شرح الموطأ - كتاب الصلاة (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتاب الصلاة: باب: ما جاء في النداء للصلاة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: كتاب الصلاة: باب ما جاء في النداء للصلاة:
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة، فأري عبد الله بن زيد الأنصاري، ثم من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل: ألا تؤذنون للصلاة؟ فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأذان.
عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)).
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)).
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه وإسحق بن عبد الله أنهما أخبراه أنهما سمعا أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة)).
عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"، قال أبو سعيد: "سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع النداء، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى؟)).
عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقل داعٍ ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف في سبيل الله".
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن النداء يوم الجمعة، هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ فقال: "لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس".
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن تثنية الأذان والإقامة، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة؟ فقال: "لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه، فأما الإقامة فإنها لا تثنى، وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد".
وسئل مالك -رحمه الله- عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟ قال مالك: "ذلك مجزئ عنهم، وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة".
وسئل مالك -رحمه الله- عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه للصلاة، ومن أول من سُلم عليه؟ فقال: "لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول".
قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة، وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم؟ قال: "لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه فليصل لنفسه وحده".
وسئل مالك -رحمه الله- عن مؤذن أذن لقوم ثم تنفل فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره؟ فقال: "لا بأس بذلك إقامته وإقامة غيره سواء".
قال مالك -رحمه الله-: "لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها".
وعن مالك أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائمًا، فقال: "الصلاة خير من النوم"، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.
وعن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: "ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة".
وعن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة:
الكتاب مضى الكلام عليه، والصلاة: أصلها الدعاء {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [(103) سورة التوبة] أي أدعو لهم، وهي في الاصطلاح: عبارة عن أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، ومثل الصلاة لا يعنى المتقدمون بتعريفها كالطهارة والزكاة وغيرها؛ ولذا لا تجدون في كتب المتقدمين تعاريف للأمور الظاهرة، وإنما يعنى المتأخرون؛ لأنه يتوقع في المتأخرين من آحاد المتعلمين من لا يعرف الحد الذي هو التعريف لهذه الأمور الواضحة، وهم يذكرون هذه الحدود؛ لأنهم سوف يبنون الأحكام على هذه الحدود، إذ الأحكام فرع عن التصورات، فيتصورون المحدود، ويذكرون الحد الجامع المانع، ثم يذكرون ما يتعلق به من حكم.
على كل حال الصلاة ليست بحاجة إلى تعريف إلا إذا وردت في نص محتمل، إذا وردت في نص محتمل في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- في إجابة الداعي إلى الوليمة: ((فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصلِّ)) نحتاج إلى بيان هذه الصلاة؟ ما المراد بالصلاة هنا؟ هل هي الدعاء، أو يصلي ركعتين ويمشي؟ نعم الأكثر على أنه الدعاء، الصلاة اللغوية، نعم، وقال بعضهم بأن المقصود الصلاة الشرعية؛ لأنها هي المرادة إذا أطلقت، يصلي ركعتين ويمشي، فمثل هذا يحتاج إلى أن يتكلم فيه، تكلم فيه الشراح، تكلم فيه أهل العلم؛ لأنه محتمل.
الوضوء: جاء في النصوص، بعض النصوص يراد به -وهو الأصل- الوضوء الشرعي، وفي بعضها ما يدل على أن المراد به الوضوء اللغوي، على كل حال إذا احتيج إلى التعريف عرف، إذا خشي خفاء الأمر على المتعلم يبين، وإلا بيان البينات، وإيضاح الواضحات ليس من طريقة المتقدمين، ما تجد في كتب الأئمة تعاريف أبدًا، ما تجد فيها تعاريف، حدود، لغة واصطلاح، ما تجدون مثل هذا، كتاب الصلاة أول ما يبدءون في كتب المتأخرين في تعريف الصلاة، نعم قد يحتاج في بعض المواضع إلى التعريف مثلما ذكرنا، أما عند عدم الحاجة فلا داعي لتكثير الكلام، وتسويد الأوراق بمثل هذا اتباعًا للسلف.
باب: ما جاء في النداء للصلاة:
النداء: هو الأذان، والأذان في اللغة: الإعلام {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [(3) سورة التوبة] وعرفوه في الاصطلاح: أنه الإعلام بدخول الوقت، أو قرب الشروع في الصلاة، على الخلاف بين أهل العلم في الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ والأكثر على أنه لدخول الوقت، إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام وإيذان بالدخول في الصلاة، لكن التأذين للفائتة المقضية كما في حديث نومهم عن صلاة الصبح قد تقدم يدل على أن الأذان للصلاة.
طالب:......
نعم، لكن من يدعو؟ من يعلم بدخول وقت الصلاة في مثل هذا الظرف؟ كلهم حاضرون، نعم، لكن قد يقول قائل: إنهم متفرقون لكثرتهم، فلولا الأذان ما تم جمعهم للشروع في الصلاة، على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم.
والأذان جاء ذكره في القرآن {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} [(58) سورة المائدة] {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة]، والخلاف بين أهل العلم هل الأفضل الأذان أو الإمامة؟ اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال ثالثها: أن من علم من نفسه أنه يقوم بحقوق الإمامة على وجه التمام فالإمامة في حقه أفضل، يعني إذا كان هو أمثل القوم وأولاهم تكون الإمامة في حقه أفضل؛ ولذا تولاها النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمسألة الخلاف فيها معروف.
النداء بالقول، بالصيغ المعروفة، الواردة الثابتة، اختير القول وقدم على الفعل لسهولة القول، وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان، لكن لو كان التأذين بالفعل كيف يتم؟ لا بد أن يكون بشيء ينبه الناس، إما على ضوء ما اختلفوا فيه في هذا الحديث في رواياته أنهم اجتمعوا ليقرروا أمرًا يجمعون به الناس إلى الصلاة، فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوسًا، وقال بعضهم: لو اتخذنا بوقًا، وقال بعضهم: لو اتخذنا نارًا، ثم تفرقوا ولم يحصل الاتفاق فأري عبد الله بن زيد الأذان.
يقول عبد الله بن زيد: "طاف بي وأنا نائم رجل وبيده ناقوس فقلت له: أتبيع الناقوس؟ فقال: ما تصنع به؟ قال: نجمع به الناس للصلاة، فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إلى آخره، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بما رأى، فقال: ((ألقه على بلال)) بهذا ثبت الأذان، بتقرير النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا بمجرد الرؤيا، فالرؤيا لا يثبت بها شرع، لكن أقرها النبي -عليه الصلاة والسلام- فثبت الأذان.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد" الأنصاري "أنه قال" مرسل، وهو مخرج في السنن عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد لا بأس بها، فالحديث صحيح بمجموعه، موصول عن جمع من الصحابة، وقد روى هذه القصة –أعني قصة عبد الله بن زيد في بدء الأذان- جماعة من الصحابة، بألفاظ مختلفة، ومعانٍ متقاربة، كما يقول ابن عبد البر: والأسانيد في ذلك متواترة، وهي من وجوه حسان، انتهى، يعني ليس فيها شيء في الصحيحين على تفصيل جمل الأذان، "أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أراد" يعني لما كثر الناس، وقد كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، لكن يتوقعون أن الوقت دخل فيجتمعون فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل بوق اليهود، إلى آخره، فأري عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان، وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم، وقال بعضهم: إن عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان لا يحفظ عنه إلا حديث الأذان، لكن الحافظ ابن حجر في الإصابة يقول: جمعت له ستة أحاديث أو سبعة في جزء، أشار إلى ذلك في الإصابة في ترجمته.
"فأري عبد الله بن زيد الأنصاري، ثم من بني الحارث بن الخزرج" ثم من بني الحارث بن الخزرج، يعني أنصاري، حارثي، خزرجي، الترتيب أن نقول: عبد الله بن زيد الأنصاري نعم الخزرجي، الحارثي، أو العكس؟ ما القاعدة في مثل هذا إذا أردت أن تورد نسبتين لواحد متداخلتين؟ تبدأ بالكبرى ثم الصغرى؛ لأنك إذا بدأت بالصغرى ما احتجت للكبرى، إذا بدأت بالصغرى لم تحتج إلى الكبرى، معروف أن الحارثي من الخزرج من الأنصار، نعم، إلا أن توجد هذه النسبة في أكثر من قبيلة، إذا وجدت هذه النسبة الصغرى في أكثر من قبيلة فتورد الكبرى، مثال ذلك؟
طالب:......
نعم من تميم ومن عتيبة، عصيم، وهكذا قل بني سعد مثل السعدي، من المتقدمين في أكثر من قبيلة، نعم.
على كل حال إذا وجدت هذه النسبة الصغرى في أكثر من قبيلة تبين بعدها الكبرى، وإلا فالأصل أن الصغرى تغني عن الكبرى إذا استقلت بها.
