التعليق على تفسير القرطبي - سورة العنكبوت (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {16} إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {17} وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ {18} أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {19}}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِبْراهِيمَ} قَالَ الْكِسَائِيُّ: {وَإِبْراهِيمَ} مَنْصُوبٌ بِـ {أَنْجَيْنَا} يَعْنِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى نُوحٍ وَالْمَعْنَى وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِمَعْنَى وَاذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ."

هذا القول الثالث النصب يُذكَر هذا، مر بنا مرارا وسيأتي كل ما من شأنه النصب في مثل هذا الموضع وهو أشمل من جميع ما ذُكِر بل ما ذُكِر من التقديرات قد لا يناسب السياق يعني أنجينا إبراهيم إذ قال لقومه أي حين قال لقومه، لكن إذا قُدِّر العام دخل فيه جميع الألفاظ الخاصة فإذا قال اذكر إبراهيم إذ قال لقومه يعني اذكر شأنه قصته مع قومه إذ قال لقومه ما قال كذبوه إلى أخر ما جاء في قصته فهو أولى ما يقدر به يقدر بالعام وما ذكر من التقديرات الخاصة داخل فيه.

"{إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أَيْ أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ. {وَاتَّقُوهُ} أَيِ اتَّقُوا عِقَابَهَ وَعَذَابَهُ. {ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} أَيْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً} أَيْ أَصْنَامًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّنَمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نُحَاسِ، وَالْوَثَنُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ جِصٍّ أَوْ حِجَارَةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الْوَثَنُ الصَّنَمُ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ وَأَوْثَانٌ مِثْلُ أُسْد وَآسَاد."

هذا القول بالترادف مثل الصنم الوثن يقول الجوهري الوثن الصنم ومنهم من يفرق بأن الصنم ما صُوِّر على صورة صورة حي، والوثن ما ليس له صورة يعني هو شخص بدون تصوير على كل حال هذه الأوثان وهذه الأصنام التي اتخذ عُبادها من حجارة وغيرها لا شك أنها كلها باطلة والإله الحق هو الله -جل وعلا- وحصل من عابِديها أمور لا تحصل من الصبيان أمور مضحكة وحصل منها وعليها هذه المعبودات ما ينفر من عبادتها كما قال الشاعر:

أرب يبول الثعلبان برأسه

 

لقد هان من بالت عليه الثعالب

حجر لا ينفع ولا يضر عمر -رضي الله عنه- يقول أين عقولنا حينما كنا نعبد التمر ثم نأكله؟! ووجد من يعبد النجاسات -نسأل الله العافية- ووجد من يعبد الفروج ووجد من يعبد القردة ووجد من يعبد أشياء لا يقرها عقل فضلا عن نقل فالإله الحق هو الله -جل وعلا- دون ما سواه.

ألا إن كل شيء خلا الله باطل

 

.....................................

وهذه أصدق كلمة قالها شاعر.

"{وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى {تَخْلُقُونَ} تَنْحِتُونَ، فَالْمَعْنَى إِنَّمَا تَعْبُدُونَ أَوْثَانًا وَأَنْتُمْ تَصْنَعُونَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِفْكُ الْكَذِبُ، وَالْمَعْنَى تَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَتَخْلُقُونَ الْكَذِبَ."

يعني كما يقال هذا كلام مختلق أي مكذوب.

"وَقَرَأَ أبو عبد الرحمن: {وَتَخَلَّقُونَ}. وقرئ {تُخَلِّقُونَ} بِمَعْنَى التَّكْثِيرِ مِنْ خَلَّقَ وَ{تَخَلَّقُونَ} من تَخَلَّق بمعنى تَكَذَّب وتخرَّص."

ويجوز أن تكون على قراءة أبي عبد الرحمن تَخَلَّقون يعني تَتَخَلَّقون يعني تجعلون الإفك خلُق لكم، نعم لا يزال الرجل يكذب ويأفك ويبهت حتى يكون ذلك خلُقه كما أنه لا يزال يتعلم ويتصبر ويلزم الصدق حتى يكون ذلك خلُقه.

 "وقرئ {أَفِكًا} وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا نَحْوَ كَذِب وَلَعِب وَالإِفْكُ مُخَفَّفًا مِنْهُ."

التخفيف هنا بتسكين المتحرك التخفيف معناه تسكين المتحرك.

"وَالإِفْكُ مُخَفَّفًا مِنْهُ كَالْكَذْب وَاللِّعْب. وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً عَلَى فَعِلٍ أَيْ خَلْقًا أَفِكًا."

تخلقون خَلْقًا أَفِكًا، خَلْقًا مصدر تخلقون، أفِكًا والأَفِك صيغة مبالغة مثل حَذِر.

"وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً عَلَى فِعْلٍ أَيْ خَلْقًا أَفِكًا أَيْ ذَا إِفْكٍ وَبَاطِلٍ."

وكذا كل صفة لشيء محذوف، كما قيل زيدٌ عدلٌ أي ذا عدالة فوصف بمصدر مبالغة.

 "وَ {أَوْثاناً} نُصِبَ بِـ {تَعْبُدُونَ} وَمَا كَافَّةٌ. وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ رَفْعُ أَوْثَانٍ عَلَى أَنْ تُجْعَل مَا اسْمًا لأَنَّ {تَعْبُدُونَ} صِلَتُهُ، وَحُذِفَتِ الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خَبَرَ إِنَّ. فَأَمَّا {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْفِعْلِ لا غَيْرُ. وَكَذَا {لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}."

نعم إفكًا منصوب بتخلقون لا غير بينما أوثانًا يجوز أن يكون منصوبا بتعبدون، تعبدون أوثانًا ويجوز على قراءة الرفع يكون خبر إن ويجوز أيضا على نصبه أن يكون خبر إن أيضا على قول من يقول إن إن تنصب الجزئين ويقول بعض العرب وعليه يُخَرَّج قول بعض المؤذنين من العوام أشهد أن محمدًا رسولَ الله فعلى لغة من يذهب بأن الجزئين يكون الأذان صحيح وعلى اللغة المعروفة عند جمهور النحاة يكون الأذان باطل لأن إن ما استوفت الخبر.

"{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} أَيْ اصْرِفُوا رَغْبَتَكُمْ فِي أَرْزَاقِكُمْ إِلَى اللَّهِ فَإِيَّاهُ فَاسْأَلُوهُ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ. {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} فقيل: هو من قوله إِبْرَاهِيمَ أَيْ التَّكْذِيبُ عَادَةُ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ عَلَى الرُّسُلِ إِلا التَّبْلِيغُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَالتَّوْبِيخِ لَهُمْ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لِذِكْرِ الأمم كأنه قال أولم يَرَ الأُمَمُ كَيْفَ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: {تَرَوْا} بِالتَّاءِ خِطَابًا، لقول {وَإِنْ تُكَذِّبُوا} وَقَدْ قِيلَ: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا} خِطَابٌ لِقُرَيْشٍ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ."

