التعليق على تفسير القرطبي - سورة العنكبوت (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ} يَعْنِي الْقُرْآنَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بَلْ هِيَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ الْمَعْنَى بَلْ آيَاتُ الْقُرْآنِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَمِثْلُهُ {هَذَا بَصائِرُ} وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لَجَازَ، نَظِيرُهُ {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} قَالَ الْحَسَنُ: أُعْطِيَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ الْحِفْظَ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهَا لا يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ إِلاَّ نَظَرًا، فَإِذَا أَطْبَقُوهُ لَمْ يَحْفَظُوا مَا فِيهِ إِلاَّ النَّبِيُّونَ فَقَالَ كَعْبٌ فِي صِفَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ: إِنَّهُمْ حُكَمَاءُ عُلَمَاءَ وَهُمْ فِي الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ. {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}."

جاء في وصف هذه الأمة أن أناجيلهم في صدورهم.

"{فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أَيْ لَيْسَ هَذَا الْقُرْآنُ كَمَا يَقُولُهُ الْمُبْطِلُونَ مِنْ أَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ شِعْرٌ، وَلَكِنَّهُ عَلامَاتٌ وَدَلائِلُ يُعْرَفُ بِهَا دِينُ اللَّهِ وَأَحْكَامُهُ. وَهِيَ كَذَلِكَ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ، يَحْفَظُونَهُ وَيَقْرَءُونَهُ. وَوَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ، لأَنَّهُمْ مَيَّزُوا بِأَفْهَامِهِمْ بَيْنَ كَلامِ اللَّهِ وَكَلامِ الْبَشَرِ وَالشَّيَاطِينِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: {بَلْ هُوَ} يَعْنِي مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أُمِّيًّا لا يَقْرَأُ، وَلا يَكْتُبُ، وَلَكِنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَكَتَمُوا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ السَّمَيْقَعِ: {بَلْ هَذَا آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ آيَاتٍ لا آيَةً وَاحِدَةً، لأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ."

وفيه أيضا -عليه الصلاة والسلام- علامات كثيرة تدل على صدقه وعلى صحة ما جاء به فهو آيات وليس بآية واحدة وعامة أهل العلم على أن المراد بالآيات القرآن وأنه في صدور الذي أوتوا العلم وأن من حفظ القرآن فهو من أهل العلم لكن يقرر أهل العلم أن مثل هذا لا مفهوم له ليس معنى هذا أن الذي لا يحفظ القرآن ليس من أهل العلم بل قد يكون من أهل العلم بل من أهل القرآن وإن لم يحفظ القرآن كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته هم الذين يقرؤون القرآن ويتعلمون القرآن ويعلِّمون القرآن ويتدبرون القرآن  ويعملون بالقرآن ولو لم يحفظوه وليس في هذا تقليل من شأن الحفظ لكن بعض الناس قد يلتفت إلى هذا الأمر بعدما يكبر تكبر سنه وتكثر مشاغله وتضعف حافظته ويكثر التشويش عليه من كل جانب ولا يستطيع الحفظ وأما الحفظ فهو من أهم المهمات وهو أصل الأصول يقول ابن عمر: كيف يكون عَيِيًّا من في جوفه كتاب الله؟! فالذي في جوفه كتاب الله لا شك أنه من أهل العلم والله -جل وعلا- يقول: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} فالذي في صدره القرآن وفي جوفه القرآن لا شك أنه من أهل العلم لكن لا يعني أن الذي لا يحفظ القرآن كاملا ولا يُتصوَّر أن يكون من أهل العلم ما لا يحفظ شيئا من القرآن هذا لا يمكن أن يرد وفي تراجم أهل العلم كثيرا ما ينبِّهون على أنه.. أن من عنايتهم بالقرآن وديدنهم القرآن مهما كان اختصاصهم ومهما كان اهتمامهم فالقرآن قاسم مشترك لجميع المتعلمين فإذا وصف بأنه محدِّث لا يعني أنه لا يحفظ القرآن إذا وصف بأنه فقيه لا يعني أنه لا يحفظ القرآن إذا وصف بأنه مفسِّر من باب أولى وهكذا ويندر أن يوجد في ترجمة عالم من أهل العلم أن يُنَص عليه أنه لا يحفظ القرآن يندر أن يوجد مثل هذا ودل على أن شأنهم وديدنهم العناية بالقرآن والاهتمام بالقرآن وحفظ القرآن وفهم القرآن وتدبر القرآن إلى آخر ما يتعلق به لأنه كلام الله.

هو الكتاب الذي من قام يقرأه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلم

ويعجب الإنسان من طالب علم يعني لا يلقي بالا للقرآن وكيف يشبع طالب العلم من كلام الله -جل وعلا- هذا عجب يعني يمر على الإنسان اليوم والليلة واليومان والثلاثة وما فتح كتاب الله هذا لا يُتصوَّر في حق طالب علم فضلا عن أن يكون من أن يوصف من أنه من أهل العلم بل لا بد أن يكون لطالب العلم ورد يومي من كتاب الله وينظر في عهد الله ويعمل به ويتدبر كتاب الله ويفهم عن الله مراده ويعمل بما يريده الله -جل وعلا- من أوامر ونواهي فلا بد من هذا يعني قوله: {في صدور الذين أوتوا العلم} لا شك أن هذه مزية ومنقبة لحفاظ القرآن لكن المراد بحفاظه العاملون به الذي يعملون به ولا ينامون عنه ولا يهملونه ولا يهجرونه فالذي يحفظ القرآن ولا يعمل به هذا عليه وبال وحجة عليه فعلى الإنسان أن يهتم بالقرآن.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك اتخاذ القراء النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث..

ماذا فيه؟

طالب: بعض القراء يحفظ القرآن، يحفظ القرآن ويسمى من أهل العلم.

الحافظ من أهل العلم بلا شك من أهل العلم لأن الله وصفهم بأنهم في صدورهم القرآن في صدور الذي أوتوا العلم فالذي يحفظ القرآن لا شك أنه من أهل العلم.

طالب: ما يلزم منه لازم الفهم والعلم..

مقتضى قوله {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} أنه مجرد حفظ القرآن علم بل هو أصل العلوم لكن كونه يفهم أو لا يفهم هذه مراتب أخرى مراتب أخرى.

"فَلِهَذَا قَالَ: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّنات}. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ ذُو آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ. {وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ} أَيِ الْكُفَّارُ، لأنهم جحدوا نبوته وما جاء به. قوله تعالى: {وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْنَاهُ هَلاَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ كَآيَاتِ الأَنْبِيَاءِ. قِيلَ: كَمَا جَاءَ صَالِحٌ بِالنَّاقَةِ، وَمُوسَى بِالْعَصَا، وَعِيسَى بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: {إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ} فَهُوَ يَأْتِي بِهَا كَمَا يُرِيدُ، إِذَا شَاءَ أَرْسَلَهَا وَلَيْسَتْ عِنْدِي {وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}."

يطلبون آية محسوسة يرونها ويشاهدونها تخرق العادة تكون معجزة للنبي الذي ادَّعى النبوة فهم يطلبون مثل هذه كما نزل مع الأنبياء السابقين وما نزل على نبينا -عليه الصلاة والسلام- من هذا القرآن المعجزة الكبرى الدائمة إلى قيام الساعة لا شك أنه أعظم مما نزل مع أولئك الأنبياء لأن ما نزل من المحسوسات ينقضي وينتهي لكن القرآن دائم إلى قيام الساعة إلى أن يُرفَع في آخر الزمان.

"وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: {آيَةٌ} بِالتَّوْحِيدِ. وَجَمَعَ الْبَاقُونَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ} هذا جواب لقولهم {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} أي أولم يَكْفِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الآيَاتِ هَذَا الْكِتَابُ الْمُعْجِزُ الَّذِي قَدْ تَحَدَّيْتَهُمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، أَوْ بسورة منه فعجزوا."

