شرح متن الورقات في أصول الفقه (16)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:  فقد قال إمام الحرمين -رحمه الله تعالى-:

وأما القياس: فهو رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعها في الحكم، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الشيخ: تجمعهما.

الطالب: أحسن الله إليك..

بعلة تجمعهما في الحكم، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه، فقياس العلة: ما كانت العلة فيه موجبة للحكم، وقياس الدلالة: هو الاستدلال بأحد النظرين على الآخر، وهو أن تكون العلة دالة على الحكم، ولا تكون موجبة للحكم، وقياس الشبه: هو الفرع المردد بين أصلين فيلحق...

الشيخ: المتردد.

هو الفرع المتردد بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- الكلام على الأصول الثلاثة المتفق عليها -الكتاب والسنة والإجماع- تكلم -رحمه الله تعالى- على الأصل الرابع من أصول الاستدلال عند أهل العلم، وهو القياس، الأصل الرابع من أصول الاستدلال بعد الكتاب والسنة والإجماع: القياس.

فالقياس حجة عند جمهور أهل العلم، جمهور أهل العلم يرون الاحتجاج بالقياس، خلافاً لأهل الظاهر الذين لا يرون القياس، أهل الظاهر لا يرون الأقيسة، ولابن حزم كتاب اسمه (إبطال القياس)، وكثيراً ما يشنع في كتبه على أهل الرأي الذين يقيسون الدين ويثبون الأحكام بآرائهم على حد زعمه.

ولذا توقف كثير من أهل العلم بالاعتداد بأهل الظاهر خلافاً ووفاقاً، وقال: إنه لا يعتد بهم، ولقد نص كثير من أهل العلم على عدم الاعتداد بأهل الظاهر.

يقول النووي في شرح مسلم: "ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد".

مثل أهل الظاهر الذين لا يرون القياس كيف يتصرفون في كثير من المسائل والنوازل غير المنصوصة؟ لأنهم يطلبون الدليل -يطلبون النص- في كل مسألة، لذا جاء من يشنع عليهم، هم شنعوا على أهل الرأي، حتى قال ابن حزم في بعض المسائل في إمام من أئمة المسلمين: وبهذا قال فلان، وهو لا يساوي رجيع الكلب، يشنع على الأئمة؛ لأنهم يقيسون، وكما تدين تدان، كما تدين تدان، وبهذا قال مالك، فأين الدين، يقول ابن حزم: وهذا قول من لا يؤمن بيوم الحساب، وإلى آخره من الكلام اللي في حق الأئمة شنيع نعم، وجد من أهل الفقه من يسترسل في الأقيسة، يسترسل في الأقيسة ويغرق في الاستنباط بواسطتها حتى طغى ذلك على الاستدلال بالنصوص، وشغلهم ذلك عن حفظ النصوص وفهمها، وجد، هذا غلو في القياس، لكن في المقابل وجد غلو -لا أقول: في إتباع النص؛ لأنه الأصل إنما إحمال الأقيسة التي أومأ الشارع إلى اعتبارها على ما سيأتي.

يعني سمعنا ما قاله ابن حزم في بعض الأئمة، وانظر ما قاله بعضهم في ابن حزم مثلاً، أو في أهل الظاهر.

هنا في عارضة الأحوذي لابن العربي يقول: "والحكمة في أن ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- الفضة والتضبيب وتقدير الواجب وترك ذكر الذهب؛ لأن تجارتهم إنما كانت في الفضة خاصة معظمها، فوقع التنصيص على المعظم؛ ليدل على الباقي": لأنه إذا منع استعمال أواني الفضة فلأن تمنع استعمال أواني الذهب يعني من باب أولى، وأهل الظاهر عندهم المنصوص.

يقول: "فوقع التنصيص على المعظم ليدل على الباقي": العارضة ممسوخة محرفة، طباعتها في غاية السوء، ومع ذلكم مفاد كلامه، وكانوا أفهم أمة وأعلمها -يعني الصحابة- فلما جاء الحمير"، شوف أيش يقول: فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير طمس الله عليهم باب الهدى، وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى!!

