شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (332)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى لقاء جديد في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم فضيلة الشيخ.  

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: ما زلنا في حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنه- مائة وواحد وثلاثين بحسب المختصر، مائة وستة وستين في الأصل، توقفنا عند الأطراف في مواضعه الأولى، نذكِّر إذا تكرمتم الإخوة والأخوات فقط بما مر من المواضع، أحسن الله إليكم، الموضع الأول هنا في كتاب الوضوء وما بعده لو تكرمت.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

 فالموضع الأول في كتاب الوضوء: ذكره البخاري وهو المحل المشروح.

 والثاني: في كتاب الحج، في باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [سورة الحج27-28]، الحديث رقم ألف وخمسمائة وأربعة عشر.

والموضع الثالث: في كتاب الحج أيضًا، في باب من أهلَّ حين استوت به راحلته قائمةً، قال- رحمه الله-: «حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أهلَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- حين استوت به راحلته قائمةً». والمناسبة ظاهرة؛ لأنه في الترجمة باب من أهل حين استوت به راحلته قائمةً، قال: أهلَّ النبي-صلى الله عليه وسلم- حين استوت به راحلته قائمةً، هذه مطابقة، المناسبة فيها المطابقة التامة، يقول ابن حجر: سمع ابن جريج من نافع كثيرًا؛ لأنه هنا يقول: «أخبرنا جريج قال: أخبرني صالح بن كيسان عن نافع» سمع ابن جريج من نافع كثيرًا، يعني بدون واسطة، وهنا روى الحديث عنه بواسطة صالح بن كيسان، فروى عنه هنا بواسطة، وهو دالٌّ على قلة تدليسه، لماذا؟ لأنه لو كان مكثرًا من التدليس لحذف صالح بن كيسان؛ لأنه سمع من نافع، ابن جريج سمع من نافع كثيرًا، ولو دلس صالح بن كيسان هنا لمشى على الباحث لماذا؟ لأنه سمع منه كثيرًا، فتنصيصه عليه يقول ابن حجر: دالٌّ على قلة تدليسه، والله أعلم.

والموضع الرابع: في كتاب الحج أيضًا، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين: «قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: لم أر النبي- عليه الصلاة والسلام- يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين».

 قال ابن حجر: «باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين» أي دون الركنين الشاميين، واليماني بتخفيف الياء على المشهور؛ لأن الألف عوض عن ياء النسب، فلو شُددت لكانت جمعًا بين العوض والمعوض عنه، وهذا تقدم، وجوز سيبويه التشديد وقال: إن الألف زائدة، يعني كما زيدت النون في صنعاني، والزاي في رازي، والمناسبة «باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين».  

المقدم: ظاهرة.

ظاهرة جدًّا.

 والموضع الخامس: في كتاب الجهاد، في باب الركاب والغرز للدابة، قال- رحمه الله-: «حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائمةً أهلَّ من عند مسجد ذي الحليفة».

قال ابن حجر: قوله: «باب الركاب والغرز للدابة» قيل: الركاب يكون من الحديد والخشب، والغرز لا يكون إلا من الجلد.

المقدم: الغرز متدلٍّ غالبًا.

هو الذي يضع عليه الرجلين. يكون متدليًا نعم.

المقدم: يكون متدليًا في الغالب، لكن...

الركاب يكون من الحديد والخشب.

المقدم: هو الذي فوق الظهر.

نعم، هو الذي يركب عليه، والغرز...

المقدم: للقدم.

لا يكون إلا من الجلد، وقيل: هما مترادفان، أو الغرز للجمل، والركاب للفرَس، وذكر في حديث ابن عمر وهو ظاهر فيما ترجم له من الغرز؛ لأنه قال: أدخل رجله في الغرز، وهو ظاهر فيما ترجم له من الغرز، وأما الركاب فألحقه به؛ لأنه في معناه.

المقدم: لكن دائمًا كلام العرب في الغرز، وضع رجله في الغرز، ترك رجله من الغرز.

لأنها هي التي توضع الرجلان فيها.

المقدم: إذًا لماذا يقول: مترادفان؟

هذا قول، وقيل: هما مترادفان. وذكر فيه حديث ابن عمر، وظاهر فيما ترجم له من الغرز؛ لأن الغرز منصوص عليه، وأما الركاب فألحقه به؛ لأنه في معناه.

