شرح مختصر صحيح مسلم - كتاب المرض والطب

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ثم أما بعد: أيها الإخوة والأخوات أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله جميعًا في هذا الملتقى الطبي الشرعي الذي يقام في هذا الجامع المبارك ويجمع نخبة من علمائنا ومشايخنا والأطباء. أيها الإخوة في الله: هذا الجانب الطبي المهم في حياتنا اليومية لم يغفله شرعنا الحنيف، وما هذا المصنف أو هذا الكتاب مختصر صحيح مسلم في المرض والطب إلا مما قاله عليه الصلاة والسلام وجمعه أهل العلم، أيها الإخوة باسمكم جميعًا وباسم مركز الدعوة و الإرشاد بالدمام نرحب أجمل ترحيب بصاحب الفضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير على إجابة دعوتنا في هذا الملتقى الطبي والذي نفتتحه بهذا الدرس العلمي، وافتتاحنا لهذا الدرس هو بداية انطلاقة هذه الدورة التي تستمر إن شاء الله تعالى إلى بعد عشاء الغد- إن شاء الله تعالى- وأكرر شكرنا الجزيل لفضيلة شيخنا العلامة الشيخ الدكتور عبدالكريم على إجابة هذه الدعوة مع تزاحم أوقاته ودروسه في مدينة الرياض ودروسه الشهرية في بعض مناطق المملكة، إلا أنه أجاب هذه الدعوة فجزاه الله خير الجزاء وكتب خطواته ورفع قدره ونفعنا بعلمه فليتفضل فضيلة شيخنا مشكورًا مأجورًا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإن الدين الإسلامي شامل كامل لا يحتاج إلى مزيد، وقد أتمه الله جل وعلا وأكمله في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)) فديننا ولله الحمد لم يهمل أي جانب من جوانب الحياة، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"[ البخاري: 71] يعني في جميع أبوابه؛ ولذا كان على طالب العلم الذي يؤهل نفسه ليكون عالم أمة ومرجع من مراجع الدين يرجع إليه الناس في جميع مشكلاتهم ومعضلاتهم مما فيه حكم للشرع، عليه أن ينظر في جميع أبواب الدين ويخطئ من يظن أن حديث معاوية: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"  وما جاء في معناه: أن المراد به الحلال والحرام من العبادات والمعاملات والأنكحة والجنايات فقط، وإن كان الفقهاء يصدرون كتبهم بهذا الحديث، لكن المراد بالدين ما يشمل جميع أبوابه بدليل حديث جبريل- عليه السلام- حينما جاء يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"  [ مسلم:8] فالدين شامل لكل نواحي الحياة، وما من أمر يحتاجه المسلم إلا وقد جاء بيانه إجمالاً أو تفصيلاً في نصوص الدين وقواعده العامة الكلية والأغلبية كل هذا مبيّن ولله الحمد، وما من شاردة ولا واردة تمر بالمسلم أثناء حياته إلا ولها حكم في دين الله جل وعلا حتى قال القائل: إن استطاع أحدكم ألا يحك رأسه إلا بأثر فليفعل، فالدين شامل لجميع التصرفات،والأحكام الخمسة التكليفية ما تركت شيئا ولله الحمد والمنة، ومن ذلكم الطب الذي موضوعه الأبدان فضلاً عن الطب الشرعي الذي موضوعه القلوب، وطب الأبدان كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى جاء فيه من النصوص ما يكفي بحيث لا نحتاج إلى غيره إذا فقهنا، وما طب الأطباء إلى طب الأنبياء إلا ما هو أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز بالنسبة إلى طب الأطباء، يعني لو نسبنا ما عند الأطباء من علاج إلى ما جاء في شرعنا في هذا الباب فإنه  أقل مما لو نسبنا طب العجائز إلى طب الأطباء الحكماء الحاذقين نجد النسبة أقل، وما يلقّى بالوحي نسبته إلى ما يلقّى بالتجربة والقياس أعظم مما بين القدم والفرق، نسبة الطب الذي يتلقّى بالوحي بالنسبة للطب التجريبي يقول ابن القيم: أن النسبة أعظم مما بين القدم والفرق، القدم معروف لكن الفرق مفرق الرأس حينما يفرق الشعر إلى قسمين، فلهذا على طالب العلم أن يُعنى بهذا الباب، ويعتمد على الله جل وعلا الذي بيده الشفاء، ولا يلتفت إلى غيره كائنًا من كان ولو باشر وزاول الأسباب، هو مأمور بمباشرة الأسباب لكنه يعتمد أولاً وآخرًا على الشافي الذي لا شفاء إلا شفاؤه، هذا الطب النبوي لا بد أن يقتصر منه على الصحيح الثابت عنه عليه الصلاة والسلام، ومع الأسف أننا نجد مما أُلِّف في هذا الباب وقيل عنه إنه طب نبوي الكثير ممَّا ليس بذاك، و أفضل ما كتب فيه كتاب ابن القيم -رحمه الله تعالى- وإلا فقد كتبت فيه كتب أخرى خلطت بالطب القديم المبني على التجارِب الناقصة، كثير من كتب الطب القديم نتائجها ليست عن استقراء، تجد المؤلَّف في الطب كالقانون مثلاً لابن سينا، وكتاب الرازي الحاوي كتاب كبير طبع في ثلاثين جزءًا، و كتاب التذكرة للسويدي، وكتاب تذكرة داود أيضًا وغيرها،  والرحمة المنسوب للسيوطي، هذه كتب مُزج فيها شيء من الأمور التي بُنيت على استقراء ناقص، تجد الواحد من هؤلاء ينفع معه هذا المركَّب لهذا الشخص ثم يعممه على الناس كلهم ويدونه في كتابه، مع أنه قد يضر بالنسبة لبعض الناس؛ لأن الأبدان متفاوتة وقبولها لأنواع العلاج متفاوتة، والمقادير التي تعطى لهذا غير التي تعطى لهذا، ونجد في الطب الحديث من يختلف ما يختلف فيه صرف الدواء والعلاج من مريض إلى مريض، فتجد المريض يقول كٌلْ نصف حبة كل ساعتين أو كل باليوم مرتين أو ثلاث نصف حبة، ويقول للثاني كل حبة كاملة، وقد يقول لبعض المرضى كل حبتين؛ لأن أجسامهم تختلف، وشدة المرض وخفة المرض تتفاوت، بينما في الطب القديم يصف هذه الوصفة بأنها تصلح لكذا وانتهى الإشكال، ومع الأسف أن كتب الطب القديم خُلطت بشيء من الشعوذة والطلاسم التي هي من محض الشرك- نسأل الله السلامة والعافية- فتجد الجداول للحروف والأرقام التي يرمز بها إلى شياطين ويستعان بها، وكتاب الرحمة المنسوب للسيوطي قال بعضهم ينبغي أن يسمى كتاب اللعنة- نسأل الله العافية- وأيضًا تذكرة داود مملوءة من هذه الطلاسم، فمن أراد أن يستفيد من هذه الكتب يستفيد منها على حذر ولا يأخذ هذه الأدوية وهذه العلاجات قضايا مسلمة. وعندهم أيضًا مما يعوق دون الإفادة من هذه الكتب مسألة الأسماء التي تغيرت للمركبات، وأيضًا الأقيسة والموازين التي لا وجود لها بيننا حاول بعضهم أن يحوِّل هذه الأسماء ويحول هذه الأقيسة والموازين إلى أمور معروفة متداولة لكنه لم ينجح في كل شيء، على كل حال أنت بين أمرين: إما أن تقتصر على الطب النبوي، وكم من شخص لا سيما من أهل العلم اقتصروا على الطب النبوي وتعالجوا به وعافاهم الله وشفاهم من أمراضهم، أو تذهب إلى الأطباء ممن يغلب على ظنك أنه يتقن الصنعة، وإلا فبعض الأطباء علاجه يحتاج إلى علاج، لا شك أن الطب الحديث أدق من الطب  القديم، والأطباء كالعلماء متفاوتون منهم من يُشخص الداء تشخيصًا دقيقًا ويصرف على ضوء تشخيصه العلاج المناسب وهذا بتوفيق الله جل وعلا، ومنهم من يخطئ في التشخيص ثم يخطئ في العلاج، وعلى كل حال هم أسباب لا أكثر ولا أقل والشفاء بيد الله سبحانه وتعالى، وأما بالنسبة للحكم الشرعي في الطب فهل يلزم الإنسان أن يعالج إذا مرض؟ لا يلزمه بل شيخ الإسلام رحمه الله يقول: لا أعلم سالفًا أوجب العلاج، ويخطئ بعض الأولاد الذين يحملهم البر بالوالدين أن يوقعوا عن آبائهم وأمهاتهم على عمليات خطيرة مع أن عقولهم ثابتة، يعني الأب عقله ثابت ويحتاج إلى عملية فيقول الابن أنا أوقع عنه هذا ما ليس بصحيح، أو عن الأم أوقع عنها ليس بصحيح، مادام مكلفا يملك أن يقول نعم ويملك أن يقول لا والعلاج ليس بواجب، على كل حال هذه المسائل يحتاج بسطها إلى شيء من الوقت والوقت أقل من ساعتين والأحاديث أكثر من عشرين فنحتاج إلى شيء من العجلة في تقرير بعض المسائل المتعلقة بهذه الأحاديث، وأما الإطالة والإفاضة هذه لها أوقات أخرى، ذكرنا من كتب الطب كتاب القانون لابن سينا وهو من أوائلها، وكتاب الحاوي للرازي في الطب، وكتبا كثيرة ألفت في هذا الباب ولا شك أن فيها شيئا من النفع لكن كثير منها لا يمكن تطبيقه لعدم انطباق الأسماء على الموجود وكذلك الموازين والمقاييس، وكثير منها أيضًا نتائج لتجارب غير استقرائية، وهذه الكتب فيها مخالفات مثل ما ذكرنا، فيشتمل كثير منها على شيء من الشعوذة والطلاسم، النووي رحمه الله تعالى يقول أنه اقتنى كتاب القانون لابن سينا فأظلم قلبه وضعف حفظه وفهمه وضاقت به الأرض ذرعًا حتى أخرجه، اسود قلبه فلما أخرجه عاد إليه كل ما فقد، ومن يدرك مثل هذا الأمر إلا من قلبه نظيف أما من رانت عليه الشبهات والشهوات فإنه لا يدرك مثل هذه الأمور؛ ولذلك نجد الواحد من طلاب العلم ليس عنده أدنى مانع من أن يقرأ في كل شيء سواء كان ينفعه أو يضره، وكثير من طلاب العلم أوقاته مصروفة إلى ما لا ينفع بل قد يضر، فطالب العلم بصدد التفرغ للوحيين وما يخدم الوحيين وإذا عرف ما يتعلق بالكتاب والسنة فإنه لن يشكل عليه شيء من أمور حياته فضلاً عن أمور دينه المتلقى من الكتاب والسنة، بهذه المقدمة القصيرة نكتفي لضيق الوقت وإلا فالمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل فيما يتعلق بكتب الطب ودراسة كل واحد على حدة لأن كتب الطب موجودة بكثرة في المكتبات ومنها الغث ومنها السمين وفيها ما فيها حتى النظيف منها ليست نظافته ولا نتائجه تامة .

