شرح زاد المعاد - 03 - من قول المؤلف: فصل في هديه -صلى الله عليه وسلم- في قراءة القرآن واستماعه وخشوعه وبكائه عند قراءته وتحسين صوته به وتوابع ذلك

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمنا الله تعالى وإياه-:

"فصل في هديه -صلى الله عليه وسلم- في قراءة القرآن واستماعه وخشوعه وبكائه عند قراءته واستماعه وتحسين صوته به، وتوابع ذلك.

 كان له -صلى الله عليه وسلم- حزب يقرؤه ولا يخل به، وكانت قراءته ترتيلاً لا هذًّا ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، وكان يقطع قراءته آية آية، وكان يمد عند حروف المد، فيمد الرحمن، ويمد الرحيم، وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وربما كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، وكان تعوذه قبل القراءة، وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره، وأمر عبد الله بن مسعود فقرأ عليه وهو يسمع، وخشع -صلى الله عليه وسلم- لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه.

 وكان يقرأ القرآن قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا ومتوضئًا ومحدثًا، ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة.

 وكان -صلى الله عليه وسلم- يتغنى به ويرجع صوته به أحيانًا كما رجح يوم الفتح بقراءته {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [سورة الفتح:1]."

كان يقرأ القرآن على كل حال ما لم يشعر الحال بالاستخفاف؛ لأن بعض الجلسات وبعض التصرفات فيها شيء من الاستخفاف، فإذا لم يشعر بالاستخفاف يقرأ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [سورة آل عمران:191]، وهو أفضل الأذكار، وهذه صفة قراءته- عليه الصلاة والسلام- مرتلة مع التدبر مع التأثر بالقرآن؛ لأنه يقرأ كلام الله كأنه يخاطب الرحمن.

هو الكتاب الذي من قام يقرؤه

 

كأنما خاطب الرحمن بالكلم

وعلى طالب العلم أن يُعنى بهذا أشد العناية، يكون له ورد يومي لا يخل به سفرًا ولا حضرًا، وأن يكون على هذه الطريقة؛ لأنه إذا تعود على غيره صعب عليه أن يرجع، يصعب عليه أن يرجع، في الأمور المحسوسة إذا تعود السرعة في السيارة يصعب عليه أن يهدئ، ويتضايق من أي شخص يمشي أمامه غير مسرع، والذي تعود الهذ في القراءة ما يستطيع أن يقرأ، وكم حصل لمن تعوَّد هذه السرعة أنه يسجد في غير موضع السجود، ويتجاوز السجود، ولا ينتبه إلا بعد ورقتين أو ثلاث، والقلوب -كما تعلمون في هذه الأزمان- انتابها ما انتابها، وغطى عليها من الران ما الله به عليم، هذا يحصل على كافة المستويات حتى من بعض طلاب العلم، والله المستعان.

 يعني يُتصور أن شخص يبدأ بيونس ولا يشعر إلا وهو بيوسف؟ مرت عليه هود وما يدري، يعني من منا من تحرك فيه شعرة عندما يقرأ الآية {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر:8]؟ نحس؟! والله ما نشعر بشيء يا إخوان، نسأل الله -جل وعلا- أن يحيي القلوب، وأن يمنع الوسائل التي صارت سببًا على تغطية هذه القلوب، يعني التخليط في المطعم أمر مشكل جدًّا، وعموم الناس الآن لا يبحثون إلا عن المال بأي وسيلة كانت، ولا ينظرون في السبب أو الوسيلة التي حصل بها هذا المال والأكل، والموظف والتاجر على حد سواء، على حد سواء، الناس كلهم أو جلهم لا يحتاطون في أمر المطعم والمشرب، وهذا السبب جعل المسلمين لهذا الحد يدعون فلا يستجاب لهم، ويقرؤون ولا ينتفعون.

 وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث قلب المسلم من العلم واليقين والإيمان ما لا يدركه أحد إلا من يفعله، ولذلك نقرأ القرآن أو نقرأ جرائد والله أمر واحد، وإذا أردت أن تعتبر فاعتبر بمن يقرأ ويبكي، من يقرأ ويبكي هل هذا خشوع؟ لا ندخل في قلوب، ولا في نيات، لكن هل هذا خشوع، يبكي في أول الآية وفي آخر الآية يتعتع، وفي الآية الثانية كأن شيئًا ما حدث، هذا خشوع؟! خشوع السلف إذا بكى الليلة بكرة يعاد، مريض، هذا التأثر الحقيقي، أما تتأثر عيونك تدمع أنت خاشع ولا بأس، وزين وأفضل من عدمه، لكن يبقى أن الخشوع الحقيقي ما هو موجود، يعني الآية الثانية كأنه شيئًا ما حدث. ووقعت قصة- أظن ذكرتها لكم- أمامي بالعشر الأواخر في صلاة في الوتر في القنوت يبكي بكاءً شديدًا، ولما سلم ناقش صاحبه عند الثلاجة التي يحفظ بها الشاي، وكادا أن يتضاربا، وقد أزعج الناس ببكائه الشديد.

 يا إخوان القلوب تحتاج إلى مراجعة، تحتاج إلى معاودة، هذا المرض الحقيقي، الإنسان إذا أصيب بزكام أو بأدنى مرض حسي فزع إلى الأطباء، والقلوب ما نسعى أدنى سعي لإصلاحها، هذه مشكلة، يعني الإنسان قد يُمسخ وهو ما يدري؛ لأن المسخ المعنوي أعظم من المسخ الحسي كما قرر أهل العلم، إذا مسخ القلب خلاص انتهى، والله المستعان.

"وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه آ آ آ ثلاث مرات، ذكره البخاري، وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قول.."

يعني في قراءة سورة الفتح.

"وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله: «زينوا القرآن بأصواتكم»، وقوله: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»."

فيه استشكال يستشكله كثير من الإخوان وطلاب العلم، وهو أن الإنسان قد يسمع السورة من شخص فلا يتأثَّر، كأنه ما قرأ قرآنًا، كأنه ينشد قصيدة، ويسمع السورة من شخص آخر فيتأثَّر، فهل تأثر هذا الشخص بالقرآن أو بالصوت؟

طالب: ...........

يعني التأثر بالقرآن أو بالصوت، أو بالقرآن المؤدَّى بهذا الصوت الذي أمرنا بتحسينه وتزيينه؟

طالب: .............

لولا أن الصوت له أثر في النفس ولا يؤثر في كون الإنسان تأثر بالقرآن لما أمرنا بتزيين القرآن بالصوت والتغني به.

"وقوله «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبيٍّ حسن الصوت»."

يعني ما ستمع.

"«يتغنى بالقرآن» علمت أن هذا الترجيع منه -صلى الله عليه وسلم- كان اختيارًا لا اضطرارًا لهزة الناقة له، فإن هذا لو كان لهز الناقة لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارًا ليؤتسى به وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته ثم يقول: كان يرجع في قراءته فنسب الترجيع إلى فعله، ولو كان من هز الراحلة لم يكن منه فعل يسمى ترجيعًا."

ولا استمر في القراءة كلها وفي الحروف كلها ما هو في حروف دون حروف لو كان السبب هز الناقة.

"وقد استمع.."

طالب: ...........

الترجيع ترديد بعض الحروف، الثابت ترجيع الهمزة، والترجيع في الأذان أيضًا معروف.

"وقد استمع ليلةً لقراءةِ أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- فلما أخبره بذلك قال: لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرًا. أي حسنته وزينته بصوتي تزيينًا. وروى أبو داود في سننه عن عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبد الله بن أبي يزيد: مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فإذا رجل رث الهيئة فسمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع.

قلت: لا بد من كشف هذه المسألة، وذكر اختلاف الناس فيها، واحتجاج كل فريق وما لهم وعليهم في احتجاجهم، وذكر الصواب في ذلك بحول الله تبارك وتعالى ومعونته.

فقالت طائفة: تكره قراءة الألحان، وممن نص على ذلك أحمد ومالك وغيرهما، فقال أحمد في رواية علي..."

القراءة بالألحان والتطريب الممنوع هي التي تُخرِج القرآن عن مسماه بزيادة بعض الحروف الناشئة عن بعض المدود هذه ألحان، أو قراءة القرآن على طريقة أهل الفسق في أغانيهم ومجونهم هذه لا تجوز بحال، أما تحسين الصوت والمدود التي جاءت بها الرواية عن النبي- عليه الصلاة والسلام- فهذه ليست من التطريب الممنوع.