 وقال ابن بطال: كأنه أشار إلى أن ما جاء عن عمر أنه قال: اقطعوا الركب، وثِبوا على الخيل وثبًا، كأنه أشار إلى أن ما جاء عن عمر أنه قال: اقطعوا الركب وثِبوا على الخيل وثبًا، يعني لا تضع الغرز كأنه سُلم ترقى عليه، لاسيما بالنسبة إلى الخيل التي تحتاج إلى قوة وشجاعة، هي المناسبة له، وثِبوا على الخيل وثبًا ليس دلالته على منع اتخاذ الركب أصلًا، وإنما أراد تدربيهم على ركوب الخيل، يعني ليس دلالته على منع اتخاذ الركب أصلًا، وإنما أراد تدربيهم على ركوب الخيل.

والموضع السادس: في كتاب اللباس، في باب النعال السبتية وغيرها، قال: «حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: رأيتك تصنع أربعًا لم أر أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: وما هي يا ابن جريح؟»، فذكر الحديث وفيه: «رأيتك تلبس النعال السبتية» والمناسبة ظاهرة جدًّا.

 وأخرجه مسلم، فهو متفق عليه.

المقدم: لكن- أحسن الله إليك- بالنسبة للبس النعال وممكن أيضًا الصبغ بالصفرة إذا قلنا بأن المراد بالصبغ صبغ الملابس.

نعم.

المقدم: يكون المناسبة ظاهرة من هذين الوجهين.

نعم، أما النعال السبتية فظاهرة، ليس هناك إشكال، وإدخال الحديث في كتاب اللباس كأنه يدل على أن اختيار البخاري المراد صبغ الثياب.

المقدم: نحن سبق أن ذكرنا هذا في حلقة ماضية.

نعم، لكن يبقى دلالة اللفظ على معنيين؛ لأنه يمكن أن يقال الصبغ على الإطلاق أي شيء، كل ما يتعلق.

المقدم: لكن الذين رجحوا، وإن كان هذا في كتاب اللباس يمكن لا يمر بنا، لكن الذين رجحوا كون البخاري أدخله لهذا السبب، لماذا ما قالوا وأدخله؛ لكونه ظاهرًا يلبس النعال.  يعني مر بنا إذا تذكر يا شيخ؟

هل يلبس النعال؟ صح؟

المقدم: لكن لماذا قالوا: إن رأي البخاري أن الصبغ للملابس بدليل إدخال هذا الحديث في هذا الباب، لماذا ما قالوا إنه ظاهر بلبس النعال، لا دعوى بين هذا وذاك.

يعني كونه أدخله في كتاب اللباس وباب النعال السبتية، ما قال: باب الصبغ بالصفرة، كتاب اللباس يعني في بدء الرأي نقول: لماذا يدخل في كتاب اللباس، والعلماء يرجحون أن المراد بالصبغ صبغ  الثياب؛ لأن البخاري أورده في اللباس.

المقدم: هذا هنا الإشكال.

نعم الترجمة الكبرى كتاب اللباس، والصغرى باب النعال السبتية، لماذا لم يقل: باب ما جاء في صبغ الثياب، هذا الذي تقصد.

المقدم: هذا إشكالي.

أولًا النعال مما تُلبس، فهي داخلة في اللباس، وهذا ظاهر، بالنسبة للثياب، البخاري- رحمه الله تعالى- قد يريد شيئًا ولا يصرح به؛ لأن الثياب مما يُلبس، والنعال مما يُلبس، وجاء ذكرهما في الحديث، واستدل بالحديث تحت ترجمة كتاب اللباس، مما يجعل اللُبس أعم من أن يكون للثياب والنعال.

المقدم: لكن يا شيخ، نحن اتفقنا فيما مضى أنه ربما يُبوّب لشيء غير ظاهر، وهذا هو غالب أمره، يترك الظاهر، ويبوّب لغير الظاهر، ألم يكن الأولى إذا قلنا بأنه يرى أن  الصبغ للباس أن يبوّب له بالملابس وليس النعال، لبس الملابس التي فيها صفرة ليدل على هذا. 

