التعليق على تفسير القرطبي - سورة القلم (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول: أحب أن أقرأ شرحًا للبخاري، ووقع في نفسي شرح ابن الملقّن، فإذا له طبعتان الأولى لوزارة الأوقاف في قطر، والثانية وهي الأخيرة لمؤسسة غراس في الكويت.

الطبعة الثانية هذه ما رأيتها لكن ذُكرت لي وأنها بحروفها هي طبعة قطر، هذا الذي رآها من الإخوان قالوا إن الطبعة الثانية هي الأولى، لكن كان فيه خلاف بين المحققين، وأظنهم اتفقوا على أن.. أو الثاني جزم وكتب اسمه على هذه ونشره كما هم أقدموا على الطبعة الأولى وكتبوا أسماء أخرى، الله أعلم، هذه مسألة بينهم وفصل فيها القضاء، ما أدري عنهم، لكن الذي رأها قال هي هي ما بينهما فرق، أظن حتى الصف هو هو، وأنا ما رأيتها من أجل أن أجزم بشيء، ما رأيتها..

شرح ابن الملقن بالنسبة للقراءة أسهل من فتح الباري؛ لأن بالإمكان أن يقرأ الإنسان وهو جالس خمسين صفحة في وقت لا يقرأ فيه ثلاث صفحات من فتح الباري؛ لأنه فرق بين الطبع الأول والرص القديم مع الجديد، لكن ابن حجر اطلع على شرح ابن الملقن واستفاد منه، ونقل فوائده، لكنه زاد زيادات لا يستغني عنها طالب علم، فإذا كان في همته أن يقرأ شرحًا مطولاً، فما فيه مثل فتح الباري، وإن كان في بداية القراءة فلا يصلح أن يقرأ شرحًا مطولًا؛ لأن مثل هذا يعوقه عن المتابعة، فيقرأ شرح الكرماني أول ما يقرأ؛ لأنه في شهرين أو ثلاثة ينتهي، وفيه ما يحدوه على مواصلة القراءة، فيه طرائف، وفيه نكات، وفيه أشياء غريبة تُنشط القارئ، وعلى كل حال الأمر له، فإن كان يريد أن يقرأ شرح ابن الملقن ففي طبعته ما يعين أيضًا على القراءة؛ لأنه مفرود، ما هو مثل فتح الباري مرصوص يأخذ له وقتًا طويلاً في صفحة، لا، هذه الصفحة مسح مثل الطبعات الجديدة كلها ما تكلف في القراءة.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

“قوله تعالى:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين * وَلاَ يَسْتَثْنُون * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُون}[القلم:17-19] فيه ثلاث مسائل؛ الأولى: قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} [القلم:17] يريد أهل مكة والابتلاء: الاختبار، والمعنى أعطيناهم أموالاً ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا وعادوا محمدًا-صلى الله عليه وسلم- ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة، المعروف كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم، وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء..”

مسألة نحوية: يقول كما بلونا أهل الجنة المعروفِ أو المعروفَ؟

طالب: ....................

أيش؟

طالب: ....................

مسكن أنت الحين ما ينفع، نحن نسأل عن ضبط هذه الكلمة، هل هي وصف للمضاف أو للمضاف إليه.

طالب: ....................

الضمير أين يذهب؟ خبرها لو قال: خبرهم فصحيح.

 خبرها .. الجنة المعروف خبرها التي أخبر الله عنها.

 يبقى مسألة ثانية: هل الجنة مثل هذا الوصف يُسمى نعتًا حقيقيًّا أو سببيًّا؟ رأيت زيدًا القائمَ، ورأيت زيدًا القائمَ أبوه، فرق بينهما، القائمَ أبوه هذا نعت سببي، وليس بنعت حقيقي، وهنا إذا قلنا إنها نعت للمضاف قلنا نعت سببي، وإذا قلنا نعت للمضاف إليه قلنا نعت حقيقي.

