شرح كتاب التوحيد - 39

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام المجدد -رحمه الله تعالى-:

"باب: قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:175]، وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [سورة التوبة:18] الآية، وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [سورة العنكبوت:10] الآية وعن أبي سعيد -رضي الله عنها- مرفوعًا «إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره»، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من التمس رضا الله بسخط الناس -رضي الله عنها- وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» رواه ابن حبان في صحيحه.

فيه مسائل:

 الأولى: تفسير آية آل عمران.

 الثانية: تفسير آية براءة.

 الثالثة: تفسير آية العنكبوت.

 الرابعة: أن اليقين يضعف ويقوى.

 الخامسة: علامة ضعفه ومن ذلك هذه الثلاث.

 السادسة: أن إخلاص الخوف لله من الفرائض.

 السابعة: ذكر ثواب من فعله.

 الثامنة: ذكر عقاب من تركه."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيقول الإمام المجدد -رحمة الله عليه-: باب: قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:175] الباب السابق في المحبة، وهذا الباب في الخوف، وهما من العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله -جل وعلا-، والمقصود بذلك المحبة التي تقدَّم الكلام عليها، وهي إيثار الأصنام ومن في حكمهم على الله -جل وعلا- وعلى رسوله، وهنا الخوف الذي يسميه أهل العلم خوف السر، بمعنى أنه يخاف من مخلوق أن يناله بأذى سواء كان ذلك من الأصنام أو غيرهم، يناله بأذى يستقل به، لا أن يكون سببًا في ذلك الأذى، هذا شرك.

أما أن يكون المخلوق سببًا، والمسبِّب هو الله -جل وعلا- فهذا موجود. ومنه الجِبِلِّي الطبيعي الذي جُبِل عليه الناس، بمعنى أنه يخاف من السباع، ويخاف من الحريق، يخاف من الغرق، والأمور المخوفة في هذه الدنيا كثيرة، هذا الخوف الطبيعي، هذا ما فيه شيء إذا لم يترتب عليه محظور، أو يُنظَر إلى المخلوق بأنه هو المسبِّب لهذا الأمر المخوف، فيدخل في الصنف الأول. وهناك خوف بينهما، خوف بينهما، وهو الذي يحمل على ترك الواجب أو فعل المحظور، يخاف من فلان أو علان، فيترك من أجله بعض الواجبات، أو يخاف منه فيفعل من أجله بعض المحرمات، وهذا محرَّم لا يصل إلى النوع الأول الذي هو الشرك خوف السر، وليس من الخوف الجِبِلِّي الذي يعفى عنه على حسب ما جُبِل عليه الإنسان.

 باب: قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [سورة آل عمران:175] يخوف فعل مضارع ينصب مفعولين الأول محذوف، يعني يخوفكم أولياءه، يخوفكم أولياءه، فبعض الناس إذا أراد أن يفعل شيئًا مما أمر به، أو يترك بعض ما نهي عنه خوَّفه الشيطان بأوليائه من شياطين الإنس، بأوليائه من شياطين الإنس، مثل الأمور التي ترتكب في بلاد المسلمين ويقال: لو لم تفعلوا كذا لأتاكم الكفار وفعلوا وفعلوا، وهذه أمور لا شك أن بعضها تسلَّط فيه الكفار على المسلمين وآذوهم فيها، لكن أكثر الأمور الكفار والعدو في غفلة عنها، ولو خفنا من الله -جل وعلا-، وأفردناه في هذه العبادة لما ضرنا أحد، ولذلك يقول -جل وعلا-: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [سورة آل عمران:175] يعني يخوفكم أولياءه، {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:175] هذا شرط للإيمان، لا تخافوهم وإن خوفكم الشيطان.

