شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (337)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم مستمعينا الكرام إلى هذا اللقاء الجديد في هذا البرنامج شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، أرحب بكم مستمعينا الكرام، كما أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير ضيف هذا البرنامج، فحياكم الله فضيلة الشيخ، وأهلًا ومرحبًا.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الأخوة المستمعين.

المقدم: في هذه الحلقة مستمعي الكرام الحديث عن باب التماس الوَضوء إذا حانت الصلاة «عن أنس ابن مالك- رضي الله عنه- قال: رأيت النبي- صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوَضوء فلم يجدوا، فأُتي رسول الله- صلى عليه وسلم- بوضوء فوضع يده في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتي توضؤوا من عند آخرهم».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الترجمة التي ذكرتها باب التماس الوَضوء إذا حانت صلاة إن كانت من ضمن التقديم وقبل القراءة مقبولة وإلا فالكتاب الأصل فيه أنه غير مترجم، ما فيه تراجم، وطبعاته كلها ما فيها تراجم بدءًا من الطبعة الأولى، طبعة بولاق ما فيها ترجمة إطلاقًا، وجميع الطبعات التي بعدها، فهذه التراجم موضوعة بين قوسين من المحقق، ليست من أصل الكتاب.

المقدم: الذي هو الشيخ علي بن حسن عبد الحميد.

نعم، علي بن حسن، فأنت لما قلت: والكلام عند باب أو كذا، إن كنت تقصد به أنه من ضمن التقديم لا بأس، لك أن تقول هذا لأنك تذكر لنا موضوع الحديث لا تربطه بكتاب، أما إذا كنت تقرأ الترجمة على أنها من أصل الكتاب فالكتاب غير مترجم.

 هذا الحديث يرويه الصحابي الجليل خادم رسول الله- صلى عليه وسلم- أنس بن مالك الأنصاري النجاري، وقد مر ذكره مرارًا.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري، ما أقول ترجم الزبيدي، أو ترجم المختصر، لا، ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب التماس الوَضوء إذا حانت الصلاة، وأردف الترجمة بقوله: «وقالت عائشة: حضرت الصبح فالتُمس الماء، فلم يوجد، فنزل التيمم»، نزل التيمم، والحديث لا ارتباط له بقصة التيمم، يعني خبر عائشة الذي أورده الإمام البخاري بعد الترجمة لا ارتباط له بالحديث إلا من حيث الالتماس، التُمس الوضوء في خبر عائشة، وفي حديث الباب، في خبر عائشة نزل التيمم، وفي حديث الباب جاؤوا بوضوء، لكنه قليل، وضع النبي-عليه الصلاة والسلام- يده في إنائه... إلى آخره، فالجامع بين خبر عائشة وحديث الباب التماس، والترجمة باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، حضرت الصبح فالتُمس الماء، وهنا في حديث الباب رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، فإذا حانت الصلاة التُمس الوضوء.

 في المتواري لابن المنير، وهو في مناسبات البخاري يذكر المناسبة بين الأحاديث والأبواب يقول: موقع الترجمة من الفقه التنبيه على أن الوُضوء لا يجب قبل الوقت؛ لأن الترجمة الأصلية التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، وخبر عائشة فيها إذا حانت، وحديث الباب أيضًا إذا حانت، حضرت، حضرت وحانت بمعنى واحد، وفي فتح الباري نقلًا عن ابن المنير، قال ابن المنير أراد- يعني البخاري- الاستدلال على أنه لا يجب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليهم التأخير، فدل على الجواز، هذا نقله ابن حجر عن ابن المنير، والكلام الأول موقع الترجمة من الفقه التنبيه على أن الوضوء لا يجب قبل الوقت، هذا لفظ ابن المنير من كتابه.

يقول العيني في شرحه عمدة القاري في شرح الترجمة يقول: أي هذا باب في بيان التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، والوَضوء بفتح الواو، وهو الماء الذي يُتوضأ به. وقوله: «إذا حانت» أي قربت، يقال: حان حينه أي قرب وقته، ووجه المناسبة بين البابين، العيني يربط بين الباب هذا والذي قبله، دائمًا في كتابه لاسيما في الربع الأول من الكتاب لما كان نفسه طويلًا ويفصل ويوضح، ثم بعد ذلك طالت عليه المدة، فأخذ يختصر، لكن وجه المناسبة بين البابين يعني هذا الباب والذي قبله باب التيمن في الوضوء والغسل ما يأتي إلا بالجر الثقيل.