"فقال أحمد في رواية علي بن سعيد في قراءة الألحان: ما تعجبني وهو مُحدَث. وقال في رواية المروذي: القراءة بالألحان بدعة لا تسمع. وقال في رواية عبد الرحمن المتطبب: قراءة الألحان بدعة. وقال في رواية ابنه عبد الله ويوسف بن موسى ويعقوب بن بختان والأثرم وإبراهيم بن الحارث: القراءة بالألحان لا تعجبني إلا أن يكون ذلك حزنًا فيقرأ بحزن مثل صوت أبي موسى. وقال في رواية صالح: «زينوا القرآن بأصواتكم» معناه أن يحسنه. وقال في رواية المروذي: «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن»، وفي رواية قوله: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» فقال: كان ابن عيينة يقول: يستغني به. وقال الشافعي: يرفع صوته.."

يفسر التغني بالاستغناء، يستغني به عن غيره، وهذا يقلب المعنى، هذا يقلب المعنى.

"وقال الشافعي: يرفع صوته. وذكر له حديث معاوية بن قرة في قصة قراءة سورة الفتح والترجيع فيها، فأنكر أبو عبد الله أن يكون على معنى الألحان، وأنكر الأحاديث التي يحتج بها في الرخصة في الألحان، وروى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن الألحان في الصلاة فقال: لا تعجبني، وقال: إنما هو غناء يتغنون به؛ ليأخذوا عليه الدراهم. وممن رويت عنه الكراهة أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد والحسن وابن سيرين وإبراهيم النخعي. وقال عبد الله بن يزيد العكبري: سمعت رجلاً يسأل أحمد: ما تقول في القراءة بالألحان؟ فقال: ما اسمك؟ قال: محمد، قال: أيسرك أن يقال لك: يا موحمد ممدودًا. قال القاضي أبو يعلى: هذه مبالغة في الكراهة، وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي: أوصى إلي رجل بوصية وكان فيما خلف جارية تقرأ بالألحان وكانت أكثر تركته أو عامتها، فسألت أحمد بن حنبل والحارث بن مسكين وأبا عبيد: كيف أبيعها؟ فقالوا: بعها ساذجة.."

من غير هذا الوصف، تباع على أنها لا تُحسِن هذا الأمر ولا تتقنه.

"فأخبرتهم بما في بيعها من النقصان فقالوا: بعها ساذجة. قال القاضي: وإنما قالوا ذلك؛ لأن سماع ذلك منها مكروه، فلا يجوز أن يعاوَض عليه كالغناء.

 قال ابن بطال: وقالت طائفة التغني بالقرآن هو تحسين الصوت به والترجيع بقراءته، قال: والتغني بما شاء من الأصوات واللحون هو قول ابن المبارك والنضر بن شميل قال: وممن أجاز الألحان في القرآن ذكر الطبري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يقول لأبي موسى: ذكِّرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن، وقال: من استطاع أن يتغنى بالقرآن غناء أبي موسى فليفعل. وكان عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتًا بالقرآن فقال له عمر: اعرض علَيَّ سورة كذا، فعرض عليه فبكى عمر وقال: ما كنت أظن أنها نزلت. قال: وأجازه ابن عباس وابن مسعود وروي عن عطاء بن أبي رباح قال: وكان عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد.."

طالب: ..........

القرآن قد تسمعه من شخص كأنك أول ما سمعته مثل ما قرأ أبو بكر -رضي الله عنه- في يوم الوفاة {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر:30] قال عمر: ما ظننت أنها نزلت وهو رددها مرارًا وكررها، لكن الشيء في وقته وفي مناسبته ولتأثيره البالغ في القلب كأنه أول مرة يسمع بهذه الطريقة.

هذا سائل يقول: ذكر النووي في كتاب الأذكار حال السلف في قراءة القرآن وقال: جاء عن عثمان -رضي الله عنه- أنه يختم القرآن في ركعة، وبعضهم قال: يختم القرآن ثمان مرات أربعًا في النهار وأربعًا في الليل، فهل يصح ذلك؟

أما هذا فموجود ومعروف من طريقة السلف، موجود وجود كثرة في التابعين، في الصحابة يعرف عن عثمان -رضي الله عنه-، وأما في التابعين فكثر فيهم من يختم القرآن في ليلة، ومثل هذا ما يُظن به أنه ترتيل، وإن كان الترتيل إذا قلنا: إن القرآن يمكن أن يرتل الجزء بثلث ساعة فالقرآن يحتاج إلى عشر ساعات، وإذا قلنا: إن الجزء يمكن أن يقرأ بربع ساعة، فيختم القرآن بسبع ساعات ونصف، وهناك من يقرأ الخمسة في ساعة، وحينئذ يحتاج إلى ست ساعات، وهذا مجرَّب، لكن يبقى أنه ليس على الوجه المأمور به، قد يوجد بعض الناس ممن ذل لسانه بالقرآن من يسرع ويتأثر ويبكي ويتدبر وهو على هذه الحال، لكن هذه مرحلة تحتاج إلى مران طويل.