الاحتمال الأول هو ما ذكره قيل هو من قول إبراهيم وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم هو من قول إبراهيم لقومه والاحتمال الأقوى أنه من قول الله -جل وعلا- وعلى كل حال هو من كلام الله -جل وعلا- لكن هل هو على لسان إبراهيم -عليه السلام- أو من قول الله ابتداء باعتبار أنه موجه لهذه الأمة من كذب من هذه الأمة خطابا لقريش ومن يكذب من يأتي بعده يتجه إليه {وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم} يعني ليس ببدع تكذيبكم لكن تحملوا ما ينتج عن تكذيبكم مثل ما حل بالأمم السابقة المكذبة ويكون تهديد للجميع.

"{ثُمَّ يُعِيدُهُ} يعني الخلق والبعث. وقيل: المعنى أولم يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الثِّمَارَ فَتَحْيَا ثُمَّ تفنى ثم يعيدها أبدا. وكذلك يبدأ خلق والإنسان ثُمَّ يُهْلِكُهُ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ مِنْهُ وَلَدًا، وَخَلَقَ مِنَ الْوَلَدِ وَلَدًا. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ. أَيْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ قُدْرَتَهُ عَلَى الإِبْدَاءِ وَالْإِيجَادِ فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْإِعَادَةِ."

التخصيص بالثمار أو بالإنسان أو بالحيوان لا وجه له فالآية تمثل الجميع {ألم يروا كيف يبدأ الله الخلق} كل ما ينصب ينطبق عليه الوصف الذي هو الخلق يدخل في الآية سواء كان من الثمار أو من الحيوان أو من غيرهم من مخلوقات الله ما هو موصوف بأنه مخلوق.

 "{إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} لأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ له كن فيكون."

كل ذلك يسير البدء والإعادة كل ذلك يسير على الله -جل وعلا- لأنه يكون بكلمة كن فيكون سواء كان استوفى ذلك البدء أو لا وإن كانت الإعادة أهون عليه ولا يعني أن كون الإعادة أهون عليه والبدء شاق عليه أبدا الجميع بكلمة كن لكن أسلوب على سبيل التنزل الذي يبدئ الخلق كيف يصعب عليه أن يعيده مرة ثانية لأن الابتداء في العادة أشد من الإعادة فعلى سبيل التنزل إذا كان الله –جل وعلا- هو الذي بدأ الخلق فكيف يكون الإعادة ممتنعة في حقه بل هي أهون عليه وهذا على سبيل التنزل لا يفهم من أفعل التفضيل هنا أن كون الإعادة أهون بمعنى أن البدء أشق لكن كلٌ حصل بكلمة كن {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}  ويقصد بذلك البدء الإعادة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ سِيرُوا فِي الأَرْضِ {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَتَفَاوُتِ هَيْئَاتِهِمْ وَاخْتِلافِ أَلْسِنَتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ، وَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَدِيَارِهِمْ وَآثَارهُمْ كَيْفَ أَهْلَكَهُمْ، لِتَعْلَمُوا بِذَلِكَ كَمَالَ قُدْرَةِ اللَّهِ."

وهذه من فوائد الأسفار النظر والاعتبار هذه من فوائد الأسفار وأُلِّفَ في ذلك الكتب الإسفار عن فوائد الأسفار كتب في الرحلات وفي الأسفار ذكرت فوائدها ويلمس الإنسان هذه الفوائد بنفسه إذا سافر ولا شك أن الأسفار فيها الفائدة العظيمة للإنسان ولو لم يكن من ذلك إلا والاعتبار والادكار لكن شريطة ألا يعارض هذا الاعتبار بارتكاب المحرمات أو سفر محرم يعني يكون السفر محرم وإذا كان السفر محرم هذا لا فائدة به بل هو ضرر وإن ترتب عليه بعض الفوائد المغمورة بجانب ارتكاب هذا المحرم نقول مثل هذا لا يجوز إذا كان يزاول المحرم في سفره فلن يستفيد من سفره ألبتة قد يستفيد في أمور دينه وقد يستفيد شيء من أمور دنياه لكن هذه مغمورة لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح يعني بعض الناس يكون مسافر لطلب العلم تطلب العلم تطلب الحديث تطلب التفسير القرآن وعلوم القرآن تطلب العقائد من الكفار حصل مع الأسف الشديد يعني سافر بعضهم لمواصلة الدراسة في السنة مثلا ويشرف عليه يهودي مستشرق ما الفائدة من هذا العلم الذي يحصل بهذه الطريقة هذا وبال يعين كما قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في ترجمة ابن عربي قال والله إن العيش خلف أذناب البقر خير من علم مثل علم ابن عربي فكيف يسمح النفس أن يسافر الإنسان لعلوم الكتاب والسنة ولدراسة العقائد ولدراسة أحكام الشريعة على كفار أعداء الملة وأعداء الإسلام والمسلمين والله المستعان ولا شك أن الأسفار لها فضائل فضائل ملموسة كل إنسان يلاحظها ولو لم يكن في ذلك إلا النظر في آيات الله والنظر في أصناف الناس وأخلاقهم وطبائعهم -والله المستعان- قال الله تعالى {قل سيروا في الأرض} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم كل هذه عبر لكن كثير مع الأسف من يسافر من أبناء المسلمين لا يلقي لهذه الأمور بالا ولا يجعلها نصب عينيه ولا يستدل بها على قدرة الله -جل وعلا- وعظمته إنما يهمه شأنه ما سافر من أجله سواء كان مباحا أو محرما -نسأل الله العافية-.

"{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ {النَّشَاءَةَ} بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الرَّأْفَةِ وَالرَّآفَةِ وَشَبَهَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: أَنْشَأَهُ اللَّهُ خَلَقَهُ، وَالاسْمُ النَّشْأَةُ وَالنَّشَاءَةُ بِالْمَدِّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ."

الراغب الأصفهاني له كتاب اسمه تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين مطبوع ومتداول، يتحدث عن النشأة الأولى والآخرة.

"{إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} أَيْ بِعَدْلِهِ. {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ} أَيْ بِفَضْلِهِ. {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تُرْجَعُونَ وَتُرَدُّونَ."

