شرح كتاب التوحيد - 57

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام المجدد –رحمه الله تعالى-: "باب: من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول.

وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة:65].

عن ابن عمر –رضي الله عنهما- ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة –رضي الله عنهم- دخل حديث بعضهم في بعض أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهب عوفٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقًا بنسعه".

بنسعةِ

"كأني أنظر إليه متعلقًا بنسعةِ ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة:65]  ما يلتفت إليه، وما يزيده عليه.

فيه مسائل:

الأولى: وهي العظيمة أن من هزل بهذا أنه كافر.

الثانية: أن هذا هو تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائنًا من كان.

الثالثة: الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله.

الرابعة: الفرق بين العفو الذي يحبه الله وبين الغلظة على أعداء الله.

الخامسة: أن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يُقبل".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد....

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "باب: من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول" الهزل ضد الجِد، واللعب، والمطلوب من المسلم أن يكون جادًّا لا هازلاً ولا لاعبًا، وأن يأخذ ما أوتي بقوة كما أمر الله- جلَّ وعلا-.

وأما الهزل واللعب وتضييع الأوقات وتضييع الأعمار، كما قال الشاطبي:

 فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

فالإنسان إذا أوى إلى فراشه أو كان قريبًا من نومه وحاسب نفسه ونظر ماذا فعل في هذه الساعات التي مضت؟ وماذا أودع هذه الخزائن؟ هل أودعها شيئًا ينفعه أو شيئًا يضره، أو بما لا ينفع ولا يضر؟ على خلافٍ بين أهل العلم هل يُكتب المباح أو لا يُكتب؟ لا خلاف في أن الحسنات تُكتب، والسيئات تُكتب، لكن هل المباح يُكتب في الصحائف، أو لا يُكتب؟

طالب:.......

نعم.    

طالب:.......

لكن قد يُكتب، ثم يُمحى؛ لأنه لا أثر له في الحساب، هذا قول من يقول: إنه لا يُكتب، معناه أنه لا يُحاسب عليه.

المقصود أن المسلم حياته أغلى وأنفس من أن تُضاع بلا شيء، وأن تُباع روحه بأبخس الأثمان، فضلاً عن أن يكون الهزل بما ذُكِر بشيءٍ فيه ذكر الله أو بالله أو القرآن الذي هو كلام الله أو الرسول الذي هو صفوة خلق الله.

وذكر الله شامل، يعني من استهزأ بالسُّنَّة مثلاً استهزأ بالسُّنَّة هذا داخل في ذكر الله، استهزأ بالقرآن أو بغيره من الكتب المنزَّلة قبل تحريفها؛ لأنها يجب الإيمان بها، والقرآن محفوظٌ من الزيادة والنقصان، لا يجوز أن يُستهزأ به، ولو على سبيل المزح أو الهزل، لا يجوز ذلك، أو الرسول، والمقصود به الجنس، المصطفى محمد –عليه الصلاة والسلام- ومن قبله من الرسل؛ لأن الإيمان بالجميع ركنٌ من أركان الإيمان، فلا يُجوز أن يُستهزأ ولا يُستنقص أحدٌ منهم  {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة:136].

وجاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- النهي عن التفضيل بين الأنبياء، مع أن النص في القرآن {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] لكن النهي عن التفضيل؛ لئلا يسترسل أحدٌ ممن يرى هذا التفضيل أو يقول بهذا التفضيل، فيتنقَّص أحدًا منهم، ولا شك أن نبينا محمدًا –عليه الصلاة والسلام- هو سيد الأنبياء، أشرف الأنبياء والمرسلين، لكن هو يقول: «لا تُفَضِّلوني على يُونُس بن مَتَّى»؛ لأن أفراد المسلمين وآحاد المتعلمين إذا قرأ ما جاء عنه عن يونس بن متى، وما حصل له مع قومه قد يتناوله بشيءٍ من التنقّص.

على كل حال كل هذه أمور محسومة، والكتب والرسل كلهم الإيمان بهم من أركان الإيمان، تنقُّص شيءٍ منهم داخل في هذا الباب.

"وقول الله تعالى" "وقولِ" مجرور معطوف على مَن، ومَن مضاف إليه، باب مَن.

"وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[التوبة:65] الآية.

{إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[التوبة:65] وهذه الآية سبب نزولها ما جاء في الخبر الآتي {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ}[التوبة:65] يا محمد عن كلامهم الذي تكلموا به من طعنٍ في النبي –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، قالوا: {نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[التوبة:65] كما سيأتي في كلامهم يقطع به الطريق.

كثير من الناس إذا استرسل في الكلام ليقطع الطريق أو ليُقطِّع الليل بالقيل والقال تعدى المباح إلى المحظور، وهذه سُنَّة الاستدراج من المباح إلى ما بعده، فالإنسان إذا عوَّد نفسه على الإكثار من المُباحات تعداها إلى المشتبهات، ثم إلى المحرمات، قُل مثل هذا في المآكل، في المشارب، في غيرها من مُتع الدنيا، من استرسل فيها فلا بُد أن يتجاوز؛ ولذا جاء عن بعض السلف أنهم يتركون تسعة أعشار الحلال؛ خشية الوقوع في الحرام، فإذا طال الوقت لا بُد أن يكون للشيطان فيه نصيب ينتهي الكلام المباح إلا إذا شُغِل بذكر الله، إذا شُغِل الوقت بذكر الله والعلم النافع، وتلاوة كتاب الله هذه ينقضي فيها الوقت على خير، وتكون عاقبتها خيرًا، ويكون الجزاء من جنس هذا، فيُوفقون للأعمال الصالحة بعد هذا.

فرق بين من يجلس يُذاكر العلم مع أقرانه إلى منتصف الليل، ومن يقضي هذه المدة في القيل والقال، تجد الأول إذا أراد أن يقوم من الليل فإنه يُعان عليه، والثاني يُعاقب بتركه والتساهل فيه، فتجد بعض الشباب ومع الأسف من طلاب العلم من عُرف بشيء من التساهل في هذا الباب، يجلسون من بعد صلاة العشاء إلى هزيعٍ من الليل، فإذا أراد الإنسان أن يُوتر بثلاث ركعات أو خمس ما يُعان على ذلك، فتجده يُصلي ركعة أو ثلاثًا وهو جالس، يقول: يكفيني النصف من الأجر، هذا خذلان بلا شك؛ لأنه ضيع عمره فيما لا ينفع،

 "فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا"

من يقول هذا؟

 الشاطبي في آخر المقدمة من منظومته.

الآية نزلت بسبب مقولة هؤلاء من المنافقين.

قال –رحمه الله-: "عن ابن عمر" المراد به: عبد الله بن عمر الصحابي الجليل المؤتسي قد حضر القصة، شهدها وحكاها.

"ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة" وكلهم من التابعين.

ابن عمر يروي قصةً شهدها، فهي متصلة، وهؤلاء الثلاثة من التابعين يروون قصةً لم يشهدوها، فهي من المراسيل، والمراسيل حكمها معروفٌ عند أهل العلم، والذي استقر عليه الاصطلاح أنه من أقسام الضعيف المرسل، وكان عند الأئمة مقبولاً: كمالك وأبي حنيفة ومن تبعهما، والإمام مالك تكون عنده الأسانيد المتصلة، ويروي مراسيل وبلاغات، كل هذا؛ لأن العصر الذي عاشه عصر الرواية، ولم تكثر فيه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فهو جارٍ على ما مشى عليه سلفه.

واحتج مالكٌ كذا النعمان

 

به وتابعوهما ودانوا

مالك، والنعمان: أبو حنيفة.  

واحتج مالكٌ كذا النعمان

 

به وتابعوهما ودانوا

وردّه جماهر النقاد

 

للجهل بالساقط في الإسناد

وصاحب التمهيد عنهم نقله

 

ومسلم صدر الكتاب أصَّله

ردّ المراسيل أصَّله الإمام مسلم في مقدمة صحيحه، وكذلك ابن عبد البر في (التمهيد) في مقدمته.

على كل حال هذه المراسيل الثلاثة لو لم يُوجد الموصول عن ابن عمر، فما حكمها؟ الأصل فيها أنها تُرد؛ لأن من يروون عنه غير معروف "للجهل بالساقط في الإسناد"، ولكن هم ثلاثة ومن التابعين، ثلاثة يشهد بعضهم لبعض.

