كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 23

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم

وأورد حديث عقبة بن عامر، وفيه الاستحباب -استحباب الإقبال- على الله -جل وعلا- في صلاته بقلبه ووجهه، وفي مضمونه الخشوع، وأدخله تحت هذه الترجمة بناءً على أن الخشوع مستحب، وسنة عند الجمهور، عند جمهور أهل العلم أن الخشوع مستحب، وأوجبه بعضهم، ونصر الوجوب ابن رجب -رحمه الله-، وأيضاً الغزالي في إحياء علوم الدين نصره، وأطال في تقريره، وإيراد المصنف -رحمه الله- لهذا الحديث في الأمور المستحبة يدل على أنه جار على قول الجمهور.

وأيضاً إيراد أحاديث السترة يدل على أن المصنف يختار أن السترة سنة وليست بواجبة، وهذا أيضاً قول عامة أهل العلم، وجاء الأمر بها: ((ليستتر أحدكم ولو بسهم)) تمسك به من قال بالوجوب، وبقية الأحاديث تدل على أن هذا الأمر مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، منها: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، كما في حديث ابن عباس، ويقول: يعني إلى غير سترة، وأيضاً: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره، فأراد أحدهم أن يجتاز)) إذا صلى يدل على أن السترة ليست بواجبة؛ لأن السياق قوله: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) قد يقول قائل: إن الاستدلال بهذا الحديث في صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب استدلال بالدلالة الفرعية لا الدلالة الأصلية؛ لأن الحديث ما سيق لبيان حكم السترة، وإنما لبيان الأمر بالدفع، يعني النصوص فيها دلالات أصلية سيق النص من أجلها، وهناك دلالات فرعية لم يسق النص من أجلها، يعني في هذا الحديث هل يبين النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم السترة؟ ويقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستر)) مثل حديث: ((إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي)) الجمهور يقولون: إن الأضحية سنة بدليل هذا الحديث، فالحديث رد التضحية إلى إرادة المضحي، وهذا لا يدل على وجوبها، لكن هل الحديث سيق لبيان حكم الأضحية أو لبيان المنع من الأخذ من الشعر والبشر في العشر حتى يضحي؟ هذه دلالته الأصلية، أما تلك فدلالته الفرعية، والدلالة الأصلية والفرعية الأصلية هي محل النظر الأول، وبها يستدل أو يستنبط الحكم من الحديث، وأما الدلالة الفرعية فلا شك أن لها حظ من النظر، الشاطبي يقول: "إذا لم يسغ الحديث من أجلها فلا يستدل بها" وأهل العلم يستنبطون من الحديث الواحد المسائل الكثيرة، منها ما يدل الحديث عليه صراحة، ومنها ما يفهم من الحديث، ومنها ما يشم من الحديث يعني من بعد، وكل هذا يستدل به أهل العلم، لكن الدلالة الأصلية هي الأصل، والفرع أيضاً مرعية إذا لم تكن معارضة بما هو أقوى منها، إذا لم تكن معارضة بما هو أقوى منها، يعني لا ترد مطلقاً ولا تقبل مطلقاً، يعني من الدلالات الفرعية يعني قول جابر في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه نام حتى أصبح، هل الحديث سيق لبيان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يوتر مثلاً، أو لم يقم الليل؟ لا، أيضاً ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) هل الحديث سيق لبيان أن الحائض تقرأ القرآن؟ وإن احتج بعضهم بهذا الحديث عليه، هذا دلالة فرعية، لكن الحديث ما سيق من أجلها، ولولا المعارض يمكن أن يستدل بها، يعني استدلال الحنفية على أن وقت صلاة الظهر يمتد إلى مصير ظل كل شيء مثليه، وقول الجمهور إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، استدلالهم بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم)) حديث في الصحيح ((كمثل رجل استأجر أجيراً إلى الزوال بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى المغرب بدينارين، فقال أهل الكتاب: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) ولا يكون هذا إلا إذا كان وقت الظهر أطول من وقت العصر؛ ليتم احتجاج النصارى؛ لأن الذين عملوا إلى الزوال هو مثل اليهود، والذين عملوا إلى العصر هم النصارى، والذين عملوا من العصر إلى المغرب هم المسلمون بدينارين، احتج اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، ولا يتم الاستدلال والاحتجاج إلا إذا قلنا: إن وقت الظهر أطول من وقت العصر، وعند الحنفية لا يكون أطول إلا إذا صار إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه، وهذا الكلام ليس بصحيح، أولاً: الحديث ما سيق لهذا الأمر، وفي الباب نصوص صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مسلم، وغيرها من الأحاديث تدل على أن وقت الظهر إلى مصير ظل كل شيء مثله.