المقدم: سبحان الله.

يقول العيني: لا يأتي إلا بالجر الثقيل، أنت انظر ما بين البابين من المناسبة باب التيمن في الوضوء والغسل.

المقدم: ذاك في التيمن في الوضوء والغسل، وهذا في التماس الوضوء.. ، واضح أن هنالك فرقًا.

نعم، ما فيه ارتباط إلا من وجه بعيد جدًّا على ما قال بالجر الثقيل.

المقدم: فكيف جمع بينهما؟

الحافظ ابن حجر في بداية كتاب الوضوء سلسل وربط الأبواب بخيط واحد، وجعلها متسلسلة، وإذا كان بعضهم يلتمس المناسبات بين الآيات والسور، ويتكلف في ذلك، وصُنف في ذلك المصنفات بما فيها نظم الدرر للبقاعي في اثنين وعشرين مجلدًا في تناسب الآيات والسور تجد التكلف واضحًا، حتى إن الشوكاني أنكر...

المقدم: هذا التكلف.

أنكر أنه قد توجد آية لا ارتباط لها بما قبلها ولا بعدها، وشدد في هذا الباب، وقال: إن هذه إضاعة جهد ووقت، ولا داعي لالتماس هذه المناسبات.

 هنا عندنا فيه مناسبة، لكنها تأتي كما قال العيني بالجر الثقيل، وهو أن المذكور في الباب السابق طلب التيمن لأجل الوضوء والغسل، وها هنا طلب الماء لأجل الوضوء، فيه طلب وهنا فيه طلب، الباب الأول فيه طلب، والثاني فيه طلب، والوضوء موجود في البابين كلاهما وضوء، فمن هذه الحيثية قال: ومطابقة الحديث للترجمة انتهينا من الترجمة السابقة، الآن حديث الباب مع ترجمة الباب، يقول: ومطابقة الحديث للترجمة في قولها: «فالتمس الماء»، ويتكلم العيني بالنسبة لحديث عائشة، حديث عائشة أخرجه البخاري معلقًا، قال: وقالت عائشة، ولم يورده بإسناده، هنا قال: وهذا تعليق صحيح؛ لأنه أخرجه في كتابه مسندًا في مواضع شتى، وهو قطعة من حديثها في قصة نزول آية التيمم ذكره في كتاب التيمم، مطابقة خبر عائشة للباب في «فالتمس الماء فلم يوجد» في حديث أنس الذي هو حديث الباب في قوله: «فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوا» فالالتماس موجود، وهذه الكلمة موجودة في الترجمة وموجودة في الحديثين.

 قوله يعني أنس: «رأيت رسول الله- صلى عليه وسلم- وحانت..» هذه رواية الكُشميهني، أنت عندك: وحانت؟

المقدم: نعم.

هذا في المختصر، هذه رواية الكُشميهني، وفي رواية: «وحان صلاة العصر» عندك: « وحانت صلاة العصر» هذه رواية الكُشميهني، ورواية غيره: «وحان صلاة العصر» يجوز أم لا يجوز؟

المقدم: حان صلاة العصر؟

نعم.

المقدم: حان وقت.

أنت تقدر وقتًا؟ تحتاج إلى تقدير؟ يعني التأنيث حقيقي أم مجازي على ما يقولون؟

المقدم: مجازي طبعًا.

مجازي، إذًا يجوز التذكير، طلعت الشمس، وطلع الشمس، لكن إذا كان مرجع الضمير متقدمًا تقول: صلاة العصر حانت فقط، كما تقول: الشمس طلعت أو غابت، فإذا كان المؤنث حقيقيًّا، ولم يُفصل بينه وبين الفعل وجب تأنيث الفعل، إذا كان الفاعل ضميرًا يعود إلى مؤنث سواء كان حقيقيًّا أو مجازيًّا وجب تأنيث ذلك، وما عدا ذلك يجوز فيه الأمران.

 وحانت والجملة حالية فالواو واو حال بتقدير قد، وحانت أي قربت يقال: حان حينه أي قرب وقته أو آنت، حانت إما أن يقال: قربت أو يقال: آنت، ويقال: حان له أن يفعل كذا أي آن له أن يفعل.