يعني القدرية يرون أن العذاب ظلم من الله -جل وعلا- لمن عذبه وهذه الرحمة التي يرحم بها من يشاء على حد زعمهم أن الله -جل وعلا- يجب أن يسوي بين العباد لماذا يعذب هذا ولماذا يوفق هذا ولا يوفق هذا؟! وذكرتُ مثالا يوضح وإن كان الله -جل وعلا –لا يُسأل عما يفعل وفعله هو العدل والحكمة وهو الفضل أيضا فضربت مثالا قلت لو أن شيخا مدح كتابا لطلابه يعني من باب النصيحة قال الكتاب الفلاني من أنفع الكتب لطلاب العلم انقسم الطلاب إلى ثلاث أقسام منهم من استعجل وخرج من الباب يبحث عن المكتبات يبحث عن هذا الكتاب وتعب بحث عن عشر مكتبات عشرين مكتبة بعضهم وجد وبعضهم ما وجد، ومنهم من سأل الشيخ أين يوجد هذا الكتاب؟ فدله الشيخ على موضع لدار النشر التي طبعت الكتاب، والقسم الثالث ولعلهم يعني من خواص الشيخ أو شيء من هذا قالوا ما عندك زيادة نسخة تعطينا منه فأعطاهم منه فهؤلاء الذين خرجوا يبحثوا ما ظلمهم الشيخ يجدون أو ما يجدون الله أعلم والذين دلهم على مكانه هؤلاء أيضا استفادوا أكثر ممن استعجلوا أو خرجوا والذين قالوا للشيخ ما عندك زيادة نسخة أو الشيخ بنفسه أعطاهم ووزع عليهم ما بقي عنده إلا عشر نسخ بقي عشرة من الطلاب أعطى كل واحد نسخة هل يكون الشيخ ظلم من تعجل وخرج يبحث ولا وجد؟ لا، لا يكون ظالما بل هو نصحهم وبين لهم ودلهم على الكتاب النافع لكن الناس يتفاوتون ولله المثل الأعلى ولا يسأل عما يفعل لكن إذا وجد هذا العدل في تصرفات المخلوقين الذين هم محل الظلم فكيف يوصف الخالق بأنه ظالم؟! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا فالله -جل وعلا- هدى الخلق {وهديناه النجدين} وبين ووضح على ألسنة رسله وألزمهم وأجبرهم وجعل الرسل تقاتلهم ومع ذلك يأبون وهل من وارء كل ذلك حجة أو مستمسك لأحد؟! لا، أبدًا.

"{وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ وَلا مَنْ فِي السَّمَاءِ بِمُعْجِزِينَ اللَّهَ. وَهُوَ غَامِضٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِلضَّمِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّانِي."

نعم يختلف الضمير أو يختلف متعلق الجار والمجرور في الموضعين من غير بيان فيكون غموضه من هذه الحيثية ما أنتم بمعجزين في الأرض لأنكم في الأرض ولا في السماء يعني الأصل أن يكون أنتم الذين في الأرض لا تعجزون لا في الأرض ولا في السماء لكن أنتم لستم في السماء لتعجزوا في السماء ولذلك احتيج إلى التقدير كما قال الفراء ما أنتم بمعجزين في الأرض التي أنتم سكانها ولا من في السماء وهم سكانها بمعجزين لله -جل وعلا- ولا شك أن فيه غموض لأن الاختلاف في التقدير يحتاج إلى ما يدل عليه قال "وهو غامض في العربية للضمير الذي لم يظهر في السماء" في الثاني ولو قال قائل أنتم لا تعجزون في الأرض  مع أنكم متمكنون منها قادرون عليها بما أخباركم الله -جل وعلا- تضربونها عرضا وطولا لا تعجزونه فكيف تعجزونه في السماء التي لا قدرة لكم عليها؟!

"وَهُوَ كَقَوْلِ حَسَّانَ:

فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ

 

وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ

أَرَادَ وَمَنْ يَمْدَحُهُ وينصره سواء، فأضمر من، وقاله عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَما مِنَّا إِلا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} أَيْ مَنْ لَهُ. وَالْمَعْنَى إِنَّ اللَّهَ لا يُعْجِزُهُ أَهْلُ الأَرْضِ فِي الأَرْضِ وَلا أَهْلُ السَّمَاءِ إِنْ عَصَوْهُ. وَقَالَ قُطْرُبٌ: وَلا فِي السَّمَاءِ لَوْ كُنْتُمْ فِيهَا، كَمَا تَقُولُ: لا يَفُوتُنِي فُلانٌ بِالْبَصْرَةِ وَلا هَاهُنَا، بِمَعْنَى لا يَفُوتُنِي بِالْبَصْرَةِ لَوْ صَارَ إِلَيْهَا. وَقِيلَ: لا يَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: وَالْمَعْنَى وَلا مَنْ فِي السَّمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ مَوْصُولَةً وَلَكِنْ تَكُونُ نَكِرَةً."

يعني يقربه ما يروى «لو كان العلم بالثريا لناله رجال من فارس» هذا في الأرض لكن لو قدر أنه في الثريا لوصل العلم إلى هناك لنالوه على كل حال حينما يقول الحاكم المقتدر الذي عنده الجيوش لو أن عدوه بجزائر البحار أو بطبقات السحاب أو ما أشبه ذلك لأدركهم فهؤلاء لا يعجزونه لقدرته عليهم فكيف القادر المقتدر الذي على كل شيء قدير، يقول يمدح الخليفة:

تطلبهم على ........................

 

.......................................

يعني أعداؤه.

تطلبهم على الأمواه حتى

 

تخوف أن تفتِّشه السحاب

حتى تخوف السحاب من أن يُفتَّش عن الأعداء يعني لو صاروا فيه، كل هذه على سبيل التنزل أما الله -جل وعلا- على كل شيء قدير.

"وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: وَالْمَعْنَى وَلا مَنْ فِي السَّمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ مَوْصُولَةً وَلَكِنْ تَكُونُ نَكِرَةً و{فِي السَّماءِ} صِفَةٌ لَهَا، فَأُقِيمَتِ الصِّفَةُ مقام الموصوف. ورد ذلك على ابن سُلَيْمَانَ. وَقَالَ: لا يَجُوزُ. وَقَالَ: إِنَّ مَنْ إِذَا كَانَتْ نَكِرَةً فَلا بُدَّ مِنْ وَصْفِهَا فَصِفَتُهَا كَالصِّلَةِ، وَلا يَجُوزُ حَذْفُ الْمَوْصُولِ وَتَرْكُ الصِّلَةِ، قَالَ: وَالْمَعْنَى إِنَّ النَّاسَ خُوطِبُوا بِمَا يَعْقِلُونَ، وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاءِ مَا أَعْجَزْتُمُ اللَّهَ، كَمَا قَالَ {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} {وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} وَيَجُوزُ {نَصِيرٌ} بِالرَّفْعِ على الموضع، وتكون مِنْ زائدة. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ}."

زائدة من حيث الإعراب بحيث لو حذفت لاستقام المعنى وإن كانت تفيد في المعنى من حيث المعنى التأكيد في النفي وإلا لو قيل ما لكم من دون الله ولي ولا نصير استقام الكلام لكن وجودها لا شك أنه لتأكيد النفي وتقدم اختيار بعضهم أنه لا يرى في القرآن شيء زائد مع إمكان توجيهه، مر في الدرس الماضي ومثَّل {فبما نقضهم}.