كثير من الناس يقول: قوى الكفر والأمم تداعت عليكم، وكل ينظر إليكم نظرة عداوة، ويجعلونكم في قوائم إرهاب وما أشبه ذلك، فمن أجل أن تظهروا أنفسكم مظهرًا يخالف ما تصوروه واعتقدوه خففوا من مسألة التدين ومظاهر الدين وشعائر الدين من أجل ماذا؟

أن ترضوا هؤلاء الأعداء، فلا يؤذوكم، هذا من تخويف الشيطان بأوليائه، هذا من تخويف الشيطان، وبعض الناس ينكص على عقبيه؛ بسبب ألا يُتَّهَم بشيء من ذلك، أو لا يناله شيء من الأذى، بعض الناس لاسيما في غير هذه البلاد تجده يقول له الشيطان: احلق لحيتك حتى ما تتهم بأنك إرهابي، ولا تتهم بأنك كذا، وإلا فعلوا بك، وسجنوك، وفعلوا، وقتلوك، ثم بعد ذلك يستجيب لهم {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [سورة آل عمران:175].

 وهناك مسائل عظام يخوف الشيطان بها من أولياءه، يخوف الله بها المؤمنين المسلمين من أوليائه، لكن إن استجابوا له لم يحققوا قوله -جل وعلا-: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:175]، وإن استمروا في طريقهم ولم ينظروا إلى الشيطان ولا إلى تخويفه، بل نظروا إلى رضى الله -جل وعلا-، وخافوا من الله -جل وعلا- سلموا من الأعداء من أولياء الشيطان، وكسبوا رضا الرحمن.

طالب: عفا الله عنك، هل يدخل في هذا بعض المسائل الفكرية حتى لا يستفيد بها بعض العلمانيين في التهجم على أهل العلم الكبار؟

إذا كان له وجه، قول له وجه، وله دليل، مثل سائر مسائل الخلاف متى يُقبَل الخلاف، متى يقبل القول الثاني، يقبل من الأقوال ما يدل عليه الدليل، ولو دل عليه دليل معارِض، ورجح قول آخر لهذا الدليل المعارِض فالمسألة مسألة علم وموازنة بين الأقوال وأدلتها، ولا مانع كما يقول أهل العلم أن يُلجَأ أحيانًا إلى القول المرجوح؛ لمصلحة راجحة، فلعلك هذا الذي تريده، عند بعض أهل العلم يقول: لا مانع إذا كانت المصلحة راجحة.

طالب: أحسن الله إليك، بعضهم يعمد إلى آراء أميتت..

شاذة.

طالب: نعم، فيحييها.

لا لا، الشواذ لا، لا لا، هو الإشكال، الضعف الذي يسمونه الانهزامية أمام العدو، هذا الضعف ساق بعض الناس إلى أن يبحثوا عن أقوال شاذة يؤيدون بها ما يرضي الشيطان وأولياء الشيطان، والباعث على ذلك الخوف منهم الذي قدمه على خوفه من الله -جل وعلا- {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:175]، ولا شك أن بعضها له رصيد من الواقع بحيث لو فعلها المسلمون لغضب منها الكفار وفعلوا ما فعلوا، وهناك عهود ومواثيق اتفقوا عليها فيما بينهم، وفرضوها على المسلمين، هذا إشكال كبير، لكن يبقى أن الخوف أولاً وآخرًا من الله- جل وعلا-، من الله -جل وعلا-. كون الإنسان يبحث عن قول له دليله، دليل يُعتمَد عليه من أجل أن يخفف شيئًا مما في قلوب الأعداء هذا شيء آخر، غير كونه يعمد إلى قول شاذ أو يرتكب قولًا يبتدعه؛ لإرضاء الأعداء.

 وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [سورة التوبة:18] هذا حصر، {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [سورة التوبة:18]، {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [سورة التوبة:18] عمارة المساجد عمارة حسية بالتشييد والبناء، وعمارة معنوية بالصلاة والذكر، بالصلاة والذكر والعلم وجميع ما جاء في الأدلة من وظائف المسجد الشرعية، فكان المسجد كل شيء بالنسبة للمسلمين في عهده -عليه الصلاة والسلام- والصدر الأول لهذه الأمة. الآن مع الأسف أنه صارت آثار سيئة منها إغلاقها في أكثر الأوقات، فلا يتمكن من الجلوس فيها من أراد أن يتعبد؛ بسبب بعض من تصرَّف تصرُّفًا أساء إلى المساجد وإلى عمار المساجد، ووُجِدَت قضايا وتصرفات عُبث بالمصاحف، وكتب على حيطان المساجد، واتخذت قرارات؛ بسبب ذلك بإغلاق المساجد، قد لا تجد مسجدًا تجلس فيه بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس؛ بسبب ماذا؟