الأمر الثاني: أن وقت الظهر أطول من وقت العصر في كل زمان ومكان، حتى على القول أنه ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، المقصود أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) لا يتم به صرف ليستتر أحدكم، إنما الصارف حديث ابن عباس: "صلى إلى غير جدار" يعني إلى غير سترة.

قال: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عن سترة المصلي؟ فقال: ((مثل مؤخرة الرحل))" الرحل: الذي يوضع على الراحلة ويركب عليه، له مقدمة يستمسك بها الراكب، وله مؤخرة يستند إليها، وهي مقدرة عند أهل العلم بثلثي ذراع، يعني قريب من أو تزيد قليلاً عن ثلاثين سنتيمتر، ولا يتم التحديد بمؤخرة الرحل لا طولاً ولا عرضاً؛ لأنه جاء أيضاً التحديد بالحربة والسهم والعصا، وما أشبه ذلك.

ثم بعد هذا قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا))" يدل على أن الشيء المذكور في الجملة الأولى له جرم، أكبر من العصا، أعرض أو أطول؛ لأنه قال: ((فإن لم يجد فلينصب عصا)) والعصا في حكم السهم والحربة.

"((فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد" مثل به ابن الصلاح للمضطرب في علوم الحديث ذكره مثالاً للمضطرب، وقال: إنه يروى من عشرة أوجه، كلها مختلفة، ولا يمكن الترجيح بينها لينتفي الاضطراب، فهو مضطرب، والحديث فيه علة أخرى، فيه الجهالة لأبي عمرو ابن حريث فهو مجهول، وجده أيضاً أبو عمرو محمد بن حريث وجده حريث أيضاً مجهول، فهو ضعيف لعلتين: الاضطراب الذي لا يمكن معه الترجيح، والجهالة، فالحديث ضعيف.

ابن حجر -رحمه الله- في النكت على ابن الصلاح تمكن من ترجيح بعض الوجوه على بعض، فانتفى عنده الاضطراب، لكنه غفل عن الجهالة؛ لأنه قد تنتفي علة لكن تبقى العلة الأخرى، ولذا قال في البلوغ: "ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن" لما تمكن من نفي الاضطراب بترجيح بعض الوجوه حكم عليه بالحسن؛ لكنه مع ذلك فيه جهالة راوييه.

يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد" يعني كما قال ابن الصلاح، ولذلك ضعفه الشافعي وغيره، وصححه ابن المديني وغيره.

نقل عن الإمام أحمد أيضاً تصحيحه، لكنه لا يثبت عند كثير من أهل العلم.

وقال ابن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، وقال البيهقي: لا بأس به في هذا الحكم.

يعني هذا الحكم لا يحتاج فيه إلى شيء من القوة مثل ما يحتاج إلى الأحاديث القوية في الأحكام، أصل السترة مستحبة عند الجمهور، وهو إما أن يصلي إلى خط، أو إلى غير شيء، فكونه يصلي إلى خط أفضل من كونه يصلي إلى غير شيء، ولذلك قال: لا بأس به في هذا الحكم، فالخط أولى من عدمه، يعني من هذه الحيثية، باعتبار أن السترة ليست بواجبة، والصلاة إلى خط أفضل من لا شيء.

وعلى كل حال الحديث ضعيف، لا يصل إلى درجة الحسن، وقول سفيان بن عيينة "لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث" يدل على أنه يضعفه، وقول البيهقي: لا بأس به في هذا الحكم من هذه الحيثية، أن هذه فضيلة من الفضائل، ليس بواجب من الواجبات، وأيضاً نظروا إلى أن الصلاة إلى شيء أحسن من لا شيء، والخط يذكّر المصلي ويذكر المار، فالأمر فيه سعة على كلام البيهقي، وإلا فالحديث ضعيف.

الخط الذي يخط منهم من يقول: يمتد إلى الأمام كالعصا كأن أمامه عصا، ومنهم من يقول: طولاً أو عرضاً كالجنازة، وذكر عن أحمد أنه يقول: كالمحراب كالهلال، وعلى كل حال الحديث مثل ما قلنا: ضعيف.

منهم من يلحق بالخط طرف السجادة، أو الخطوط التي في فرش المساجد، هذه الخطوط بمثابة الخط الذي أشير إليه بالحديث، طرف السجادة كذلك، لكن مع ذلك نعود إلى أصل المسألة وهو أن الحديث ضعيف لا يثبت به حكم.