هو جاء بالنعال؛ لأنه ليس فيها احتمال، والثياب التي فيها احتمال لو قال: لبس الثياب المعصفرة أو المصفرة صارت الترجمة ظاهرة، لكن أدخل الحديث بجملتيه بالصُبغ والنعال، ولذلك قال: ورأيتك تلبس النعال السبتية... إلى آخر الحديث، بما في ذلك الثياب المصبوغة بالصفرة؛ لأنه لو قال: كتاب اللباس، باب لُبس الثياب المصبوغة بالصفرة أو المعصفرة...

المقدم: كانت الترجمة ظاهرة على مراده.

ظاهرة، يعني يفعله غير البخاري، لكن البخاري يورد النعال صراحةً، وهذه الترجمة ظاهرة، والمناسبة ظاهرة، لكن أيضًا يومئ بما جاء في الحديث مما يُلبس، على عادته في الإغراب يجعل القارئ...

المقدم: يشحذ همته.

يشحذ همته؛ ليبحث عن مناسبة.

المقدم: قال- رحمه الله تعالى-: «عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطُهوره وفي شأنه كله».

أما راوية الحديث، فهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر، أحب النساء إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- بنت أحب الرجال إليه؛ لأنه جاء السؤال: «من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها»، مر ذكرها مرارًا.

المقدم: أحب النساء حال حياتها، لا حال حياة خديجة.

على كل حال هو أطلق- عليه الصلاة والسلام-، المفاضلة معروفة، ولكلٍّ نصيب مما يُفضل به، يعني إذا نظرنا إلى خدمة الإسلام ونصر الدعوة في بادئ أمرها..

المقدم: خديجة- رضي الله عنها-.

ما فيه إشكال، خديجة ما يقوم أحد ولن يقوم أحد بمثل ما قامت.

المقدم: والنص عليها أنها من أفضل نساء العالمين الأربع.

بلا شك، ويبقى أنه بالنسبة لنشر الدين ونشر العلم، وحاجة الناس إلى علم النساء بالنسبة لعائشة يفوق جميع النساء.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- بقوله: «باب التيمن في الوضوء والغسل»، قال ابن حجر: التيمن أي: الابتداء باليمين، في الوضوء معروف تقدم ذكره، والغسل باب التيمن في الوضوء والغُسل أو الغَسل.

المقدم: عندنا الغُسل.

طيب، يقول الكرماني: الغسل بفتح الغين وبضمها، والمشهور أن الفتح مصدر، والمضموم اسم للفعل المخصوص.

المقدم: غَسل وغُسل.

الغسل المصدر، غسلت الثوب غَسلًا، والفعل الذي هو فعل المكلف لهذه..

المقدم: غُسل.

غُسل، فتقول: غُسل الجمعة، غُسل الجنابة، غُسل الحيض، وهكذا، يقول النووي في شرح مسلم: إذا أُريد بالغُسل الماء فهو مضموم، لماذا لا يقال: مفتوح مثل الوَضوء؟ إذا أُريد بالغُسل الماء فهو مضموم، وإذا أُريد به المصدر يجوز الضم والفتح، وقيل: إن كان مصدرًا لغسلتُ فهو بالفتح، وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضم كقولنا: غُسل الجمعة مسنون، وأما الغِسل بالكسر فهو اسم لما يُغسَل به من الخطمي وغيره، مما يُغتسل به من المنظفات كالصابون والأُشنان والخطم وغيرها، يقال له: غِسل.

 وقال العيني: أي هذا باب في بيان التيمن في الوضوء والغسل، والتيمن هو الأخذ باليمين، والمناسبة بين الأبواب ظاهرة، يقول العيني: والمناسبة بين الأبواب ظاهرة، من حيث إن الأبواب الماضية في أحكام الوضوء، والتيمن أيضًا من أحكامه، ولا سيما بينه وبين الباب الذي قبله باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين؛ لأنه في غسل الرجلين، وفيه أيضًا التيمن أيضًا سنة أو مستحب، باب غسل الرجلين، يدخل فيه التيمن لماذا؟ لأن الرجلين إحداهما يمين، والثانية يسار، فيدخل فيها التيمن، التيمن، وفيه مطابقة الحديث للترجمة؛ لأن فيه إعجابه -عليه الصلاة والسلام- في شأنه كله، وهو بعمومه يتناول استحباب التيامن في كل شيء؛ في الوضوء والغسل والتغسيل وغير ذلك.