هذه التصرفات، والجهة المسؤولة عن المساجد لما سنَّت هذه الأنظمة، وأمرت بإغلاق المساجد حجتها وذريعتها ما حصل، حصل أشياء مشينة في المساجد، فأي المصلحتين أرجح أو المفسدتين أعظم إغلاقها، أو العبث فيها؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

نعم، فيه من الحلول الكثيرة أن يكون العامِل باقيًا في المسجد إلى أن ينتهي الوقت الذي يتعبد فيه وإلا إشكال كبير بعد لو استجابوا لكل ما يمكن أن يكون في البلدان الأخرى أغلقت المساجد حتى في أوقات الصلاة؛ بسبب بعض الأعمال التخريبية مع انصراف بعض الدول عن تحقيق وإخلاص الدين لله -جل وعلا-؛ لأنه وجد في بعض البلدان من يرى في بيته النور في آخر الليل يُسجَن.

 على كل حال الأوضاع ما تَسُرّ، وهي متفاوتة في بعض البلدان أشد من بعض، وعندنا -ولله الحمد- مازال الأمر ممكنًا لمن أراد أن يتعبد في المسجد، ويجلس بالمسجد، ما فيه إشكال، لكن بعض المساجد يكون القيِّم عليها مطبِّقًا لبعض الأنظمة بحذافيرها. فيه مسجد صلوا صلاة الفجر وقام المؤذن وقفَّل الأنوار قالوا له: ماذا تريد؟! نريد أن نجلس نقرأ! قال: هذا تعميم، وقريب منهم ملعب وفيه ضوء مع الباب وقالوا للمؤذن: رح طف هذه الأنوار، وطف المسجد.

 المسألة تحتاج إلى عدل، والنظر بعين حكمة وإنصاف، لا شك أن الإساءة موجودة، وهذه الإساءة سبَّبت في سن أنظمة، لكن إقامة شرع الله ودين الله وشعائر الدين لا بد منها، فيُبحَث عن حلول أخرى، بعض المساجد يغلقون الدورات، فيأتي الغريب يريد أن يتوضأ ويصلي ما يجد مسجدًا مفتوحًا لا مسجدًا ولا دورات، أين يذهب هذا؟! قالوا: إن الدورات وجد فيها بعض المفاسد، فلذلك يؤمر بإغلاقها، نعم المفاسد موجودة، لكن لماذا لا يوضَع مراقِبون على هذه المساجد وعلى دوراتها، وكل ما يتعلق بها؟ والملاحَظ الآن أن حراس المساجد مجرد ما يسلم يقفل المسجد، ويروح يمسح سيارات، هذه المشكلة.

طالب: ...................

 فالوزارة لا بد أن تنظر إلى هذه المسألة بعين الحكمة، فلا يحرم من أراد التعبُّد، بعضهم يقول: تغلق المساجد؛ لئلا يجتمع فيها شباب، ويخططون ويفعلون، يا أخي راقبهم، حط كاميرات مراقبة إن كنت خائفًا، فالمشاكِل كلها يمكن حلها، ولا شك أن المشاكل موجودة، وكلُّ عِقدٍ مشاكله أعظم من الذي قبله، طيب وجد كبار سن في المساجد، ودخل عليهم شباب اعتدوا عليهم، وضربوهم، أخذوا ما في جيوبهم، نقول: تقفل المساجد لأجل هؤلاء؟! أكثر من قضية حصلت من هذا النوع، فالمسألة تحتاج إلى عناية ودراية وبحث عن حلول شرعية، تُسدِّد وتقارب، تمنع الفساد والمفسدين، وتتيح الفرصة لأهل الصلاح والمصلحين.

طالب: ..........

معروف أنهم ما يعطون.

طالب: ..........

لا، وهم يجلسون سنة، وما يعطون الراتب، هم مظلومون مظلومون، لكن ما هو الحل، ما هو هذا الحل، يقال: قفل المسجد ورح..

وقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ} [سورة التوبة:18] من آمن بالله، الإيمان بالله معروف بأركانه الستة، التي منها الإيمان باليوم الآخر، التي منها الإيمان باليوم الآخر، وعطفه على الإيمان بالله من باب عطف الخاص على العام، والعناية به شديدة؛ لأن الذي يؤمن بالله، الذي يؤمن باليوم الآخر، ويعرف أنه سوف يُبعَث ويحاسَب لا شك أنه سوف يحقق الإيمان بالله وما يتطلبه هذا الإيمان، أما الذي لا يؤمن باليوم الآخر يعمل لأي شيء؟ ما يؤمن ببعث فيؤمن بالله لماذا؟ يؤمن بكتبه لماذا؟ يؤمن برسله.. يصلي لأي شيء؟ وهو لا يؤمن ببعث.

فاقتران الإيمان بالله واليوم الآخر في نصوص كثيرة من أجل هذا، وأقام الصلاة، وأقام الصلاة التي هي عمود الدين، عمود الدين، وآتى الزكاة التي هي قرينة الصلاة في مواضع كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [سورة التوبة:18]، وهذا هو الشاهد من هذه الآية للترجمة {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [سورة التوبة:18]، فالخشية تشارك الخوف الذي تُرجِم به، وتفترق عنه؛ لأن الخشية تكون عن علم، الخشية تكون عن علم، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر:28]، والخوف قد يكون الجاهل يخاف، لكن ما يخشى، الخشية تكون من أهل العلم، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر:28]، وأيضًا الخشية خوف معه تعظيم، فالمخشي لا بد أن يكون معظَّمًا، إذا اجتمع الخوف مع التعظيم صار خشية، فقد يخشى أو يخاف الشخص شيئًا وهو يحتقره، لكن لما معه من قوة وسلطة وأداة يضره بها يخافه، لكن ما يخشاه إلا إذا عظَّمه.

 {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} [سورة التوبة:18] هذا حصر، فالخشية لا تكون إلا لله.

 وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [سورة البقرة:8] في الآية الأولى الله -جل وعلا- ذم الكفار المشركين؛ لتمدُّحهم بعمارة المسجد الحرام {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ} [سورة التوبة:19]، ومع الأسف أن هذه الآية يوردها بعض الناس في غير موردها؛ لأنه في الآية جعل المقابلة بين سقاية الحاج وهو عمل طيِّب، وعمارة المسجد الحرام عمل صالح، كمن آمن، يعني في مقابل الإيمان، لكن إذا جعلت سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام مع الإيمان هذا هو المطلوب {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [سورة التوبة:18]، ولذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسائل الجاهلية قال منها: التمدُّح بعمارة المسجد الحرام، التمدُّح بعمارة المسجد الحرام، وهذا لا شك أنه من مسائل الجاهلية؛ لأنه قوبل بالإيمان، أما لو كان مع الإيمان يدخل في {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [سورة التوبة:18] إلى آخره.

 { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ }[سورة العنكبوت:10] الدعاوى سهلة، والكلام المجرَّد عما يؤيده أمره سهل. من الناس من يقول آمنا بالله، لكن عند أدنى شيء يترك ما ادعاه، ويتبرأ منه، وينقلب على عقبه، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} [سورة العنكبوت:10] أوذي من أجل إيمانه، ومن أجل الأعمال الصالحة التي يتطلبها الإيمان ترك لماذا؟

لأنه جعل فتنة الناس كعذاب الله؛ لأنه إذا ترك الإيمان والأعمال الصالحة هو متوعَّد بعذاب الله، لكن إذا آذاه غيره من بني جنسه من أجل أن يترك هذا الإيمان الذي ادعاه قدَّم أذى الناس على عذاب الله، جعل فتنة الناس كعذاب الله، والأصل أنه إذا قال: آمنا بالله وعمل بشروطه وواجباته وأدى ما افترض الله عليه، وترك ما نهى الله عنه، مهما كان أذى الناس وعذابهم وفتنتهم، مهما كانوا لن تصل إلى أدنى نسبة من عذاب الله، فلا يحمله ذلك عللى ترك ما هو عليه من الإيمان والعمل الصالح.

 {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [سورة الحـج:11] من الناس من يعبد الله على حرف على طرف، أدنى شيء يغيره، وأدنى اهتزاز يسقطه.

