كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 04

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر في كتاب البيوع:

وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه، والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط جماعة من أئمة المسلمين.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-."

لحظة لحظة الحديث الذي قبله شُرح؟

نعم أحسن الله إليك.

مؤكَّد؟

بقي فيه منه جزئية، نعم بقي منه جزئية، شُرح جزء منه يا شيخ، أحسن الله إليك.

"وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة. رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

 ولأبي داود: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهم أو الربا.

 وعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه، والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط جماعة من أئمة المسلمين."

الحديث الحديث من أئمة الحديث.

عندي من أئمة المسلمين يا شيخ النسخة التي عندي.

أحسن الله إليك.

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لنفسي لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت، فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وأبو حاتم البستي والدارقطني والحاكم.

 وعنه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، وآخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله رويدك، أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء»، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك.

وروى داود بن أبي هند هذا عن سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفًا.

 وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وعن الثنيى إلا أن تعلم، رواه أبو داود والنسائي وهذا لفظه، والترمذي وصححه.

 وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة، رواه البخاري.

 وعن طاوس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تلقوا الركبان ولا بيع حاضر لباد»."

لا يبيع.

أحسن الله إليك.

"«ولا يبيع حاضر لباد»، قلت لابن عباس ما قوله: «لا يبيع حاضر لباد»؟ قال: لا يكون له سمسارًا، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار»، رواه مسلم.

 وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لبادٍ، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 ولمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يُسِم..»"

يَسُم.

أحسن الله إليك.

"«لا يَسُم المسلم على سوم أخيه»."

يكفي يكفي.

أحسن الله إليك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه رضي الله عنه" يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق، وقد جرت عادة المؤلفين في المختصرات أنهم لا يكررون الاسم، بل يعيدون إليه بالضمير؛ طلبًا للاختصار ولعدم اللبس، فإن هذا مقبول بلا شك، أما لو وجد لبس بأن يكون الحديث مرويًّا عن اثنين مثلاً عن أبي هريرة وابن عمر ثم يقول: وعنه لا، ما يجيء باعتبار أن أبا هريرة تقدم ما يصح؛ لأن فيه لبسًا، أما إذا كان مفردًا قيل: وعن أبي هريرة، ثم قيل في الحديث الذي يليه: وعنه، معلوم أنه يعود إلى من صُرِّح به في الحديث الذي قبله، وهو أبو هريرة.

 "وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة".

 يعني أبيعك كذا على أن تبيعني كذا، أبيعك البيت على أن تبيعني السيارة، هاتان بيعتان في بيعة، وليس المراد به أن النهي عن بيع سلعتين في صفقة واحدة كأن يبيعه البيت والسيارة بمبلغ كذا، لا، لكن يبيعه البيت على أن يبيعه سيارته بكذا، بيعتين في بيعة، أو يدخل عقدًا مع عقد آخر مما له حكم البيع كالإجارة، أؤجرك كذا على أن تبيعني كذا، وهكذا نهى عن بيعتين في بيعة، ويُمكِن جمعه أو جمع معناه مع ما يليه مع الحديث الذي يليه.

 "رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

 ولأبي داود: «من باع بيعتين في بيعة من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما»" يعني أقلهما في السعر، في القيمة، «أو الربا»، أو يقع في الربا، يعني قال له: أبيعك هذه السيارة بخمسين ألفًا نقدًا أو بسبعين ألفًا نسيئة، ويفترقان على هذا الأساس من غير أن يتم العقد على أحدهما، إنما هو مطلق، فالبيع لا يصح، أبيعك هذه السيارة على أنها بخمسين ألفًا نقدًا أو بسبعين ألفًا نسيئة أو بستين ألفًا، هذا لا يجوز؛ لأنه يفضي إلى النزاع والشقاق، وحينئذ ليس للبائع إلا أوكسهما، يعني أقلهما، وهي الخمسين الألف أو الربا، يعني أخذ الزيادة وهو مرابٍ؛ لأن الزيادة زيادة في القيمة لم تثبت له في أصل العقد، وإنما الذي ثبت له في أصل العقد هو الأقل، الأوكس أو الربا.

 "وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل سلف وبيع»".