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الحافظ زكي الدين عبدالعظيم بن عبدالقوي المنذري -رحمه الله تعالى- في كتابه مختصر صحيح مسلم: كتاب المرض والطب، باب ما يصيب المؤمن من الوجع والمرض.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكًا شديدًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" قال فقلت ذلك أن لك أجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: "كتاب المرض والطب" المرض المراد به هنا مرض البدن، وقد جاء ذكره أعني مرض البدن في القرآن في ثلاث مواضع: في الوضوء، وفي الصيام والحج، هذا بالنسبة لمرض البدن، وجاء ذكر مرض القلب وهو أكثر إما لشبهة كما في قوله جل وعلا عن المنافقين: ((في قلوبهم مرض)) أو لشهوة كما في قول الله جل وعلا ((فيطمع الذي في قلبه مرض)) هذا المرض المعنوي، وأما بالنسبة للمرض الحسي الذي هو موضوع درسنا فجاء في الوضوء وجاء في الصيام وجاء في الحج، والطب المراد به علاج البدن، ويلحق به أيضًا علاج النفس، وعلاج النفس منه المعنوي ومنه المادي وإن كانت النفس إلى المعنوية أقرب إلا أنها تعالج بشيء معنوي وتعالج بشيء مادي، والطبيب الحاذق هو الطبيب الحاذق في كل شيء، الحاذق في التفسير يقال له طبيب في التفسير الحاذق في الفقه يقال له طبيب في الفقه والحاذق في الحديث يقال له طبيب الحديث فالطبيب هو الحاذق في كل شيء هذا الأصل فيه؛ ولذا أئمة الحديث أطباء الحديث يستروح بهذا وقد ترد على ألسنة أهل العلم بهذا اللفظ ويقول ابن القيم رحمه الله:

الجهل داء قاتل وشفاؤه

أمران في التحقيق متفقان

نص من القرآن أو من سنة

وطبيب ذاك العالم الرباني

وطبيب ذاك العالم الرباني لكن بالنسبة للعرف خص الطب بطب الأبدان، خص المعالج بلفظ الطبيب عرفًا ومدار الطب على ثلاثة أشياء: حفظ الصحة والمحافظة عليها والاحتماء من المؤذي الذي هو الوقاية واستفراغ المادة الفاسدة، يعني استخراج ما ينطوي عليه البدن من المادة الفاسدة سواء كان ذلك بالحجامة أو الفصد أو الاستفراغ بالقيء وما أشبه ذلك يقول -رحمه الله تعالى-: "باب ما يصيب المؤمن من الوجع والمرض عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك" الوعك الحمى وقيل ألمها يعني الناشئ عنها وإرعادها الانتفاض الذي يحصل للمحموم هذا هو الوعك، أو أنها الحمى نفسها أو إرعادها أو ألمها "وهو يوعك فمسسته بيدي" يعني وضعت يدي على رأسه أو على يده أو على أي جزء من بدنه "فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكًا شديدًا" يعني الحرارة مرتفعة وعكًا شديدًا "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل" يعني نعم أوعك وعكًا شديدًا وليس من الشكوى وإنما هو بمجرد الإخبار ومثل هذا لا ينافي الصبر مع قول أيوب إني مسني الضر وصفه الله جل وعلا بالصبر (إنا وجدناه صابرًا) فالإخبار لا ينافي الصبر، وإخبار الطبيب وإخبار المحب بما في الإنسان من مرض هذا لا ينافي الصبر "قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم" إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، أشد الناس بلاءًا الأنبياء لماذا يوعك كما يوعك الرجلان؟ "قال ذالك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل" كل شيء جزاؤه بقدره، وبقدر ما يعطى الإنسان من نعم الله جل وعلا يحاسب عليها، فالنبي عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق يوعك كما يوعك الرجلان وذلكم لأن له أجرين، المخالفة من العالم ليست كالمخالفة من الجاهل وذلكم لأن العالم يثاب على أعماله أكثر مما يثاب الجاهل فيؤاخذ على مخالفاته أكثر مما يؤاخذ الجاهل، وأمهات المؤمنين من يقنت منهن لله جل وعلا نؤتها أجرها مرتين ومن تأتي بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدًا، يعني كما يعطي يؤاخذ فالذي جزاؤه أعظم مؤاخذته أعظم وهكذا "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه" أي أذى، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه أي مرض وأي هم وأي أمر يعتريه ويعترضه حتى الشوكة يشاكها كل هذا بأجره "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته" وفي البخاري إلا حات الله يعني تحت عنه الذنوب كما تحط الشجرة ورقها في البخاري "كما تحط الشجرة ورقها" وهذا كناية عن إذهاب الخطايا حالة المرض وإصابة المرض للجسد، ثم أقول كناية عن إذهاب الخطايا، شبه حالة المريض وإصابة المرض جسده ثم محو السيئات عنه سريعًا؛ لأن الحت والحط يدل على السرعة، يعني لا تحات على سيئة سيئة، وإنما تحت وتُحط عنه بالجملة ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجر وهبوب الريح وتناثر الأوراق منها وتجردها عنها، ووجه التشبيه الإزالة على سبيل السرعة وإلا فحت السيئات كمال وحت الورق من الشجر نقص، فالشجرة زنتها بورقها لكن التشبيه إنما يكون من وجه دون وجه، فكون هذه السيئة تحط عنه بهذه السرعة نظير ما تحته الشجرة من ورقها في هبوب الريح لا سيما في بعض الفصول تحت الأوراق بسرعة، على كل حال وجه التشبيه من هذه الحيثية لا من حيث الكمال والنقص تحط الشجرة ورقها، لو نظرنا إلى وجه التشبيه هل يشمل هذا الحط وهذا الحت جميع الذنوب كما هو ظاهر الإطلاق أم أن ذلك يختص بالصغائر دون الكبائر؟ إذا أردنا أن نطبق المشبه بالمشبه به الشجرة تحت جميع الورق أو بعض الورق أو أن بعض الشجر يحت جميع الورق وبعضه يحت بعضه قل أو كثر؟ على كل حال إذا نظرنا إلى وجه الشبه أولاً إطلاق الحديث يدل على أنه يمحو الجميع، ويدل على أن المرض يمحو جميع السيئات الكبائر والصغائر وبهذا قال جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول أن الذنوب التي تحت عن المريض إنما هو الصغائر دون الكبائر؛ لأن هذا القيد موجود في كثير من الأمور المكفرة للذنوب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ما لم تغش كبيرة؛ لذا يقول جمهور أهل العلم أن الكبائر لا بد لها من توبة وأما الصغائر فهي التي تكفر بمثل هذه الأمور، ومن أهل العلم من يرى أن الكبائر تدخل في إطلاق هذا الحديث، والقول الوسط الذي يجمع القولين أن الذنوب كما تتفاوت في الكبر والصغر كذلك الأمراض تتفاوت في القوة والضعف فالمرض العظيم المرض الخطير الحادث المؤلم يترتب عليه من تكفير الذنوب أعظم مما يترتب على الشيء اليسير، ولو قيل بأن الكبيرة للكبير والصغيرة للصغير لما بَعُد، الحديث أيضًا فيه دليل لمن يقول أن تكفير الذنوب مرتب على مجرد حصول المصيبة لأنه قال "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط" فالجزاء رُتب على الإصابة، فبعض أهل العلم يرى أن تكفير الذنوب مرتب على مجرد حصول المرض ولو لم يصبر ولو لم يحتسب مادام مسلمًا؛ لأن الوصف المؤثر ما من مسلم يصيبه أذى رتب عليه إلا حط الله عنه خطاياه وذنوبه فبمجرد إصابة المرض تحت عنه الخطايا والذنوب ولو لم يصبر ولو لم يحتسب ولو لم يرض هذا قول جمع من أهل العلم ويرجحه ابن حجر، وأجر الصبر وأجر الرضا والتسليم قدر زائد على مجرد الإصابة بالمرض وهذا مقتضى الإطلاق في هذا الحديث، ومنهم من يقول أن هذا الحديث وإن كان مطلقًا إلا أنه قيد بنصوص أخرى تدل على أن من صبر له الأجر ومن سخط فعليه السخط، ومثل هذا محل نظر؛ لأن إطلاق بعض النصوص وتقييد بعضها يعني وإن كانت في باب آخر من أبواب الدنيا إلا أنه يجمعها ما فيه مشقة على المكلف، الصبر يقسمه أهل العلم إلى صبر على الأوامر وصبر عن المحظورات وصبر على الأقدار المؤلمة، والذي معنا هو صبر على الأقدار، وجاء الحث على الصبر وأنه من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، لا يستطيع أحد أن يتدين بأي عبادة إلا بالصبر سواء كانت هذه العبادة شاقة أو غير شاقة لا بد من الصبر عليها وإن كان الصبر يظهر جليًا فيما يشق على الإنسان؛ نظرًا لأن الصبر يتفاوت في قوته وضعفه فمنه ما يحتمل الأمور التي تحتاج إلى صبر ومنها ما يحتمله جميع الناس ومنها ما لا يحتمله إلا الخواص، على كل حال هذه مسألة معروفة عند أهل العلم هل يشترط الصبر لثبوت مثل هذا الوعد أو لا يشترط؟ وعلى كل حال سواء قلنا بهذا أو هذا إلا أن الصبر أمره عظيم في الشرع، والله جل وعلا أقسم بالعصر أن الإنسان لفي خسر ثم استثنى من ذلك ((إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) ما من تكليف من التكاليف إلا ويحتاج إلى صبر فالذي لا يصبر نظرًا لكثرة ما ورد من النصوص في الصبر لا شك أن أجره وإن كان على القول الثاني ثابت مع عدم الصبر إلا أنه يسير جدًا بالنسبة لأجر الصبر ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)) .

بابٌ في فضل عيادة المرضى عن ثوبان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خُرفة الجنة حتى يرجع.

الذي يليه.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى بابٌ "بابٌ في فضل عيادة المرضى" عيادة المرضى جاءت النصوص الكثيرة في الحث عليها، وجمهور أهل العلم على أنها سنة، فعيادة المريض سنة عند الجمهور بل نقل النووي الإجماع على أنها سنة مع أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى ترجم في كتابه قائلاً: باب وجوب عيادة المريض فهل يتم ما نقله النووي من الإجماع على أنها سنة أو أن هذا القول يعني ترجمة الإمام البخاري يخرق ويخرم هذا الإجماع؟ أولاً لا يختلفون في أنها ليست بواجبة على كل شخص من المسلمين، إذا مرض شخص في هذا البلد مثلاً وأدخل المستشفى هل يجب على جميع من سكن هذا البلد وعلم بحال هذا المريض أن يزوره هذا لا يقول به أحد فليس بواجب وجوبًا عينيًا يلزم الناس كلهم وإلا لتأذى بذلك الناس كلهم وأشدهم تأذيًا المريض نفسه الذي من أجله شرعت هذه الزيارة، كما أنه يصعب على المسلم أن يدخل المستشفى أو مصحة من المصحات أو يمرض في بيته ويعلم الناس بحاله فلا يزوره أحد، فنقل الاتفاق على أنها سنة يحمل على القدر الزائد الذي يحصل به تأنيس المريض وإذهاب الهم عنه، فإذا قلنا إنه واجب على الكفاية لو تركه الناس كلهم أثم من علم بذلك لكن إذا قام بهذا بعض الناس وآنسوا المريض والمريض بحاجة ماسة إلى مراعاة نفسيته وهو على هذه الحال فإذا زاره من يرفع هذا الهم عنه صار في حكم الباقين سنة، البخاري رحمه الله تعالى لمَّا ترجم بهذه الترجمة ذكر حديث أبي موسى: "أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني" هذه أوامر، إطعام الجائع فرض كفاية على الأمة، وفكاك الأسير فرض على الأمة من بيت المال حتى قال ابن العربي ولو لم يبق في بيت المال درهم، وكذلكم عيادة المريض جاء معطوفًا على هذه الأمور الواجبة فيكون واجبًا والأمر به واضح، وعودوا المريض والأصل في الأمر الوجوب إلا على قاعدة من يرى أن الأوامر في الأدب لا تصل إلى الوجوب وإنما هي للاستحباب وهذا أدب من الآداب التي ينبغي أن تكون سائدة بين المسلمين،