“وذلك أنها كانت بأرض اليمن، بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء، ويقال: بفرسخين، وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها، فلما مات صارت إلى ولده، فمنعوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها، فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها، قال الكلبي: كان بينهم وبين صنعاء فرسخان، ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم، وقيل: هي جنة بضوران، وضوران على فرسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى -عليه السلام- بيسير، وكانوا بخلاء، فكانوا يجدّون التمر ليلاً من أجل المساكين، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا: لا يدخلها اليوم عليكم مسكين، فغدوا عليها، فإذا هي قد اقتُلِعت من أصلها، فأصبحت كالصريم أي كالليل، ويقال أيضًا للنهار: صريم، فإن كان أراد الليل فلاسوداد موضعها، وكأنهم وجدوا موضعها حمأة، وإن كان أراد بالصريم النهار فلذهاب الشجر والزرع، ونقاء الأرض منه، وكان الطائف الذي طاف عليها.”

الصريم فعيل بمعنى مفعول، والثمر المصروم يعني المجذوذ، كأنها جُذت من أساسها فلم يبقَ فيها شيء.

“وكان الطائف الذي طائف عليها جبريل -عليه السلام- فاقتلعها، فيقال: إنه طاف بها حول البيت، ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم، ولذلك سُميت الطائف، وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرُها.”

أما أنه طاف بها حول البيت، فهذا ليس ببعيد من الخبر الموضوع أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصلت خلف المقام ركعتين، طاف بها طائف يعني أحاط بها من جميع جوانبها، أما أنه نقلها وطاف بها في مكان آخر فهذا كأنه متلقًى من أخبار بني إسرائيل.

“وقال البكري في المعجم: سُميت الطائف؛ لأن رجلاً.”

البكري له معجم في البلدان اسمه معجم ما استُعجِم مطبوع في أربعة أجزاء.

“سُميت الطائف؛ لأن رجلاً من الصدف يقال له الدمون.”

الصَّدِف.

“رجلاً من الصَّدِف يقال له الدَّمُون بنى حائطًا وقال: قد بنيت لكم طائفًا حول بلدكم، فسُميت الطائف، والله أعلم.”

الآن هذه الأسماء في أرض اليمن معروفة أم ما هي..؟

طالب: ....................

مر علينا أكثر من اسم.

طالب: ....................

الرجل يقال له الدمون والصَّدِف ماذا تصير مخلاف من اليمن يعني هو إقليم معروف الآن أم..؟ ما عندنا منهم أحد، ما فيه أحد منهم؟ واليمن في الاصطلاح القديم أعم من اليمن الإقليم المعروف في زاوية الجزيرة العربية، كل ما وراء الطائف يُسمى يمنًا؛ لأنه عن يمين الكعبة.

“الثانية: قال بعض العلماء: على من حصد زرعًا أو جذ ثمرة أن يواسي منها من حضره، وذلك معنى قوله: وآتوا حقه يوم حصاده، وأنه غير الزكاة على ما تقدم في الأنعام بيانه.”

وعلى ما جاء في الخبر: إن في المال لحقًّا سوى الزكاة.

“وقال بعضهم: وعليه ترك ما أخطأه الحصّادون، وكان بعض العُبّاد يتحرّون أقواتهم من هذا، وروي.”

بعض العُبَّاد يتحرون أقواتهم؛ لأنهم وهم أهل تحرٍ؛ لأن هذا مستثنى شرعًا من المال محكوم بإباحته لمن حضر، يعني مثل ما قالوا فيما تتنازل عنه المرأة من مهرها فكلوه هنيئًا مريئًا قالوا: أطيب المكاسب؛ لأن الله وصفه بأنه هنيء مريء، وهو تنازل الأصل فيه مِنّة من المرأة، ومثل هذا فيه منة من أصحاب الزرع، فكان بعض العُباد لهذا يقول إنهم يحرصون عليه مع أنهم يتحرون لو وجدوا شيئًا ما يُدرَى ما مصدره ما أكلوه.

طالب: ....................

أنا ما أدري كيف فهموا أن هذا ما فيه أدنى شبهة بحيث يتناولونه، ولا يترددون في أكله، وهو نظير ما قلت فيما تتنازل عنه المرأة من المهر، ولذلك موصوف بأنه هنيء مريء.