 سلف وبيع يعني قرض وبيع في صفقة واحدة، أقرضك ألفًا وتشتري هذه السلعة بألف، أو أبيعك هذه السلعة بألف على أن تقرضني ألفًا هذا سلف وبيع، لا يحل ذلك، لماذا؟ لأن هذا القرض إنما مشى بينهما ووافق عليه الطرف الآخر؛ لأنه مستفيد، وكل قرض جر نفعًا فهو ربا، أبيعك هذه السيارة بألف على أن تقرضني ألفًا، هذا سلف وبيع، أو أبيعك هذه السيارة بألف ومائتين وهي ما تستحق إلا ألفًا وأقرضك ألفًا لا شك أنه منتفع بهذا القرض والقرض الذي يجر نفعًا من باب الربا، وكل قرض جر نفعًا هو ربا عند عامة أهل العلم.

 «ولا شرطان في بيع، ولا شرطان في بيع»، والمراد بهذين الشرطين عند شراح الحديث محمول على الشروط الباطلة التي لا تصح وتخالف ما في كتاب الله، وحينئذ لا تنفذ هذه الشروط ولو كانت مائة شرط، كما جاء في حديث قصة بيع بريرة.

 طيب ماذا عن الشرط الواحد؟ يعني أكثر من شرط من باب أولى، لكن شرط واحد، شرط واحد إذا كان من الشروط الفاسدة التي تنافي مقتضى الشرع أو مقتضى العقد الشرط الواحد كذلك لا يجوز. طيب حديث قصة جمل جابر حينما اشترى منه النبي -عليه الصلاة والسلام- جمله واشترط جابر حملانه إلى المدينة، وقد تقدم هذا بيع وشرط، جاء في الحديث: نهى عن بيع وشرط، لكنه ضعيف، لكنه ضعيف في سنده وفي معناه، حيث هو مخالف لما جاء في حديث جابر من اشتراط حملانه إلى المدينة، وبعض أهل العلم يصحح الحديث، ويعمل به، فيجعل البيع مجردًا عن جميع الشروط، ولا شرط واحد، ويقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اشترى الجمل، ليس هذا بعقد بيع، وإنما هو عقد إرفاق؛ لأنه في قرارة نفسه أن يعيده إليه مع القيمة التي ذكرها له، وليس هذا من باب البيع.

 وعلى كل حال قصة بيع جمل جابر واضحة، وأنها بيع في أول الأمر، ثم أعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- ووهبه له، فالشرط الواحد إذا كان لا ينافي مقتضى العقد صحيح، وماذا عن الشرطين الذين لا ينافيان مقتضى العقد؟ اشترى ثوبًا واشترط على البائع تفصيله وخياطته وغسله وكيه، الشروط هذه ما تنافي مقتضى العقد، فهي صحيحة عند كثير من أهل العلم، وبعضهم يقول: إذا اشتمل البيع على شرطين فأكثر ولو كانت لا تنافي مقتضى العقد تدخل في هذا الحديث.

 وعلى كل حال من اشترى ثوبًا واشترط على البائع أن يفصله له، ويخيطه له، أو زاد على ذلك من الشروط فالمسألة خلافية بين أهل العلم، والأحوط ترك ذلك، الأحوط ترك ذلك، يعني يشتري الثوب من محل، والخياطة في محل ثانٍ لا شك أن هذا أحوط؛ لأن الخياطة مستلزمة للتفصيل، الخياطة مستلزمة للتفصيل، ولو كانت شرطًا واحدًا، الأمر سهل؛ لأن حديث نهى عن بيع وشرط  مضعف عند أهل العلم، ولا شرطان في بيع.

 وعلى كل حال أهل العلم يختلفون، يعني من شراح الحديث يختلفون اختلافًا كبيرًا في معنى ولا شرطان في بيع، وقد وضح ذلك الخطابي في معالم السنن، وكذلك ابن القيم في تهذيب السنن بتفصيل ينبغي لكل طالب علم أن يرجع إليه، ولكن خلاصته ما ذكرت.

 «ولا ربح ما لم يضمن، ولا ربح ما لم يُضمَن، ما لم يُضمن» يعني لم يتم ملكه ولم يدخل في ضمان المشتري، يعني ما تم العقد لا يجوز بيعه، يعني تشتري سلعة وتشترط الخيار مثلاً لك، وعلى هذا ما تم البيع فليست السلعة من ضمانك أو تأخذها لتستشير فيها أحدًا على أنك تستشير فيها أحدًا وتخرج بها إلى السوق، فإن أتت بربح بعتها ورجعت تقول: اشتريت، أنت إلى الآن ما دخلت في ملكك، ولا في ضمانك، وعلى هذا لا يجوز لك أن تبيعها.

