

 

.........................

يعني هذا المتأخر وافق البخاري في شيخه مباشرة، هذه موافقة، يعني كأنك وافقته، إن كانت في شيخ شيخه فهو البدل.

........................

فهو المساواة............

 

وإن يكن ساواه عدًا قد حصل
..........................

يعني بالنظر إلى عدد الرواة.

........... وحيث راجحه

 

الأصل بالواحد فالمصافحه

يعني أنت تروي أو نفترض الحافظ العراقي يروي الحديث من طريق عشرة: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هذا بالنسبة له عال، بالنسبة للبخاري نازل، إذا كان يرويه تساعيًّا فهي المساواة، وإن كان يرويه عشاريًّا -لأن الحافظ العراقي عنده عشاريات- إن كان يرويه عشاريًّا فالمصافحة، كيف قالوا: مصافحة؟ قالوا: لأن التلميذ..؛ لأنه بمنزلة تلميذ البخاري، الذي يروي الحديث عن البخاري -إذا كان البخاري عنده تساعي- فالذي يرويه عنه عشاري، وعند الحافظ العراقي عشاري كأن العراقي من طلاب البخاري، والعادة أن الطالب إذا رأى شيخه صافحه، هذه المصافحة، هذا مجرد اصطلاح في التسمية، وإلا الشيخ إذا رأى تلميذه صافحه، والزميل إذا رأى زميله أو قرينه صافحه، لكن هذا مجرد الاصطلاح، وفيه أيضًا بيان ما كانوا عليه من أن الطالب هو الذي يبادر.

ثم علو قدم الوفاةِ

 

......................

تروي عن شيخ حديث لكن هذا الشيخ مات من خمسين سنة، وأنت تروي عنه هذا الحديث، وغيرك يروي هذا الحديث عن شخص تأخرت وفاته عن الأول بأربعين سنة، وإن كان العدد واحدًا، بينك وبينه وبين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، تروي صحيح البخاري عن شخص مات قبل خمسين سنة، وشخص يرويه عن قرين لذلك الشيخ الذي مات قبل خمسين سنة، تأخرت وفاته بعد زميله أربعين سنة، من تقدمت وفاته السماع منه علو بالنسبة لمن تأخرت وفاته، وهذا العلو سببه أن الرواية عن ذلك الشيخ في حال قرب روايته عن شيخه، افترض أن زيدًا وعمرًا رويا صحيح البخاري عن بكر، زيد مات بعد الرواية بسنة، أنت رويت عنه قبل أن يموت ثم عمرو تأخر بعده خمسين سنة، ما الذي يلزم عليه؟ أن روايتك عن هذا الذي تأخرت وفاته بعد مدة طويلة، احتمال أن يكون حصل في حفظه شيء من خلال هذه المدة، الإنسان ينسى، بمعنى أنك لو رويت عنه بنفس المدة يعني أنت رويت من هذا ورويت من هذا في وقت واحد بعد روايتهما عن شيخهما بسنة، فتأخر الوفاة ما له أثر، إنما تأخر الوفاة مظنة لتأخر الرواية؛ ولذلك سوف يأتي قدم السماع وضده تأخر السماع.

ثم علو قدم الوفاةِ
لآخر............

 

أما العلو لا مع التفاتِ
....................

هذا العلو إذا نظرت إليه كيف عرفت أنه علو؟ كيف عرفت أن هذا علو؟ بالنظر لآخر روى عنك متأخرًا عن ذلك الشيخ، أو روى عن شيخ تأخرت وفاته عن ذلك الشيخ، فأنت علو بالنسبة لرواية آخر عن هذا الشيخ، لكن لا تنظر إلى آخر، ما في واحد شاركك في الرواية عن ذلك الشيخ ولا عن زميله، أنت رويت الحديث عن زيد الذي مات قبل خمسين سنة، ورويت الحديث عن عمرو الذي تأخر خمسين سنة، بغض النظر عن رواية غيرك، كيف نعرف أن هذا علو وهذا نزول؟ نعم؟ كيف نضبط أن هذا تقدم وهذا تأخر؟ يعني يكفي عشر سنين؟ يكفي عشرين سنة؟ يكفي أربعين سنة على شان نسميه علوًّا؟ لأنه الآن ما عندك شيء تقارن به، والعلو إنما يعرف بالنزول، والنزول يعرف بضده، الآن ما عندك شيء تقارن به، قال:

....................
لآخر...............

