التعليق على تفسير سورة الواقعة من تفسير الجلالين (03)

 

السلام عليكم وحمة الله وبركاته.  

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:ـ

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في شرح حال السابقين، يقول -رحمه الله تعالى-: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} للخدمة {وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ }[سورة الإنسان:19]، على شكل الأولاد لا يهرمون، بأقداح بأكواب الجار والمجرور المتعلق بيطوف، يعني يطوف هؤلاء الأولاد بالأكواب، والأكواب كما قال المؤلف أقداح لا عرى لها، يعني ليس لها شيء يمسك به، لا عرى لها وأباريق، لها عرى فرق بين القدح والإبريق أن الكوب قدح لا عرى له، لا عروة له يعني منه، ولا خرطوم له يصب منه، يعني أشبه ما يكون بهذا، ليس له عروة يحمل بها، وليس له خرطوم يصب منه هذه الأكواب، يقول أقداح لا عرى لها، وأباريق لها عرى، لها عروة تحمل منها، وخراطيم الخرطوم يصب منه، يسمونه البزبوز مثلاً، حتى بعض الحواشي قال: خراطيم، يعني: بزابيز، يعني: التي تصب منه هذا الأباريق، وكأس الكأس هو الإناء الذي يشرب به الخمر، يعني يشمل ما تقدم إلا أنه خاص بأنه يشرب به الخمر، واستعمال الناس للكأس، استعمال الناس للكأس، بناء على أنه إناء، كالكوب وكالقدح فاستعمالهم له استعمال عرفي عام، وأما بالنسبة للاصطلاح الخاص عند الشراب، فلا يسمون الإناء إلا كأس الذي يشرب به الخمر،- نسأل الله السلامة والعافية-.