 «ولا بيع ما ليس عندك، ولا بيع ما ليس عندك» كثير من الناس يتحايل، ويأتيه الزبون ويقول: أريد السلعة كذا وليست عنده، عند جاره أو عند تاجر آخر، ويعرف أنه يبيعها ذلك التاجر بمبلغ كذا، ويطلب من هذا الراغب في شرائها مبلغًا أكثر، وهي ليست عنده، وهي ليست عنده، فإذا وافق ذهب إلى صاحب المحل وقال: أريد أن أشتري كذا، يأتي يقول: أنا أريد سيارة هذه صفتها وهذا موديلها ثم يقول له: بستين ألفًا، وهو يعرف أن هذه بالوكالة بخمسين ألفًا، ويذهب إلى الوكالة فيشتريها بخمسين ألفًا، ثم يبيعها، ثم يعطيه هذا باعتبار أنه باعها عليه قبل أن يملكها، هذا بيع ما ليس عندك.

 "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه والحاكم، وقال: صحيح على شرط جماعة من أئمة الحديث، صحيح على شرط جماعة من أئمة الحديث".

 العادة عند الحاكم أنه يقول: صحيح على شرط الشيخين، على شرط البخاري ومسلم، أو يقول: صحيح على شرط البخاري، أو يقول: صحيح على شرط مسلم، أو يقول: صحيح فحسب، ولا يقول: على شرط أحد، فإن كان الحديث ممن خرَّج لرواته الشيخان قال: صحيح على شرط الشيخين، وإن كان الحديث ممن خرج لرواته جميعهم البخاري قال: صحيح على شرط البخاري، وإن كان الحديث ممن خرج لرواته مسلم قال: صحيح على شرط مسلم، وإن كان الحديث مخرجًا لرواة لم يخرج لهم أو لبعضهم الشيخان أو أحدهما فإنه يقول: صحيح فحسب، صحيح فحسب، أما أن يقول: صحيح على شرط جماعة من أئمة الحديث! مَن هؤلاء الجماعة؟ وهل هم ممن اشترط الصحة؟ كابن خزيمة وابن حبان، هل هم ممن اشترط الصحة ليقال: صحيح على شرط ابن خزيمة، صحيح على شرط ابن حبان؟

 هذا لا شك أنه أسلوب غريب نادر فيما يذكر عن الحاكم. والعادة أنه يعتني بشرط الشيخين البخاري ومسلم، ثم بعد ذلك يختلف العلماء في مراد الحاكم بشرط الشيخين اختلافًا كبيرًا، لكن قوله في مقدمة المستدرَك: وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث خرَّج لرواتها الشيخان، أو احتج برواتها الشيخان، أو احتج بمثل رواتها الشيخان، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث احتج بمثل رواتها الشيخان ثم يأتون إلى المثلية هل تلتزم المطابقة أو أن المثل غير الشيء، كلام يحتاج إلى تفصيل طويل.

 المقصود أن ما ذكر هنا نقلاً عن الحاكم فيه غرابة، بل هو نوع فريد على غير ما يستعمله الحاكم في المستدرك، فهو يعتني بشرط الشيخين صحيح على شرط جماعة من أئمة الحديث، طيب هل يمكن أن يقال: صحيح على شرط أبي داود؟ هل من شرط أبي داود الصحة؟ هل يقال: صحيح على شرط الترمذي؟ أو يقال: صحيح على شرط الترمذي يعني فيما يصححه الترمذي؟

صحيح على شرط الترمذي فيما يصححه ثم بعد ذلك ما يحال إليه من تصحيح الترمذي فيه شيء من الغموض؛ لأن الترمذي قد يصحح والإسناد فيه كلام، يصحح والإسناد فيه شيء من الانقطاع، يصحح وفي بعض الرواة من تُكُلِّم فيه؛ نظرًا لأن للحديث شواهد يشير إليها بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، فهي بمجموعها يصح عنده، وبمفرده لا يصل إلى درجة الصحة، فيجمع حينئذ بين الصحة والحسن.

 على كل حال مثل هذا الأسلوب نادر، وفهمه يحتاج إلى تأمُّل طويل؛ لأنه لما يقول: صحيح على شرط جماعة من أئمة الحديث فإن كان مراده ممن اشترط الصحة كابن حبان وابن خزيمة فليبين، أما من عداهم ممن لم يشترط الصحة فلا يمكن أن ينطبق عليه هذا الكلام، ومثل ما قلنا: لا يمكن أن يقال: صحيح على شرط أبي داود، على شرط النسائي، أو على شرط ابن ماجه، أو ما أشبه ذلك، على أنه يمكن أن يقال: صحيح على شرط الترمذي، يعني فيما ينص على تصحيحه في جامعه.

 قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ابتعت زيتًا في السوق، ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لنفسي" استوجبته لنفسي يعني تم العقد بالإيجاب والقبول، تم العقد، لكنه لم يتم القبض المعتبَر في مثله، فلما استوجبته لنفسي يعني وجب البيع بالإيجاب والقبول.

 "لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا" هذا الزيت، "فأردت أن أضرب على يده" يعني أواقف على البيع فهو أوجب البيع بالثمن المعلوم، فأردت أن أوافقه على البيع وأقبل ما عرض به علَيّ، فأردت أن أضرب على يده، ومنه الصفق أو الصفْقة، الصَّفْقَة البَيْعَة، والصفق يكون بالأيدي أصله المحسوس.

 ثم قال: "فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجل من خلفي بذراعي" مسك يدي؛ لأنهم كانوا إذا تبايعوا كل واحد يمد يده إلى يد الآخر، وقد يكون معها شيء مما يشبه التصفيق يد بيد، يكون فيه شيء له صوت، وهذا الأصل في تسمية الصَّفْق في الأسواق المراد به البيع، فأخذ رجل من خلفي بذراعي قبل أن أضرب على يده، "فالتفت فإذا زيد بن ثابت" الصحابي الجليل "فقال: لا تبعه حيث ابتعته" يعني في المكان الذي اشتريته فيه، لا تبعه في هذا المكان، "حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السلع حيث تُبتَاع" يعني حيث تشترى، في المكان الذي اشتُريَت فيه السلع.

 وهذا لفظ عام يشمل الطعام وغير الطعام، مع أنه جاء في حديث خاص بالطعام: نهى أن يبتاع الطعام حتى يحوزه التجار إلى رحالهم.

 قال: "نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" فالسلع أعم من الطعام، والزيت طعام أم غير طعام؟

طعام، فمقتضى الحديث أنه لا يجوز أن تباع السلعة في مكانها الذي اشتُريَت فيه، فلا بد أن تقبض قبضًا شرعيًّا معتبرًا في مثلها وعموم السلع لاسيما ما يمكن نقله منها لا بد من نقلها، لا بد أن يحوزها المشتري إلى رحله، هل نقول: إن هذا خاص بالتجار، وأما غيرهم ممن يزاول البيع مرة أو مرتين أو ما أشبه ذلك مما لا ينطبق عليه وصف التجارة؟ لا؛ لأن من يبيع مرة واحدة هذا تاجر يبيع ويشتري مع الناس.

 نهى أن تباع السلع، ولا شك أن النهي في الطعام أشد؛ لأنه جاء ما يخصه، هل نقول: إن الخاص مقدَّم على العام فيقتصر النهي على الطعام أو لا؟ لأنه نهى أن تباع السلع، وفي حديث آخر نهى أن يباع الطعام حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وهنا السلع هل نقول: الخاص مقدَّم على العام ونخصص هذا الحديث بالحديث الثاني الذي نُصَّ فيه على الطعام؟ يخصص أم لا؟ هذا الحديث مخصوص، لكن هل هو مخصوص بالطعام أو بما لا يمكن نقله عن محل بيعه الأول؟

 أما ما لا يمكن نقله كالعقار مثلاً العقار لا يمكن نقله، هذا لا شك أنه مخصوص من هذا الحديث، مخصوص بإيش؟ بالنص، بالعقل؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: .................

بالعقل ما يمكن نقل الأرض {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [سورة النمل:23]، بلقيس أوتيت من كل شيء، هل أوتيت مما أوتي سليمان؟ أوتيت مما أوتي سليمان؟ لا، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأحقاف:25] دمرت السموات والأرض؟ لا.

 هل نقول: إن هذا من المخصوص بالعقل أو من العام الذي أريد به الخصوص؟ ماذا نقول؟ يمكن أن نقول: إنه من العام الذي أريد به الخصوص، نأتي إلى لفظ السلع اللفظ العام عرفنا أنه مخصوص أو أريد به الخصوص، لكن هل يمكن تخصيصه بالطعام للتنصيص عليه وهو فرد من أفراد هذا العام، أو نقول: إن التنصيص على الطعام وهو فرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص، لماذا؟