 «صلاة العصر» أي وقتها، زاد قتادة، وهو بالزوراء، وهو سوق بالمدينة، بعضهم يقول: على رمية حجر من المسجد، «فالتمس الناس الوضوء» أي طلبوه، التمس يعني طلبوه، والوَضوء هنا بالفتح؛ لأنه الماء الذي يُتوضأ به، تقدم الفرق في أول الكلام على الوضوء، الفرق بين الوُضوء والوَضوء والغُسل والغَسل والغِسل والطَّهور والطُّهور، والوَضوء هنا بالفتح؛ لأنه الماء الذي يُتوضأ به، وكذا قوله: فأُوتي رسول الله- صلى عليه وسلم- بوضوء، «فلم يجدوا»، وللكشميهني «فلم يجدوه» بزيادة الضمير، «فأُتي رسول الله- صلى عليه وسلم- بوضوء»، في رواية ابن المبارك: «فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح من ماء يسير» وفي رواية: «رحراح» القدح رحراح، وهو القصير، يعني ارتفاعه...

المقدم: ليس عميقًا.

نقول: انخفاض العمق في الأسفل، فأخذ رسول الله- صلى عليه وسلم- يتوضأ، ثم مد أصابعه في القدح، فصغر أن يبسط كفه -عليه الصلاة والسلام- فيه، فضم أصابعه، إناء صغير جدًّا، وروى المهلب أنه كان بمقدار وضوء رجل واحد، يوضئ رجلًا واحدًا، إذا قلنا: يوضئ رجلًا واحدًا، وهذا الرجل يتوضأ بمقدار شرعي يكون قدره مُدًّا، النبي كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، قال أبو حاتم ابن حبان في صحيحه: وهذا اتفق له- صلى الله عليه وسلم- في مواطن متعددة.

المقدم: يعني بركته- صلى الله عليه وسلم-.

نعم في مواطن متعددة، ففي بعضها «أوتي بقدح رحراح»، وفي بعضها «زجاج»، وفي بعضها «جفنة»، وفي بعضها «ركوة»، وفي بعضها «ميضأة»، وفي بعضها «مزادة»، وفي بعضها «وكانوا خمس عشرة مائة»، وفي بعضها «ثمان مائة»، وفي بعضها «زهاء الثمان مائة»، وفي بعضها «ثمانين»، وفي بعضها «سبعين» يعني التفاوت في هذه الأعداد، والتفاوت في هذه الأواني يدل على أنها قصة واحدة أو قصص؟

المقدم: ربما قصص.

قصص متعددة، كما أشار ابن حبان، لكن يأتي في بعض روايات الحديث مثل هذا التباين، وهو حديث واحد العلماء، إذا ذكروا الأطراف على اعتبار أنه حديث واحد ، لكن في بعض السياقات ما يدل على أنه أكثر من حديث، فوضع يده الشريفة -عليه الصلاة والسلام- في ذلك الإناء الذي ضاق عن مد أصابعه.

 وفي شرح الشيخ زكريا: أي اليمنى، وضع يده في ذلك الإناء، في شرح الشيخ زكريا: أي اليمنى فيما يظهر، هذا مجرد استنباط واسترواح ليس عنده فيه نص أن النبي-عليه الصلاة والسلام- وضع يده اليمنى، ما فيه أدلة؛ لأنه قال: أي اليمنى فيما يظهر؛ لأن المسألة مسألة وضوء عبادة وكذا ما يناسبه أن يضع اليسرى على ما تقدم في الحديث السابق، ونظير هذا ما جاء في الحديث الصحيح أن الذباب إذا وقع في الإناء الذي فيه الشراب أو الطعام يقدم أحد الجناحين، ويؤخر الآخر ما فيه ما يدل على أنه يقدم الأيمن أو الأيسر إلا من حيث الاستقراء. يعني ابن حجر يقول: وُجد بعد التتبع أنه يقدم الأيمن، فيغمس الأيسر أو العكس، لكن الظاهر أنه قال: الأيمن فيغمس؛ لأن في أحد جناحيه داءً، وفي الآخر دواءً، فهنا مجرد استرواح من الشيخ زكريا.

 الشيخ زكريا الأنصاري له شرح مختصر على صحيح البخاري مختصر جدًّا، طُبع قديمًا على هامش إرشاد الساري في المطبعة الميمنية في أوائل القرن الماضي، ثم بعد ذلك أُفرد أخيرًا في طبعة مناسبة لقراء العصر، لكنه قبل هذه الطبعة الجديدة نادر جدًّا؛ لأن الطبعة الأولى ما صوِّرت.