قال: قال أبو الحسن بن كيسان: وأنا أختار أن أجعل لما موضعًا في كل ما أقدر عليه. في الدرس الماضي نحو قوله -عز وجل-: {فبما رحمة من الله} وكذا {فبما نقضهم} وكذا {أيما الأجلين قضيت} ما في موضع خفض في هذا كله وما بعده تابع له وكذا في قوله {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة} ما في موضع نصب وبعوضة تابع لها يعني بدل منها أو بيان.

"{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ} أَيْ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِمَا نَصَبَ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْأَعْلامِ. {أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} أَيْ مِنَ الْجَنَّةِ وَنَسَبَ الْيَأْسَ إِلَيْهِمْ وَالْمَعْنَى أُويِسُوا. وَهَذِهِ الْآيَاتُ اعْتِرَاضٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَذْكِيرًا وَتَحْذِيرًا لِأَهْلِ مَكَّةَ. ثُمَّ عَادَ الْخِطَابُ إِلَى قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: {فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ} حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيقِهِ {فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ}."

يعني ترددوا، في كيفية القضاء عليه هل تكون بالقتل أو بالتحريق في أول الأمر ترددوا ثم اتفقوا كما اختلف إخوة يوسف كيف يتخلصون منه ثم اتفقوا على إلقائه في الجب.

 "{فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ}"أيْ مِنْ إِذَايَتِهَا {إِنَّ فِي ذلِكَ} أَيْ فِي إِنْجَائِهِ مِنَ النَّارِ الْعَظِيمَةِ حَتَّى لَمْ تُحْرِقْهُ بَعْدَ مَا أُلْقِيَ فِيهَا {لآياتٍ}. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ {جَوابَ} بِنَصْبِ الْبَاءِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ."

فما كان جوابَ.

 "وَ{أَنْ قالُوا} فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمُ كَانَ."

{أن قالوا} أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم كان، كان قولُهم جوابَ قومِه كان قولُهم اقتلوه جوابَ قومِه ولا شك أن السنة الإلهية جرت بأن النار محرقة ولم يستثنَ منها إلا إبراهيم -عليه السلام- وما جاء في أبي مسلم الخولاني كرامة وبالنسبة لإبراهيم معجزة ويبقى ما عدا ذلك إن كان ممن يستحق الكرامة واحتاج إليه في مقابلة خصمه الذي يحاجُّه في دينه أو يريد أن يفتنه في دينه أو يحتاج إلى هذه الكرامة لأي أمر من الأمور وإلا فالأصل أن النار محرقة سنة إلهية لا تتخلف إلا لمعجزة أو كرامة وعلى هذا ما يشاع عن بعض الناس أنهم يمشون على الجمر ويدخلون في النيران وهذا وُجِد في القديم والحديث وأن هذا احتراف لا شك أنه لا يخلو إما أن يكون معجزة والرسالة انقطعت بمحمد -عليه الصلاة والسلام- خُتمت النبوات خُتمت بحمد -عليه الصلاة والسلام- فالمدعي لها كذَّاب ولو مشى على النار ولو دخل في النار ولو طار في الهواء والكرامة باقية في أولياء الله -جل وعلا- وكما تكون للأولياء أيضًا تكون للشياطين كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيه شيء من هذا لهؤلاء وهؤلاء وتكون للأولياء كرامة لهم وتكون للشياطين أيضًا استدراجًا لهم ولأعوانهم -نسأل الله السلامة والعافية- واستُدرِجوا عباد القبور كلمهم الشيطان من داخل القبر -نسأل الله السلامة والعافية- وقد يخرج بصورة المقبور ويخاطبهم ويزعم أنه يغيثهم كل هذا من باب الاستدراج ذكر هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- فالأحوال ثلاثة إما معجزة لنبي فمن يدعي النبوة بعد محمد -عليه الصلاة والسلام- هذا كاذب لا إشكال في كذبه متنبئ هذا وأخبارهم كثيرة ووجد منهم الثلاثون الذين هم الرؤوس الكبار ووجد من يدعي النبوة من المعاتيه والمجانين وأيضا كرامات الأولياء باقية لهم عند الحاجة إليها وقد تحصل لولي ولا تحصل لمن هو أعظم منه ولاية بحسب الحاجة إليها قد يقع الولي في مأزق قد يحتاج إليها في تثبيته قد يحتاج إليها في دعوته فيعان بها وهذه موجودة في القديم والحديث وما عدا ذلك فهي مخارق الشيطان -نسأل الله السلامة والعافية- هذا استدراج من الشيطان فالذين يمشون على الجمر هؤلاء هل يحتاجون لهذه الكرامات؟! هل وقعوا في ورطات وهم أولياء، أعمالهم عرضت على الكتاب والسنة فوجدت موافقة لنقول كرامات؟! أبدا هذه ليست بكرامات فهي من الصنف الثالث -نسأل الله السلامة والعافية- وإن قالوا أنها احتراف وخفة وما أشبه ذلك -والله المستعان-.

طالب: ......

والله الاحتساب موجود ولله الحمد لكن في شاليه بجدة وجد في غرفة من هذا الشاليه المحترف فلان، مَن دخل عليه لا يشك أنه ساحر ويُروَّج له أنه خفيف التصرفات خفيف الحركات ويفعل ويترك ويجعل الطاولة التي بين يديه تدور في السقف ويجعل الرجل رأسه تحت ورجليه فوق وهكذا المقصود أنه وجد وهذه هي أفعال السحرة بلا شك ثم بعد ذلك مُنِع قبض عليه من قِبَل رجال الحسبة ومُنِع ويوجد بعضهم وهم في طريقهم -إن شاء الله تعالى- إلى التغيير -ونسأل الله جل وعلا- أن يوفق المسؤولين أن يقضوا على دابر هؤلاء هناك أفعال قد يقال أنها خفة ومع الأسف أنها قد تعرض في بعض القنوات المحسوبة على أهل الخير ويجعل السيارة تدور في جُبٍّ كأنه الجُب حق الماء تنبعث من أسفله فتطلع هكذا والجُب هكذا تدور حتى تطلع منه هل نستطيع أن نقول هذه خفة؟! يعني إذا قيل أنه في سرعة معينة يستطيع أن يتصرف في السيارة لكن قبل أن تصل إلى هذه السرعة! على كل حال مثل هذه الأمور ولو قُدِّر أن منها ما هو خاضع للتدريب والخفة على ما زعموا يجب أن يمنع لأنه حينئذ يتلبس الحق بالباطل وكل يدعي الخفة وكل يدعي الاحتراف على هذا فيجب منع الجميع وفي عصر الرشيد جاء شخص إلى هارون الرشيد وقال له معي مائة إبرة أستطيع أن أغرز الأولى في الأرض أرميها فتقع منتصبة على الأرض وأرمي الثانية فتقع في جبها والثالثة في جب الثانية والرابعة إلى المائة كل واحدة تدخل في جب الإبرة التي قبلها هذا احتراف أو إعانة شياطين؟ يمكن أن يكون احتراف، ووجد من يستعمل السلاح بدقة وعناية ممن يلتقط عود الكبريت من بين الإصبعين هذا خاضع للاحتراف لكن ما الفائدة من هذا العمل؟! فقال الرشيد أعطوه مائة درهم واجلدوه مائة جلدة يعني صح احتراف وخفة يد ويعجب الناظر لكن يحتاج إلى من يؤدب مثل هذا فلا بد من تأديبهم.