 ثم ذكر البخاري رحمه الله تعالى حديث البراء بن عازب قال أُمرنا بسبع أو أَمَرنا بسبع ونهانا عن سبع وفيه أَمَرنا أن نتبع الجنائزة ونعود المرضى ونفشي السلام هذه أوامر لكن هل إفشاء السلام واجب؟ البداءة بالسلام عند عامة أهل العلم سنة والرد واجب، على كل حال قول البخاري له حظ من النظر لا سيما إذا كان المريض يتضرر ويتأثر تأثرًا بالغًا إذا أهمل وترك وقد علم الناس بحاله قد يأثم القريب منه، يقول "عن ثوبان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المسلم إذا" زار أخاه أو إذا "عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة" يعني ما يخترف من جناها خرفتها جناها كما في التفسير النبوي عند البخاري، وفي بعض روايات الحديث ما يخترف "لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" يجني من ثمار الجنة من خروجه إلى رجوعه إلى بيته، ثم قال رحمه الله "عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول يوم القيامة" إن الله عز وجل يقول يوم القيامة "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني" يا ابن آدم مرضت فلم تعدني فيأتي الجواب من ابن آدم "يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين" مرضت الله جل وعلا يمرض؟ لا لا يعتريه النقص بوجه من الوجوه وهل يقال إن مقتضى قاعدة أهل السنة والجماعة أن ينسب إلى الله جل وعلا ما نسبه إلى نفسه على ما يليق بجلاله وعظمته؟ هل نقول أن الله يمرض مرضًا يليق بجلاله وعظمته؟ لا لماذا لأنه جاء التفسير بعد ذلك يعني لو اقتصرنا على هذه الجملة "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني" أمكن لكن قال "يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده" هذا الذي ما علم ولا خبر عنده لكن كيف بمن علم وترك عيادة أخيه المريض التي جاء الأمر بها وأوجبها البخاري رحمه الله تعالى؟ "أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده" فبيّن في الحديث أن المرض الذي نسبه إلى نفسه هو مرض عبده فلان وأما المرض فلا يعتري الرب جل وعلا بوجه من الوجوه، أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده، الله جل وعلا قريب من عباده أقرب من حبل الوريد وهو عند المريض في مرضه وأقرب إليه والموت أقرب إليه من عنق راحلته، فكل شيء قريب من الإنسان سواء كان في حال صحته وفي حال مرضه، والفائدة من هذا القرب وهذه العندية المضافة إلى الرب جل وعلا التي ليست بعندية ذات ولا قرب ذات بل هو جل وعلا مستوٍ على عرشه بائن من خلقه لكنها قرب خاص بالنسبة لهذا المريض وعندية خاصة يترتب عليها ثواب من يعود، وهذا النص يعده بعض أهل العلم من النصوص المشكلة ولا إشكال فيه إذا تصورنا قرب الرب جل وعلا من عباده، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، ومنهم من يقول أن المراد بالقرب هنا قرب الملائكة، على كل حال ما يضاف إلى الله جل وعلا يجب الإيمان والتسليم به وإن كان ظاهره هنا غير مراد لمعارضته لنصوص العلو والاستواء، فالله جل وعلا عال على خلقه بائن من خلقه مستوٍ على عرشه، وأما العندية هنا فعندية خاصة تقتضي ثواب من يزور هذا المريض "يا ابن آدم استطعمتك" استطعمتك السين والتاء للطلب يعني طلبت منك "فلم تطعمني" الرزق من أين؟ الذي منه الطعام والشراب من الله جل وعلا "قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين"

لا شيء إلا من رزق الله جل وعلا فكيف يطعم وهو رب العالمين "قال أما علمت أنه استطعمك" يعني طلب منك الطعام "عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي" ما قال وجدتني عنده، فرق بين العبد المريض وبين إطعام المريض "قال لوجدتني عنده" قريب منه وفي الطعام والشراب قال "لوجدت ذلك عندي" يعني هذا الطعام وهذا الشراب تجده عندي أجازيك عليه يوم القيامة، والمراد ثواب هذا الطعام وثواب هذا الشراب عند الله جل وعلا في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، يعني لو كان الطعام رطبة واحدة تمرة واحدة ولو كانت شربة من ماء أو مذقة من لبن كل هذا موجود ثوابه عند الله جل وعلا قل أو كثر صغر أو كبر "يا ابن آدم استسقيتك" يعني طلبت منك أن تسقيني "فلم تسقني" فلم تسقني "قال كيف يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال استسقاك" يعني طلب منك السقيا "عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي" وهذا مثل سابقه.

بابٌ لا تقل خبثت نفسي عن عائشة رضي الله تعالى عنه قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي".

هذا من باب الأدب الشرعي الرفيع في ملاحظة انتقاء الألفاظ وإلا فخبثت ولقست بمعنى واحد، لقست بمعنى خبثت لكن إضافة الخبث إلى النفس لفظ قبيح ولفظ شنيع ما يضاف إلى النفس مثل هذا وإنما يؤتى بمرادفه الذي لا يستقذره الناس ولا يستقبحونه ولذلكم لا تجدون في النصوص الألفاظ القبيحة البذيئة تُذكر إلا بما بما يرادفها المقبول عند الناس الذي لا تتقزز النفوس من سماعه، والإنسان المسلم لا يضيف إلى نفسه شيئًا قبيحًا سواء كان قبحه شرعيًا أو عرفيًا، في حديث أبي طالب حينما حضرته الوفاة فكان آخر ما قال هو على ملة عبدالمطلب، هل أبو طالب قال هو على ملة عبدالمطلب أو أضاف ذلك إلى نفسه بضمير المتكلم؟ يعني أبو طالب قال ذلك في آخر كلامه مضيفًا إياه إلى نفسه بضمير المتكلم لكن هل يليق بالمسلم أن يقول على سبيل المثال أنا على ملة عبدالمطلب؟! لا آثرًا ولا حاكيًا ولا شيء، لا يضيف إلى نفسه هذه الألفاظ الشنيعة ولذلك بدلا من أن يذكر بضمير المتكلم، يذكر بضمير الغائب هو على ملة عبدالمطلب، ويكنون عن الفواحش يكنون عن الزنا واللواط وغيره بالفاحشة، ما يذكر باسمه إلا عند الحاجة الداعية إلى ذلك بحيث لا يقوم مقامه غيره؛ ولذلك في حديث ماعز يقول إني زنيت لماذا؟ لأن هذا اللفظ يترتب عليه حد فلو أتى بغير هذا اللفظ لدرئ عنه الحد فلا بد من أن يقال هذا اللفظ بحروفه ويتداوله الرواة لمصلحة شرعية راجحة، وإلا فالأصل أن يقال إنه زنى فلو نقل أنه زنى يمكن أن يدرأ عنه الحد؛ لأنه لم ينسب إلى شخص بعينه، فمثل هذه الأمور إذا اقتضتها تنفيذ الحكم الشرعي لا بد من أن يترتب على ذلك مصلحة ظاهرة لا بد منه يكنون عن الأفعال القبيحة، عن الأعضاء التي لا يحسن ذكرها في المجالس وبين الناس، يكنون عنها، وبهذا أدبنا الشرع فتجد بعض الناس عنده صفاقة وعنده شيء من قلة الحياء يذكر بعض الألفاظ التي يضيق بها بعض من يسمعها ذرعًا لا يستسيغها، فالناس يتفاوتون منهم المؤدب ومنهم غير المؤدب ولكن المسلم عليه أن يتأدب بما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام ولذا قال "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي" وكذلك فيما يضاف إلى الرب جل وعلا؛ ولذا قال: والشر ليس إليك وإن كان الكل الخير والشر من الله جل وعلا ومن تقديره، ((أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدًا)) لما جاء الشر نسب إلى مجهول بُني الفعل إلى المجهول ولما جاء الخير نسب صراحة إلى الله جل وعلا، فعلى المسلم أن أن يتأدب بمثل هذه الآداب، وإدخال مثل هذا الحديث في الطب مناسب جدًا؛ لأن هذا الأمر الذي هو تغير النفس كثير عند المرضى، يصبح متغير النفس لما ألمَّ به من مرض أو من وجع أو سهر، فيمكن أن يغلب على الظن أن من الغد من زاره قال خبثت نفسي اليوم لأني ما نمت البارحة أو لأني أصبت بألم وهكذا، فذكره بالنسبة لكتاب المرضى والطب مناسب جدًا لأن أكثر ما يكون مثل هذا عند عند المصاب.

بابٌ لكل داء دواء

عن جابر رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل".

يقول رحمه الله تعالى "بابٌ لكل داء دواء" ثم ذكر حديث "جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل" يعني إذا كان التشخيص صحيحا والعلاج مطابقا فإن الداء يبرأ بإذن الله جل وعلا، في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" وبهذا نعرف الخطأ الكبير الذي يرتكبه بعض الأطباء بالنسبة لبعض المرضى إذا كشف عليه قال: والله أنت ما لك علاج أو أخبر أقاربه أن هذا ليس له علاج ولو قال ليس له علاج على حد علمي أو فيما أعلم من الأدوية ما عندي له علاج فلا يلام إذا قال هذا بالنسبة لعلمه هو، أما أن ينفي نفيًا مطلقًا فلا، فما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ولهذا لا ييأس المريض إذا قيل له إنه ليس له علاج؛ لأن هذا خبر من لا ينطق عن الهوى، لكل داء دواء وما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، حتى الأمراض التي يكاد يتفق الأطباء على أنه ليس لها دواء ولا علاج يوجد، علمه من علمه وجهله من جهله، والاكتشافات اليومية تزيد المسلم يقينًا بصحة مثل هذا الخبر مع أنه لا يحتاج إلى غيره، مادام ثبت عمن لا ينطق عن الهوى ما نحتاج إلى أن يقول الطبيب  والله أنا اكتشفت أو فعلت، لكن كونه ييسر له اكتشاف هذا العلاج لهذا الداء الذي حكم الأطباء بأنه ليس له علاج لا شك أنه من باب تصديق الخبر وإن كنا لا نحتاج إلى مثل هذا التصديق إلا من أجل تطبيقه على المريض وإفادة هذا المريض من هذ العلاج وإلا فنحن موقنون جازمون بأنه لا يوجد مرض لا علاج له إلا الهرم، السنة الإلهية أن الإنسان يتدرج في حياته من الطفولة إلى مرحلة الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة ثم بعد ذلك إذا بلغ مرحلة الشيخوخة والهرم هذا ليس له علاج فلا ييأس المرضى ولا يجرؤ الأطباء بتحطيم المرضى نفسيًا بقولهم لا علاج له فإن مرضه يزيد بهذه الطريقة نعم قد يفضي إلى قريبه ويقول له أنا والله لا أعرف علاجا لهذا المرض، كما أن العالم عالم الكتاب والسنة يسأل عن المسألة في الدين فيقول والله أنا لا أعرف الحكم، ولا يجوز للطبيب أن يجتهد في مثل هذه الأمراض بأدوية وعلاجات تضر بالمريض، ويكون ضررها محتّما، نعم إذا غلب على ظنه نفعها فالمسألة مبنية على غلبة الظن وإن كان لا يجزم مائة بالمائة إلا إذا كان الضرر يؤدي إلى الوفاة فإنه لا يجوز الإقدام عليه ألبتة، يعني إذا افترضنا أن طبيبًا عنده علاج يعالج به البهق البرص الذي في اليد لكن يترتب عليه ما هو أعظم من ذلك، يعالج البهق ويذهب هذا اللون المقذور إلا أنه يورث على ما قال بعضهم سرطان الجلد مثلاً هل يجوز صرف مثل هذا العلاج؟ لا يجوز لكن لو كان العكس فمقبول، يعني يعالج السرطان ويورث البهاق أمره أسهل، فعلى كل حال على الطبيب أن يتقي الله جل وعلا فيما يخاطب به المريض وولي المريض وفيما يصفه للمريض ولا ييأس، لا يقول هذا والله الغالب على الظن أنه ميت أو سيموت فلا داعي في أن نتعب في علاجه أو في علاج بعض أطرافه أو نحجز الأجهزة من أجله لا يجوز أن يقال مثل هذا، ولا يجوز رفع الجهاز من أجل أن يموت الإنسان إلا إذا صار فيها شحا وغلب على الظن أن هذا يستفيد وهذا لا يستفيد، يعني ما عندنا إلا جهاز واحد وعندنا مريضان هذا مقطوع بأنه يستفيد وهذا ما يستفيد من الأجهزة فحينئذٍ يأتي الاجتهاد وإلا مجرد رفع الجهاز عن المريض من أجل أن يموت ويرتاح على زعمهم أو يُرتاح منه هذا ليس بمبرر فلا يجوز ألبتة.