يا إخوان: الشطط لا بد له من ردة فعل، لا بد من التطرف لوجود طرف آخر، فإذا وجد إغراق في باب لا بد أن يوجد في المقابل من يقاوم من يقول بهذا القول.

لما قال ابن حزم: فأين الدين، وقوله: "من لا يؤمن بيوم الحساب"، "وهذا لا يساوي رجيع الكلب"، قيل فيهم: فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير طمس الله عليهم باب الهدى، وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى.

نعم طلبوا الدليل هذا الأصل، هذا الأصل، لكن إذا لم نجد النص في المسألة، تترك المسألة بدون حكم؟

نقول: طلبكم يا أهل الظاهر على العين والرأس، طلبتم النص، ما وجدنا نص في هذه المسألة ينص عليها بعينها، ماذا نصنع؟ نقف؟ تترك المسألة بدون حكم؟ أو نلحقها بما يشبهها من الأحكام، نعم؟

طالب:.......

تلحق قول جماهير أهل العلم.

"فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير، طمس الله عليهم باب الهدى وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى": يعني أحياناً يكون القدح مدح، هو يريد أن يذم أهل الظاهر، لكن العبارة ما أسعفته، جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير، يقال: على العين والرأس لأنه يطلب النص، نعم، مثل خطيب أراد أن يقع في طائفة من الناس ويذمهم، ثم ذكر من سيماهم وعلامتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث، هو يريد أن يذمهم، هذه علامتهم لكن ما هي سبب ذمهم من أجل أن تذكر.

من أراد أن ينفر من طائفة لما يراه من خلل في علمها أو عملها أو خطر من بعض تصرفاتهم على غيرهم يأتي بما يقدحون فيه، لا بما يمدحون فيه، يذم طائفة نعم هي جنحت إلى فكر معين، لكن ما أذكر شيئاً يتفق عليه أنه من المحاسن، علامتهم تقصير الثياب وحمل كتب الحديث، على العين والرأس يا أخي.

وهنا يقول ابن العربي: الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير، إذا سمعت هذه الدعوة نقول: وأين هم ذولاء؟ هؤلاء أكثر الله من أمثالهم أن يطلبون النص؛ "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع"، لكن بعد النص، ما وجدنا نص، إذا وجدنا النص لا محيد عنه، لكن إذا لم نجد نصاً، هنا يأتي الخلاف مع أهل الظاهر.

فلما وقع الظاهرية في أئمة الإسلام وُقِع فيهم -جاء مثل هذا الكلام فيهم- ولهذا على طالب العلم أن يكتسب أدباً قبل أن يتعلم؛ ولا يؤثر في الخصم مثل الأدب والاحترام، ((أنزلوا الناس منازلهم))، أنزله منازله ووافقه على ما يقوله من حق، واشكره على ذلك، وامدحه بذلك، ثم بعد ذلك انتقد ووجه، أما تصادر كل ما عنده من حق وتركز على هذه المخالفة وتجعلها كل شيء ما يقبل منك، والله المتسعان.

مسألة الاعتداد بقول أهل الظاهر، مسألة كبيرة ومعروفة عند أهل العلم، فكثير من أهل العلم لا يعتد بقولهم، وسمعنا كلام النووي في شرح مسلم يقول: "ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد".

ومسألة الاعتداد بهم أو عدم الاعتداد تحتاج إلى بسط، وتصور وتصوير دقيق كي تفهم؛ لأن من يرى الاعتداد بهم يقول: هم قوم من المسلمين، وهم أئمة مجتهدون عرفوا بالعلم والعمل، حرصهم على النصوص لا يقل عن حرص غيرهم من الأئمة إن لم يكن أشد، والذي يقول: لا يعتد بهم حجته ما سمعنا.
ولا شك أن المسألة المختلف فيها، وفيها لأهل الظاهر قول يخالفون فيه غيرهم من الأئمة إن كان عمدتها النص من الكتاب والسنة، فأهل الظاهر من أولى من يعتد بقولهم، وإن كان عمدتها أقيسة واجتهادات فأهل الظاهر لا مدخل لهم في هذا الباب.

