التعليق على تفسير القرطبي - سورة البروج

سورة البروج مكية باتفاق، وهي ثنتان وعشرون آية، بسم الله الرحمن الرحيم"

" قوله تعالى: البروج: ١  قسم أقسم الله به- جل وعز-، وفي البروج أقوال أربعة: أحدها ذات النجوم، قاله الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك. الثاني: القصور، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد أيضًا، قال عكرمة: هي قصور في السماء. وقال مجاهد: البروج فيها الحرس. الثالث: ذات الخلق الحسن، قال المنهال بن عمرو. "

قاله.

" قاله المنهال بن عمرو. الرابع: ذات المنازل، قاله أبو عبيدة ويحيى بن سلام، وهي اثنا عشر برجًا، وهي منازل الكواكب والشمس والقمر. "

هي المنازل منازل الكواكب.

" وهي منازل الكواكب والشمس والقمر، يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم، فذلك ثمانية وعشرون يومًا، ثم يستسر ليلتين، وتسير الشمس في كل برج منها شهرًا، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، والبروج في كلام العرب القصور، قال الله تعالى:       ﯤﯥ النساء: ٧٨ ، وقد تقدم. "

وهو من المشترك، يطلق على هذا، ويطلق على هذا.

" قوله تعالى: البروج: ٢ - ٣ ، قوله تعالى: البروج: ٢  أي الموعود به، وهو قسم آخر، وهو يوم القيامة من غير اختلاف بين أهل التأويل، قال ابن عباس: وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه. البروج: ٣  اختلف فيهما فقال علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة- رضي الله عنهم-: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وهو قول الحسن، ورواه أبو هريرة مرفوعًا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة»، خرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث، ضعّفه يحيى بن سعيد وغيره، وقد روى شعبة وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عنه، قال القشيري: فيوم الجمعة يشهد على كل عامل بما عمل فيه. "

موسى بن عبيدة هو الربذي معروف ضعيف عند أهل العلم، فالخبر بسببه يُضعّف.

طالب: ...............

إلا عن ثقة نعم، هذا الأصل، لكنه روى عن هذا، وعامة أهل العلم على تضعيفه، معروف موسى بن عبيدة الربذي.

" قلت: وكذلك سائر الأيام والليالي، فكل يوم شاهد، وكذا كل ليلة، ودليله ما رواه أبو نعيم الحافظ عن معاوية بن قرة، عن معقل بن يسار، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس من يوم يأتي على العبد إلا يُنادى فيه: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك شهيد، فاعمل فيّ خيرًا أشهد لك به غدًا، فإني لو قد مضيت لن ترني أبدًا، ويقول الليل مثل ذلك» حديث غريب من حديث معاوية، تفرد به عنه زيد. "

العمّي.

" العمّي، ولا أعلم.. "

وهذا ضعيف أيضًا بعد.

" ولا أعلمه مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بهذا الإسناد، وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى، وقال سعيد.. "

القشيري دائمًا يذكره ويريد به الإمام مسلم؛ لأنه قشيري، لكن هذه الحكاية ما أدري والله هي في الصحيح أم ..

" وقال سعيد بن المسيِّب: الشاهد التروية والمشهود يوم عرفة، وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي- رضي الله عنه-: الشاهد يوم عرفة. "

الحارث الأعور، وهو أضعف مما فات.

" الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم النحر، وقاله النخعي، وعن علي أيضًا: المشهود يوم عرفة. وقال ابن عباس والحسين بن علي- رضي الله عنهما-: المشهود يوم القيامة؛ لقوله تعالى:     هود: ١٠٣  قلت: وعلى هذا اختلفت أقوال العلماء في الشاهد فقيل: الله تعالى، عن العباس والحسن وابن جبير، بيانه: النساء: ٧٩   ﭕﭖ ﭘﭙ ﭜﭝ الأنعام: ١٩  وقيل: محمد -صلى الله عليه وسلم- عن ابن عباس أيضًا والحسين بن علي، وقرأ ابن عباس:                النساء: ٤١ ، وقرأ الحسين:   الأحزاب: ٤٥ ، قلت: وأقرأ أنا: ﭵﭶ البقرة: ١٤٣ ، وقيل: الأنبياء يشهدون على أممهم؛ لقوله تعالى:                النساء: ٤١  وقيل: آدم وقيل: عيسى ابن مريم؛ لقوله.. "

هذه الأمة تشهد على سائر الأمم   البقرة: ١٤٣  والرسول -عليه الصلاة والسلام- يشهد على هذه الأمة ويزكيها، وهي تزكي من قبلها، يعني من أحسن منهم، وكونهم وسطًا يعني عدولاً خيارًا فتقبل شهادتهم.

" وقيل: عيسى ابن مريم؛ لقوله:   ﯠﯡ المائدة: ١١٧. "

يعني على قومهم.

" والمشهود أمته، وعن ابن عباس أيضًا ومحمد بن كعب: الشاهد الإنسان، دليله: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا، وقال مقاتل: أعضاؤه، بيانه:         النور: ٢٤  وقال الحسين بن الفضل: الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم، بيانه   البقرة: ١٤٣ ، وقيل: الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم، وقيل: الليالي والأيام، وقد بيناه، قلت: وقد يشهد المال على صاحبه والأرض بما عمل عليها ففي.. "

وكل ما تقدم يصح أن يسمى شاهدًا، والمشهود عليه يسمى مشهودًا مادامت الأدلة متضافرة على كل ما تقدم، فهي كلها شاهدة.

" ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن هذا المال خَضِر حلو ونِعْم صاحب المسلم هو لمن أعطى، منه المسكين واليتيم وابن السبيل»، أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة»، وفي الترمذي عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: الزلزلة: ٤  قال: «أتدرون ما أخبارها؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل يوم كذا وكذا، قال: فهذه أخبارها»، قال: حديث حسن غريب صحيح، وقيل: الشاهد الخلق شهدوا لله- عز وجل- بالوحدانية والمشهود له بالتوحيد هو الله تعالى وقيل: المشهود.. "

لأنها آيات، لأن هذه المخلوقات آيات على وحدانيته وإلهيته.

وفي كل شيء له آية              .

 

تدل على أنه واحد                   .

هذه شهادات من هذه المخلوقات وإن لم تكن بلسان المقال فإنها شهادة بلسان الحال، يستشهد بها على تفرده بالربوبية والألوهية والخلق والتدبير.