قال: "وعن أبي سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني قول الصحابي: يبلغ به، ينميه، روايةً، يرويه، يرفعه، كل هذا حكمه الرفع.

قال: "((إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها))" هل هذا أمر بالسترة أو أمر بالدنو إلى السترة؟ نعم هو ليس بأمر بالسترة، وإنما هو أمر بالدنو منها؛ لأنه قال: ((إذا صلى إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) إذا كان بعيداً لا شك أن البعد يجرئ ويغري من أراد المرور، وأنتم شاهدتم وحصل لكم الصلاة في المسجد الحرام إذا دنوت من الجدار، أو من السارية ما اجترأ أحد أن يمر بين يديك إلا شخص قاصد للإفساد كما يصنع بعض النساء الوافدات ممن عرف بالبدع، تقصد أن تمر بين المصلي وسترته ولو قرب منها، وتتحين الغفلة والفرصة فتمر، ورجالهم كذلك، لكن في الغالب أنك إذا دنوت تستطيع الرد، ولا يجرؤ أحد أن يمر بينك وبين سترتك إلا إنسان في نيته الإفساد، الغافل يمكن رده.

أما إذا ابتعد عن سترته فإن حكم السترة يسري إلى ثلاثة أذرع من موضع قدميه، فإذا مر دون ثلاثة أذرع مر بين يدي المصلي، وإذا كان أكثر من ثلاثة أذرع فإنه لا يكون ماراً بين يدي المصلي، ولا يُدفع حينئذٍ.

((لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) سواءً كان ذلك من شياطين الجن، وجاء في الكلب الأسود أنه شيطان أو كان من شياطين الإنس الذين يريدون التشويش على المصلين.

يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وهو حديث مختلف في إسناده، وروي مرسلاً" على كل حال الحديث الراجح في أمره أنه صحيح، والموصول أصح من المرسل وأرجح، فهو المعتمد.

في السترة حديث أبي سعيد: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله)) وفي رواية: ((فإن معه القرين)) ليقاتله، يعني يدفعه بالأسهل، بالأخف، ثم بالأشد، وليس معنى هذا أنه يقتله، يحمل معه آلة القتل وكل من أراد أن يجتاز بين يديه أزهق روحه، لا، الكلام ليس بصحيح، نعم يقتل الحية والعقرب، لكن لا يقتل معصوماً، وليس معنى ((فليقاتله)) بالسب والشتم كما قال بعضهم، مثل: ((قاتل الله اليهود)) يعني لعنهم، وهنا: ((فليقاتله)) يعني يسبه ويشتمه، هذا الكلام ليس بصحيح، وإن قاله بعضهم.

المقصود أنه يدفع ويرد، إن اندفع بالإشارة فذلك المطلوب، وإلا بالدفع اليسر، وإلا بأشد منه، لكن لا يصل الأمر إلى القتل؛ لأن المقاتلة تختلف عن القتل، ولا يكون ذلك أيضاً بالسب والشتم كما قال بعضهم.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهي أن يصلي الرجل مختصرا" رواه البخاري هكذا" يعني لفظه: "نهي" بالبناء للمجهول "ورواه مسلم: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومر بنا مراراً أن قول الصحابي: نهينا، أو أمرنا أنه مرفوع؛ لأنه في المسائل -مسائل الدين- والأحكام إنما الأمر والنهي لمن جعل الله له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال ذلك بعد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-:

قول الصحابي من السنة أو
بعد النبي قاله بأعصرِ
 
ج

 

نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
على الصحيح وهو قول الأكثرِ

ج

فهو مرفوع وإن قال بعضهم كأبي بكر الإسماعيلي يقول: هذا لا يكون مرفوعاً حتى يذكر اللفظ النبوي؛ لاحتمال أن يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً، وهو ليس في الحقيقة أمر ولا نهي، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية من غيرهم، فإذا لم يعرف الصحابة مدلولات الألفاظ النبوية من يعرفها بعدهم؟ والدين إنما جاءنا من قبلهم، وفهمهم مقدم على فهم غيرهم، فحكمه الرفع عند عامة أهل العلم، هذا إذا قال: نهينا أو أمرنا، أما إذا قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" صرح الصحابي بالناهي، وكذلك إذا صرح بالآمر فهو مرفوع قطعاً، ولا خلاف في رفعه، لكن خالف...