المقدم: لكن نحن الآن الباب تيمن، تيمن مصدر يا شيخ أم التيامن هو المصدر؟

التيمن الابتداء باليمين.

المقدم: تيمن هكذا.

نعم.

المقدم: وليس تيامنًا؟

ما الفعل؟

المقدم: لأن هذا من اليُمن تيمُّنًا.

تيمن تيمُّنًا، وتيامن تيامُنًا، الآن تيامن استعمال الناس العرفي لها، بخلاف تياسر، ذهب إلى جهة اليمين، وتيمن من اليُمن، هذا الذي تريده؟

المقدم: نعم.

لكن المادة واحدة، وليست المسألة مسألة فأل أو إعجاب، وإن كان الفأل داخلًا في هذا، من التيمن من اليمين ومن اليُمن متداخلة على ما سيأتي، والمناسبة بين هذا الحديث والذي قبله في الباب نفسه حديث أم عطية في غسل ابنته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال فيه: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، ما ذكره....

المقدم: في الأصل.

نعم في الأصل، في حديث أم عطية: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، لا بد من الانتباه للجملتين؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، ومقتضى ذلك: ابدأن بميامنها، وابدأن بمواضع الوضوء منها، يعني المناسبة ظاهرة، حيث قال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، في غسل ابنته- عليه الصلاة والسلام-: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر إن رأيتن ذلك، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، يعني هل هاتان الجملتان متفقتان أو مختلفتان؟ لأنه قال: ابدأن بميامنها، وابدأن بمواضع الوضوء منها، هل فيه تنافر بين الجملتين؟

المقدم: ما فيه.

كيف؟

المقدم: يبدأن بمواضع الوضوء اليمنى، فيكون في هذا جمع بين الميامن ومواضع الوضوء.

الجملة الأولى: ابدأن بميامنها، مفهومها أنه يُبدأ بالرجل اليمنى قبل اليد اليسرى؛ لأنه قال: ابدأن بميامنها.

المقدم: لكن إذا أُضيف إليها قول مواضع الوضوء.

لكن الآن ليس ظاهر من الجملة «ابدأن بميامنها» أنها تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، الجملة الثانية: مواضع الوضوء منها يعني: مُفادها أنه يُبدأ باليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، هل فيه تنافر أو توافق بين الجملتين؟ في الظاهر فيه تنافر، لكن أهل العلم يقولون: ابدأن بميامنها في الغسلة التي لا وضوء فيها؛ لأنه ليس مع كل غسلة وضوء، وابدأن بمواضع الوضوء منها في الغسلة التي فيها الوضوء، يعني تُوضأ أولًا ثم بعد ذلك تُغسّل، ظاهر أم لا؟

المقدم: بلى، ظاهر جدًا الآن.

كان- عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن، يقول الكرماني: يُعجبه بضم الأول، فيقال: أعجبني هذا الشيء لحسنه، وقال العيني: يُعجبه من الإعجاب، يقال: أعجبني هذا الشيء لحسنه، والعجيب الأمر الذي يُتعجب منه، وكذلك الُعجاب بالجيم والتخفيف، وبالتشديد أكثر منه، يعني ما يُعجب أكثر العُجّاب، وكذلك الأُعجوبة وعجِبت من كذا، وتعجَّبت منه، واستعجبت بمعنىً، والمصدر العَجَب بفتحتين، وأما العُجْب بضم العين وسكون الجيم فهو اسم من أُعجب فلان بنفسه فهو معجَب بفتح الجيم، معجَب برأيه ونفسه، وأما العَجْب بفتح العين وسكون الجيم فهو أصل الذنب، وهو الذي يبقى من الإنسان إذا فَني لأن العحب هذا لا يفنى.

ثمانية حُكْمُ البقاء يعُمُّها

 من الخلق والباقون في حيِّز العدمْ

هي العرش والكرسي نار وجنة

وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم

العُجْب بضم العين وسكون الجيم فهو اسم من أُعجب فلان بنفسه فهو معجَب برأيه ونفسه، ولا شك أن هذه آفة وداء من أدواء القلوب.