ابن حزم وهو إمام من أئمة مذهبهم ألغى الأقيسة والآراء في الفروع، واستعمل هذه الأقيسة في الأصول، ولذا بعد عن مذهب أهل السنة والجماعة بعداً فاحشاً في مسائل الاعتقاد في كثير منها.

استعمل العقل في الاعتقاد، وألغى وأهمل العقل في الأحكام، مع أن المفترض أيش؟ العكس، المفترض العكس؛ لأن العقائد نحن ملزمون بالنصوص، ولا نتجاوز ولا نتعدى ما جاء في النصوص، وعلينا أن نفهم هذه النصوص بفهم سلف الأمة وأئمتها، وعلى هذا فنحن مكفيون في هذا الباب.

الفروع التي هي مجال للاجتهاد تدخل فيها الآراء فهم عكسوا، لا سيما ابن حزم منهم، نظر في مقدمة المحلى فيما يتعلق بأصول الدين فجاء ببدع بعضهم يكفره بسببها، يقول: ما عندنا قرآن ولا قرآنان ولا ثلاثة، عندنا أربعة قرآنات!!

عظائم، لكن البدعة تعتمد على نوع شبهة، لا معاندة؛ لو كانت معاندة ما تردد في تكفير كثير من المبتدعة.

المقصود أن مسألة الاعتداد بأهل الظاهر مسألة كبرى وأقوالهم تدور في الكتب كثيراً جداً تذكر أقوالهم، فإن كان عمدة في المسألة نص من الكتاب والسنة فهو من أولى من يعتد به، وإن كان عمدتها آراء وأقيسة فلا مدخل لهم في ذلك.

طالب: قول ابن عبد الهادي في ابن حزم أنه جهمي جلد؟

أشد، أشد من الجهمية، وبالمقابل ذكر شيخ الإسلام أن كل قول يعضده الدليل فلأبي محمد منه أوفر الحظ والنصيب، يعني كلامه في الفروع يعني المحلى لولا ما فيه من التهجم على الأئمة لقلنا: إنه فقه السنة، لكن يحجب طالب العلم المبتدئ بل المتوسط من القراءة في مثل هذا الكتاب؛ لأنه يربي فيه الشدة والقسوة وسوء الأدب مع الأئمة والله المستعان.

طالب:.......

لا، لا موجود، لكل قوم وارث، لكل قوم وارث، يوجد الآن منهم على مذهب أهل الظاهر، وكتب عن نفسه وقال: إنه لا من باب خالف تذكر، ولا من باب الشذوذ والإغراب بل هو قناعة، وينتسب إليه كذلك الظاهري، فلان ابن فلان الظاهري؛ لكل قوم وارث، لا شك أن عندهم تعظيم للنصوص ما يختلف في أن عندهم تعظيم للنصوص، لكن ماذا وراء النصوص؟ ماذا وراء النصوص؟

إهمال أهل الظاهر للقياس أوقعهم في أشياء لا يقبلها عقل، منها ما نقل عنهم صراحة من قولهم، ومنها ما هو مجرد إلزام يلزمون به.

يعني تحريم البول في الماء الراكد جاء فيه النص: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) حرام البول في الماء الدائم، لكن لو بال في إناء وصبه في الماء الدائم، عندهم حرام وإلا لا؟

طالب: ليس حراماً

ليس بحرام.

لو تغوط في الماء الدائم حرام و إلا ليس بحرام؟

طالب: عندهم ليس بحرام.