تحداهم أن يأتوا بمثله كاملا ثم تحداهم بعشر سور ثم تحداهم بسورة ولم يقع التحدي بآية لأن من الآيات ما هو كلمة واحدة أو كلمتين لا يعجز العرب عن أن يقولوا {ثم نظر} أو أن يقولوا {مدهامتان} هذا لم يقع به التحدي لكن وقوع هذه الآية القصيرة جدا في موضعها بعد ما تقدمها وقبل ما يأتي بعدها لا شك أنه معجِز بحيث لا يستطاع لكن بلفظها يمكن الإتيان به لا يعجز أحد أن يقول {ثم نظر} لكن في سياقها مع ما قبلها وما بعدها هذا لا شك أنه معجز ولذ لم يقع التحدي بآية واحدة، نعم يُتحدَّى بآية واحدة تعادل أقصر سورة لأن التحدي بسورة واقع فما كان في منزلتها في عدد آياتها وحروفها يمكن التحدي به.

"ولو أَتَيْتَهُمْ بِآيَاتِ مُوسَى وَعِيسَى لَقَالُوا: سِحْرٌ وَنَحْنُ لا نَعْرِفُ السِّحْرَ، وَالْكَلامُ مَقْدُورٌ لَهُمْ."

موسى -عليه السلام- كان في قوم ينتشر فيهم السحر فقوبل سحرهم بالعصا وقوم عيسى -عليه السلام- اشتهروا بالطب فجاءت معجزته بالطب وقومه -عليه الصلاة والسلام- اشتهروا بالبيان والفصاحة والبلاغة فتُحدُّوا بهذا القرآن المعجِز ولم يستطيعوا ولو اجتمعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ما استطاعوا حاول بعضهم أن يعارِض القرآن كمسيلمة فأتى بكلام يُضحِك الصبيان كلام يُضحِك الصبيان وهذه عقوبة من الله -جل وعلا- أبو العلاء المعرِّي يقال إن كتابه الفصول والغايات في مواعظ البريات كان اسمه الفصول والغايات في معارضة الآيات فقام عليه وثاروا عليه الناس فغيَّر العنوان ولا شك أنه زنديق الرجل لكن المعارضة لا تتم المعارضة لا يمكن أن تتم ومن قرأ الكتاب وجد البَوْن الشاسع بين أساليبه البشرية وبين الأساليب الربانية في القرآن العزيز عجزوا بأكملهم عجزوا عن معارضة القرآن ولا سورة واحدة مع أنهم أهل بيان وأهل فصاحة وتركوا وخُلِّيَ بينهم وبين بيانهم وفصاحتهم ولم يُصرفوا عن ذلك كما تقول المعتزلة من الزمخشري وغيره قالوا معجز بالصرفة لأن الله صرفهم عنه، لا لا، خلَّى بينهم وبين أساليبهم وأمرهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن وبعشر سور منه وبسورة ما استطاعوا يعني لو كان عجزهم بالصرفة على ما قالوا ما صار معجز لأن الذي يُصرَف عن أضعف الكلام لا يستطيع أن يأتي بمثله لكن إذا خُلِّيَ بينه وبين إرادته وتُرِك على عادته هذا الذي يُتَحدَّى ليس المعنى أن يُتحدَّى شخص ثم يمسك لسانه عن الكلام هذا ليس بتحدي فقولهم بالصِّرْفَة هذا قول باطل.

طالب: ..........

إذًا الصَّمَم والبَكَم معجزة! لا، ما يجي لا لا، يعني كونهم صُرِفوا عن معارضته لا يعني أنه معجِز إذ لو خُلُّوا بينهم وبين أنفسهم لاستطاعوا، هذا الكلام ليس بصحيح.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليك دفاع محمود شاكر -رحمه الله-...

على كل حال هو من الزنادقة المعروفين زنديق الله المستعان ولذلك يقولون زنادقة الإسلام ثلاثة ابن الراوندي وأبو حيَّان التوحيدي وأبو العلاء المعرِّي.. ابن الراوندي ترجم له في وفيات الأعيان وأشاد به وأثنى عليه وانتقده الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وقال هذه عادته في الأدباء والشعراء يزيد في مدحهم ويكيل لهم المدح بينما لو ترجم لعالم أو فقيه أو محدِّث أو مفسِّر ما وفاه حقه ومع ذلك يعرف ابن خَلِّكَان ما عند هذا الرجل من انحراف وعنده من إلحاد ويقول الحافظ ابن كثير وكأن الكلب ما أكل له عجينًا ما كأن المسألة تهم أمرًا من أمور الدين وهو البراء من مثل هؤلاء والله المستعان.

"وَمَعَ ذَلِكَ عَجزُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَاتِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَتِفٍ فِيهِ كِتَابٌ فَقَالَ: «كَفَى بِقَوْمٍ ضلالة وأن يرغبون عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيٌّ غَيْرُ نَبِيِّهِمْ أَوْ كِتَابٌ غَيْرُ كِتَابِهِمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ} أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي كُتُبِهِمْ."

نعم النظر في كتب أهل الكتاب أمر لا يجوز غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- على عمر لما رأى بيده صحيفة من التوراة على ما سيأتي ذكره وألَّف الحافظ السخاوي كتابا أسماه الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل ومع ذلك نجد في كلام بعض العلماء نُقوْل يحتاجون إليها في الرد عليهم كنُقُوْل شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-في الجواب الصحيح مثلا فيقال في مثل هذا إنما يجوز لمثل هذا للرد على قول كما أنه يحرم النظر في كتب أهل الكلام وفي كتب المخالفين من الرافضة والمتصوفة وغيرهم من المبتدعة يحرم النظر في كتبهم إلا لمن أراد الرد عليهم وإلا فكتبهم مشتملة على شبهات قد تؤثر على الإنسان ثم لا يستطيع دفعها بعد ذلك فالذي لا ينوي الرد عليهم لا يجوز له النظر في كتبهم وكذلك غير المتأهل الذي لم يتأهل للرد عليهم والتفريق الصحيح من السقيم والنافع من الضار مثل هذا لا يجوز له النظر في كتب المخالفين.

طالب: أحسن الله إليك هل يستدل ببعض أقوال عيسى -عليه السلام- التي وردت في الإنجيل في ميدان الأخلاق مثلا هل يكون هذا من... حديث عمر...

النظر في كتبهم غير النقل عنهم يعني كونك تسمع شخص يتكلم ثم إذا عرضته على ما عندك من نصوص إذا نظرت فيما عندك من نصوص وافقت أو خالفت ويندرج هذا تحت قوله -عليه الصلاة والسلام-: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» يعني فيما يُتَلَقَّى عنهم أما النظر في كتبهم ومدارسة كتبهم ومطالعتها لا يجوز بحال.

طالب: ما نقلته الشريعة..

يعني نقل في الكتاب والسنة؟ هذا ما فيه إشكال هذا تضمنه الكتاب والسنة لكن وجد وعرف من الصحابة مَن له عناية بأخبار أهل الكتاب يَروون عن كعب ويَروون عن غيره عبد الله  بن سلام وغيره ممن أسلم هذا لا شك أنه مما جاء الخبر به «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» وفي رواية «فإن فيهم الأعاجيب» لكن معروف أنه إذا خالف ما عندنا مردود الكلام على العناية بكتبهم مع الأسف أن كتبهم موجودة الآن في أسواق المسلمين ما يسمى بالكتاب المُقدَّس والكتب الأخرى التي تدور حوله والكتب التي.. العهود القديمة والحديثة وشروح الإنجيل وشروح التوراة كلها موجودة في الأسواق تباع مع الأسف في أسواق المسلمين ومتاحة لصغار الطلاب بل لعامة الناس.

طالب: يطرح عليها مسابقات الآن..

أين؟

طالب: في بعض الدول القريبة العربية يعطى الكتاب ويعطى القرآن.

من أجل ماذا؟

طالب: من أجل أن يظهر البراهين لأن البراهين الموجودة في القرآن موجودة فيه.

وهذا متأهل الذي يُعطى هذا؟

طالب: مسابقات يطرح عليها مئات الألوف.

-نسأل الله العافية- هذا تعريض لناشئة المسلمين لهذه الشبهات وتهوين من شأن الديانات الأخرى لأنه إذا كانت بصدد المقارنة بين كتبهم وبين القرآن هذه مشكلة هذه -والله المستعان-.

