شرح المنظومة الميمية في الآداب الشرعية (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال العلامة حافظ -رحمه الله تعالى-:

العلم أعلى حياة للعباد كما
لا سمع لا عقل بل لا يبصرون وفي الـ
فالجهل أصل ضلال الخلق قاطبة
والعلم أصل هداهم مع سعادتهم فلا
والخوف بالجهل والحزن الطويل به
العلم والله ميراث النبوة لا
لأنه إرث حق دائم أبداً
ومنه إرث سليمان النبوة والـ
كذا دعا زكريا ربه بولى
العلم ميزان شرع الله حيث به
وكلما ذُكر السلطان في حجج
فسلطة اليد بالأبدان قاصرة
وسلطة العلم تنقاد القلوب لها
ويذهب الدين والدنيا إذا ذهب الـ
العلم يا صاح يستغفر لصاحبه
كذاك تستغفر الحيتان في لجج
وخارج في طلاب العلم محتسباً
وإن أجنحة الأملاك تبسطها
والسالكون طريق العلم يسلكهم
والسامع العلم والواعي ليحفظه
فيا نضارته إذ كان متصفاً
كفاك في فضل أهل العلم أن رفعوا   

 

أهل الجهالة أموات بجهلهمِ
سعير معترف كل بذنبهم
وأصل شقوتهم طراً وظلمهم
يضل ولا يشقى ذوو الحكم
وعن أولي العلم منفيان فاعتصم
ميراث يشبهه طوبى لمقتسم
وما سواه إلى الإفناء والعدم
فضل المبين فما أولاه بالنعم
الآل خوف الموالي من ورائهم
قوامه وبدون العلم لم يقم
فالعلم لا سلطة الأيدي لمحتكم
تكون بالعدل أو بالظلم والغشم
إلى الهدى وإلى مرضاة ربهم
علم الذي فيه منجاة لمعتصم
أهل السماوات والأرضين من لمم
من البحار له في الضوء والظلم
مجاهد في سبيل الله أي كمي
لطالبيه رضاً منهم بصنعهم
إلى الجنان طريقاً بارئ النسم
مؤدياً ناشراً إياه في الأمم
بذا بدعوة خير الخلق كلهم
من أجله درجات فوق غيرهم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- مبيناً فضل العلم تتميماً لما تقدم:

فالجهل أصل ضلال الخلق قاطبة

 

...................................

وقفنا على هذا.

فالجهل أصل ضلال الخلق قاطبة

 

...................................

ولذا كان وصف الناس ووصف المجتمع قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- يوصفون بإيش؟ بالجاهلية، ويوصف من لا يتصف بالعلم بأنه جاهل، ومخالف العلم فيه جاهلية وفيه جهل.

فالجهل أصل ضلال الخلق قاطبة

 

...................................

كيف يهتدون بدون علم؟ وضد الهدى الضلال، فالذي لا يهتدي ولا هداية إلا بالعلم لا محالة سوف يضل.

فالجهل أصل ضلال الخلق قاطبة
ج

 

وأصل شقوتهم طراً وظلمهمِ

لأن من شرط أو من لازم صحة العمل العلم به قبل، كيف تصلي وأنت لا تدري وأنت لم تتعلم أحكام الصلاة؟! كيف تصوم وأنت لا تعرف أحكام الصيام؟! كيف تحج وأنت لا تعرف أحكام الحج؟! وهكذا، فالذي لا يعرف ولا يعلم هذا جاهل، والجاهل معرض لعبادته بالبطلان، الذي يعبد الله -جل وعلا- على جهل لا شك أنه سوف يقع في عبادته في أخطاء بحيث لا يؤديها على مراد الله وعلى مراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولذا جاء أمره -عليه الصلاة والسلام- أن نصلي كما رأيناه يصلي، فقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال أيضاً في المناسك: ((خذوا عني مناسككم)) إذا الشرائع لا تؤخذ إلا عن الأنبياء، فشريعة الإسلام لا تؤخذ إلا عن نبي الإسلام محمد -عليه الصلاة والسلام-، ومن زعم أن له سبيل وطريق إلى الله -جل وعلا- من غير طريقه -عليه الصلاة والسلام- فهو ضال، ضال هذا، ومن زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ويمكنه الوصول إلى الله -جل وعلا- من غير طريقه فهذا كافر، هذا كافر -نسأل الله العافية-، يعني إذا ساغ هذا في شريعة موسى، وأنه وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، فإنه لا يسع بأي حال من الأحوال أحداً أن يخرج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

والعلم أصل هداهم مع سعادتهم

 

فلا يضل ولا يشقى ذوو الحكمِ

جج

العلم يكون بالعناية بأصوله وموارده، بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن من أعرض عن الكتاب وعن السنة فلا شك أنه سوف يشقى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [(124) سورة طـه].

