كتاب الأطعمة من سبل السلام (3)

نعم.

أحسن الله إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في كتاب الأطعمة:

"بَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ:

الصَّيْدُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ التَّصَيُّدُ وَعَلَى الْمَصِيدِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ الصَّيْدَ فِي آيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ في قَوْله تعالى:"

الصيد يُطلق على المصدر الذي هو التصيد، كما أنَّه يُطلق على المصيد، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [سورة المائدة:96]، هل المحرَّم فعل الصيد الذي هو التصيد أو المصيد؟

طالب: المصيد.

فإذا قلنا: المصيد حرُمَ مطلقًا سواء صِيد له، صاده بنفسه، أو صيد له من أجله، أو لم يُصد من أجله، وإذا قلنا: التصيد حرُم وأُبيح المصيد، وسيأتي أنَّه في بعض الصور يُباح المصيد، وفي بعضها يُمنع المصيد.

أحسن الله إليك.

"واعلم أنَّه تعالى أباح الصيد في آيتين من القرآن، في قوله: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [سورة المائدة:94]، وَالثَّانِيَةُ قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [سورة المائدة:4]. وَالْآلَةُ الَّتِي يُصَادُ بِهَا ثَلَاثَةٌ، الْحَيَوَانُ الْجَارِحُ، وَالْمُحَدَّدُ، وَالْمُثَقَّلُ، فَفِي الْحَيَوَانِ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ اُنْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ وَاقْتِنَائِهَا وَإِمْسَاكِهَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ وَرَدَتْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ رِوَايَاتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْمَنْعُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ، فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ، وَيَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيرَاطِ عُقُوبَةً فِي اتِّخَاذِهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْإِثْمَ الْحَاصِلَ بِاِتِّخَاذِهَا يُوَازِنُ قَدْرَ قِيرَاطٍ مِنْ أَجْرِ الْمُتَّخَذِ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: «قِيرَاطَانِ»، وحكمة.."

هذه العقوبة المرتبة على اقتناء الكلب تدل على أنَّ الاقتناء مُحرَّم؛ إذ المكروه لا يُرتب عليه عقوبة، ونقص الأجر عقوبة، نقص الأجر عقوبة؛ لأنَّ المسألة مسألة مُقاصة بين الحسنات والسيئات، فإذا نقص أجره فكأنَّه ارتكب أثمًا استحق عليه عقوبة نقص من أجره بقدرها.

أحسن الله إليك.

"وَفِي رِوَايَةٍ: «قِيرَاطَانِ»، وحكمة التَّحْرِيم مَا فِي بَقَائِهَا فِي الْبَيْتِ مِنْ التسبيب.."

التَّسَبُّبِ.

أحسن الله إليك.

"من التَّسَبُّبِ إلَى تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ دُخُولُهُمْ خير وبركة، وتُقَرِّبُ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَيُبْعِدُ عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَبُعْدُهُمْ سَبَبٌ لِضِدِّ ذَلِكَ، وَلِتَنْجِيسِهَا الْأَوَانِيَ، وَقِيلَ بِالثَّانِي بِدَلِيلِ نَقْصِ بَعْضِ الثَّوَابِ عَلَى التَّدْرِيجِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَذَهَبَ بالكلية."

هذا الكلام ليس بصحيح، هذا كلام ليس بصحيح؛ إذ يرتكب الإنسان المُحرم، وتكون المُقاصة من حسناته قد تأتي على شيء يسير منها، وقد تأتي على شيء أكثر، وقد تأتي على الكثير، وقد تأتي على الجميع، بقدرها، بقدر هذا المُحرَّم كما في حديث المُفلس، المُفلِس يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، طيب انتهت حقوقهم، بقي لهم حسنات وهنا يقول: إذ لو كان محرمًا لذهب الثواب مرة واحدة، هذا الكلام ليس بصحيح إلا على مذهب الخوارج الذين يُحبِطون الأعمال بالذنوب، بالكبائر.

 على كل حال هذا الكلام ليس بصحيح، والمُرجَّح بل المُتعيَّن أنَّ النهي للتحريم.