طالب: يدخل في ذلك يا شيخ النقل عن الأشخاص إذا كان مثلا الإنجيل والتوراة كالنقل عن الأشخاص...

النقل عن الأشخاص الذين يوردون الكلام من غير طلب يورد عليك حكمة أو جملة أو شيء..

طالب: لا أقصد كتبهم يا شيخ مثلا في التربية كتبهم في العادات كتبهم في مثلا..

على كل حال في شرعنا ما يغنينا عنهم في شرعنا ما يغنينا.

"وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْ كَانَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلاَّ اتِّبَاعِي» وَفِي مِثْلِهِ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» أَيْ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ غَيْرِهِ."

هذا من وجوه التفسير لهذا الحديث يتغنَّى يستغني وقول الأكثر أن معنى «من لم يتغنَّ» يعني من لم يحسِّن صوته بالقرآن ويتلذذ به ويطرب له ويستغني به عن غيره يعني مجموعا لأنه إذا حسَّن صوته وتلذذ بقراءته استغنى به عن كلام البشر.

طالب: بالنسبة للنظر في كتب أهل الكتاب حتى لو كان من أهل طلب العلم من طلاب العلم ألا يُمنَع؟ لأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-..

هذا لا شك أنه يُمنَع لكن من أراد أن يَرُدَّ عليهم دعاواهم هو يدَّعون دعاوى وأن عندهم كتاب منزَّل وكذا يرد عليهم من كتابهم ولا شك أن الكتب التي بأيديهم من عصره -عليه الصلاة والسلام- ومن قَبْل عصره من وفاة أنبيائهم أنها تعرَّضت للتحريف فلا يجوز النظر فيها بحال حتى إن بعض علماء الشافعية قال كلامًا شديدًا جدًّا في كتبهم وأنها لا تمثِّل الكتب المنزَّلة أبدًا التي بأيديهم حتى قال إنه يجوز أن يُستنجى بالتوراة التي بأيديهم على كل حال مثل هذا الكلام فيه مبالغة لكن يبقى أن النظر في كتابهم يُعرِّض الإنسان نفسه للشك والريب -والله المستعان-.

طالب: وخاصة الذي حُذِّر من ذلك عمر بن الخطاب ومن مثله محدث وذكي وفاهم فقد يكون من يقول لن تنجلي عليه هذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يُحذَّر من النظر في كتب أهل الكتاب.

نعم لكن الظروف والأحوال لها أحكامها يعني في بداية التنزيل وخشية الاختلاط بالقرآن وخشية الاستغناء عن القرآن يعني مثل وقت نشوء البِدَع عامة أهل العلم يشددون فيها بل قد يطلقون الكفر على أشياء لا تستحق الكفر كله من باب التشديد والتحذير في هذا الأمر يريدون به الكفر الأصغر لكن مع ذلك من أجل التنفير من هذا العمل ثم استقرت الأمور فمن كان لديه القدرة على الرد عليهم مثل شيخ الإسلام، شيخ الإسلام نقل عنهم -والله المستعان-.

"وَهَذَا تَأْوِيلُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الآيَةِ. وَإِذَا كَانَ لِقَاء رَبِّهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ فَأَكْثَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُقَدَّمَةِ الْكِتَابِ فَالرَّغْبَةُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ضَلالٌ وَخُسْرَانٌ وَغَبْنٌ وَنُقْصَانٌ."

تجد بعض الناس من ينتهي من دوامه من صلاة العصر إلى قدوم النوم وهو من جريدة إلى جريدة ومن قناة إلى قناة ومن إذاعة إلى إذاعة يسمع الأخبار وأقاويل الناس ويشاهد ما لا تجوز مشاهدته ومع ذلك لا يجود بساعة واحدة لكتاب الله -جل وعلا- والله المستعان لا شك أن هذا غبن هذا خذلان -نسأل الله السلامة والعافية-.

"{إِنَّ فِي ذلِكَ} أَيْ فِي الْقُرْآنِ {لَرَحْمَةً} فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَقِيلَ: رَحْمَةً فِي الدُّنْيَا باستنقاذهم مِنَ الضَّلالَةِ. {وَذِكْرى} فِي الدُّنْيَا بِإِرْشَادِهِمْ بِهِ إِلَى الْحَقِّ {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أَيْ قُلْ لِلْمُكَذِّبِينَ لَكَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا يَشْهَدُ لِي بِالصِّدْقِ فِيمَا أَدَّعِيهِ مِنْ أَنِّي رَسُولُهُ، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كِتَابُهُ. {يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ} أي لا يخفى عليه شيء. وَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِمْ، لأنهم قد أَقَرُّوا بِعِلْمِهِ فَلَزِمَهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِشَهَادَتِهِ. {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ} قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ: بِإِبْلِيسَ. وَقِيلَ: بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَالأَصْنَامِ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} أَيْ لِتَكْذِيبِهِمْ بِرُسُلِهِ، وَجَحْدِهِمْ لِكِتَابِهِ. وَقِيلَ: بِمَا أَشْرَكُوا بِهِ مِنَ الأَوْثَانِ، وَأَضَافُوا إِلَيْهِ مِنَ الأَوْلادِ وَالأَضْدَادِ. {أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} أنفسهم وأعمالهم في الآخرة."

كما جاء في قوله تعالى: {ألا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} نعم هذه هي الخسارة الحقيقية ليست الخسارة أن تبيع سيارة بثمن أقل مما تستحق أو الخسارة أن تبيع أرض بأقل مما تستحق ليست هذه هي الخسارة، وليست الخسارة أن تفقد حبيب أو عزيز أو تصاب بمصيبة في دنياك لا ليست هذه الخسارة، الخسارة خسارة الآخرة الذي خسروا أنفسهم -نسأل الله السلامة والعافية- والفلَس الحقيقي هو الفلَس في الآخرة لا في الدنيا لو خرج الإنسان من جميع ماله في الدنيا نُكِب بنكبة بصفقة بشيء خرج من ماله كله هذه ليست خسارة «أتدرون مَن المفلس؟» قالوا المفلس من لا درهم له ولا متاع قال «لا، المفلس من يأتي بأعمال» وفي رواية «أعمال أمثال الجبال ثم يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا ثم يأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته إلى أن تنتهي حسناته ثم يلقى عليه من سيآته ثم يلقى في النار» هذه هي الخسارة -نسأل الله العافية-.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ} لَمَّا أَنْذَرَهُمْ بِالْعَذَابِ قَالُوا لِفَرْطِ الإِنْكَارِ: عَجِّلْ لَنَا هَذَا الْعَذَابَ. وقيل: إن قائل ذلك النضر بن الحرث وَأَبُو جَهْلٍ حِينَ قَالا {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} وَقَوْلُهُمْ: {رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} وقوله: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} فِي نُزُولِ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي هُوَ مَا وَعَدْتُكَ أَلاَّ أُعَذِّبَ قَوْمَكَ وَأُؤَخِّرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. بَيَانُهُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ مُدَّةُ أَعْمَارِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالأَجَلِ الْمُسَمَّى النَّفْخَةُ الأُولَى، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ. وَقِيلَ: الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِهَلاكِهِمْ وَعَذَابِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَقِيلَ: هُوَ الْقَتْلُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلِكُلِّ عَذَابٍ أَجَلٌ لا يَتَقَدَّمُ وَلا يَتَأَخَّرُ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}. {لَجاءَهُمُ الْعَذابُ} يَعْنِي الَّذِي اسْتَعْجَلُوهُ. {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} أَيْ فَجْأَةً. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أَيْ لا يَعْلَمُونَ بِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ. {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ} أَيْ يَسْتَعْجِلُونَكَ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَأَنَّهَا سَتُحِيطُ بِهِمْ لا مَحَالَةَ، فَمَا مَعْنَى الاسْتِعْجَالِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا {أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً}.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ} قِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ، أَيْ يَوْمَ يُصِيبُهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، فَإِذَا غَشِيَهُمُ الْعَذَابُ أَحَاطَتْ بِهِمْ جَهَنَّمُ. وَإِنَّمَا قَالَ {مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} لِلْمُقَارَبَةِ وَإِلاَّ فَالْغشيَانُ مِنْ فَوْق أَعَمُّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

 

..................................