والخوف بالجهل والحزن الطويل به

 

وعن أولي العلم منفيان فاعتصمِ

يعني لو تصورت حال العامي المسكين الذي لا يقرأ ولا يكتب إذا جلس بمفرده، ومع ذلك لا يزاول أي عبادة، ولا يهتدي إلى شيء ينفعه في أمر دينه، لا يقرأ ولا يكتب، لا شك أنه حزين ومهموم، ومن أراد أن ينظر إلى شيء من هذا النوع فلينظر إلى العامة، حينما يأتون إلى المساجد مع الأذان، تجد عندهم حرص، عندهم حرص في المواسم يبكرون في رمضان، لكن إذا صلى الركعتين ماذا يصنع؟ لا يقرأ ولا يكتب ولا يقرأ ولا في المصحف، تجده يلتفت يميناً وشمالاً، وتضيق به الأرض ذرعاً متى تقام الصلاة، وقد ينشغل بما لا ينفعه.

وكم سمعنا ورأينا وشاهدنا من هؤلاء العوام على حرصهم ومبادرتهم إلى الصلوات لكنهم يقعون في محظورات، والسبب في هذا الفراغ، يعني كيف يقضي الوقت؟ لا بد أن يشغل نفسه بشيء، فإن لم يشغلها بالحق -الذي لا يحصل له إلا بعلم- شغلته بالباطل، تجده عنده من الفضول الشيء الكثير، يتحدث في أمور لا تمت له بصلة، بل من حسن إسلامه أن يكف عنها، وتجده ينشغل بفلان وعلان، وهذا تقدم وهذا تأخر، وهذا لابس كذا وهذا لابس كذا، حتى أن بعضهم يتحسس ثوب شخص يصلي بجانبه بيده يقول: هكذا، يقول: هؤلاء الشباب تراهم ما يحسنون الاختيار، وتجده مسكين شاريه بقيمة غالية وهم، طيب ويش دخلك؟ شاريه بقيمة، أو مهدى إليه، أو رخيص أو غالي، كل هذا سببه إيش؟ سببه الجهل، لو أنه لما تقدم إلى المسجد صلى ما كتب له أن يصلي، ثم أخذ المصحف وقرأ، أو قرأ من حفظه إن كان يحفظ انشغل عن مثل هذه الأمور، لا شك أن من أعرض عن العلم وعن مصادره وعن منابعه الكتاب والسنة فإن معيشته ضنكاً، ويحشر يوم القيامة أعمى.

"والخوف بالجهل" يخاف لأنه ما يدري ما أمامه، ما يدري امرأة تصلي وتصوم صوامة قوامة، ومع ذلك تقول لصاحبة لها: الناس إذا ماتوا وين يروحون؟ ما تدري أن هناك سؤال، وهناك إما نعيم دائم أو شقاء دائم وبعد ذلك بعث وحساب، وما تدري، وهي تصوم وتصلي مع المسلمين، سبب ذلك إيش؟ الجهل -نسأل الله العافية-.

والخوف بالجهل والحزن الطويل به

 

وعن أولي العلم منفيان فاعتصمِ

لا شك أن أهل العلم في سعادة وفي لذة وفي راحة وفي نعيم، يعني كم يتلذذ الإنسان بتلاوة القرآن، كم يتلذذ الإنسان بالعبادة التي يؤديها على وجهها، كم يتلذذ بقراءة العلم بالاطلاع على أقوال أهل العلم، بأخبار أهل العلم، هذه سعادة لا تعادلها سعادة.

العلم والله ميراث النبوة............

 

 

...................................

الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم.

العلم والله ميراث النبوة لا

 

ميراث يشبهه طوبى لمقتسمِ

طوبى لمقتسم، من يقتسم ويأخذ نصيبه من هذا الميراث طوبى له ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) هذه القسمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قسم ووزع على الناس، لكن الله -جل وعلا- هو المعطي، أعطى فلان وحرم فلان.

لأنه إرث حق دائم أبداً

 

..................................

هو الذي يثبت، أما إرث متاع الدنيا فإنه لا يلبث أن يزول، وكم من شخص ورث الملايين ثم بعد ذلك انتهت، لكن من ورث العلم كنز لا يصل إليه لص ولا صائل ولا سارق، ولا يصل إليه أحد، اللهم إلا إذا فرط به صاحبه، حامله إذا فرط به ذهب، وأعظم ذهاب له عدم استغلاله واستعماله فيما يرضي الله -جل وعلا-، أو مخالفته.

لأنه إرث حق دائم أبدا

 

وما سواه إلى الإفناء والعدم

إرث الأموال وإن طالت وإرث الحطام وإن كثر فإن مآله إلى الفناء والعدم، بحيث لا يصحبه بعد وفاته إلا عمله، ومن أعظم العمل المقرب إلى الله -جل وعلا- العلم بالنية الصالحة.

ومنه إرث سليمان النبوة..........

 

...................................

{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [(16) سورة النمل] ماذا ورث؟ ورث النبوة.

...............................والـ

 

فضل المبين فما أولاه بالنعمِ

ورث سليمان النبوة والفضل من أبيه "فما أولاه" فما أحقه وأجدره بالنعم.

كذا دعا زكريا ربه بولي

 

...................................