المقدم: في أوائل القرن الرابع عشر.

الرابع عشر يعني ألف وثلاث مائة وسبعة أو ستة.

المقدم: طبعة الميمنية.

الميمنية نعم.

 «فوضع يده في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه»، وكان عدتهم تتراوح بين الألف وخمسمائة والسبعين، ألف وسبعمائة أو سبعين كما تقدم آنفًا في كلام ابن حبان هذا على اعتبار أن القصة واحدة، أما إذا قلنا: قصص، فلا يمنع أن يتوضأ الألف وخمسمائة كما توضأ السبعون، كلاهما معجز.

المقدم: لكن هل كان هذا الوضع مرة واحدة ثم رفعه، ثم رفع يده ثم بدأ يتوضأ.

الذي يظهر أنه ما زال واضعًا يده وينبع الماء من تحت أصابعه على ما جاء في الحديث، في شرح ابن الملقن، وهذا شرح قبل ابن حجر والعيني، ومعاصر للكرماني أو بعد الكرماني بيسير، لكنه تأخر طبعه، وهو من أصول ابن حجر في شرحه فتح الباري، ومن أصول العيني؛ لأنه شيخ ابن حجر، فتأخر طبعه إلى العام المنصرم سنة تسعة وعشرين، وطُبع في ستة وثلاثين مجلدًا، شرح مطول شرح ابن الملقن.

المقدم: ما طبع يا شيخ قبل ذلك؟

قبل ذلك ما طُبع.

المقدم: أول طبعه هذا القريب.

نعم أول مرة.

 في شرح ابن الملقن: هذه المعجزة أعظم من تفجر الحجر بالماء، يعني لموسى-عليه السلام- يعني هل يقال مثلاً: إن هذه المعجزة لمحمد-عليه الصلاة والسلام- أعظم من أو العكس؟ يعني حجر يُضرب بعصى، فيتفجر ماء، هذه معجزة بلا شك لموسى- عليه السلام-، لكن أيهما أعظم الحجر من حيث الواقع يتفجر منه الماء..

المقدم: مظنة أن يكون تحته.

مظنة نعم، والجبال يتسرب منها المياه، لكن يد من لحم وعظم ودم يتفجر منها ماء، هذه أعظم وأدخل في الإعجاز، هذه المعجزة أعظم من  تفجر الحجر بالماء؛ لأن ذلك من عادة الحجر كما قال -جل وعلا-: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ }. [سورة البقرة 74]. وأما من لحم ودم فلم يُعهد من غيره -عليه الصلاة والسلام-، يعني بالمقابل مسيلمة لما قالوا له: محمد يفعل كذا، أنت افعل، فوقفوا على بئر غائرة قلَّ ماؤها فتفل فيه فيبست، الله المستعان.

وأما من لحم ودم فلم يعهد من غيره، ونقله أيضًا الكرماني نقلًا عن المزني، وأيضًا هذا الكلام موجود عن المزني في تفسير القرطبي وفي فتح الباري.

 قال القائل هو أنس بن مالك راوي الحديث: «فرأيت الماء ينبع» يقول الكرماني: فيه اللغات الثلاثة: فتح الموحدة ينبَع، وكسرها ينبِع، وضمها ينبُع، ومعناها يخرج، وهو حال من المفعول «إذ رأيت» بمعنى أبصرت لا يقتضي إلا مفعولًا واحدًا، الآن ينبع فعل مضارع، أليس كذلك؟

المقدم: نعم.

طيب هناك بلد اسمه ينبُع معروفة على ساحل البحر في غرب الجزيرة، في غرب هذه البلاد اسمه ينبع، يُمنع من الصرف لماذا؟

المقدم: العَلمية وو..

نعم، ووزن الفعل وأيضًا؟ التأنيث، إذا أردنا البقعة، العلمية ووزن الفعل والتأنيث، فيمنع من الصرف؛ لثلاث علل. تقدم الكلام في "حمص"، وأنه ممنوع من الصرف للعلل الثلاث، وذكرنا الخلاف الطويل بين العيني وابن حجر أن "حمص" ثلاثي ساكن الوسط، فكونه ثلاثيًّا ساكن الوسط يجعله مصروفًا كما في نوح ولوط وهند ممنوع من الصرف، لكن كونها ثلاثية ساكنة الوسط جعلها مصروفة.