والشافعي –رحمه الله- يقبل المراسيل بشروط: أن يكون للمرسل شاهد يقويه من آيةٍ أو حديث أو مرسلٍ آخر كما هنا.

طالب:........

مرسل، ما يصير آخر إذا صار عن نفسه.

يرويه غير رواة المرسل الأول، ومعروف أن التابع غير التابعي وإلا ما صار آخر.

وأن يكون المرسِل من كبار التابعين، هذا أيضًا عند الإمام الشافعي في رسالته ذكر الشروط، وإذا سمى المرسل لم يُسم راويًّا مرغوبًا في الرواية عنه، يعني ما يُسمي إلا ثقة.

طالب:........

نعم.

طالب:........

سعيد، إطلاق إجمالي، لكن التفصيل الذي ذكر فيه الشروط هو هذا، والمراسيل، مراسيل سعيد مقبولة عند الشافعية، الشافعي يقول: إرسال ابن المسيب عندنا حسن؛ لأنهم صبَروها فوجدوها موصولة عمَّن؟ عن أبي هريرة صهره.         

يقول: "دخل حديث بعضهم في بعض" يعني جملة من كلام هذا، وجملة من كلام هذا، وصعُب التمييز بين ما يرويه أحدهما عن الآخر.

"دخل حديث بعضهم في بعض، أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك" غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة من أواخر غزواته –عليه الصلاة والسلام-، ووقعت في شدة الحر، وبُعد المسافة، وقوة العدو، وكان مع النبي –عليه الصلاة والسلام- ثلاثون ألفًا من الصحابة، فالمنافقون خذَّلوا من خذَّلوا، ورجعوا بعددٍ كبيرٍ منهم.

"أنه قال رجلٌ في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء" قراؤهم الرسول  -عليه الصلاة والسلام- وكبار الصحابة، علماء الصحابة.

 "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء" في أي شيء؟ في الشجاعة؟ في الكرم؟ "أرغب بطونًا، يعني أكثر أكلًا ونهمًا، وهذا مدح أم ذم؟ ذم بلا شك.    

"ولا أكذب ألسنًا" نسأل الله العافية، "ولا أكذب ألسنًا" الرسول –عليه الصلاة والسلام- مع صحابته أكثر الناس أكلاً، هو يضع الحجر على بطنه –عليه الصلاة والسلام-، يربط الحجر على بطنه.

"ولا أكذب ألسنًا" إن كان الرسول –عليه الصلاة والسلام- المُبلِّغ عن الله، وصحابته الكرام يُوصفون بهذا الوصف، فمن يسلم؟

 "ولا أجبن عند اللقاء" وسيرته ومواقفه في الحروب مشهورة، ومحفوظة في كُتب السير، وثبت يوم أُحد، وثبت يوم حُنين بعد أن فرَّ كثير من أصحابه عنه، وأي شجاعةٍ أعظم من هذا!

يعني في مقاييس الناس اليوم أن مثله –عليه الصلاة والسلام- وهو رأس الأمة، والمرجع فيها في كل شيء ترى هذا يُحافظ عليه، يُغلق عليه في الغلق والأبواب والأقفال؛ لأنه بذهابه يذهب ما ذُكِر كله.

 يعني في بداية الأمر قبل أن يتم الدين، لكن الحمد لله، هذا الحاصل، فدى صحابته بصدره– عليه الصلاة والسلام-، مما يدل على شجاعته.

الله –جلَّ وعلا- تكفَّل بحفظه، فقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]، لكن مع ذلك الشجاعة، وحصل له في يوم أُحد ما حصل، فكُسِرت رُباعيته، وشُج وجهه، ومع ذلك ما تأخر.

"أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء" ممن ذُكِر من هؤلاء المنافقين رجلٌ تكلم، ورجلٌ...وهم مجموعة، لكن ممن ذُكر واحدٍ تكلم، والثاني استمع ولم يُنكر، فالمستمع مخشي بن حُميِّر؛ ولذلك شملته التوبة، والذي تكلم ما اسمه؟ موجود مذكور.

طالب:........

وديع بن ثابت هذا تكلم ولم تُقبل توبته، وهو الذي تعلق بنسعة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأما الثاني فتاب وتاب الله عليه.   