{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [(5-6) سورة مريم] "بولي الآل" يعني من آله من أقاربه من نسله "خوف الموالي من ورائهم" يعني خوف أن يرثه البعيد، وأحق الناس بإرث الشخص القريب، ولذا على الإنسان أن يعنى بأولاده وأسرته أكثر من عنايته بغيرهم، فهم أحق الناس ببره، أحق الناس بخيره، وقد يلاحظ على بعض أهل العلم الذين يبذلون للناس أن أولادهم ونساءهم ومن تحت ولايتهم ما استفادوا منه شيئاً، وقد يكون هذا عن تفريط، وقد يكون عدم التفريط، إلا أن الله -جل وعلا- لم يكتب له هذا الأمر، فلا يتهم أهل العلم بأنهم قصروا في نصح أولادهم وذراريهم، وأنهم غفلوا عنهم بالانشغال بغيرهم، لا، بذلوا وحاولوا وجاهدوا ومع ذلك ما كتب الله لهم شيئاً، وهذا أيضاً موجود على مستوى الأنبياء، يعني نوح على طول ما بقي مع قومه امرأته وولده استفادوا وإلا ما استفادوا؟ ما استفادوا، ولا يعني هذا أن نوح فشل في دعوته كما قال بعض الكتاب المعاصرين، يقول: نوح فشل في دعوته؛ لأنه ما استفاد منه أقرب الناس، وحتى تطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: إنه فشل في دعوته في العهد المكي، وفشل في الطائف ونجح في المدينة، هذا موجود في كتابات تتداول بين أيدي الناس، وهذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، ما الذي على الداعية؟ ما الذي على النبي؟ ما عليه إلا البلاغ، هل عليه أن يهدي الناس؟ ما يستطيع {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] هل استطاع النبي -عليه الصلاة والسلام- هداية عمه؟ نعم يهدي {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] تهدي هداية الدلالة والإرشاد والبلاغ تهدي، لكن هداية التوفيق والقبول هذه بيد الله -جل وعلا-، فكون الإنسان يمضي السنين الطويلة في تعليم الناس، وما تخرج على يديه أحد من أهل العلم، قد يكون هذا خلل في طريقته في التعليم، وقد يكون الله -جل وعلا- ما كتب له قبول، ولم يتسن لأحد أن يحمل عنه هذا العلم، قد يكون ينفق السنين الطويلة في الأمر والنهي، ومع ذلك ما تغير منكر، ولا استفاد أحد من أمره، هو عليه أن يبذل السبب، وأجره مرتب على بذل السبب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-.

فعلى الإنسان أن يهتم بالأقربين {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(214) سورة الشعراء] يهتم بهم ويوليهم نصحه وتوجيهه وعنايته وتعليمهم وتبصيرهم، ومع ذلك لا يلزم أن يستجيبوا له، النتائج بيد الله -جل وعلا-.

العلم ميزان شرع الله حيث به

 

قوامه وبدون العلم لم يقمِ

كيف تزن صلاتك هل هي صحية وإلا ليست صحيحة؟ بالجهل تزن؟ لا بالعلم، كيف تعرف أن صيامك صحيح؟ كيف تعرف أن حجك صحيح؟ إنما هو بالعلم.

عروة بن مضرس لما جاء من جبال طي وما ترك جبل إلا وقف عنده، هل عرف أن حجه صحيح وإلا باطل حتى عرض على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما عرف، ما يدري هل حجه صحيح أو باطل؟ حتى عرض ما فعله على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بين له.

العلم ميزان شرع الله حيث به
وكلما ذكر السلطان في حجج

 

قوامه وبدون العلم لم يقمِ
فالعلم..............................

يعني فالمراد به العلم، السلطان في النصوص في الحجج والخصومات والمجادلات المراد به العلم.

"لا سلطة الأيدي لمحتكم" لا أيدي ولا سلاح ولا غيره؛ لماذا؟ لأن سلطان العلم..، العلم الصحيح المبني على الكتاب والسنة هو الذي يحقق العدل، بينما سلطان اليد سلطان السلاح قد يتولاه الصالح فيكون بالعدل، وقد يتولاه الظالم الغاشم فيكون بالظلم.

فسلطة اليد بالأبدان قاصرة
 
ج

 

تكون بالعدل أو بالظلم والغشمِ
ج

نعم إذا كان ما هناك إلا قوة، فالقوة قد تستعمل في العدل، وقد تستعمل في الظلم، لكن سلطان العلم المجادلة بالعلم المحاققة بالعلم فإنها لا ينشأ عنها إلا العدل، ولذا في كثير من الأحوال لا يجدي في توجيه الناس ونصح الناس وإرشاد الناس إلا سلطان العلم، فالمجادلة لا سيما لمن كان عنده علم، أما العامي فإنه لا يجادل، إنما يبين له الحق وإلا فيؤطر عليه، أما المجادلة تكون لمن عنده علم، ولذا لما وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- معاذاً إلى اليمن قال: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب)) يعني اهتم لهم وجادلهم وناظرهم وحاورهم، أما بالنسبة للعامة ما يقال لهم مثل هذا، إنما يبين لهم الحق إن انصاعوا له، وإلا فيؤطرون على الحق.