وعن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا «إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله» اليقين هو العلم الجازم القطعي، «أن ترضي الناس بسخط الله» لماذا ترضيهم بسخط الله؟ خشية منهم، خشية منهم، فيدخل في قوله: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [سورة العنكبوت:10]، «أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله».

طالب: ..........

أن ترضي.. قد يكون رجاءً وقد يكون خوفًا، يرجو ما عندهم فيرضيهم بما يسخط الله، ولو بترك الإنكار عليهم في أمور ظاهرة، وهذا كثير مع الأسف، الإنسان يجامل، بل يداهن، فيترك الإنكار على من يرتكب المعاصي والجرائم إما رغبة فيما عنده أو خوفًا منه.

طالب: ..........

نعم، هذا أرضى أخاه، أرضاه بما يسخط الله.

وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تحمدهم على رزق الله، ذهبت إلى شخص فشرحت له حالك، فأعطاك مبلغًا من المال، فتحمده على هذا المال، في كل مجلس فلان، فلان، المعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، المعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، «إنما أنا قاسم» يقوله الرسول- عليه الصلاة والسلام-: «والله المعطي، إنما أنا قاسم، والله المعطي» لا يمنع من مدح مَن كان سببًا في العطاء من البشر مع الاعتقاد الجازم أن الله العطاء من الله -جل وعلا- لا من هذا الشخص فتحمده؛ لأنه سبب، لا أنه هو المعطي الحقيقي، {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سورة النــور:33] فالمال لله، وهذا وكيل في التصرف بهذا المال، فإن أحسن في تصرفه أثيب، وإن أساء عوقب.

 «وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله» الأول أُعطي فمدح وحمد، والثاني مُنع فذم، وهذا حال كثير من الناس اليوم، هذا موجود على ألسنة كثير من المسلمين يدورون مع العطاء والمانع، والله -جل وعلا- هو المعطي والمانع، وهذا التاجر الذي أعطاك ومنعك إنما هو سبب، إن أعطاك فالله هو الذي قدر لك ذلك، وهو الذي أعطاك على يد هذا التاجر، وإن منعك فالله هو الذي لم يشأ أن يعطيك هذا التاجر، فالأمر مرده كله لله.

 «وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله» إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، بعض الناس إذا ابتدأ مشروعًا تجاريًّا حرص على الربح بأي طريق، وبذل له الوقت والنفس والنفيس، وأشغل نفسه، وأشغل أولاده، وأتعبهم من أجل تحصيل هذا الرزق وهو بيد الله -جل وعلا-، وحرصك، مهما حرصت ومهما تعبت لا يجر ما عند الله -جل وعلا- إلا إذا كان الله قد كتبه لك، والأمثلة على هذا في أسواق المسلمين كثيرة جدًّا، وكانت الأمور أوضح لما كانت الأمور مكشوفة، والبيع والشراء في أمور موجودة عند التجار في محلاتهم، لكن الآن أكثر الأعمال من خلال هذه الأجهزة، فالناس ما يرون هل هذا حريص أو ما هو حريص، في الأول كان الحريص واضحًا في السوق، الآن الحرص كيف يتبين؟

 فيه كبار سن من التجار الكبار يحيون الليل في صالات، في البنوك، يراقبون البورصات، وزاد الدولار، ونقص الذهب، وزاد الجنيه، ونقص كذا إلى الصباح، هذا من أشد الحرص، وفي النهاية إذا زاد شيئًا أخذ حبة سكر، وإذا نقص شيئًا أخذ حبة ضغط، وإذا.. ثم ماذا؟ ما الحياة هذه؟! ما هذه الحياة التي يسعى صاحبها إلى أن يصل إلى مبلغ يزيده في الشقاء، وقد يكون وقودًا عليه يوم القيامة، لا يؤدي حق الله عليه، فهذه ليست حياة، وليس هذا مالًا، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.

 أعرف شخصًا توفي -رحمه الله- غضب غضبًا شديدًا لما قيل له: إنه سيصلى على ابن عمك بصلاة العصر؛ لأنه يتأخر على المحل، قال: خلوه بالليل إذا قفلنا! هذا من الحرص.