الخلاف في المسألة الأولى، وهي ما إذا لم يصرح الصحابي بالآمر ولا الناهي، قال: أمرنا أو نهينا، قال الإسماعيلي وجمع من أهل العلم قالوا: إنه ليس له حكم الرفع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يمكن أن يكون أمرهم أبو بكر، أمرهم عمر، أمرهم أمير من الأمراء، رجل أمره أبوه، أو من له حق عليه، هذا إذا لم يصرح بالآمر والناهي، والجمهور على أنه مرفوع؛ لأن الأحكام إنما تتلقى من النبي -عليه الصلاة والسلام- أوامرها ونواهيها، هذا إذا لم يصرح بالآمر.

أما إذا صرح بالآمر والناهي كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مرفوع قطعاً عند الجميع، لكن دلالته على الانكفاف في النهي أو الائتمار بالأمر خالف فيها داود الظاهري، وبعض المتكلمين، وقالوا: قد يظن الصحابي الكلام النبوي مشتملاً على أمر أو نهي وهو في الحقيقة لا يدل على الأمر والنهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وهنا يقال: إن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية فالكلام هذا ليس بصحيح.

"نهي أن يصلي الرجل مختصراً" وكذلك المرأة، نهي أن يصلي الرجل مختصراً يعني أن يضع يديه على خاصرتيه في الصلاة، يضع الرجل يديه على خاصرتيه، وجاء التعليل في حديث عائشة: إن هذا فعل اليهود، فالنهي عنه للتشبه، وبعضهم يستنبط علة يقول: إن هذا صنيع الشيطان، وذكر حديث: ((المختصرون على منابر من نور)) من أهل العلم من يفسر هذا الحديث باختصار القراءة وتخفيف القراءة، لكن العلة المنصوصة هي ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- أن هذا فعل اليهود، ((المختصرون على منابر من نور)) هذا الحديث لا يعرف في الكتب المعروفة، ولذا تداوله الشراح، فلا أصل له، وإن حمله بعضهم على أنهم الذين يستعملون المخصرة التي هي العصا يعتمدون عليها لطول القيام في الليل، لكن ما دام الحديث لا يعرف له أصل فلا نحتاج إلى تأويله إلا من أجل التوفيق بينه وبين حديث الباب.

وعلى كل حال الاختصار هو وضع اليدين على الخاصرة هذا صنيع اليهود.

قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إدخال الحديث هذا في الأمور المستحبة والمكروهة يدل على أن النهي هنا عند المؤلف للكراهة.

قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) متفق عليه" لا شك أن الأمر في ((فابدؤوا)) يدل على استحباب الفراغ مما يشوش على بال المصلي وقلبه، إذا قدم العشاء والإنسان نفسه تتوق إليه فإنه يفرغ منه.

((فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) لأن هذا ينافي الخشوع في الصلاة، والخشوع سنة عند الجمهور، وما ينافيه عندهم مكروه، فإذا بدأ بالصلاة والقلب منشغل بالعشاء انتفى الخشوع، وصار الأمر عند المؤلف هنا: ((فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) ابدؤوا للاستحباب، الظاهرية يقولون: للوجوب، فإن بدأ بالصلاة بطلت الصلاة.

وقوله: ((قبل أن تصلوا المغرب)) يشير إلى رواية تدل على أن هذا في حق الصائم، إذا قدم العشاء وأحدكم صائم فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب، وذلك لأن الصائم حاجته إلى الطعام أشد، وانحصار الوقت عنده في هذه المدة اليسيرة بين الأذان والإقامة بالنسبة لصلاة المغرب أظهر من غيره؛ لأن غير الصائم يقال له: قدم يا أخي، قدم طعامك، لكن إذا لم يتم نضجه مثلاً إلا في هذا الوقت وهو محتاج إليه، فحكمه حكم الصائم، أما إذا قصد تأخير الأكل والطعام إلى قرب الصلاة صار ديدنه هذا، هذا لا يجوز؛ لماذا؟ لأنه يترتب عليه ترك الواجب، وهو الصلاة مع الجماعة حيث ينادى بها، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إليه، ونفسه تتوق إليه كصائم، أو في حكم الصائم ممن لا يتيسر له الطعام لعدم نضجه، أو لعدم الحصول عليه إلا في هذا الوقت فالعلة سارية، يعني بعض الناس يقصد ويبحث عما يترخص به في ترك الجماعة مثلاً، فيجعل تقديم الطعام قرب الإقامة، ويتعلل بمثل هذا الحديث، أو يأكل مما نهي عن الأكل منه، مع حضور الجماعة كالأطعمة التي تنبعث منها الروائح الكريهة، ويقول: إن هذا عذر في ترك الجماعة، لا يكون عذراً إلا إذا كانت هناك حاجة داعية له، أما أن يعتذر به، ويتوصل به إلى ترك ما أوجب الله فإن هذه هي حيل اليهود التي يتوصلون بها إلى ترك الواجبات، أو ارتكاب المحرمات، وأما عند الحاجة للاستشفاء ذكر له البصل علاج، أو الثوم علاج، وأكله ليستشفي به فهذا عذر، أما أن يأكل من أجل أن يترك الصلاة هذا لا شك أنه تحايل على إسقاط ما أوجب الله عليه، وهذا ما ارتكبته اليهود.