وسلطة العلم تنقاد القلوب لها

 

 

...................................

يعني إذا بين الحكم بدليله لا شك أن القلب السوي المستمر على فطرته تنقاد لهذا السلطان.

وسلطة العلم تنقاد القلوب لها

ويذهب الدين والدنيا إذا ذهب الـ   ج

 

إلى الهدى وإلى مرضاة ربهمِ

علم الذي فيه منجاة لمعتصمِ

يذهب الدين والدنيا، كيف يذهب الدين ويذهب الدنيا؟ الدين ذهابه إذا ذهب العلم واضح، الدين إذا ذهب العلم وأهل العلم ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقض العلماء، فإذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) هذا واضح ذهاب الدين بذهاب العلم، لكن ماذا عن ذهاب الدنيا؟ "ويذهب الدين والدنيا" نعم؟

طالب:.......

يعني المراد بالدنيا هنا التي تنفع صاحبها، أما جمع الحطام والأموال وكنز الدنيا ولو كانت بحذافيرها على غير هدى، ومن غير وجوهها الشرعية، ولا تصرف في مصارفها الشرعية فهذه وبال على صاحبها، وهذا المال الذي يجمع من غير وجهه، ويصرف في غير وجوهه هذا المال لا شك أنه وبال على صاحبه، شقاء لصاحبه، يعذب به صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، فإذا ذهب العلم الذي به يوجه العمل الصالح، ويوجه به أمور الدنيا، أمور الدنيا إذا تولاها رجل عنده شيء من العلم حتى أمور الدنيا لو أن شخصاً مزارعاً وعنده علم، ولا أعني العلم بالزراعة العلم الشرعي مزارع، لا شك أن علمه ينفعه في زراعته، ينفعه في صناعته، ينفعه في شرائه، ينفعه في تسويقه لبضائعه، ينفعه في كل مجال، بينما إذا كان يتخبط لا عن علم فقد يوقع معاملات تضره.

ويذهب الدين والدنيا إذا ذهب الـ   ج

 

علم الذي فيه منجاة لمعتصمِ

والمراد بالعلم علم الكتاب والسنة المورث للخشية، وإلا العلم الذي لا ينتفع به هو من الوبال على صاحبه، وسيأتي الآفات التي تعترض طالب العلم فيما بعد -إن شاء الله تعالى-.

ويذهب الدين والدنيا إذا ذهب الـ
العلم يا صاح......................
ج

 

علم الذي فيه منجاة لمعتصمِ
...................................

"العلم يا صاح" الأصل: يا صاحبي أو يا صاحب؛ لأن المنادى المضاف لياء المتكلم تذكر فيه الياء، وتحذف على أوجه معروفة عند النحاة، وقد يحذف آخره، تحذف الباء، ويسمى هذا عندهم ترخيم، يسمونه ترخيم.

ترخيماً احذف آخر المنادى

 

كـ(يا سعا) فيمن دعا سعاد

 

العلم يـا صاح يستغفر لصاحبه

 

أهـل السماوات والأرضين من لممِ

"من لمم" يعني ذنوبهم، يستغفرون لهم، يستغفرون للعالم العامل الباذل المعلم الذي تعدى نفعه، يستغفرون له.

كذاك تستغفر الحيتان في لجج

 

من البحار له في الضوء والظلمِ

يستغفرون للعالم، ويصلون على معلم الناس الخير، وهذه نعمة ومنة من الله -جل وعلا-، كون هذه الخلائق بأسرها تستغفر لك، وتدعو الله -جل وعلا- أن يغفر لك لممك وزلاتك، هذا شيء عظيم، هذا لا يقاومه عمل الإنسان بمفرده، وإذا تذكر الإنسان أن عمله يخلد إلى قيام الساعة، وأجوره تمضي، وكم من عالم مات منذ مئات السنين وأجوره تتضاعف! يعني إذا كان بعض الصفقات المستعملة الآن اللي يسمونها إيش؟ يعني هذا الزبون جاء بزبون فيعطى من.. هاه؟

طالب:.......

الهرمية نعم، المعاملات الهرمية التي فتن الناس بها، الهرمية كم يعطونك نسبة؟ يعطونك عشرة بالمائة إذا اشتريت، وإذا جبت زبون يعطونك عشرة ثانية، وإذا جبت زبون ثالث... إلى آخره، هذه هرمية، لكن عشرة بالمائة، فكيف إذا علمت شخص، ثم هذا الشخص عمل بهذا العلم لك مثل أجره، وعلم آخر لك مثل أجر الاثنين، علم ثالث لك مثل أجر الثلاثة، وهؤلاء الثلاثة علموا ثلاثين لك مثل أجورهم، الثلاثين هؤلاء كل واحد علم عشرة لك أجور الثلاثمائة، والثلاثمائة كل واحد علم... إلى آخره، هذا الأجر الهرمي الصحيح، هذا الكنز الذي لا يجوز أن يفرط به، بل يحرص عليه أشد الحرص، يعني كم من شخص مات من مئات السنين وأجوره مستمرة إلى قيام الساعة بما استفاده الناس من علمه ومن مؤلفاته، من تعليمه، من توجهيه، من الاقتداء به، من الاستنان به، حياته كلها علم وتعليم ودعوة، في سمته وهديه دعوة، في عمله يقتدي به عامة الناس، فيكون له مثل أجورهم، في مؤلفاته التي تستمر مئات السنين كل يدعو له قال -رحمه الله-، وكل فائدة تستفاد من هذا المؤلف لك أجرها، يعني أجور لا تخطر على البال، وفضل الله واسع.