 ولا يرده كراهية كاره، إذ لو يكره الناس كلهم ما يكتبه الله لك ما استطاعوا أن يردوه، في حديث ابن عباس: «واعلم أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك»، وبالعكس «لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» هذا الحديث مخرَّج عند أبي نُعَيْم في الحلية وغيره، وقال المخرِّجون: إن معناه صحيح، معناه صحيح، وإسناده ضعيف.

وجاء سؤال هنا: ما معنى قولهم حديث صحيح وإسناده ضعيف؟

المقصود حديث صحيح يعني من حيث المعنى، وإسناده ضعيف يعني من حيث الظاهر في السند.

قال: وأثر حسن وإسناده ضعيف؟

مثله، يعني من حيث المعنى حسن، ومن حيث الإسناد في ظاهره الضعف.

طالب: .........

نعم هذا إذا تعددت طرقه، تعددت طرقه بأسانيد كلها لا تخلو من ضعف، فيكون ضعيفًا بهذا الإسناد، صحيحًا بمجموعه، بمجموع الأسانيد.

طالب: .........

نعم، هذا معناه صحيح.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من التمس رضا الله بسخط الناس -رضي الله عنها- وأرضى عنه الناس»، «من التمس رضا الله بسخط الناس»، وفي الحديث السابق «أن ترضي الناس بسخط الله»، «رضي الله عنه وأرضى عنه الناس»؛ لأن القلوب بيد الله -جل وعلا-، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا رضي عنك أرضى عنك هذه القلوب، وصرفهم إليك، وإذا سخط عليك، قلوبهم بين أصبعين من أصابعه صرفهم عنك وأبغضوك وسخطوا عليك، «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس». فعلى المسلم العاقل أن ينظر إلى ما يرضي الله -جل وعلا-، ولا يلتفت إلى غيره، لكن مداراة الناس ونفع الناس مطلوب، وأحيانًا يكون طلب رضاهم فيما لا يسخط الله -جل وعلا- طلب رضاهم أيضًا مطلوب بنفعهم ومداراتهم، وليكونوا شهداء لك بحيث إذا رضوا عنك أثنوا عليك خيرًا، ولو انصرفت عنهم ولم تلتفت إليهم وفي حدود ما يرضي الله -جل وعلا- فإنهم حينئذ ينصرفون عنك ويذمونك، و«أنتم شهداء الله في أرضه»، من هذا الباب لا بأس، لكن ترضيهم بما يسخط الله فهذا لا، فإن الله سيسخط عليك ويسخط عليك الناس، رواه ابن حبان في صحيحه، وله طرق كثيرة يقولون: يصل بمجموعها إلى الصحيح لغيره.

قال -رحمه الله-..

طالب: ..........

إذا ظن أنه يضره بذاته، إذا ظن أنه يضره بذاته، وهناك خوف وهمي، بعض الناس تجده في المسجد مثلاً أو في مسجد طريق ودورة المياه بجنب المسجد، والليلة مظلمة، فما يستطيع أن يخرج من المسجد في الليل؛ خوفًا على نفسه من هذا الظلام، فهل يتيمم أو لا يتيمم؟ الماء عنده موجود خارج المسجد، لكن خوفه أعظم من خوف الضرر المتحقق عند بعض الناس، هذا خوف وهمي، ما فيه شيء، ما فيه لا سبع ولا ذئب ولا شيء، فهل يُعتد به أو لا يُعتد؟

طالب: ..........

هو ما فيه شيء.

طالب: ..........

نعم..

طالب: ..........

لا، هذه مسألة يذكرونها في التيمم، ولا يرون أن هذا مبيح للتيمم مع وجود الماء؛ لأن الآية نص في هذا {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ} [سورة النساء:43]، وهذا واجد للماء، لكن هذا الخوف عند بعض الناس هو لو وجد مخوف حقيقي صار عذرًا، لكن هذا النوع من الخوف الوهمي عند بعض الناس أشد من الخوف الحقيقي عند البعض، بحيث لو ألزم بالخروج جُن، يجن، يصاب بالجنون، وهذه حقيقة ما هو افتراض، ولذلك عند صلاة الفجر سئل الحسن: لو أُلزِم الصبي بالخروج لصلاة الفجر فجُن، هل يُضمن أو لا يضمن؟ هذه المسألة موجودة حتى في البخاري موجودة، من الأخبار الموقوفة في البخاري.