وهنا إذا كان يقصد أن يقدم الأكل قبيل الإقامة من أجل ألا يخرج إلى المسجد، ويصلي مع الناس هذا تحايل لإسقاط الواجب، وهذا صنيعه هذا حرام عليه، أما إذا وقع اتفاقاً إما أن يكون صائماً مثلاً، ونفسه تشتاق إلى الطعام وتتوق إليه، وإذا صلى انشغل باله، لا شك أن هذا مأمور بأن يبدأ به قبل الصلاة ليتوفر لصلاته ويقبل عليها بعد أن فرغ، وقل مثل هذا في مسائل أمور الدنيا، يعني على الإنسان أن يأتي بالصلاة على الوجه المطلوب، ويقبل عليها بقلبه ووجهه، فلا يجعل هناك من الصوارف ولو صوارف القلب يجعل شيئاً منها قريب من الصلاة، يجعل شيء من هذه الصوارف قريب من الصلاة، بل عليه أن يتفرغ لصلاته بقلبه وقالبه، ولا شك أن هذا منافٍ للخشوع، والخشوع مثل ما قلنا الجمهور على أنه مستحب، ولذا لو صلى قبل أن يتعشى وانشغل بعشائه صلاته صحيحة، خلافاً للظاهرية الذين يبطلون الصلاة في هذه المسألة، وما يشاركها في العلة، يبطلون الصلاة لأدنى نهي، أو لأدنى مخالفة أمر، يعني إذا لم يصل ليلة جمع صلاة الصبح مع الإمام بطل حجه وبطلت صلاته أيضاً، وهذا لا يقوم بظاهريتهم، أما عامة أهل العلم الذين لديهم النظر في النصوص وفي القواعد العامة وفي مقاصد الشريعة لا يقولون مثل هذا الكلام.

قال -رحمه الله-:

"وعنه" يعني أنس بن مالك "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه -عز وجل-، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه أيضاً، وفي لفظ للبخاري: ((عن يساره أو تحت قدمه))" ((إذا كان أحدكم في الصلاة ... فلا يبزقن)) مفهومه أنه إذا لم يكن في الصلاة فليبزق، لكن دل الدليل على أنه لا يجوز أن يبصق في المسجد ولو كان خارج الصلاة، فلا يبصق في حال الصلاة ولو خارج المسجد، ولا يبصق في المسجد ولو كان خارج الصلاة، وهنا ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه -عز وجل-)) سواءً كان في المسجد أو خارج المسجد، بل إن بعضهم طرد هذا في الصلاة وخارج الصلاة في المسجد وخارج المسجد كالنووي مثلاً، فلا يبصق بين يديه يعني تلقاء وجهه، ولا عن يمينه يعني لا إلى جهة القبلة ولا عن يمينه في الصلاة وخارج الصلاة في المسجد وخارج المسجد.

قال: ((ولا عن يمينه، ولكن عن شماله أو تحت قدمه)) جاء التعليل ((فإن الله تلقاء وجهه)) وأيضاً القبلة جاء التعليل بها في بعض الأحاديث، وعن يمينه ملك ((ولكن)) يعني يبزق ((عن شماله تحت قدمه)) وعرفنا أن هذا خارج المسجد؛ لأن البصاق في المسجد خطيئة، يعني سواءً كان يصلي أو لا يصلي، سواءً كان عن يمينه أو عن شماله، على أي حال كان، البصاق في المسجد خطيئة، أما في الحديث فهو بالنسبة للصلاة خارج المسجد.

((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) يعني تحت قدمه اليسرى.