باب الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء

عن أسماء رضي الله تعالى عنه أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبردوها بالماء وقال إنها من فيح جهنم.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى "بابٌ الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء" فيح جهنم حرها ووهجها، ونسبة الحمى إلى جهنم الحديث يدل على أنها نسبة حقيقية، ومنهم من يقول إنها نسبة تشبيه وليست بحقيقية إنما شبه هذه الحرارة والحمى بحر جهنم كما أن السفر قطعة من العذاب لا يعني أنه من عذاب النار مثلاً إنما هو مما يؤلم البدن فشبه الحمى ونسب الحمى إلى جهنم من باب التشبيه، والله جل وعلا قد أَذِن لجهنم بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف كما جاء في حديث الإبراد بالظهر فهل هذه الحرارة اللتي نجدها في الجو من حرارة جهنم حقيقة أو أنها مشبهة لحرارة جهنم المتعين أنها من حرارتها حقيقة لأنه لا يوجد ما يصرف عن الحقيقة، وكذلك الحرارة التي توجد في الجسم من أثر الحمى لا شك أنها حقيقية ولا يمنع أن تكون صادرة ونابعة من جهنم نسأل الله السلامة والعافية، والحرارة كالنار إنما تطفأ بالماء؛ ولذا جاء الأمر حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام أبردوها بالماء "عن أسماء" بنت أبي بكر "رضي الله تعالى عنهما أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة" يعني التي أصيبت بالحمى "فتدعو بالماء فتصبه في جيبها" في البخاري فتصبه بينها وبين جيبها يعني فتحة الثوب "وتقول" أسماء "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوها بالماء" أبردوها بالماء وقال إنها من فيح جهنم" وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما الحمى من فيح جهنم فأطفؤوها بالماء يعني بالشرب وغسل الأطراف والتكميد بالماء البارد بالثلج بأن يوضع الماء البارد في منشفه ويوضع على الجبين وعلى الأطراف فتنخفض هذه الحرارة ولا يعني هذا أنه يغمس المريض غمسًا كاملاً بالماء البارد؛ لأنه كما قرر كثير من الأطباء أن هذا يضره، كثير من أطباء الأطفال يصف مثل هذا إذا جيء بالطفل والحرارة مرتفعة قال اغمسوه بالماء البارد، وهذا ظهر أثره حتى عند الأطباء المعاصرين يقولون أنه يضر المريض بهذه الكيفية، وهذه الأمور لا بد فيها من شيء من التعادل، والجسم إذا خرج عن حد الاعتدال أصيب بالمرض سواء كانت الزيادة أو النقص، الخروج إلى الزيادة مرض الخروج عن الاعتدال إلى النقص مرض، فلو قُدِّر أن حرارة   المريض أربعين ثم غمس في ماء صارت الحرارة خمسة وثلاثين أربع وثلاثين كل هذا مرض لا بد من الاعتدال، والشاطبي في الموافقات يقرر أن نصوص الشريعة ترد المسلم إلى حيّز الاعتدال كالطبيب الماهر يرد المريض إلى حيز الاعتدال، فالمريض الذي يأتي إلى الطبيب إن كانت حرارته مرتفعة يخفضها، وإن كانت الحرارة منخفضة سعى إلى رفعها، وكذلك إذا كان الضغط مرتفعا سعى إلى خفضه وإذا كان منخفضًا سعى إلى رفعه، وكذلك السكري وغيره من الأمراض، نصوص الشريعة كما قرر الشاطبي في الموافقات يقول إن العلماء هم الأطباء إذا وجد مرض عند أي مسلم في أي قضية من القضايا الشرعية زاد فيها أو نقص عن التوسط عن الصراط المستقيم يرده الأطباء، إلى التوسط الذي هو سمة هذه الشريعة، والله وجدنا عند فلان من الناس شيئا من الزيادة والغلو نورد عليهم نصوص الوعد ما يرده إلى حضيرة التوسط، وجدناه يتصف بشيء من الإرجاء والتساهل والتفريط نورد عليه من نصوص الوعيد ما يرده إلى حضيرة التوسط، وهكذا ينبغي أن يكون الطبيب سواء كان من أطباء القلوب أم من أطباء الأبدان يعالج المرضى بهذه الطريقة، فالمرض الخروج عن حيز الاعتدال سواء كان المرض في القلب أو في البدن فهذه الحرارة التي أصيب بها هذا المريض تحتاج إلى ما يخفضها، فإن زيد فيما يخفض كما لو أعطي الطفل بدلاً من ملعقة واحدة ملعقتين حتى تنخفض حراراته، فيحتاج الطبيب إلى أن يرفع هذه الحرارة، فالطبيب الماهر الذي يقدر العلاج بقدر المرض ويعيد الصحة إلى حيز الاعتدال.

باب الحمى تذهب الخطايا

عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيَّب فقال ما لكِ يا أم السائب أو يا أم المسيَّب تزفزفين قالت الحمى لا بارك الله فيها فقال لا تسبي الحمّى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد.

يقول رحمه الله تعالى "باب الحمى تذهب الخطايا" الناس عمومًا جبلوا على كراهة ما يؤذيهم فلا تجد إنسانا سويا يحب أن يمرض، والشرع لا يطلب مثل هذا، لا تتمنوا لقاء العدو لكنه مع ذلك إذا أصيب عليه أن يصبر، يقول رحمه الله تعالى عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب هذا شك من الراوي قال ما لكِ يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين يعني ترتعدين، هذه المرأة ترتعد ما لك تزفزفين، ما لك ترتعدين هل هو من خوف مثلاً لأن الخائف ترتعد فرائصه، ترتجف بوادره قالت لا إنها "قالت الحمى" بسبب الحمى "لا بارك الله فيها قال لا تسبي الحمى" لا تتمنى الحمى قبل وقوعها لكن إذا وقعت يصبر الإنسان ويحتسب "لا تسبي الحمى فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" وأمر هذا شأنه على الإنسان أن يصبر ويحتسب لا يتمناه قبل وقوعه لكنه إذا وقع عليه أن يصبر ويحتسب ويرضى ويُسلم، والمؤمن مثل خامة الزرع تعتريه الأمراض وتعتريه الأعراض من أجل أن يلقى الله جل وعلا وليس عليه خطيئة بينما الكافر مثل الأرزة،  والأرزة شجرة ثابتة قوية متينة صُلبة لا تسفها الرياح لكنها إذا ماتت ماتت دفعة واحدة، كل هذا ليوفر الثواب والأجر العظيم للمسلم، وأما الكافر فيلقى الله جل وعلا بكامل عمله لا يخفف منه شيء، فعلى الإنسان ألا يكره مثل هذه الأمور بعد وقوعها ولا يذمها بل يصبر عليها ويحتسب ويرضى بهذا ويسلِّم؛ لأنها تذهب الخطايا ولا شك أن ألم الدنيا ليس فيه أدنى نسبة لألم الآخرة، وكُرب الدنيا مجتمعة لا تعادل كربة واحدة من كرب يوم القيامة.

بابٌ في الصرع وثوابه

عن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادعو الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيَك قالت أصبر قالت فإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف فدعا لها.

يقول رحمه الله تعالى: "بابٌ في الصرع وثوابه" في البخاري باب فضل من يصرع من الريح مع أن الصرع أعم من أن يكون بالريح أو يكون بالجن، ويقول ابن حجر رحمه الله: أن الصرع انحباس الريح، انحباس الريح قد يكون سببًا للصرع وهو علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعًا غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء، وقد يكون الصرع من الجن، والأول الصرع من الريح هو الذي يثبته الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجًا وممن نص على ذلك من الأطباء أن الصرع قد يكون من قوى خفية وأرواح يعني شيطانية من الجن ممن نص على ذلك أبقراط أثبت أن الإنسان قد يصرع من قبل الجن لكنهم لا يعرفون له علاجًا؛ لأنهم لا مدخل لهم في هذا الباب علاجه إنما يكون بالرقية من الكتاب والسنة، وهؤلاء الأطباء ويراد بهم القدماء وكثير من المتطببين في الإسلام منهم اليهود وهؤلاء كثرة، كثير من المؤلفات المطبوعة لقدماء الأطباء ليسوا من المسلمين وذكرنا في محاضرة اسمها أهمية العلم للطبيب أو للأطباء ذكرنا أن من الأطباء من اليهود من أسلم وحضر دروس الحديث والسماع قبل أن يسلم وتردد أهل العلم في كتابة الطباق والسماع لهذا الطبيب، فقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى اكتبوا اسمه ما يضر وإن لم يكن مسلمًا فقد يتحمل الحديث وهو غير مسلم ثم يؤديه إذا أسلم، فبهذه المعاملة كتب اسمه بين الحاضرين، وممن سمع الحديث أسلم فصار يروي الحديث فلا شك أن مثل هذا من أساليب الدعوة يعني كونه يطرد أو لا يكتب اسمه من بين الناس قالوا والله هذا يهودي ما يسوى أن يكتب اسمه هذا يصير عنده عقدة بينما رأي شيخ الإسلام في مثل هذا أنه يكتب اسمه ولا مانع من أن يتحمل الحديث لكن لا يقبل منه الحديث إلا إذا أسلم، كما في حديث الجبير بن مطعم حينما سمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور قبل أن يسلم حفظها وأداها بعدما أسلم فتُحملت عنه وخرجت في الصحيحين وغيرهما، فالعبرة في الرواية في الأداء لا في التحمل لا بد أن يؤديها وهو مكتمل الشروط، هؤلاء الأطباء أسلم كثير منهم، و يوجد في بعض من ينتسب إلى الإسلام من الأطباء المشهورين من هو زنديق يعني انتسابه للإسلام مجرد اسم وإلا فأفعاله وأقواله مخالفة تمام الاختلاف لما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، فافتخار المسلمين بهذه النوعيات مع الأسف كابن سينا طيب كبير، وينتسب إلى الإسلام لكن ما وزنه في الميزان الشرعي؟ الرجل منحرف انحرافًا شديدًا وقد حُكم عليه بالزندقة والإلحاد، فعلى كل حال هؤلاء الأطباء كثير منهم ينكر وبعض الأطباء المعاصرين ينكر تلبس الجني بالإنسي والصرع لا شك أنه قد ينتج عن ذلك، والواقع الذي لا يمكن إنكاره يشهد بذلك وكم من إنسان لما رقي بالنصوص نصوص الكتاب والأدعية النبوية تكلم فيه الجني وعاهد وخرج ثم رجع وقد يتكلم ابتداء، شاب من الشباب الصالحين تلبس به جني فطرق الباب على طالب علم بجوار أهل هذا الشاب فلما قرأ عليه القرآن قال له تكلم قال ما الذي دعاك أن تبتلي هذا الشاب الصالح المحافظ على الأوراد والأذكار تكلم الجني وقال بالنسبة لآية الكرسي أمهلته حتى الساعة الثانية عشرة ما قرأ ثم دخلت، وهذا يبين لنا أهمية هذه الأذكار في حفظ الإنسان وعلى كل حال إنكار التلبس هذا ليس بوارد؛ لأن الواقع يرده، يقول ابن القيم رحمه الله من حدث له الصرع وله خمس وعشرون سنة بسبب دماغي أيس من بُرئه وكذلك إذا استمر به إلى هذا السن، وكأن هذا بالتجربة لكن داء الصرع داء وما من داء إلا له دواء، والناس يتفاوتون الرقاة يختلفون فمنهم ممن ذكر اسمه يخرج الجني ولو لم يحضر، كان شيخ الإسلام رحمه الله يرسل مع ولي أمره إما عصا الشيخ أو حذاء الشيخ أو ما أشبه ذلك، يقول: هذا الشيخ قادم ثم يفرق الجني يخاف ثم يخرج، ومنهم من يحضر ويرقي، ومنهم من يضرب والضرب يقع كما يقولون على الجني لا على الإنسي، وعلى كل حال هذه مظاهر موجودة ومستفيطة بين الناس ولا يمكن إنكارها ولا يقوم بمثل هذا إلا صاحب العلم والعمل، أما أهل السحر والشعوذة وأهل الانحراف في العلم والعمل هؤلا لا يمكن أن ينفعوا المسلمين إلا بتنازل عن شيء من رأس ماله وهو الدين، نجد من يتعرض لمثل هذه الأمور ويشفى على يديه كثير من الناس لكنه ليس بسوي ليس بمستقيم ولا ملتزم إنما لا بد أن تجد فيه شيئا من التقريب والتقليم لهؤلاء الشياطين وكيف يجود الإنسان بشيء من رأس ماله بعقيدته من أجل أن يسلم بدنه هذه مصيبة من المصائب، عليه أن يصبر ويحتسب ويبذل الأسباب الشرعية المتاحة وإلا فعليه أن يصبر كسائر الأمراض، يعني شخص أصيب بمثل هذا المرض بهذا الداء ورُقي من قبل جمع من الرقاة المعروفين بسلامة الاعتقاد واعتدال المنهج فما شفي هذا أمر كتبه الله عليه كما لو أصيب بحادث وأصيب بشلل استمر معه إلى وفاته عليه أن يصبر ويحتسب، لكن لا يتنازل عن شيء من دينه من عقيدته من أجل أن يسلم بدنه لا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والدنيا كلها لا تستحق الذكر في جانب ما عند الله جل وعلا مما يدخره للمسلم المستقيم على دين الله. كلام ابن القيم يقول: من حدث له صرع وله خمس وعشرون سنة بسبب دماغي أيس من بُرئه وكذلك إذا استمر به إلى هذا السن ونظير هذا قول بعض الأطباء أن الميت دماغيًا هذا ميؤوس منه هذا كله ليس بصحيح، بل مادامت الروح في الجسد فالأمل باق، والأحكام الشرعية كلها مرتبة على الروح مادامت في الجسد فالأحكام كلها ثابتة وإذا فارقت الجسد انتهى وأيس منه أما مادامت الروح في الجسد فلا كلام لأحد، نعم قد يغلب على الظن أنه يموت قد يغلب على الظن أنه يستمر على هذه الحال لكن لا يجزم بشيء من هذا، فالذي عند الله جل وعلا لا يحكم عليه أحد، ووجد من برئ من الصرع ووجد من أفاق بعد ما كتب ما قُرر أنه ميت دماغيًا وعاش بعد ذلك، فهذه الأحكام الإجمالية لا تسبب اليأس وما من داء إلا وله دواء، وأزمة الأمور كلها بيد الله جل وعلا، فالذي أحيا الميت حقيقة يحيي مثل هذا الذي ما زالت روحه في جسده من باب أولى عن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة" أولاً لا يجوز الشهادة لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي عليه الصلاة والسلام كالعشرة، والحسن، والحسين، وثابت بن القيس، وعبدالله بن سلام، وهذه المرأة التي تصرع، وغيرهم ممن شهد له النبي عليه الصلاة والسلام "ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم" والسوداء إنما وُصفت بهذا الوصف لا لعيبها ولا لشينها وإنما لا يمكن وصفها إلا بهذا لا تتميز إلا بهذا ليست بطويلة ليقال هذه المرأة الطويلة ولا بالقصيرة ليقال هذه المرأة القصيرة ولا بالبدينة ليقال هذه المرأة السمينة ولا بالنحيفة ليقال لايوجد  وصف يميزها إلا باللون فقال هذه المرأة السوداء فمثل هذا الوصف يحتاج إليه إذا لم يوجد غيره ولم يقصد بذلك شينه ولا عيبه فهذه الألقاب التي ظاهرها الذم يلجأ إليها حينما لا يوجد ما يغني عنها ولم يقصد بذلك الذم لذاته، كما يقال الأعمش والأعرج والأكمه وما أشبه ذلك من أوصاف نقص لكن أهل العلم مضطرون إلى ذكر الرواة بهذه الألقاب. "أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أُصرع وإني أتكشف" لا شك أن المصروع لا يعي التصرفات فقد يحصل له شيء من الخلل بل الخلل واقع في هذا الصرع لكن قد يزيد على ذلك مثل انكشاف العورة أو الكلام بكلام قبيح أو إصدار بعض الحركات أو شيء من هذا مما يشان به، هذه المرأة أهم ما عندها عفتها وصيانتها وعدم انكشافها بين الرجال، وإني أتكشَّف يعني ما نصت على شيء من النقص الذي يعتريها إلا على التكشف، والمرأة المسلمة الصيِّنة الدينة العفيفة ينبغي أن يكون هذا من أولوياتها فكيف تتنازل عن هذا بطوعها واختيارها، هذه امرأة تتكشف لا بطوعها ولا باختيارها ولا ولا تأثم بهذا ولا تبعة عليها ومع ذلك يهمها هذا الشيء، ومع الأسف نجد من نساء المسلمين من تتنازل عن هذا الأمر بطوعها واختيارها بكامل عقلها، وذكر أهل العلم في تفسير قول الله جل وعلا: ((ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)) قالوا من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى فتح القميص أو شق القميص من الجانبين، وانظر إلى نساء المسلمين الآن يباع هذا جاهز ويشتريه الناس ومنهم المقل ومنهم المستكثر، منهم من تصل الفتحة إلى نصف الساق ومنهم من تصل إلى الركبة فإذا ركبت السيارة في الشارع أو في السوق انظر كيف تنكشف العورة بطوعها واختيارها في كامل عقلها وبمرأى من ولي أمرها، هذه المرأة وهي تصرع التكليف يرتفع عنها بالكلية ومع ذلك "قالت إني أتكشف فادع الله لي" يعني أن يشفيني من هذا الصرع الذي يترتب عليه هذا التكشف "قال إن شئت صبرت على ذلك ولك الجنة وإن شئت دعوت الله عز وجل أن يعافيك" قالت الصرع أصبر عليه لكن التكشف كيف أصبر عليه؟ انظر إلى الحرص على العفة والصيانة والديانة والعفاف والعورة "قالت أصبر يا رسول الله" يعني على الصرع "قالت فإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف" هذا ما عليه مساومة فخروج العورة بين الناس هذه كارثة، الصرع أسهل منه "فدعا لها" والله المستعان. قال أهل العلم في الحديث أن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة، دعا لها ألا تتكشف لئلا تظهر عورتها وأجيبت دعوته فكانت تصرع لكنها لا يظهر شيء من بدنها وهذا الذي يهمها، قال أهل العلم الحديث فيه أن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن قوي على ذلك، وفيه دليل على ترك التداوي، حديث الباب فيه دروس عظيمة، يعني تجد بعض الأطباء وبعض الطبيبات عندهم من التساهل بعورات المرضى الذين غطيت عقولهم وارتفع عنهم التكليف إما في حالة إغماء أو في حالة تخدير تجد الطبيب لا يقتصر على موضع الحاجة من البدن أو الطبيبة لا تقتصر على موضع الحاجة من البدن ولا يقتصرون على من له حاجة في هذه المسألة فيطلعون غيرهم ويكشفون ما لا يحتاج إليه كل هذا لا يجوز بحال؛ لأن الواجب ستر العورة، والمرأة معروف أنها كلها عورة، والرجل ما بين سرته وركبته عورة فلا يجوز الاطلاع على العورات إلا بقدر الحاجة فيقتصر عليها عند من يحتاج إليه فقط، يعني إذا كان الطبيب هو المعالج فالممرض لا داعي لأن يرى هذه العورة، لا يجوز أن يرى إذا كان طبيب واحد ينوء بهذه المهمة، لا يجوز أن يُستدعى طبيب ثانٍ؛ لأن الأصل حفظ العورات فعلينا أن نلاحظ هذا الأمر وأن الأصل المنع، الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لأنه ترك الأمر إليها، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة هذه عزيمة وإن شئت دعوت الله لك، وعلى هذا من يحصل له هذا الأمر ويجلس في بيته ويصبر ويحتسب لا يلام، ما يقال والله فلان مجنون جالس بالبيت يعاني من الآلام والأطباء موجودين يعطونه مسكنات يعطونه كذا ما يلام، الأخذ بالعزيمة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن قوي على ذلك، ما يجلس في بيته يعاني من الأمراض وكل من دخل عليه قال أنا والله صابر محتسب أنا البارح كلها ما نمت وتارك الأطباء بالإمكان يعطوني مسكن أوإبرة لكن أنا بصبر على العزيمة،