 

أما العلو لا مع التفاتِ
.......................

يعني تستطيع أن تقارن به، يعني كيف عرفنا أن التساعيات عند الحافظ العراقي أو العشاريات عوالي؟ كيف عرفنا؟ إذا قارناه بالأئمة، قلنا: عوال، ولو قارناه بمن جاء بعده واختصر بعض الرواة نعم قلنا: نازل، فالعلو والنزول إنما هو بالنظر لآخر، لكن أنت تريد علوًّا لا بالنظر لآخر، كيف أعرف أن روايتي...؟ أنت مثلًا روايتك عن الشيخ ابن باز أو الألباني -رحمهما الله- وقد توفيا قبل ثمان سنوات أو ما يقرب من تسع سنوات، ثمان سنوات وزيادة؟ نعم؟ يعني فرق بين من روى عن الشيخ ابن باز سنة أربعمائة وعشرين، وبين من روى عنه سنة تسعين، نعم، فمثلًا لو قدر أني رويت عنه أنا من سنة تسعين وسنة عشرين بغض النظر عن غيري، أيهما أعلى؟ سنة تسعين، لكن ما المدة التي يمكن أن نحدد فيها أن هذا عال وهذا نازل؟ قال:

........فقيل: للخمسينا

 

.....................

يعني خمسين سنة.

.......فقيل: للخمسينا

 

أو الثلاثين..............

المسألة كلها اجتهاد، اعتبارية يعني ما لها...، باعتبار أن أثرها في التصحيح والتضعيف إنما هو..، ولو قيل: إنها من ملح هذا العلم.

......فقيل: للخمسينا

 

أو الثلاثين مضت سنينا

يعني فرق بين ألف وأربعمائة وعشرين وبين ألف وثلاثمائة وتسعين، قد يقول قائل: إذا كان المنظور إليه في تقدم الوفاة أو تأخر السماع هو اجتماع رأي الشيخ، وعدم تطرق الخلل إليه مع طول المدة، قد يكون هذا الشيخ حفظ في أول الأمر حفظه فيه خلل، يعني ما ثبّت حفظه، ثم بعد مدة طويلة درّس هذا الكتاب وعلمه، وتردد عليه، يكون الرواية عنه في آخر الأمر أفضل بلا شك، لكن في الجملة أن حفظ الشباب أقوى من حفظ الشيوخ. قال -رحمه الله-:

ثم علو قدم الوفاةِ
لآخر................

 

أما العلو لا مع التفاتِ
....................

يعني على الصرف، الأصل أنه ممنوع من الصرف، لكنه صرف للضرورة.

.....فقيل: للخمسينا
ثم علو قدم السماعِ

 

أو الثلاثين مضت سنينا
...................

يعني فرق بين أن تروي عن شيخ مات قديمًا في أول أيام طلبك، وبين شيخ عمّر فشاركك في الرواية منه تلاميذك وتلاميذهم، وأيضًا فرق بين أن تروي عن شيخ واحد في أول أمره ومجتمع واكتمال قواه، وبين أن تروي عنه بعد أن اعتراه ما اعتراه مع طول الوقت.

ثم علو قدم السماعِ

 

وضده النزول كالأنواعِ

يعني إذا كانت أقسام العلو خمسة فأقسام النزول خمسة.

..............
وحيث ذُم فهو ما لم يجبرِ

 

وضده النزول كالأنواعِ
والصحة العلو عند النظرِ

حيث ذُم النزول، متى يُذم النزول؟ إذا تطرق الخلل إليه، وكذلك يُذم العلو إذا كان في الطريق من يدخل الخلل إلى الحديث من قِبله.

....... فهو ما لم يجبرِ

 

والصحة العلو عند النظرِ

يعني المرد في ذلك كله والحَكَم هو الصحة، بنظافة الأسانيد، بثقة الرواة، واتصال الأسانيد، المعول على هذا أولًا وآخرًا، لكن إذا استوت هذه الأسانيد من حيث ثقة الرواة، وضبطهم وإتقانهم، واتصال الأسانيد فلا شك أن القول بتفضيل العلو هو المتجه.