" وقيل: المشهود يوم الجمعة، كما روى أبو الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة»، وذكر الحديث خرجه ابن ماجه وغيره، قلت: فعلى هذا يوم عرفة مشهود؛ لأن الملائكة تشهده وتتنزل فيه بالرحمة، وكذا يوم النحر إن   شاء الله، وقال أبو بكر العطار: الشاهد الحجر الأسود يشهد لمن لمسه بصدق وإخلاص ويقين والمشهود الحاجّ. وقيل: الشاهد الأنبياء والمشهود محمد -صلى الله عليه وسلم- بيانه:   آل عمران: ٨١  إلى قوله تعالى: آل عمران: ٨١ . "

 

هذا نقل عن الشاطبية قال:

وحِرْميٌّ.

والضبط الثاني:

حَرَميٌّ المكي فيه ونافع وحصن.

 

عن الكوفي ونافعهم علا             .

قال شارحها أبو شامة: ولفظ حَرَمي اشترك فيه ابن كثير ونافع، وهو نسبة إلى الحرم، فإن قلت: هذه النسبة صحيحة، فتكون كالعبارة الصحيحة، فقوله: حرمي، كقوله: مكي وبصري وشامي وكوفي؛ لأن كل واحد من ابن كثير ونافع منسوب إلى الحرم، هذا من حرم مكة، وذا من حرم المدينة، قلت: موضع الرمز كون اللفظ مفردًا أراد به المثنى ولم يستعمل المفرد لإلباسه، إذ لا يعلم أي الحرميين أراد، والتصريح بنسبتهما أن يقال:، الحرميان كما يقوله صاحب العنوان وغيره، ولكونه جعل هذا اللفظ رمزًا لم يتصرف بحذف ياء النسب ولا تخفيفها بخلاف قوله من تحتها المكي سوى الشامي ضم إشعارًا بأنه رمز لا نسبة، ثم قال: وحصن جعلت عبارة عن الكوفيين ونافع، وقوله: علا أي الحصن المذكور أي ظهر المراد وانكشف المقصود أن النسبة واضحة إلى الحرم حَرَمي، التسكين قد يستعمله الشاطبي وغيره لضرورة النظم؛ لأنه مر علينا في الدرس السابق الحِرْميان مضبوطة هكذا.

" قوله تعالى:           البروج: ٤ - ٧  قوله تعالى:   البروج: ٤  أي لُعن، قال ابن عباس: كل شيء في القرآن قتل فهو لعن، وهذا جواب القسم في قول الفراء. "

يعني كذلك السنة في قوله: «قاتل الله اليهود» يعني لعنهم.

" وهذا جواب القسم في قول الفراء، واللام فيه مضمرة كقوله تعالى: الشمس: ١  ثم قال: الشمس: ٩  أي لقد أفلح، وقيل: فيه تقديم وتأخير أي قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج، قاله أبو حاتَم. "

أبو حاتِم.

" قاله أبو حاتِم السجستاني، وقال ابن الأنباري: وهذا غلط؛ لأنه لا يجوز لقائل أن يقول: والله قام زيد على معنى قام زيد والله، وقال قوم: جواب القسم البروج: ١٢  وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال بينهما. "

لا يجوز لقائل أن يقول: والله قام زيد جواب القسم الأصل فيه أن يؤكد، والله لقد قام زيد، أما إذا قدم الجواب أو ما يفهم منه الجواب قام زيد والله فهذا ما فيه إشكال، ثم يكون جوابه مقدرًا بعده يفسره المذكور.

" وقيل: البروج: ١٠  وقيل: جواب القسم محذوف أي والسماء ذات البروج لتبعثن، وهذا اختيار ابن الأنباري، والأخدود الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق، وجمعه أخاديد، ومنه الخد. "

لمجاري.

" ومنه الخد لمجاري الدموع، والمخدة؛ لأن الخد يوضع عليها. "

هذا مجرى، لكن بدون أخدود؛ لأن الخد هو الشق، ولذا جاء في أنهار الجنة أنها تجري على الأرض من غير أخدود، لذلك يقول ابن القيم- رحمه الله-:

أنهارها من غير أخدود جرت      .

 

سبحان ممسكها عن الفيضان               .

الخد يسمى لمجاري الدموع الخد ما فيه شق، ويسمى خدًّا، والخد هو الشق الذي يجري فيه الماء، ومثله الأخدود التي حفرت في الأرض وجعلت كالخنادق يلقى بها الناس بعد أن أضرمت بها النار؛ لفتنهم عن دينهم، نسأل الله العافية.

" ويقال: تخدد وجه الرجل إذا صارت فيه أخاديد من جراح، قال طرفة:

ووجه كأن الشمس حلت رداءها        .

 

عليه نقي اللون لم يتخدد               .

  البروج: ٥. "

نعم.

طالب: ................  

لا، الخد مجاري الدموع، الخد إذا أثّر فيه الدمع يمكن أن يكون فيه أخدود، كما ذكر عن عمر أنه- رضي الله عنه- بسبب دموعه كان في خده مثل الشراك، يعني شيء متأثر من كثرة جريان الدموع، أما أصل الخد فليس من الأخدود.

" النار بدل من الأخدود بدل اشتمال، والوقود بفتح الواو قراءة العامة، وهو الحطب، وقرأ قتادة وأبو رجاء ونصر بن عاصم بضم الواو على المصدر أي ذات الاتقاد والالتهاب. "

ولو قيل: إن الوَقود هو الحطب، والوُقود النار الذي هو الإيقاد كما قيل في الطَّهور هو الماء، والطُّهور بالضم هو الفعل الذي هو فعل المتوضئ.

" وقيل: ذات الوَقود بأبدان الناس، وقرأ أشهب العقيلي وأبو السمان العدوي وابن السميقع/ النارُ ذات بالرفع فيهما أي أحرقتهم النارُ ذات الوقود.       البروج: ٦  أي الذين خددوا الأخاديد وقعدوا عليها يلقون فيها المؤمنين، وكانوا بنجران في الفترة بين عيسى ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- وقد اختلفت الرواة في حديثهم والمعنى متقارب، ففي صحيح مسلم عن صهيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان ملِك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت، فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه، فكان  في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك..». "

لأنه يتأخر عليه إذا جلس عند الراهب تأخر على الساحر.