“ورُوي أنه نُهي عن الحصاد بالليل، فقيل: إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق، وتأول من قال هذا الآية التي في سورة {ن وَالْقَلَمِ}[القلم:1] وقيل: إنما نُهي عن ذلك؛ خشية الحيات وهوام الأرض، قلت: الأول أصح، والثاني حسن، وإنما قلنا الأول أصح؛ لأن العقوبة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى، روى أسباط عن السُّدي قال: كان قوم باليمن، وكان أبوهم..”

الأول أصح، لكن السياق يدل على أنه متعين، إنما نُهوا في هذه القصة خشية الحيات وهوام الأرض {أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِين}[القلم:24] منصوص عليه ما يحتاج إلى اجتهاد.

“وكان أبوهم رجلاً صالحًا، وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها، وأن يأكلوا منها ويترددوا.”

يتزودوا.

“وأن يأكلوا منها ويتزودوا، فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض: علامَ نعطي أموالنا هؤلاء المساكين؟ تعالوا فندلج فنصرمنها قبل أن يعلم المساكين، ولم يستثنوا، فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خَفْتًا: لا يدخلنا اليوم عليكم مسكين، فذلك قوله تعالى: { إِذْ أَقْسَمُوا}[القلم:17] يعني حلفوا فيما بينهم { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين}[القلم:17] يعني لَنَجُذُّنَّهَا وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين، {وَلاَ يَسْتَثْنُون}[القلم:18]  يعني لم يقولوا: إن شاء الله، وقال ابن عباس: كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين غرسها رجل من أهل الصلاح، وكان له ثلاثة بنين، وكان المساكين كلما تعداه المنجل فلم يجده.”

يجذه.

“فلم يجذه من الكرم، فإذا طرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضًا للمساكين، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين، فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر، فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم فقالوا: قل المال، وكثر العيال، فتحالفوا بينهم ليغدوُن غدوة قبل خروج الناس، ثم ليصرِمنَّها، ولا تعرف المساكين، وهو قوله: إذ أقسموا أي حلفوا ليصرمنها: ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بِسُدْفَة من الليل؛ لئلا ينتبه المساكين لهم، والصرْم: القطع، يقال: صرم العذق عن النخلة وأصرم..”

السُّدْفة لعلها الغلس الذي يكون في أول النهار قبل انتشار الضوء، وكما تكون أيضًا في أول الليل يعني في أول وقت المغرب أو أول الصبح قبل انتشار النور.

“وأصرم النخل أي حان وقت صرامه مثل أركب المهر، وأحصد الزرع، أي حان ركوبه وحصاده. {ولا يستثنون} أي ولم يقولوا إن شاء الله. {فَتَنَادَوا مُصْبِحِين}[القلم:21] ينادي بعضهم بعضًا {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِين}[القلم:22] عازمين على الصرام والجداد قال قتادة: حاصدين زرعِكم.”

زرعَكم.

“حاصدين زرعَكم وقال الكلبي: ما كان في جنتهم من زرع ولا نخيل، وقال مجاهد: كان..”

حرثهم.

“كان حرثُهم عنبًا، ولم يقولوا إن شاء الله. وقال أبو صالح: كان استثناؤهم قولهم سبحان الله ربنا، وقيل: معنى ولا يستثنون: يستثنون حق المساكين، قاله عكرمة..”

ما معنى كلام أبي صالح؟ قال أبو صالح كان استثناؤهم قولهم سبحان ربنا.

طالب: ...............

هم قالوا سبحان ربنا.

طالب: ...............

لكن لعل المراد بالاستثناء هنا قبل فعلهم أنهم لو قالوا: سبحان ربنا كفاهم مثل لو قالوا: إن شاء الله، وإلا فقد قالوا هذا منطوق الآية.

“قاله عكرمة، فجاؤوها ليلاً فرأوا الجنة مسودّة قد طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، قيل: الطائف جبريل -عليه السلام- على ما تقدم ذكره، وقال ابن عباس: أمر من ربك، وقال قتادة، عذاب من ربك، وقال ابن جُريج: عنق من نار خرج من وادي جهنم، والطائف لا يكون إلا بالليل، قاله الفراء.”

كما في حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان قال: طاف بي وأنا نائم رجل، في قصة مشروعية الأذان، وهو نائم في الليل، هذا الأصل.

طالب: ...............