"فقال له عوف بن مالك: كذبت".

طالب:........

لحظة لحظة سيأتي كل شيء -إن شاء الله- ماذا تُريد أنت؟

طالب:........

أين؟

طالب:........

لا الوصف بالقراء يدل على أن القراءة لها أصل أنها هذه هي السبب في هذه الأمور، الوصف بالقراءة يدل على أن هذه الأمور بسببها.

طالب:........

نعم.

يقول: شهر بن حوشب اتُهم بسرقة خريطة، وضُعِّفت روايته، فقال من قال من أمثال هؤلاء أو مثل الكتبة الذين يكتبون الآن ويصفون أهل القرآن والمهتمين بالقرآن بأوصافٍ قبيحة؛ لأنه وُجِد من زل، واحد أو اثنين أو مجموعة من ألوفٍ مؤلَّفة يرمون الجميع، فقال:

لقد باع شهرٌ دينه بخريطةٍ

 

فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟

كل القراء من يأمنهم، فجعل القراءة سببًا في السرقة؛ لأن الوصف المشتق إذا سيق تُحال عليه العلة، هذا معروف عند أهل الأصول.

طالب:........

القراء في الأصل هم العلماء، وسواءٌ قلنا: إن السبب القراءة، أو العلم، والعلم الكتاب والسُّنَّة، كلها تدور حول مدارٍ واحد، وهو يقصد بذلك الرسول –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه.   

"فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-". "كذبت" فهو كاذب لا ريب، ونفاقه ظاهر؛ لأنه طعن في الرسول –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، وقد يكون معلومًا بالنفاق قبل ذلك، لكن كما سيأتي من قوله: {كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:66]، مما يدل على أنه كان مؤمنًا، نسأل الله الثبات.

"كذبت، ولكنك منافق" يعني بعد أن تكلم بهذا الكلام لا شك في نفاقه.

"لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم" فرق بين من ينقل الكلام للإفساد، فيكون من النمامين، والنمام لا يدخل الجنة –نسأل الله العافية-، «وكان أحدهما يمشي بالنميمة» ينقل الكلام على جهة الإفساد، عوف بن مالك نقل الكلام لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- لكن هذا من باب النُّصح لله ورسوله ولدينه، ففرقٌ بين من يُخبر عن شخص سمع منه كلامًا يضر بالجميع ونصحه ولم يرتدع فلا بُد من الإخبار عنه، ومن سمع زلةً أو هفوةً من أحد لا تضر، بل قد يكون فيها كلام في بعض الناس، فينقل على جهة الإفساد، فمثل هذا هو النمام.

وعوف بن مالك –رضي الله عنه وأرضاه- لما قال: "كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" هذا أصل في نقل الكلام لولي الأمر فيما يضر بالعامة، ويدل عن خبثٍ في قائله، وإلا فالأصل أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تخبروني عن أحدٍ من أصحابي»؛ لأنه يُريد أن يخرج –عليه الصلاة والسلام- إليهم سالم الصدر- عليه الصلاة والسلام. 

"لأخبرن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" ذهب عوف بن مالك، وأخبر النبي- عليه الصلاة والسلام.      

"فذهب عوفٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُخبره، فوجد القرآن قد سبقه" من فوق سبع سماوات، من فوق سبعة أرقعة نزل القرآن يُخبر النبي –عليه الصلاة والسلام- بما قال هؤلاء.

"فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل" النبي –عليه الصلاة والسلام- ركب ناقته.

 "فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث" نقول حكايات، ما وراها شيء، لا عندنا تخطيط، ولا عندنا شيء، هي حكايات، {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[التوبة:65]، يعني ما وجدت إلا الرسول تخوض بعِرضه، ولا صحابته الكرام؟

 لكنه النفاق، نسأل الله العافية.  

"ونتحدث حديث الركب" هم يقولون كما في مقامات الحريري "قال: تحملني أو أحملك" راكبان يمشيان على راحلتيهما، فقال أحدهما للآخر: تحملني أو أحملك، كل واحد معه دابة، فكيف يحمله؟ بالكلام، يعني أتكلم أنا ونمشي ويمضي الطريق، أو تتكلم أنت وأنا أستمع والطريق يمضي.

"ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق" هذا معروف عند الناس، السواليف تقطع الطريق، لكن إذا وُجِد صُحبة لا يتكلم أحدهما مع الآخر يكون الطريق أطول، وكذلك الوقت يُقطع بالحكايات، بالكلام، بالقصص، لكن على طالب العلم أن يقطعه فيما ينفع، ولا يكون همه القطع، يكون همه الفائدة.

"ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر –رضي الله عنهما-: كأني أنظر إليه متعلقًا بنسعةِ ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-".

 النسعة الحبل الذي يُلف على الدابة يستفيد منه الراكب إما في الاستمساك به، أو تعليق بعض أموره وحاجاته عليه. 

"بنسعةِ ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن الحجارة تنكب رجليه" تضرب رجليه الحجارة، ولا ينتبه إليها؛ لأنه مشغولٌ بما هو أعظم؛ لأنه مجرم جريمةً عظيمة، فإذا دُوِّنت عليه هذه القصة، وتناقلها الناس، لحقه العار في الدنيا قبل الآخرة، ثم في الآخرة يكون في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله العافية. 

"وإن الحجارة تنكب رجليه وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" لا يرد عليه إنما يقرأ عليه ما نزل في شأنه لا يزيد ولا ينقص.

"فيقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة:65] ما يلتفت إليه، وما يزيده عليه" ولشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- كتابٌ في هذا الباب أسماه (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ذكر فيه كل ما يتعلق بهذه المسألة من أحكام في مجلد.

طيب، الحكم الشرعي فيمن سبَّ الله ورسوله، وهل تُقبل توبته أو لا تُقبل؟ {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ}[التوبة:67]، لكن فيما بعد {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}[التوبة:67] فالعفو ماذا يدل عليه؟

طالب:........

يأتي الحكم هذا.

طالب:........

الآن {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ}[التوبة:67]، ولا قبِل منهم النبي –عليه الصلاة والسلام-، فهم كفروا بنص القرآن، وفيه {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}[التوبة:67]، قالوا: الفرق بين الطائفتين أن الطائفة الأولى تكلمت، وتبنت هذا الفكر وهذا الرأي، الطائفة الثانية التي يُمكن أن يُعفى عنها هي سمعت ولا أنكرت، مع أن الواجب أن من سمع شيئًا يجب عليه إنكاره، وأن يقوم من المكان الذي هو فيه.

لكن يُفرقون بين من سب الله وسب الرسول –عليه الصلاة والسلام- فالحكم أن من سب الله ورسوله أو استهزأ بشيءٍ من دينه كافر منافق، وهذا أحد الأسباب العشرة المُكفِّرة، المكفِّرات العشرة التي ذكرها الشيخ محمد في رسالته.

لو استهزأ بما دون ذلك، بشريعةٍ من شرائع الله، استهزأ باللحية مثلاً، أو بتقصير الثوب، أو بشيءٍ جاء فيه نصٌّ صحيح عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام- فهو منافق من هذا الباب؛ لأنه ما استهزأ به لذاته، قد يقول: والله إن هذا المنظر لا يُعجبني، أنا أستهزئ؛ لأن مثل هذا لا يُعجبني، نقول: مادمت تعرف أن هذا هو مراد الله ومراد رسوله بنصه، فعليك أن تستلم وإلا فما حقيقة الإسلام؟ هو الاستسلام، الإسلام لله بالتوحيد.

طالب:........

نعم.

والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشِّرك، فلا بُد من الاستسلام، كما قال أهل العلم: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم.

توبة مثل هؤلاء –نسأل الله العافية- من أهل العلم من لا يقبلها أصلاً، مردودة مطلقًا، ومنهم من يُفرِّق، فيقول: تُقبل في الآخرة بينه وبين الله إذا توافرت شروطها، وأما في الدنيا، فلا تُقبل.

ومنهم من يُفرِّق من جهةٍ أخرى، فيقول: بالنسبة لحق الله –جلَّ وعلا- المبني على المسامحة يُعفى من الحد إذا تاب وحسُنت توبته، يعني تكون توبته مقبولةً في الدنيا والآخرة، وأما من سب النبي –عليه الصلاة والسلام- ففيما بينه وبين الله في الآخرة تحت المشيئة، وإذا كانت الشروط متوافرة فهو كغيره من ضمن المسرفين {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر:53]، وأما في الدنيا فلا؛ لأنه وقع في حق مخلوق، والمخلوق مبني على المشاحة، ولا يملك الآن، خلاص مات، هذا بعد وفاته –عليه الصلاة والسلام- ما يملك أحد أن يتنازل عن حقه.