"«فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل.. اليوم أعلم..». "

آلساحر.

"«آلساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من  أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهبَ فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملكَ فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي قال: ولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل عليه الغلام»."

على.

"«حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني لقد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟ قال: أنا لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك..». "

هذا الذي أشار إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- في تصبير أمته على الأذى بسبب الحق والدفاع عن الحق ونصر الحق: «إن أحدًا ممن كان قبلكم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بنصفين ما يثنيه ذلك عن دينه».

طالب: ................  

أفضل منهما حالًا؛ لأنه بلغ من حاله أنه بكلام قاله وبحجر يسير قتله، بلغ بمنزلته عند الله- جل وعلا- أن جعله يقضي على هذه الحية بمجرد كلام بحجر وماتت.. المقصود أنه في هذه اللحظة حاله أفضل من حال الراهب، وقد يكون هذا في تقدير الراهب؛ لأنه لو جرب الراهب ما ندري يمكن يحصل له مثل ما يحصل للغلام أو لا، ولا يمنع أن يقول الإنسان: أنت أفضل مني وهو يجزم أنه أفضل، لكن من باب هضم النفس والتواضع ما فيه ما يمنع.

" ثم جيء للغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم.. "

نعم؛ ليكون أمره أبلغ للناس إذا دهده من جبل وتردى ومات عرف الناس كلهم، وكذلك إذا ألقي في البحر، لكن الله- جل وعلا- خيب ظنونهم ومساعيهم.

" فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك. "

هذا تحدٍّ للملك، وإلا ما الذي يمنعه أن يهرب في شعب من الشعاب وفي غار من الغيران ويسلم من طلب الملك؟ لكن ذهب إلى الملك؛ ليكون هذا أبلغ في تأثير قصته على الناس، ولذلك آمن الناس لما عرفوا قصته.

"«فقال له الملك: ما فعل أصحابك قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه قال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال: للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتى الملك»."

أُتي.

"«فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله..». "

ويستدل بهذه القصة من يرى أنه لا مانع من أن يقتل الإنسان نفسه لمصلحة عامة راجحة، وليس في القصة ما يدل على ذلك، بل للإنسان أن يتسبب في قتل نفسه، أما أن يباشر في قتل نفسه فلا، الغلام ما باشر قتل نفسه، وإنما صار سببًا في قتل نفسه؛ لأنه دلهم على كيفية القتل، والمصلحة راجحة مثل الشمس، آمن الناس كلهم، أما أن يباشر الإنسان قتل نفسه مهما ترتب على ذلك من مصلحة فإنه لا يجوز، تأتي مسألة المفسدة، وأنه إذا كان يُخشى على أسرار المسلمين التي يكنها في نفسه أن يطلع بحيث إذا عذب وأوذي فإنه يخبر بما عنده، هذه مسألة اجتهادية وأفتى بها بعض أهل العلم.

طالب: أحسن الله إليك، من يحدد المصلحة أنها مصلحة عامة أو ليست بمصلحة عامة...

بينهما فرق واضح، صحيح أن بعض من له هوى قد يرتكب شيئًا يقول: المصلحة تقتضيه، وهو في حقيقة نفسه مصلحة شخصية له، هذه المصلحة الشخصية لا ينظر إليها في مقابل المصالح العامة.

طالب: أحسن الله إليك، كيف نوازن بين.....

النبي -عليه الصلاة والسلام- خلال هذا الحديث المتفق عليه لا شك أنه هضم نفسه -عليه الصلاة والسلام- «فيرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد»، «ولو لبثت..لو مكثت سنين ما مكث يوسف لأجبت الداعي» وما.. أيش؟ «أنا أحق بالشك من إبراهيم» يقول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «أنا أحق بالشك من إبراهيم»، «ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركنين شديد ولو لبثت بالسجن ما لبث يوسف لأجبته»، هذا كله من باب هضم النفس -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ................  

نعم، من هضم نفسه مثل قوله: «لا تفضلوني على يونس بن متى».

طالب: ................  

لا.

"«فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فهدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فاجمعوا»."

فأحموه يعني فاقحموه.

«فأحموه فيها».

دعوه يصلى حميم النار التي فيه، نسأل الله العافية.

"«أو قيل له: تحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاسعت أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق»، خرجه الترمذي بمعناه، وفيه: «وكان على طريق الغلام راهب في صومعة» قال معمر: أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذٍ مسلمين. "

نعم، قبل أن تنسخ أديانهم ببعثته -عليه الصلاة والسلام-.

" وفيه أن الدابة التي حبست الناس كانت أسدًا، وأن الغلام دفن قال: فيذكر أنه فيُذكر أنه أخرج في زمن عمرِ بن الخطاب. "

عمرَ.

" في زمن عمرَ بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل وقال: حديث حسن غريب، ورواه الضحاك عن ابن عباس قال: كان ملك بنجران وفي.. "

القصة معروفة في الصحيحين وغيرهما، قصة الثلاثة الذين تكلموا في المهد، وهذا منهم.

" قال: «كان ملك بنجران، وفي رعيته رجل له فتى فبعثه إلى ساحر يعلمه السحر، وكان في طريق، وكان طريق الفتى على راهب يقرأ الإنجيل، فكان يعجبه ما يسمعه من الراهب، فدخل في دين الراهب، فأقبل يومًا، فإذا حية عظيمة قطعت على الناس طريقهم، فأخذ حجرًا فقال: بسم الله رب السموات والأرض وما بينهما فقتلها، وذكر نحو ما تقدم، وأن الملك لما رماه بالسهم وقتله قال أهل مملكة الملك: لا إله إلا الله عبد الله بن ثامر، وكان اسم الغلام فغضب الملك، فأمر فخدت أخاديد»."

طالب: ................  

لا إله إلا إله، عندك كذا.

"«قال أهل مملكة الملك: لا إله إلا إلهَ عبد الله بن عامر، وكان اسم الغلام، فغضب الملك وأمر فخدت أخاديد، وجمع فيها حطب ونار»."

طالب: ................  

إيه عبد الله بن ثامر لا إله إلا إله عبد الله بن ثامر.

"«وجمع فيها حطب ونار وعرض أهلَ مملكته عليها، فمن رجع عن التوحيد تركه، ومن ثبت على دينه قذفه في النار، وجيء بامرأة مرضع وقيل لها: ارجعي عن دينك وإلا قذفناك وولدك قال: فأشفقت وهمت بالرجوع فقال لها الصبي المرضع: يا أمي اثبتي على ما أنت عليه، فإنما هي غميضة»."