لا يستثنون في قسمهم.

طالب: ...............

المراد الظاهر من اللفظ أنهم لا يستثنون في قسمهم فلم يقولوا إن شاء الله.

طالب: ...............

ولا يستثنون في قسمهم، والاحتمال قائم أنهم لا يستثنون شيئًا للفقراء والمساكين، لكن السياق ما يعضده.

“الثالثة: قلت: في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان؛ لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعُوقبوا قبل فعلهم، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}[الحج:25] ، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»، وقد مضى مبينًا في سورة آل عمران عند قوله تعالى:{وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ}[آل عمران:135].”

العزم آخر مراتب القصد يعني قبل الفعل، وقبله الهم، وقبل الهم حديث النفس، وقبله الخاطر، وقبله الهاجس. الهاجس ثم الخاطر ثم حديث النفس ثم الهم ثم العزم آخر المراتب.

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا

 

فخاطر فحديث النفس فاستمع

يليه هم فعزم كلها رفعت

 

..............................

يعني رفع عنها الإثم.

................................

 

إلا الأخير.....................

الذي هو العزم.

.................................

 

............ ففيه الإثم قد وقعا

من الأدلة على المؤاخذة بالعزم ما حصل لهؤلاء، وأيضًا إرادة الإلحاد في الحرم عزم، ومن ذلك الحديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، ويؤاخذ المقتول؛ لأنه عازم على قتل صاحبه وحريص عليه.

طالب: ...............

إلا بسبب ترك الواجب.

طالب: ...............

نعم «إن في المال لحقًّا سوى الزكاة» حق واجب حديث عائشة، كما أنه جاء من حديثها: «ليس في المال حق سوى الزكاة»، وعلى كل حال هذا محمول على حال، وهذا محمول على حال.

طالب: ...............

من باب ويمنعون الماعون، ذُمّوا؛ لأنهم منعوا الماعون، وإعارة الماعون معروف حكمها.

“قوله تعالى:{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم}[القلم:20] أي كالليل المظلم عن ابن عباس والفراء وغيرهما، قال الشاعر:

تطاول ليل كالجون البهيم

 

فما ينجاب عن صبح بهيم

أي احترقت فصارت كالليل الأسود، وعن ابن عباس أيضًا: كالرماد الأسود، قال: الصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة، قال الثوري: كالزرع المحصود، فالصريم بمعنى المصروم أي المقطوع ما فيه، وقال الحسن: صُرم عنها الخير أي قُطع، فالصريم مفعول أيضًا، وقال المؤرج: أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل، يقال صريمة وصرائم، فالرملة لا تُنبت شيئًا ينتفع به، وقال الأخفش: أي كالصبح انصرم من الليل. وقال المُبرد: أي كالنهار فلا شيء فيها. قال شِمَر..”

شَمِر.

“قال شَمِر: الصريم الليل، والصريم النهار أي ينصرم هذا عن ذاك، وذاك عن هذا.”

يعني ينفصل عنه.

“وقيل: سُمِّي الليل صريمًا؛ لأنه يقطع بظلمته عن التصرف، ولهذا يكون فعيل بمعنى فاعل.”

يعني صارم صريم صارم وليس بمعنى مفعول مصروم، لكن الأول أظهر، وكما أنه يأتي فعيل بمعنى فاعل، ويأتي بمعنى مفعول، كذلك فاعل يأتي بمعنى مفعول، ومفعول يأتي بمعنى فاعل، من أمثلة ذلك { حِجَابًا مَّسْتُورًا}[الإسراء:45] يعني ساترًا، والعكس مثل فاعل بمعنى مفعول له أمثلة.

طالب: ...............

بمعنى قاتل ما تأتي قتيل بمعنى مقتول لا، أنا أريد مثل ما قلنا في مستور بمعنى ساتر، نريد ساتر بمعنى مستور، فاعل بمعنى مفعول، يأتي المثال الآن، لعله قليلًا يرجع.