كذاك تستغفر الحيتان في لجج
وخارج في طلاب العلم محتسباً                   
ج

 

من البحار له في الضوء والظلمِ
مجاهد في سبيل الله أي كمي

مجاهد في سبيل الله، جاء في الترمذي وغيره: ((من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع)) و((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) يعني مجرد سلوك الطريق يعني ما رتب هذا الأجر على كون الإنسان يصل إلى مرتبة معينة من العلم والاجتهاد، لا، يعني مجرد ما يسلك الطريق يسهل الله له به طريق إلى الجنة.

وقد يطلب الإنسان العلم عشرات السنين ولا يكتب له منه شيء يُذكر، يستمر طالب علم، هذا خسران وإلا رابح؟ رابح، ربح كبير، وليس له إلا ما كتب له ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) قد يسلك الطريق ويلازم أهل العلم ومن الجادة المعروفة، ويتدرج في العلم، ومع ذلك يتم السبعين والثمانين وما حصل شيء، وأدركنا من هذا النوع نماذج، ما كتب الله لهم علم، ومع ذلك يدخلون في: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) ألا يكفي مثل هذا في أن يحدو ويشد من أزر طالب العلم لمواصلة الطلب، ولو لم يدرك علم؟ هذا بحد ذاته يكفي.

وخارج في طلاب العلم محتسباً      ج

 

مجاهد في سبيل الله أي كمي

الكمي في النهاية قال: الكمو الستر، وقيل للشجاع: كمي؛ لأنه استتر بالدرع، وهذا مجاهد في سبيل الله استتر بفضل الله ورضوانه عليه ومغفرته وستره لذنوبه وعيوبه.

وإن أجنحة الأملاك تبسطها

 

لطالبيه رضاً منهم بصنعهمِ

((وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)) تبسط أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وذكر النووي والحافظ ابن كثير وصاحب الشذرات وغيرهم أن رجلاً قال: سوف أحضر مجالس العلم وأطأ أجنحة الملائكة، فوضع في نعليه مسامير فلما دخل المسجد ليصنع ما ادعى ساخت به الأرض، يعني خسف به -نسأل الله العافية-، ويذكرون من هذا النوع من الاستهتار بالسنن والعقوبات المعجلة ذكروا لهذا أمثلة، منها ما يذكرها ابن كثير، ومنها ما يذكرها النووي، وذكر أيضاً ابن العماد في الشذرات شيء من ذلك.

ذكروا من ذلك الشخص الذي استاك في دبره، استعمل السواك في دبره، وهذه تواطئوا على ذكرها، قالوا: إنه ابتلي بألم في بطنه وما زال بطنه ينتفخ ينتفخ حتى تم تسعة أشهر فوضع من بطنه قطعة لحم صارت تصرخ بصوت عالي، فجاءت ابنة هذا الرجل فرضختها في حصاة حتى سكتت، هذا كله من شؤم الاستهزاء بالسنة.

وإن أجنحة الأملاك تبسطها

 

لطالبيه............................

لطالبي العلم "رضاً منهم بصنعهم" رضاً بما يصنع.

والسالكين طريق العلم يسلكهم

 

إلى الجنان طريقاً بارئ النسمِ

((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).

والسامع العلم والواعي ليحفظه
ج

 

...................................

"والسامع العلم" إعراب العلم؟ نعم؟ يعني والسامع العلمَ ولا يمكن جره، والسامع العلمِ بالإضافة يمكن وإلا ما يمكن؟ نعم؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

والسامع مضاف، والعلم مضاف إليه تجي وإلا ما تجي؟

طالب:.......

طيب ويش فائدة الإضافة والمضاف معرفة، معرف بـ(أل) {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} [(35) سورة الحـج] مضاف ومضاف إليه، ويغتفرون اقتران المضاف بـ(أل) إذا كانت الإضافة لفظية، ليست محضة ولا معنوية.

ووصل (أل) بذا المضاف مغتفر

 

إن وصلت بالثاني كـ(الجعد الشعر)

الجعد مضاف، والشعر مضاف إليه "ووصل (أل) بذا المضاف" يعني المضاف إضافة لفظية ليست حقيقية، ليست معنوية، ليست محضة، أما إذا كانت الإضافة محضة أو معنوية فلا يجوز بحال أن يقترن المضاف بـ(أل) يعني مثل ما تقول: محمد العبد الله، هذه لا تجوز بحال، ليس لها أدنى وجه في العربية؛ لأن الإضافة محضة معنوية، فلا يجوز أن تقترن (أل) بالمضاف، أما إذا كانت الإضافة لفظية فإنه يجوز "والسامع العلم" "والجعد الشعر".