لأنه سيق بحكم موافِق لحكم العام، حكم الخاص موافِق لحكم العام وهو النهي عن بيعه حيث يبتاع، يعني ما فيه تعارض بينهما، ما فيه تعارُض، يعني لو جاء إباحة بيع الطعام في مكانه قبل أن يُنقَل وقبل أن يحاز قلنا: يخص الحديث بالطعام؛ لأن الحكم مختلف، أما إذا كان الحكم حكم الخاص موافِقًا لحكم العام فإنه لا يقتضي التخصيص، والتنصيص على هذا الفرد من أفراد العام إنما هو للاهتمام بشأنه والعناية به، فيكون حكم الطعام أشد من غيره من أنواع السلع، ويبقى أن الحديث دليل على أنه لا يجوز أن تباع السلع وهي في مكانها، وتصرفات كثير من المسلمين مخالفة لهذا، بل في بعض اختيارات بعض المذاهب ما يخالف هذا الحديث، وقالوا: إن منهم من قال: إن قبض كل شيء بحسبه، المعدود بعدِّه، والمذروع بذرعه، والمكيل بكيله، وما أشبه ذلك.

 يعني تعده في مكانه تشتري أكياس رز وتكتفي بعدها، وهذا قبضها، لكن هل هذا موافِق لحديث نهى أن يباع الطعام حتى يحوزها التجار إلى رحالهم؟ هذا مخالِف مخالَفة صريحة؛ لأن الرز طعام، طيب حديد أو إسمنت تشتريه من التاجر أو يبيعه عليك التاجر، وهذا كثير في مسائل المعاملات الحاضرة لاسيما في بيع التورُّق حينما يكون المشتري لا يريد السلعة، ولا حاجة له بها ويستوي عنده أن تبيع عليه أي سلعة كانت إنما يريد قيمتها، وهذا في مسألة التورق، ويتسامحون في مثل هذا، ويوكلون البائع يبيع على من شاء، ولا يقبضون قبضًا شرعيًّا معتبرًا، بل قد تكون السلعة في قارة أخرى، خشبًا في البرازيل، يعطيك خشبًا في البرازيل كيف تحوزه إلى رحلك؟ كيف يتم قبضها؟!

يقولون: وكلنا نقبض لك، وكل هذا من التلاعب في شرع الله.

 ولذلك في مسألة التورق، وهي في أصلها ضعف عند أهل العلم، يعني أجازها جمهور أهل العلم؛ من أجل مسيس الحاجة إليها، وإلا فابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام ابن تيمية يحرِّمونها، جمهور أهل العلم على إباحتها وجوازها؛ لأنها تحل إشكالًا، وفيها مندوحة للمسلم أن يرتكب الربا الصريح المجمَع على تحريمه، لكن لا بد أن تراعى الشروط الشرعية، تشتري سلعة تحوزها إلى رحلك، تشتريها من التاجر الذي يبيعها عليك بثمن أكثر في مقابِل الأجل، ثم تحوزها إلى رحلك ثم تبيعها على من شئت غير التاجر الأول؛ لئلا تكون من باب العينة المحرَّمة، وذلك خير ما يتعامَل به من السِّلَع في مسألة التورق السيارات، يسهل عليك أن تأخذ المفتاح وتطلعها من المعرض أو من الوكالة، ولا يلزم مع ذلك أن تنقلها، تنقل اسمك بالاستمارة، وكذا البيع إيجاب وقبول، تبيعها على من شئت.

 المقصود أنك تخرجه من المعرض وتحوزها إلى رحلك ثم تبيعها على من شئت، أما أن يشتروا ويبيعوا أطنان الحديد ثم يقولون: والله صعب أن ننقله إلى رحلنا، معلوم أنت لا تريد حديدًا، ولا تريد الرز، ولا تريد سيارات، تريد القيمة، إذًا لا بد أن تحوزها، لا بد..

ولذا يقول: نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، التمر والخضار والفواكه يؤتى بها من المزارع إلى حيث تباع في الأسواق في أسواق الخضار في سيارات في صناديق بسيارات، ثم يبيعها صاحبها على شخص ممن يشتري الجملة ويفرِّد، أو يبيعها جملة ثم يشتريها في مكانها ويبيعها وهي في سيارتها، هذا جائز أم غير جائز؟

لا يجوز حتى يحوزها إلى رحله، ورحله المكان الذي يختص به.

 المقصود أنه لا يبيعها حيث تبتاع، أقل الأحوال أن ينقلها من مكان إلى مكان، لا يبيعها حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وعرفنا أن النهي ثابت في جميع السلع التي يمكن أن تحاز، أما ما لا يمكن حيازته فإنه مستثنى بلا شك، كيف ينقل أرضًا؟ كيف ينقل نخلًا مغروسًا من عشرات السنين؟ هذا لا يمكن، إنما يكون قبضه بالتخلية، صاحبه البائع يخلي بينك وبينه وتتصرف فيه، وأما ما يمكن نقله فلا بد من نقله.