الرواية الأخرى: ((عن يساره أو تحت قدمه)) يبصق عن يساره أو تحت قدمه، طيب قد يقول قائل: إذا كانت العلة في النهي عن البصاق عن جهة اليمين لأن فيها ملك، الجهة الشمال أيضاً فيها ملك، الذي يكتب الحسنات عن جهة اليمين، والذي يكتب السيئات عن جهة اليسار؟ هل نقول: إن هذا التكريم خاص بملك اليمين الذي يكتب الحسنات وأما بالنسبة لملك السيئات لا خصوصية له في هذا فيبصق عن اليسار ولو كان الملك عن يساره؟ أو نقول: إن هذا في الصلاة؟ لا يبصق عن يمينه لأنه في الصلاة، يباشر حسنات، وملك السيئات إما أن ينتقل إلى جهة اليمين حال الصلاة، أو أنه لا يوجد لعدم وجود الداعي، هذا قاله بعض الشراح؛ لماذا؟ لأن الإشكال الوارد ((فلا يبصق عن يمينه؛ لأن عن يمينه ملكاً، ولكن عن يساره)) أوردوا عليه أيضاً أن على اليسار ملك، فقالوا: إن التكريم خاص بملك اليمين الذي يكتب الحسنات، والنص دليل على أنه يبصق عن يساره، ولو كان فيه ملك الشمال الذي يكتب السيئات، فهذه من خصوصيات ملك اليمين، لكن ملك اليمين وملك الشمال كلاهما من الملائكة الذين لهم المنزلة عند الله -جل وعلا-، ولا يعني كونه يكتب السيئات أن منزلته أقل، لكن أمامنا نص صحيح صريح، ولا بد من البصاق، يعني ليس الإنسان مخير في البصاق وعدمه هذه حاجة لا بد من دفعها، وعرفنا أن تلقاء وجهه جهة القبلة، وأيضاً عن يمينه ملك، وجهة اليمين مشرفة، وجهة اليسار لا شك أنها أقل من جهة اليمين في الشرف في نصوص، وفي مواضع كثيرة من الأحكام الشرعية، يعني إذا استنجى بشماله نقول: إن ملك الشمال ممتهن في هذه الحالة؟ هذه أمور لا بد منها، وإذا كان الخيار بين جهتين في أمر لا بد منه فليكن التكريم لجهة اليمين دون جهة الشمال.

هنا مسألة وهي: أن الإنسان يحمل معه المناديل للبصاق والمخاط وما في حكمهما، هل نأخذ من هذا الحديث أن المناديل ما دامت نظيفة لم تستعمل تكون في الجهة اليمنى في الجيب الأيمن، فإذا استعملت نقلت إلى الجيب الأيسر، أو نقول: يستعملها ويردها إلى جهة اليمين؟ يعني ماذا نستفيد من هذا الحديث؟ أو نعكس نجعل النظيفة في الشمال والمستعملة في اليمين؟ الذي يشم من الحديث ويفهم من الحديث ويستنبط من الحديث في تكريم جهة اليمين أن تكون المناديل النظيفة في جهة اليمين، فإذا استعملت في هذه المستقذرات تنقل إلى جهة الشمال، قد يقول قائل: لماذا لا تجعل في جهة الشمال كلها النظيفة وغير النظيفة؟ نقول: لا بد من التمييز بينها، والتفريق بين النظيف وغير النظيف من أجل أن يستعمل ما يمكن استعماله، ويرمى ما يستغنى عنه، وعلى كل حال هذا من الأدب الإسلامي الرفيع الذي تميزت به هذه الشريعة، تراعي الأحوال والظروف والأفعال من المكلفين، ومما يؤدب عليه غير المكلف أيضاً، ويربى عليه مثل هذه الأمور، يعني بعض الناس لا يلاحظ مثل هذه الآداب فتجده يبصق في أي مكان، طريق عام وإلا خاص، في مجلس، في كذا، وبعض المصلين بل بعض الأئمة قد يحصل من إمام وقد حصل إذا التفت إلى الناس أخرج المنديل، وأخذ بأعلى أو بأقوى ما يستطيع، والأصوات قد تنقل في المكبرات قبل أن يغلق المكبر، والحي كله يسمع، لا شك أن هذا خلاف الأدب، يعني على الإنسان أن يستخفي، يخفي هذه الأمور بقدر الإمكان، بقدر استطاعته إلا إذا عجز؛ لأن هذه الأمور نصت على أشياء، وفي ضمنها وثناياها أمور أيضاً أخرى، هل معنى هذا أننا نمنع عن البزاق عن جهة اليمين ونأخذ المنديل في وجوه الناس وبأعلى الصوت؟! لا، يستخفي بهذا الإنسان بقدر استطاعته.

بعضهم يفتح زجاج السيارة ويرمي ما في فمه أو في أنفه وتصل إلى زجاجات السيارات الأخرى، وقد تصل إلى مشاة أو شيء من هذا، هذا يحصل وإلا ما يحصل؟ يحصل، ولا شك أن هذا سوء أدب، وأسوأ منه بعض المدخنين -هداهم الله- يقصد ويتعمد أن ينفث الرائحة القبيحة الضارة في وجوه الناس، يقصد هذا القصد بعضهم، هذا أشد -نسأل الله العافية-.