 على كل حال التدبر أفضل عند الجمهور، يذكرون عن الشافعي أن السرعة أفضل لكسب أجر الحروف، معروف الختمة فيها ثلاثة ملايين حسنة، كونك تختم كل يوم وتكسب ثلاثة ملايين عنده أفضل من أن تقرأ القرآن في سبع، وفي السبع تكسب هذه الملايين الثلاثة، هذا عند الشافعي، وأما الجمهور فالقراءة على الوجه المأمور به ولو لم تقرأ إلا في شهر أفضل، يذكرون في كتبهم ويقرون، يعني الحافظ ابن كثير والنووي والقرطبي كلهم ذكروا عن ابن الكاتب الصوفي أنه كان يقرأ القرآن يختم أربع مرات بالنهار وأربعًا بالليل، لكن هذا ما يتصور. ذكر القسطلاني أن فلانًا يروي عنه بالإسناد أنه قرأ القرآن في أسبوع، ما معنى أسبوع؟

 سبعة أشواط؛ لأنه قال، وفي رواية في شوط، كل هذا ما يتصوَّر أبدًا، ولا الإمرار على القلب، ولا مجرد التفكر ما يكفي هذا، هذا إلى العبث أقرب، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب، لا يهجر القرآن، ولا يعمل بهذه الطريقة، فإذا قرأ القرآن في سبع، وهذا لا يشق على أحد، لا عامل ولا عالم ولا متعلم، يجلس بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس يقرأ القرآن في سبع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعبد بن عمرو: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد».

 مما يحتج به في قراءة الهذ أجر الحروف، وأنه كلما كثرت القراءة عظم الأجر، وكل حرف فيه عشر حسنات، فمثل هذا يعني الصورة التي يقع فيها الخلاف أن شخصًا يجلس ساعة في المسجد يقول: الأفضل أقرأ جزأين بترتيل وتدبر أو أقرأ خمسة لأحصل على مائتي ألف حسنة؛ لأن الجزء فيه مائة ألف، أقرأ جزأين مائتي ألف أو أقرأ خمسة خمسمائة ألف، أيهما أفضل؟

 هذا محل الخلاف، ما هو محل الخلاف أن يقرأ جزأين هذًّا أو جزأين ترتيلًا، لا، هذا ما يختلف فيه أحد.

 يستدل بعض الشافعية كالحافظ ابن حجر وغيره على قراءة الهذ أن نبي الله داود -عليه السلام- يقرأ القرآن كاملاً وفرسه تسرج، لكن هل قرآنه مثل قرآننا؟ هو الذي أُنزل عليه؟

طالب: ..............

 الزبور، الزبور أنزل عليه، وهل هو في حجم القرآن؟ عندهم الأمر لا يختلف لماذا؟ لأن كلام الله واحد ما يتغير، كلام الله لا يتغير، عندهم القرآن هو الزبور، التوراة هو الإنجيل، الذي يتغير هو اللغات، يعني إذا قرئ بالعربية صار قرآنًا، قرئ بالسريانية صار إنجيل، بالعبرانية صار توراة، هذا الكلام لو تُدُبِّر باطل من كل وجه، باطل من كل وجه، ورقة بن نوفل لما قرأ عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- سورة اقرأ قال: هذه أنا أعرفها؟ هو يترجم الإنجيل بالعربية وينقله إلى اللغات كلها، ما قال: هذه السورة عندي من قبل، ما قال إن السورة هذه عندي من قبل، اسمع من ابن أخيك، سمع سورة اقرأ شيء جديد عليه.

 وعلى كل حال ما هو هذا وقت الرد على هذا القول، لكن هم يفرون من إثبات كون القرآن متجدد الآحاد يتكلم الله -جل وعلا- متى شاء كيف شاء بحرف وصوت، هم يمنعون مثل هذا، يصفون بصفة الكلام، لكن على الهيئة التي يذكرونها، وأن كلام الله واحد، تكلم في الأزل ولا يتكلم بعد، فهذا الذي جعلهم يستدلون بأن داود -عليه السلام- يقرأ القرآن والفرس تسرج، عنده قرآننا داود؟! ما عنده قرآننا إلا على رأيهم هم كلام الله لا يتغير، لكن الذي عليه أهل الحق أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة وأئمتها من الصحابة فمن بعدهم أن كلام الله وإن كان قديم النوع إلا أنه متجدد الآحاد، يتكلم متى شاء كيف شاء.