شهد العقبة وبدرًا، أري عبد الله بن زيد خشبتين "أري خشبتين في النوم" يعني طاف به -وهو نائم- رجل ومعه خشبتان، والخشبتان: هما الناقوس، وهما عبارة عن خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، فيخرج منهما صوت، فهل يحسن استعمال مثل هذا لتنبيه الناس؟ أو يكتفى بالأذان الشرعي؟ يعني المثال الحي العملي بعض الناس، وهذا موجود عند كبار السن، بعض كبار السن، صلاة الفجر يضرب عمود الكهرباء بعصًا معه أو حديدة، هل نقول: إن هذا لا داعي له اكتفاءً بالأذان؟ أو نقول: هذا من أجل إيقاظ النائم، وقدر على الزائد، زائد على الأذان ولا يقال بمشروعيته، يعني لا يتعبد به، إنما هو من باب معلوم العلة، كما تمر على إنسان وتوقظه، أو تجعل له منبه خاص له، فهذه القصبة، قصبة من العمود الكهربائي منبه للحي، نعم، ماذا نقول: تمنع مثل هذه التصرفات أو لا مانع منها؟ يعني كثير من الناس لا يسمع الأذان، وإن كان تحت المنارة، يعني في غرف ونوافذ ومكيفات، لا يسمع الأذان مع النوم، مع السهر بعد، والحرص بعد، الله المستعان، نعم، نقول: هل يحتاجون إلى قدر زائد من المنبه غير الأذان؟ كما يضع الإنسان منبهًا خاصًّا؟ أو نقول: هذه معقولة العلة ولا مانع من استعمالها عند الحاجة إليها، على أن لا يتعبد بها، وأنها نوع من النداء للصلاة أو الأذان المشروع، لا، إنما هي بمثابة المنبه الخاص.
طالب:.......
ماذا فيه الجرس؟ الجرس الممنوع ما هو؟ لأن الجرس فيه جهتان، فيه صوت وطنين، وفيه إطراب، فيمنع من جهة الإطراب، أما ما لا إطراب فيه فلا يمنع، وقد شبه به الوحي، نعم، ((أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس)) فالجرس له جهتان، جهة محمودة، وجهة مذمومة، فمن الجهة المحمودة شبه به الوحي، ومن الجهة المذمومة جاء النهي عنه، إذا كانت مطربة، مع الأسف أن النواقيس تدق والناس يصلون في مساجدهم الآن من الجوالات، هذا يمنع بلا شك، وهذا تشبيه للمساجد بالكنائس، فأقول: إن وجه تشبيه الوحي بالجرس أو بصلصلة الجرس من الجهة التي لا إطراب فيها، فإذا وجد جرس ولو سميناه بجرس لكنه ما يطرب، ينبه فقط، هذا لا يدخل في المنع.
هذا يقول: بالنسبة لنفط مكبرات الصوت في الحرم قبل الأذان بثلث ساعة؟ هذا يقول: أدركت ذلك من خمس عشر سنة أو تزيد؟
على كلٍ إذا كان يراد به أنه قدر زائد على ما شرعه الله من الأذان والإعلام بدخول الوقت لا سيما مع انتظامه وهو منتظم ينبغي ألا ينفط، إذا كان مجرد فحص المكبر هو الغالب أنه لتنبيه من وجد في الحرم وبحاجة إلى وضوء ليخرج مثلًا، على كل حال مسألة الفحص مسألة عادية وليست شرعية سهلة، لكنها تتم بغير انتظام، في كثير من بلدان المسلمين ما يسمى بالمسحراتي، يطوف على الناس قبل أذان الصبح بساعة مثلًا ويوقظ الناس في رمضان، بالطبول؟
طالب:.......
نعم، هذا يزيد الأمر، إن كان بالطبول يزيد الأمر، على كل حال المسألة أن الشرع واضح -ولله الحمد- وما ورد فيه بين، نعم؟
طالب:.......
المهم يغير موقفه الذي أذن فيه، لا يستعمل المكبر؟
على كل حال المقصود أنه يغير مكانه، ما يكون في محل الأذان، لا لو يغير محل الأذان ويدعو الناس للصلاة هذا أمر بمعروف، فقط لا يكون له صلة بالأذان، يكون هناك فاصل بينه وبين الأذان، وفي غير محل الأذان؛ لئلا يزيد في المشروع قدرًا زائدًا عليه، المقصود أنه ما يقوله في مكانه، في وسيلته التي يؤذن بها، هذا قدر زائد.
طالب:.......
تمطيط بحيث يخرجه عن المألوف، بحيث يزيد حروفًا، تنشأ من جراء المدود، نعم؟ المقصود إذا زاد حروفًا تكون هذه الحروف ناشئة من المدود، تمنع المدود، كل حرف له قدر معين من المد، لذلك لو قال: الله أكبا ومد الباء أكبار، نعم، هذا ينقلب المعنى، الأكبار عندهم في اللغة الطبل.
على كل حال أخبار المؤذنين وقصص المؤذنين كثيرة، ويوجد في القرى وفي الأرياف أمور مشكلة، يكثر عند كثير من المؤذنين العوام: أشهد أن محمدًا رسولَ الله، هذا كثير، الأذان بهذه الطريقة لا يجزئ، ولا يصح؛ لأنه الجملة تحتاج إلى خبر، ما جاء الخبر، فضلًا عن أمور تحيل المعنى.
"خشبتين" يعني "أري خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين لنحوٍ مما يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أهمه الأمر، عبد الله بن زيد لما انصرف ورأى بعد أن رأى اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- أهمه الأمر فرآه في النوم، "لنحو مما يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: ألا تؤذنون للصلاة؟" ألا تؤذنون للصلاة؟ وأسمعه الأذان، قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، بتربيع التكبير من غير ترجيع، "فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استيقظ، فذكر له ذلك"، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها لرؤيا حق)) وبهذا اكتسبت الشرعية، لا أنها مجرد رؤيا، "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأذان".
بتربيع التكبير: يعني: الله أكبر أربع مرات من غير ترجيع، وألقاه على بلال، وهذا أذان بلال، واختاره جمع من أهل العلم, وجمله سبع عشرة جملة، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، خمس عشرة جملة، هذا بالنسبة للأذان الذي هو أذان بلال.
هناك أذان أبي محذورة، وقد علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- الأذان بتثنية التكبير، لا تربيع التكبير، مع الترجيع، والترجيع أن يأتي بالشهادتين بصوت منخفض، ثم يعود إليهما بصوت مرتفع، واختاره جمع من أهل العلم، وكلاهما صحيح ثابت، وهذا عليه عمل أهل المدينة، وذاك عليه عمل أهل مكة.
طالب:.......
لا، هو الترجيع..، هو خالف السنة، الترجيع مع التثنية، مع تثنية التكبير، والتربيع، تربيع التكبير ليس معه ترجيع، وعلى كل حال هذا ثابت وهذا ثابت، أذان بلال ثابت، وأذان أبي محذورة ثابت، فلو اعتمد المؤذن أحدهما على ألا يحدث تشويشٌ لمخالفته ما جرى عليه العرف في البلد، وما اعتادوه فلا مانع، ولو اعتبر هذا من اختلاف التنوع نعم، وأذن مرة بأذان بلال، ومرة بأذان أبي محذورة على ألا يحدث مثل ذلك التشويش لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
طالب:.......
لا، الشهادتين معًا، بصوت منخفض، ثم يعود إليهما بصوت مرتفع، الله أكبر، الله أكبر، الأصل أن يقول المؤذن كذا: الله أكبر الله أكبر، بدليل حديث إجابة المؤذن، فإذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر قال: الله أكبر، الله أكبر، هذا استنبط منه أهل العلم أن التكبير الجملتين بنفس واحد.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم))" إذا سمعتم: ظاهره اختصاص الإجابة بالسمع؛ لأنه قال: ((إذا سمعتم)) يعني لو رأيت المؤذن في المنارة في وقت دخول الوقت، لكنك لا تسمع ماذا يقول؟ نعم، تجيب أم لا تجيب؟ مربوط ((إذا سمعتم)) ((إذا سمعتم النداء –وهو الأذان- فقولوا مثل ما يقول)) مثل ما يقول، ما قال: مثل ما قال، قال: قولوا مثل ما يقول، استدل به أهل العلم يعني الإتيان بالماضي دون المضارع يفيد ويشعر بأن الإجابة إجابة كل جملة بعد قول مقالتها من قبل المؤذن، مثل ما يقول؛ لأن المضارع يعني لو قال: فقولوا مثل ما قال، قلنا: إذا انتهى المؤذن أذنا مثله، ونكون حينئذٍ أجبناه، لكن مثل ما يقول، والمضارع للحال وللاستقبال لا للماضي، ما قال: مثل ما قال وانتهى، إنما يفيد أن تكون كل جملة من المجيب بعد كل جملة من المؤذن، إلا شخص مشغول بصلاة مثلًا، ولا انتهت صلاته إلا في آخر الأذان، نعم أو مشغول بأمر أو كان في موضع لا يمكن الإجابة فيه، فإذا خرج يجيب المؤذن، إذا انتهى المؤذن قبل أن يشرع المجيب ما يجيب، السنة فات محلها خلاص، لكن لو انتهى المصلي أو خرج من الدورة مثلًا والمؤذن في أواخر الأذان يجيبه.