 مثل هذا العلاج خير له بألف مرة من أن يصبر، هذا ما عنده صبر فالمقصود أن هذا يوجه إلى من قوي على ذلك، والناس لا شك أنهم منازل قد يصبر الإنسان ولا يصبر غيره، قد يصبر زيد ولا يصبر عمرو، المقصود أن مثل هذه الأمور تلاحظ ولا تؤخذ هذه القضايا مسلمة، الأخذ بالعزيمة ليس هو الأفضل بالنسبة لكل الناس لكن لمن قوي على ذل،ك بعض الناس يقول أنا والله أريد أن أصبر لأصير من السبعين الألف أنا لا أذهب إلى الرقاة يرقونني ولا أذهب إلى المستشفيات يعالجونني لكي أحصل على السبعين ألف الذين يدخلون الجنة، ثم إذا جاءه أحد أخذ يشرح له كل شيء وأنه صابر محتسب ويبدي له من التشكي ما لا يعادل عنده هذا الصبر شيء، وعلى كل حال على الإنسان أن ينظر إلى موقعه ويتعامل مع نفسه بقدرها في حدود المباح، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، "إن شئت دعوت الله لك" وأن العلاج بالدعاء أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير لكن بشروط الرقية المعروفة: أن تكون بالآيات القرآنية والأدعية النبوية، وأن تكون بالكلام العربي وما يفهم معناه لئلا يدخل فيها شيء من الشرك والإنسان لا يشعر، وأن يعتقد كل من الراقي والمرقي أن الرقية سبب وأن الشفاء بيد الله جل وعلا فإذا توافرت هذه الشروط فالرقية مباحة جائزة وإن كان ترك طلبها أفضل، وجاء في حديث السبعين الألف: منهم الذين لا يسترقون يعني لا يطلبون من يرقيهم وهل الطلب بالفعل يدخل في طلب القول يعني يذهب إنسان إلى رجل يظن فيه الصلاح فيقول ارقني هذا استرقى لكن إذا عاد الرجل الصالح المريض وما قال له ارقني لكن فتح الأزارير وتأهب ما طلب الرقية هذا يسترقي أو ما يسترقي؟ هذا الظاهر أنه داخل يعني في الاسترقاء لكن عدوله عن الطلب الصريح إلى مثل هذا يُرجى له أن يدخل في الحديث وقد فعله بعض الكبار من أهل العلم والعمل إذا دخل عليهم من يتوسمون فيه الخير فتحوا الأزارير وهو ما طلب ما قال ارقني، فهم بين أمرين بين طلب الصحة والعافية وهذا لا شك أنه مقصد مطلوب من كل حي؛ لأن النفس مغروزة على مثل هذا، هذه غريزة ومع ذلك يريد نصيبه من هذا الحديث عله أن يدخل فيه والله المستعان.

باب التلبينة مُجِمَّة لفؤاد المريض

 عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التلبينة مُجمة لفؤاد المريض تذهب بعض الحزن.

يقول رحمه الله تعالى "بابٌ التلبينة مجمة لفؤاد المريض" التلبينة يقولون حساء من دقيق أو نخالة يجعل فيه عسل أو لبن وكانت عائشة تقول هو البغيض النافع، التلبينة قد لا تقبلها النفس لكنه نافع، والأدوية كلها بهذه المثابة، يعني يندر أن يوجد دواء نافع والنفس تقبله إنما يقبل من أجل المصلحة الراجحة وإلا فهو لذاته لا أحد يقدم عليه إلا في بعض الأدوية النبوية مثل العسل مثلاً هذا مقبول وفيه شفاء على ما سيأتي لكن في الغالب أن الأدوية إنما يكرهها المريض لكن يستعملها من أجل المصلحة الراجحة، وهنا التلبينة كما تقول عائشة هو البغيض النافع، يعني مثل ما يقال عن الشعير: الشعير المأكول المذموم هذا عند عامة الناس، يقولون فلان شعير مأكول، أي مذموم يحتاجه الناس ويتصدى لقضاء حوائجهم ومع ذلك يستثقلونه، وهنا التلبينة وهي شيء أقرب إلى السائل حساء أو المرق يعمل من دقيق أو نخالة يجعل فيه شيء من العسل أو شيء من ا للبن ثم بعد ذلك يشرب هكذا أو يصب على الطعام، وتعرفون ما يوضع على الرز مثل الطحينة مثلاً توضع على الرز من هذا الباب يقول "عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت إذا مات الميت من أهلها" يعني من أقاربها ومعارفها "فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها" لأنه لا يجوز أن يصنع أهل الميت الطعام لغيرهم لأنهم إذا اجتمعوا وصنع الطعام فهذه هي النياحة لكن إذا تفرق الناس ولم يبق إلا أهلها وخاصتها "أمرت" عائشة رضي الله تعالى عنها "ببرمة" وعاء "ببرمة من تلبينة" فيها الدقيق المخلوط بالماء ومعه شيء من العسل أو اللبن أو من النُّخالة "ببرمة من تلبينة فطبخت" يعني ركبت على النار وطبخت "ثم صنع ثريد" والثريد عبارة عن الخبز معه اللحم.

إذا ما الخبز تأدمه بلحم 

 

فذاك أمانة الله الثريد     .

ثم تُصب هذه التلبينة على هذا "ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التلبينة مجمة لفؤاد المريض" تنفع المريض، تنفعه في قلبه، فهي مجمة، والاستجمام الراحة من التعب، يفارقه التعب فترة فترة تشبه فترة الاستجمام البدن، وهذه فترة استجمام القلب والفؤاد "تذهب بعض الحزن" تذهب بعض الحزن؛ لأن الإنسان إذا أصيب بميت لا شك أنه يحزن، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: القلب يحزن، فتذهب بعض الحزن وتخفف هذا الحزن.

باب التداوي بسقي العسل

عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلاً فسقاه ثم جاءه فقال إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقًا فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال اسقه عسلاً قال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرأ.