 "رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وأبو حاتم البستي والدارقطني والحاكم.

 وعنه" يعني عن ابن عمر- رضي الله عنهما- راوي الحديث السابق، "قال: كنتُ أبيع الإبل بالبقيع، كنتُ أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير" يعني من الذهب يبيع البعير بخمسة دنانير مثلاً من الذهب، "وآخذ الدراهم" يبيع البعير بخمسة دنانير، طيب هل يلزم التقابض بين الإبل والدنانير؟

ما يلزم تقابض، طيب اشترى البعير وذهب به، ثم من الغد أو بعد غد جاءه صاحبه يقاضيه قال: هات خمسة دنانير، قال: والله ما عندي إلا خمسين درهمًا يجوز أم ما يجوز؟

 يقول: "فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم" يعني من الفضة، وأبيع بالدراهم، يبيع بخمسين درهمًا فيقول: لك، والله ما عندي إلا خمسة دنانير، تنتظر حتى أذهب إلى الصرف، أصرف وأعطيك؟ "وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه" يعني هذه الدراهم من هذه الدنانير وهذه الدنانير من هذه الدراهم.

 "فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله، رويدك" يعني أمهلني قليلاً، أو انتظر قليلًا يا رسول الله، "أسألك" أريد أن أسألك، عندي سؤال، "إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير" الصورة واضحة أم غير واضحة؟

طالب: ..........

طيب.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

نعم تبيع بالريالات وتأخذ بالدولار مثلاً أو العكس.

"إني أبيع الإبل بالبقيع؛ فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه وأعطي هذه من هذه".. يعني ذكر الصورة واضحة، وهكذا ينبغي أن يكون السؤال من المستفتي واضحًا، ما فيه خفاء ولا غموض، وإذا كان فيه شيء من الغموض فإن على المفتي أن يستفصل من السائل؛ ليأتي الجواب مطابقًا للسؤال.

طالب: ..........

الدينار أربعة أسباع الجنيه، أربعة أسباع الجنيه، والجنيه ثمانية قراريط، والقيراط قيمته بالسوق كم؟ مائة؟ أو تزيد؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

نفترض أنه بمائة، يزيد أو ينقص، فالجنيه ثمانمائة، وأربعة أسباعه كم؟ إذا قلت: النصف أربعمائة قريب خمسمائة، خمسمائة ريال، الدينار قريب من خمسمائة ريال.

 "آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا بأس أن تأخذها، لا بأس أن تأخذها»" خلاص ما عنده خمسة دنانير، قال لك: والله ما عندي إلا خمسين درهمًا، ما عندي إلا خمسين درهمًا، قال: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها»، قال لك: ما عندي إلا خمسين درهمًا، لكن الدينار باثني عشر درهمًا، الدينار باثني عشر درهمًا إذًا لا بد أن يدفع ستين، ما تكفي خمسون، لكن إذا كان الصرف بعشرة دراهم فيأخذ خمسين.

 قال: «لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء»؛ لأن هذا من باب إيش؟ الصرف؛ لأن هذا من باب الصرف، صرف الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب، والصرف ما يشترط فيه التساوي، إنما يشترط فيه التقابض.

 «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد»، «ما لم تتفرقا وبينكما شيء»، قال: خلاص أنا أعطيك خمسين درهمًا، قال: قبلت، يوم أخرج الدراهم إلا وهي خمس وأربعون قال: يبقى خمسة يجوز أم لا؟ لا، ما يجوز، «ما لم تتفرقا وبينكما شيء»، لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، طيب لماذا قال: بسعر يومها وهي تجوز الزيادة، يجوز أن يشتري عشرة دراهم بدينار أو يشتري اثني عشر درهمًا بدينار، أو بحسب ما يتفقان عليه، يعني يجوز أن يكون الدولار بأربعة ريالات، أو إلا ربعًا أو بثلاثة ونصف، فيه إشكال أم ما فيه إشكال؟