طالب: ..........

هو كُتبت التوراة، كتبها الله -جل وعلا- بيده، وأما المكالمة الشفوية هذه الله أعلم بها، ما يدرى ما الذي دار بينهما، فإن كان مما سطر في التوراة يعد منها، وإن كان خارجًا عنها لا يعد منها، والله أعلم.

"قال: وكان عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد يتتبع الصوت الحسن في المساجد في شهر رمضان، وذكر الطحاوي.."

الإمام -رحمه الله- سئل فقال: اتبع الأنفع لقلبك؛ لأن بعض الناس تصلي وراءه ما كأنك تصلي، سبحان الله، وبعض الناس يؤثر فيك، فمثل هذا الأنفع للقلب ما لم يُتهم الشخص بأنه لا يصلي إلا مع من يتبع جماعته، فإذا ارتفعت منزلته عن هذه، أو يتهم بأن بينه وبين الإمام شحناء أو بغضاء أو شيئًا من هذا، مثل هذا إن ارتفعت منزلته عن هذه التهمة يتبع من يشاء.

"وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابُه.."

وأصحابِه.

"وأصحابِه أنهم كانوا يستمعون القرآن بالألحان، وقال محمد بن عبد الحكم: رأيت أبي والشافعي ويوسف بن عمر يستمعون القرآن بالألحان، وهذا اختيار ابن جرير الطبري، قال المجوِّزون..."

المراد بالألحان التغني وتزيين الصوت بالقرآن، فلا يكون ثَم خلاف، إن شاء الله تعالى، أما القراءات المحدثة بالتمطيط ما يقول بها أحد ممن يُعتد بقوله.

"قال المجوزون واللفظ لابن جرير: الدليل على أن معنى الحديث تحسين الصوت والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامع قراءته كما أن الغناء بالشعر هو الغناء المعقول الذي يطرب سامعه ما روى سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن»، ومعقول عند ذوي الحجا أن الترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه المترنم وطرب به، وروي في هذا الحديث «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» قال الطبري: وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا، قال: ولو كان كما قال ابن عيينة يعني يستغني به عن غيره لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى، والمعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع."

التغني تفعل من المصدر الذي هو الغناء.

"قال الشاعر:

تغن بالشعر إما كنت قائله

 

إن الغناء لهذا الشعر مضمار

قال: وأما ادعاء الزاعم أن تغنيت بمعنى استغنيت فاشٍ في كلام العرب فلم نعلم أحدًا قال به من أهل العلم بكلام العرب، وأما احتجاجه لتصحيح قوله بقول الأعشى:

وكنت امرءًا زمنا بالعراق

 

عفيف المناخ طويل التغن

وزعم أنه أراد بقوله: طويل التغني طويل الاستغناء، فإنه غلط منه، وإنما عنى الأعشى بالتغني في هذا الموضع الإقامة، من قول العرب: غني فلان بمكان كذا إذا أقام به، ومنه قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} [سورة الأعراف:92] واستشهاده بقول الآخر:

كلانا غني عن أخيه حياته

 

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

فإنه إغفال منه؛ وذلك لأن التغاني تفاعل من تغنى إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه كما يقال: تضارب الرجلان إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه، وتشاتما وتقاتلا، ومن قال هذا في فعل اثنين."

يعني صيغة المفاعلة في الأصل تكون بين اثنين غالبًا، بين اثنين غالبًا وإلا سافر مسافر واحد سافر مسافرة، سافر من المفاعلة، من المسافرة، مثل طارق النعل وعاقب اللص كلها من واحد.