ليس بحرام، يلغون القياس، النص في البول، وهم يقفون مع النص، قول (أف) للوالدين حرام؛ لأنه جاء به النص: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [(23) سورة الإسراء]، لكن لا يقاس عليه ما هو بمنزلته في الأذى بل ولا ما هو أشد منه كالضرب مثلاً.

أقول: إهمالهم للقياس أوقعهم في مثل هذه المضحكات، ومع ذلكم هم فيهم من الأذكياء..، ابن حزم ليس بغبي، ابن حزم من أذكياء العالم، من العباقرة الكبار، لكن المسألة أصل، أصول، إذا مشى الإنسان على أصل خلاص ما يحيد عنه، يعني في المقابل أناس استرسلوا مع الرأي، استرسلوا مع الأقيسة، وأخذوا يشققون المسائل ويفرعون في مسائل قد تقع ومسائل جلها لا يقع يصار على حساب النصوص، شغلهم هذا عن حفظ النصوص وفهمها.

لو قال قائل: إن ترك الظاهرية للقياس سببه تعظيم ظواهر النصوص، تعظيم ظواهر النصوص، هو الذي أوقعهم في ترك القياس وإبطاله، ولا يبعد أن يكون هذا المذهب ردة فعل لتصرفات أهل الرأي، الذين يردون النصوص الصحيحة بالأقيسة والآراء.

فمع ذلك كله، أو بعد ذلك كله فالراجح قول الجمهور، الراجح قول الجمهور، يعني لو وجدنا لأهل الظاهر قول يخالفون فيه الأئمة قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأتباعهم، وسفيان والطبري والأوزاعي وأئمة الإسلام على قول، وأهل الظاهر في جهة في قول، هل نقول: نرجح ما يرجحه الدليل بغض النظر عن قائله، أو نقول: اتفاق هؤلاء الأئمة كلهم تدل على أن عندهم شيئاً مما يعتمد عليه وإن لم نقف عليه؟

يعني كثيراً ما نقف فيكتب الحديث على مسألة قال فيها جماهير الأئمة –جماهير أئمة الإسلام- بالاستحباب، وفيها أمر صريح، وهم يتفقون على أن الأصل في الأمر الوجوب، فقال أئمة الإسلام بالاستحباب، وقال أهل الظاهر بالوجوب.

ومثله لو وقفنا على حكم اتفق الأئمة الأربعة وأتباعهم على القول بكراهته وفيه النهي الصريح، وقال أهل الظاهر بالتحريم، من نتبع؟ ما الذي يرجح في مثل هذا؟ هل نقول: أقوال الأئمة الأربعة مع أتباعهم والحق مع الأكثر؟ أو نقول: لا يلزم أن يكون الحق مع الأكثر، ما يمنع أن يكون الحق مع أهل الظاهر في هذه المسائل؛ لأن معهم الدليل صريح وواضح، الأمر أصله الوجوب؟

يمر عليكم في شروح الحديث، في سبل السلام كثير هذا، في فتح الباري كثير، الجمهور على أنه مستحب وأنت ترى الأمر الصريح ولم تقف على صارف، لا يذكر الجمهور صارفاً لهذا النص، ويجزمون بأنه سنة، وأهل الظاهر يقولون بالوجوب؛ لأن النص صحيح وصريح في الأمر، فهل نقول: الراجح قول الظاهرية؛ لأن معهم الدليل، أو نقول -كما يقوله بعض الناس-: علينا أن نتهم أنفسنا بالتقصير عن البحث عن الصارف الذي يصرف هذا النص من الوجوب إلى الاستحباب، ولذا قال أئمة الإسلام بأنه مستحب، هل نتهم النفس ونقول: قصرنا أو قصرنا عن إدراكه -عن إدراك الصارف- أو نقول: الراجح ما عندنا علم، لا نتعبد بأقوال الرجال، نتعبد بالنص، والنص يدل على الوجوب إذن الأمر واجب، ها يا إخوان؟

طالب:.......