النداء، النداء هو الأذان، والأذان كما يطلق على الإعلام المعروف بدخول الوقت يطلق أيضًا على الإقامة؛ لأنها أذان، ((بين كل أذانين صلاة)) المراد الأذان والإقامة، فهذا النص بعمومه يشمل الإقامة، إلا أن جمع من أهل العلم لا يرون الترديد وراء المقيم؛ لأن الإقامة مبنية على الحدر نعم، فلا يتسنى للمجيب أن يجيب المؤذن إلا أن يوافقه.
((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول)) مثل (ما) مثل الذي يقول، من صيغ العموم، هذا يقتضي أن توجد المطابقة بين قول المؤذن وقول المقيم إلا أنه استثني من ذلك قول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يقول المجيب بدلهما: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وهل يجمع بينهما امتثالًا لهذا الحديث، وما جاء في الحيعلتين؟ يعني يقول المجيب: حي على الصلاة، لا حول ولا قوة إلا بالله؟ أو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله بدلًا من حي على الصلاة، حي على الفلاح، نعم؟
طالب:......
يعني ما يجمع بينهما؟
طالب:.......
لا، هو جاء ما يخص الحيعلتين بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لكن هل نقول: فيه تخصيص؟ نعم، مثل ما نقول في قول المأموم: ربنا ولك الحمد، بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده، يعني هذا بديل للمأموم، وهنا بديل للمجيب، بدلًا من قول الإمام والمؤذن، أو نقول: يجمع بينهما، وهذا يشمل جميع الجمل، ثم يقول بعد ذلك ما يخص المجيب لا حول ولا قوة إلا بالله، نعم.
طالب:.......
نعم، إجابة المؤذن بواسطة آلة، الأصل أنك ما تسمعه، وليس بقريب منك، بل قد يكون في بلد آخر، المؤذن يؤذن في المسجد الحرام وأنت هنا، تردد أم لا؟ نعم، يعني إذا كان حيًّا -يعني ما هو مسجل- يردد، وإذا كان مسجلاً ما يردد، أما من يؤذن على الهواء حي وتسمعه كأنه يؤذن في مكبر، هو مؤذن يؤذن بآلة ،هو يؤذن الآن كأنه أذن في مكبر.
((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) ادعى ابن وضاح أن كلمة: (المؤذن) مدرجة، وأن الحديث ينتهي بقوله: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول)) والمؤذن مدرجة للإيضاح والبيان، وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، بل لا بد من دليل يدل عليه، واتفقت روايات الصحيحين والموطأ على وجودها: ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) هي موجودة في الصحيحين وغيرهما، ولا دليل على الإدراج، وصاحب العمدة حذفها تبعًا لهذه الدعوى، نعم؟
طالب:......
هذه زيادة من بعض..، ابن حجر يقول: حذفها صاحب العمدة فلم يصب، نعم، ولعل هذا في النسخة التي وقعت لابن حجر، لا أدري، الله أعلم.
طالب:.......
لا، العمدة إذا أطلقت المراد بها المتفق عليها الصحيحين الصغيرة، يعني إذا قال: فقولوا، العطف بالفاء يقتضي أن تقولها بعد الفراغ من جملته مباشرة مثل ما يقال في: "إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد" الشافعية يقولون: إذا قال: سمع الله لمن حمده، ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هذا إمام قال: سمع الله لمن حمده، قل: سمع الله لمن حمده، ما المانع؟ لكن العطف بالفاء التي تقتضي تعقيبه مباشرة، يقضي أنه لا فاصل بين قول الإمام: سمع الله لمن حمده، وقول المؤذن: ربنا ولك الحمد.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن -بن الحارث بن هشام- عن أبي صالح السمان -اسمه عبد الله بن ذكوان- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا))" الاستهام: الاقتراع، يعني يحصل التزاحم على الأذان، ويحصل أيضًا التزاحم على الصف الأول، والاقتراع {فَسَاهَمَ فَكَانَ} [(141) سورة الصافات] نعم، ومعنى ذلك إذا لم يجدوا شيئًا من وجوه الترجيح والأولوية بأن يستووا في معرفة الوقت، وفي الصوت، وغير ذلك من شرائط الأذان ومكملاته إذا لم يوجد مرجح، وهذا المرجح لا بد أن يكون لمصلحة الأذان، إذا وجد مرجح ما فيه مزاحمة، لكن إذا لم يوجد مرجح، استويا من كل وجه الاقتراع، فالقرعة، أيضًا إذا دخلوا المسجد دفعة واحدة، نعم وتزاحموا على الصف الأول فالاقتراع، هذا الاقتراع ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)).
حكم الإيثار في مثل هذا:
تزاحم اثنان على الأذان وقد استويت من جميع الوجه، وقال واحد: أنا أتنازل لك، ومثله لو وجد مكان يسع شخص في الصف الأول ودخل اثنان دفعة واحدة وقال: أنا أؤثرك بهذا المكان، الإيثار في مثل هذا؟ عندهم أن الإيثار في القرب مكروه على اختلافٍ في حكم القربة، الإيثار في الواجبات لا يجوز، لا يكفي أن نقول: مكروه، الإيثار في السنن مكروه، نعم، الإيثار في المباحات مطلوب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [(9) سورة الحشر] لكن إذا وجد مصلحة راجحة، والقربة مندوبة، شخص مع أبيه مثلًا دخلوا دفعة واحدة في مكان واحد، فقدم أباه، نقول: الإيثار في القرب مكروه، أو مثلًا للتأليف، شخص كبير في السن مثلًا، وآثره في هذا المكان، نعم، أو لكونه أرفق به، تصور أن الصف طويل، وهذا الكبير يشق عليه أن ينتقل إلى الجهة الأخرى، فآثره به، لا شك أنه يحصل له من الأجر أكثر مما ترك -إن شاء الله-؛ لأن الشرع والدين دين توازن، يعني يحث على هذه الأمور، لكن أيضًا هناك ما يدل على ما يقابلها، ((ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه)) يستهموا عليه، على ماذا؟ الصف الأول أم النداء؟ النداء؛ لأن الإمام مالك وضع الحديث في باب النداء، أو الصف الأول باعتباره أقرب مذكور؟ ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول)) وفي بعض الروايات: ((من الخير والبركة، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه)) ما قال: عليهما، مع أنه في رواية عبد الرزاق عن مالك: ((لاستهموا عليهما)) لكن رواية الصحيحين: ((إلا أن يستهموا عليه)) وعليه شيء واحد، والذي تقدمه أمران: النداء والصف الأول، نعم، لو يعلم الناس على الأجر، يستهمون على الأجر أم على سبب الأجر الذي هو النداء والصف الأول؟ الأجر لا يمكن يستهمون عليه، ما يحصله إلا واحد، هو لا شك أن الاستهام على النداء والصف الأول، نعم، الاستهام على النداء والصف الأول، وقال: ((أن يستهموا عليه)) ولا بد من إيجاد ما يشمل الأمرين شيء واحد، يشمل الأمرين، يصح أن يعود عليه الضمير، فنقول: ليستهموا عليه، أي على ما ذكر من النداء والصف الأول. لاستهموا يعني لاقترعوا.
طالب:.......
نعم، مجودة، لكن هات لها مثال {يُضَاعَفْ} [(69) سورة الفرقان] {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} [(68) سورة الفرقان] وهي أمور ثلاثة، نعم، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ} [(38) سورة الإسراء] وأمور كثيرة، على كل حال هو وارد في اللغة، لكن لا بد من تأويل شيء يجمع هذه الأمور يصح أن يعود عليه الضمير، ((ولو يعلمون ما في التهجير)) ما في التهجير: يعني التبكير إلى الصلوات كلها، أو التبكير إلى صلاة الظهر في وقت الهاجرة، نعم، هما قولان نعم، لكن منهم من يقول: يؤخذ من اللفظ التهجير الذهاب في وقت الهاجرة، فهو حث على التبكير إلى صلاة الظهر.
((ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه)) لاستبقوا إليه، استبقوا، عندنا: استبقوا، وسارعوا، وسابقوا، مع أن الاستباق الحسي يلزم عليه سرعة المشي، السرعة في المشي، وهي منهي عنها كما سيأتي في الحديث الذي يليه، فالمراد به الاستباق المعنوي، الاستباق المعنوي، وهو التهيؤ للتبكير.
((ولو يعلمون ما في العتمة -وهي صلاة العشاء- والصبح لأتوهما ولو حبوًا)) يعني مشيًا على اليدين والرجلين كما يفعل الطفل، ((لأتوهما ولو حبوًا)) العتمة صلاة العشاء ما جاء النهي عن تسميتها العتمة؟ ((ولا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) نعم جاء في هذا الحديث ((ولو يعلمون ما في العتمة)) نعم، المداومة على تسميته، يعني كون الاسم (العشاء) ينسى، نعم بدليل الغلبة، ((لا تغلبنكم الأعراب)).