والعجب فاحذره إن العجب مجترف

 أعمال صاحبه في سيله العرم

يعني الإنسان يفعل الطاعات، ويفعل الواجبات، يترك المحرمات، ومع ذلك يكون خائفًا أن تُرد عليه أعماله، بخلاف من جمع بين الإساءة والأمن والإعجاب، والذي جاء في وصف الصحابة: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [سورة المؤمنون 60]، أي: خائفة.

«في تنعله» يقول القسطلاني: تنعله بفتح المثناة الفوقية والنون وتشديد العين المضمومة أي حال كونه لابسًا للنعل، أي الابتداء بلُبس اليمين، «وترجله» أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه، قال في المشارق..

المقدم: مشارق الأنوار؟

لمن؟

المقدم: هو مشارق الأنوار أم لا؟

مشارق الأنوار نعم.

وما موضوعه؟

المقدم: ضبط ألفاظ الصحيحين.

ولمن؟

المقدم: القاضي عياض.

نعم، القاضي عياض، مشارق الأنوار على صحاح الأخبار، الصحيحين والموطأ، في غريب الصحيحين والموطأ، وهو كتاب عظيم، يعني في ترتيبه ترتيب حروفه على طريقة المغاربة فيها عسر على المشارقة.

المقدم: الذي اختصره ابن قرقول في المطالع.

نعم، ابن قرقول في مطالع الأنوار، حتى صار عند الشراح المطالع أشهر من المشارق، عند الشراح: قال صاحب المطالع، حكى صاحب المطالع، لكن المشارق أقل، ومع ذلك المشارق مطبوع، والمطالع لم يُطبع بعد، على الرغم من أهميته، وإفادة الشراح منه.

المقدم: هو عمله مجرد اختصار ابن قرقول.

لا، فيه إضافات.

مشارق أنوار تبدت بسبتةٍ

 ومن عجب كون المشارق بالغرب

يعني كتاب عظيم في جزأين في مجلد يستفيد منه طالب العلم، فائدة لا تُقدر.

المقدم: القاضي عياض كان في المغرب.

نعم.

المقدم: سبتة.

نعم، لكن طالب العلم يفيد من هذا الكتاب فائدة عظيمة فيما يتعلق بغريب الصحيحين، من حيث غريب ألفاظ المتون، وغريب ألفاظ الأسانيد أيضًا، في أسماء الرجال تجده يُعنى بها عناية فائقة، وهذا الكتاب عظيم.

 قال في المشارق: رجّل شعره إذا مشطه بماء أو دُهن؛ ليلين ويُرسَل الثائر، ويمد المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة: وسواكه قاله ابن حجر، يقول: رجّل شعره إذا مشّطه بماء أو دُهن؛ ليلين ويُرسل الثائر، الثائر المنتفش يسترسل، ويمد المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة: وسواكه، قاله ابن حجر.

المقدم: الترجل عندهم يا شيخ في اتجاه واحد، العرب كانوا يسمون من يرمي شعره خلفه ترجلًا أيضًا.

هناك الإرسال، وهناك الفرق.

المقدم: هذه أحوال، لا دعوى لها بفعله الترجل، الذي هو فعل الكد والتسريح.

التسريح هو الترجل، على أي جهة كان؛ لأن رجّل إذا مشطه، وهل من لازم الترجل أن يكون بماء أو دُهن أو بدون ذلك، يعني بمجرد المشط؟

المقدم: مجرد التسريح.

لأنه يقول هنا: إذا مشّطه بماء أو دُهن، فجعل من مسمى الترجل إضافة الماء والدهن، وجاءت أحاديث في الترجل، في ترجله- عليه الصلاة والسلام-، وجاء أيضًا عدم الإسراف في مثل هذا، وعدم الإهمال، يعني لا يترجل في كل يوم، ولا يهمل شعره، فينبغي أن يكون حال المسلم على التوسط في أموره كلها؛ لأنه يوجد الآن من يُنفق الأوقات الطائلة في هذا الباب في الترجل، ومنهم من يهمل، والله المستعان.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن الله إليكم، نستكمل بإذن الله ألفاظ الحديث الباقية في الحلقة القادمة.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام حلقتنا في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء، بإذن الله في حلقة قادمة.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.