إناء يشرب به الخمر لكنه يشرب به خمر الآخرة، هذا الذي مذكور عندنا الذي يشرب خمر الآخرة، {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} [سورة الواقعة:18] من معين، أي: خمر جارية، من منبع لا ينقطع أبدا؛ لأن فيها أنهار من خمر في الجنة أنهار من خمر كما ذكر في سورة القتال، من نعيم أن خمر جارية من منبع لا ينقطع أبدا، {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} [سورة الواقعة:19] هذا الخمر ليست كخمر الدنيا، لأن خمر الدنيا تذهب بالعقل، وينشأ عنها الصداع، وينشأ عنها أيضاً ارتفاع في الحرارة، وينشأ عنها مضار كثيرة جداً لا يمكن حصرها، {لا يصدعون عنها}، لا يحصل عنها صداع كما في خمر الدنيا، {ولا ينزفون} بفتح الزاي وكسرها، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، بكسر الزاي هذه قراءة عاصم، وقرأ غيره بفتح الزاي، وهي قراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، ينزفون من نزف الشارب وأنزف، من نزف الشارب وأنزف، من نزف يكون المضارع ينزفون، نزف ينزف، ومن أنزف الرباعي يكون المضارع ينزفون كما هنا، أي: لا يحصل منها، لا يحصل لهم منها صداع، ولا ذهاب عقل، ولا ذهاب عقل، بخلاف خمر الدنيا، خمر الدنيا ينشأ عنها هذه العلل التي أعظمها ذهاب العقل الذي هو نماط التكليف، ذهاب العقل الذي مناط التكليف، وعلى هذا إذا شرب الإنسان وسكر وذهب عقله، هل يلحق بالمجنون؟ بمعنى أنه ترتفع عنه التكاليف أو يقال: أن هذا بسببه وبفعله بنفسه فيعاقب بنقيض قصده، فيخاطب بالتكاليف، وأهل العلم يختلفون في طلاق السكران هل يقع أو لا يقع، من قال يقع قال: هو الذي أذهب عقله بنفسه، فالتبعات الحاصلة على هذا الإذهاب لاحقة به، من باب ربط الأسباب بالمسببات، تسبب هو فلحقته التبعة، ومنهم من يقول لا يقع؛ لأن العقل هو مناط التكليف وقد ارتفع فيكون عليه إثمه، وترتفع عليه التكاليف، عليه إثم الشرب،وترتفع عنه التكاليف، لماذا عم لو اتصل أثناء شربه، هل يقتل أو لا يقتل؟ إذا قيل هو المتسبب لانتزاع عقله يؤاخذ لاسيما وأنه قد يتخذ مثل هذا ذريعة إذا ارآد أن يرتكب منكرا أو يقتل شخصاً شرب، ثم أثبت أنه شرب وحينئذٍ لا يؤاخذ، من أهل العلم من يرى من يبالغ في انفكاك الجهة، يبالغ في انفكاك الجهة، ويش معنى هذا؟ يقول: أن الشرب عليه إثمه ولا علاقة له بما يترتب عليه من ذلك، بعد ذلك، فإذا قتل عليه إثم الشرب، وعليه الحد، لكن قتل في حال ارتفاع عنه فيه التكليف، هذا المبالغة حتى قال ابن العربي: أنه لو اجتمع قوم يشربون في بيت فسقط عليهم السقف فماتوا يقول: عليهم أثم الشرب، ولهم أجر الشهادة؛ لأنهم سقط عليهم الهديم شهيد، ولا شك أن هذا مبالغة في انفكاك الجهة ولا يراها أكثر أهل العلم، بل إذا فعل شيء بطوعه واختياره يتحمل كل الآثار المترتبة على هذا العمل، ولو قلنا بمثل هذا القول لتذرع كثير من أصحاب المأرب والمقاصد بالوصول إلى ما يريدون بالشرب، إذا أراد أن يقتل شخصاً شرب خمر، وفي بداية النشوة يقتله ويقول: إنه سكران، طيب ماذا عن ما جاء في قصة ماعز، ماعز -رضي الله عنه وأرضاه-  حصل منه هفوة وهو الزنا، ثم جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، تائباً يعرض نفسه على النبي -عليه الصلاة والسلام- لإقامة الحد، وهو يعرف أن إقامة الحد هي الرجم فقد نفسه، لأن الحدود كفارات، الحدود كفارات، فإذا رجم كما حصل، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- انه بعد رجمه ينغمس في أنهار الجنة، من ضمن ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما ردده قال: ((أشربت خمراً))، كل هذا من أجل أن يدرأ عنه الحد -عليه الصلاة والسلام-، ((لعلك قبلت لعلك غمزت لعلك فعلت))، وهو مصر إلا أن يعترف بالزنا الموجب للحد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعرض له لعله أن يرجع، وهل يقال هذا بالنسبة لكل أحد؟ لا ما يقال هذا بالنسبة لكل أحد يعني: من كانت حاله مثل حالة ماعز حصلت منه هذه الهفوة وهذه الزلة، وأراد من وصل إليه الأمر أن يستر عليه قبل ثبوت الحد، قبل ثبوته، أما إذا وصل الحد السلطان وثبت عنده كما جاء في الخبر: ((فإن عفا فلا عفا الله عنه))، ولا يجوز حتى الشفاعة في الحدود، كما جاء في حديث أسامة، ((أتشفع في حد من حدود الله)) المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرض عله كثيراً وأطال له ترديده من أجل أن يرجع عن إقراره لماذا؟ لأنه حصلت منه هذه الهفوة وهذه الزلة وقد تاب توبة نصوحاً، الدليل عليها أنه قدم نفسه لله ولو كانت توبته غير صالحة وغير صحيحة لما صنع مثل هذا، المقصود أن مثل هذا يعرض له بالرجوع ما لم يثبت الحد، أما إذا ثبت الحد وأقر واعترف بما لا يحتمل أو شهد عليه الأربعة شهادة واضحة صريحة وأنه جامع المرأة كما يجامع زوجته، النبي - عليه الصلاة و السلام - قال: ((اذهبوا به فرجموه)) لم يجد خيار، لكن قوله الشاهد من ذلك قوله: أشربت خمراً، قال: أبك جنون ثم التفت إلى قومه كأنه يسألهم هل به شيء هل بعقله شيء؟ أبعقله شيء؟ قالوا ما علمنه إلا وفي العقل من صالحينا، أشربت خمر، هل شرب الخمر يدرأ الحد؟ لأنه في مثل هذا المقام الذي يلتمس فيه أدنى شيء أدنى شبه لدرأ الحد، لكن على القول بأن شرب الخمر بطوعه واختياره، بطوعه واختياره، أراد بذلك بالوصول إلى ما يريد من المقاصد التي لا يصل إليها مع كونه عاقلاً مكلفا، إلا بهذه الحيلة فإنه حينئذٍ يعاقب بنقيض قصده، علماً أن شرب الخمر من عظائم الأمور، وإن تساهل فيه الناس، وإن شربوه وسموا الخمر بغير اسمها، ومن شربه في الدنيا أن يشربه في الآخرة، ويسقى من طينة الخبال يوم القيامة، ويجلد الحد لأول مرة والثانية، والثالثة، والخلاف والرابعة، والخامسة هل يكتفا بالحد أو يقتل، كما جاء في الحديث معاوية وغيره((فإذا شرب الرابعة))وفي رواية:((وإذا شرب الخامسة فقتلوه)) لأن قتل المدن هذا له أصل في الشرع وإن كان جمهور أهل العلم يرون أنه منسوخ، جمهور أهل العلم على أن قتل الشارب في الرابعة، والخامسة منسوخ، وابن حزم يقول بقوله، يقول: محكم وبجميع الشراح، وشيخ الإسلام، وابن القيم، والسيوطي، والشيخ أحمد شاكر يرون أنه محكم، لكنه تعزير وليس بحد، بمعنى أنه لا يقتل كل أحد وإنما يقتل بعض الشراب المسرفين، ويقتل في بعض المجتمعات التي لا تردعهم الحدود، لكي يرتدع هؤلاء، وإذا شرب الخرم ارتفع عنه الإيمان، ولا يشرب الخمر فهو يشربه وهو يشربها وهو مؤمن لكنه يعاوده إيمانه بعد ذلك لأنه لا يكفر بإجماع من يعتد بقوله خلافاً للخوارج، خمر الدنيا فيها إثم كبير ومنافع، إثم كبير ومنافع للناس، والإثم أكبر من النفع والإثم أكبر من النفع، ومن المعلوم والمقرر في قواعد الشرع أنه إذا كانت المفسدة محضة أو راجحة فالحكم التحريم، وهذا في غير الخمر، الخمر مقطوع بتحريمه بالنصوص في الكتاب والسنة، لكن إذا ترجحت المفسدة فالحكم حينئذٍ التحريم، وما المصلحة وما المنفعة من الخمر التي قال الله عنها وعن الميسر: {وفيهما منافع}، وقالوا: أن المنفعة هي من حيث مزاولة الاتجار بها فيها مكاسب مربحة، ولذلك تسمعون في بعض الأحيان أنه قبض على شخص عنده مصنع، يبيع الخمر، قد لا يشربه هو لكنه يتجر به، هذه منفعة بالنسبة له،لكن هل تقاوم المضرة مضرة الدون؟ لا لا تقاوم مضرة الدون ولذا يقال: {إثمهما أكبر من نفعهما}، وعلى أنه جاء في بعض الأخبار: أن الله -جل وعلا- لما حرم الخمرة سلبها المنافع، سلبها المنافع فهي حينئذ ضرر محض، ضرر محض، وأما الاتجار فيصل بأنواع المحرمات لكن العبرة بالبركة، قد يتجر الإنسان ببيع الخمر، ببيع الدخان، ببيع كذا مثل مهر البغي مثلاً، حلوان الكاهن، كلها من وجوه الكسب المحرم، وتدر على أصحابها الدراهم والدنانير لكن ماذا بعد ذلك، قد يشقى بهذه الدراهم والدنانير التي لا بركة فيها، وإذا نشأ جسده عليها وأنشأ من تحت يده من ذرية ونساء على هذا السحت فإن النار أولى به، - نسأل الله السلامة والعافية- وتساهل الناس بأمور المكاسب، تساهل الناس في أمور المكاسب قد يكون الذي يتجه بالخمر ألين، لكن الذين يتجرون بالدخان، الذين يأكلون الربا، الذين يتعالمون بالمشتبهات، هؤلاء كثرة، ولا شك أن طيب المكسب، وطيب المطعم من أعظم أسباب إجابة الدعاء: ((يا سعد أ طيب مطعمك تكون مستجاب الدعوة))، ((وذكر الرجل يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب))، كونه يطول السفر هذا مظنة للإجابة، والمسافر له دعوة، وكونه أشعث أغبر هذا أقرب للانكسار القلب، وكونه يمد يديه هذا من أسباب الإجابة، والدعاء بهذا الاسم الكريم يا رب يا رب من مظنة الإجابة، كما قال أهل العلم في تفسير أخر آل عمران أنه من قال: يارب يا رب خمس مرات أجيبت دعوته، لأنهم قالوا: ربنا، ربنا، ربنا ثم فستجاب لهم، إذا اجتمعت هذه الأسباب الدعاء مظنة للإجابة، لكن ما المانع من الإجابة، مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى استبعاد، إني يستجاب له، فعلى الإنسان أن يحرص على طيب المطعم.

{وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ}[سورة الواقعة:20]، وفاكهة مما يتخيرون أنواع الفواكه، فاكهة كثيرة وإذ جئ بالفاكهة لأنها مما يتفكه به ويتنعم به وأهل الحجاز الذين نزل عليهم القرآن، نزل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام-، بين أظهرهم الفاكهة عندهم، قليلة، مما يتخيرون فإذا تخير نوع من أنواع الفاكهة حصلت بين يديه من غير تعب ولا عنا، ولا تحتاج إلى حرث ولا إلى زرع، ولا إلى سقي، ولا إلى أن يكلف الإنسان أن يجنيها بل تحصل بين يديه من غير طلب بمجرد التخيل أو بمجرد أن يشتهي هذا الأمر يحصل بين يديه، {وَلَحْمِ طَيْرٍ} [سورة الواقعة:21] قدم الفاكهة على اللحم، في هذا يقول ابن القيم: ينبغي أن يكون البدء بالفاكهة قبل الطعام، البدء بالفاكهة قبل الطعام.