طالب: هل يعلن في الجزاء مثل هذا؟

يعلن ويشترك فيه أناس ممن يُظَن فيهم الخير وروجوا له -والله المستعان-.

طالب: ... خاصية النار أنها خاصية احتراق سنة إلهية كيف يغير بمبدأ القناعة إذا اقتنع أن النار باردة...

اقتنع وجرِّب، يعني هذا الذي يدخل من فم البعير ويخرج من دبره هل نقول هذه قناعة وبالفعل حصل أو ما حصل؟! ما يحصل أبدا هذا السحر هذا التخييل على الناس وهذا التمويه عليهم فالدخول في بطن الحيوان ما خُرِق إلا ليونس -عليه السلام- النار ما خرقت إلا لإبراهيم -عليه السلام- يعني من وصل إلى منزلتهم فليفعل ما يشاء.

طالب: من يشترك في هذه الدورات يُفتَن عندما يرى مدرِّب يمشي على الجمر أو بعض المشتركين يمشون على الجمر نفس الشيء ويأتي يقول أنا مشيت على الجمر فهل هذا من قبيل السحر؟

قل له يمشي على الجمر في بيته يشعل الجمر في بيته ويمشي عليه ولو اقتنع، لا، هناك لبس كبير في المسألة قد يكون هناك إعانة من شياطين من غير شعور لفتنة الناس عن دينهم قد يوجد إعانة من شياطين -الله المستعان- كل هذا من أجل لبس الحق بالباطل.

"وَقَرَأَ سالم الأفطس وعمرو بن دِينَارٍ:" جَوَابُ" بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ" كانَ" وَ" إِنَّ" فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ نَصْبًا."

يعني مثل ما قُرئ ليس البرُّ أن تولوا قُرئ ليس البرَّ أن تولوا عندك ليس تحتاج إلى اسم وخبر فاسمها البر وخبرها المصدر المنسبك من أن وما دخلت عليه أو العكس.

"وَقالَ إِبْرَاهِيمُ {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} وَقَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ:" مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ". وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ:" مَوَدَّةٌ بَيْنِكُمْ"، وَالْأَعْشَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَابْنِ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشِ {مَوَدَّةٌ بَيْنَكُمْ}."

القراءة الأولى، {مودةَ بينِكم} توجيها ظاهر على الإضافة والثانية {مودةٌ بينِكم} والثالثة {مودةٌ بينَكم} أيضا هذه ظاهرة لأن بين ظرف حقه النصب ولا أضيف إليه شيء فقطع عن الإضافة فرجع إلى أصله وهو النصب والأول مضاف وظهر عليه الجر والقراءة الأخيرة الباقون {مودةُ بينَكم} هذه القراءة مع أن المقتضى مقتضى الرفع المجرد من التنوين الإضافة الأول مضاف والثاني منصوب على الظرفية فهل نقول أنه مضاف إليه لكنه مبني على الفتح في محل جر كما يقتضيه رفع مودة من غير تنوين لأنه لو قطع عن الإضافة صار مثل {مودةٌ بينكم} مثل التي قبلها هذا مقطوع عن الإضافة ولا إشكال فيه والقراءة الأولى {مودةَ بينِكم} مضاف ولا إشكال فيه الإشكال في القراءة الثانية والرابعة هما متقابلتان قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي {مودةٌ بينِكم} هذا مقطوع عن الإضافة فكيف جُرّ ما بعده {مودةٌ بينِكم} هذا مُشْكِل القراءة الرابعة لم ينوَّن مودَّة لماذا؟ للإضافة لأن التنوين إنما يحذف للإضافة.

نونًا تلي الإعراب أو تنوين

 

مما تضيف احذف ..............

عندنا أربع قراءات الآن الأولى والثالثة ما فيهما إشكال الإشكال في الثانية والرابعة {مودةٌ بينِكم} ما فيه مضاف بدليل أنه منوَّن فكيف جُرَّ الظرف، القراءة الرابعة {مودةٌ بينَكم} حذف التنوين للإضافة ونصب المضاف إليه هل نقول أنه مبني على الفتح في محل جر؟ وهناك {مودةٌ بينِكم} قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي {مودةٌ بينِكم} والقراء الباقون يقولون {مودةُ بينَكم} الإشكال ظاهر أو ليس بظاهر؟ كيف يُحَلّ هذا الإشكال؟

طالب: بالتقدير؟

الآن بَيْن ظرف والظرف حقه النصب إلا إذا كان مضافًا إليه أو مضافًا إلى جملة صدرها مبني والآن في الموضعين الثاني والرابع حُذِفَ التنوين في الرابع لماذا؟ للإضافة ومع ذلك نُصِب الظرف وفي الموضع الثاني أُثْبِتَ التنوين للقطع عن الإضافة ومع ذلك جُرَّ الظرف ولو عكسنا في الموضعين الثاني والرابع لاتفقا مع الأول والثالث فصارت القسمة ثنائية ما تصير رباعية فأما قراءة ابن كثير ففيها ثلاثة أوجه.

"والْبَاقُونَ {مَوَدَّةُ بَيْنَكُمْ} فَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْن كَثِيرٍ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ."

يعني قراءة حفص وحمزة تحتاج إلى توجيه؟

طالب: لا.

لا تحتاج إلى توجيه ظاهرة لكن الذي يحتاج إلى توجيه قراءة ابن كثير فيها ثلاثة أوجه.