يقول: "((لكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه أيضاً، وفي لفظ للبخاري: ((عن يساره أو تحت قدمه))" وعرفنا أن هذا لا يكون في المسجد، أما إذا احتيج إلى ذلك في المسجد فإن كانت معه المناديل فبها ونعمت، وإن لم تكن ففي ثوبه، ثم يفرك بعضه ببعض، يعني مثل طرف الشماغ أو ما أشبه ذلك، لكن يتأكد أنه شماغه؛ لأنه حصل في الصلاة، احتاج لمثل هذا وهو في الصلاة ومعه مناديل، مسك طرف الشماغ وإذا شماغ جاره، أقول: مثل هذه الأمور ينبغي أن تدرس بعناية؛ لأن هذا الأدب هو الذي يزرع المودة والمحبة بين الناس، والإخلال به هو الذي يجعل النفرة والفرقة والاختلاف والشحناء والبغضاء بين الناس.

هذا الذي استعمل شماغ الجار اضطر أن يقطع الصلاة وينصرف؛ لأن المسألة على نفوس الناس ليست هينة، وقل مثل هذا في أمور أخرى من الآداب، إذا عطس، إذا كح، إذا شيء يخمر وجهه، وبعض الناس يعطس أو يكح ويصل الرذاذ إلى آخر المجلس، وأهل العلم يقولون: إذا شربت في الإناء وتنفست فيه منهي عن التنفس في الإناء، فأراد أحد أن يشرب منه لا بد أن تخبره أنك تنفست فيه وإلا يكون هذا غش، شوف الحرص عند أهل العلم في تطبيق ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هذا الحد، إذا نفخت في طعام وجاء سائل بقيت منه بقية وجاء سائل لا بد أن تخبره أنك نفخت فيه لأنه يتقذر، نعم قد تترجح المصلحة عنده أن يأكل لمسيس الحاجة إليه، لكن مثل هذه الأمور لا بد من مراعاتها.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"وعن معيقيب" وهو ابن أبي فاطمة الدوسي "قال: ذكر النبي أو ذُكر للنبي -عليه الصلاة والسلام- المسح في المسجد" يعني الحاجة إلى المسح في المسجد، مسح الحصا، الآن المساجد مفروشة ما تحتاج إلى هذا، بعض مساجد القرى وبعض البلدان ليست مفروشة فيها حصا، وقد يحتاج إلى المسح في الفلوات والصحارى أو في الأماكن غير المفروشة؛ لأن الإنسان قد يحتاج للصلاة في الصحراء، ويكون في مصلاه حصا أو يكون زرع أو شوك يحتاج إلى تسويته، عليه أن يسويه قبل الدخول في الصلاة، لا شك أن هذا ينافي الخشوع في الصلاة، تصلي على حصا أو تصلي على مكان حار أو شديد البرودة أو فيه شوك، أو ما أشبه ذلك هذا ينافي الخشوع، فعلى المصلي أن يبذل ما يحقق الخشوع قبل الدخول في الصلاة، لكن إذا دخل وفي المسجد حصا.

"ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسح في المسجد -يعني الحصا- قال: ((إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)) متفق عليه" يعني امسح مرة واحدة، وإن تركت فهو أفضل، إن اضطررت إلى المسح لأن الحصا مؤذي، ونسيت التسوية وإصلاحه قبل الدخول في الصلاة مرة واحدة امسح، وما عدا ذلك فلا، وهذا مرده إما في العلة المذكورة في الحديث الثاني، أو لأن المسح أكثر من واحدة إكثار من الحركات المنافية للخشوع في الصلاة ((إن كنت لا بد فاعلاً)) إن اضطررت إلى ذلك ((فواحدة)) يعني فامسح واحدة، يعني مرة واحدة.

"متفق عليه".

"وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه))" هذه العلة، الحديث الذي قبله، حديث معيقيب هذا ليس فيه التعليل، وهو متفق عليه، في الصحيحين، حديث أبي ذر ضعيف عند أهل العلم لكن له شاهد الذي هو الحديث السابق، فيحسن به، بالشاهد، وتبقى العلة فإن الرحمة تواجهه لا يوجد ما يشهد لها في حديث معيقيب تبقى ضعيفة، وأما النهي عن المسح واحدة أو دع، هذه موافقة لما جاء في حديث معيقيب، فهو وإن كان سندها ضعيف إلا أن لها ما يشهد لها فهي حسنة.