أحسن الله إليك.

"وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ (قِيرَاطٌ) وَرِوَايَةِ (قِيرَاطَانِ)، فَقِيلَ إنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْأَضْرَارِ كَمَا فِي الْمُدُنِ يَنْقُصُ قِيرَاطَانِ وَقِلَّتِهِ كَمَا فِي الْبَوَادِي يَنْقُصُ قِيرَاطٌ."

لأنَّ الأثر في البوادي وعلى أهل البوادي، وأطفال البوادي، ونساء البوادي، أقل من الأثر على هؤلاء بالنسبة للحواضر. يعني تأتي بطفل عاش في البادية رأى الكلب مرارًا وسمع نباحه كثيرًا يعني الأثر عليه أقل من طفل عاش بالحاضر وما رأى كلبًا، وكذلك المرأة، وكذلك رعاع الناس يتأثَّرون، ويروِّعهم كثيرًا في المدن بخلاف أهل البوادي.

أحسن الله إليك.

"أَوْ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهَا. أَوْ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ. فَالْمُقْتَصَرُ فِي الرِّوَايَةِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْمُثَنَّى بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِهِمَا."

المُثَنِّي.

"والمُثَنِّي باعتبار مجموعهما. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ النُّقْصَانُ مِنْ الْعَمَلِ الْمَاضِي أَوْ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُسْتَقْبَلَةُ، وَحَكَى غَيْرُهُ الْخِلَافَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ الْمَأْذُونَ مِنْهَا فَلَا يُنقص عَلَيْهِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ اتِّخَاذُهُ لِحِفْظِ الدار إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ."

يعني من باب أولى إذا كانت الفائدة أعظم من مجرد حراسة ماشية أو زرع أو صيد، مثل الكلاب التي تُتَخذ لاكتشاف المخدرات، والجرائم الكبرى هذه فائدتها أعظم. ومنهم من يقول" الحديث نص في الثلاثة/ ولا يتعداها إلى غيرها.

أحسن الله إليك.

طالب: إذا اتخذ كلب لدرور.

يقولون" الدور مثل المزارع.

طالب: نعم هذا يلزم بقاءه في الدار.....

لا، ما يلزم يكون له بره، بره يتخذ حجرة له بره.

وعلى كل حال التوسع في هذا غير مرضي؛ لأنَّ هذه ذرائع يتذرع بها من يقتني الكلاب، ويقول: أنا اتخذته لحفظ السيارة، لحفظ الدار، لحفظ كذا، ثم بعد ذلك تذهب الفائدة المرتبة على الخبر، فائدة الخبر تزول بالكلية بهذه الذرائع.

أحسن الله إليك.

"وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ فِي الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا يُنْقِصُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ. وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِلُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إبَاحَتِهِ لِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ وَحِفْظِهِ.

تَنْبِيهٌ: وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:"

القيراط المذكور هنا جاء تفسيره في قيراط الصلاة على الجنازة بأنَّه كالجبل العظيم، أو كجبل أُحد، فهل القيراط هنا الذي ينقص من الأجر باقتناء الكلب هو القيراط الذي يُحصِّله من صلى على جنازة؟

إذا كان الأمر كذلك فإنَّ الأمر عظيم، عظيم، قد يُمكن باقتناء كلب يومًا واحدًا تنتهي أعمال كثير من الناس، لا سيما من ليست أعمالًا كبيرة كأمثال الجبال كما جاء في الخبر. منهم من يقول: بينهما فرق، وقيراط الصلاة على الجنازة قيراط فضل، واللائق بفضل الله- جلَّ وعلا- هذا المقدار العظيم، وقيراط اتخاذ الكلب قيراط غضب وعقوبة، فيكون القيراط هناك غير القيراط هنا، والقيراط في الجملة جزء من أربعة وعشرين جزءًا من الدينار.

أحسن الله إليك.

"تنبيه: ورد في مسلم الأمر بقتل الكلاب، فقال القاضي عياض: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى جَوَازِ اقْتِنَائِهَا جَمِيعًا وَنَسْخِ قَتْلِهَا إلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ.

 قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ النَّهْيَ أَوَّلًا كَانَ عَامًّا من اقْتِنَائِهَا جَمِيعًا، وَأَمَرَ بِقَتْلِهَا جَمِيعًا، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ مَا عَدَا الْأَسْوَدَ وَمَنَعَ الِاقْتِنَاءَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا الْمُسْتَثْنَى. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذُو النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ، وَالْبَهِيمُ الْخَالِصُ السَّوَادُ وَالنُّقْطَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ."

على كل حال الأمر بقتل الكلاب كان في أول الآمر ثم نُسِخ، ويبقى أنَّها مع عدم الأمر بقتلها، أو عدم التعرض لها أنَّه لا يجوز اقتناؤها، لا يجوز اقتناؤها.

طالب: أحسن الله إليك، لو اتخذ كلب ماشية أسود، أو كلب حراسة.

مأذونٌ فيه من وجه، مأمور بقتله من وجه.

طالب: على هذا أن يقتله؟....

مأذون في اقتناء كلب صيد، لكنه أسود بهيم، أو كلب حراسة أو زراعة أسود بهيم، فيه الأذن وفيه المنع. والحظر مقدم على الإباحة.

طالب: يعني لو قتله ما يضمن؟

ما يضمن، نعم.

أحسن الله إليك.

"وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْته قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، وَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا قَتَلَهُ، وَإِنْ رَمَيْت بِسَهْمِك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ»."

لأنَّ المبيح مشكوك فيه، هل هو كلبك الذي سمَّيت عليه، أو كلب غيرك؟ ومثل هذا لو أرسلت الآلة أو الحيوان على صيد فجرحه ثم وقع في الماء، فوجدته ميتًا في الماء، تأكل أم ما تأكل؟ لا تأكل؛ لأنَّك لا تدري سبب الموت هل هو آلتك التي أرسلتها، أو الغرق.

أحسن الله إليك.

"هَذَه إشَارَةٌ إلَى آلَةِ الصَّيْدِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي الْمُحَدَّدَ، وَهُوَ قَتْلُهُ بِالرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [سورة المائدة:94]، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ فِي السَّهْمِ «فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْ إنْ شِئْت»."

لأنَّه غالب على الظن.

"«وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ»."

لاحتمال أن يكون مات بالغرق.

"مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. فِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ:

 الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ إلَّا إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ فَلَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَحِلَّ مَا يَصِيدُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ.."

لأنَّه قال: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ».

"والدليل قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَرْسَلْت» فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ غَيْرَ الْمُرْسَلِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ طَائِفَةٍ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا فَيَحِلُّ صَيْدُهُ وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ صَاحِبُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إذَا أَرْسَلْت» مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. وَحَقِيقَةُ الْمُعَلَّمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُغْزَى.."

يُغرى.

"بحيث يُغرى فَيَقْصِدُ وَيُزْجَرُ فَيَقْعُدُ. وَقِيلَ: التَّعْلِيمُ قَبُولُ الْإِرْسَالِ وَالْإِغْرَاءِ حَتَّى يَمْتَثِلَ الزَّجْرَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا بَعْدَ الْعَدْوِ وَيَتْرُكُ أَكْلَ مَا أَمْسَكَ، فَالْمُعْتَبَرُ امْتِثَالُهُ لِلزَّجْرِ قَبْلَ الْإِرْسَالِ. أَمَّا بَعْدَ إرْسَالِهِ عَلَى الصَّيْدِ فَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، وَالتَّكْلِيبُ إلْهَامٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمُكْتَسَبٌ بِالْعَقْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [سورة المائدة:4]."

نعم، هذه الحيوانات ليس لها عقول، وإنَّما رُكِّب فيها قوى مدركة تُدرك بها ما ينفع وما يضر.

"قَالَ جَارُ اللَّهِ: مِمَّا عَرَّفَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوهُ مِنْ اتِّبَاعِ الصَّيْدِ بِإِرْسَالِ.."

جار الله معروف الزمخشري.