غميضة يعني إغفاءة يسيرة.

"«فإنما هي غميضة فألقوها وابنها»، وروى أبو صالح عن ابن عباس أن النار ارتفعت من الأخدود، فصارت فوق الملك وأصحابه أربعين ذراعًا فأحرقتهم وقال الضحاك: هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربعين سنة أخذهم يوسف بن شراحيل بن تبع الحميري، وكانوا نيِّفًا وثمانين رجلاً، وحفر لهم أخدودًا وأحرقهم فيه، حكاه الماوردي، وحكى الثعلبي عن.. "

لكن القصة في الصحيح، فمثل هذه لا تقاومها، وقد يتكرر هذا الفعل لكن القصة المرادة في سورة البروج هي قصة عبد الله بن ثامر، وما ترتب عليها وهذه أصل الفتنة عن الدين عرض الإنسان على العذاب وعلى النار ليُفتن ويختبر ويمتحن وصبره وتمسكه بدينه مثل ما يعرض الذهب والفضة على النار لتنظر جودته.

" وحكى الثعلبي عنه أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل أُخذوا رجالاً ونساء. "

أَخذوا.

أَخذوا.

لحظة أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل أَخذوا رجالًا..

" أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل أَخذوا رجالاً ونساءً فخدوا لهم الأخاديد، ثم أوقدوا فيها النار، ثم أقيم المؤمنون عليها، وقيل لهم: تكفرون أو تقذفون في النار؟ ويزعمون أنه دانيال وأصحابه، وقاله عطية العوفي، وروي نحو هذا عن عبد الله بن عباس، وقال علي- رضي الله عنه-: إن ملكًا سُكِر فوقع على أخته، فأراد أن يجعل ذلك شرعًا في رعيته فلم يقبلوا، فأشارت إليه أن يخطب بأن الله عز وجل أحل نكاح الأخوات فلم يسمع عنه. "

منه.

" فلم يسمع منه، فأشارت إليه أن يُخد لهم الأخدود، ويلقي فيه كل من عصاه، ففعل قال: وبقاياهم ينكحون الأخوات وهم المجوس، وكانوا أهل كتاب، وروي عن علي أيضًا أن أصحاب الأخدود كان سببهم أن نبيًّا بعثه الله تعالى إلى الحبشة، فاتبعه ناس، فخد لهم قومهم أخدودًا، فمن اتبع النبي رمي فيها فجيء بامرأة لها بني رضيع فجزعت فقال لها: يا أماه امضي ولا تجزعي، وقال أيوب عن عكرمة قال:   البروج: ٤  قال: كانوا من قومك من السجستان، وقال الكلبي: هم نصارى نجران أخذوا بها قومًا مؤمنين فخدوا لهم سبعة أخاديد، طول كل أخدود أربعون ذراعًا، وعرضه اثنا عشر ذراعًا، ثم طرح فيه النفط والحطب ثم عرضوهم عليها فمن أبى قذفوه فيها، وقيل: قوم من النصارى كانوا بالقسطنطينية زمان قسطنطين وقال مقاتل: أصحاب الأخدود ثلاثة. "

النفط هذا هو الموجود الآن البترول، لكنه ما كان يستنبط من الأرض، بل الزائد منه يطفو على وجه الأرض ويستعمل للوقود.

" وقال مقاتل: أصحاب الأخدود ثلاثة، واحد بنجران، والآخر بالشام، والآخر بفارس، أما الذي بفارس فأنطينانوس. "

كانوا يعرفون الزفت والقار قبل، وهي من مشتقات البترول والمزفت والمقير من الأوعية جاءت بها النصوص في الصحيحين وغيرها.

" أما الذي في الشام فأنطنيانوس الرومي، وأما الذي بفارس فبختنصر، وأما الذي بأرض العرب يوسف بن ذي نواس، فلم ينزل الله في الذي بفارس والشام قرآنًا، وأنزل قرآنًا في الذي كان بنجران، وذلك أن رجلين مسلمين كان أحدهما بتهامة، والآخر بنجران آجر أحدهما نفسه، فجعل يعمل ويقرأ الإنجيل فرأت ابنة المستأجر النور في قراءة الإنجيل فأخبرت أباها فأسلم، وبلغوا سبعة وثمانين بين رجل وامرأة بعدما رُفع عيسى، فخد لهم يوسف بن ذي نواس بن تبع الحميري أخدودًا وأوقد فيه النار، وعرضهم على الكفر، فمن أبى أن يكفر قذفه في النار وقال: من رجع عن دين عيسى لم يقذف، وإن امرأة معها ولدها صغير لم يتكلم فرجعت فقال لها ابنها: يا أماه إني أرى أمامك نارًا لا تطفأ، فقذفا جميعًا أنفسهما في النار، فجعلها الله وابنها في الجنة، فقذف في يوم واحد سبعة وسبعون إنسانًا، وقال ابن إسحاق عن وهب بن منبه: كان رجل من بقايا أهل دين عيسى بن مريم- عليه السلام- يقال له: قيميون، وكان رجلاً صالحًا مجتهدًا زاهدًا في الدنيا مجاب الدعوة. "

مجابَ.

" مجابَ الدعوة، وكان سائحًا في القرى لا يُعرف بقرية إلا مضى عنها، وكان بناءً يعمل الطين قال محمد بن كعب القرظي: وكان أهل نجران أهل شرك يعبدون الأصنام، وكان في قرية من قراها قريبًا من نجران ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزل بها قيميون بنى بها خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يبعثون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فبعث إليه الثامر عبد الله بن الثامر، فكان مع غلمان أهل نجران وكان عبد الله إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من أمر صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم، فوحّد الله وعبده وجعل يسأله عن اسم الله الأعظم، وكان الراهب يعلمه فكتمه إياه. "

الراهب.

وكان الراهبُ يعلمَه.

يعلِّمُه.

يعلِمُه؟

طالب: يعلَمه...  

يعلَمُه؟ يعلم الاسم نعم، يعلم الاسم يعلَمُه.