إما أن يقدَّر للثاني ما يناسبه أو يضمَّن الفعل الأول فعلا يصلح للأول والثاني عَلَفْتُهَا تِبْنًا التِّبْن يُعلَف صحيح لكن الماء البارد يُسقَى علفتها تبنًا وسقيتها ماءً باردًا أو يقول أنلْتها تبنًا وماءً باردًا والإنالة تكون تصلح للتبن والماء البارد ومثل ذلك {يوم يغشاهم العذاب من فوقهم} يعني يوم يصيبهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم فالإصابة تصلح للأمرين وإلا لا بد من تقدير لما تحت الأرجل لأن الغشيان إنما يكون من فوق.

"وَقَالَ آخَرُ:

لَقَدْ كَانَ قَوَّادَ الْجِيَادِ إِلَى الْعِدَا

 

عَلَيْهِنَّ غَابٌ مِنْ قَنًى وَدُرُوعِ

{وَيَقُولُ ذُوقُوا} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: نَقُولُ بِالنُّونِ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ} وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِمْ يَقُولُ "ذُوقُوا" والقراءتان تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى أَيْ يَقُولُ الْمَلَكُ بِأَمْرِنَا ذوقوا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ} هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيضِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ عَلَى الْهِجْرَةِ -فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ- فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِسَعَةِ أَرْضِهِ، وَأَنَّ الْبَقَاءَ فِي بُقْعَةٍ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ لَيْسَ بِصَوَابٍ."

لأن هذا يعرِّضهم للفتنة في الدِّين يُفتَنون في دينهم.

"بَلِ الصَّوَابُ أَنْ يَتَلَمَّسَ عِبَادَةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَعَ صَالِحِي عِبَادِهِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ فِي ضِيقٍ مِنْ إِظْهَارِ الإِيمَانِ بِهَا فَهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا وَاسِعَةٌ، لإِظْهَارِ التَّوْحِيدِ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وعطاء: إن الأرض التي فيها الظلم وَالْمُنْكَرُ تَتَرَتَّبُ فِيهَا هَذِهِ الآيَةُ، وَتَلْزَمُ الْهِجْرَةُ عَنْهَا إِلَى بَلَدٍ حَقٍّ. وقاله مالك."

الهجرة باقية إلى قيام الساعة فمن بلاد الكفر إلى ديار الإسلام هذه واجبة بل من أعظم الواجبات ولم تشرع الحيلة ويؤمر بها إلا في الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام {الذين لا يستطيعون حيلة} ما استثني إلا الذين لا يستطيعون حيلة، الذي يستطيع الحيلة لا يعذر، الهجرة من بلاد الاستقامة والالتزام على بلاد الفسوق والفجور وإن كانت الديار إسلامية لا شك أنها مطلوبة من ديار الفسوق إلى ديار الاستقامة والالتزام لأنهم يعينونه على الثبات والاستقامة ولا يتمكن بها من مزاولة المنكرات بخلاف العكس هذه يقول أهل العلم أنها مستحبة لكن إذا خشي على دينه في البلد الذي يكثر فيه المعاصي والمنكرات فإن الهجرة تكون في حقه واجبة لأنه لا يتم استقامته على أمر الله وعلى دين الله إلا بها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ} فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا."

بين الأمرين من الهجرات هجرات كثيرة يتردد فيها النظر تبعًا للمصالح المترتبة عليها فقد يقول قائل أنا أهاجر من البلد الفلاني الذي فيه الأخيار والصالحون بكثرة والمنكرات لا توجد أو نادرة إلى أحد الحرمين من أجل المضاعفات وإن كان فيها شيء من المخالفات من أجل مضاعفة الصلوات فيهما وبعضهم يقول العكس أنا أحفظ رأس المال وأبتعد عن مشاهدة المعاصي والمنكرات وأنفع في بلد لا يوجد فيه من ينفع بالقدر الكافي والمضاعفة تحصل لي مع هذه النية الصالحة وعلى كل حال مرد ذلك إلى مسألة الخلطة والعزلة أهل العلم يختلفون في الأمرين هل الخلطة أفضل أو العزلة أفضل؟ فترك البلدان الكبيرة التي فيها النفع الواسع المنتشر مع ما فيها من مخالفات لا شك أنه نوع من العزلة والعكس يعني ترك البلدان التي هي أصغر منها مع أن فيها شيء من المحافظة وليس فيها شيء من المنكرات الظاهرة إلى البلدان الكبيرة التي يكثر فيها النفع هذا شيء من الخلطة ولا شك أن الناس يتفاوتون منهم من يرجَّح في حقه العزلة ومنهم من يترجَّح في حقه الخلطة كل إنسان على حسب تأثره وتأثيره والصحابة -رضوان الله عليهم- بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- تفرقوا في الأمصار تركوا الحرمين وراحوا إلى الأمصار المفتوحة ليعم نفعهم.

طالب: أحسن الله إليك... الهجرة إلى المدينة رغبة في سكنى المدينة وجواره -عليه الصلاة والسلام-.

لا شك أنه يؤجر على هذه النية وجاء الترغيب في سكناها «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» على كل حال سكنى المدينة فيها أجر عظيم وفيها فضل وفيها أيضا شيء مما لا ينبغي مشاهدته والاطلاع عليه.

"وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: الْمَعْنَى إِنَّ رَحْمَتِي وَاسِعَةٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: إِنَّ رِزْقِي لَكُمْ وَاسِعٌ فَابْتَغُوهُ فِي الأَرْضِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ غَالِيَةٍ فَانْتَقِلْ إِلَى غَيْرِهَا تَمْلأ فِيهَا جِرَابَكَ خُبْزًا بِدِرْهَمٍ."

لكن مثل هذا ليس من المقاصد الشرعية أن تنتقل من بلاد الغلاء إلى بلاد الرخص اللهم إلا إذا كنت تريد مع ذلك أن تعف نفسك وتعف من تمون وتكتفي بذلك عن مسألة الناس فهذا يدخل في هذا قال أبو حيان وقد انتقل من بلاد الأندلس إلى مصر لما قيل له قال تعيش بدانق بمصر تعيش بدانق الدانق سدس الدرهم بينما في الأندلس ما تعيش لا بدرهم ولا بدرهمين ولا بدينار فالهجرة لهذا المقصد ليست شرعية لذاتها إنما هي من أجل الدنيا لكن يحتف بهذه الهجرة يقول شخص أنا والله بالرياض سأنتقل إلى بلدٍ الخرج مثلا لماذا؟ يقول لك والله الخرج الآن بدلا من أن أصرف بالرياض عشرة آلاف في الشهر أصرف خمسة بالشهر نقول نعم إن ترتب على كثرة مصروفك في الرياض كونك تذل نفسك بسؤال الناس وتهين نفسك وتروح لتعف نفسك هناك هذا شرعي وإلا مجرد كونه ينخفض مصروفك من كذا إلى كذا هذا الهجرة الآن هجرة لدنيا ليست لآخرة -والله المستعان-.

"وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ أَرْضِي التي هي أرضى الْجَنَّةِ وَاسِعَةٌ. "فَاعْبُدُونِ" حَتَّى أُورِثَكُمُوهَا. {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} فَإِيَّايَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ فَاعْبُدُوا إِيَّايَ فَاعْبُدُونِ، فَاسْتَغْنَى بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ عَنِ الثَّانِي، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: "فَإِيَّايَ" بِمَعْنَى الشَّرْطِ."

يعني تقديم المفعول على عامله تقول زيدًا ضربْتُ يحتاج إلى أن تقدِّر فعل تقول ضربتُ زيدًا ضربتُ؟ لا يحتاج يجوز تقديم المفعول لكن الإشكال في الفاء التي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها يجعلهم يقدِّرون فإياي فاعبدون وإلا يجوز تقديم المفعول على عامله.

"أَيْ إِنْ ضَاقَ بِكُمْ مَوْضِعٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِي فِي غَيْرِهِ."