يعني نتبع أئمة الإسلام، يعني من لاحظ على الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- أنه قد يوجب أشياء لا يوجبها الأئمة الأربعة؛ لأن النص صحيح وصريح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، انطلاقاً من هذه المسألة.

يعني ما مر عليكم عن الشيخ كثير هذا، الشيخ يقول بالوجوب، وجماهير علماء الإسلام على الاستحباب؛ لأن النص صحيح صريح؛ أمر والأصل في الأمر الوجوب، يعني هل يخفى على الأئمة أن الأصل في الأمر الوجوب، الذين قالوا بأن الأصل في الأمر الوجوب، وقالوا: إن هذا مستحب وفيه أمر صريح، ما الصارف عندهم؟

هو لا بد من وجود صارف، وإلا يصير اضطراب بين التقعيد والتفريع والتطبيق، لا شك أن أئمة الإسلام لاتفاقهم هيبة، هيبة تجعل الإنسان يعيد النظر في تقصيره وقصوره، ولا يعني هذا أننا نجعل هؤلاء الأئمة بمنزلة المشرع نحكم بهم على النصوص، لا، فمن هاب هؤلاء الأئمة مع اتفاق هؤلاء الأئمة له حظ من النظر؛ لأن الذين حكموا هذا الحكم هم الذين قعدوا بأن الأمر الأصل فيه الوجوب، والأصل في النهي التحريم، فلا بد له من صارف.

أنا شخصياً سألت الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- عن هذه المسألة فقال: إذا لم تقف على صارف فالراجح قول الظاهرية بغض النظر عن من وافقهم، يرجح قول الظاهرية ولو لم يوافقهم أحد؛ لأن معهم الدليل، ونحن متعبدون بالدليل.

نتعدى الظاهرية إلى أئمة معتبرين من أئمة الإسلام، جماهير الأئمة على أن عيادة المريض سنة، عيادة المريض سنة، بل نقل النووي الإجماع على أن عيادة المريض سنة، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه يقول: "باب وجوب عيادة المريض"، فهل يجرؤ أحد أن يقول: إن عيادة المريض واجبة وجماهير الأمة، بل نقل الإجماع على أنها سنة، والأمر صريح صحيح صريح ثابت لكن أين الصارف؟ نعم،

طالب:.......

نعم؟

الأدب؟

طالب:.......

طالب:.......

هذا ما هو بأدب، هذا حكم شرعي، يعني حتى لو دققنا في هذه المسألة، لو قلنا: الآداب إما أن يرتب عليها ثواب وإلا فلا، هل يرتب عليها ثواب وإلا لا؟ نعم؟ يرتب عليها ثواب، صح وإلا لا؟ إذن هي حكم شرعي، هي حكم شرعي؛ لأن ما فيه الثواب حكم شرعي، ما يخلو إما أن يكون واجباً وإلا مستحباً، فهي حكم فتعود إلى أصل المسألة، وإلا كثير منهم من يقول: إن باب الأدب محمول على الاستحباب.

لو جئنا إلى الأمر الصحيح الصريح في صلاة الكسوف: ((فإذا رأيتموهما فصلوا))، صلاة الكسوف واجبة وإلا مستحبة؟

نقل الإجماع على أنها مستحبة وليست بواجبة، أبو عوانة في صحيحه يقول: "باب وجوب صلاة الكسوف"، فهل لك أن ترجح كلام البخاري وكلام أبي عوانة لصراحة الأمر وصحته، وتضرب بقول الجماهير عرض الحائط؛ لمخالفتها النص الصحيح الصريح؟؟

مثل ما سبق، أنت مطالب بما يرجحه الدليل.

أقول: هذه المسألة في غاية الأهمية، مسألة عملية يحتاجها جميع طلاب العلم؛ لأن الكل يقررون أن الأصل في الأمر الوجوب، ولا يعدل عنه إلى الاستحباب إلا لصارف، والأصل في النهي التحريم، ولا يعدل عنه إلا لصارف.