{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}[سورة الواقعة:21] يعني: أي شيء يخطر على باله ويشتهيه ويميل إليه وترغبه نفسه يحصل بين يديه، وكما قيل في الخمر أنه لا مضرة فيها بوجه من الوجوه، فكذلك الطعام قد يقول قائل: إذا أكثر من الفاكهة يتضرر، يرتفع عليه شيء أو ينخفض عليه شيء،هذا لا يوجد في الجنة، وكذلك الطعام، {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} ألا يقول بأنه يصاب بتخمة، أو يصاب بشيء مما كان يصاب به في الدنيا، ومما ومما هذه تفيد العموم من كل شيء يتخيلونه، ومن كل شيء يشتهونه، يعني: مهما كثر فإنهم يأكلون، ومع ذلك لا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما تخرج فضلاتهم رشح،مسك {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} ولهم أيضاً الاستمتاع بالنساء على أعظم وجوه الاستمتاع، كما أنهم ينتفعون بالأكل والشرب على أعظم وجوه الانتفاع كذلك يستمتعون بالنساء قال: ولهم بالاستمتاع حورعين، حور نساء شديدات سواد العيون وبياضها، عين أي: ضخام العيون، حور يقول: نساء شديدات سواد العيون وبياضها، يعني: هل الأفضل في العين أن تكون سوداء، شديدة السواد، أو فيها لون غير السواد إما خضرة، أو تكون من لون البني الداكن أو شيء من هذا، في الدنيا يرغب كثير من الناس في هذا، ولذلك كثير من النساء تلبس هذه العدسات الملونة، وهنا في الحور العين قال: نساء شديدات سواد العيون وبياضها، وقد يكون المفضل في الدنيا مفضول في الآخرة، ويكون الجمال في الدنيا ليس بجمال في الآخرة والعكس، والعكس، لكن المقصود هنا يقول المفسر: شديدات سواد العيون وبياضها، بياضها لا يخالطه شيء، وأن تجد في عيون بعض الناس يكون فيها نقط إما سوداء وإما حمرا، وهذه شديدة البيض، وبالنسبة للسود فإنه شديد أيضا، وإذا كانت العين بهذه المثابة كان السواد شديداً والبياض شديداً فإن هذه يقال لها حينئذٍ حوراء، عين ضخام العيون، ضخام العيون يعني: سعة العين بالنسبة للعدسات إذا كانت حاجة من أجل توضح المرأى لضعف في النظر هذا ما في إشكال، والتلوين إذا كان للتجمل فهو من نوع ما يتجمل به للزوج لا بأس به، لكن إذا كانت من غير حاجة للتجمل للزوج فإن هذا قد يدخل في التغيير لخلق الله، لكن إذا احتاجت إلى التجمل به فلا مانع كالتجمل بغيره من الإصباغ، الأصباغ التي توضع في الوجوه مما لا مضرة فيه، ولا يدخل في حيز المحضور لكونه من باب التشبه، فإذا سلم هذا الأمر من التشبه وأرادة به التزين لبعلها فهذا نوع من التبعل لزوج لا شيء فيه.

يقول: ضخام العيون، لا شك أن سعة العين أجمل من ضيقها، سعة العين في أعارف الناس قاطبة أجمع من ضيق العين، ضخام العيون يقول: كسرت عيونه بدل ضمها عينٍٍٍٍ الأصل أن العين مضمومة، العين في عين الأصل فيها أنها مضمومة لكن الضم لا يمكن مع الياء، فكسرت العين بمناسبة الياء، كسرت عينه بدل ضمها لمجانسة الياء لأن كل ما فيه الياء هذه حرف اللين فإن الضم لا تناسبه ولا تجانسه، والمناسب له والمجانس هي الياء، لكن ماذا عن عين مثلاً واحد العين، مفتوحة العين لماذا لا تكسر لمجانسة الياء؟ نعم؟

طالب:.........

الياء ساكنة لماذا لا نفتح العين؟ قلنا: أن الواو لا تناسب الياء فهل الفتحة تناسب الياء؟ ها لكن إذا فتحنا التبس  المفرد بالجمع ولم نستطع أن، يعني لماذا عدلنا عن الفتحة إلى أولاً الضمة لا يمكن، لا تمكن تناسب الياء الفتحة يمكن النطق بها، لكنها تلتبس حينئذ بالمفرد، إذا قيل: {حور عَين} صارت مفردة والمراد الجمع " عِين" وواحد العين عينا، لأنه ليس الحديث عن العين نفسها، وإنما الحديث عن صاحبة العين، وصاحبة العين لا يقال لها: عين، وإنما يقال لها: عينا ومفاده عينا كحمراء، والجمع مثل حمر، حمراء جمعها حمر ولذا قال: الأصل في العين أن تكون مضمومة كالحاء في حمر، الأصل فيها أنها مضمومة كحمر، لماذا؟ لأن عين كحمر، جمع عينا كحمراء، وحمر مضموم الحاء لماذا لا تظم العين؟ لأنها لا تجانس الياء فعدل عنها إلى الكسرة، وفي قراءة بجر حور العين، القراءة التي معنى {وحورُ عين}وقبلها:{ولحم طير مما يشتهون} {ولحم طير مما يشتهون} والعطف على لحم المجرور يقتضى جر المعطوف عليه، تقول: {وحورٍ عينٍ} وإذا قرأ بهما قرأ بجر حورٍ عين كما هي قراءة حمزة والكسائي عطف على لحم طير، وهنا {حور عين}، يقدر قبله لهم، ولهم حور عين، وحور عين يكون حور مبتدأ مؤخر خبره محذوف تقديره لهم، لهم حور عين، وجاز الابتداء بالنكرة لأن أخرت، والتأخير يقتضي الاختصاص ففيه نوع وصف واختصاصه أيضاً وصفٌ بكونها عين، وإذا وصفت النكرة قل شيوعها وأشبهت المعرفة من هذه الحيثية، فجاز الإبتدأ بها، وإلا فلأصل ألا يجوز الابتداء بالنكرة.

{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [سورة الواقعة23]، {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} اللؤلؤ أفضل ما يحصل عليه من قاع البحار، اللؤلؤ وأيضاً والغواصون أكثر ما يحرصون عليه دون غيره، فهو شيئاٌُ نفيس ومع ذلك إذا ترك من غير كن من غير ظرف يوضع فيه فإن المؤثرات تغيره، لا يكون متلائلئاً كما كان أول استخراجه، ولذا قال:{مكنون} مصون يودع في ظرف يكنه عن المغيرات، عن المغيرات، كأمثال الكاف هذه نعم؟ الكاف لتشبيه وأمثال، ما قال: كاللؤلؤ المكنون ها؟

طالب:............