" وكان الراهب يعلَمُه فكتمه إياه وقال: يا ابن أخي، إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، وكان أبو الثامر لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن الراهب قد بخل عليه بتعليم اسم الله الأعظم عمد إلى قداح فجمعها ثم لم يبق لله تعالى اسمًا يعلمه إلا كتبه في قدح لكل اسم قدح، حتى إذا أحصاها أوقد لها نارًا ثم جعل يقذفها فيها قدحًا قدحًا، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء، فأخذه ثم قام إلى صاحبه فأخبره أنه قد علم اسم الله الأعظم الذي كتمه إياه فقال: وما هو؟ قال كذا وكذا قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع فقال: له يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل، فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدًا به ضر إلا قال: يا عبد الله، أتوحد الله وتدخل في ديني فأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم، فيوحد الله ويسلم فيدعو الله له فيشفى، حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على دينه ودعا له فعوفي، حتى رفع شأنه إلى ملكهم، فدعاه فقال له: أفسدت علي أهل قريتي، وخالفت ديني ودين آبائي، فلأمثلن بك قال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل، فيطرح على رأسه فيقع على الأرض ليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه نجران بحار لا يُلقى فيها شيء إلا هلك، فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر: والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله وتؤمن بما آمنت ،به فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي وقتلتني، فوحّد الله ذلك الملك، وشهد شهادته، ثم ضربه بعصا فشجه شجة صغيرة ليست بكبيرة فقتله، وهلك الملك مكانه، واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن ذلك كان أصل النصرانية بنجران، فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير، فدعاهم إلى اليهودية وخيَّرهم بين ذلك أو القتل، فاختاروا القتل، فخد لهم الأخدود فحرّق بالنار وقتل بالسيف ومثّل بهم حتى قتل منهم عشرين ألفًا. وقال وهب بن منبه: اثني عشر ألفًا. وقال الكلبي: كان أصحاب الأخدود سبعين ألفًا. قال.. "

القصة بطولها السابقة كلها مروية من طريق كعب الأحبار، وهي مما تلقى من أهل الكتاب، وفيما صح عندنا من نبينا -عليه الصلاة والسلام- في القصة الأولى في أصل القصة هذه غنية عن كل ما ذكر في الباب؛ لأنها هي الثابتة، أما ما عداها فكله متلقًى من أخبار بني إسرائيل.

طالب: ................  

نعم وفد نجران هم النجرانيون، نعم.

طالب: طيب أين البحر؟  

البحر ماء كثير ليس معناه بحر بمعنى البحر، ماء كثير يسمونه بحرًا.

طالب: ............

نقول: هذا متلقى من بني إسرائيل ما ينظر في مفرداته، وليس بصحيح، الصحيح ما تقدم.

" وقال الكلبي: كان أصحاب الأخدود سبعين ألفًا قال وهب: ثم لما غلب أرياط على اليمن خرج ذو نواس هاربًا فاقتحم البحر بفرسه فغرق. قال ابن إسحاق: وذو نواس هذا اسمه زرعة بن تبان أسعد الحميري، وكان أيضًا يسمى يوسف، وكان له غدائر من شعر تنوس أي تضطرب فسمي ذا نواس، وكان فعل هذا بأهل نجران فأفلت منهم رجل اسمه دوس ذو ثعلبان، فساق الحبشة لينتصر بهم، فملكوا اليمن، وهلك ذو نواس في البحر، ألقى نفسه فيه، وفيه يقول عمرو بن معدي كرب:

أتوعدني كأنك ذو رعين           .

 

بأنعم عيشة أو ذو نواسِ               .

وكائن كان قبلك من نعيم           .

 

وملك ثابت في الناس راسِ               .

قديم عهده من عهد عاد           .

 

عظيم قاهر الجبروت قاسِ               .

أزال الدهر ملكهم فأضحى           .

 

ينقل من أناس في أناسِ                .

وذو رعين ملك من ملوك حمير، ورعين حصن له، وهو من ولد الحارث بن عمرو بن حمير بن سبأ.

مسألة: قال علماؤنا: أعلم الله- عز وجل- المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ما كان يلقاه من وحّد قبلهم من الشدائد يؤنسهم بذلك، وذكر لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة الغلام؛ ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها؛ ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به وبذله نفسه في حق إظهار دعوته ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم صبروا على الطرح في النار، ولم يرجعوا عن دينهم، قال ابن العربي: وهذا منسوخ عندنا حسبما تقدم بيانه في سورة النحل. "

منسوخ بمثل قوله تعالى: النحل: ١٠٦ ، وهذا إكراه بلا شك أنه إذا وصل الحد إلى الأذى بمثل هذه الطريقة بأن يحرق في النار أو يهدده من يقدر على ذلك، فإن له مندوحة أن يصبر عن كلمة الحق، لكن لا يجوز له أن يقول الباطل على أي حال من الأحوال قد ينطق بكلمة الكفر مما لا ضرر فيه على أحد مثل هذا النحل: ١٠٦ ، ويبقى أن هذه رخصة، والعزيمة باقية لم تنسخ، فمن ارتكب العزيمة، فله أجره عند الله وأعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، ما يقول: أنا والله مكره أنا.. الإمام أحمد- رحمه الله- تحمل الشدائد، وصبر على السجن والضرب، ومع ذلك أفلح وأنجح، والعلم عند الله- جل وعلا- أن الإمام أحمد لو ما صبر ومن معه كان القول بخلق القرآن يقر إلى الآن، والعلم عند الله- جل وعلا-، ولكن بصبرهم وتحملهم العزائم رفع الله بهم هذه الغمة.

" قلت: ليس بمنسوخ عندنا، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى، قال الله تعالى مخبرًا عن لقمان:                    ﯯﯰ      لقمان: ١٧ ، وروى أبو سعيد الخدري. "

مما يلقّن الصبيان من الأصول الثلاثة التي ألفها شيخ الإسلام الإمام المجدد تعليم المسائل الأربع التي تضمنتها سورة العصر العلم والعمل به والصبر على الأذى فيه والتواصي والدعوة إليه   العصر: ٣ ، فالصبر لا بد منه، أما أن يقول: والله أنا لست متعرضًا لأي مشقة ولا شيء، هذا ليس بشيء لا متعلم ولا معلم ولا داعٍ ولا آمر ولا ناهٍ، ما فيه إلا الصبر والله- جل وعلا- يقول: آل عمران: ٢٠٠  والنتيجة تفلحون! أو آل عمران: ٢٠٠  لا بد من هذا كله.