"ذَكَرَ الزَّجَّاجُ مِنْهَا وَجْهَيْنِ: أَحَدهُمَا أَنَّ الْمَوَدَّةَ ارْتَفَعَتْ عَلَى خَبَرِ إِنَّ وَتَكُونُ" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي، وَالتَّقْدِيرُ إِنَّ الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَيْ وَهِيَ مَوَدَّةٌ أَوْ تِلْكَ مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ. وَالْمَعْنَى آلِهَتُكُمْ أَوْ جَمَاعَتُكُمْ مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:" أَوْثاناً" وَقْفٌ حَسَنٌ لِمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّةَ بِإِضْمَارِ ذَلِكَ مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ، وَمَنْ رَفَعَ الْمَوَدَّةَ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ إِنَّ لَمْ يَقِفْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ أَنْ يَكُونَ" مَوَدَّةُ" رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ وَ" فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" خَبَرُهُ، فَأَمَّا إِضَافَةُ" مَوَدَّةَ" إِلَى" بَيْنِكُمْ" فَإِنَّهُ جَعَلَ" بَيْنِكُمْ" اسْمًا غَيْرَ ظَرْفٍ، وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ جَعَلَهُ مَفْعُولًا عَلَى السَّعَةِ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: يَا سَارِق اللَّيْلَةَ أَهْل الدَّارِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ وَهُوَ ظَرْفٌ، لَعِلَّةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا. وَمَنْ رَفَعَ" مَوَدَّةٌ" وَنَوَّنَهَا فَعَلَى مَعْنَى مَا ذُكِرَ، وَ" بَيْنِكُمْ" بِالنَّصْبِ ظَرْفًا. وَمَنْ نَصَبَ" مَوَدَّةَ" وَلَمْ يُنَوِّنْهَا جَعَلَهَا مَفْعُولَةً بِوُقُوعِ الِاتِّخَاذِ عَلَيْهَا وَجَعَلَ" إِنَّمَا" حَرْفًا وَاحِدًا وَلَمْ يَجْعَلْهَا بِمَعْنَى الَّذِي. وَيَجُوزُ نَصْبُ الْمَوَدَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ كَمَا تَقُولُ: جِئْتُكَ ابْتِغَاءَ الْخَيْرِ، وَقَصَدْتُ فُلَانًا مَوَدَّةً لَهُ" بَيْنِكُمْ" بِالْخَفْضِ. وَمَنْ نَوَّنَ" مَوَدَّةً" وَنَصَبَهَا فَعَلَى مَا ذكرَ" بَيْنَكُمْ" بِالنَّصْبِ مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمَنْ قَرَأَ" مَوَدَّةً بَيْنَكُمْ" وَ" مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ" لَمْ يَقِفْ عَلَى الْأَوْثَانِ، وَوَقَفَ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَمَعْنَى الْآيَةِ جَعَلْتُمُ الْأَوْثَانَ تَتَحَابُّونَ عَلَيْهَا وَعَلَى عِبَادَتِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا."

الآن على التوجيهات التي ذكرها انحل الإشكال في قراءة ابن كثير؟ ينحل الإشكال على قراءة ابن كثير؟ التي مقتضاها القطع عن الإضافة وجر بينكم ينحل الإشكال أو ما ينحل؟

طالب: لا.

ما ينحل الإشكال ولعل الخطأ في التشكيل فتُراجَع كتب القراءات ما دام قطعها عن الإضافة فيرجع الأمر إلى الظرف يرجع الأمر في الظرف إلى حالته الأولى وهو النصب مادام قطع عن الإضافة والإشكال في الموضع الرابع قطع عن الإضافة ومع ذلك حذف التنوين للإضافة ومع ذلك نُصِب المضاف إليه قد يأتي في بعض الأحيان في بعض الحالات الظرف مبني لكن هذا ليس موضعه ليس هذا موضعه فيُرجَع إلى كتب القراءات ويُنظَر ضبطها عند هؤلاء الأئمة.

"{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} تَتَبَرَّأُ الْأَوْثَانُ مِنْ عُبَّادِهَا وَالرُّؤَسَاءُ مِنَ السَّفَلَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} {وَمَأْواكُمُ النَّارُ} هُوَ خِطَابٌ لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الرُّؤَسَاء مِنْهُمْ وَالْأَتْبَاع. وَقِيلَ: تَدْخُلُ فِيهِ الْأَوْثَانُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} لُوطٌ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ إِبْرَاهِيمَ حِينَ رَأَى النَّارَ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ آمَنَ لُوطٌ بِإِبْرَاهِيمَ وَكَانَ ابْنَ أُخْتِهِ، وَآمَنَتْ بِهِ سَارَةُ وَكَانَتْ بِنْتُ عمه."

بنتَ.

"وكانت بنتَ عَمِّهِ."

سارة هذه ضبطها عند الأكثر بالتشديد سارَّة من السرور وخُفِّف التشديد استثقالا له وجرى الناس على التخفيف.

"{وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي} قَالَ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ: الَّذِي قَالَ:" إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي" هُوَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ قَتَادَةُ: هَاجَرَ مِنْ كوْثًا وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ إِلَى حَرَّانَ ثُمَّ إِلَى الشَّامِ، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ لُوطُ بْنُ هَارَانَ بْنِ تَارِخَ، وَامْرَأَتُهُ سَارةُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ حَرَّانَ إِلَى فِلَسْطِينَ. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً. وَقِيلَ: الَّذِي قَالَ:" إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي" لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِهِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ."

يعني من هذه الأمة وإلا النص يدل على أنه مسبوق في الأمم السابقة {وقال إني مهاجر إلى ربي} والضمير إذا قلنا أنه يعود إلى أقرب مذكور فالمراد به لوط وإذا قلنا أن السياق تابع لما قبله فالمهاجر إبراهيم -عليه السلام-.

 "قَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَمَعَهُ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَبْطَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- خَبَرُهُمْ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ رَأَيْتُ خَتنَكَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ."

تعني زوج ابنته.

"قَالَ «عَلَى أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِهِمَا» قَالَتْ: رَأَيْتُهُ وَقَدْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَى حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَةِ وَهُوَ يَسُوقُهَا."

ينعني تدب دبيبا وهو المشي البطيء، كما قال الشاعر:

زعمتني شيخا ولست بشيخ

 

إنما الشيخ من يدب دبيبا

يعني يمشي ببطء.

"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «صَحِبَهُمَا اللَّهُ إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ فَهِيَ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ سَنَة خَمْسٍ مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-."

مُخَرَّج؟

طالب: أخرجه البيهقي في الدلائل والطبراني كما في المعجم من حديث أنس.

أو المجمع.

طالب: كما في المجمع من حديث أنس ومداره على الحسن بن زياد البرجمي قال الهيثمي لا أعرفه وبقية رجاله ثقات وأخرجه من حديث زيد بن ثابت يعني الطبراني مختصرًا وفيه عثمان بن خالد متروك انتهى وله شواهد واهية انظر الدر.

الدر المنثور.

يعني هذا من أخبار السِّيَر مما لا يترتب عليه حكم شرعي جمهور أهل العلم يتسامحون في ذكر الضعيف فيها ويعتمدون عليها في المغازي والسِّيَر التي لا يترتب عليها حكم شرعي وإن كان الأصل أنَّ ما لا يصح لا يُقبَل.

طالب: مودة بينكم.

ما بها؟

طالب: في كتب القراءات {مودةُ بينِكم}.

هذه واضحة.

طالب: هذه لابن كثير ليست بالتنوين؟

أين؟ يقول قرأ ابن كثير {مودةٌ بينِكم}.

طالب: في كتب القراءات {مودةُ بينِكم} بالضم قرأ ابن كثير والكسائي ورويس وأبي عمرو.