إلا فيه للؤلؤ يمكن مكنون يكنى لأنه يصان، طيب ما يوجد لؤلؤ؟ يوجد لكن يوجد أيضاً لؤلؤ مصون ولؤلؤ غير مصون، يعني: إذا تركت للمؤثرات ما صار مصون، لكن إذا كنا واصينا عن هذه المؤثرات صار مصون مكنون، كأمثال، الكاف هذه للتشبيه وأمثال أيضاً تشبيه، وهنا تذكر ما قالوا في: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[سورة الشورى:11]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، عندنا مثل المثل، عندنا الكاف تشبيه، والمثل تشبيه، فيكون المعنى شبه الشبه، فليس مثل مثله، ليس مثل مثله، وهنا كأمثال هناك نفي وهنا إثبات، مثل المثل، إذا نفي مثل المثل،إذا قلت: زيدٌ ليس له نظير؛ زيد ليس له نظير، هل هو أبلغ أن تقول ليس لمثله نظير؟ أبلغ ليس لمثله نظير لماذا؟ لأن إذا نفينا مثل المثل فمن باب أولى أن ننفي المثل، فمن باب أولى أن ننفي المثل، رأى شخصٌ ثوب بيد إنسان يبيعه فقال له: اشتر لي مثل هذا الثوب، اشتر لي مثل هذا الثوب، اشتر لي مثل هذا الثوب، فشترا له الثوب نفسه، يلزمه أخذه أو لا يلزمه؟

طالب:.........

نعم؟

طالب:............

يلزمه لماذا؟

طالب:............

لأن المثل أشبه شيء بالشيء نفسه، لأنه لو اشترى له مثل هذا الثوب لحتمل أن تكون المشابهة فيه تسعين بالمائة، لحتمل أن تكون المشابهة فيه تسعين بالمائة، لكنا لما شراء له الثوب نفسه، المشابهة مطابقة مائة بالمائة، لما اشترى له الثوب نفسه، قال له أنا لا أريد الثوب، أنا ما قلت لك تشتري لي الثوب، قلت لك اشتر لي مثل هذا الثوب، فذهب إلي القاضي شريح فألزمه بأخذ الثوب، فقال له: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، وإذا قلنا هنا كأمثال، يعني: أشباه أشباه اللؤلؤ المكنون فاللؤلؤ المكنون أمثل من أشباه، اللؤلؤ المكنون أمثل مما شبه به، إذا قلت فلانة مثل اللؤلؤة المكنونة، ومثل الجوهرة المصونة، هل معنى هذا أنها تطابقها من كل وجه، أما أنها تطابقها من بعض الوجوه، لا يلزم أن تطابقها من كل وجه، ولذا جاء في الحديث:((أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر))، يعني: مثل أو شبه صورة القمر ليلية البدر المطابقة من كل وجه لا إنما المقصود بالإشراق والاستدارة، واللمعان وما أشبه ذلك، لكن بقية الأوصاف لا توجد في القمر، ليس فيه عينان وليس فيه فم، وليس فيه أنف، هل نقول أن هذه الزمرة ليس لها أنوف ولا أعين؟ لا فالتشبيه يكون من وجه دون وجه، فإذا قيل فلانة كأنها لؤلؤة مكنون فإنها تشبهها من بعض الوجوه لا من بعض الوجه، {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} المصون لأن الناس ما يدركون أجمل من هذه الأمر في دنياهم فشبه به وإلا فوجه الشبه من وجه وهو إن المعان والصيانة وعدم التغير من مؤثرات، وأنتم ترون نساء الدنيا وعموم الناس إذا تعرضوا للمغيرات تغيروا، إذا مكث في الشمس مدة تغير، وإذا مكث في هبوب الريح لاسيما في الأوقات الباردة يتغير الوجه، وهكذا لكن هن مصونات مكنونات لا تغيرهن ما يغير نساء الدنيا{ جزاء} مفعول له، جزاء مفعوله، يعني: مفعول لأجله، أعطوا هذه الأمور واستحقوا هذه الأمور {جزاء بما كانوا يعملون}، {جزاء بما كانوا يعملون}، مفعول له أو مصدر، جوزوا بذلك جزاءً، أو استحقوا ذلك جزاء، إما مفعول له يعني لأجله أو مصدر والعامل مقدر، أي: جعلنا لهم ما ذكر من جزاء، يعني: جزاء مفعول له أو جزيناهم جزاء أو جازيناهم أو جزيناهم جزاء، فهو إما مفعول لأجله، أو مصدر {بما كانوا يعملون}، بما كانوا يعملون، في أصحاب اليمين ما قال جزاء بما كانوا يعلمون، قال ذلك في السابقين، قال ذلك في السابقين {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[سورة الواقعة:24]، لأنهم بعملهم استحقوا هذه المنازل العلياء، وإن كان الأصل في دخولهم الجنة إنما كان برحمة الله -جل وعلا-، ((ولن يدخل أحدكم علمه الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته))، وهنا قال: {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فلإنسان من السابقين يدخل الجنة برحمة الله، برحمة أرحم الراحمين وكان عمله لا يدخله الجنة، هذا بالنسبة لنبي - عليه الصلاة والسلام- فكيف بمن دونه؟ فكيف بمن دونه؟ فهم يدخلون الجنة برحمة الله -جل وعلا-، لكن هذه المنازل بعد دخولهم برحمة الله استحقوها بما كانوا يعملون، فلو كان هناك، قيل: ((لن يدخل الجنة أحد بعمله)) وهنا قيل: جزاء بما كانوا يعملون نقول: دخولهم الجنة برحمة أرحم الراحمين، واستحقاقهم المنازل، بحسب أعمالهم، ومراتبهم في الجنة بحسب أعمالهم، في أصحاب اليمين ما قال: {جزاء بما كانوا يعملون}، وفي السابقين قال: {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لماذا؟ لأن السابقين لهم عمل كبير وكثير، ولذا لا بد من اعتباره ولا بد من التنصيص عليه بخلاف أصحاب اليمين، فدخولهم الجنة واستحقاقهم المنازل برحمة الله -جل وعلا-، بالرحمة أكثر مما يتعلق بالعمل، وهذا هو الفرق بين هذا وهذا، {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا}[سورة الواقعة:25]، يعني: الجنة:{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا} يعني: في الجنة لغواً فاحشاً من الكلام، كم نسمع في الدنيا من اللغو والرفث، والكلام الباطل والثرثرة فيما لا ينفع، نسمع هذه بكثرة، والخصومات والمنازعات، والشتم، والسب، نسمع كثيراً وهذا يقلق الإنسان لاسيما عندما يريد الراحة، يقلق كثيراً من هذا الأمر، لكن في الجنة لا يسمعون فيها لغواً فاحشاً من الكلام ولا تأثيماً يعني: ما يقع الإثم بسببه، ما يؤثم ليس هناك من الأسباب التي تدعوا إلى الإثم فضلاً عن وقوع الإثم، فهم لا يسمعون كلاماً فاحشاً ولا كلاماً يأثمون بسببه، لا كلام مباح لا يترتب عليه شيئاً من الثرثرة التي نسمعها في الدنيا لاسيما إذا كثرة، ولا ما يقع فيه الإثم من القذف، والسب، والشتم، إلا استثنى لكنه بمعنى لكن، لأنه منقطع، إلا قيلاً يعني: قولاً سلاماً سلاماً، لا يسمعون لغواً ولا تأثيماً، {إِلا قِيلًا سَلامًا سَلامًا}[سورة الواقعة:26]، المستثنى من جنس المستثنى منه أو من غير جنسه؟

طالب:من غير جنسه.