“قال القشيري: وفي هذا نظر؛ لأن النهار يُسمّى صريمًا ولا يقطع عن تصرف. قوله تعالى:{فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُون}[القلم:23] أي يتسارّون أي يخفون كلامهم ويسرّونه؛ لئلا يعلم بهم أحد، قال عطاء وقتادة: وهو من خفت يخفت إذا سكن ولم يبين، كما قال دريد بن الصِّمة:

وإني لم أهلك سلالاً ولم أمت

 

خُفاةً وكلاًّ ظنه بي عُوَّدي

وقيل: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم، وكان أبوهم يخبر الفقراء والمساكين فيحضر وقت الحصاد والصرام، وغدوا على حرد قادرين أي على قصد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم، قال معناه ابن عباس وغيره، والحرد: القصد، حرد يحرِد بالكسر حرْدًا قصد، تقول: حردت حردك أي قصدت قصدك، ومنه قول الراجز:

أقبل سيل جاء من عند الله

 

يحرِد حرد الجنة المغلة

أنشده النحاس:

قد سيل جاء من أمر الله

 

يحرد حرج الجنة المغلة

قال المبرد: المغلة ذات الغلة، وقال غيره: المغلة التي يجري الماء في غللها أي في أصولها، ومنه: تغللت بالغالية، ومنه تغليت أبدل من اللام باءً.”

ياءً.

“أبدل من اللام ياءً، ومن قال: تغلفت فمعناه عنده جعلتها غلافًا، وقال قتادة ومجاهد: على حرد أي على جد. قال الحسن: قال حاجة وفاقة. وقال أبو عبيدة والقتبي: على حرد على منع، من قولهم: حاردت الإبل حرادًا أي قلَّت ألبانها، والحرود من النوق..”

والأحرد من الناس من يمشي على ظهر قدمه يعني رجله معكوفة مقلوبة، ما هو يوجد هذا النوع؟ يوجد، يسمونه أحرد، فهل فيه مناسبة بين هذه التسمية وبين {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِين}[القلم:25] فيه مناسبة؟

طالب: ...............

لا، ما يُسمى أحرد.

طالب: ...............

ما فيه شك أن اللغة فيها الاشتراك بين جميع اشتقاقات المادة، فيه اشتراك فيما يسمى بالاشتقاق سواء كان الاشتقاق الكبير أو الصغير، ويبين هذا تصرفات ابن فارس في معجم مقاييس اللغة، وهو كتاب نافع جدًّا في هذا الباب يرجع إليه.

“والحرود من النوق القليل الدَّر، وحاردت السنة قلَّ مطرها وخيرها، وقال السدي وسفيان: على حرد على غضب، والحرد الغضب قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي وهو مخفف وأنشد شعرًا:

إذا جياد الخيل جاءت تردي

 

مملوءة من غضب وحرْد

وقال..”

حرَدِ.

“............................

 

مملوءة من غضب وحرَدِ

وقال ابن السكيت.”

لأنه قال مخفف ماذا يعني مخفف التسكين؟ تخفيف حرْد، يخفف المحرك بالتسكين.

“وقال ابن السكِّيت: وقد يحرك..”

يعني الراء مخففة وقد تحرك كما جاء في البيت.

“تقول منه: حرِد بالكسر حرْدًا.”

حرَدًا.

“حرَدًا حرِد بالكسر حرَدًا، فهو حارِد وحرْدان، ومنه قيل: أسد حارِد وليوث حوارِد، وقيل على حرد على انفراد يقال: حرَد يحرِد حرُودًا أي تنحى من قومه..”

عن.

“أي تنحى عن قومه ونزل منفردًا ولم يخالطهم، وقال أبو زيد: رجل حرِيد من قوم حرَداء، وقد حرَد يحرِد حرودًا إذا ترك قومه وتحول عنهم، وكوكب حريد أي معتزل عن الكواكب قال الأصمعي: رجل حريد أي فريد وحيد، يقال: والمنحرد المنفرد في لغة هذيل، وأنشد لأبي ذؤيب:

.............................

 

كأنه كوكب في الجوب منحرد

وراه أبو عمرو بالجيم، وفسره: منفرد قال: وهو سهيل، وقال الأزهري: حرْد اسم قريتهم، وقال السدي: اسم جنتهم، وفيه لغتان حرْدٌ وحرَد، وقرأ العامة بالإسكان، وقرأ أبو العالية وابن السميقع بالفتح، وهما لغتان.”