"مما عرَّفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صَاحِبِهِ وَانْزِجَارِهِ بِزَجْرِهِ وَانْصِرَافِهِ بِدُعَائِهِ وَإِمْسَاكِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ: «فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة المائدة:4]، فَإِنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِ عائد على مَا أَمْسَكْنَ عَلَى مَعْنَى وَسَمُّوا عَلَيْهِ إذَا أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ أَوْ إلَى مَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ أَيْ سَمُّوا عَلَيْهِ عِنْدَ إرْسَالِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْكَشَّافُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «إنْ رَمَيْت بسهمك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ.."

بل اشتراطها، بل اشتراط التسمية وأنَّها لا تسقط مطلقًا، وأنَّ متروك التسمية لا يؤكل، ولو كان الترك نسيانًا.

أحسن الله إليك.

"واختلف العلماء في ذلك؛ فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الذَّاكِرِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا صَيْدُهُ إذَا تُرِكَتْ عَمْدًا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [سورة الأنعام:121] وَبِالْحَدِيثِ هَذَا. قَالُوا: وعُفِيَ عَنْ النَّاسِ بِحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ»، وَلِمَا يَأْتِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ.."

يعني الخطأ والنسيان، النسيان يُنزَّل الموجود منزلة المعدوم، لكن هل يُنزَّل المعدوم منزلة الموجود؟

لا، قاعدة عند أهل العلم أنَّ النسيان لا يُنزَّل المعدوم مثل التسمية هنا منزلة الموجود.

أحسن الله إليك.

"وَلِمَا يَأْتِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ ثُمَّ لِيَأْكُلَ»، سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [سورة المائدة:3]، قَالُوا: فَأَبَاحَ التَّذْكِيَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [سورة المائدة:5] وَهُمْ لَا يُسَمُّونَ. وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي، وإنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا أَفَنَأْكُلُ مِنْها؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوا»، وَأَجَابُوا عَنْ.."

وهؤلاء ليسوا من المشركين، إنَّما هم مسلمون حديثو عهد بإسلام، وذبيحة المسلم حلال إذا لم نعلم أنَّه ترك التسمية.

أحسن الله إليك.

"وأجابوا عن أَدِلَّةِ الْإِيجَابِ بِأَنَّ قَوْلَهُ تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا} الْمُرَادُ بِهِ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [سورة المائدة:3]، {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [سورة المائدة:3]؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [سورة الأنعام:121]، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِفَاسِقٍ، فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ جَمْعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةُ.

وَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يحرُم أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ.."

أمَّا نقل الإجماع على أنَّ من أكل متروك التسمية ليس بفاسق فهذا محل نظر طويل، ودون إثبات مثل هذا الإجماع خرط القتاد.

أحسن الله إليك.

"وذهبت الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يحرُم أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ تَارِكُهَا نَاسِيًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَحَدِيثُ عَدِيٍّ ولَمْ يُفَصِّلْ.

قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ قَوْمًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ بِلُحْمَانٍ- الْحَدِيثَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ أَعَلَّهُ الْبَعْضُ بِالْإِرْسَالِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَارَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ عَلَى الْمَظِنَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا، وَإِنَّمَا شَكَّكَ عَلَى السَّائِلِ حَدَاثَةُ إسْلَامِ الْقَوْمِ فَأَلْغَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا لَبَيَّنَ لَهُم- صلى الله عليه وسلم- عَدَمَ لُزُومِهَا وَهَذَا وَقْتُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيرِ رفع الْإِثْمُ أَوْ نَحْوُهُ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ فَيَتَحَصَّلُ قُوَّةُ كَلَامِ الظَّاهِرِيَّةِ، فَيَتْرُكُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا شَكَّ فِيهِ وَالذَّابِحُ مُسْلِمٌ فَكَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا».

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي قَوْلِهِ: «فَإِنْ أَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ». فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَذْكِيَتُهُ إذَا وَجَدَهُ حَيًّا، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَذَلِكَ اتِّفَاقٌ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ وبِه بَقِيَّةُ حَيَاةٍ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ أَوْ مَرِيئَهُ أَوْ خرق أَمْعَاءَهُ أَوْ أَخْرَجَ حَشْوَهُ فَيَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ،.."