وعلى كل حال، المسألة من عظائم الأمور، والسب يقع فيه الناس بكثرة، هو عندنا- ولله الحمد- نادر، يعني من عموم عامة الناس، قد يُوجد من الفساق عند غضبٍ وشبهه، وأما في بعض البلدان المجاورة فهذا من أيسر الأمور أن يُسب الله ورسوله، وأن يُشتم الدين وأهل الدين –نسأل الله العافية-، كأنه كلام عادي عندهم فيما يُذكر لنا، وإلا فما رأيناهم ولا سمعناهم.

واحد من طلابنا ذهب إلى إحدى هذه البلاد، وله فيها بيت، ويقول: والله، إني أسمع سب الله، وسب الرسول، ولعن الدين وأنا في بيتي من جيراني، نسأل الله العافية.

طالب:........

الله حسيبه.

طالب:........

إذا كان يقصد العموم، وأن القرآن نفسه ما يُخرِّج إلا هؤلاء كُفر، نسأل الله العافية.

طالب:........

هذا ما دخل معهم أصلاً بإنكاره، خرج من الموضوع من أصله، لكن الذي استمع، ولا أنكر.

طالب:........

لا لا، هم في الأصل استمعوا قابلين للقول.

طالب:........

نعم.

طالب:........

يعني إذا سمعتم، ماذا فيها؟

طالب:........

من قعد شريك، شريك، هو الإحراج في المجالس، ويُشكى منها كثيرًا أنه قد يجلس مع أبيه أو مع أمه أو مع أعمامه، ويقعون في المحظور، لا يصل إلى حد ما عندنا، لكنه في غيبة، في نميمة، في أشياء في كلامٍ قبيح أو في سماع مُحرَّم، فلا يستطيع أن يُنكر على والده أو على أمه، إما يخشى منهم، أو ما تعوَّد، أو شيء من هذا.

طالب:........

ما يجوز إذا لم يستطع الإنكار يقوم لا يُجالسهم.

طالب:........

لا لا، ليست له الولاية، ويحصل عليه مفاسد كثيرة.

"فيه مسائل:

الأولى: وهي العظيمة" أعظم المسائل "أن من هزل بهذا" يعني: بالله وبكلامه وبرسوله "أنه كافر" كفرًا أكبر مُخرج من الملة.

"الثانية: أن هذا هو تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائنًا من كان" ينطبق عليه الحكم.

"الثالثة: الفرق بين النميمة وبين النصيحة لله ولرسوله" النميمة نقل الكلام على جهة الإفساد، والنصيحة نقل الكلام على جهة الإصلاح.

"الرابعة: الفرق بين العفو الذي يحبه الله" عفا عنهم النبي- عليه الصلاة والسلام-؟ ردهم، وشدد عليهم، وأغلظ عليهم، فالعفو له مواطن، والغلظة والشدة لها مواطن.

"الفرق بين العفو الذي يُحبه الله" فهذا ليس منه، "وبين الغلظة على أعداء الله" {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة:73] هذا هو الأصل إن لم تكن الملاينة من باب تأليف القلوب رجاء الاستجابة.

"الخامسة: أن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يُقبل" كل من جاء يعتذر إلى مسؤول، فهل يقبل عذره؟

طالب:........

صحيح، لكن بعض الناس يُقبل عذره؛ لأنه لم يتكرر؛ ولأنه إذا قُبِل عذره ضاعف العمل. لو جاء شخص للمدير وقال: أنا تأخرت ساعة أو ساعتين، أو أريد أن أخرج أو خرجت أمس أو كذا، وهو معروفٌ بالجد والاجتهاد وبذل النصح للعمل، فمثل هذا يُقبل عذره، لكن إذا كان كل يوم أو كل أسبوع يتخلَّف ويخرج، وإذا وجد على مكان العمل ما أنتج مثل هذا ما يُقبل عذره، فالناس يتفاوتون.

 والله أعلم.