 ما فيه إشكال، إذًا لماذا قال: أن تأخذها بسعر يومها، وهذا صرف ما يشترط فيه مثل هذا الشرط، أما قوله: «ما لم تتفرقا وبينكما شيء»، هذا أمر مفروغ منه، هذه هي صورة المسألة، هذه صورة المسألة، لكن يتوقف مثل هذا الحكم على صحة الحديث، والحديث فيه كلام، افترض أن الحديث ما هو موجود أو ضعيف، وجوده مثل عدمه، ما الحكم في مثل هذه المسألة؟ المسألة صرف دراهم بدنانير هل نقول: إنه لا بد أن تكون العملتان حاضرتين في وقت العقد الذي هو الصرف، أو أن ما في الذمة في حكم المقبوض؟ يعني هل ما في الذمة في حكم المقبوض؟ نعم طيب صاحب مجوهرات في ذمته لك ألف ريال، فذهبت إليه فقلت: أعطني الألف، أعطني الألف قال: والله ما عندي ألف، قلت: هذه السوارة أو كذا، كم قيمتها؟ قال: ألف، قلت هاتها يجوز أم ما يجوز؟

طالب: .................

لماذا؟

طالب: .................

لأن ما في الذمة في حكم المقبوض، ولا بأس إذا كان يدًا بيد، والدراهم حكمها حكم الذهب والفضة، العملات الموجودة الآن حكمها حكم الذهب والفضة، لا يجوز أن تفترقا وبينكما شيء، فهل نقول: إن ما في الذمة في حكم المقبوض ونقول: خلاص انتهى، استوفى حقه، والطرف الثاني مستوفٍ، أو نقول: لا بد أن يتحقق ما نُصَّ عليه من قوله -عليه الصلاة والسلام- «إذا كان يدًا بيد»؟

 يعني هذا هو الأصل، يعني بعض النساء تذهب بذهب قديم وتريد أن تشتري ذهبًا جديدًا، فتأتي إلى صاحب المحل صاحب المجوهرات تأتي إليه وتقول: أنا أريد أن أبيع هذا، وأشتري جديدًا، فيقول: اختاري مما عندي، فتختار فيقول: آخذ الذهب القديم، وأعطيكِ الجديد، يصلح هذا أم ما يصلح؟

 إذا كان الوزن واحدًا فما فيه إشكال، لكن هل يرضى صاحب المحل أن يعطيها بالقديم وزنًا بوزن من الجديد؟ ما يرضى، الحل أن يشتري القديم، ويبيع عليها الجديد، ويشتري القديم، ونقول: إن ما في ذمته من قيمة القديم في حكم المقبوض، يبيع عليه الجديد أو نقول: لا بد أن يسلمها قيمة القديم؛ ليكون يدًا بيد، ثم بعد ذلك يستلم منها قيمة الجديد؛ ليكون يدًا بيد، وهذه الصورة ما فيها إشكال؟

 بعضهم يتسامح في الصورة التي قبلها، لكن ما فيه شك أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إذا كان يدًا بيد» معتبَر، وأن اليد حقيقة هنا، ومع البدائل الموجودة الآن وتنوع البدائل من بطاقات صرف ومن شيكات مصدقة وغير مصدقة، ومن تحويل حساب إلى حساب جعل كثيرًا من الناس يتساهل في مثل هذا، مع أنه بالفعل لا بد أن يكون يدًا بيد، حتى ماكينة السحب هذه لا تكفي؛ لأنه قد ينقَل من حسابك، ولا يدخل في حساب الثاني فورًا، فلا بد من أن يكون بالفعل يدًا بيد، اسحب من حسابك الدراهم، وسلمها لصاحب الذهب؛ ليكون حقيقة يدًا بيد.

 "رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، صحيح على شرط مسلم، نعم سماك خرَّج له مسلم، لكن هل خرج له بمفرده؟ ولا بد أن يلاحَظ وجود الراوي في الصحيح هل يطابِقُه وجوده في الفرع كالحاكم أو غيره من.. تصحح تخرِّج حديثًا وتدرس إسناده في سنن أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو غيرهما أو غيرها من الكتب، فهل تقول: صحيح على شرط مسلم باعتبار أن مسلمًا خرج لهؤلاء الرواة؟ بعض الرواة يُخرَّج له في الصحيح في المتابعات لا في الأصول، وبعضهم يخرَّج له مقرونًا مع راوٍ آخر قال: حدثني فلان وفلان، لكن صاحب الصحيح لا يستدل به، ولا يحتج به على طريق الاستقلال، فلا يسوغ للمخرج أن يقول: على شرط البخاري وفيه مثل هذا الراوي، مسلم خرج لسماك بن حرب، لكن ما خرج له على سبيل الاستقلال ليقول الحاكم: صحيح على شرط مسلم، صحيح على شرط مسلم، لا، وقال الترمذي لاسيما وأن سماكًا خولف في هذا الحديث، خولِف.