طالب: صاحب القصة الأندلسي أو التوحيدي؟

لا، الأندلسي صاحب التفسير لكن عُرف عنه شيء من الشدة في أمر المال حتى أُثر عنه أنه يقول يقال بخيل ولا يقال فقير لا، ترجمته حافلة بنفح الطيب وذكر عنه قصص كثيرة في هذا الباب والله المستعان ولو لم يكن له إلا هذا التفسير العظيم البحر المحيط.

"أَيْ إِنْ ضَاقَ بِكُمْ مَوْضِعٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِي فِي غَيْرِهِ لأَنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ} تَقَدَّمَ فِي "آلِ عمران"."

قيل له في شراء الكتب قال الكتب تجد من يعيرك والدراهم ما تجد من يعيرك -والله المستعان-.

طالب: أحسن الله إليك... المسلمين الذين يعيشون في الغرب بعضهم يحتج بأنه يستطيع أن يظهر دينه أكثر من لو كان في بلاد المسلمين.

ما يستطيع لأنهم لا يفهمون معنى الإظهار.

وقد برئ المعصوم من كل مسلم

 

يقيم بدار الكفر غير مصارم

ما يفهمون ما معنى أثر البقاء عليهم وعلى ذريتهم؟ يعني فرق كبير بين شخص ما سافر وأولاده ما سافروا ولا رأوا الكفار ولا رأوا كيف يعمل الكفار ولا تسلط عليهم الكفار مع شخص خالط الكفار وعاش أولاده بين الكفار ونساؤه لكن قد يقول قائل أنه كثير من الطالب الذين ذهبوا لبعثات دراسية هناك أنهم ذهبوا ناسًا عاديين ورجعوا دعاة يعني وُجِد من هذا النوع لكن ليس مرَدّ ذلك إلى أنهم وجدوا في بلاد الكفر يعني الله -جل وعلا- مَنَّ عليهم بالهداية فدعوا إلى دينهم هناك وانتقلوا إلى بلدانهم على هذه الصفة وإلا فمخالطة المشركين لا شك أنها ضرر محض على الدين.

طالب: حتى يا شيخ -أحسن الله إليك- لو قام بواجب الدعوة...

نعم لكن ماذا عن أولاده؟ كيف يدرِّس أولاده؟ كيف يحفظ أولاده من التأثر؟ يعني ألزم ما على الإنسان نفسه وأولاده.

"وإنما ذكره ها هنا تَحْقِيرًا لأَمْرِ الدُّنْيَا وَمَخَاوِفِهَا. كَأَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ نَظَرَ فِي عَاقِبَةٍ تَلْحَقُهُ فِي خُرُوجِهِ مِنْ وَطَنِهِ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ يَمُوتُ أَوْ يَجُوعُ أَوْ نَحْو هَذَا، فَحَقَّرَ اللَّهُ شَأْنَ الدُّنْيَا. أَيْ أَنْتُمْ لا مَحَالَةَ مَيِّتُونَ وَمَحْشُورُونَ إِلَيْنَا، فَالْبِدَارُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى مَا يُمْتَثَلُ. ثُمَّ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ بِسُكْنَى الْجَنَّةِ تَحْرِيضًا مِنْهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ الْجَزَاءَ الَّذِي يَنَالُونَهُ، ثُمَّ نَعَتَهُمْ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وقرأ أبو عمر ويعقوب والجحدري وابن أبي أسحق وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ "يَا عِبَادِي" بِإِسْكَانِ الْيَاءِ. وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ. "إِنَّ أَرْضِي" فَتَحَهَا ابْنُ عَامِرٍ. وَسَكَّنَهَا الْبَاقُونَ. وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَلَوْ قِيدَ شِبْرٍ اسْتَوْجَبَ الْجَنَّةَ وَكَانَ رَفِيقَ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ» عَلَيْهِمَا السَّلامُ."

مُخَرَّج هذا مُخَرَّج؟ ماذا يقول؟

طالب: ما ذكر تخريج وإنما أشار إلى... تفسير أبي الليث والكشاف وقد سلف.

طالب: ضعيف جدا هو ضعيف جدا قال ابن حجر في الكشاف أخرجه الحلبي عن الحسن مرسلا انتهى..

نعم.

"وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ "يُرْجَعُونَ" بِالْيَاءِ، لِقَوْلِهِ {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ، لِقَوْلِهِ {يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:

الْمَوْتُ فِي كُلِّ حِينِ يَنْشُدُ الْكَفَنَا

 

وَنَحْنُ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا يُرَادُ بِنَا

لا تَرْكَنَنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا

 

وَإِنْ تَوَشَّحْتَ من أثوابها الحسنا

أَيْنَ الأَحِبَّةُ وَالْجِيرَانُ مَا فَعَلُوا

 

أَيْنَ الَّذِينَ هُمُو كَانُوا لَهَا سَكَنَا

سَقَاهُمُ الْمَوْتُ كَأْسًا غَيْرَ صَافِيَةٍ

 

صَيَّرَهُم تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى رُهُنَا

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "لَنُثويَنَّهُمْ" بِالثَّاءِ مَكَانَ الْبَاءِ مِنَ الثَّوْيِ وَهُوَ الإِقَامَةُ، أَيْ لَنُعْطِيَنَّهُمْ غُرَفًا يَثْوُونَ فِيهَا. وَقَرَأَ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَالْجَحْدَرِيِّ وَالسُّلَمِيِّ "لَيُبَوِّئَنَّهُمْ" بِالْيَاءِ مَكَانَ النُّونِ. والْبَاقُونَ "لَنُبَوِّئَنَّهُمْ" أَيْ لَنُنْزِلَنَّهُمْ. "غُرَفاً" جَمْعُ غُرْفَةٍ وَهِيَ الْعليَّةُ الْمُشْرِفَةُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ» وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي كِتَابِ "التَّذْكِرَةِ" وَالْحَمْدُ لِلَّهِ."

التذكرة في أمور الآخرة للمؤلف للقرطبي مطبوع في ثلاثة أجزاء كتاب نافع وفيه أحاديث ضعيفة لكنه في الجملة كتاب جامع في بابه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ} أَسْنَدَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ يزيد بن هارون، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنِ الزُّهْرِيِّ -وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ- عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ يَلْتَقِطُ مِنَ الثَّمَرِ ويأكل فقال: «يا ابن عمر ما لك لا تَأْكُلُ» فَقُلْتُ لا أَشْتَهِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «لَكِنِّي أَشْتَهِيهِ وَهَذِهِ صَبِيحَةُ رَابِعَةٍ لَمْ أَذُقْ طَعَامًا وَلَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُخَبِّئُونَ رِزْقَ سَنَتِهِمْ وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ» قَالَ: وَاللَّهُ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ يُضعفهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَدَّخِرُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ، اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ عَلَيْهِ وَمُسْلِمٌ. وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَهُمُ الْقُدْوَةُ، وَأَهْلُ الْيَقِينِ وَالأَئِمَّةُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ."

يمكن تخريجه على وجه يصح بأن يكون هذا الوصف شأن الجميع وديدن الجميع على مر الدهور والأعوام يعني كونه يدخر قوت سنة يعني في بعض السنين دون بعض وإلا فبيته خلا من الطعام في كثير من الأوقات وكان -عليه الصلاة والسلام- يمر ويظهر ويُرَى الهلال ثم الهلال ثم الثالث ثلاثة أهلَّة في شهرين ما يوقد في بيته نار وعيشه -عليه الصلاة والسلام-مشروح في الصحيحين وغيرهما أنه ما فيه توسع وإن ادخر في بعض الأعوام قوت سنة من التمر إنما هما الأسودان لكن هل توقد النار في بيته؟ يمر الشهرين ما أوقدت النار فكونه -عليه الصلاة والسلام- يذم من يدخرون القوت لمدة سنة بأنواع الأطعمة والأشربة والمأكولات وما أشبه ذلك لا يعني أنه معارض بحديث أنه يدَّخر قوت أهله لسنة فكونه يدَّخر أحيانا قد يوجد عنده وقد لا يوجد قد يوجد في سنة ولا يوجد في سنين لكن ما ذكره ممن سيأتي فيما بعد هؤلاء مطَّرد عندهم هذا موجود عندنا يوجد في بعض البيوت مَن يشتري على رأس كل سنة مائة كيس وهو ما يستغرق ولا عشرة ولا عشرين كل هذا من  باب الترف والزيادة وقد يصحب ذلك سوء ظن بالله -جلا وعلا- يمكن تنقطع الميرة تقل الأرزاق وما أشبه ذلك يوجد من يدَّخر بمثل هذه الطريقة الذي يكفيه عشر سنين لاسيما إذا سمع من التحاليل أو سمع من بعض الأخبار أو غلب على ظنه أنه يحصل شيء مثل هذا لا شك أنه مذموم لأنه في طيِّه سوء الظن بالله -جل وعلا- أما من ادخر القوت لمدة سنة كما كان يفعله -عليه الصلاة والسلام- الشيء اليسير الذي يقيم الصلب فقط هذا لا إشكال فيه.