" وروى أبو سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» خرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وروى ابن سنجر محمد بن سنجر، عن أميمة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كنت أوضئ النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل قال: أوصني فقال: «لا تشرك بالله شيئًا وإن قُطِّعت أو حرِّقت بالنار». الحديث، قال علماؤنا: ولقد امتحن. "

التخريج ماذا قال؟

طالب: ................  

الحديث الأول والثاني.

طالب: ................  

نعم، قال علماؤنا..

" قال علماؤنا: ولقد امتُحن كثير من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقتل والصلب والتعذيب الشديد، فصبروا ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك، ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق وغير ذلك. "

عاصم أم ياسر؟

طالب: ................  

طالب: عاصم.

" وقد مضى في النحل أن هذا إجماع ممن قوي في ذلك، فتأمله هناك. "

لا شك أن العزائم لها أهلها الذين يتحملونها ويصبرون على هذه الشدائد، والذي لا يصبر ويخشى أن يُفتن لا يعرض نفسه لهذه الأمور ويترخص برخصة الله، والحمد لله أن في شرعنا سعة، ولله الحمد، من أراد المنازل العالية وهو من أهلها يستعين بالله، والذي لا يستطيع لا يعرض نفسه لما لا يطيق.

" قوله تعالى:   البروج: ٤  دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة الله تعالى، وقيل: معناه الإخبار عن قتل أولئك المؤمنين أي إنهم قتلوا بالنار فصبروا، وقيل: هو إخبار عن أولئك الظالمين، فإنه روي أن الله قبض أرواح المؤمنين الذين أُلقوا في الأخدود قبل أن يصلوا إلى النار وخرجت نار من الأخدود. "

كما صارت على إبراهيم- عليه السلام- بردًا وسلامًا، ومن هذه الأمة أبو مسلم الخولاني أُلقي في النار وما مسته، هذه معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء.

"وخرجت نار من الأخدود فأحرقت الذين هم عليها قعود، وقيل: إن المؤمنين نجو وأحرقت النار الذين قعدوا، ذكره النحاس، ومعنى عليها أي عندها، وعلى بمعنى عند، وقيل: عليها على ما يدنو منها من حافات الأخدود كما قال:

...............................           .

 

ومات على النار النداء المحلق"               .

طالب: ................  

شيء يسير.

طالب: ................  

المقصود شهيد المعركة، لكن المبطون قد يتألم ألمًا شديدًا، وغيره الحريق، وغيره يتألمون، لكن شهيد المعركة هو الذي لا يجد مثلها..

" العامل في "إذ" "قتل" أي لعنوا في ذلك الوقت. البروج: ٧  أي حضور يعني الكفار كانوا يعرضون الكفر على المؤمنين، فمن أبى ألقوه في النار، وفي ذلك وصفهم بالقسوة ثم بالجد في ذلك وقيل: على بمعنى مع: وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود. قوله تعالى: البروج: ٨  وقرأ أبو حيوة: نقِموا بالكسر، والفصيح هو الفتح، وقد مضى في براءة القول فيه أي: ما نقم الملك وأصحابه من الذين حرقهم إلا أن يؤمنوا أي إلا أن يصدقوا بالله العزيز أي الغالب المنيع الحميد. "

يعني ما يكفي مجرد التصديق في مقابل الإيمان، إنما بأركانه الثلاثة القول والاعتقاد والعمل.

" الحميد أي المحمود في كل حال الذي له ملك السموات والأرض لا شريك له فيهما ولا نديد، والله على كل شيء شهيد أي عالم بأعمال خلقه، لا تخفى عليه خافية قوله تعالى: البروج: ١٠  أي حرقوهم بالنار، والعرب تقول: فتن فلان الدرهم والدينار أي أدخله الكور لينظر جودته، ودينار مفتون. "

يعني مختبر، مفتون يعني مختبر، مار على النار، ورئيت صلاحيته وجودته.

" ويسمى الصائغ الفتان، وكذلك الشيطان. "

لأنه يفتن ويختبر، ومنه قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: «أفتان أنت يا معاذ؟!» يعني تريد أن تصرف الناس عن الصلاة وتحرفهم عنها بتطويلك.

" وروي فتين، ورق فتين أي فضة محترقة، ويقال للحرة: فتين. "

الأرض التي تكسوها الحجارة السود كأنها محترقة.

" أي كأنها أُحرقت حجارتها بالنار؛ وذلك لسوادها. البروج: ١٠  أي من قبيح صنيعهم مع ما أظهره الله لهذا الملك الجبار الظالم وقومه من الآيات والبينات على يد الغلام. البروج: ١٠  لكفرهم. "

الكافر إذا أسلم، هذا الإسلام يهدم ما كان قبله ولو كان ما قبله من حقوق العباد، أما لو كان مسلمًا وأحرق مسلمين بالنار ثم تاب، فالله- جل وعلا- قال: البروج: ١٠  الإسلام يهدم ما كان قبله، لكن لو كانوا مسلمين فتنوا المؤمنين وحرقوهم بالنار ثم تابوا من بعد ذلك، التوبة تجب ما قبلها، لكن حقوق العباد تبقى.

"   البروج: ١٠  في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار، وقد تقدم عن ابن عباس وقيل:   البروج: ١٠  أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على.. "

عذاب كفرهم.

" على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين. "

طالب: ................  

يُحرقون كما أحرقوا، لهم عذاب الحريق كما حرقوا، وكل كافر له عذاب الحريق سواء حرق أو ما حرق.

طالب: ................  

والله المسألة مردها في شرعنا إلى قصة العرنيين، يعني هل المقصود المماثلة أو المقصود المثلة؟ قصة العرنيين ظاهرة في هذا، وإن كان الجمهور على أن المثلة ممنوعة.

طالب: ................  

لا، أولئك الذين يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا.

طالب: ................  

نعم، أي أذى.

طالب: ................  

كما فعل بالجارية مماثلة هذه ليست مثلة.

طالب: ................  

 نعم.