يعني ما لا يعيش معه، إذا وجد في الصيد ما لا يعيش معه.

أحسن الله إليك.

"قَالَ النَّوَوِيُّ: بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الْمَهْدِيُّ: لِلْهَادَوِيَّةِ إنَّهُ إذَا بَقِيَ فِيهِ رَمَقٌ وَجَبَ تَذْكِيَتُهُ،.."

يعني إذا أمكنت تذكيته، يعني عاش حياة مستقرة، فلابد من تذكيته.

"وَالرَّمَقُ إمْكَانُ التَّذْكِيَةِ لَوْ حَضَرَتْ آلَةٌ.

وَدَلَّ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «وَإِنْ أَدْرَكْته وَقَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْهُ»، أَنَّهُ إذَا أَكَلَ حَرُمَ أَكْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُعَلَّمِ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَأَكْلُهُ دَلِيلٌ.."

لأنَّه إذا أكل منه فكأنَّه صاده لنفسه، ما صاده لصاحبه.

"وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُعَلَّمِ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَأَكْلُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ التَّعْلِيمِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ»، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [سورة المائدة:4] فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْإِمْسَاكَ عَلَى صَاحِبِهِ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذَا أَرْسَلْت الْكَلْبَ فَأَكَلَ الصَّيْدَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرْسَلْته وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ»، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أنَّه يحل، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، فقَالَ: «كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك»، قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: «وَإِنْ أَكَلَ»، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ «كُلْهُ وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ مِنْهُ إلَّا نِصْفَهُ»، قِيلَ: فَيُحْمَلُ حَدِيثُ عَدِيٍّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي كَلْبٍ قَدْ اعْتَادَ الْأَكْلَ فَخَرَجَ عَنْ التَّعْلِيمِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ لِبَيَانِ أَصْلِ الْحِلِّ. وَقَدْ كَانَ عَدِيٌّ مُوسِرًا فَاخْتَارَ- صلى الله عليه وسلم- لَهُ الْأَوْلَى، وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ مُعْسِرًا، فَأَفْتَاهُ بِأَصْلِ الْحِلِّ، وَقَالَ الْأَوَّلُونَ: الْحَدِيثَانِ قَدْ تَعَارَضَا، وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لَا يَخْفَى ضَعْفُهَا فَيُرْجَعُ إلَى التَّرْجِيحِ. وَحَدِيثُ عَدِيٍّ أَرْجَحُ؛ لِأَنَّهُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمُتَأَيَّدٌ بِالْآيَةِ، وَقَدْ صُرِّحَ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّهُ يَخَافُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُتْرَكُ تَرْجِيحًا لِجَنَبَةِ الْحَظْرِ كَمَا قَالَ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ «وَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا آخَرَ» إلَى قَوْلِهِ: «فَلَا تَأْكُلْ»، فَإِنَّهُ نَهَى عَنْهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ المُأْثر فيه.."

الْمُؤَثِّرَ.

أحسن الله إليك.

"أنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهِ كَلْبٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُرْسَلِ، فيُترك تَرْجِيحًا لِجَنَبَةِ الْحَظْرِ، وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك فَكُلْهُ إنْ شِئْت»، اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا، فَرواه مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَنَّهُ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلْ مَا لَمْ يَنْتُنْ»، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك مَصْرَعُهُ فَكُلْ مَا لَمْ يَبُت»."

يَبِت، يَبِت.

أحسن الله إليك.

"«ما لم يَبِت»."

لأنَّه إذا بات صار مظنة التغير، فيوافق «كله ما لم ينتن»، وإذا أنتن فعلامة على فساده، فاسد مضر فيُمنع للضرر، إلا إذا وصل إلى حد يغلب على الظن أنَّه يضر. أمَّا إذا وجد التغير اليسير بحيث لا يتضرر آكله فأكل النبي- عليه الصلاة والسلام- من الإهالة السنخة التي قدمها له اليهودي.