ووصل (أل) بذا المضاف مغتفر
أو بالذي له أضيف الثاني

 

إن وصلت بالثاني كـ(الجعد الشعر)
كـ(زيد الضارب رأس الجاني)

 

والسامع العلم والواعي ليحفظه
فيا نضارته إذ كان متصفاً

 

مؤدياً ناشراً إياه في الأممِ
بذا بدعوة خير الخلق كلهمِ

يعني جاء في الحديث: ((نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها)) ((نضر الله امرأ)) من النظارة والحسن والبهاء "فيا نضارته".

والسامع العلم والواعي ليحفظه

 

..................................

((نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها)) وحفظها "والواعي ليحفظه * مؤدياً" ((ثم أداها)) "ناشراً إياه في الأممِ" يعني تعلم حفظ ثم بعد ذلك نشر، وكثير من أهل العلم يرى أن العالم الرباني هو الذي تعلم ثم عمل ثم علم، إذا اجتمع فيه الخصال الثلاث استحق أن يسمى ربانياً، تعلم ثم عمل بعلمه، ثم علمه غيره، وإن كان المحفوظ عن ابن عباس أنه من يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

والسامع العلم والواعي ليحفظه
فيا نضارته إذ كان متصفاً

 

مؤدياً ناشراً إياه في الأممِ
بذا بدعوة خير الخلق كلهمِ

((نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها)).

كفاك في فضل أهل العلم أن رفعوا

 

من أجله درجات فوق غيرهمِ

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] وعرفنا أن هذه الدرجات ليس المراد بها درجات السلم المعهود التي لا تزيد على الشبر، أو ما يقرب من الشبر، لا، هي من درجات الآخرة التي ما بين الدرجة والأخرى مثل ما بين السماء والأرض، والله المستعان.

كفاك في فضل أهل العلم أن رفعوا

 

من أجله درجات فوق غيرهمِ

نعم.

اقرأ.

وكان فضل أبينا في القديم على الـ
كذاك يوسف لم تظهر فضيلته
وما اتباع كليم الله للخضر الـ

مع فضله برسالات الإله له

وقدّم المصطفى بالعلم حامله
كفاهمو أن غدوا للوحي أوعية
وأن غدوا وكلاء في القيام به
وخصهم ربنا قصراً بخشيته
ومع شهادته جاءت شهادتهم

ويشهدون على أهل الجهالة بالـ

 

أملاك بالعلم من تعليم ربهمِ
للعالمين بغير العلم والحكم
معروف إلا لعلم عنه منبهم
وموعد وسماع منه للكلم
أعظم بذلك تقديماً لذي قدم
وأضحت الآي منه في صدورهم
قولاً وفعلاً وتعليماً لغيرهم
وعقل أمثاله في أصدق الكلم
حيث استجابوا وأهل الجهل في صمم
مولى إذا اجتمعوا في يوم حشرهم

 

 

يقول -رحمه الله تعالى- بعد ذلك:

"وكان فضل أبينا" آدم -عليه السلام- "في القديم" في الزمن المتقدم، فضل آدم على الملائكة بأي شيء؟ بالعلم {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ} [(31) سورة البقرة] وكان جواب الملائكة {لاَ عِلْمَ لَنَا} [(32) سورة البقرة] ففضل آدم في الزمن المتقدم، أو فضل آدم على الملائكة بالعلم.

وكان فضل أبينا في القديم على الـ
كذاك يوسف لم تظهر فضيلته

 

أملاك بالعلم من تعليم ربهمِ
للعالمين بغير العلم والحكمِِ

{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] لماذا؟ قبل ذلك بالعلم فضل، بالتأويل فضل على غيره، بتأويل الرؤيا، وهي ضرب من العلم، لا سيما وأنه مؤيد بالوحي، أما من يتخبطون ويتخرصون ويؤولون ما وقع وما لم يقع هؤلاء شأنهم آخر، لكن من أيد بالوحي لا شك أنها من مزاياه ومن فضائله، يوسف لم تظهر فضيلته للعالمين لما رأى العزيز الرؤيا، ولم يجد من يؤولها إلا يوسف ظهر فضله على غيره، واستعمل التأويل في السجن لمن رآها، واستغل هذا العلم في الدعوة، ظهر فضله على الناس، ثم بعد ذلك ظهر فضله بالعدل، والحكم بين الناس بالإنصاف، وهذا كله نتيجة لما علمه الله -جل وعلا-.