" وقيل: لهم عذاب جهنم الحريق، والحريق اسم من أسماء جهنم كالسعير، والنار دركات وأنواع، ولها أسماء وكأنهم يعذبون بالزمهرير في جهنم، ثم يعذبون في عذاب الحريق، فالأول عذاب ببردها، والثاني عذاب بحرها. البروج: ١١  أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله أي صدقوا به وبرسله، البروج: ١١  أي بساتين ﮞﮟ البروج: ١١  من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه ومن خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى. "

ومع ذلك تجري على الأرض من غير أخاديد ولا تنتشر يمينًا وشمالاً، بل هي في طريقها تجري من تحتهم مثل ما قال ابن القيم فيما أشرنا إليه سابقًا.

"       البروج: ١١  أي العظيم الذي لا فوز يشبهه. قوله تعالى: البروج: ١٢  أي أخذه الجبابرة والظلمة كقوله- جل ثناؤه-:      ﮔﮕ   هود: ١٠٢ ، وقد تقدم، قال المبرد: البروج: ١٢  جواب القسم. المعنى: والسماء ذات البروج إن بطش ربك، وما بينهما معترض مؤكد للقسم، وكذلك قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول: إن القسم واقع عما ذكر صفته بالشدة.   البروج: ١٣  يعني الخلق. "

يعني أن القسم واقع يعني جوابه ما ذكر صفته بالشدة البروج: ١٢  وهو مثل كلام المبرد.

"   البروج: ١٣  يعني الخلق- عن أكثر العلماء- يخلقهم ابتداءً ثم يعيدهم عند البعث، وروى عكرمة قال: عجب الكفار من إحياء. "

من إحياء الله- جل ثناؤه-.

" من إحياء الله- جل ثناؤه- الأموات، وقال ابن عباس: يبدئ لهم عذاب الحريق في الدنيا، ثم يعيده عليهم في الآخرة. وهذا اختيار الطبري.           البروج: ١٤  أي الستور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها. "

نعم؛ لأن المغفرة سترت الذنوب، والمغفر ما يستر البدن عن وقع السهام وآلات الحرب وغيرها.

" البروج: ١٤  أي المحب لأوليائه، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: كما يود أحدكم أخاه بالبشرى والمحبة، وعنه أيضًا: الودود أي المتودِّد إلى أوليائه في المغفرة، وقال مجاهد: الوادّ لأوليائه، فعول بمعنى فاعل، وقال ابن زيد: الرحيم. وحكى المبرد عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أن الودود هو الذي لا ولد له، وأنشد قول الشاعر:

وأركب في الروع عريانة          

 

ذلول الجناح لقاحًا ودودًا              .

أي لا ولد لها تحن إليه، ويكون معنى الآية. "

لكأن المعنى العكس، الودود هي التي لها ولد تحن إليه، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «تزوجوا الودود الولود».

" ويكون معنى الآية إنه يغفر لعباده وليس له ولد يغفر لهم من أجله ليكون بالمغفرة متفضلاً من غير جزاء، وقيل: الودود بمعنى المودود، كركوب وحلوب أي يوده عباده الصالحون ويحبونه.    البروج: ١٥  جله قرأ الكوفيون إلا عاصم. "

ولا شك أنه واد ومودود وحاب ومحبوب، صفة المحبة ثابتة لله- جل وعلا-، ومحبته فرض على عباده.

" قرأ الكوفيون إلا عاصمًا: المجيدِ بالخفض نعتًا للعرش، وقيل: لربك أي إن بطش ربك المجيد لشديد، ولم يمتنع الفصل؛ لأنه جارٍ مجرى الصفة بالتشديد، والباقون بالرفع نعتًا لذو والله تعالى، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل، والله سبحانه المنعوت لذلك، وإن كان قد وُصف عرشه بالكريم في آخر المؤمنون، تقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي تناهيا فيه حتى يقتبس منهما، ومعنى ذو العرش. "

ذو العرش مضاف ومضاف إليه، والمجيد نعت، فهل نعت للمضاف أو للمضاف إليه؟ يجوز هذا وهذا، لكن نحتاج إلى مرجح لأحد الأمرين، فإذا كان الإعراب بالحروف قد يخفى ويستدل عليه من السياق كما تقول: مررت بزيد الفاضل، مررت بغلام زيد الفاضل، الفاضل من؟

طالب: ................  

يحتمل والمتحدَّث عنه الغلام أم زيد؟ المقصود أنه لا بد من قرينة تدل على المراد، أما من خلال اللفظ، فما فيه ما يدل عليه إذا كان الإعراب بالحركات، لكن إذا كان الإعراب بالحروف عرف. الرحمن: ٢٧   الرحمن: ٧٨  الإعراب واضح، الأول للمضاف والثاني للمضاف إليه.

طالب: ................  

على كل حال هو الآن على قراءة الرفع ما فيه إشكال، الحميد المجيد، ما فيه الحميد المجيد؟

إنه حميد مجيد.

إنه حميد مجيد، نعم ﭪﭫ هود: ٧٣.

" ومعنى ذو العرش أي ذو الملك والسلطان، كما يقال: فلان على سرير ملكه، وإن لم يكن على سرير، ويقال ثُلَّ عرشه أي ذهب سلطانه، وقد مضى بيان هذا في الأعراف، وخاصة في كتاب الأسماء، في شرح أسماء الله الحسنى.   البروج: ١٦  أي لا يمتنع عليه شيء يريده، قال الزمخشري: فعّال خبر ابتداء محذوف، وإنما قيل: فعّال؛ لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. "

فهي صيغة مبالغة فعّال.

طالب: ................  

لا، هو يثبته، يثبت العرش.

طالب: ................  

تكلف هذا.

" وقال الفراء: هو رفع على التكرير والاستئناف؛ لأنه نكرة محضة. وقال الطبري: رفع فعال وهي نكرة محضة على وجه الاتباع لإعراب الغفور الودود. وعن أبي السفر قال: دخل ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر- رضي الله عنه- يعودونه فقالوا: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: قد رآني. قالوا: فما قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد. "

نعم، هذا بالنسبة للطب والعلاج، هل يجب أو لا يجب؟ وهل يستحب أو هو مباح وتركه أولى؟ أقوال لأهل العلم، وشيخ الإسلام يقول: لا أعلم سالفًا أوجب العلاج، ويحصل مسائل كثيرة حول من يقرر له عملية يغلب على الظن رجحانها، وفي تركها الهلكة، هل يلزم بها المريض أو لا يلزم؟ كل على أصله في الوجوب أو عدمه، وينحو بعض المعاصرين من أهل العلم إلى أنها إذا تعينت العملية هذه أو العلاج سبيلاً إلى الشفاء فإنه لا يؤخذ رأيه، بل يجب عليه أن يعالِج ويعالَج، وطريقة سلف الأمة ما أحد أُلزِم أو أَلزم نفسه أو ألزمه غيره بعلاج، هذا سيد هذه الأمة بعد نبيها: ألا نأتيك بالطبيب؟ وهذا ثابت عنه قال: قد رآني قالوا: فما قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد، والله المستعان.