الراجح في العمل بالقياس هو قول الجمهور؛ لأن المسألة مفترضة في عدم الدليل، أما إذا وجدنا دليلاً في المسألة فإن مثل هذا الدليل إن كان القياس يوافقه ويعضده فلا بأس، والمدار والمعول على الدليل، وإن كان القياس يعارضه فلا عبرة بقياس يخالف الدليل.

فالمسألة على كلا الاحتمالين مفترضة في خلو المسألة عن الدليل، إذا لم نجد الدليل، يعني نترك المسألة دون حكم أو نقيس؟

نقيس، فقول الجمهور العمل بالقياس؛ لأنه يثير ظناً غالباً؛ لأنه إذا خلت المسألة عن الدليل فالتردد موجود، والتردد ظن وإلا شك؟

التردد ظن وإلا شك؟ لأن عندنا العلم والظن والشك والوهم، الشك هو الاحتمال المساوي إذا لم تجد دليل في المسألة، يعني إذن تشك فيها؛ ما عندك ما يرجح العمل ولا ما يرجح الترك، فأنت شاك فيها، كون هذه المسألة تشارك مسألة أخرى نص عليها تشاركها في الحكم هذا مرجح لأحد الاحتمالين، صح وإلا لا؟ هذه المسألة غير منصوصة، ماذا يكون بالنسبة للمجتهد؟ يكون عنده الاحتمال على حد سواء، شك، فإذا كان أحد الطرفين، أحد الطرفين، أحد احتمالَي المشكوك فيه على حد سواء أحدهما يوافق حكماً منصوصاً عليه يجمعهما علة واحدة، حينئذ يترجح أحد الاحتمالين، وإذا ترجح أحد الاحتمالين صار ظناً غالباً، ولذلك يقولون: لأن القياس يثير ظناً غالباً يعمل به في الأحكام الشرعية، ولا شك أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، كما أنها لا تجمع بين المختلفات.

ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "القياس الصحيح من العدل؛ فإنه تسوية بين متماثلين وتفريق بين المختلفين".

وقال الإمام أحمد: "لا يستغني عن القياس أحد": هذا كلام صحيح؛ لأنه ليس في كل المسائل دليل، لا نستطيع أن نستحضر في كل مسألة دليلاً، ولذا لا يستغني عن القياس أحد.

نقل عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس": هو قال في النقل الأول: لا يستغني عن القياس أحد، وعرفنا وجهه، إذن كيف يقول: يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس؟ تأوله القاضي قاضي أيش؟

طالب: عياض.

ما يجي عياض هنا يا إخوان.

طالب: أبو يعلى.

أبو يعلى نعم، تأوله القاضي على قياس يخالف نصاً، القياس الذي يخالف النص لا عبرة به، فعلى الفقيه أن يجتنبه.

وأقول: لعل مراده، لعل مراد الإمام أحمد الحد من الاسترسال في الأقيسة، لعل المراد، مراد الإمام أحمد -رحمة الله عليه- الحد من الاسترسال في الأقيسة التي تحول معاناتها دون حفظ النصوص وفهمها؛ لا شك أن الإنسان إذا استرسل في الأقيسة واستعمل هذه الأقيسة في كل مسألة، واستفرغ وبذل وسعه وأمضى جهده في هذا لا شك أن أنه على حساب النصوص؛ وكل شيء له ضريبة، يعني كوننا نعنى بالفقه وهو الأحكام العملية المستقاة من الكتاب والسنة، كون الإنسان -طالب العلم- ينفق وقته وجهده كله على فقه الأحكام العملية والعبادات والمعاملات إلى آخر أبواب الفقه، أليس هذا على حساب شيء؟

ما هو بعلى حساب حفظ الكتاب والسنة؟ فهم الكتاب والسنة؟ نعم إدامة النظر في الكتاب والسنة؟ ما هو هذا بعلى حساب هذا؟

وأعني الفقه المدون في كتب الفقه، وإلا الفقه المستنبط من الكتاب والسنة لا يعوق عن مدارسة الكتاب والسنة، بل هو من أعظم الثمرات التي تجنى من العلم بالكتاب والسنة.