"ومن قال هذا في فعل اثنين لم يجز أن يقول مثله في فعل الواحد فيقول: تغانى زيد وتضارب عمرو، وذلك غير جائز أن يقول: تغنى زيد بمعنى استغنى إلا أن يريد به قائله أنه أظهر الاستغناء وهو غير مستغنٍ، كما يقال تجلَّد فلان إذا أظهر جلدًا من نفسه وهو غير جليد وتشجع وتكرم، فإن وجَّه موجِّه التغني بالقرآن إلى هذا المعنى على بعده من مفهوم كلام العرب كانت المصيبة في خطئه في ذلك أعظم؛ لأنه يوجب على من تأوله أن يكون الله تعالى ذكره لم يأذن لنبيه أن يستغني بالقرآن، وإنما أذن له أن يظهر من نفسه لنفسه خلاف ما هو به من الحال، وهذا لا يخفى فساده.

 قال: ومما يبين فساد تأويل ابن عيينة أيضًا أن الاستغناء عن الناس بالقرآن من المحال أن يوصف أحد به أنه يؤذن له فيه أو لا يؤذن إلا أن يكون الأذن عند ابن عيينة بمعنى الإذن الذي هو إطلاق وإباحة، وإن كان كذاك فهو غلط من وجهين أحدهما: من اللغة، والثاني: من إحالة المعنى عن وجهه، أما اللغة فإن الأذن مصدر قوله: أذن فلان لكلام فلان فهو يأذن له إذا استمع له وأنصت، كما قال تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [سورة الانشقاق:2] بمعنى سمعت لربها وحق لها ذلك كما قال عدي بن زيد: إن همي في سماع وأَذَن بمعنى في سماع واستماع فمعنى قوله: «ما أذن الله لشيء» إنما هو ما استمع الله لشيء من كلام الناس ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن.

 وأما الإحالة في المعنى فلأن الاستغناء بالقرآن عن الناس غير جائز وصفه بأنه مسموع ومأذون له انتهى كلام الطبري.

 قال  أبو الحسن بن بطال: وقد وقع الإشكال في هذه المسألة أيضا بما رواه ابن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثني موسى بن عَلِي بن رباح."

عُلَي، ابن عُلَي.

أحسن الله إليك.

"قال: حدثني موسى بن عُلَي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تعلموا القرآن وتغنوا به واكتبوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل» قال: وذكر عمر بن شبة قال: ذكر لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة في قوله: يتغنى بالقرآن يستغني به فقال: لم يصنع ابن عيينة شيئًا. حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: كانت لداود نبي الله -صلى الله عليه وسلم- معزفة يتغنى عليها يبكي ويبكي. وقال ابن عباس: إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا تكون فيهن ويقرأ قراءة يَطرب منها الجموع، وسئل الشافعي -رحمه الله- عن تأويل ابن عيينة فقال: نحن أعلم بهذا، لو أراد به الاستغناء لقال.."

يطرب منها.. يقرأ قراءة يطرب منها..

"وقال ابن عباس: إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنًا تكون فيهن ويقرأ قراءة يَطرب منها الجموع."

الأعداد الغفيرة الكثيرة.

"وسئل الشافعي -رحمه الله- عن تأويل ابن عيينة فقال: نحن أعلم بهذا لو أراد به الاستغناء لقال: من لم يستغن بالقرآن ولكن لما قال: «يتغنى بالقرآن» علمنا أنه أراد به التغني، قالوا: ولأن تزيينه وتحسين الصوت به والتطريب بقراءته أوقع في النفوس وأدعى إلى الاستماع والإصغاء إليه، ففيه تنفيذ للفظه إلى الأسماع ومعانيه إلى القلوب، وذلك عون على المقصود، وهو بمنزلة الحلاوة التي تُجعل في الدواء؛ لتنفذه إلى موضع الداء وبمنزلة الأفاويه والطيب.."

ويكون الشفاء بسبب الدواء لا بسبب ما أدخل عليه.

"وبمنزلة الأفاويه والطيب الذي يُجعل في الطعام؛ لتكون الطبيعة أدعى له قبولاً، وبمنزلة الطيب والتحلي وتجمل المرأة لبعلها ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح، قالوا: ولا بد للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء فعوضت عن طرب الغناء بطرب القرآن، كما عوضت عن كل محرم ومكروه بما هو خير لها منه، وكما عوضت عن الاستقسام بالأزلام بالاستخارة التي هي محض التوحيد والتوكل، وعن السفاح بالنكاح، وعن القمار بالمراهنة بالنصال وسباق الخيل، وعن السماع الشيطاني بالسماع الرحماني القرآني، ونظائره كثيرة جدًّا، قالوا: والمحرم لا بد أن يشتمل على مفسدة راجحة أو خالصة وقراءة التطريب والألحان لا تتضمن شيئًا من ذلك فإنها لا تُخرِج الكلام عن وضعه، ولا تحول بين السامع وبين فهمه، ولو كانت متضمنة لزيادة الحروف كما ظن المانع منها لأخرجت الكلمة عن موضعها، وحالت بين السامع وبين فهمها، ولم يدر ما معناها، والواقع بخلاف ذلك قالوا: وهذا التطريب.."