طالب:......
هو جاء النهي عن تسمية العشاء العتمة، وجاء أيضًا: "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وجاءت أحاديث في العتمة، هو النهي محمول على الاستمرار، الاستمرار بحيث يغلب الاسم الأعرابي على الاسم الشرعي، أما كونها يطلق عليها أحيانًا لا بأس.
ثم يقول: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه وإسحق بن عبد الله أنهما أخبراه أنهما سمعا أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ثوب بالصلاة))" ثوب بالصلاة، يعني: أقيمت الصلاة، إذا ثوب بالصلاة، ثوب: الأصل التثويب، من ثاب إذا رجع، ثم صار يطلق على قول المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم، هذا التثويب على ما سيأتي.
((إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون -يعني تسرعون- وأتوها وعليكم السكينة)) في البخاري: ((والوقار)) وهو بمعنى السكينة، وذُكر على سبيل التأكيد، وقال النووي: الظاهر أن بينهما فرقًا، بين السكينة والوقار فرق، وأن السكينة في الحركات، والوقار في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، وعليكم السكينةُ، السكينة: مبتدأ مؤخر، وعليكم: خبر، والجملة: حال، وضبطها القرطبي بالنصب "عليكم السكينةَ" فيكون منصوب على الإغراء، عليكم السكينةُ، وجاء في البخاري: ((بالسكينة)) واستشكل دخول الباء؛ لأنه متعدٍ بنفسه {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم..} [(105) سورة المائدة] استشكل؛ لأنه الأصل أنه يتعدى بنفسه، واستشكل ما في الصحيح من تعديته بالباء، لكن يقول ابن حجر: فيه نظر لثبوت الباء في أحاديث كثيرة، وأورد عدة أحاديث كلها بالباء.
((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) ((فلا تأتوها وأنتم تسعون)) العلة في هذا ما جاء بيانه في آخر الحديث، ((فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة)) إذا كان في صلاة، والمصلي يشرع له أن يكون مطمئنًا ساكنًا، وهو في الصلاة؛ ولذا نهي عن تشبيك الأصابع قبل الدخول في الصلاة، لأنه في صلاة، ((فما أدركتم فصلوا -يعني مع الإمام- وما فاتكم فأتموا)) وهذا رواية الأكثر، وجاء: ((وما فاتكم فاقضوا)) لكن الأكثر: ((فأتموا)) ويستدل بها على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، ما يدركه المسبوق أول صلاته، جئت والإمام في الركعة الرابعة تكبر فتكون لك هي الركعة الأولى، ثم تقضي بعده الثانية، ثم تجلس للتشهد، ثم تأتي بالثالثة والرابعة، استنادًا إلى هذا.
على الرواية الأخرى: ((وما فاتكم فاقضوا)) وبها يقول الحنابلة والحنفية أن ما يدركه المصلي هو آخر صلاته، وما يقضيه الذي فاته؛ لأنه أول صلاته، يستدلون برواية: ((فاقضوا)) ولكل من الطرفين ما يستدل به من صورة الصلاة، من صورة الصلاة، ما معنى هذا الكلام؟ الذي يقول: "فأتموا" من فاته ثلاث ركعات متى يجلس للتشهد الأول على القول الآخر؟ يصلي ركعتين ثم يجلس للتشهد الأول، ثم بعد ذلك يجلس ولا يتشهد التشهد الأخير؛ لأنه أدركه، إنما يقضي ما فاته، يقضي قضاءً، على كل حال القول الثاني يلزم عليه لوازم، وهم يتنصلون عنها، ما يقولون بها، ما في أحد من الحنابلة والحنفية يقول: يسلم بدون تشهد؛ لأنه أدرك التشهد، تشهد مع الإمام، ولا فيهم من يقول: من فاته ثلاث ركعات أنه ما يجلس التشهد الأول إلا بعد أن يأتي بركعتين، الصورة واحدة عندهم، لكن الذي يظهر في الاختلاف في المقروء، يعني إذا أدرك مع الإمام ركعة يكبر تكبيرة الإحرام ويستفتح ويقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة، على القول بأن ما يدركه آخر صلاته، متى يتورك؟ يتورك مع تورك الإمام، مع الإمام، نعم يتورك مع الإمام، لكن المرجح هو أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، تتغير الصورة لو قيل بمقتضاها القول الثاني، لكنهم لا يلتزمون به، منهم من يقول: ما يدركه هو أول صلاته في الأفعال لا في الأقوال، بمعنى أنه يأتي بالفاتحة وسورة فيما يقضيه بدلًا مما فاته من قراءة في الركعة..، بما أدركه مع الإمام، يعني إذا أدرك الإمام بعد التشهد الأول وأدرك الفاتحة ما يستطيع أن يقرأ سورة، والرابعة كذلك يقرأ الفاتحة فقط، وهو مشروع له أن يقرأ الفاتحة وسورة، يقول: يقضيهما في الركعتين الأخريين، فيكون ما يدركه أول صلاته في الأفعال دون الأقوال، لكن التفريق يحتاج إلى دليل.
وعلى كل حال المرجح أن ما يدركه المسبوق فهو أول صلاته، ومثله صلاة الجنازة، وهذا يشكل على كثير من الناس، فاته تكبيرتان من صلاة الجنازة، والإمام بعد التكبيرة الثالثة يطيل، وهذا يقرأ الفاتحة فقط، وهذا يطيل الدعاء، ماذا يفعل؟ يقرأ الفاتحة فيسكت أم يكبر ثانية ويصلي على النبي ويستغل الوقت قبل أن ترفع الجنازة؟ يقرأ الفاتحة ويسكت، ثم إذا كبر الإمام الرابعة يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم إذا سلم يكبر ثالثة فيدعو للميت، هذا إذا حصل ظرف إن كان يرفع يستعجل، ثم يكبر رابعة ويسلم وهكذا، نعم؟
طالب:......
........ ((فاقضوا)) يأتي القضاء بمعنى الأداء، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت].
طالب:.......
لا، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}[(12) سورة فصلت] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [(10) سورة الجمعة] نعم {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] هل معنى هذا أنه ما ينتشر إلا من فاتته الصلاة ثم قضاها؟ نعم، إذا قضيت يعني فرغ منها أداءً أو قضاءً.
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه -عبد الله بن عبد الرحمن وكان يتيمًا في حجر أبي سعيد، وكانت أمه عند أبي سعيد- أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له –أي لعبد الله بن عبد الرحمن-: "إني أراك تحب الغنم والبادية" تحب الغنم والبادية، الآن هو يحب البادية من أجل الغنم أو على سبيل الاستقلال؟ يعني ما هو يحب البادية من أجل الغنم، يعني يلزم البادية ولو كان ما عنده غنم، ويحب الأمرين، لكن أحدهما من لوازم الآخر، قالوا: هو من أجل الغنم، وعلى كل حال سواءً كان يحب الغنم بمفردهها أو يحب البادية؛ لأن الجهة قد تنفك، تنفك الجهة، يحب الغنم وهي في بيته في الحاضرة، يحب البادية ولو لم يكن له فيها غنم، وقد يحب البادية من أجل الغنم، "فإذا كنت في غنمك أو باديتك" شك أو تنويع، "فأذنت بالصلاة" أي أُعلمت بدخول وقتها، "فارفع صوتك بالنداء" فيه استحباب أذان المنفرد؛ لأنه يخاطب شخصًا واحدًا، وهو الراجح عند الشافعية أن المنفرد إذا كان في مكان بحيث لا يسمع الأذان يؤذن، "فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن" يعني غاية صوته، نهاية صوته، "جن ولا إنس ولا شيء" يشمل الحيوان والجماد، وهو من العام بعد الخاص، "ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"، والشيء هذا يشمل الملائكة أيضًا، وإن قال بعضهم: أنهم يدخلون في الجن لعموم اجتنانهم وخفائهم واختفائهم عن الأبصار، لكن دخولهم في العموم الأعم وهو الشيء أظهر، "ولا شيء" بعضهم يقول: الجماد ما يشهد، جاء في بعض الروايات: "يشهد له كل رطب ويابس"، "إلا شهد له يوم القيامة"، وجاء في فضل الأذان أحاديث كثيرة، وهم أطول الناس أعناقًا يوم القيامة، "قال أبو سعيد: "سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، سمع ماذا؟ سمع الحديث كاملاً؟ يعني سمع الأمر برفع الصوت، أو الترغيب برفع الصوت، أو سمع الحديث من أوله، {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [(18) سورة الأعلى] المشار إليه من أول السورة أو من {قَدْ أَفْلَحَ} [(14) سورة الأعلى] وهنا سمعته مقتضى قول من يقول: إن الحديث كله سمعه من الرسول -عليه الصلاة والسلام- مقتضاه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأبي سعيد: "إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في بادية.." نعم، هذا احتمال أورده بعضهم؛ لأن الضمير يحتمل، سمعته يعني سمعت كل ما تقدم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن الظاهر أنه سمع الحث على الأمر، الحث على رفع الصوت بالأذان وتعليل ذلك.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نودي للصلاة -يعني أُذن لها- أدبر الشيطان)) إبليس، الشيطان الأكبر، وإلا هناك شياطين {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(112) سورة الأنعام] هل يرد في مثل هذا شياطين الإنس؟ إما الشيطان الأكبر أو أتباعه وأعوانه من الشياطين، نعم؟
طالب:.......