يعني كما تقدم هو مخفف وقد يُحرك.

“ومعى قادري قد قدروا أمرهم وبنوا عليه..”

يعني رتبوا أمورهم وقدروا أنهم ينفذون إلى ما يريدون بسلامة، هذا تقديرهم، وهذا تخطيطهم.

“قد قدروا أمرهم وبنوا عليه، قاله الفراء، وقال قتادة.”

وظنوا أنهم يتمكنون من ذلك لجوءًا إلى قدرتهم وقوتهم في تنفيذ تخطيطهم.

“وقال قتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم، وقال الشعبي: قادرين يعني على المساكين، وقيل معناه: من الوجود أي منعوا وهم واجدون. قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّون}[القلم:26] أي لمّا رأوها محترقة لا شيء فيها قد صارت كالليل الأسود ينظرون إليها كالرماد أنكروها وشكوا فيها، وقال بعضهم لبعض: إنا لضالون أي ضللنا الطريق إلى جنتنا، قاله قتادة، وقيل: أي إنا لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين، فلذلك عوقبنا.”

هل الضلال هنا بمعنى الحَيْد عن الطريق المحسوس، أو من الضلال الذي هو ضد الهدى؟

طالب:

إنا لضالون الاستدراك بل نحن محرومون، الظاهر المحسوس كأنهم ما عرفوا طريق جنتهم؛ لأنها ليست هي في نظرهم، جنتهم مثمرة وزاهية، لما جاؤوا وجدوها كأنها مصرومة، كأنها ممسوحة من الأرض قالوا: ما هذه جنتنا، ضللنا الطريق، ثم رجعوا إلى أنفسهم وإلى ما بيتوه فاستدركوا قالوا: بل نحن محرومون، هذي جنتنا، لكن حرمنا الله -جل وعلا- بحسب ما قصدناه.

{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُون}[القلم:27] أي حرمنا جنتنا بما صنعنا، روى أسباط عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيُحرم به رزقًا كان هيِّئ له» ثم تلا: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ}[القلم:19] الآيتين.”

«إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه»، نسأل الله العافية، عقوبات. مخرّج؟

طالب: ...............

نعم، إلى حد ما.. ماثل يعني حديث ابن ماجه باللفظ الذي ذكرناه يصل إلى الحسن، ومعناه صحيح على كل حال، وتؤيده شواهد من الكتاب والسنة.

طالب: ...............

هو حسن يصل إلى الحسن «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».

طالب: حديث الباب -أحسن الله إليك-: إياكم والمعاصي..

إياكم والمعاصي هذا ضعيف جدًّا، لكن معناه صحيح، يشهد له هذا الحديث، وشواهد القرآن والسنة تشهد له {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}[الشورى:30].

“قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}[القلم:28] أي أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم..”

خيرهم{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:143] أي خيارًا يعني خيار الأمم.

{أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُون}[القلم:28] أي هلا تستثنون، وكان استثناؤهم تسبيحًا، قاله مجاهد وغيره، ويدل على أن هذا..”

وهذا يدل..

“وهذا يدل على أن هذا الأوسط كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه قال أبو صالح: كان استثناؤهم سبحان الله فقال لهم: هلا تسبحون الله أي تقولون سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم، قال النحاس.”

لو سبحوا وذكروا الله -جل وعلا- لزالت عنهم هذه الغفلة التي بسببها قرروا حِرمان المساكين؛ لأن الإنسان إذا ذكر الله -جل وعلا- وهو يريد أن يبيت شيئًا مما لا يرضي الله، رجع عما يبيته.

“قال النحَّاس: أصل التسبيح التنزيه لله -عز وجل-، فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء الله؛ لأن المعنى تنزيه الله -عز وجل- أن يكون شيء إلا بمشيئته، وقيل: هلّا تستغفرونه من فعلكم، وتتوبون إليه من خبث نيتكم، فإن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك وذكّرهم انتقامه من المجرمين، قالوا: سبحان ربنا، اعترفوا بالمعصية، ونزّهوا الله عن أن يكون ظالمًا فيما فعل. قال ابن عباس في قولهم سبحان ربنا أي: نستغفر الله من ذنبنا.”