من غير جنسه وهنا يقول الاستثناء هنا متصل وإلا منقطع؟ منقطع لأن المستثنى من غير الجنس المستثنى منه، فإذا قلت قام القوم إلا زيداً استثنى متصل لأن المستثنى من جنس المستثنى منه، وإذا قلت: قام القوم إلا حماراً صار الاستثناء منقطعاً لأن الاستثناء من غير جنس المستثنى منه، وهنا السلام ليس من جسن اللغو ولا التأثيم فهو استثناء منقطع ولذا قال إلا يعني: لكن، لكن يسمعون قيلاً، يعني قولاً سلاماً سلام بدل من قيلا، بدل يسمعون{سَلامًا سَلامًا} بدل من قيلاً فإنهم يسمعونه، فإنهم يسمعونه لأنه كلام طيب، لا لغو ولا تأثيم، ثم لما انتهى من بيان حال السابقين وهم المقربون بدأ بأصحاب اليمين وهم الأبرار، وهم الأبرار.

فقال: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}[سورة الواقعة:27]، أصحاب اليمين تقدم أنهم هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، {فِي سِدْرٍ}[سورة الواقعة:28]، السدر واحده سدرة مما يفرق بينا واحدة وجمعه بالتاء، كتمر، تمرة، شعر، شعرة، سدر، سدرة.

طالب:............

ها.

طالب:.............

 مما يفرق بينه وبين والواحد بالتاء، قال: سدر هو شجر النبق، شجر النبق {فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ}[سورة الواقعة:28]، السدر العادة أن فيه شوك كثير وثمر قليل، شوك كثير، وثمر قليل، هل يمتن بمثل هذا الشجر الذي هذا وصفه، يمتن به في الجنة؟ شجر شوكه كثير مؤذي وثمره قليل، لا يمتن بمثل هذا إلا إذا سلب المضرة وزيد بالمنفعة، ولذا قال في سدر شجر النبق، مخضود لا شوك فيه، مخظود لا شوك فيه، فجعل بدل هذا الشوك زيادة في الثمر، وجاء في وصف السدرة أن: ورقها كأذان الفيلة، ونبقها أو كقلال هجر، يعني: ثمرتها كقلال هجر، يعني: جميع ما في الجنة لا يشبهه ما في الدنيا لا يشبهه ما في الدنيا ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، فالحبة الواحدة من ثمر الجنة تشبع، وإذا نبقها كقلال هجر، النبقة الواحدة، الثمرة الواحدة مثل القلة الكبيرة التي تصنع في هجر، {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ}[سورة الواقعة:29]،

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ}[سورة الواقعة:29]، منضود بالحمل، والحمل ما يحمله من ثمرة، من أسفله إلى أعلاه يعني: مرصوص بعضه فوق بعض، وهذا كناية عن كثرته، {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} طلح منهم من يقول: هو الموز، هو الموز الفاكهة المعروفة، وفسر بتفاسير كثيرة، لكنا هذا هو الذي اختاره المفسرين، منضود، يعني: مرصوص بالحمل من أسفله إلى أعلاه، يعني: لا يوجد فجوات بين هذه الثمرات {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ}[سورة الواقعة:30]، دائم لا ينقطع، ضل ضليل لا نهاية له ولا انقطاع له، فلا يتعرضون لحر الشمس بل هم في الضل الدائم، {وَمَاء مَّسْكُوبٍ}[سورة الواقعة:31]، جارٍ دائماً يعني: يجري دائماً يجري في أنهار بغير إخدود، {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ}[سورة يونس:9]، {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ}[سورة التوبة:100]، من غير أخاديد كما جاء في الخبر.

أنهارها في غيرأخدود جرت

 

سبحان ممسكها عن الفيضان

يعني ما تسيح يمين ولا شمال، فهي تجري في مجرى واحد من غير أخاديد، وهي جارية دائماً لا تنقطع، جارية دائماً لا تنقطع، وإذا نظرنا إلى أمور الدنيا وجدنا الحياة معلقة بالماء،{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [سورة الأنبياء:30]، وأشقى الناس الذين تقل عندهم المياه وأثرها يبدوا على كل شيء كما قال الله -جل وعلا-، يبدوا على بني آدم وعلى الحيوان، وعلى النبات، وعلى الجو، وعلى كل شيء، فلا يتصور عيش بلا ماء وهناك في الجنة، {وَمَاء مَّسْكُوبٍ}[سورة الواقعة:31]، يجري دائماً، نحن لا نقدر هذه النعمة قدرها، ونهدرها ونتساهل في أمرها، وإذا وقع شيئاً من الاضطراب والإشكال، في هذه النعمة عرفنا قدرها، إذا انقطع الماء أو تعرض للخلل أو عطل عرفنا قدر الماء، إذا جلس الإنسان ينتظر الوايت أسبوع وعشرة أيام لكثرة من يطلبه وبعشرة أضعاف قيمته، عرفنا قيمة الماء، ومادام الإنسان يفتح الصنبور، ويغتسل ويتوضأ فإنه لا يسحب لذلك أدنى حساب، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، والواحد منا ما يكفيه الصاع ليذهب الماء البارد ليأتي الحار، قبل الاستعمال، ثم إذا جاء الاستعمال فتح الصنبورعلى أعلى ما يكون ولا يدري أن هذه المياه مكلفة مرهقة بالنسبة للدولة، ومع ذلك جاء النهي عن الإسراف، وكل شيء فضلاً عمما تتوقف عليه الحياة، والحياة في كثير من البلدان مهددة لنضوب المياه وغور المياه، وكثير من المزارع أهملت وتركت كثير من الزروع سيبت، والمواشي لما قلت الأمطار هزلت ومات كثير منها كل هذا بسبب قلة الماء، والماء بين أيدينا ولا نقدره قدره، ولذلك امتن به على أهل الجنة فقال: {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} لأن الواحد منا باعتباره لا يعرف قدر هذا الماء، يعرفه في أزمات إذا عطش وليس حوله ماء عرف قدر الماء، عرف قدر الماء، لكن باعتبار أنا لا نقدر هذا الماء قدرها، قد يقول قائل أين النص على الماء، الماء يمتن به, فيه نعم أعظم منه، وأي نعمة أعظم من نعمة الماء، لكن من الذي يقدره قدره حال وجوده عند فقده كل الناس، إذا روى الحاجة الماسة إليه عرفوا قدر الماء، وعرفوا كيف يتصرفون، وكيف يقتصدون، لكن مادام الماء موجوداً فإن كثير من الناس لا يحسن التصرف، وهذه نعمة من أعظم نعم الله -جل وعلا-.