 قال بعضهم: إنه يكون مصروفًا؛ لأن كونه ثلاثيًّا ساكن الوسط يجعله مثل هذه الألفاظ التي ذكرناها ثلاثية ساكنة الوسط مصروفة. "ليت هندًا" نعم مصروفة؛ لأن كونه ثلاثيًّا يخف، "هند" ما فيها إلا علتان، حمص فيها ثلاث علل، هل نقول: كونه ثلاثيًّا يقضي على علة؛ لأنه سنأتي إلى ينبُع يقضي على علة يبقى علتان فيستمر ممنوعًا من الصرف، أو يكون في مقابل العلل الثلاث كما في هند، فيكون مصروفًا؟ هذا إذا اتجه الكلام في "حمص" لا يتجه هنا.

المقدم: باعتبار أن هذا رباعي.

لا، ما هو بثلاثي ساكن الوسط، المهم كونه ثلاثيًّا أو رباعيًّا ليس مشكلة، لكن الإشكال في كونه ساكن الوسط هذا الذي يجعله خفيفًا على اللسان فيصرف، هذا أكثر من ثلاثي من جهة، وأيضًا لا يشترك مع "هند" ولا "نوح" ولا "لوط".

 ولم يذكر ابن الملقن الفتح، إنما اقتصر على ضم الياء وكسرها ينبِع وينبُع ثم قال: وفي رواية أخرى: «ينتبع»، وفي لفظ: «يفور من بين أصابعه»، وفي أخرى: «يتفجر من أصابعه كأمثال العيون»، وفي أخرى: «سُكب ماء في ركوة، ووضع إصبعه وسطها» غمسها في الماء.

 «ينبُع من تحت أصابعه» جمع الإصبع أصابع، قال الجوهري: فيه لغات: إِصبَع بكسر الهمزة وضمها أُصبع، والباء مفتوحة إِصبَع وأُصبَع، والباء مفتوحة فيهما، ولك أن تتبع الضمة الضمة أُصبُع، والكسرة الكسرة إِصبِع.

 «حتي توضؤوا من عند آخرهم» قال الكرماني: حتى للتدريج، وفي المطبوع من شرح الكرماني للتصريح، لكن الصواب التدريج، وهو كذلك في فتح الباري نقلًا عن الكرماني يقول للتدريج.

المقدم: لو وضحتم المقصود بالتدريج والـ... هنا.

يعني توضؤوا من عند آخرهم حتى توضؤوا بالتدريج واحد بعد الثاني، يعني ما توضؤوا دفعة واحدة؛ لأن الإناء صغير، «حتي توضؤوا من عند آخرهم» قال الكرماني: حتى للتدريج، ونكرر أيضًا أن المطبوع من الكرماني فيه للتصريح والتصحيح من فتح الباري، «ومن» للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، فإن قلت: يقول الكرماني دائمًا يورد أسئلة ويجيب عنها، فإن قلت: الشخص الذي هو آخرهم داخل في الحكم أو لا؛ لأن الخلاف في الغاية هل تدخل في المغيّا أو لا تدخل؟ آخرهم توضأ أم لم يتوضأ.

المقدم: هل هو داخل معهم أو لا؟

الكلام يحتاج إلى مثل هذا الــ.. لماذا لا يتوضأ؟ لكن هذا إيراد من حيث اقتضاء اللفظ وإلا ما فيه إشكال أنه توضأ، يقول: فإن قلت: الشخص الذي هو آخرهم داخل في الحكم أم لا، قلت- القائل الكرماني-: لما كان السياق يقتضي العموم، والمبالغة تجعل «عند» وإن كانت للظرفية الخاصة لمطلق الظرفية حتى تكون بمعنى في فكأنه قال الذين هم في آخرهم.

المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ على ما تفضلتم به، والوقت يصل بنا إلى نهاية هذه الحلقة، والحديث إن شاء الله في اللقاء المقبل نتمه حول هذا الحديث، حديث أنس بن مالك-رضي الله عنه-.

 نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا، وأن يجزيكم فضيلة الشيخ خير الجزاء.

 شكرًا لكم مستمعينا الكرام أنتم أيضًا ،شكرًا للزميل خالد بن المنور الذي سجل هذا اللقاء، نلقاكم في حلقة مقبلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.