فيه كلام للحافظ ابن كثير -رحمه الله- قال: "أشرف أنواع العلو ما كان قريبًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما العلو بقربه إلى إمام حافظ، أو مصنف، أو بتقدم السماع فتلك أمور نسبية، وقد تكلم الشيخ أبو عمرو هاهنا على الموافقة، وهي انتهاء الإسناد إلى شيخ مسلم مثلًا، والبدل: وهو انتهاؤه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه، والمساواة: وهي أن تساوي في إسنادك الحديث لمصنف، والمصافحة: وهي عبارة عن نزولك عنه بدرجة حتى كأنه صافحك به وسمعته منه، وهذه الفنون توجد كثيرًا في كلام الخطيب ومن نحا نحوه، وقد صنف الحافظ ابن عساكر في ذلك مجلدات، وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون".

هنا يقول الشيخ أحمد شاكر: "القسم الرابع من أقسام العلو: تقدم وفاة الشيخ الذي تروي عنه عن وفاة شيخ آخر، وإن تساويا في عدد الإسناد قال النووي في التقريب: فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم؛ لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف، وقد يكون العلو بتقدم وفاة شيخ الراوي مطلقًا لا بالنسبة إلى إسناد آخر ولا إلى شيخ آخر، وهذا القسم جعل بعضهم حد التقدم فيه مضي خمسين سنة على وفاة الشيخ وجعله بعضهم ثلاثين -الذي أشار إليه المؤلف هنا –الناظم- الخامس: العلو بتقدم السماع فمن سمع من الشيخ قديمًا كان أعلى ممن سمع منه أخيرًا، كأن يسمع شخصان من شيخ واحد أحدهما سمع منه منذ ستين سنة مثلًا، والآخر منذ أربعين، فالأول أعلى من الثاني.

قال في التدريب: "ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف" يعني أن سماع من سمع قديمًا أرجح وأصح من سماع الآخر، أو الآخِر، يعني المتأخر.

ثم إن النزول يقابل العلو، وكل إسناد عال فالإسناد المقابل له إسناد نازل، وبذلك يكون النزول خمسة أقسام أيضًا كما هو ظاهر.

يقول: "وقد تغالى كثير من طلاب الحديث وعلمائه في طلب علو الإسناد، وجعلوه مقصدًا من أهم المقاصد لديهم حتى كاد ينسيهم الحرص على الأصل المطلوب في الأحاديث، وهو صحة نسبتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-... يقول: وتأمل في كلمتي ابن المبارك والسِّلفي اللتين نقلنا آنفًا، واجعلهما دستورًا لك في طلب السنة، والتوفيق من الله -سبحانه وتعالى-... قال: وقال ابن المبارك: ليس جودة الحديث قرب الإسناد، بل جودة الحديث صحة الرجال، وقال السِّلفي: الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة، على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذٍ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق.

اللهم صل وسلم..

في اهتمام من قبل طلاب العلم على مر العصور إلى وقتنا هذا بتحصيل الأسانيد والإجازات، وتجد طالب العلم الحريص على هذه الأمور يضيع من المهمات ما هو أضعاف ما يحصله من هذه الأجايز التي في أسانيدها ما يعتريها من ضعف، ثم تجده يسافر الأيام والليالي ويقضي الأوقات ويضيع المهمات كله من أجل أن يقول: حصلت على كذا إجازة، وعندي إجازة من فلان أو علان، ولو اقتصر على واحدة أو اثنتين ممن يرتضيهم من أهل العلم، ممن يرتضي علمه وعمله كان أولى من هذا الجمع الذي أكثره لا قيمة له إلا مجرد قول إن عنده إجازات.

يعني كون الإنسان يحتفظ بإجازة أو إجازتين أو ثلاث من شيوخ يعتز بالانتساب إليهم، أفضل بكثير من أن يجمع عشرات، بل مئات الإجازات من شيوخ لا قيمة لهم، ولا اعتبار بهم، ويضيع بسبب ذلك ما هو أهم من النظر في المتون والاستنباط والعمل، إضافة إلى تحصيل العلوم الأخرى المعينة على تحصيل نصوص الوحيين، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"