أحسن الله إليك.

"وَلِاخْتِلَافِهَا اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ. فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا غَابَ مَصْرَعُهُ ثُمَّ وُجِدَت بِهِ أَثَرٌ مِنْ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مَا لَمْ يَبِتْ فَإِذَا بَاتَ كُرِهَ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، وَالتَّعْلِيلُ بِمَا لَمْ يَنْتُنْ وَمَا لَمْ يَبِتْ هُوَ النَّصُّ وَيُحْمَلُ ذِكْرُ الْأَوْقَاتِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَرْجِيحِ جَنَبَةِ الْحَظْر،ِ وَقَوْلُهُ: «وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فَلَا تَأْكُلْ» ظَاهِرُهُ وَإِنْ وُجِدتَ بِهِ أَثَرُ السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْغَرَقِ لا بالسهم.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُعَلَّمُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَمِنْ الطُّيُورِ كَالْبَازِي وَالشَّاهِينِ وَغَيْرِهِمَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ صَيْدُ كُلِّ مَا قَبْلَ التَّعْلِيمِ حَتَّى السِّنَّوْرُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ: لَا يَحِلُّ إلَّا صَيْدُ الْكَلْبِ. وَأَمَّا مَا صَادَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ فَيُشْتَرَطُ إدْرَاكُ ذَكَاتِهِ وقَوْله تَعَالَى: {مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [سورة المائدة:4] دَلِيلٌ لِلثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مشتق مِنْ اسم الْكَلْبِ بِسُكُونِ (اللَّامِ)، فَلَا يشتمل غَيْرَهُ.."

فلا يشمل.

أحسن الله إليك.

"فلا يشمل غيره مِنْ الْجَوَارِحِ، وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلَبِ بِفَتْحِ (اللَّامِ) وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّكْلِيبِ وَهُوَ التَّضْرِيَةُ فَيَشْمَلُ الْجَوَارِحَ كُلَّهَا، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَارِحِ.."

لا سيما وقد جاء ما يدل على تسمية الأسد بالكلب، «اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك»، فقتله الأسد.

"والمراد بالجوارح الْكَوَاسِبُ عَلَى أَهْلِهَا وَهُوَ عَامٌّ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ كالفهد والكلب وَالنَّمِرِ وَالْعُقَابِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلِّبِ مُعَلِّمُ الْجَوَارِحِ وَمُضِرَّاهَا بِالصَّيْدِ لِصَاحِبِهَا وَرَائِضُهَا؛ لِذَلِكَ مما علم مِنْ.."

بما عُلِمَ.

طالب: كيف شيخ؟

بما عُلِمَ.

"لذلك بما علم من الْحِيَلِ وَطُرُقِ التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ وَاشْتِقَاقِهِ مِنْ الْكَلَبِ؛ لِأَنَّ التَّأْدِيبَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْكِلَابِ فَاشْتُقَّ لَهُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ فِي جِنْسِهِ، أَوْ لِأَنَّ السَّبُعَ يُسَمَّى كَلْبًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك» فَأَكَلَهُ الْأَسَدُ، أَوْ مِنْ الْكَلَبِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الضَّرَاوَةِ يُقَالُ: هُوَ كلِبٌ بِكَذَا إذَا كَانَ ضَارِيًا بِهِ. اهـ.

فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى شُمُولِ الْآيَةِ لِلْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِقَاقَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَالْعَرَبُ تَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالطُّيُورِ وَغَيْرِهِمَا. قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَيْدِ الْبَازِي فَقَالَ: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ»، وَقَدْ ضُعِّفَ بِمُجَالِدٍ، وَلَكِنْ قَدْ أَوْضَحْنَا فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِمَا رَوَاهُ."

اللهم صلِّ على محمد.

طالب: أحسن الله إليك شيخ، جزاك الله خيرًا.

طالب: .........

ما جاء الأمر بغسله مع أنَّه سوف يُطبخ، والطبخ أشد من الغسل.

طالب: ........