كذاك يوسف لم تظهر فضيلته
وما اتباع كليم الله للخضر الـ

 

للعالمين بغير العلم والحكمِ
معروف إلا لعلم عنه منبهم

موسى -عليه السلام- قام خطيباً في بني إسرائيل، فسأله سائل من أعلم الناس؟ قال: أنا، الأصل أن يقول: الله أعلم، فقيل له: إن عبدنا فلان بمجمع البحرين، وضع له علامة، إذا وصلت أو وجدت هذه العلامة فتجده، فذهب إليه، فحصل ما حصل، وجلس موسى وصحب الخضر صحبة المتعلم للمعلم، وفعل الخضر أفعال خفيت أسرارها وحكمها على موسى الكليم، وهو من أولي العزم، وهو أفضل من الخضر، لكن مع ذلك لما كان عنده شيء من العلم أُمر بالذهاب إليه، ولهذا لا يستنكف طالب العلم أن يسمع ممن دونه، أو من زميله من مثيله، ولا ينبل طالب العلم حتى يأخذ العلم عن من هو دونه، ومن فوقه، ومن مثيله ونظيره.

وما اتباع كليم الله للخضر الـ

 

معروف إلا لعلم عنه منبهمِ

منبهم ومستبهم، يعني لما الخضر قتل الغلام، لما خرق السفينة، لما أقام الجدار هذه أمور انبهمت على موسى، وأما الخضر: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [(82) سورة الكهف] بإلهام الله -جل وعلا- له.

مع فضله برسالات الإله له

 

 

...................................

موسى رسول والخضر ليس برسول، واختلف في نبوته هل هو نبي أو رجل صالح؟ معروف الخلاف عند أهل العلم، لكن موسى رسول، بل من أولي العزم، من أفضل الرسل.

مع فضله برسالات الإله له

 

 

وموعد...........................

يعني له موعد مع الله -جل وعلا-، ثلاثين، ثم زيد عشر: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [(142) سورة الأعراف] "وموعد وسماع" موسى الكليم، يعني من أعظم فضائل موسى أن الله -جل وعلا- كلمه بدون واسطة.

وسماع منه للكلم، سمع من الله -جل وعلا- كلامه بصوت وحرف يُسمع.

وقدّم المصطفى بالعلم حامله
ج

 

أعظم بذلك تقديماً لذي قدمِ

حامل العلم لا شك أنه مقدم على غيره، مقدم في كل مجال، في الإمامة الصغرى والكبرى ((يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله)) ثم ثم ثم، وكذلك الكبرى، وغير ذلك من المواقف، يعني في الجنائز أمام الإمام، من الذي يقدم؟ من الذي يؤخر؟ كل هذه الأمور تقديم فيها في جميع أمور الحياة إنما هو بالعلم.

وقدّم المصطفى بالعلم حامله

 

أعظم بذلك تقديماً لذي قدمِ

"أعظم بذلك تقديماً لذي قدم" يعني صاحب قدم صدق، رسوخ في هذا الباب.

كفاهمو أن غدوا للوحي أوعية

 

....................................

{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت].

كفاهمو أن غدوا للوحي أوعية

 

وأضحت الآي منه ................

آي القرآن، آيات القرآن "في صدورهم".

وأن غدوا وكلاء في القيام به

 

قولاً وفعلاً وتعليماً لغيرهمِ

ج

وكلاء ينوبون عن صاحب الرسالة، فهم وراثه، يقومون بالعلم، يقومون بالتعليم، بتعليم الكتاب، وما ورثوه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقولهم، بأقوالهم، بأفعالهم، ويعلمون غيرهم ذلك.

وأن غدوا وكلاء في القيام به
وخصهم ربنا قصراً بخشيته

 

قولاً وفعلاً وتعليماً لغيرهمِ
وعقل أمثاله في أصدق الكلمِ

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] (إنما) أداة قصر وحصر، فالذي لا يعلم عظمة الله -جل وعلا-، وما جاء عن الله فإنه لن يصل إلى هذه الغاية وهي خشية الله -جل وعلا-، كما أنه أيضاً على طريق إيش؟ الطرد والعكس، يعني الذي لا يعلم لا يخشى الله -جل وعلا-، والذي لا يخشى الله -جل وعلا- ليس من أهل العلم؛ لأن الله -جل وعلا- قصر الصفة على الموصوف والموصوف على الصفة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فالذي لا يعلم لا يخشى، من أين؟ موارد الخشية مورد الخشية هو العلم، والذي لا يخشى على طريق العكس أيضاً لا يستحق أن يسمى عالماً.

وخصهم ربنا قصراً بخشيته

 

وعقل أمثاله.......................

الأمثال لا يعقلها إلا العالمون، ولذا كثير من أهل العلم إذا استغلق عليه فهم مَثَل من الأمثال اتهم نفسه بقلة العلم؛ لأن الله -جل وعلا- ذكر ذلك {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] فدل على أن الذي لا يعقل هذه الأمثال التي ضربها الله -جل وعلا- في كتابه، وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يعقل هذه الأمثال ليس بعالم، ولذا هذه الأمثال ينبغي أن تكون محل عناية واهتمام من طالب العلم؛ لأنها ما ضربت عبث.

...................................
ومع شهادته جاءت شهادتهم

 

وعقل أمثاله في أصدق الكلمِ
...................................
جج

{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران].

ومع شهادته جاءت شهادتهم

 

حيث استجابوا.....................

حيث استجابوا لأمر الله -جل وعلا-، وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وامتثلوا، لزموا وسلكوا طريق العلم.