بدون تنوين، واضحة هذه ما فيها إشكال.

طالب: والباقون {مودةً بينِكم}؟

مودةً؟! لا، {مودةَ بينِكم} كلاهما إذا كانت بينِكم بالجر فهو بدون تنوين سواء نصبنا مودة أو رفعناها.

طالب: الباقون {مودةً بينَكم} بالفتح والتنوين.

بالفتح والتنوين ما فيها إشكال.

"إِلى رَبِّي" أَيْ إِلَى رِضَا رَبِّي وَإِلَى حَيْثُ أَمَرَنِي. {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْهِجْرَةِ فِي" النِّسَاءِ" وغيرها، قوله تعالى: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ} أَيْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَادِ فَوَهَبَ لَهُ إِسْحَاقَ وَلَدًا وَيَعْقُوبَ وَلَدَ وَلَدٍ. وَإِنَّمَا وَهَبَ لَهُ إِسْحَاقَ مِنْ بَعْدِ إِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ مِنْ إِسْحَاقَ. {وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ} فَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مِنْ صُلْبِهِ. وَوَحَّدَ الْكِتَابَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمَصْدَرَ كَالنُّبُوَّةِ، وَالْمُرَادُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْفُرْقَانُ. فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَمْعِ. فَالتَّوْرَاةُ أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى مِنْ وَلَدِهِ، وَالْفُرْقَانُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. {وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا} يَعْنِي اجْتِمَاعَ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَيْهِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. وروى سفيان عن حميد ابن قَيْسٍ قَالَ: أَمَرَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنْسَانًا أَنْ يَسْأَلَ عِكْرِمَةَ عَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ" وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا" فَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ الْمِلَلِ كُلِّهَا تَدَّعِيهِ وَتَقُولَ هُوَ مِنَّا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: صَدَقَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً} أَيْ عَاقِبَةً وَعَمَلًا صَالِحًا وَثَنَاءً حَسَنًا. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ دِينٍ يَتَوَلَّوْنَهُ."

فاليهود يقولون إن إبراهيم كان يهوديا والنصارى يقولون كان إبراهيم نصرانيا فأهل الملل يدعونه والله -جل وعلا- كذبهم {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما} فكل أهل ملة يدَّعونه ولا يقدحون به ويتولونه وهذا من ذكره الحسن الذي أبقاه الله -جل وعلا- إلى قيام الساعة وهذا من أجل الدنيا.

طالب: نسبة عيسى أنه من ولد إبراهيم؟

عيسى؟ باعتبار الأم.

طالب: باعتبار الأم؟

باعتبار الأم نعم، وإلا لا أب له -عليه السلام-.

"وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ دِينٍ يَتَوَلَّوْنَهُ وقيل {آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا} أَنَّ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِهِ. {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} لَيْسَ" فِي الْآخِرَةِ" دَاخِلًا فِي الصِّلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ تَبْيِينٌ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" بَيَانُهُ. وَكُلُّ هَذَا حَثٌّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الدين الحق."

 ليس في الآخرة داخل في الصلة وإنما هو تبيين {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} الصِّلَة، أين الصِّلَة؟ {آتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} يقول ليس في الآخرة داخلا في الصلة وإنما هو تبيين يعني الأصل أن يقال وإنه لمن الصالحين يعني لا يختص صلاحه في الآخرة فإذا قلنا من باب المقابلة في الدنيا أوتي أجره وأعطي الصلاح في الآخرة يستقيم الكلام؟ لا يستقيم، وإنما هو مجرد تبيين تصريح بما هو مجرد توضيح ولا مفهوم له لأنا لو خصصنا صلاحه في الآخرة لكان في الدنيا أوتي أجره في الدنيا ولم يكن من أهل الصلاح وهذا غير مراد قطعًا.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْمَعْنَى وَأَنْجَيْنَا لُوطًا أَوْ أَرْسَلْنَا لُوطًا. قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ موبِّخًا أو محذِّرًا"

مثل ما تقدم وأن التقدير بالعام يدخل فيه الخاص يقول واذكر لوطا إذ قال لقومه يعني اذكر وذكِّر قومك بهذا استقام الكلام أما أنجينا لوطا إذ قال لقومه أنجيناه إذ قال.. بحيث قال لقومه كذا فهموا به فأنجيناه أو أرسلنا لوطًا إذ قال يعني تكون الظرفية هنا غير واضحة ولكن إذا أتينا بالتقدير العام اذكر لوطا إذ قال لقومه يعني اذكره بنفسك وذكِّره غيرَك أو اذكر ذلك لقومك يستقيم الكلام.

"{أإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ} "أَإِنَّكُمْ" تَقَدَّمَ الْقِرَاءَةُ فِي هَذَا وَبَيَانُهَا فِي سُورَةِ "الْأَعْرَافِ" وَتَقَدَّمَ قِصَّةُ لُوطٍ وَقَوْمِهِ فِي "الْأَعْرَافِ" وَ"هُودٍ" أَيضًا. {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} قِيلَ: كَانُوا قُطَّاعَ الطَّرِيقِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ: كَانُوا يَأْخُذُونَ النَّاسَ مِنَ الطُّرُقِ لِقَضَاءِ الْفَاحِشَةِ، حَكَاهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ قَطْعُ النَّسْلِ بِالْعُدُولِ عن النساء إلى الرجال. قاله وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. أَيِ اسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنِ النِّسَاءِ قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْجَمِيعَ كَانَ فِيهِمْ فَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ لِأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالْفَاحِشَةِ، وَيَسْتَغْنُونَ عَنِ النِّسَاءِ بِذَلِكَ. {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} النَّادِي الْمَجْلِسُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: كَانُوا يَحْذِفُونَ النِّسَاءَ بِالْحَصَى، وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْغَرِيبِ وَالْخَاطِرِ عَلَيْهِمْ. وَرَوَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-. قَالَتْ أم هانئ: سألت رسول الله -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قَالَ «كَانُوا يَحْذِفُونَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ فَذَلِكَ الْمُنْكَرُ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ."