يقول رحمه الله تعالى "باب التداوي بسقي العسل" العسل كما قال الله جل وعلا: (( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس)) يخرج من بطون النحل شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، وذكر القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية أن أحد جلساء أبي جعفر المنصور  قال: "يخرج من بطونها" يعني بطون أهل البيت شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس وبهذا نعرف مقدار التزلُّف إلى الخلفاء والنفاق الموجود عند بعض الجلساء، هذا جالس عند أبي جعفر، ذكر ذلك القرطبي في تفسير هذه الآية يخرج من بطونها يعني بطون أهل البيت، فما كان من أحد الحاضرين إلاَّ أن قال:  جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، انظر إلى النفاق كيف يحصل، وكيف يصل إلى هذا الحد، تلاعب بالنصوص من أجل التزلُّف، إلى هذا الحد يصل النفاق؟ فكان الرد مناسبًا جدًا على مثل هذا: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، والله المستعان.

 يقول رحمه الله تعالى "عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال إن أخي" يقول ابن حجر: لم أقف على اسم الرجل الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولا على اسم أخيه، والمبهم هنا لم يستطع ابن حجر ولا غير ابن حجر الوصول إليه؛ لأنه لا يمكن إلا إذا ورد في بعض الطرق ولم يرد، ولا شك أن معرفة مثل هذا يُعنى بها أهل العلم لكن في مثل هذا المجال لا يترتب على معرفته فائدة ولذلك لم ينقل في طريق من الطرق، ولو كان تترتب عليه فائدة فقد يبهم في موضع لكنه يبين في موضع آخر جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال إن أخي استطلق بطنه في البخاري يشتكي بطنه يعني من الإسهال، استطلق بطنه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلاً" اسقه عسلاً يعني صرفًا أو ممزوجًا المقصود أنه يسقى عسل "فسقاه فلم يبرأ ثم جاءه" جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام مرة ثانية "فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا" معروف أن العسل ينظف مادام البطن فيه شيء من الفضلات التي لا يحتاج إليها فإن وظيفة الدواء النافع الناجع التنظيف والعسل من هذا "فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال له اسقه عسلاً فقال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله" الذي قال فيه شفاء للناس "وكذب بطن أخيك" يعني إذ لم يصلح لقبول الشفاء "صدق الله وكذب بطن أخيك" في مقابل صدق وهذا هو موقف المسلم المتعبد لله جل وعلا إذا وجد النص الصحيح ولو ظُن مخالفته للواقع هو لا يخالف الواقع، النص الصحيح الثابت عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يخالف الواقع لكن إذا وجد ما يخالف الواقع في الظاهر "صدق الله وكذب بطن أخيك" وبعض الناس يعرض النصوص على الواقع بينما الأصل أن يعرض الواقع على النصوص، وإطلاق الكذب هنا على طريقة أهل الحجاز أنه إذا لم يطابق الواقع فهو كذب، فبطن أخيه لم يطابق الواقع الشرعي الذي يدل دلالة صريحة على أن العسل فيه شفاء، والاستطلاق مرض، الله جل وعلا يقول: (فيه شفاء) (ومن أصدق من الله قيلاً) وبطن أخيه يزداد من هذا المرض، كذب بطنه أخيك "فسقاه فبرأ" يعني عوفي من هذا الاستطلاق ومن هذا الإسهال؛ لأنه لما تكرر من استعمال الدواء قاوم الداء فأذهبه فاعتبار المقادير، يعني قد لا تنفع الشربة الواحدة المرة الواحدة ولا الثانية ولا الثلاثة إلا في الرابعة أو في الخامسة أو في السادسة، ومثل ما تقدم أن الطبيب الماهر هو الذي يقدر المقادير بحسب قوة المرض وضعفه وبحسب تحمل الجسم وعدم تحمله، فالمرضى يتفاوتون والأمراض تتفاوت فاعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب، فالطبيب الماهر أولاً يسأل عن العمر كم عمر المريض؟ ليعطيه الدواء المناسب فالدواء المناسب للطفل غير الدواء المناسب للشاب وغير الكهل وغير الكبير الذي جسمه لا يتحمل مثل ما يتحمل الشباب، على كل حال اعتبار مقادير الأدوية وكيفيات هذه الأدوية ومقدار قوة المرض والمريض يعني تحمل المريض من أكبر قواعد الطب؛ ولهذا إذا دخلت على طبيب وطلبت منه دواء لشخص غير حاضر وقال ما مرضه فقلت كذا فكتب لك الدواء مباشرة هذا فيه ما فيه، لا بد من الاستفصال؛ لأن الأمراض تتفاوت والمرضى يتفاوتون وعلى هذا قد يضطر بعض الناس الذي جبلوا على تصغير أعمارهم بعض الناس يصل إلى السبعين والثمانين يقول لا أنا أربعين ما وصلت، غالب الناس على هذا لو تقول عمرك سبعين أو ثمانين غضب غضبًا شديدًا لكنهم مع ذلك إذا قال عمره أربعين أو خمسين وعنده سبعين أو ثمانين يتضرر بالعلاج فلينتبه لمثل هذا.

باب التداوي بالشونيز عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت" والحبة السوداء الشونيز.

يقول رحمه الله تعالى "باب التداوي بالشونيز" الشونيز كان معروفًا عند الناس متداولاً عندهم بهذا الاسم وشهرته بحيث فسر به الحبة السوداء دليل على أنهم لا يعرفون إلا هذا اللفظ وتفسيره في نهاية الحديث هو كلام من ابن شهاب كما في البخاري من تفسير ابن شهاب الزهري، والحبة السوداء هي الشونيز، يعني لا بد أن يكون تعريف الشيء بما هو أوضح منه عند الناس وعند السامع، وقد يكون هذا الواضح في هذا الوقت وفي هذا المكان غير واضح في مكان وفي وقت يختلف عن هذا المكان وعن هذا الوقت، فمثلاً جاء رجل إلى كوّة فسرت بأن الكوة هي الخوخة تكون في الجدار، بعض المجتمعات يعرف الكوة ويتداولها ويعرفها صغارهم وكبارهم فتعريفها بالخوخة يضيع مثل الحبة السوداء عندما تعرف بالشونيز عند عامة الناس اليوم تضيع، لكنها في وقت من الأوقات كما في وقت الزهري لا تعرف إلا بهذا الاسم وتتابع على ذلك كتب الطب كلهم يقولون هي الشونيز، إلى كتب الطب التي أُلِّفت في القرن قبل الماضي، لكن قد تكون معروفة عند العطارين، قد تكون معروفة في بعض البلدان لكن عند عموم الناس لا يعرفونها، فالتعريف إنما هو لبيان المعنى ولا يتم بيان المعنى إلا بالمعنى المتداول بين الناس، الآن الناس يعرفون الحبة السوداء ولا يعرفون الشونيز فعلى هذا ينبغي أن ينتبه لمثل هذه التعاريف؛ ولذا أقول إن كتب الطب القديم التعامل معها فيه عسر شديد؛ لأن المصطلحات اختلفت والأسماء تغيرت والمقادير والموازين وأسماء النباتات وغيرها كلها تغيرت، وهذا مما يُصعِّب التعامل مع كتب الطب القديم مع أن نتائجها ليست عن استقراء تام كما بينا ذلك في أول الدرس "عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت" وكان اليهود قاتلهم الله إذا جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام قالوا السام عليك، النبي عليه الصلاة والسلام يسمع ويعرف المعنى فتغضب عائشة وتقول: بل عليكم السام واللعنة، قال دعيهم يا عائشة إني أرد عليهم بسلامهم أقول: وعليكم، هؤلاء واضحوا القصد واللفظ لكن بعض الناس ما يبين فيأكل بعض الحروف فإذا دخل المجلس قال السام عليكم مثل هذا  لا يقصد الموت، بعض الناس بطبيعته يأكل بعض الحروف، فمثل هذا لا يدخل في مثل حديث وعليكم السام واللعنة فكل إنسان يجاب بقدر ما يغلب على الظن من قصده، بعض الناس عنده شك من الآخرين إذا دُعي له بدعوة قد لا يتبينها أو لا يفهم معناها قال الله يخشرك من دعواك، عنده شك وريب من الآخرين والأصل في المسلم براءة المقصد إلا إذا عرف عن هذا الشخص أنه يتلاعب بالألفاظ فمثل هذا يجاب بمثل هذا الكلام، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: وعليكم، يعني عليكم ما دعوتم به من الموت، وعائشة رضي الله تعالى عنها من غيرتها على النبي عليه الصلاة والسلام تقول: وعليكم السام واللعنة، فالسام الموت قال ابن شهاب "والحبة السوداء الشونيز" يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: هي كثيرة المنافع جدًا، الحبة السوداء الآن معروفة عند العطارين ويستعملها الناس بكثرة، كثيرة المنافع جدًا، وقوله شفاء من كل داء يقول ابن القيم: هو كقوله تعالى: ((تدمِّر كل شيء بأمر ربها)) يعني أن هذا من العموم الذي يراد به الخصوص ليس من العموم المحفوظ الباقي على عمومه كقوله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها أي كل شيء يقبل التدمير، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة، وتدخل في جميع الأمراض الحارة اليابسة بالعرض، يعني لا أصالة تركب مع غيرها إذا أخذ يسيرها، قال: وزعم قوم أن الإكثار منها قاتل، يعني بعض الأمور تؤخذ بقدرها ولا يزاد عليها فعلى هذا إذا أخذ منها سبع من الحبات نفع بإذن الله، لكن إنسان يأكل على كل صباح مثلاً ملئ الكف هذا لا شك أنه يتضرر بها؛ لأن قوة العلاج لا شك أن لها أثرا في الإبراء من المرض، لكن يبقى أن قوته تؤثر مثل ما قلنا سابقًا أن الأصل في الجسم الصحيح السليم البريء من الأمراض الاعتدال على الوسط لا يزيد ولا ينقص، فالزيادة من العلاج لا شك أنها تخرجه عن حيز الاعتدال.

باب من تصبح بتمر عجوة لم يضره سم ولا سحر

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عجوة العالية شفاء أو إنها ترياق أول البكرة.