...................................

 

حيث استجابوا وأهل الجهل في صممِ

ج

أعرضوا وأصموا آذانهم عن هذا النداء الإلهي والنداء الذي جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والحث العظيم على طلب العلم، أهل الجهل صموا آذانهم، وأهل العلم استجابوا فتعلموا وعملوا وعلموا "وأهل الجهل في صممِ".

ويشهدون على أهل الجهالة بالـ

 

مولى إذا اجتمعوا في يوم حشرهمِ

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] من أجل إيش؟ {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [(143) سورة البقرة] لكن الذي لا يدري ما يشهد به كيف يشهد؟ إنما الذي يشهد من عنده العلم بما يشهد به، والجاهل لا يستطيع أن يشهد؛ لأن الشهادة إنما تكون على معلوم لا على مجهول، والجاهل لا يستطيع أن يشهد على مجهول، إذاً لا يشهد إلا العالم.

نكتفي بهذا، نقتصر على هذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"
البيت الذي جاء في درس الأمس في قول الناظم.

يكفيك في ذاك أولى سورة نزلت
على نبيك أعني سورة القلمِ
هذا يقول: أليس أول سورة هي سورة العلق؟
لأن بعضهم قال: إن المراد بالبيت سورة (ن والقلم) لكن قوله:
يكفيك في ذاك أولى سورة نزلت
...................................
ولم يدعِ أحد من أهل العلم أن سورة (ن والقلم) هي أول ما نزل، يعني الخلاف بين (اقرأ) و(المدثر) وجاء في الحديث الصحيح إن أول ما نزل المدثر، لكن عامة أهل العلم على أن أول ما نزل (اقرأ).
يكفيك في ذاك أولى سورة نزلت
على نبيك أعني سورة القلمِ
لماذا لم يقل العلق؟ أولاً: الوزن يقتضي هذا، الوزن يقتضي أن تكون سورة القلم، وسمّاها سورة القلم لذكر القلم فيها.

يقول: آمل أن تبينوا لي منهجاً علمياً بترتيب المتون التي يمكن تعليمها لطفل عمره تسع سنوات فما فوق، وحافظته جيدة، يحفظ ما يعادل ثلاثة أسطر ونحوها يوماً، إذا زاد قد لا يستطيع ذلك، فما هي المتون التي يمكن أن يحفظها؟

عليه أولاً: أن يبدأ بحفظ المفصل، ثم يزيد عليه تدريجياً، ويحفظ مع ذلك الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، والأربعين النووية، ويحفظ صغار المتون.

يقول: ما هي الآية المقصودة في سورة النعم التي هي سورة النحل؟

ترددنا بالأمس هل هي قوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] وقلنا: إنها توجد أيضاً في غيرها في سورة الأنبياء، وذكرنا أمس أو ذكرنا بعض الإخوة، هاه؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [(78) سورة النحل] فامتن عليهم بعد ذلك بالعلم بأن جعل لهم وركب فيهم الآلات التي بها يحصل العلم.

وهذا يقول: انتهيت من حفظ البلوغ فماذا أفعل؟

إن كنت قد حفظت المتون التي قبل البلوغ، حفظت الأربعين، حفظت العمدة، حفظت البلوغ بعد ذلك، حفظت في العلوم الأخرى فأنت حينئذٍ تنشغل بعد ذلك بالكتب الأصلية المسندة.

يقول: البعض ممن يقرؤون ويكتبون يلتفتون بين الأذان والإقامة، فما هو الفرق بين العامي والمتعلم في الانشغال عن فضيلة الزمان والمكان؟

نعم يوجد التفريط من بعض المتعلمين، التفريط موجود من بعض المتعلمين، والسبب في ذلك أنهم فرطوا في وقت السعة، ولو حفظوا أوقاتهم في السعة لحفظت عليهم في أوقات الحاجة، إذا اشتدت الحاجة إلى مثل هذا العمل الصالح في الأماكن في الأزمان الفاضلة إذا كانوا قد تعرفوا على الله -جل وعلا- في رخائهم عُرفوا في شدتهم، وإلا فالوصية لطالب العلم أن يستغل أنفاسه بما ينفعه في آخرته، ويوصله إلى مرضاة ربه، فقد يقول قائل: والله الآن ما بقي على الإقامة إلا شيء يسير الآن حانت الإقامة، فما يمديني أقوم وأخذ مصحف وأقرأ، يا أخي مد يدك إلى المصحف، وافتح المصحف، وانظر في عهد ربك، واقرأ ما تيسر لك، وما يدريك لعل الإمام يتأخر، فتكون كسبت لك كم آية، وفي كل حرف عشر حسنات، يعني الصفحة الواحدة كم فيها من حسنة؟ الجزء الواحد فيه مائة ألف حسنة، إذا قسمت المائة ألف على العشرين ظهر في الصفحة الواحدة التي تقرأ في دقيقة خمسة آلاف حسنة، يعني حرمان، في دقيقة واحدة تكسب خمسة آلاف حسنة ويقول: لا، ما يمدينا، هذا حرم نفسه، والله المستعان.