نعم، ما يطردهم الأذان، هم شر من شياطين الجن كما قال بعضهم؛ لأنه بالذكر والاستعاذة والأذان تتخلص من شياطين الجن، لكن شياطين الإنس؟! نعم، ((أدبر الشيطان له ضراط)) بدون واو (له ضراط) جملة اسمية وهي حالية أيضًا، نعم حالية بدون واو لوجود الرابط بين الحال وصاحبه وهو الضمير، له ضراط، ((حتى لا يسمع النداء)) والضراط حقيقي، ولا يمنع من الحقيقة هنا مانع، وإن قال بعضهم: إنه ضراط معنوي، لكن الأصل الحقيقة، وحقيقي استخفافًا بما يسمع، أو لكي لا يسمع الأذان من أجل يشوش على ما يسمع، أو يحصل له ذلك دون قصد منه، لعظم ما يسمع، ((حتى لا يسمع النداء، فإذا قُضي النداء -يعني انتهي، فرغ منه- أقبل، حتى إذا ثوب)) أقيمت الصلاة، وزعم بعضهم أن المراد بالتثويب هنا قول: حي على الصلاة في أذان الصبح، قال الخطابي: "لا يعرف العامة من التثويب إلا قول المؤذن: الصلاة خير من النوم" وزعم بعضهم أن المراد قول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال الخطابي: إن العامة لا يعرفون من التثويب إلا الصلاة خير من النوم، وعلى كل حال التثويب هنا الرجوع، أصله من ثاب أي رجع والرجوع إلى الإعلام تثويب، ويكون الرجوع إلى الإعلام بأي شيء؟ بالإقامة، ((حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب -قضيت الإقامة وفرغ منها- أقبل حتى يخطِر)) يخطر بكسر الطاء، كما ضبطه القاضي عياض عن المتقنين، والقاضي عياض له كتاب نفيس في الباب اسمه: (مشارق الأنوار على صحاح الأخبار) على الصحيحين والموطأ، وهو من أعظم كتب الغريب، نعم ترتيب الحروف عنده على طريقة المغاربة فيها مشقة يسيرة، لكن سهل، ((حتى يخطر)) معناه يوسوس، يلقي على المصلي الخواطر، الخواطر: جمع خاطر، والخاطر: ما يخطر على البال، ولا يبقى بحيث يزول؛ لأن الخاطر والهاجس من مراتب القصد، هذه الخواطر أول مراتب القصد، فيلقي عليه من الخواطر حتى تصير هواجس، والهواجس جمع هاجس، ثم إذا ترددت صارت حديث نفس، ثم إذا زادت يأتي بعد ذلك الهم، ثم العزم.
مراتب القصد خمسٌ هاجس ذكروا |
|
فخاطرٌ فحديث النفس فاستمعا إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا |
هذه مراتب القصد، وهو في أول الأمر يبدأ بالخواطر، ثم تتكرر تصير هواجس، ثم تتطور تصير حديث نفس وتتردد إلى أن يخرج من صلاته وما عقل منها شيء، وهذا يرضى به الشيطان إذا عجز عن أن يثنيه عن الصلاة بالكلية، ((حتى يخطر بين المرء ونفسه)) يعني يعرض، يحول بين المرء ونفسه، بين المرء وقلبه، نعم؟
طالب:......
يا أخي الصلاة لها شيطان، الوضوء له شيطان وهكذا، على كل حال أهل العلم يختلفون في مثل هذا هل هو الشيطان الأكبر أو أحد جنوده ممن وكل به؟ المقصود أن هذا عمل الشياطين، نسأل الله العافية، ((بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا)) وهذا شيء مجرب إذا صف الإنسان في الصلاة ذكره الشيطان ما لا يفيده، يعني لو يذكره بشيء يفيده ما فعل، لكن يذكره بما لا يفيده، أحيانًا يذكره نكت فيجعله يضحك في الصلاة، وهذا كثير، يعني الإنسان، هذا شيء ما هو في مقدور الإنسان، إلا أن الإنسان ينبغي أن يرتبط بربه، ويحسن ويصلح ويخلص، يصلح ما بينه وبين ربه فيحفظه من هذه الأمور، وإلا إذا ترك لنفسه الحبل على الغارب صار لا يلقي لهذه الأمور شيئًا، لا يلقي لها بالاً خارج الصلاة، ما الذي يمنع أن ترد عليه في وقت الصلاة؟ من أكثر من شيء، من اعتاد شيئًا خطر عليه، خطر على القلب، فإذا حصل له شيء خارج الصلاة ذكره به في داخل الصلاة، ويحرص على شيء يبطل صلاته، اذكر كذا، اذكر كذا، قد يذكره بمعصية سابقة، أو يذكره بموقف قديم، نعم ليفسد عليه صلاته، أقل الأحوال أن يشغله عن صلاته فيخرج منها وليس له من الأجر شيء.
يذكر في هذا المقام عن الإمام أبي حنيفة أنه جاء له شخص وقال: إنه وضع شيئًا في مكان ونسيه، فقال له: صلِّ، يعني هل مثل هذا يصدر من مثل هذا الإمام؟ أن يكون الصلاة الباعث عليها ماذا؟ نعم، الآن في مثل هذا الكلام ما معنى صلِّ؟ نعم، ((اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل)) يصير الرجل، بالظاء المشالة، في بعض الروايات: ((يضل)) يعني ينسى ((الرجل إن يدري كم صلى؟)) (إن) هذا نافية، يعني: لا يدري كم صلى؟ حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى؟ ما يدري هل صلى ركعة أو ثلاث أو أربع؟ وهذا يوجد، بعض الناس ما يصدق أن جاره الذي صلى بجانبه يقوم منهما قال له: إنك فعلت كذا في صلاتك، فعلت كذا؛ لأنه ما يدري كيف صلى؟ ما يدري ماذا حصل له؟ كيف تحرك؟، كيف..؟ لا يدري، ما في شك أن الغفلة استولت على قلوب كثير من الناس، أما كونه ما يدري هذا ظاهر، تجد الإمام خلفه صفوف ثم يخطئ لا تجد من يقول: سبحان الله، ولو تسأل كثيرًا ممن يصلي خلف الإمام الصلاة الجهرية، ماذا قرأ الإمام؟ لا يدري، أصبح كثير من الأئمة يهتم ويحتاط من أجل إتقان صلاته إصلاحًا من أجل الناس المرتبطين به.
فهذا من وسواس الشيطان، والشيطان يرضى إذا لم يستطع صرف الإنسان عن الدين بالكلية يصرفه عن هذا الركن الأعظم من أركان الإسلام، فإذا لم يستطع شوش عليه ووسوس له، ولا بد أن يظفر بشيء.
طالب:......
علاج ليتذكر؟! لا يكون الناهز له على الصلاة غير ابتغاء وجه الله -عز وجل-، هذا من التشريك، هذا من التشريك في العبادة، هذا تشريك، مثلما شخص جالس في المسجد رأى غريمًا دخل يريد منه مالاً، قال: الله أكبر، انتظر، انتظره، يركع يسلم ليس فيه فائدة، ذهب وتركه، مثل هذا تشريك في العبادة.
"وحدثني عن مالك عن أبي حازم" سلمة بن دينار، من يسأل؟ جاء في الخبر: ((إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان)) نعم، إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان، دال على أن الأذان يطرد الشيطان.
"وحدثني عن مالك عن أبي حازم)) سلمة بن دينار، هو الذي يروي عن سهل بن سعد، هناك أبو حازم يروي عن أبي هريرة، ما اسمه؟
طالب:.......
سلمان، نعم، هذا سلمة وذاك سلمان، "عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقلّ داع ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف في سبيل الله"، يقول ابن عبد البر: هذا الحديث موقوف عند جميع رواة الموطأ، ومثله لا يقال بالرأي"، يعني أنه له حكم المرفوع، ويروى مرفوعًا من الطريق المذكور عن أبي سالم عن سهل بن سعد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء" يعني فيهما، لا أنه تفتح للساعتين، إنما تفتح أبواب السماء في الساعتين، في وقتهما، وليس المراد بهما الساعتان من الساعات الفلكية، الساعة ستون دقيقة يعني أنها تفتح مائة وعشرين دقيقة، لا، الساعة مقدار من الزمان يستغلها الإنسان في أي أمر من الأمور، يعني لو جلس يدعو خمس دقائق قلنا: دعا ساعة.
"ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقلّ داع ترد عليه دعوته" يعني هذه من أوقات مظنة الإجابة، "وقلّ داع ترد عليه دعوته" (قلّ) يدل على أنها قد ترد، ومعلوم أن الدعاء سبب، سبب تترتب عليه آثاره إن لم يوجد ثَمّ مانع، فإذا وجد مانع ما تجاب الدعوة، والموانع كثيرة، وللدعاء أسباب، وله آداب، وله موانع، الإنسان يحرص على أن يطيب المطعم، وألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ولا يعتدي في الدعاء، وينظر إلى الأوقات التي هي مظنة إجابة، وهي مبسوطة في كتب أهل العلم.
"حضرة النداء للصلاة" وقت الأذان، وقت الأذان مظنة للإجابة، بين الأذان والإقامة أيضًا مظنة للإجابة، "والصف في سبيل الله" أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الله -عز وجل-، هذه أيضًا مظنة إجابة، "قل داع ترد عليه دعوته" مفهومه أنه قد ترد عليه، لكنه قليل نادر، ومنهم من يقول كابن مالك في التسهيل وغيره يقول: إن (قَلّ) قد تأتي للنفي المحض، وعلى هذا لابد من إجابة الدعوة هنا، لا بد من إجابة الدعوة، لكن الأصل في (قَلّ) أنها في مقابل كثر، فالكثير الغالب تجاب دعوته، والقليل النادر لا تجاب دعوته، ومعلوم -مثل ما ذكرنا- أن الدعاء سبب، وتترتب عليه آثاره ما لم يمنع من ترتب هذه الآثار مانع.
"وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة، هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ قال: "لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس".
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- له رأي في الساعات يناسب ذكره هنا، من راح في الساعة الأولى، في الساعة الثانية، في الثالثة، في الرابعة، في الخامسة، عند مالك متى تبدأ هذه الساعات؟ ساعات لطيفة بعد الزوال، تبدأ من الزوال، هذا ما فيه شك أنه كثير من الناس يود أن يصير هو الراجح، نعم لما ابتلي به الخاص والعام، لا أقول: عوام الناس أو طلاب العلم، بل كثير، تجد الإمام يدخل في المسجد الجامع الكبير ما فيه إلا صف، ثم تنتهي الصلاة إلا والمسجد مليء، وجاء في الخبر: أن الناس قربهم من الله -جل وعلا- كقربهم من الخطيب،
قرب بقرب والمباعد مثله |
|
بعد ببعد حكمة الديانِ
|
على كل حال يوجد في الأمة –ولله الحمد- خير، يوجد من يبادر، يوجد من كبار السن من يأتي لصلاة الصبح ولا ينصرف حتى يصلي الجمعة، ورأينا من الشباب من يحضر مع طلوع الشمس، يوجد -ولله الحمد- لكنه قليل، وكان كثيرًا مل أدرك أناسًا كثيرين يأتون إلى الجمعة مبكرين.
"وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة هل يكون قبل أن يحل الوقت؟" يعني قبل الزوال، "قال: لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس" وعرفنا ما في وقت الجمعة من أقوال.
الأذان الأول الذي شرعه الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه-، وقد أُمرنا باتباع سنته، ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)) ومنهم عثمان -رضي الله عنه-، الأذان الأول هل هو مراد مالك أو الثاني؟ مراده الثاني, أما الأذان الأول لو قلنا: إنه ما يكون إلا بعد الزوال نعم انتفت الحكمة منه، هو من أجل أن يتأهب الناس لصلاة الجمعة.
"وسئل مالك عن تثنية الأذان والإقامة، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة؟ فقال: "لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه" وهو شفع الأذان، "فأما الإقامة فإنها لا تثنى" فرادى، ورأي مالك أن جميع جمل الإقامة فرادى، حتى الله أكبر مرة واحدة، أشهد ألا إله إلا الله مرة واحدة، وهكذا، وأما الأذان فهو مشفوع لحديث: "أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" مفهومه أن جميع جمل الأذان شفع، وجميع جمل الإقامة وتر، لكنه أغلبي لوجود الوتر في جمل الأذان، ووجود الشفع في جمل الإقامة، "وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، وأما قيام الناس حين تقام الصلاة" ثبت في الصحيح عن أبي قتادة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)) يعني متى يقوم المأموم؟ إذا رأى الإمام، ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)) وجاء في البيهقي وغيره استحباب القيام عند كلمة (قد) قد قامت الصلاة، لكنه خبر ضعيف في إسناده الحجاج بن أرطأه، وهو ضعيف، يقول: "وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا –يعني المدينة- وأما قيام الناس حين تقام الصلاة، فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له" لم أسمع في ذلك بحد يقام له "إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس" على قدر طاقة الناس، بعض الناس يحتاج حتى ينهض ويتعدل في الصف إلى وقت، وبعضهم -ما شاء الله- كأنما ينشط من عقال، يتفاوت الناس، بعض الناس لو يقال له: لا تقوم حتى ترى الإمام تفوته تكبيرة الإحرام، يحتاج له وقت حتى يتعدل، يقول: "إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف -صحيح- ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد"، يعني ما يطالب الثقيل بما يطالب به الخفيف، ولا يطالب الكبير بما يطالب به الصغير وهكذا، إلا أنه حكم في هذا ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)).
وسئل مالك عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة، فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟ قال مالك: "ذلك مجزئ عنهم" كيف يجمعوا المكتوبة؟ يجْمَعوا أم يُجَمِّعوا؟ هل المقصود يجمعون المكتوبة: يقيمون صلاة الجماعة؟ أو يقيمونها مجموعة مع ما قبلها ومع ما بعدها، هل هو من التجميع بمعنى إقامة الجماعة، أو من الجمع الذي هو ضم الصلاتين إلى بعض؟ "وسئل مالك عن قوم حضور" حضور يعني كلهم متوافرون موجودون لا يحتاجون إلى نداء، غير متفرقين، وهم أيضًا في غير مسجد، يعني شباب في رحلة، مجموعة في رحلة، لكنهم مجتمعون كلهم، حاضرون، يحتاجون إلى أذان لإقامة الجماعة؟ اسمعوا كلام مالك: "فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟ قال مالك: ذلك مجزئ عنهم" يجزئ، يكفي؛ لأن الأذان ليس بشرط في صحة الصلاة، على الخلاف في وجوبه، أو أنه من السنن المؤكدة، "وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات" مساجد الجماعات "التي تجمع فيها الصلاة" يعني التي تصلى فيها الجماعة، لكي يتم دعاؤهم لحضور الجماعة بواسطة الأذان.
"وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام، ودعائه إياه" وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه، هذا شيء موجود في وقته -رحمه الله-، "ومن أول من سلم عليه؟ قال: "لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول"، يعني ما بلغني أن هذا التسليم الموجود في زمنه، موجود في الزمان الأول في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد خلفائه الراشدين، التسليم يؤذن المؤذن فإذا حان وقت الإقامة يذهب إلى الإمام، والغالب أن الإمام هو مَن؟ الأمير، نعم، هو الأمير، هم الذين يصلون بالناس، ثم يقف عند بابه السلام عليكم، السلام عليكم، يؤذنه بالصلاة، ويعلمه بها، فارتبط السلام هذا بالإعلام بالإقامة، والإمام مالك يقول: "لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول" أما تكلف المؤذن الوقوف بباب الأمير، والسلام عليه واستئذانه، فهذا لم يكن موجودًا في الزمان الأول، أما استئذان الإمام فمر بنا أن بلالاً يؤذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإقامة، يعلمه بها، ومثله عثمان -رضي الله عنه-، ينشغلون بالأمور العامة فيحتاجون إلى من ينبهم، والله المستعان.
"قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر، هل يأتيه أحد فلم يأته أحد" يعني متصور، متصور في الأطراف، أطراف البلدان، يوجد مسجد وله مؤذن ثم يؤذن ينتظر أحدًا، فما يأتيه أحد، "ثم انتظر هل يأتيه أحد، فلم يأته أحد، فأقام الصلاة، وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم؟ قال: "لا يعيد الصلاة" لأنه أداها كما أمر، واتقى الله ما استطاع، ولا يلزمه إعادة، وله أجر الجماعة -إن شاء الله تعالى-، "ومن جاء بعد انصرافه" فراغه من الصلاة، هذه مسألة في بعض الأماكن يكون صوت الإمام ما يشجع على صلاة التهجد مثلًا، فالناس الجماعة يذهبون يمينًا يسارًا يبحثون عن الأصوات المنشطة، نعم جاء الإمام وأراد أن يشرع بالصلاة ما فيه أحد، تفرقوا يمينًا ويسارًا، هل يصلي وحده؟ ومن جاء معه يصلي؟ والمسألة مسألة نافلة، تصح فرادى وتصح جماعات؟ أو يذهب مع الناس يبحث له عن مسجد؟ واحتمال أن يأتي بعد ذلك من يأتي ولا يجد في المسجد أحد، يبقى ويصلي، نعم.
"وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم؟ قال: لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه -فراغه من الصلاة- فليصلِّ لنفسه وحده" صلى هذا المؤذن وحده، لما انصرف من صلاته وجد جماعة أتوا لا يصلي معهم، هو صلى وانتهى، أدى ما عليه، لكن هم يصلون جماعة أم فرادى؟ "ومن جاء بعد انصرافه، فليصل لنفسه وحده" هذه مسألة وهي مسألة تكرار الجماعة في مسجد واحد، هذا جار على أصل، أصل للإمام مالك أن المسجد الذي له إمام راتب لا تصلى فيه الجماعة مرتين صلاة واحدة، وبهذا قال الثوري، والجمهور على خلافه، أنه لا مانع من أن تقام الصلاة مرتين في مسجد واحد، للحاجة، أما في آن واحد فلا، لا يجوز عند أهل العلم أن تصلى الصلاة جماعة لأكثر من جماعة في آن واحد؛ لأن هذا يخالف الهدف الشرعي من شرعية الجماعة، نعم، لكن لو جاء مجموعة فاتتهم الصلاة صلوا جماعة؛ حديث: ((من يتصدق على هذا؟)) أصل ودليل على شرعية إعادة الجماعة.
"قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم تنفل فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره؟ فقال: "لا بأس بذلك، إقامته وإقامة غيره سواء" أذن واستعجل الجماعة، قالوا: نريد أن نصلي، لسنا منتظرين، قالوا: انتظروا حتى يقيم، قالوا: يقيم غيره، يأتي شخص آخر من الموجودين ويقيم، وما المانع؟ يقول: "لا بأس بذلك، إقامته وإقامة غيره سواء" لا فرق بينه وبين غيره في الإقامة، وبهذا قال أبو حنيفة يعني مع مالك، وقال الليث والثوري والشافعي وأحمد وأكثر أهل الحديث أن من أذن فهو يقيم، من أذن فهو يقيم؛ لحديث عبد الله بن الحارث الصدائي وفيه: ((من أذن فهو يقيم)) فلا ينبغي أن يفتأت عليه في ذلك، لكن لو عرف من عادته أنه ما يتأثر، فأذن وجلس يقرأ القرآن مثلًا، فلما حان وقت الإقامة احتاج إلى الدورة مثلًا، أو دعي من قبل أهله، وخرج قال الناس: لسنا منتظرين، ويعرفون أنه من عادته أنه ما يتأثر، وإلا الأصل أن من أذن فهو يقيم، وأقيمت الصلاة من دون رأيه لا بأس -إن شاء الله-.
"قال يحيى: قال مالك: "لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر" يعني لحديث: ((إن بلالًا يؤذن بليل)) "لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها".
لماذا؟ لأن الأذان إعلام بدخول الوقت، والأذان قبل دخول الوقت لا شك أن فيه تشويش، وفيه تعريض لصلاة بعض الناس للبطلان، النساء والمعذورون، النساء في البيوت سمعوا الأذان يصلون، فلو أذن قبل الوقت احتمال أن يصلي ناس بأذانه، فيعرض صلاتهم للبطلان.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائمًا، فقال: "الصلاة خير من النوم" يخاطب عمر -رضي الله عنه-، ما هو في الأذان، يخاطب عمر -رضي الله عنه-، "فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح" فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح، هذا يدل على أنها ليست مرفوعة، يعني لم تثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، لكنها محفوظة مرفوعة في أذان أبي محذورة وبلال في صلاة الصبح خاصة، محفوظة في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح، الصلاة خير من النوم.
"وحدثني يحيى عن مالك عن عمه أبي سهيل –نافع- بن مالك عن أبيه -مالك بن أبي عامر الأصبحي- قال: "ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة" إلا النداء بالصلاة، يعني فإنه باقٍ على ما كان عليه لم يدخله تغيير، ثم بعد ذلكم دخله التغيير، فزيد جمل، وزيد بدع، وزيد أذكار، قبل الأذان وبعد الأذان، وفي أثناء الأذان، والله المستعان.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد"، يقولون: أسرع، لكنه بدون جري، يعني هذا على كلامهم لا ينافي السكينة والوقار، إذا أقيمت الصلاة، إذا ثوب للصلاة فأتوها -نعم، نهي عن الإسراع- وأنتم تمشون، و((عليكم بالسكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) نعم فالإسراع منهي عنه، ابن عمر أسرع، أسرع يعني أكثر من عادته، لكنه لا يصل إلى الحد المنهي عنه.
سم.
باب: النداء في السفر وعلى غير وضوء:
أحسن الله إليك.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: باب النداء في السفر وعلى غير وضوء:
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ((ألا صلوا في الرحال)).
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح، فإنه كان ينادي فيها ويقيم، وكان يقول: "إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه".
عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه قال له: "إذا كنت في سفر فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت، وإن شئت فأقم ولا تؤذن".
قال مالك: "لا بأس أن يؤذن الرجل وهو راكب".
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك، فإذا أذن وأقام الصلاة أو أقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النداء في السفر" يعني الأذان في السفر، وهو ما يقابل الحضر من الإسفار، وهو البروز والظهور؛ لأن المسافر يبرز ويظهر ويخرج عن البلد، ومنه قيل لمن أبدت شيئًا من محاسنها: سافرة؛ لأنها أبرزت ذلك وأظهرته.
"وعلى غير وضوء" قال ابن عبد البر في الاستذكار: هكذا عن يحيى في ترجمة الباب: "وعلى غير وضوء" ولم يتابعه أحد على هذه الزيادة، يعني من رواة الموطأ فيما علمت، ولا في الباب ما يدل على ذلك، يعني ما في ما يدل على الوضوء للأذان، ولا عدمه، ولا في الباب ما يدل على ذلك أيضًا، ولو كان في مكان قوله: "على غير وضوء" والأذان راكبًا كان صوابًا؛ لأنها مسألة في الباب مذكورة، يعني باب: النداء في السفر وراكبًا، أو أذان الراكب، أو ما أشبه ذلك، وليس في حديث مالك هذا أنه كان في السفر، يعني حديث مالك عن ابن عمر، أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، يقول ابن عبد البر: وليس في حديث مالك هذا أنه كان في السفر، ولكنه قيده بترجمة الباب، باب: النداء في السفر، وقد روي أن ذلك في السفر"، هذا كلام ابن عبد البر.
في صحيح البخاري أن ابن عمر أذن في ليلة باردة بضجنان؛ ضاد، جيم، نون، ألف، نون، بضجنان، وهو جبل على بريد بمكة، وقال صاحب الفائق: بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلًا، خمسة وعشرون ميلًا، على بريد من مكة، خمسة وعشرون ميلًا بينهم فرق؟ البريد كم؟ يعني ستة عشر؟ نعم ستة عشر ميلًا، الفرق كبير، نعم.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح" وعرفنا أنه كان بضجنان، يعني مسافر، "فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ((ألا صلوا في الرحال))".
والرحال: جمع رحل، وهو المنزل والمسكن، طيب المسافر ما له منزل ولا مسكن كيف يصلي في الرحال؟ رحله ما يستصحبه من متاع في السفر يصلي عند رحله، عند متاعه.
يقول: ((ألا صلوا في الرحال)) جاء في البخاري يقول: على إثره، يعني على إثر الأذان: ((ألا صلوا في الرحال)) وإذا كان على إثر الأذان يعني بعده، بعد الأذان، فعلى هذا إذا فرغ من الأذان بجميع جمله قال: ألا صلوا في الرحال، في رواية مسلم: كان يقول في آخر ندائه، لا يلزم أن يكون بعده، في آخر ندائه، استظهر ابن حجر تبعًا لابن خزيمة وهو صحيح من حيث المعنى كلامهم، أن قوله: ((ألا صلوا في الرحال)) بدل من الحيعلتين، يعني بدلًا من أن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يعني تعالوا إلى الصلاة، نعم هلموا إلى الصلاة، نعم، يقول بدل ذلك: ألا صلوا في الرحال، هو من حيث المعنى صحيح؛ لأنه لو قال: حي على الصلاة حي على الفلاح، ألا صلوا في الرحال، صار تناقضًا، معنى تعالوا إلى الصلاة، هلموا إلى الصلاة، ولا تأتون، صلوا في رحالكم، نعم، الكلام على أنه العبادة أيضًا معقولة، النداء لماذا؟ لنحضر إلى الصلاة، لنعلم الوقت، هذا كلام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-، نقول: لا، لأن المعنى واحد، لكن ما فيه تناقض، ما يلزم عليه تناقض، تعالوا ولا تأتون، هذا التناقض بعينه، هذه وجهة نظر من؟ ابن خزيمة واستظهره ابن حجر، ولا شك أنه ظاهر من حيث المعنى، يعني ما معنى حي على الصلاة؟ يعني: تعالوا، هلموا، أقبلوا إلى الصلاة، أقبلوا إلى الفلاح، سبب الفلاح الصلاة، ألا صلوا في الرحال، ما في إلا إنه على إثره يقول -في الصحيح- على إثره: ألا صلوا في الرحال، صحيح ذكرنا برواية فإذا جئت على حي على الصلاة فقل: ألا صلوا في الرحال، صلوا في رحالكم، هذا مجرد استظهار من ابن حجر، كيف؟ نعم وهو فيها نص، نعم.