 "قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث سماك" والرواة الثقات كلهم رووه عن ابن عمر موقوفًا، نافع عن ابن عمر، ما رفعه سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ما رفعه سالم عن ابن عمر، لم يرفعه من أوثق من هؤلاء الثلاثة؟! ويتفرد سماك برفعه. الحكم لمن في مثل هذه الصورة؟

ومعروف أنه إذا تعارَض الرفع مع الوقف فالمسألة خلافية بين أهل العلم في مسألة تعارض الرفع مع الوقف، والوصل مع الإرسال، منهم من يقول: الحكم لمن رَفَع؛ لأن معه زيادة علم، ومنهم من يقول: الحكم لمن وقف؛ لأن الوقْف متيقَّن، والرفع مشكوك فيه، يعني في الحديث الذي معنا نسبة الحديث لابن عمر فيها شك؟ لا، لكن رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مشكوك فيه، فالعبرة بمن وقف؛ لأنه متيقَّن، وأما من زاد على ذلك فرفعه فلا يُلتَفت إليه؛ لأنه مشكوك فيه، ومنهم من: يقول الحكم للأحفظ، الحكم للأحفظ، رواه راوٍ موقوفًا، وآخر مرفوعًا، ننظر أيهما أحفظ، ومنهم من: يقول الحكم للأكثر، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر.

 الآن فيما معنا نافع وسالم وسعيد بن المسيب هؤلاء وقفوه على ابن عمر، وتفرد سماك برفعه، أيهم أحفظ؟ واحد من الثلاثة أحفظ من سماك، واحد من الثلاثة يعدل مجموعة من مثل سماك، فاجتمع عندنا الأحفظ، واجتمع عندنا أيضًا الأكثر، فالحكم لمن في مثل هذه الصورة؟

الحكم لمن وقف، ولا يثبت الحديث مرفوعًا، الحديث ضعيف مرفوعًا؛ لما ذكرنا، طيب الصيغة التي معنا هل تحتمل الرفع أو تحتمل الوقف أو تحتملهما على حد سواء؟ فيه محاورة بين ابن عمر والرسول -عليه الصلاة والسلام-، وجاءه وهو في بيت حفصة وقال: رويدك يا رسول الله، أسألك، فسأله عن الصورة بوضوح، وأجابه النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني مثل هذه القصة بهذه الصياغة هل يمكن أن يقال: إنها موقوفة على ابن عمر؟

 يعني لو احتمل أن سماكًا حاك هذه القصة ورتبها على هذا الترتيب وهي في الأصل موقوفة على ابن عمر، يكفي أن يقال: ضعيف، كذاب وضاع، أو أن هذا ممن دون سماك ممن يحتمِل أنه دبج هذه القصة، وصاغها على هذه الصياغة وإلا الصيغة والمحاورة التي وقعت فيها لا تحتمل الوقف، لا تحتمل الوقف، بل هي من أولها إلى آخرها يغلب على الظن أنها مرفوعة، فهل يلتفت إلى مثل هذه الصياغة في ترجيح هذا الراوي الذي فيه كلام لأهل العلم على الثلاثة الذين هم أخص الناس بابن عمر وأوثق الرواة عن ابن عمر؟

أنظار أهل الحديث أشمل من أن يُنظَر فيها إلى الراوي بمفرده، فهم ينظرون فيها إلى الراوي والمروي، ينظرون فيها إلى الراوي والمروي، جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له: نحن في سَنة ،يعني جدب، ولم أجد ما أطعم أهلي إلا سمان حمري، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أطعم أهلك سمان حمرك»، الحديث سنده ضعيف، لكن متنه مقبول أم مردود؟ يعني أهله في مجاعة، وبهيمة الأنعام في مجاعة، الإبل والبقر والغنم والحمر تسمن؟! مستحيل، يعني متنه واهٍ، يعني متهافت متنه، يعني ما أكتفي في مثل هذه الصورة أن أضعف الحديث بالسند، ما رأيت أحدًا حوَّم حول متن الحديث إنما ضعفوه بسنده، نعم إذا ضُعِّف الحديث ولو براوٍ من رواته يكتفى به عن بقية العلل، لكن يُخشَى أن يُؤتَى له بشاهد، ثم يوجد من يرقيه إلى درجة الحسن، ويحتج به، خله، من أساسه باطل، هنا هذه الصيغة الموجودة عندنا والمحاورة التامة التي حصلت.