{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}[سورة الواقعة:32]، {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} هناك قال: {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ}[سورة الواقعة:20] بالنسبة للسابقين وما من صيغ العموم من الذي يتخيرونه، من أي شيء يتخيرونه، وهنا قال: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} لأن الفاكهة في بلادهم قليلة، فقال: {فَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}، ولم يرد ذلك إلى اختيارهم ولو كانوا،إذا كان في الجنة وعموم أهل الجنة إذا أشتهى أحدهم شيئاً كان حصل بين يديه، ((فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) أي: شيء تتوهموا فإن الأمر فوق ذلك، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة في زمن ولا ممنوعة بثمن، لا مقطوعة في زمن لماذا؟ لأن فاكهة الدنيا تأتي في زمن دون زمن، فاكهة الصيف في الصيف، وتنقطع في الشتاء، وفاكهة الشتاء وتنقطع في الصيف،هذا الأصل، لكن قدي يقول قائل إننا نأكل فكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، فالفاكهة لا تنقطع، يعني: ألا تصور انقطاعها، هذا الآلات التي تحفظ هذه الفواكه ألا يتصور فيها الخراب، فتنقطع الفاكهة تبع لها، المصادر مصادر هذه الفواكه، ألا يتصور أن تعرض لما يتلف هذه الفواكه، الأجواء وما يحدث فيها من تغيرات من برد شديد وحر شديد ألا يتصور أن تنقطع هذه الفاكهة بسببها، البرد القارس الذي مر بالناس في الشتاء الماضي ألم يؤثر في الزروع والثمار؟ رأينا أكثر الأشجار تالفة بسبب شدة البرد، وقل مثل هذا في شدة الحر، فلا يقول قائل: والله عندنا ثلاجات وعندنا حوافظ وعندنا كذا، فاكهتنا لا تنقطع أبداً تنقطع بفساد هذه الحوافظ من جهة، وفساد هذه الزروع من جهة أخرى، كما حصل يعني: جاء في الشتاء الماضي برد شديد جداً يذكر كبار السن أن بعضهم ما أدرك مثله، فلما انجلى هذه البرد رأينا أن الأشجار كثير منها كثير منها رأت في بعض المزارع بنسبة تسعين بالمائة تالف، وانقطاع الماء أمره أشد، ورأيت شيخ كبيراً يرث المزرعة كابر عن كابر عن أبيه وعن جده فيها ما يزيد على ألف نخلة وفي كل سنة يغرق الأسواق بالتمور، رأيناه يبكى عند مزرعته ما أنتجت ولا تمرة واحدة، لأن الماء نبض، وهذا الفاكهة التي قد يقول القائل: إنها ليست مقطوعة، نأكل البرتقال صيف وشتاء، نأكل التفاح صيفاً وشتاء، و الأصل أنه من زراعة الشتاء، ونأكل زراعة الصيف في الشتاء، ونأكل زراعة الشتاء في الصيف لا تنقطع نقول: هذه الحوافظ معرضة للتلف، والزروع أيضاً معرضة، والثمار بعد خروجها معرضة للتلف، بخلاف فاكهة كثيرة لا مقطوعة في زمن من الأزمان ولا ممنوعة، يقول المؤلف: بثمن، في الجنة لا تدفع ثمن أنت على السرير تتمنى الشيء يمثل بين يديك فوراً، وتأكل منه ما تأكل ويعود كما كان، ويعود كما كان، لا مقطوع بزمن ولا ممنوعة بثمن، يعني ما يحتاج أن تقول: والله أنا اليوم ما معي شيء، لا أستطيع أن آكل لأن ما معي فلوس ليست ممنوعة بثمن، ولا ممنوعة بصاحب، يمنك ولا بسور بستان ولا بارتفاع شجرة، ليست ممنوع بأي شيء يمنع الوصول إليها، وقول المؤلف بثمن مثال وإلا فالمنع قد يكون بالثمن وقد يكون بغيره، قد تأتي إلى صاحب البستان والثمن معك فيقول لك: ليس للبيع هذا فصاحبه يمنعه قد يكون البستان ممنوع بالأسوار، والأبواب، والثمن معك في جيبك وصاحبه يبيع عرف أنه يبيع لكنه في هذا الوقت مرتاح أو مسافر أو ما شابه ذلك فهو ممنوعة، والمنع يكون بأسباب كثيرة منها الثمن.

{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ}[سورة الواقعة:34]، فرش مرفوعة على السرر ارتفاعها كما قيل كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، إذا أرد لها صحابها تواضعت ثم بعد ذلك ترتفع به، فرش مرفوعة على السرر، يعني هل الأفضل أن ينام الإنسان على الأرض أو ينام على سرير؟ لا شك أن السرير يحفظ الفراش من الأوساخ ويحفظها من الحشرات والهوام، يحفظ الفراش فكيف بسريرٍ هذا ارتفاعه،- والله المستعان-.

{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء}[سورة الواقعة:35]، {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء} يعني: بذلك الحور العين، وهل لا مضى لهن ذكر ليعود الضمير أنشأنهن يعني: الحور العين، هل مضى لهن ذكر؟ يفهم ذكر الحور العين من السرر، من الفرش يفهم ذكر الحور العين من الفرش،لأن الفراش ينام فيه الرجل مع امرأته وكذلك ينام فيه صاحب الجنة من أصاحب اليمين مع هذه الحور العين، {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ} لأنه قد يعود الضمير على عين المذكور، إذ فهم من السياق، أو من قرائن الأحوال {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}[سورة ص:32]، حتى توارت الضمير يعود على آيش؟ على الشمس هل مضى لها ذكر لم يمضي له ذكر لكنها معلومة، وهنا يقول: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ} يعني: الحور العين إنشاءً من غير ولادة، من غير ولادة، كن فيكون خلاص، ما يحتاج إلى حمل وولاة وقبل ذلك جماع وقبل ذلك نكاح لا ما يحتاج ينشأن إنشاء لهم، {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء} يعني: الحور العين من غير ولادة.

 {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [سورة الواقعة:36]، {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} يعني: عذارا، وهناك فرق بين الأبكار والثيبات وإن جاء تقديم الثيبات على الأبكار، في سورة؟ ها

طالب:............

التحريم، في سورة التحريم، هنا قال: عذارا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارا ولا وجع، يعني: يقع عليها ثم يعود إليها مرة ثانية فيجدها بكر، ولا وجع ينشأ مما ينشأ عنه حال إزالة البكارة في الدنيا يحصل هناك وجع ويحصل هناك ألم، لكن في الجنة كلما يأتي يجدها عذراء ولا وجع حينئذ، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارا ولا وجع.

{عرباً} بضم الراء وسكونها، عرُباً وعرْباً، عرباً جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها، يقول العروب هي المتحببة إلى زوجها عشقا له، يعني تتحبب إليه وتستمليه بالتبعل وحسن التعامل ولين الكلام، محبة له وعشقا له لا تكلف، لأن التكلف لا بد أن ينقطع في يوم من الأيام، لكن هذا محبة وعشق جعله الله -جل وعلا- في هذه الحور.

أتراباً، جمع ترب أي: مستويات في السن، أي: مستويات في السن، يعني على سن واحدة، وقيل: للمستويات في السن أتراب، كما يقال: إن المستوون في السن أقران، بالنسبة للرجال أقران، وبالنسبة للنساء أتراب، واستواهن في السن لأنهن كأنهن وقعن على التراب في وقت واحد، كأنهن ولدن في ساعة واحدة، هذا بنسبة لنساء الدنيا التي ولدن من أمهات، إذا قيل أتراب فكأنهن وقعن على الأرض على التراب في ساعة واحدة وفي وقت واحد، يقال: لهن أتراب، وهنا أنشأن إنشاء من غير ولادة، عرب متحببات لأزواجهن، أتراباً مستويات في السن.