وظاهر خبر ابن عمر وهو في السفر، والجمهور على أنه مطلق عند الحاجة في السفر والحضر، يعني صنيع ابن عمر في السفر، والجمهور على أنه لا يقتصر على السفر، بل يقول المؤذن: ألا صلوا في رحالكم في الحضر والسفر عند الحاجة، وهذا قول الجمهور.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر" لا يزيد على الإقامة في السفر؛ لأنه لا معنى للتأذين إلا ليجتمع الناس يعني من وجهة نظر ابن عمر، "لا يزيد على الإقامة في السفر" لعدم وجود من يجتمع بسبب الأذان، "إلا في الصبح فإنه كان ينادي -يعني يؤذن- فيها" يعني الصبح تختلف عن غيرها؟ الصبح الناس نيام، أو جلهم نيام، فيحتاجون إلى من يوقظهم، فيقظون بالأذان، وما عدا ذلك هم مستيقظون، في غير الصبح من الأوقات هم مستيقظون، فلا يحتاجون إلى تأذين، وهذا موقوف، "فإنه كان ينادي فيها ويقيم" إظهارًا للشعيرة، وكان يقول: "إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه"، إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه.
وفي رواية عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر: إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادي بالصلاة ليجتمعوا إليها، وأما غيرهم فإنما هي الإقامة، وحكي نحوه عن مالك، يعني لا يؤذن إلا في هذه الحالات، إذا وجد أناس متفرقون يجمعهم الأذان أذن وإلا فلا.
والمشهور من مذهبه، وعليه الأئمة الثلاثة وغيرهم مشروعية الأذان لكل أحد، وبالغ عطاء فقال: إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يراه شرطًا في صحة الصلاة، إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، لكن هذا إذا كان شرطًا لصحة الصلاة، وعامة أهل العلم على أنه ليس بشرط، فرض كفاية، ومنهم من يقول: سنة مؤكدة، ولا شك أنه شعيرة من شعائر الدين، إذا تركه أهل بلد أثموا، وقاتلهم الإمام على تركه، وكذا بقية الشعائر، ولكنه مع هذا الإثم الصلاة لا أثر له فيها؛ لأن الجهة منفكة، وهو أمر خارج الصلاة، لأنه إذا عاد عادت المخالفة والنهي إلى أمر خارج، لا يؤثر هذا على العبادة.
لا مانع من إزالته، لا مانع من إزالته.
لو قالوا: الصلاة الصلاة في المكبرات أو في المناير قلنا: بدعة، لكن هم يذكرون من غفل، ويأمرون من خالف، وهذا من جملة الأمر بالمعروف، الثابت ثبوتًا قطعيًا في نصوص الكتاب والسنة.
الصدى إن كان المقصود به تحسين وتزيين الصوت بالقرآن، أو تزيين القرآن بالصوت، كما جاء في الحديث الصحيح، على أن لا يكون فيه مبالغة وسرف، ولا يكون أيضًا فيه مزيد على المطلوب من التحسين من تكرار بعض الكلمات والحروف، إذا كان لمجرد تحسين الصوت وتنديته فلا بأس -إن شاء الله-، أما إذا كان لتكراره تقرأ الآية مرتين، أو الكلمة تردد مرتين هذا لا يجوز.
معروف أن طيب المطعم له أثر كبير، ودفع الموانع، لا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ويجتنب السجع، ويتوخى أوقات الإجابة، وغير ذلك من الآداب التي ذكرها أهل العلم.
عند التثويب يقول مثل ما يقول المؤذن، وأما قول بعض الفقهاء أنه يقول: صدقت وبررت، هذا ما له أصل، نعم هو خبر الصلاة خير من النوم صحيح، أن الصلاة خير من النوم، صدق المؤذن، لكن لم يرد به أثر، فعلى هذا يشمله عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((قل مثل ما يقول المؤذن)).
لا، ليس بحديث، لكنه مأخوذ من نصوص الشريعة وعموماتها، لكن لا حديث بهذا اللفظ.
معروف أن التشهد الأول واجب، واجب يجبر بسجود السهو، يجبر بسجود السهو، لكن هذا ما سجد إلا سجدة واحدة، فهل تكفي أو لا تكفي؟ ولو قلنا: إنه يجبر بسجود السهو، ونسي سجود السهو وطال الفصل، هل تلزمه الإعادة؟ الآن سجود السهو في هذا الموضع سنة أم واجب؟ واجب؛ لأنه لجبر ترك واجب فهو واجب، فالذي يظهر أنه ما عليهم شيء، ما دام طال الفصل والإمام يغلب على ظنه أن صلاته صحيحة، وقد صلى سجدتين هذا الذي يغلب على ظنه، وإن كان قد سها في ذلك لا يلزمه شيء -إن شاء الله-، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] ليس بركن ولا شرط، والخلاف في وجوبه أيضًا عند أهل العلم معروف، على كل حال السجود له واجب، السجود لمثل هذا واجب، النسيان له أثره في ترك الواجب، بخلاف العمد.
لا، لا يجوز أن يوضع شريط يؤذن للصلاة بدل المؤذن؛ لأن الأذان عبادة شرعية، ولو قلنا بهذا لقلنا بعد أيضًا: يوضع شريط يصلي بالناس، هذا لا يجوز؛ لأنها عبادة، توسع الناس في هذه المحدثات في مواطن العبادة، بل في العبادات نفسها المحضة أمر غير مرضي، ينبغي أن يقتصر منها على قدر الحاجة، أنا قلت: إدخال مثل هذه الآلات في العبادات المحضة على خلاف الأصل، فينبغي أن يقتصر منها على قدر الحاجة.
-كذا قال الكاتب- ألا تدعو بهذا الدعاء، ولا تعلمه أحد، فقال له الإمام: سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت -هل تريد معرفة هذا الدعاء يقول من كتب الورقة-: كان يدعو فيقول: اللهم إنك سلطت علينا عدوًّا عليمًا بعيوبنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم آيسه منا كما أيسته من رحمتك، وقنطه منا كما قنطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك.
أولًا: هذا ليس بمرفوع، هذا الدعاء دعاء ليس بمرفوع، يعني موقوف، وإن كان معناه صحيحًا، فلا ينبغي التزامه في وقت معين، يعني لو قاله الإنسان متى ما خطر له، أو متى ما تيسر له من غير ترتيب لا بأس؛ لأن معناه صحيح، لكن كونه يحدد في وقت معين، أو لسبب معين فلا، ولا شك أن المناسبات لها أثر في صيغة الدعاء، الدعاء المطلق، الدعاء المطلق، خرج ثلاثة يستسقون فقال أحدهم: اللهم إنك أمرتنا بعتق من شاب في خدمتنا قد شبنا في خدمتكم -كبار السن- فاسقنا، قال الثاني: اللهم إنك أمرتنا بالعطف على المساكين ونحن مساكينك فاعطف علينا، وقال الثالث: نسيت ماذا قال. المقصود أنها مناسبة للحاجة والفاقة، لكن لو يلتزم هذا في خطبة الاستسقاء باستمرار قلنا: بدعة، فمثل هذا الدعاء المأثور سواءً صح أو لم يصح، معناه صحيح، لكنه ليس بمرفوع، ليس بمرفوع، فعلى هذا لو قاله أحد في بعض الأحيان لا مانع من ذلك، لكن لا يلتزم له وقت معين.
إذا انقطع عنها الدم بالكلية في النهار صيامها صحيح -إن شاء الله-.
الغسل المجزئ يرفع الحدث، وعلى هذا يكون المغتسل ارتفع حدثه فهو طاهر، فإذا أدخل الخفين في قدميه بعد هذه الطهارة المجزئة يمسح عليهم.
بكسرها، شفاء العِي السؤال، العي هو العجز، ولعله يقصد بذلك الفتح العَي وبعضهم يطلقه على العجز عن الكلام، وهو الإرتاج، نعم، وفي حديث ابن عمر: كيف يكون عييًا من في جوفه كتاب الله؟! الله المستعان.
مرت بنا، وأنها أقوال ثلاثة: أنه يرفع مطلقًا كالماء سواءً بسواء، والثاني: أنه مبيح ولا يرفع الحدث، والثالث: أنه يرفع رفعًا مؤقتًا، حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته.
المعروف لبسه في الخنصر والتي تليها، أما النهي عن لبسه في الأصبع الأوسط لا أعرفه.