الحديث مُخَرَّج عندك؟ الحديث الأول الذي ضعفه، ماذا يقول؟

طالب: قال ضعيف -عفا الله عنك- أخرجه الواحدي من حديث ابن عمر وضعفه السيوطي في أسباب النزول والدر وزاد... ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن عساكر والبيهقي وإسناده ضعيف لضعف الجراح بن منهال به أعله ابن كثير في تفسيره وكذا ضعفه القرطبي.

القرطبي ضعَّفه لا من حيث الإسناد ضعفه بالمخالفة متنه يعني.

طالب: قال تنبيه وقد تحرف اسمه عند الواحدي حيث وقع فيه الحجاج بن منهال وتبعه على ذلك القرطبي وليس كذلك لأن الحجاج بن منهال روى له الشيخان فعلى هذا...

الحجاج بن منهال ثقة وإن ضعفه ابن حزم بأن شعبة سمع من بيته صوت الطنبور فضعفه فضعفه ابن حزم بهذا مع أنه لا يرى شيء في الطنبور ابن حزم والله المستعان.

طالب: ... في النسخ حجاج والتصويب من المصادر.

طيب.

"وَقَدْ رَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ حِينَ آذَاهُمُ الْمُشْرِكُونَ «اخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَاجِرُوا وَلا تُجَاوِرُوا الظَّلَمَةَ» قَالُوا: لَيْسَ لَنَا بِهَا دَارٌ وَلا عَقَارٌ وَلا مَنْ يُطْعِمُنَا وَلا مَنْ يَسْقِينَا. فَنَزَلَتْ {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ} أَيْ لَيْسَ مَعَهَا رِزْقُهَا مُدَّخَرًا. وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ يَرْزُقُكُمُ اللَّهُ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ. وَهَذَا أَشْبَهُ مِنَ القول الأول. وتقدم الكلام في" كَأَيِّنْ" وأن هَذِهِ أَيِّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَافُ التَّشْبِيهِ وَصَارَ فِيهَا مَعْنَى كَمْ. وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ كَالْعَدَدِ. أَيْ كَشَيْءٍ كَثِيرٍ مِنَ الْعَدَدِ مِنْ دَابَّةٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الطَّيْرَ وَالْبَهَائِمَ تَأْكُلُ بِأَفْوَاهِهَا وَلا تَحْمِلُ شَيْئًا. قال الْحَسَنُ: تَأْكُلُ لِوَقْتِهَا وَلا تَدَّخِرُ لِغَدٍ. وَقِيلَ: {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أَيْ لا تَقْدِرُ عَلَى رِزْقِهَا {اللَّهُ يَرْزُقُها} أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ {وَإِيَّاكُمْ} وَقِيلَ: الْحَمْلُ بِمَعْنَى الْحَمَالَةِ. وَحَكَى النَّقَّاشُ: أَنَّ الْمُرَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَأْكُلُ وَلا يَدَّخِرُ. قُلْتُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ."

هذا باطل لأن الدابة لا تُطلَق على الإنسان فضلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم} يعني قدَّم الدواب على بني آدم مع أن ابن آدم قد يكون له سبب وسعي في الرزق ومعالجة في الحرث والزرع بخلاف الدواب كل هذا لئلا يزعم أنه بسبه كسب فقُدِّم الدواب على بني لآدم في هذا من أجل ألا يزعم ابن آدم أنه بسببه وكسبه رُزِق وإن كان كسبه وسعيه فيه كله من توفيق الله -جل وعلا- هذا سبب ومأمور به بلا شك لكن مع ذلك السبب لا يستقل بالنتيجة.

"قُلْتُ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لإِطْلاقِ لَفْظِ الدَّابَّةِ، وَلَيْسَ مُسْتَعْمَلاً فِي الْعُرْفِ إِطْلاقُهَا عَلَى الآدَمِيِّ فَكَيْفَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" النَّمْلِ" عِنْدَ قَوْلِهِ {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدَّوَابُّ هُوَ كُلُّ مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَكُلُّهُ لا يَحْمِلُ رِزْقَهُ وَلا يَدَّخِرُ إِلاَّ ابْنَ آدَمَ وَالنَّمْل وَالْفَأْر. وَعَنْ بَعْضِهِمْ رَأَيْتُ الْبُلْبُلَ يَحْتَكِرُ فِي مِحْضَنِهِ. وَيُقَالُ لِلْعَقْعَقِ مَخَابِئُ إِلاَّ أَنَّهُ يَنْسَاهَا {اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ} يُسَوِّي بَيْنَ الْحَرِيصِ وَالْمُتَوَكِّلِ فِي رِزْقِهِ، وَبَيْنَ الرَّاغِبِ وَالْقَانِعِ، وَبَيْنَ الْحَيُولِ وَالْعَاجِزِ حَتَّى لا يَغْتَرَّ الْجَلِدُ أَنَّهُ مَرْزُوقٌ بِجَلَدِهِ، وَلا يَتَصَوَّرُ الْعَاجِزُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِعَجْزِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بطانا»."

يعني تتوكلون التوكل التام مع بذل السبب لا يعني هذا أن الإنسان من لازم توكله أن يجلس في بيته أو في مسجده وينتظر الرزق لا بد من بذل السبب ولذا قال تغدو وتروح.

"وهو السميع لِدُعَائِكُمْ وَقَوْلِكُمْ لا نَجِدُ مَا نُنْفِقُ بِالْمَدِينَةِ {الْعَلِيمُ} بما في قلوبكم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ} الآيَةَ. لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْفَقْرِ وَقَالُوا لَوْ كُنْتُمْ عَلَى حَقٍّ لَمْ تَكُونُوا فُقَرَاءَ، وَكَانَ هَذَا تَمْوِيهًا، وَكَانَ فِي الْكُفَّارِ فُقَرَاءُ أَيْضًا أَزَالَ اللَّهُ هَذِهِ الشُّبْهَةَ. وَكَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنْ هَاجَرْنَا لَمْ نَجِدْ مَا نُنْفِقُ. أَيْ فَإِذَا اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ، فَكَيْفَ تَشُكُّونَ فِي الرِّزْقِ، فَمَنْ بِيَدِهِ تَكْوِينُ الْكَائِنَاتِ لا يَعْجِزُ عَنْ رِزْقِ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أَيْ كَيْفَ يَكْفُرُونَ بِتَوْحِيدِي وَيَنْقَلِبُونَ عَنْ عِبَادَتِي. {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ} أَيْ لا يَخْتَلِفُ أَمْرُ الرِّزْقِ بِالإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، فَالتَّوْسِيعُ وَالتَّقْتِيرُ مِنْهُ فَلا تَعْيِيرَ بِالْفَقْرِ، فَكُلُّ شيء بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ. {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} من أحوالكم وأموركم. وقيل: عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ مِنْ إِقْتَارٍ أَوْ تَوْسِيعٍ."

لأن من الناس من يصلحه الفقر لأن لو استغنى أو أُغني لأفسده ذلك ومن الناس العكس من لا يصلحه إلا الغنى ولو افتقر لأفسده ذلك فالله -جل وعلا- هو العليم وهو الحكيم الخبير.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً} أَيْ مِنَ السَّحَابِ مَطَرًا. {فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها} أَيْ جَدْبِهَا وَقَحْطِ أَهْلِهَا. {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أَيْ فَإِذَا أَقْرَرْتُمْ بِذَلِكَ فَلِمَ تُشْرِكُونَ بِهِ وَتُنْكِرُونَ الإِعَادَةَ. وَإِذا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِغْنَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكررَ تَأْكِيدًا."