"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه))" يعني إذا كانت تواجهه يعني تنبع من موضع سجوده وتواجهه تقابله، فإذا مسح موضع السجود كأنه مسح معه الرحمة، والعلة ضعيفة، يعني سندها ضعيف، والنهي عن المسح مفهوم من حديث معيقيب، وأيضاً اللفظ الثاني في لفظ لأحمد: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل شيء، حتى سألته عن مس الحصا، فقال: ((واحدة)) يعني مرة واحدة، امسح مرة واحدة أو دع، اترك، وذلكم لأن المسح حركة، والحركة ممنوعة في الصلاة، على الإنسان أن يسكن في صلاته ولا يتحرك إلا لحاجة، وهذه حاجة، لكن أكثر من مرة نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها، والعلة المذكورة: ((فإن الرحمة تواجهه)) هذه عرفنا أن إسنادها ضعيف؛ لأن راويها أبو الأحوص مجهول العين، لم يرو عنه غير الزهري، ووصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول، والمقبول عنده من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، اللين ضعيف، فهذا إذا سلم، إذا خلا حديثه من المتابعة أو الشاهد فإن حديثه يضعف لأنه لين، إذا توبع صار حديثه مقبولاً، وجزء من حديثه متابع عليه، له ما يشهد له، وجزء منه لا يتابع عليه فجزؤه حسن، وجزء منه لا سيما التعليل ((فإن الرحمة تواجهه)) لم يتابع عليها فهو ضعيف.

قال: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وفي لفظ لأحمد: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصا، فقال: ((واحدة أو دع))" يعني مس الحصا مرة واحدة في الصلاة، ومن مس الحصا أثناء الخطبة فقد لغا، أيهما أولى بالمراعاة الصلاة أو الخطبة؟ الصلاة أو الخطبة؟ نعم الصلاة بلا شك، الصلاة أولى بالمراعاة من الخطبة، طيب الصلاة أذن لك أن تمسح واحدة وفي الخطبة إذا مسحت فقد لغوت ومن لغا فلا جمعة له، يعني هل نأخذ من هذا الحديث أن الخطبة أولى بالمراعاة من الصلاة، أو نقول: إن الصلاة المسلم في الأصل يحتاط لها، الأصل في المسلم أنه يحتاط لصلاته، ولا يعرضها للبطلان لأنه يعرف أهميتها وقيمتها، والخطبة قد تطول، وقد يرى أنه لا يستفيد، وقد يتطرق إليه ملل، أو شيء من ذلك فهو بصدد ألا يحتاط لهذه الخطبة، ومع النصوص الشديدة في شأن الخطبة والإنصات وعدم الحركة وعدم قول: اسكت، أنصت، وعدم مس الحصا، ومع ذلك تجد من يخالفه؛ لأن الخطبة شأنها في نفوس المسلمين أقل من شأن الصلاة، وإذا وجد في النفس ما يردع لا شك أن الإنسان قد يترك إلى الوازع النفسي، وأما إذا لم يوجد ما يردع من الوازع النفسي فإنه لا بد من التشديد، يعني مثل ما قلنا: إن الصلاة المسلم يحتاط لها أكثر من الخطبة، فجاء في الخطبة يعني جاء في الصلاة نصوص كثيرة، لكن بالنسبة لمس الحصا هل ما جاء في الصلاة مثل ما جاء في الخطبة أو أقل؟ أقل، يعني امسح مرة واحدة، لكن الخطبة إذا مس الحصا فقد لغا، أقول: إذا وجد في النفس وازع يزع عن عمل ما، فإن الإنسان قد يترك لهذا الوازع، وإذا لم يوجد فيها وازع فإن الإنسان تأتيه النصوص وتشدد عليه لعدم الوازع.

نظير ذلك جاء في بر الوالدين نصوص كثيرة متواترة قطعية من الكتاب والسنة، وجاء التشديد في هذا الباب لكن جاء تشديد الوالدين في حرصهم على أولادهم جاء شيء وإلا ما جاء؟ جاء شيء يسير؛ لماذا؟ لأن فيه وازع، ما في أحد يبي يترك ولده يجوع إطلاقاً، لو جاع هو ما جاع الولد، لكن قد يوجد من الأولاد من يترك أمه تجوع، فلذلك جاء من النصوص في مراعاة حقوق الوالدين أكثر مما جاء في مراعاة حقوق الأولاد؛ لأن في النفوس من الوازع ما يكفي لصيانة الأولاد، والعناية بهم.

ما يمدينا نقرأ الحديث الذي بعده.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.