يقول رحمه الله تعالى "باب من تصبح بتمر عجوة لم يضره سُم" أو سَم "ولا سحر" والعجوة نوع جيد معروف من تمر المدينة، وقد زرع في غيرها فأثمر لكن في الحديثين التخصيص بالنوع وبالمكان، والسم معروف وهو بفتح السين وضمها وكسرها والفتح كما يقول أهل العلم أفصح سَم، وشخص دعا آخر فقال له سَم يا فلان، قال سم ثم لما وصل إليه قال أنا لا أقصد إجابتك باللفظ المعروف عند الناس الذي يقول بعضهم إنه مأخوذ من السمع والطاعة، لا أجبتك باللغة الفصحى من السُّم، بعض الناس ينتبه لمثل هذه الأمور والانتباه لمثل هذه الأمور ضررها أكثر من نفعها فهذا من الحذق والنباهة التي تضر ولا تنفع، المقصود أن الأفصح فيه السَّم بفتح السين، يقول "عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تصبح بسبع تمرات" وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع وعلمنا إياها ولا نعلم حكمتها لا ندري لماذا خص السبع، لماذا لم يقل ثلاث لماذا لم يقل تسع لماذا لم يقل خمس؟ الوتر معروف أمره وأن الوتر محبوب إلى الله جل وعلا لكن ماذا عن السبع، بعضهم استنبط عللا وذكر أشياء كالمازري وغيره لكن النووي يحذر من هذه الاستنباطات وشدد فيها، على كل حال نحن لا نعلم حكمتها كأعداد الصلوات يعني لوقال لنا قائل لماذا الظهر أربع والفجر اثنتين والمغرب ثلاث؟ نقول: الله أعلم هذه حددها الشارع وعلينا السمع والطاعة ولا ندرك حكمة هذه الأعداد؛ لأننا لو أدركنا أو حللنا مثلاً ما في السبع من سعرات مثلاً وما فيها من بروتينات وما فيها من فيتامينات واستطعنا أن نحلل وقد ونظرنا إلى أن السبع هذه كافية للجسم بطريق الأجهزة فهل السبع مستوية من كل وجه في أحجامها قد تأتي بسبع عن ضعف السبع من النوع الثاني فلا نستطيع أن نحدد ما في السبع من حكمة، على كل حال علينا أن نقتصر على هذا العدد لا نزيد ولا ننقص لكن إذا تردد هل أكل ستا أ و سبعا هل نقول يبني على الأقل لأنه تيقن؟ تردد فلم يدر، العادة أن الذي يدلنا على العدد النوى، افترض أن واحدة أو هذا التمر كله بلا نوى مسحوب النوى؛ لأن بعض التمر إذا قطف من النخلة تبقى النواة في النخلة، من باب الطرفة قُدم تمر و ليس فيه نوى فصار الناس يأكلون ولا يدرون كم أكلوا فقال أحد الحاضرين هذا التمر مضر جدًا بالنسبة لمرضى السكري، يقول هذا مثل الشيكات التي ليس لها قروض، يقضي رصيدك وأنت ما دريت كيف تحاسب نفسك وليس فيه نوى لكي تعد كم أكلت؟ فقد تضر نفسك وأنت لا تدري، على كل حال هذه السبع مقصودة، وكون التمر يتفاوت كِبرًا وصِغرًا وتقول آكل سبعا  كبارا، كل سبعا ولا عليك سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، تقيد بهذا العدد و لا شك أن له حكمة شرعية وإن لم يدركها، بسبع تمرات عجوة وهذا تخصيص بالنوع، والتمر أنواع وذكر ابن الجوزي أن في المدينة أكثر من ستمائة نوع من التمر، وفي العراق ألوف من الأنواع، وفي نجد وفي غيرها في الأحساء أنواع، وفي الجزائر أنواع من التمر لا يحاط بها، فالمقصود عجوة، والعجوة معروفة في المدينة لونها أسود وإذا طلبتها أعطوك إياها ولا يتغير شكلها "لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" ولا شك أن هذا سبب من الأسباب قد يتخلف أثره لمانع، قد يكون الإنسان في شك فيجرب إن نفع والا مثل هذا يصاب لأنه لم يعتقد في الموعود الشرعي على ما ينبغي، هذا كلام من لا ينطق عن الهوى إذا كان هناك  تردد ما أثر أثره المرتب عليه "قال وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في عجوة العالية" هذا تخصيص بالمكان، والعالية ما كان من جهة المدينة العليا مما يلي نجد يقابلها السافلة مما يلي تهامة، تخصيص بالنوع من التمر وهو العجوة وتخصيص أيضًا بالمكان من تمر العالية من المدينة "وقال إنها ترياق" بكسر التاء وضمها لغتان ويقال درياق بالدال وطرياق أيضًا كلها فصيح كما قال النووي أوّل البكرة أول ظرف والبكرة وهو بمعنى من تصبّح بأن يؤكل في الصباح وأن يبدأ به قبل غيره، الذي يشرب قبله الماء يكون تصبح بماء والذي يشرب قبل شيء أو يأكل قبل شيء تصبح بما قبله لكن المريض مثلاً قد يقول أنا لا أستطيع أن أتصبح بسبع قبل أن آكل علاج السكري مثلاً هل يصح أنه تصبح لا شك أن اعتقاده في مثل هذا الطب النبوي ينفعه على كل حال، ومثل هذا لو قيل أنه لا يستطيع في الإفطار أن يأكل التمر قبل العلاج هل يحصل له أجر السنة التي تحث على الإفطار على التمر نقول يرجى إن شاء الله تعالى لكنه لم يأكل هذا مختارًا لكن يحرص أن يأكل من التمر ولو شيئا يسيرا لا يؤثر عليه ثم يأكل ما بعده يصح أنه أفطر على تمر، التخصيص بالنوع والمكان هل ينفي ما عداه؟ أنت في مكان لا يوجد فيه عجوة هل نقول تصبح بسبع تمرات أيًا كان، أو نقول هذا خاص بالعجوة تمر العالية وإذا أثمر العجوة أو تمر العجوة أثمر نخل العجوة أثمر التمر الجيد من العجوة في غير المدينة في غير العالية ينفع أو لا ينفع؟ رأيت من كتب في الموضوع أنه لا يتعداه إلى غيره في هذين الوصفين، لا بد من التقيد بالعجوة وأن يكون من عجوة العالية، مقتضى هذا أنه لو كان في غير العالية من المدينة هل نقول أن هذا من باب الإطلاق والتقييد لأنه جاء من تصبح بسبع تمرات وترًا، لاتوجد  عجوة ولا مدينة ولا عالية هل نقول أن هذا من حمل المطلق على المقيد فنقيد المطلق بهذه القيود فلا ينتفع بغيرها وحينئذٍ لا يأكل تمرا؟ ما يلزم بنية الاستشفاء أو نقول أنه من باب العموم والخصوص؟ وإذا قلنا إنه من باب العموم والخصوص فالتنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص فالتمر كله نافع في هذا الباب إلا أن العجوة من المدينة من العالية أولى وأهم في هذا الباب، وهذا هو الظاهر يعني الذي لا يجد عجوة يأكل من أي تمر لكن الذي يجد العجوة لا يعدل بها غيرها تلاحظون يا إخوان نُجمل في بعض المسائل؛ لأن الوقت معنا قليل والباقي كثير.

باب الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين

عن سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكمأة من المن الذي أنزل الله على موسى وماؤها شفاء للعين.

يقول رحمه الله تعالى "باب الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" الكمأة بفتح الكاف وإسكان الميم وبعدها همزة مفتوحة معروفة، الناس يسمونها فقع وهو أنواع وأشكال ولها أسماء كثيرة:

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلاً .

 

وقد نهيتك عن بنات الأوبر   .

كلها أنواع من الكمأة والعامة عندهم أن الكمأة فيها شيء من الضرر وعندهم مثل يتداولونه: إذا جاء الفقع فصر الدواء وإذا جاء الجراد فانثر الدواء، يعني ما تحتاج إلى علاج إذا جاء الجراد، وإذا جاء الفقع فصر الدواء وعندنا الحديث الصحيح المتفق عليه "الكمأة من المن الذي أنزله الله على موسى" فكيف يقال أنه مضر وفيه ضرر واحتفظ بالدواء؟ نعم قد يكون ضرره من عدم تنظيفه لأنه مختلط بتراب فبعض الناس لا يبالي في تنظيفه فيصاب من هذه الحيثية وإلا فالأصل أنه من المن الذي امتن الله به على موسى وقومه "وماؤها شفاء للعين" منهم من يقول هي من المن حقيقة يعني أنزل على موسى كمأة مع ما أنزل عليه من الأترنجبين وغيره والسلوى أنزل عليه، المن الكمأة فهذا حقيقة وبعضهم يقول إن الكمأة مشبهة بالمن الذي أنزل على موسى ولا يوجد ما يمنع من حقيقة الأمر وأنها مما أنزل على موسى، وأما تشبيهها بما أنزل على موسى باعتبار أنها تجنى بغير كلفة ولا مشقة، يعني ما تحتاج إلى زرع ولا تحتاج إلى سقي ولا تحتاج إلى شيء يذهب إلى الصحراء فتؤخذ، من هذه الحيثية جاء تشبيهها "وماؤها شفاء للعين" قيل هو نفس الماء مجردًا، تعصر ويؤخذ ماؤها فيداوى بها، ومنهم من يقول يخلط ماؤها بدواء ويعالج به العين، يقول النووي: الصواب أن ماءها مجردًا شفاء للعين مطلقًا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه، يقول: وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان أعمى ذهب بصره بالكلية وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وسماه، قال وهو الشيخ العدل الأيمن الكمال بن عبدالله الدمشقي وهذا الحديث لا يحتاج إلى أن يصدق بهذه الوقائع إلا أن النفس ترتاح إلى مثل هذه الوقائع ويفرح بها المسلم الذي صدقت ما عنده من خبر.

باب التداوي بالعود الهندي وهو الكست

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أم قيس بنت محصن وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة قال أخبرتني أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد أعلقت عليه من العذرة قال يونس أعلقت غمزت فهي تخاف أن تكون به عذرة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علامه تدغرن أولادكن بهذا الإغلاق عليكن بهذا العود الهندي يعني به الكست فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب قال عبيد الله وأخبرتني أن ابنها ذاك بال في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على بوله ولم يغسله غسلاً.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى "باب التداوي بالعود الهندي وهو الكست عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن أم قيس بنت محصن وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني بيعة النساء المعروفة المدونة في سورة الممتحنة "أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد علقت" به ابن صغير طعامه اللبن ولم يأكل غيره "وقد أعلقت به من العذرة" والعذرة وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبًا ويقولون إنه سقوط لهاة الطفل وعلاجه عند النساء العجائز بالإعلاق بالتدغير بالأصابع يدغر به هذا الصبي ويصيبه بذلك من الألم والوجع ما لا يستطيع أن يشكوه لصغره فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام ووجههم إلى ما هو أفضل من ذلك؛ لأن هذا فيه تعذيب للصبي فقال علامه يعني علام والهاء هذه هاء السكت تدغرن، يعني تغمزن وتعصرن  أولادكن بهذا الإعلاق عليكم بهذا العود الهندي يعني الكست فإن فيه دواء للعذرة ولا مشقة فيه ولا تعذيب فيه للصبي. يقول ابن القيم رحمه الله: العود الهندي نوعان أحدهما يستعمل في الأدوية وهو القسط أو الكست، والثاني يستعمل في الطيب ويقال له الألوة، وقال أيضًا القسط نوعان: أحدهما الأبيض الذي يقال له البحري والآخر الهندي وهو أشدهما حرًا والأبيض ألينهما، ومنافعهما كثيرة جدًا يعني بالتبخير بهذا العود يستنشقه الطفل أو يُنشق الطفل أو يفتح فاه فيشفى بإذن الله جل وعلا فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب منها ذات الجنب، يقول ابن القيم: ذات الجنب نوعان حقيقي، وهو ورم حار يأتي في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع، وغير حقيقي ألم يشبه الحقيقي في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا قريبًا من الحقيقي، هناك أوجاع تنبعث من أماكن من الجسم فيها خلل فيها مرض حقيقي إذا كشف عليه بالآلات أو رآه الأطباء قرروا أن فيه مرضا أحيانًا يأتي المريض المصاب بالآلام الشديدة ثم يقول الأطباء والله ليس عندك شيء من مرض، لكن من أين هذا الألم يعني نتائج التحاليل والأشعة والآلات كلها لاتأتي بنتيجة هذه أرياح معروفة عند العامة، تجده مرة يؤلمه المِرفق ألمًا شديدًا ثم ينتقل إلى الكتف، ثم ينزل على الظهر، ثم الصدر، هذه أرياح لا تستقر بمكان، وهذه ذات الجنب غير الحقيقية، أما الحقيقية التي إذا كشف عليه بالآلات وجد موطن الألم هذه ذات الجنب حقيقية كما يقول ابن القيم، يقول ابن القيم: وقد خفي على جُهَّال الأطباء نفع الكست أو القسط أو العود الهندي من وجع ذات الجنب فأنكروه مع أنه ثابت في كلام من لا ينطق عن الهوى، يقول: ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزله منزلة النص كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب يعني ما ينفع من جميع أنواع هذا المرض إلا أنه لا بد وأن ينفع تحقيقًا لخبر الذي لا ينطق عن الهوى، والأصل من ذات الجنب يعني من الأدوية من الأمراض التي يشفي منها العود الهندي ذات الجنب وهناك أمراض أخرى غير ذات الجنب ستة غيرها كما قرر في الحديث الصحيح.

باب التداوي باللدود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأشار ألا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم.

في الحديث السابق في مسألة بول الصبي الذي لم يأكل الطعام وأنه يكفي فيه النضح ولا يحتاج إلى غسل نجاسته مخففة، وهذا في الذكر فقط دون الأنثى وفي الصغير دون الكبير هذا أمر مقرر في كتاب الطهارة من كتب الحديث والفقه فلا نحتاج إلى شرحه، باب التداوي باللدود واللدود هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض إما الأيمن أو الأيسر فيسقاه من أحد جانبي فمه هذا اللدود، وقد يحتاج إلى فتح فمه بأصبع أو بعود أو بشيء من هذا لأن المريض لا يقبله فيصب من غير اختياره هذا يسمى لدود "عن عائشة رضي الله عنها قالت لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأشار أن لا تلدوني" ومع ذلك اجتهدوا حرصًا منهم على شفائه عليه الصلاة والسلام فلدوه لأنهم ظنوا أن هذا من باب "كراهية المريض للدواء فلما أفاق عليه الصلاة والسلام قال لا يبقى أحد منكم إلا لُد" الجزاء من جنس العمل، ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)) فلا بد أن يُلدوا؛ لأنهم اعتدوا ونهاهم النبي عليه الصلاة والسلام وعلى هذا مادام العقل باقيًا لا يجوز إلزام المريض بغير اختياره لا يجوز إلزامه ولذلكم عاقبهم النبي عليه الصلاة والسلام "غير العباس" العباس حضر في حال الإفاقة لكنه ما حضر وقت اللدود "فإنه لم يشهدكم" ولو كان حاضر وأقر يلد لماذا لد الناس والذي لده واحد وهو الذي صب العلاج في أحد جانبي فمه الشريف عليه الصلاة والسلام ؛لأن البقية ما أنكروا ولا منعوا إذًا يشتركون؛ لأن الذي يقر الشيء ولا ينكر شريك للفاعل وأما العباس فإنه لم يشهد قال بعد ذلك.