يدخل في المنكر الذي لامُه إلى الجنس أقرب جميع المنكرات ومن أشنعها ما اختصوا به مما لم يسبقوا إليه وهو الفاحشة -نسأل الله العافية- المنسوبة إليهم لم يسبقوا إليها وإذا أتى الإنسان  المنكر في النادي لا يعني أنه إذا اختفى عن الناس ترك هذا المنكر لكنه إذا أتاه في النادي في العلانية فمعناه أنه لا خير فيه ولا علاج فيه إذا أتى المنكر علانية لأن الإنسان يستخفي بما يُستحيى منه فتجد الإنسان إذا استخفى عن جميع الناس أبدى شيئا لا يبديه لأحد فتجده في غرفة نومه يتعرى وقد يخرج بعض يظهر الأصوات بحيث لو وُجد عنده أي شخص أو أدنى إنسان ولو كان من أقرب الناس إليه ما فعل مثل هذا فإذا خرج من غرفة النوم إلى ما بجوارها تحفَّظ قليلا ثم إذا خرج إلى المكان الذي يوجد فيه الأولاد والأهل تحفَّظ ثم إذا برز من البيت إلى الجيران وكذا تحفظ أكثر ثم إذا جاء إلى مجتمع الناس وملئهم تحفظ أكثر فتجد الإنسان يتخفَّف مما يُستحيى منه شيئا فشيئا إلى أن يخلو بنفسه من غير رقيب إلا الله -جل وعلا- وهؤلاء بالعكس إذا كان أقبح ما عندهم في الملأ في مكان اجتماعهم فهؤلاء لا خير فيهم وقل مثل هذا فيمن يُشابههم ويوجَد من يأتي المنكر في الملأ سواء كان في ابتدائه أو في نهايته سواء كان صوَّره وزاوله في غرفة أو في مسرح أو ما أشبه ذلك ثم بُعث على الملأ ما يختلف -نسأل الله السلامة والعافية- ووسائل الإعلام سهَّلت مثل هذا النوع الذي قد لا تجرؤ عليه بعض البهائم والحيوانات فصار الإنسان حينما فقد الدين أو فقد آداب الدين أضل من الحيوان -نسأل الله السلامة والعافية-.

"وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ قَالَ مُعَاوِيَةُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِنَّ قَوْمَ لُوطٍ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَعِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ قَصْعَةٌ فِيهَا الْحَصَى لِلْخَذْفِ فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ عَابِرٌ قَذَفُوهُ فَأَيُّهُمْ أَصَابَهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ» يَعْنِي يَذْهَبُ بِهِ لِلْفَاحِشَةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ والقاسم بن أبي بزة والقاسم بن مُحَمَّدٍ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ. وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَبَعْضُهُمْ يَرَى بَعْضًا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ لَعِبُ الْحَمَامِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِالْحِنَّاءِ وَالصَّفِيرُ وَالْخَذْفُ وَنَبْذُ الْحَيَاءِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي بَعْضِ عُصَاةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَالتَّنَاهِي وَاجِبٌ. قَالَ مَكْحُولٌ: فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ عَشَرَةٌ مِنْ أَخْلَاقِ قَوْمِ لُوطٍ: مَضْغُ الْعِلْكِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِالْحِنَّاءِ، وَحَلُّ الْإِزَارِ، وَتَنْقِيضُ الْأَصَابِعِ، وَالْعِمَامَةُ الَّتِي تُلَفُّ حَوْلَ الرَّأْسِ، وَالتَّشَابُكُ، وَرَمْيُ الْجُلَاهِقِ، وَالصَّفِيرُ، وَالْخَذْفُ، وَاللُّوطِيَّةُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ قَوْمَ لُوطٍ كَانَتْ فِيهِمْ ذُنُوبٌ غَيْرُ الْفَاحِشَةِ، مِنْهَا أَنَّهُمْ يَتَظَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَشْتُمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَيَخْذِفُونَ وَيَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، وَيَلْبَسُونَ الْمُصَبَّغَاتِ، وَيَتَنَاقَرُونَ بِالدِّيَكَةِ، وَيَتَنَاطَحُونَ بِالْكِبَاشِ، وَيُطَرِّفُونَ أَصَابِعَهُمْ بِالْحِنَّاءِ، وَتَتَشَبَّهُ الرِّجَالُ بِلِبَاسِ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ بِلِبَاسِ الرِّجَالِ، وَيَضْرِبُونَ الْمُكُوسَ عَلَى كُلِّ عَابِرٍ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ كَانُوا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمُ اللُّوطِيَّةُ وَالسِّحَاقُ، فَلَمَّا وَقفَهُمْ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذِهِ الْقَبَائِحِ رَجَعُوا إِلَى التَّكْذِيبِ وَاللِّجَاجِ، فَقَالُوا: {ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ} أَيْ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا إِلَّا وَهُمْ مُصَمِّمُونَ عَلَى اعْتِقَادِ كَذِبِهِ. وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ مُعَانِدٌ يَقُولُ هَذَا ثُمَّ استنصر لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَةً لِعَذَابِهِمْ، فَجَاءُوا إِبْرَاهِيمَ أَوَّلًا مُبَشِّرِينَ بِنُصْرَةِ لُوطٍ عَلَى قَوْمِهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "هُودٍ" وغيرها. وقرأ الأعمش ويعقوب وحمزة والكسائي {لنُنْجِيَنَّه وَأَهْلَهُ} بِالتَّخْفِيفِ. وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ {إِنَّا مُنْجُوكَ وَأَهْلَكَ} بِالتَّخْفِيفِ وَشَدَّدَ الْبَاقُونَ. وَهُمَا لُغَتَانِ: أَنْجَى وَنَجَّى بِمَعْنًى. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ {إِنَّا مُنَزِّلُونَ} بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ."

ولا شك أن التشديد يدل على التكثير فأما إن كان إنجاؤه مرة واحدة فاللائق التخفيف وإن كان مرارًا فالتشديد.

طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة لمضغ العلك والعمامة وتطريف الأصابع..

هي متفاوتة على كل حال هي متفاوتة منها الخفيف ومنها ما أمره شديد وتطريف الأصابع وفرقعتها فهذا عند الحاجة إليه لا بأس به وما عدا ذلك الكراهة عند أهل العلم لاسيما في الصلاة وأما عند الحاجة إليه إذا وُجد التعب والإرهاق وكان من عادة الإنسان أن يفرقع أصابعه ليزول ذلك التعب تزول الكراهة بأدنى حاجة.

طالب: والعمامة التي تلف على الرأس ما المقصود بها؟

مما لا يشبه عمائم المسلمين التي فيها ما كان يفعله اليهود وغيرهم يعني عمائمهم ولو كان من أخلاقهم أحيانا تكون من أخلاقهم مما يوصفون بها يعني من علامات الخوارج التسبيد حلْق الشعر فهل نقل أن حلق الشعر حرام لأنه من علامات الخوارج والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمَر بحلق شعر أولاد جعفر لما استُشهِد؟ لكن أوصاف يُعرَفون بها.

طالب: هل يُنكَر على من مضغ العلك على الكراهة؟

والله الكراهة بالنسبة للرجال ظاهرة وإن احتيج إليه لتحريك الفم أو لأن في فكِّه ما يؤلمه بحيث يحتاج إلى تحريكه باستمرار صار علاجًا زالت الكراهة.

"وَقَوْلُهُ {وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي أبقيت وقاله أَبُو الْعَالِيَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ يُرْجَمُ بِهَا قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ آثَارُ مَنَازِلِهِمُ الْخَرِبَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْمَاءُ الْأَسْوَدُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَكُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ فلا تعارض."

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك...

"