{لأَصْحَابِ الْيَمِينِ}[سورة الواقعة:38]، {لأَصْحَابِ الْيَمِينِ}الجار والمجرور لأصحاب متعلق بأنشأناهن أن شأناهن لأصحاب اليمين، ولذا قال: {لأصحاب اليمين} صلة أنشأنهن أو جعلناهن لأصحاب اليمين، طيب من أصحاب اليمين،{ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}،{ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}[سورة الواقعة:40]، وهناك قال: وقليل من الآخرين، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، وهنا قال: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ} لماذا؟ لأن المقربين، المقربون يأتوا هنا ما جاء هناك، فالمراد بالأولين والآخرين، يعني: قول من يقول: إن الأولين من الأمم السابقة، والآخرين من هذه الأمم، هذا قول، وتقدم ذكره وقول آخر، أن الجميع من هذه الأمة، الجميع من هذه الأمة، ثلة الأولى والقليل بالنسبة للسابقين، والثلة الأولى والثلة الآخرة، بالنسبة لأصحاب اليمين كلهم من هذه الأمة، لكن لماذا كان السابقون قليل؟ كثير في الأولين قليل في الآخرين؟ وأصحاب اليمين كثير في الأولين وكثير في الآخرين؟ لماذا؟ نعم؟

طالب:........

نعم، لأن الناس يتغيرون كلما طال بهم العهد، كلما طال بهم العهد تغيروا زاد تغيرهم، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فوصف السابقين الذي اتصفوا به وهم المقربون وجودهم في صدر هذه الأمة أكثر من وجودهم في أخرها، لكن الوصف، وصف الأبرار أصحاب اليمين كما أنه وجود في صدر هذا الأمة موجود في أخرها على حد سواء، يعني: قد يكون في الآخرين باعتبار كثرة الناس، وإذا كان المجموع في السابق ممن مات عنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- حدود مائة ألف، وتصور أن السابقين مثلاً منهم سبعون أو ستون ألف، وأصحاب اليمين البقية أربعون ألف من الصحابة، فالسابقون من الآخرين لم يصلوا إلى العدد الأول لأن المقربين أفراد، وقلة بالنسبة لأصحاب اليمين الأبرار، بينما الأبرار في غمرات أي: جموع كثيرة من المسلمين على مر العصور فيهم كثرة ولذا قال: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ} ما قال فيهم قليل من الآخرين، لماذا؟ يعني: قد يقول قائل مثلاً: بالنسبة لنتائج المدارس نفترض أن السابقين نضع مكانهم من تقديره ممتاز، وأصحاب اليمين من تقديرهم جيد جداً، وأصحاب الشمال هؤلاء هم الراسبون، أصحاب السابقون بامتياز كم عددهم، يكون كثير قليل لأن الدرجات المطلوبة لهذا التقدير صعبة وثقيلة، كما أن الأعمال المطلوبة من السابقين أيضاً ثقيلة على النفوس، وأصحاب اليمين تجدهم أكثر لأن الشرط أوسع كما أن من تقديرهم جيد جداً أو جيد عددهم كبير بالنسبة للناجحين،أكثر ممن قليل وتقديره ممتاز، هذا على سبيل التقريب، يعني: يوضح لنا أن السابقين بثقل الأوصاف لابد أن يكونوا قلة، لابد أن يكونوا قلة، بمقابل أصحاب اليمين الذين هم الأبرار، وأما بالنسبة لأصحاب الشمال وهم الذين نضرناهم بالراسبين فهم كثرة، بل أكثر لكثرة التفريط عند الناس، كثرة التفريط عند الناس، كم الساعة؟

طالب:..............

ثم قال بعد ذلك في الصنف الثالث: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ}[سورة الواقعة:41]، وهم الذين يأخذون كتبهم بشمالهم، {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}[سورة الواقعة:42]، السموم هي: الريح الحارة ومازال هذا اللفظ مستعمل، إذا اشتدت الريح قالوا: سموم، في سموم ريح حارة، من النار تنفث في المسام، سميت سموم لأنها تنفذ في مسام الجلد، وتصل إلى داخله، إذ جاء في الحديث الصحيح: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جنهم، وأشد ما يوجد من الحر فإنه من نفس جنهم وأشد من البرد فهو من زمهريرها))،  - نسأل الله السلامة والعافية-، يعني: ناس ويذوقون الحر الشديد والبرد الشديد لكن كما قال الله -جل وعلا-:{هل من مدكر} ترد هذه الأمور إلى ظواهر طبيعة ويدرس وعلى مستوى عالي رؤساء دول يدرسون موضوع الاحتباس الحراري، وأن الحرارة في سنة ألفين وخمسين قد تصل إلى مبلغ لا يطيقه الناس، لكنهم لا يدكرون ولا يعتبرون، وإذا علموا من هذه الدنيا شيئاً فإنما علمهم في الظاهر، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[سورة الروم:7]، قد يقول قائل: كيف يعلمون ظاهر وهم عرفوا أسرار واخترعوا مخترعات أشياء قد يحار العقل فيها، نقول: نعم يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا، ولا يعرفون حقيقة الحياة الدنيا، لأنهم لو علموا حقيقة الحياة الدنيا لأمنوا، والذي يعرف حقيقة الدنيا هو المسلم العامل المرضي لربه، هذا هو الذي يعلم حقيقة الحياة الدنيا، وإلم يعلم ظاهره، يعني ما يستطيع أن يخترع ولا يدرك كنه بعض المخترعات ولكنه يعرف حقيقة الدنيا، إلا أنه يسلم يحقق الهدف الذي من أجله خلق، وهؤلاء أصحاب المخترعات وأصحاب التقنيات لا يعلمون من الدنيا إلا الظاهر، لأنهم لو علموا حقيقة الحياة الدنيا لأسلموا لقادهم ذلك إلى الإيمان، ولذا قيل قال بعض أهل العلم: أنه لو أوصى من العقلاء أو بأعقل الناس لوقف وقفة وجعل لأعقل الناس صريف إلى العباد، الزهاد، الذين عرفوا حقيقة الدنيا وعزفوا عنها، فلن تستملهم، لكن مع ذلك لا بد من الحصول على ما تقول به هذه الحياة الدنيا، ولذا جاء: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77]، فالعاقل هو الذي يجعل هذه الدنيا مجرد مرر للآخرة، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، عابر السبيل)) الذي يحرص على أن يحمل الأشياء الثقيلة على ظهره وهو في الطريق؟ لا يحمل الخفيف، يحمل ما يبلغه ما يطول به بلاغه، وما عدا ذلك من أمور الدنيا لا يحمله لآلا يثقله ويوهنه يحبسه عن تحقيق الهدف الذي من أجله خلق، يقول: في سموم في ريح حارة من النار تنفذ في مسام الجلد، في مسام يعني تنفث إلى داخل البدن، وحميم ماء حار شديد الحرارة، سموم الهوا شديد الحرارة، والماء شديد الحرارة - نسأل الله السلامة والعافية-، فماء الحميم إذا أقبل به على وجه ليشرب منه سقطت جلدة وجه في الماء، نقول: حميم كم درجة الغيلان؟ لا، المسألة تختلف يعني الماء الحار، الماء الذي يعد لشاي أو للقهوة لا يمكن أن شربه إنسان على أنه ماء لا يمكن، تفتح السخان وتشرب ماء! هذا لا يمكن أن يستساغ، مع أنه بالنسبة للحميم لا شيء، كما أن نسبة نار الدنيا بالنسبة إلى نار الآخرة نسبة واحد إلى سبعين، ((جزء من سبعين جزء، قالوا وإن كانت كافية يا رسول الله، يعني نار الدنيا كافية للإحراق، قال لكنها فضلت عليها بتسعة وستين جزء))، فجاءه بعض بالآثار: ((أن من يدخل النار لو خرج منها لنام في ناركم))، باردة بالنسبة للنار الآخرة، وهنا في {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [سورة الواقعة:42]، ماء شديد الحرارة.

{وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ}[سورة الواقعة:43]، لأنه إذا لفحه السموم الحار وشرب من الماء الحار، هرع إلى ضل يستظل به فيجد الظل، فإذا وجده فإذا به من يحموم من دخان شديد السواد، يظنه ظل يتقي به من هذا السموم والحميم فيجده من يحموم، دخان شديد السواد لا بادر كغيره من الأظلال، الظل ليس ببارد، كما هو شأ الظل في الدنيا، الظل في الدنيا بالنسبة إلى العرى الشمس بارد، لا بارد كغيره من الضلال، ولا كريم حسن المنظر لأن فيه دخان شديد أسود ولا كريم،{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني: في الدنيا {مُتْرَفِينَ} [سورة الواقعة:45]، لماذا استحقوا مثل هذا العذاب؟ لأنهم كانوا قبل ذلك يعني: في الحياة الدنيا مترفين منعمين لا يتعبون في الطاعة، يتركون الواجبات؛ لأنها تشق عليهم، تشق عليهم الطاعات، إذا نودي لصلاة الصبح برد، إذا نودي لصلاة الظهر والله حر شديد، العصر وقت راحة، المغرب إلى أخره، مترفين متنعمين، ترف جاء في النصوص كلها مذموم، الترف مذموم والإخلاد إلى الدنيا والراحة وعدم تكليف النفس هذا كله مذموم، وهذا سبب خراب الأمم والدول,كما قرر ذلك ابن خلدون في مقدمته، {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا}[سورة الإسراء:16]، فالترف مذموم والإخلاد إلى الراحة مذموم، لا بد أن يكون المسلم جاداً في حياته عاملا بما أوجب الله عليه مجتنب لما نهي عنه بحزم وعلم وقوة، لا تردد فيه.

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني: في الدنيا مترفين منعمين لا يتعبون في الطاعة، {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ} [سورة الواقعة:46]، الذنب يصرون على الذنب العظيم الذي هو الشرك، الذي هو أعظم الذنوب، فهم مشركون يعني: استحقوا الخلود في النار، لأنهم أصروا على الحنث العظيم، وقد يستحقون الدخول دخول النار من غير خلود لإصرارهم على الحنث، الذم الكبير من كبائر الذنوب، ولو لم يخلدوا فيها، إذا لم يصروا على شرك وماتوا على التوحيد فإنهم قد يعذبون بارتكابهم بعض الذنوب وإصرارهم عليها، يمتون على غير توبة منها، {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} يعني: الذنب العظيم الذي هو الشرك.

{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}[سورة الواقعة:47]، {وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراب وعظاماً أئنا لمبعوثون}، يستبعدون البعث لماذا؟ لأن من مات انقطعت أخباره وفارقت روحه حياته وبلي وفني جسده، وصار عظمه رميماً، {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [سورة يــس:78-79]، وكانوا يقولون على سبيل الاستبعاد: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}[سورة الواقعة:47] أئذا، أئنا، في الهمزتين في الموضعين التحقيق أئذا تحقيق الهمزتين في الهمزتين في الموضعين التحقيق، تحقيق الهمزتين بمعنى أنه: ينطق بالهمزتين مع التحقيق وتسهيل الثانية أئنا وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما أآئنا وإدخال ألف بينهما على الوجهين هذه قراءة قراء بها، {أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ}[سورة الواقعة:48]، للعطف يعني: نحن وآباؤنا الأولون فتح الواو للعطف والهمزة للاستفهام، أوآباؤنا يبعثون كذلك، وهو في ذلك وفيمن قبله للاستبعاد، يعني: هذا الاستفهام يأتون به مستبعدين للبعث بالنسبة لهم ولأبائهم، قال: وهو في ذلك وفيمن قبله للاستبعاد وفي قراءة بسكون الواو، وياء قراءة ابن عامر وقالون، بسكون الواو أو آباؤنا عطفاً بأو، عطفاً بأو، والمعطوف عليه محل إن واسمها، {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}[سورة الواقعة:47]، أو آباؤنا، ويكون معنى أو هنا معنى الواو لأن أو تأتي بمعنى الواو إذا لم يحصل هناك لبس، كأنه قال أئنا لمبعوثون أو آباؤنا يعني وآباؤنا الأولون فأو تأتي بمعنى الواو.

خير أبح قسم بأو وأبهم

 

.........................

إلى أن قال:

وربما عاقبت الواو

 

.........................

يعني ربما جاءت بمعنى الواو، أو بمكامن الواو عاقبة أي جاءت بمكانها، والمعطوف عليه بمحل إن في قوله: أئنا، أئنا لمبعوثون أو آباؤنا أي وآباؤنا.

{قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ} [سورة الواقعة:49]، {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ} يعني من لدن آدم إلى قيام الساعة، من آدم -عليه السلام- إلى قيام الساعة، {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ}{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}[سورة الواقعة:50]، ميقات يعني: وقت يوم معلوم، أي: يوم القيامة، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم إلى بمعنى: اللام، والأصل أن الجمع يعدى بفي لمجموعون في ميقات، في وقت يوم معلوم، لأنه ظرف والظرف يتضمن معنى في وكأن مجموعون ضمن معنى السوق، لمسوقون والسوق يعدا بالا، لمسوقون إلى ميقات يعني: لوقت يوم معلوم في أيام القيامة، ونحن بين أمرين إما أن نظمن الفعل الذي هو الجمع لمجموعون، نظمنه معنى ما يتعدى بالى كأن نقول: لمسوقون لمجموعون يعني: لمسوقون إلى ميقات يوم معلوم، أو نظمن الحرف معنى في، أو اللام كما قدره المؤلف، وأيهما أولى تضمين الفعل أو تضمين الحرف؟ نعم، تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، أهل العربية يقولون: إن الحروف تتقارب، يعني: يأتي بعضها في مكان بعض، {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}[سورة طـه:71] يعني: في جذوع النخل، يقولون إن الحروف تتقارب، وشيخ الإسلام ابن تيمية يقرر أن تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف، أولى من تضمين الحروف، وعلى كل حال التضمين موجود في لغة العرب، ويوجد في الحروف مالا يمكن تضمين الفعل بما لا يناسبه، إذا لا بد من تضمين الحرف أحياناً والأكثر هو تضمين الفعل، وشيخ الإسلام يقول: أبداً لا يمكن تضمين الحرف وتضمين الفعل هو المتعين، وأهل العربية كثير منهم يرى أن تضمين الحرف أسهل من تضمين الفعل، كم؟ نختصر على هذا والله أعلم،

وصلى الله وسلام وبارك على عبده نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.