" قوله تعالى: البروج: ١٧  أي قد أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، يؤنسه بذلك ويسليه، ثم بينهم فقال: البروج: ١٨  وهما في موضع جر على البدل من الجنود، المعنى: إنك قد عرفت ما فعل الله بهم حين كذبوا أنبياءه ورسله.      البروج: ١٩  أي من هؤلاء الذين لا يؤمنون بك البروج: ١٩  في تكذيب لك كدأب من قبلهم، وإنما خص فرعون وثمود؛ لأن ثمود في بلاد العرب وقصتهم عندهم مشهورة وإن كانوا من المتقدمين. "

يأثرونها الأجيال بعد الأجيال؛ لأنها في بلادهم.

" وأمر فرعون كان مشهورًا عند أهل الكتاب وغيرهم، وكان من المتأخرين في الهلاك، فدل بهما على أمثالهما في الهلاك، والله أعلم. قوله تعالى: البروج: ٢٠  أي يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون، والمحاط به كالمحصور، وقيل: أي والله عالم بهم فهو يجازيهم    البروج: ٢١. "

والإحاطة بالشيء تعني القدرة عليه، وأنه لا يستطيع أن يفلت منه؛ لأنه محيط به من جميع الجهات.

" أي المتناهي أي متناهٍ في الشرف والكرم والبركة، وهو بيان ما بالناس الحاجة إليه من أحكام الدين والدنيا، لا كما زعم المشركون، وقيل: مجيد أي غير مخلوق. البروج: ٢٢  أي مكتوب في لوح وهو محفوظ عند الله تعالى من وصول الشياطين إليه، وقيل: هو أم الكتاب، ومنه انتسخ القرآن والكتب، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: اللوح من ياقوتة حمراء أعلاه معقود بالعرش، وأسفله في حجر. "

حَجْر.

" في حَجْر ملك يقال له: ماطريون، كتابه نور، وقلمه نور، ينظر الله- عز وجل- فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء؛ يرفع وضيعًا، ويضع رفيعًا، ويغني فقيرًا، ويفقر غنيًّا، يحيي ويميت، ويفعل ما يشاء، لا إله إلا هو. "

في الحديث الصحيح: «أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب»، «قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وذلك قبل ما يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة»، والله المستعان.

" وقال أنس بن مالك ومجاهد: إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله تعالى في جبهة إسرافيل. وقال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش. وقيل: اللوح المحفوظ الذي فيه أصناف الخلق والخليقة وبيان أمورهم وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم والأقضية النافذة فيهم ومآل عواقب أمورهم وهي أم الكتاب. وقال ابن عباس: أول شيء كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ إني أنا الله لا إله إلا أنا محمد رسولي، من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي كتبته صدّيقًا، وبعثته مع الصديقين، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ إلهًا سواي. "

مخرج الحديث الذي قبل هذا؟ كلام ابن عباس؟

" طالب: قال: وهو من الإسرائيليات... "

طالب: أحسن الله إليك، يقول: ومنه انتسخ القرآن، أليس الله- جل وعلا- هو المتكلم بالقرآن؟

الله- جل وعلا- هو المتكلم بالقرآن، نزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة، كما في خبر ابن عباس ويصحّحه كثير من أهل العلم، ونزل إلى الأرض منجمًا، أو أنه إنما ينزل إذا تكلم الله به إلى جبريل منجمًا من أوله إلى آخره، يعني من بداية كلامه- جلا وعلا- إلى أن يصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من قال: إنه تكلم به وأخذه من اللوح المحفوظ، تكلم به الله- جل وعلا- حقيقة، مع أنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وانتسخ من اللوح المحفوظ، ونزل به جبريل إلى السماء الدنيا، أما كونه تكلم به في الوقائع، وسمع المجادلة، وأنزل بشأنها القرآن، هذا ما يختلف فيه أحد ممن يُعتد بقوله.

" وكتب الحجاج إلى محمد بن الحنفية- رضي الله عنه- يتوعده، فكتب إليه ابن الحنفية: بلغني أن لله تعالى في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ، يعز ويذل، ويبتلي ويفرح، ويفعل ما يريد، فلعل نظرة منها تشغلك بنفسك، فتشتغل بها ولا تتفرغ. وقال بعض المفسرين: اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه وقرأ ابن السميقع وأبو حيوة: قرآنُ مجيد على الإضافة أي قرآن رب مجيد. "

قرآنُ مجيدٍ.

" قرآنُ مجيدٍ على الإضافة أي قرآن رب مجيد، وقرأ نافع: في لوحٍ محفوظٌ بالرفع نعتًا للقرآن أي هو قرآن مجيدٌ محفوظ في لوح، والباقون بالجر نعتًا للوح، والقراء متفقون على فتح اللام من لوح، إلا ما روي عن يحيى بن يعمر فإنه قرأ. "

لُوح.

فإنه قرأ.

قرأ لُوحٍ، يعني بضم اللام.

قرآن أم قرأ.. فإنه قرآن..

قرأ ماذا عندكم؟

طالب: قرآن..

فإنه قرآن لُوحٍ قرأ قرأ.

طالب: ................  

فإنه قرأ اللوح بفتح اللام لُوح هذا الذي يظهر عندكم كذا؟

طالب: ................  

نعم، ما له وجه.

" فإنه قرأ لُوحٍ بضم اللام. "

على وزن نوح، مثل نوح في زنتها.

" أي إنه يلوح، وهو ذو نور وعلو وشرف، قال الزمخشري: واللُّوح الهواء يعني اللُّوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح. وفي الصحاح: لاح الشيء يلوح لوحًا أي لمح، ولاحه السفر غيَّره، ولاح لوحًا ولواحًا عطش، والتاح مثله، واللوح. "

والْتَاحَ.

" والْتَاحَ مثله، واللوح الكتف، وكل عظم عريض، واللوح الذي يكتب فيه، واللوح بالضم الهواء بين السماء والأرض والحمد لله. "

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...

"