باب في الحجامة والسعوط

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط.

يقول رحمه الله تعالى "بابٌ في الحجامة" الاحتجام "والسعوط" الحجامة معروفة وهي استخراج الدم الفاسد من البدن بواسطة الآلة التي يستعملها الحجام وكان في السابق آلات بدائية يعتريها ما يعتريها من عدم النظافة من بعض الناس غير أهل الاهتمام وهي لا شك أنها طب شرعي على ما سيأتي، كان الشفاء بثلاث ومنها شرطة محجم فهي نافعة لاستخراج الدم الفاسد ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام احتجم. والسعوط ما يجعل في الأنف مما يتداوى به، إذا كان اللدود من أحد جانبي الفم فالسعوط ما يتداوى به من طريق الأنف "احتجم" النبي عليه الصلاة والسلام "وأعطى الحجام" والحجام كنيته أبو طيبة واسمه نافع أو ميسرة، على كل حال قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "كسب الحجام خبيث" والنبي عليه الصلاة والسلام "أعطى الحجام أجره" لو كان محرمًا يعطيه النبي عليه الصلاة والسلام الأجرة؟ إذًا ليس بمحرم كونه خبيث يعني رديء ودنيء لكنه ليس بمحرم من باب ((ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون))، الخبيث ما يقابل الطيب، والخبيث المراد به هنا الرديء، يعني لو كان عندك تمر جيد وتمر رديء، بر جيد وبر رديء، نقول هذا التمر الرديء خبيث في مقابل الطيِّب، البر الرديء خبيث في مقابل الجيد، ((ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه)) لا بد أن تتنازل، يعني لو أعطيت تمرا رديئا وأنت لك سلم عند فلاح مقدار كذا من الآصع من التمر فجاء ك بتمر ردي أقل من شرطك لن تأخذ هذا التمر إلا إن غلب على ظنك أنه لن يأتي بغيره، إلا أن تغمضوا فيه، فلا تنفق من هذا الرديء هذا الخبيث وأنت عندك جيد وليس المراد من الخبيث المُحرم ولو كان محرمًا لما أعطاه الأجرة "واستعط" يعني تداوله من قبل أنفه واستعمل السعوط عليه الصلاة والسلام.

باب التداوي بالحجامة والكي عن عاصم بن عمر بن قتادة قال جاءنا جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما في أهلنا ورجل يشتكل خُراجًا به أو جراحًا فقال ما تشتكي قال خراج بي قد شق علي فقال يا غلام ائتني بحجام فقال له ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله قال أريد أن أعلق فيه محجمًا قال والله إن الذباب ليصيبني أو يصيبني الثوب فيؤذيني ويشق علي فلما رأى تبرمه من ذلك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحب أن أكتوي قال فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد وعن جابر أن أم سلمة رضي الله تعالى عنهما استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها قال حسبت أنه قال كان أخاها من الرضاعة أو غلامًا لم يحتلم.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى "باب التداوي بالحجامة والكي عن عاصم بن عمر بن قتادة قال جاءنا جابر بن عبدالله رضي الله عنه في أهلنا ورجل يشتكي خُرَّاجًا أو جِراحًا فقال ما تشتكي قال خراج لي قد شق علي فقال يا غلام ائتني بحجام فقال له" هذا المريض "ما تصنع بالحجام يا أبا عبدالله قال أريد أن أعلق فيه محجمًا" يحجم هذا الجرح من أجل أن يستخرج منه هذا الدم المحتقن الفاسد لكن هذا المريض من النوع الذي يتأذى بأدنى شيء، قال الذباب يقع عليه أو الثوب يمسه أدنى مس فيتضرر بذلك ويتألم منه "قال والله إن الذباب ليصيبني أو يصيب الثوب فيؤذيني ويشق علي فلما رأى تبرمه من ذلك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني ليست المسألة اجتهادا مني، المسألة نص من النبي عليه الصلاة والسلام وعلاج وطب نبوي "يقول إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم" آلة الحجام يستفرغ بها الدم الفاسد وكانت الآلات كما ذكرنا بدائية تمص بواسطة الفم، وأما الآن فآلات لا تدخل الأيدي وهي من النظافة والنزاهة أقرب لكن كل شيء في وقته نافع بمقدار ما فيه من النفع "أو شربة من عسل" في شرطة محجم، في الحجامة نفع، شربة عسل أيضًا فيها شفاء أو "لذعة بنار" يعني الكي "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحب أن أكتوي قال فجاء بحجام فشرطه" في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، الحصر في الشفاء بثلاث إضافي ليس بحقيقي فهناك أدوية أخرى، يعني الشفاء في ثلاث، عليكم بالعود الهندي لا يدخل في هذه الثلاث وغير ذلك من الأدوية التي جاءت بها السنة وجاء بها النص الشرعي، فالحصر هنا إضافي وليس بحقيقي وحُصر الشفاء في هذه الأمور الثلاثة للاهتمام بها، وكية نار وأنهى أمتي عن الكي يعني ما فيه من ألم شديد لكنه آخر الدواء فإذا لم تنفع الأسباب غير الكي فليكو، والكي جاء أنه مفضول وإن كان مباحًا، وجاء بيان أنه من أسباب الشفاء إلا أنه مفضول كما في حديث السبعين الألف ولا يكتوون "وعن جابر أن أم سلمة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها قال حسبت أنه قال كان أخاها من الرضاعة" لأنه قد يقول قائل كيف يحجمها أبو طيبة وليس بمحرم لها فبين الراوي أنه أخاها من الرضاعة "أو غلامًا لم يحتلم" صغير ما عليه حجاب فعلى هذا لا بد أن يتولى علاج المرأة المَحرم ولا يجوز أن يطب الرجالُ النساء إلا في حال ضرورة قصوى والعكس، لا بد من ضرورة يعني لا يوجد امرأة تعالج النساء يطبها الرجال وكذلك لا يوجد رجل يعالج الرجال تطبه النساء وهذا في حال الضرورة، ولهذا نعرف خطأ من يقصد إلى تخصص ما يخص النساء من الرجال ابتداء؛ لأن الأصل المنع والعكس فالرجال يطبهم الرجال والنساء يطبهن النساء ولا عكس إلا في حال ضرورة قصوى، امرأة في حالة ضرورة ولا يوجد إلا رجل عند الضرورات تباح المحظورات والعكس، أما أن يكون في حال الاختيار أطباء طبيب نساء وولادة طبيبة نساء وولادة وهكذا، كم من امرأة  في المستشفى تقصد إلى هذا الطبيب وقد لا يجوز لها ذلك بحال لأنه يوجد من يقوم مقامه من النساء وكذلك الطبيب ابتداء لا يجوز له أن يتخصص فيما يخص النساء ابتداءاً لكن إذا احتيج إليهم في حال الضرورة فالضرورات تبيح المحظورات وتقدر بقدرها والله المستعان. يقول ابن حجر: لم أر في أثر صحيح أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى، نعم كوى لكنه كونه اكتوى لا، لا يوجد في أثر صحيح أنه عليه الصلاة والسلام اكتوى إلا أن القرطبي نسبه إلى كتاب أدب النفوس للطبري أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى، وذكره الحليلي بلفظ أنه عليه الصلاة والسلام اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد، قال الحافظ: الثابت في الصحيح كما في غزوة أحد أن فاطمة أحرقت الحصير وهو من سعف النخل الخوص أحرقته فرماده حشت به الجرح وهذا في عرفنا وعرف أطبائنا اليوم هذا مملوء بالجراثيم، هذا يزيد المرض لكنه طب نبوي ثابت في الصحيح ما لنا مندوحة عن القول به، فحشت جرحه وليس هذا هو الكي المعهود كما يقول ابن حجر.

باب التداوي بقطع العرق والكي

 عن جابر رضي الله تعالى عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبّي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه عليه.

يقول "باب التداوي بقطع العرق" يعني في الفصد وشبهه كالحجامة والكي أيضًا، وجاء فيه ما جاء من الشفاء في ثلاث يقول "عن جابر رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا" أحيانًا العرق يصاب بألم شديد فيحتاج حينئذٍ إلى فصده بشيء حاد لينفجر ويخرج منه الدم المتحجر المؤذي "ثم كواه عليه" والكي لا شك أنه يمحى أثر الجرح.

"باب التداوي للجراح بالكي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال رمي سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه في أكحله قال فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية".

يقول رحمه الله تعالى "باب التداوي للجراح بالكي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال رُمي سعد بن معاذ في أَكْحَلِه" الأكحل عرق يكون بالذراع "فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص" حديدة تشبه نصل السهم أحماها ثم بعد ذلك وضعها على هذا العرق الأكحل "ثم ورمت فحسمه الثانية" نعم الجروح بالكي تلتئم وكذلك السارق إذا قطع أو المريض إذا بُتر منه شيء يعالج بمثل هذا، السارق كانوا يعالجونه بوضع يده في دهن يغلي لكي يسد المنافذ لئلا ينزف من هذا الجرح ثم بعد ذلك يأتي عليه فيموت.

باب التداوي بالخمر فيه حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه وقد تقدم في كتاب الأشربة.

تقدم في كتاب الأشربة برقم ألف وميتين وتسع وسبعين عن وائل الحضرمي وائل بن حُجر الحضرمي أن طارق بن سويلم الجُعفي -رضي الله تعالى عنه- سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يعني بعدما حرمت فنهاه أو كره أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء، فقال: "إنه ليس بدواء ولكنه داء" يعني هذا المشروب الخبيث أم الخبائث هذه ليست بدواء ولكنها داء، وقد سلبت المنافع بعدما حرمت، وجاء عند أبي داود: "تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام"، فلا يجوز التداوي بالحرام، التداوي طلب الشفاء هذا مما عند الله جل وعلا، وما عند الله لا ينال بسخطه، والتداوي كما قرر أهل العلم لا ينافي التوكل لمن اعتقد أن الشفاء بيد الله عز وجل وأن الدواء مجرد سبب، وفي البخاري عن ابن مسعود: "إن الله جل وعلا لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم" بالنسبة للخمر ليست بدواء ولكنها داء، يقول النووي: هذا دليل على تحريم اتخاذ الخمر وتخليلها يعني ولو لم تشرب، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء ؛لأنها ليست بدواء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فكأن تناولها بلا سبب فلا تنفع ولا تجدي، وكون الإنسان يعتقد في الشيء أنه سبب ويستعمله على هذا الأساس ولم يثبت كونه سببًا لا شرعًا ولا عرفًا ولا حقيقة يعني ليس بسبب شرعي ولا مادي هذا من التعلق بغير الله جل وعلا، وهذا ضرب من الشرك إذا اعتقدها سببا وليست بسبب شرعي ولا مادي هذا الشرك نسأل الله العافية، يقول: وهذا الصحيح عند أصحابنا وكذا يحرم شربها للعطش يقول والله أنا عطشان ولا عنده إلا زجاجة الخمر نقول لا يجوز شربها من عطش ؛لأنها لا تقضي على العطش بل تزيده، وأما إذا غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرًا فيلزمه الإساغة بها ؛لأن هذا شيء محسوس، هذه اللقمة التي وقفت في حنجرته يدفعها هذا السائل فيكون هذا سببا ماديا محسوسا فلا يدخل في النهي، يقول: أما إذا غصّ بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرًا فيلزمه الإساغة بها؛ لأن حصول الشفاء بها حينئذٍ مقطوع به بخلاف التداوي والله أعلم.

 الخمر لا يجوز التداوي بها لأنها أم الخبائث وتغطي العقل فماذا عن ما يقوم مقامها في تغطية العقل من البنج مثلاً، هل نقول إنها خمر فلا يجوز التداوي بها؟ أولاً هي تختلف اختلاف جذري عن الخمر، الخمر يشرب للتلذذ والبنج ليس فيه تلذذ، والخمر يعرض الإنسان لقول وفعل ما يذم به شرعًا والبنج لا يعرضه لشيء من ذلك، فهناك فروق؛ ولذا أجاز العلماء التداوي بالبنج والتخدير وما أشبه ذلك بخلاف الخمر.

 والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين واعذرونا على هذه العجلة التي اضطرنا إليها ضيق الوقت وكثرة الأحاديث المشروحة.

"