أو لما اشتمل عليه ينزهون الله -جل وعلا- مما قد يقر في قلوب بعضهم، أو ما اشتمل عليه فعلهم من عدم القدرة عليهم، الإنسان وهو يزاول بعض الأعمال هذا العمل يحتمل يعني إذا الإنسان أقدم على الشيء بجرأة من غير نظر لعقوبة الرب -جل وعلا- قد يكون في بعض تصرفه ما يُفهَم منه أن الله -جل وعلا- لا يقدر عليه وإن لم يصرِّح بذلك، وإن كان في قلوبهم هذا ولم يُصرحوا به فلذلك انتبهوا إلى التسبيح، وهو التنزيه لله -جل وعلا-، مما قد يخطر على بالهم ويقر في قلوبهم.

“إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا المساكين. {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُون}[القلم:30] أي يلوم هذا في القسم ومنع المساكين.”

يلوم هذا هذا..

“أي يلوم هذا هذا في القسم ومنع المساكين، ويقول: بل أنت أشرت علينا بهذا{قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِين}[القلم:31] أي عاصين بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء، وقال ابن كيسان: طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل.{عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا}[القلم:32] تعاقدوا وقالوا: إن أبدلنا الله خيرًا منها لنصنعن كما صنعت آباؤنا، فدعوا الله وتضرعوا، فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها، وأمر جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة، فيجعلها بزغر من أرض الشام.”

زُغَر.

“فيجعلها بزُغَر من أرض الشام، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها.”

وهذا خبر إسرائيلي يحتاج إلى سند يثبته.

“وقال ابن مسعود: إن القوم أخلصوا، وعرف الله منهم صدقهم، فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودًا واحدًا. وقال اليماني أبو خالد: دخلت تلك الجنة، فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم. وقال الحسن: قول أهل الجنة.”

طالب: ...............

نفس الشيء يحتاج إلى إثبات.

“وقال الحسن: قول أهل الجنة {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُون}[القلم:32] لا أدري إيمانًا كان ذلك منهم أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة، فيوقف في كونهم مؤمنين، وسئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال: لقد كلفتني تعبًا..”

ما جاء بيان ما آل إليه أمرهم، وإنما المراد من قصتهم مستوفى، وهو أن مثل هذا التبييت في حرمان المساكين هذه مآل تلك الأموال التي حرصوا عليها وجمعوها ومنعوا منها حق الله -جل وعلا-.

طالب: ...............

هو لكن الكفار إذا أصابتهم شدة لجؤوا إلى الله -جل وعلا-.

طالب: ...............

والله ما فيه شك أن هذه قد يشم منها، لكن الربوبية كل يقر بها.

طالب: ...............

على كل حال شيء قطعي ما فيه ما يدل على ذلك.

“والمعظم يقولون: إنهم تابوا وأخلصوا، حكاه القشيري. وقراءة العامة يبدلنا بالتخفيف، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بالتشديد، وهما لغتان، وقيل: التبديل تغيير الشيء أو تغيير حاله، وعين الشيء قائم والإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه، وقد مضى في سورة النساء القول في هذا. قوله تعالى: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ}[القلم:33] أي عذاب الدنيا وهلاك الأموال عن ابن زيد وقيل: إن هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله لما ابتلاهم بالجدب؛ لدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون، وقال ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر وحلفوا..”

هو صالح لهم ولغيرهم؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

“وحلفوا ليقتلن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وليرجعن إلى مكة حتى يطوفوا بالبيت، ويشربوا الخمر، وتضرب القينات على رؤوسهم، فأخلف الله ظنهم، وأُسروا، وقتلوا، وانهزموا كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام، فخابوا، ثم قيل: إن الحق الذي منعه أهل الجنة المساكين يُحتمل أنه كان واجبًا عليهم، ويحتمل أنه كان تطوعًا، والأول أظهر، والله أعلم.”

لأن التطوع لا يقتضي عقوبة، ولا يرتب عليه عذاب.

“وقيل: السورة مكية..”

فبَعُد.

“فبَعُد حمل الآية على ما أصاب أهل مكة من القحط وعلى قتال بدر.”

والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"