فإذا كان الإنسان مثلاً ديدنه النظر في الإنصاف مثلاً، ونضرب المثل بالإنصاف لخلوه عن الدليل، اثنا عشر مجلد، كتاب مذهبي، يذكر المسائل يفرع المسائل يعلل للمسائل، يذكر ما في المذهب من روايات، يذكر من قال بها من الأصحاب، يذكر ما دونت فيه من الكتب، يستطرد في هذا كله، يعني تبي تنفق على الإنصاف كم سنة، اثنا عشر مجلد حتى تهضم الإنصاف؟ تبي لك عدد مجلدات من السنين، وهذا على حساب الكتاب والسنة، ولهذا قال الإمام أحمد: "يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين المجمل والقياس".

ولا شك أن الفقه لا يستغني عنه طالب علم لا يستغني عن الفقه وكتب الفقه طالب علم، لكن يأخذ منه بقدر ما يعينه على فهم الكتاب والسنة؛ لأن الأصل هو الكتاب والسنة، فعليه أن يعتني بالأصل الذي هو الكتاب والسنة وما يعينه على فهم هذين الاصلين.

يقول ابن قدامة: "وقد استدل على إثبات القياس بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [(2) سورة الحشر]، وحقيقة الاعتبار مقايسة الشيء بغيره، كما يقال: اعتبر الدينار بالصنجة، يعني العيار أو الدينار يوزن، نعم، الدينار يوزن، يوضع في كفه والصنجة الذي هي أيش؟ العيار الذي يوزن به، أو يوازن به ويقاس به ما يراد وزنه، يقولون له أيش؟ صنجة، يعني بمثابة الكيلو، يعني قطعة من الحديد تزن كذا، تصير في أحد كفتي الميزان، كِفتي الميزان وإلا كُفتي؟ أيش الفرق بين الكِفة والكُفة، في فرق؟ في فرق بين الكِفة والكُفة؟

طالب:.......

وأيش هو الفرق؟

طالب:.......

لا،......

طالب: كُفة الثوب يا شيخ؟

كُفة الثوب ولذا يقولون: كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة.

من السنة ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ولد لي غلام أسود، جاء مذعوراً، هو أبيض فولد له غلام أسود، فقال رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-: ((هل لك من إبل؟)) قال: نعم، قال: ((ما ألوانها؟)) قال: حمر، قال: ((هل فيها من أورق؟)) قال: نعم، قال: ((فأنى ذلك؟))، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فأنى ذلك؟)): من أين أتاها هذا اللون المخالف؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: ((فلعل ابنك هذا نزعه عرق)).

ظاهر في القياس وإلا ما هو بظاهر؟

طالب: ظاهر يا شيخ.

ظاهر في القياس، يعني قاس الولد على هذا البعير الذي خالف لونه ألوان الإبل، والسبب لعله نزعه عرق، وهذا الولد أيضاً لعله نزعه عرق.

يقول ابن دقيق العيد في شرح العمدة: "استدل به الأصوليون –يعني الحديث- على العمل بالقياس، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حصل منه التشبيه لولد هذا الرجل المخالف للونه بولد الإبل المخالف لألوانها، وذكر العلة الجامعة وهي نزع العرق، وهي نزع العرق.

يقول ابن دقيق العيد بعد ذلك: "إلا أنه تشبيه في أمر وجودي، والذي حصلت المنازعة فيه هو التشبيه في الأحكام الشرعية".

طالب:.......