ما كان المشركون يشكُّون في أن الذي ينزل المطر هو الله -جل وعلا- {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت : 63] ما كانوا يشكُّون ووُجد من يزعم أنه يستمطر ويستطيع أن ينزِّل المطر بوسائله وأسبابه هذا أعظم من اعتراف المشركين المشركون ما ادَّعَوا ذلك ووجد من يدَّعي ذلك في هذه العصور-نسأل الله العافية-.

طالب: أحسن الله إليك إذا كان بسبب المحسوس يسمونه استحداث...

أنت تصدقهم؟! شفتهم أنت؟!

طالب: لا، هم يَدَّعون.

يدَّعون ما ينفع يدَّعون ثم ينكرون فقط كل هذا من أجل يوجدوا عندنا الشك في ديننا، تدري أن الآن التكذيب قوي في بلاد الغرب أنهم ما وصلوا القمر؟ فقط شككونا مدة ثم بعد ذلك تخلوا عن نظرياتهم جعلونا معلَّقين بهم نفيًا وإثباتًا وهذه طريقتهم في تشكيكنا.

طالب: ... بعض الدول الصحراوية العربية فعلوا عندهم استمطار وبعد أسبوعين قالوا والله بلدكم ما يصلح فيها المطر.

على كل حال كل هذا من أجل التشكيك تشكيك الناس في عقائدهم -والله المستعان-.

طالب: يا شيخ أحسن الله إليكم استقر في أذهان الناس... وقعوا على سطح القمر وجابوا منها حجارة.

نعم هذا قالوه لنا وصدَّقنا ثم كذبوا أنفسهم هم ما هو وضعنا نحن؟! ومع الأسف أن بعض الناس ينزِّل النصوص الشرعية الثابتة من الكتاب والسنة على نظرياتهم القابلة للنفي والإثبات فإذا أثبتوا ثبتت الآية طيب إذا نفوا ماذا يحصل؟! ننفي الآية أيضا؟! كلهم يريدون هذا يريدون تشكيكنا في ديننا.

"{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أَيْ عَلَى مَا أَوْضَحَ مِنَ الْحُجَجِ والبراهين على قدرته. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} أي لا يتدبرون هذه الحجج. وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: عَلَى إِنْزَالِ الْمَاءِ وَإِحْيَاءِ الأَرْضِ. {وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} أي شيء يُلْهَى بِهِ وَيُلْعَبُ. أَيْ لَيْسَ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ الأَغْنِيَاءَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَهُوَ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، كَاللَّعِبِ الَّذِي لا حَقِيقَةَ لَهُ وَلا ثَبَاتَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الدُّنْيَا إِنْ بَقِيَتْ لَكَ لَمْ تَبْقَ لَهَا. وَأَنْشَدَ:

تَرُوحُ لَنَا الدُّنْيَا بِغَيْرِ الَّذِي غَدَتْ

 

وَتَحْدُثُ مِنْ بَعْدِ الأُمُورِ أُمُورُ

وَتَجْرِي اللَّيَالِي بِاجْتِمَاعٍ وَفُرْقَةٍ

 

وَتَطْلُعُ فِيهَا أَنْجُمٌ وَتَغُورُ

فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الدَّهْرَ بَاقٍ سُرُورُهُ

 

فَذَاكَ مُحَالٌ لا يَدُومُ سُرُورُ

عَفَا اللَّهُ عَمَّنْ صَيَّرَ الْهَمَّ وَاحِدًا

 

وَأَيْقَنَ أَنَّ الدَّائِرَاتِ تَدُورُ

قُلْتُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْمَلْبَسِ الزَّائِدِ عَلَى الضَّرُورِيِّ الَّذِي بِهِ قِوَامُ الْعَيْشِ، وَالْقُوَّة عَلَى الطَّاعَاتِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ فَهُوَ مِنَ الآخِرَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى كَمَا قَالَ: {وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرامِ} أَيْ مَا ابْتُغِيَ بِهِ ثَوَابُهُ وَرِضَاهُ."

وفي الآية إثبات الوجه لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته وأما تأويله بالثواب والرضا فلا وجه له هذا فرار من إثبات الصفة.

"{وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ} أَيْ دَارُ الْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي لا تَزُولُ وَلا مَوْتَ فِيهَا. وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنَّ الْحَيَوَانَ وَالْحَيَاةَ وَالْحِيِّ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَاحِدٌ. كَمَا قَالَ وَقَدْ تَرَى إِذِ الْحَيَاةُ حِيُّ وَغَيْرُهُ يَقُولُ: إِنَّ الْحِيَّ جمع عَلَى فِعِوْلٍ مِثْلَ عِصِيٍّ. وَالْحَيَوَانُ يَقَعُ عَلَى كل شي حي. وحيوان عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: أَصْلُ حَيَوَانٍ حَيَيَانٍ فَأُبْدِلَتْ إِحْدَاهُمَا وَاوًا، لاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ. {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} أنها كذلك.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} يَعْنِي السُّفُنَ وَخَافُوا الْغَرَقَ {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أَيْ صَادِقِينَ فِي نِيَّاتِهِمْ، وَتَرَكُوا عِبَادَةَ الأَصْنَامِ وَدُعَاءَهَا. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} أَيْ يَدْعُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَمَا لم يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا. وَقِيلَ: إِشْرَاكُهُمْ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ لَوْلا اللَّهُ وَالرَّئِيسُ أَوِ الْمَلاَّحُ لَغَرِقْنَا، فَيَجْعَلُونَ مَا فَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّجَاةِ قِسْمَةً بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ."

لأن الواو تقتضي التشريك لولا الله والرئيس لولا الله وفلان كل هذا يقتضي التشريك فلا يجوز بحال هذا شرك -نسأل الله العافية- لكن لو أتى بثم لولا الله ثم فلان لأنه سبب من الأسباب والمسبِّب هو الله -جل وعلا- لما حصل كذا لكان الأمر أسهل.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا} قِيلَ: هُمَا لامُ كَيْ أَيْ لِكَيْ يَكْفُرُوا وَلِكَيْ يَتَمَتَّعُوا. وَقِيلَ:" {إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} لِيَكُونَ ثَمَرَةَ شِرْكِهِمْ أَنْ يَجْحَدُوا نِعَمَ اللَّهِ وَيَتَمَتَّعُوا بِالدُّنْيَا. وَقِيلَ: هُمَا لامُ أَمْرٍ مَعْنَاهُ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيد، أَيِ اكْفُرُوا بِمَا أَعْطَيْنَاكُمْ مِنَ النِّعْمَةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الْبَحْرِ وَتَمَتَّعُوا. وَدَلِيلُ هَذَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ {وَتَمَتَّعُوا} ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: وَيُقَوِّي هَذَا قِرَاءَةُ الأَعْمَشِ وَنَافِعٍ وَحَمْزَةَ: {وَلْيتمَتَّعُوا} بِجَزْمِ اللاَّمِ، النَّحَّاسُ: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} لامُ كَيْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لامَ أَمْرٍ، لأَنَّ أَصْلَ لامِ الأَمْرِ الْكَسْرُ، إِلاَّ أَنَّهُ أَمْرٌ فِيهِ مَعْنَى التَّهْدِيدِ. وَمَنْ قَرَأَ: {وَلْيَتَمَتَّعُوا} بِإِسْكَانِ اللاَّمِ لَمْ يَجْعَلْهَا لامَ كَيْ، لأَنَّ لامَ كَيْ لا يَجُوزُ إِسْكَانُهَا."

التي تُسكَّن هي لام الأمر وأما لام كي فمكسورة.

"وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَالْمُسَيِّبِيِّ وَقَالُونَ عَنْ نَافِعٍ، وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ والْبَاقُونَ بِكَسْرِ اللاَّمِ. وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}."