طالب: ..........

خوف بعض الناس يخاف وهو بفراشه، بعض الناس من الظلام بذاته يخاف.

طالب: ..........

وهمي ما له حقيقة.

طالب: ..........

هو في الأصل طبيعي، لكنه ترقى إلى أن ظن ما لا يضر ضارًّا، لكنه مع ذلك ما يسلم هو أيضًا من أن يتوقع وجود الضار.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

العلاج أن ينسى هذا الخوف مثل الوسواس يطرده، يراجع نفسه، فيه شيء أو ما فيه؟ إما فيه أو ما فيه؟ إذا ما فيه، فلماذا الخوف؟

طالب: ..........

ما فيه شك أن فيه أدعية، فيه أشياء، فيه أذكار تقال عند الفزع وما الفزع، موجود له أذكار.

طالب: ..........

العموم الخوف إذا ظن أن المخوف يضر بذاته فهذا شرك أكبر، وهو خوف السر، وإذا كان يظن أنه سبب للخوف والمخوف في الحقيقة هو الله -جل وعلا- المدبِّر لهذه الأمور، هذا لا يكون شركًا.

طالب: ..........

إن دعاه هذا الخوف إلى ترك ما أوجب الله عليه وفعل ما حرم الله عليه يحرم.

فيه مسائل:

 الأولى: تفسير آية آل عمران التي هي في الترجمة {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [سورة آل عمران:175]، ثم بعد ذلك تفسير آية براءة {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [سورة التوبة:18] وقد تقدم، ثم تفسير آية العنكبوت {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [سورة البقرة:8]. الرابعة إن اليقين يضعف ويقوى، في حديث أبي سعيد «إن من ضعف اليقين، إن من ضعف اليقين» والذي يقبل الضعف يقبل القوة، الذي يقبل النقص بالضعف يقبل الزيادة بالقوة.

طالب: ..........

يبقى أنه في دائرة المطلوب يعني «إن من ضعف اليقين» يعني بعض الناس تجده في كلامه النظري عنده من اليقين ما يعادل الجبال الرواسي، وإذا أصيب بأدنى شيء في ضرر في نفسه أو ماله انتهى كل شيء، هذا موجود.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

احرص على إتقان الصلاة... الآن الذين يحتاجون إلى مزيد من التنظيم والأمر بالتراص شخص وجد فرجة تسعه، ودخل فيها، الذي هو صاف عن يمينه من قبله وترك هذه الفرصة أخذ عقاله وطلع، يعني مثل هذا وهو مسلم جاء يصلي يصف بجانبك مسلم مثلك أم تريد الشيطان؟

طالب: ...........

لا لا، فيه تفريط كثير نشوفه بالمساجد.

طالب: ..........

التصافّ.

طالب: ..........

النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصف حتى يسويهم كالقداح «استوا تراصوا»، «ألا تصفون كما تصف الملائكة؟».

طالب: ..........

نعم، «سووا صفوفكم».

طالب: ..........

ماذا بقي؟

طالب: ..........

طيب الخامسة: علامة ضعفه، ومن ذلك هذه الثلاث التي ذُكرت في حديث أبي سعيد؛ ترضي الناس بسخط الله، تحمدهم على رزق الله، تذمهم على ما لم يؤتك الله.

 السادسة أن إخلاص الخوف لله من الفرائض {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [سورة آل عمران:175] إن إخلاص الخوف لله -جل وعلا- فريضة عبادة لا يجوز صرفها إلا لله -جل وعلا- {فَلاَتَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [سورة آل عمران:175].

طالب: ..........

نعم.

السابعة: ذكر ثواب من فعله، ذكر ثواب من فعله، من أين؟

طالب: تكملة الآية.

لكن هل هذا في الخوف؟ هو يتحدث عن الخوف، إخلاص الخوف من الفرائض، ذكر ثواب من فعله؛ لأن الترجمة إنما سيقت للخوف، لخوف الله -جل وعلا- {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:175].

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

ما الشاهد من حديث عائشة لأنه يلتمس رضا الناس خوفًا منهم، والذي التمس رضا الله خوفًا منه، والثواب «رضي الله عنها، وأرضى عنه الناس».

وذكر عقاب من تركه سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.