كيف؟

أيش معنى كلام ابن دقيق العيد، يقول: "إلا أنه تشبيه في أمر وجودي، يعني موجود في الواقع في الظاهر، حسي، يعني بإمكانك أن تحضر الولد مع أبيه، وتحضر الإبل الأورق مع الحمر، وتقول: هذا خالف هؤلاء، لماذا؟ لعله نزعه عرق، وهذا الولد خالف أباه لماذا؟ لأنه نزعه عرق، أمور وجودية.

يقول: والذي حصلت المنازعة فيه وهو القياس في الأحكام هو التشبيه في الأحكام الشرعية، يعني ليست على أرض الواقع، يعني ليست محسوسة، أمور معنوية، أمور معنوية، لكن كلام ابن دقيق العيد..، أولاً الاستدلال من الحديث ظاهر أو ليس بظاهر؟

طالب: ظاهر

ظاهر، وتطبيقه على الأحكام الشرعية ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

طالب: ظاهر.

يعني كون الشيء في المحسوسات التي لا يتعبد بها، نعم، في المحسوسات التي لا يتعبد بها شيء، وكونه في الشرعيات التي يرتب عليها الثواب والعقاب، وأنت إذا حكمت بقياس قلت: إن هذا حكم الله في هذه المسألة، ولذا استدرك ابن دقيق العيد، قال: إلا أنه تشبيه في أمر وجودي، والذي حصلت المنازعة فيه هو التشبيه في الأحكام الشرعية.

نقول أيضاً: ما يتعلق بالولد حكم شرعي، ما يتعلق بالولد المخالف لونه للون أبيه أيضاً هو حكم شرعي، من أي وجه؟

من وجه النفي والإثبات، إثبات النسب ونفيه هذا حكم شرعي، فكما أنكم لا تنفون وقوع هذا الولد المخالف لونه للون..، هذا الولد من الإبل، المخالف لألوان الإبل الأخرى، أيضاً لا يمكن أن ينفى الولد لمخالفة لونه للون أبيه.

يقول الصنعاني في حواشيه على شرح العمدة -هو نقل كلام الخطابي- نقل الصنعاني في حواشيه على شرح العمدة قول الخطابي: "هو أصل في قياس الشبة"، هو أصل يعني حديث أبي هريرة أصل في قياس الشبه، هل هو أصل في قياس الشبه؟ هل هذا الحديث أصل في قياس الشبه؟ المسألة في الشبه لكن هل قياس الشبه الآتي ذكره وتردد الفرع بين أصلين، هل هناك فرع متردد بين أصلين في الحديث؟

ما في فرع متردد بين أصلين، فرع واحد وهو الولد المخالف لونه للون أبيه، يلحق بذلك البعير الذي خالف لونه لون ألوان الإبل الأخرى للعلة الجامعة، فمراده كون هذه المخالفة مشابهة لتلك المخالفة لا يعني أن هذا هو قياس الشبه المتعارف عليه، لا يعني أن هذا هو قياس الشبه المتعارف عليه الذي سيأتي ذكره في أنواع القياس.

وقال ابن العربي: "فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير": فيه يعني حديث أبي هريرة صحة القياس والاعتبار بالنظير.

وفي كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى أبي موسى، كتاب عمر إلى أبي موسى في القضاء الذي شرح له أمور القضاء: "ثم قايس الأمور عندك واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله -عز وجل- وأشبهها بالحق": قايس الأمور، يعني قس الأشباه بأشباهها، والأمثال بأمثالها، والنظائر بنظائرها، واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله -عز وجل- وأشبهها بالحق، وهو كتاب عظيم شرحه ابن القيم -رحمه الله تعالى- بأكثر من نصف إعلام الموقعين، هذا الكتاب العظيم أكثر من نصف شرح في كتاب عمر -رضي الله عنه- إلى أبي موسى في القضاء.

 

نقل ابن القيم -رحمه الله تعالى- عن المزني أنه قال: "الفقهاء من عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم، وقال: "وأجمعوا على أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، أجمعوا على أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.