هذه في سورة.. الآية تَقدَّم نظيرها في النحل وسيأتي نظيرها في الروم الفرق بين الآيات الثلاث {وليتمتعوا} ويوجد أيضا {فتمتعوا} فقراءة أبي العالية تجعل الآيات واحدة صياغتها ولفظها واحد وعلى كل حال كل هذا تهديد {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} {وَلِيَتَمَتَّعُوا} لكن الموعد بعد الحساب.

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: الكتب التي اهتمت بهذه الفروق..

من أنفع الكتب في هذا الباب درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي وأنفع منها استخراج الإنسان هذا الأمر بنفسه إذا تدبر القرآن وجد أمور.

طالب: الكتاب مرة ثانية يا شيخ.

درة التنزيل وغرة التأويل للخطيب الإسكافي.

"تهديد ووعيد، قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً} قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: هِيَ مَكَّةُ وَهُمْ قُرَيْشٌ أَمَّنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} قَالَ الضَّحَّاكُ: يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَالْخَطْفُ الأَخْذُ بِسُرْعَةٍ. وَقَدْ مَضَى فِي "الْقَصَصِ" وَغَيْرِهَا. فَأَذْكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ لِيُذْعِنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ. أَيْ جَعَلْتُ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا أَمِنُوا فِيهِ مِنَ السَّبْيِ وَالْغَارَةِ وَالْقَتْلِ، وَخَلَّصْتُهُمْ فِي الْبَرِّ كَمَا خَلَّصْتُهُمْ فِي الْبَحْرِ، فَصَارُوا يُشْرِكُونَ فِي الْبَرِّ وَلا يُشْرِكُونَ فِي الْبَحْرِ. فَهَذَا تَعَجُّبٌ مِنْ تَنَاقُضِ أَحْوَالِهِمْ. {أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: أَفَبِالشِّرْكِ. وَقَالَ. يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ: أَفَبِإِبْلِيسَ. {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفَبِعَافِيَةِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ شَجَرَةَ: أَفَبِعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَلاَّمٍ: أَفَبِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْهُدَى. وَحَكَى النَّقَّاشُ: أَفَبِإِطْعَامِهِمْ مِنْ جُوعِ، وَأَمْنِهِمْ مِنْ خَوْفٍ يَكْفُرُونَ. وَهَذَا تَعَجُّبٌ وَإِنْكَارٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الاسْتِفْهَامِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} أَيْ لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا وَوَلَدًا، وَإِذَا فَعَلَ فَاحِشَةً قَالَ: {وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها}. {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ} قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلاَّمٍ: بِالْقُرْآنِ وَقَالَ السُّدِّيُّ بِالتَّوْحِيدِ. وَقَالَ ابْنُ شَجَرَةَ: بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكُلُّ قَوْلٍ يَتَنَاوَلُ الْقَوْلَيْنِ. {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ} أَيْ مُسْتَقَرٌّ. وهو استفهام تقرير.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا} أَيْ جَاهَدُوا الْكُفَّارَ فِينَا. أَيْ فِي طَلَبِ مَرْضَاتِنَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ فَرْضِ الْقِتَالِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَهِيَ قَبْلَ الْجِهَادِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ جِهَادٌ عَامٌّ فِي دِينِ اللَّهِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ. وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ: الآيَةُ فِي الْعُبَّادِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: هِيَ فِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ. وَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ عَلَّمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ» وَنَزَعَ بعض العلماء إلى قوله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّمَا قَصَّرَ بِنَا عَنْ عِلْمِ مَا جَهِلْنَا تَقْصِيرُنَا فِي الْعَمَلِ بِمَا عَلِمْنَا، وَلَوْ عَمِلْنَا بِبَعْضِ مَا عَلِمْنَا لأَوْرَثَنَا عِلْمًا لا تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: لَيْسَ الْجِهَادُ فِي الآيَةِ قِتَالَ الْكُفَّارِ فَقَطْ بَلْ هُوَ نَصْرُ الدِّينِ، وَالرَّدُّ عَلَى الْمُبْطِلِينَ، وَقَمْعُ الظَّالِمِينَ، وَعظمة الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمِنْهُ مُجَاهَدَةُ النُّفُوسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْجِهَادُ الأَكْبَرُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لابْنِ الْمُبَارَكِ: إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فَعَلَيْكَ بِالْمُجَاهِدِينَ وَأَهْلِ الثُّغُورِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ} وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَى الآيَةِ، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي الْهِجْرَةِ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ الثَّبَاتِ عَلَى الإِيمَانِ. ثُمَّ قَالَ: مَثَلُ السُّنَّةِ فِي الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى، مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فِي الْعُقْبَى سَلِمَ، كَذَلِكَ مَنْ لَزِمَ السُّنَّةَ فِي الدُّنْيَا سَلِمَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَاعَتِنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ ثَوَابِنَا. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِ الطَّاعَةِ جَمِيعَ الأَقْوَالِ، وَنَحْوَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: تَقُولُ الْحِكْمَةُ مَنْ طَلَبَنِي فَلَمْ يَجِدْنِي فَلْيَطْلُبْنِي فِي مَوْضِعَيْنِ: أَنْ يَعْمَلَ بِأَحْسَنَ مَا يَعْلَمُهُ، وَيَجْتَنِبَ أَسْوَأَ مَا يَعْلَمُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيِ الَّذِينَ هَدَيْنَاهُمْ هُمُ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} أَيْ طَرِيقَ الْجَنَّةِ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، النَّقَّاشُ: يُوَفِّقُهُمْ لِدِينِ الْحَقِّ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: الْمَعْنَى لَنُخَلِّصَنَّ نِيَّاتِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ وَصَلَوَاتِهِمْ وَصِيَامَهُمْ. {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} لامُ تَأْكِيدٍ وَدَخَلَتْ فِي "مَعَ" عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَنْ يَكُونَ اسْمًا وَلامُ التَّوْكِيدِ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الأَسْمَاءِ، أَوْ حَرْفًا فَتَدْخُلُ عَلَيْهَا، لأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الاسْتِقْرَارِ، كَمَا تَقُولُ إِنَّ زَيْدًا لَفِي الدَّارِ وَ"مَعَ" إِذَا سُكِّنَتْ فَهِيَ حَرْفٌ لا غَيْرُ، وَإِذَا فُتِحَتْ جَازَ أَنْ تَكُونَ اسْمًا وَأَنْ تَكُونَ حَرْفًا. وَالأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا جَاءَ لِمَعْنًى. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الإِحْسَانِ وَالْمُحْسِنِينَ فِي "الْبَقَرَةِ" وَغَيْرِهَا. وَهُوَ سُبْحَانُهُ مَعَهُمْ بِالنُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةُ، وَالْحِفْظِ وَالْهِدَايَةِ، وَمَعَ الْجَمِيعِ بِالإِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةُ. فَبَيْنَ المعينين بون."

المعية العامة والمعية الخاصة {لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} معية خاصة و{مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد : 4] معية عامة والله -جل وعلا- مع خلقه مع كونه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه فوق سماواته وهو أقرب إليهم من حبل الوريد على قول أن المراد به الله -جل وعلا- أما الذي يقول أن المراد به ملَك الموت فيختلف المعنى ويختلفون في المعية العامة والخاصة هل لها نظير في القرب؟ هل يكون القرب عام وخاص كالمعية العامة والخاصة؟ وشيخ الإسلام يقرر أن هناك فرق بين المعية العامة والخاصة هذه موجودة وأما بالنسبة للقرب فعام وليس هناك قرب خاص.

طالب: أحسن الله إليك قول سفيان بن عيينة...

هذا الكلام يذكر عن ابن المبارك هو يذكر من كلام ابن المبارك لأنه مجاهد وجرَّب يقول إذا أشكل عليكم شيء فعليكم بأهل الثغور لأن الله -جلا وعلا- يقول {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت : 69] وحملا للآية على المعنى الخاص للجهاد والآية أعم من ذلك.

وبهذا نكون انتهينا من هذا الجزء في آخر يوم من هذا العام نسأل الله -جلا وعلا- أن يجعل العام الجديد عام نصر وعز للمسلمين وموعدنا إن شاء الله يوم الإثنين في الأسبوع الثاني من الفصل الثاني.

 

والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

"