الخلاف بين أهل العلم في مثل هذه المسألة شبه لفظي، المجيز لهذا الفعل لا يمكن أن يجيز ما يشبه أغاني المجان والفجار ولو كانت بالقرآن، إذا جعله على أوزانهم وأداه على طرائقهم، هذا لا يمكن أن يجيزه أحد، وأما مجرد تحسين الصوت فهذا يتفق عليه جميع الأطراف.

"قالوا: وهذا التطريب والتلحين أمر راجع إلى كيفية الأداء، وتارة يكون سليقة وطبيعة وتارة يكون تكلفًا وتعملاً، وكيفيات الأداء لا تخرج الكلام عن وضع مفرداته، بل هي صفات لصوت المؤدي جارية مجرى ترقيقه وتفخيمه وإمالته، وجارية مجرى مدود القراء الطويلة والمتوسطة، لكن تلك الكيفيات متعلقة بالحروف، وكيفيات الألحان والتطريب متعلقة بالأصوات والآثار في هذه الكيفيات لا يمكن نقلها بخلاف كيفيات أداء الحروف، فلهذا نقلت تلك.."

نعم لا يمكن نقلها، الأداء لا يمكن نقله، ولذا ينازَع في كون الأداء متواترًا، نعم الحروف متواترة، ونقله المتوارث المتواتر عن أهل العلم معروف، نقول: هو قطعي، تواتر الطبقة معروف عند أهل العلم التي نقل بها القرآن من نزوله إلى أن يرفع، لكن أداؤه لو كان متواترًا التواتر حجة قطعية لا يختلف ولا يتغير، لا ما وجد هذا الاختلاف في قراءة القراء، ولذا بعضهم يرى أن الأداء غير متواتر، ولذا يكون الخلاف فيه شيء من السعة، وإذا قلنا: إن الأداء متواتر لا يجوز الخروج عن قراءات القراءات التي رسموها، بل يجب أن يؤدى على القوانين التي قننوها ورسموها، منهم من يؤثم من يقرأ القرآن بغير تجويد، ومنهم من يرى أنه لا يأثم، وأن قولهم: إنه يجب قراءة القرآن بالتجويد كما أنزل بالترتيل، الوجوب بمعنى اللزوم، مثل يجب رفع الفاعل، يجب نصب المفعول، يعني الوجوب الاصطلاحي، لا أن قارئه على  غير هذه الكيفية ما لم يلحن، أو ما لم يخرجه عن المراد منه، فإن الأمر فيه شيء من السعة. ابن الجزري يقول:

 من لم يجود القرآن آثم

فبيَّن أن المراد عنده المراد بالوجوب القسيم للأحكام التكليفية.

"فلهذا نقلت تلك بألفاظها، ولم يمكن نقل هذه بألفاظها، بل نقل منها ما أمكن نقله كترجيع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سورة الفتح بقوله: «آ آ آ» قالوا: والتطريب والتلحين راجع إلى أمرين مد وترجيع، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يمد صوته بالقراءة، يمد الرحمن، ويمد الرحيم، وثبت عنه الترجيع كما تقدم. قال المانعون من ذلك: الحجة لنا من وجوه أحدها: ما رواه حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق فإنه سيجيء..».

ولذا الحافظ ابن رجب -رحمه الله- اشترط في جواز النشيد والإنشاد أن يؤدى بلحون العرب لا بلحون الأعاجم، ولا بلحون أهل الفسق، حتى النشيد في الكلام العادي في الشعر العربي إذا سلمت ألفاظه من المادة الممنوعة من الكلام الذي فيه فحش أو خنا أو مدح من لا يستحق المدح أو تشبيب أو فخر أو هجاء، إذا سلم من ذلك سلمت مادته وأدي على لحون العرب جاز، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أنشد الشعر بين يديه أنشد الشعر بين يديه، فإذا أدي على لحون العرب جاز وإلا فلا.

"«فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنَّوح، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» رواه أبو الحسن رزين في تجريد الصحاح، ورواه أبو عبد الله الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، واحتج به القاضي أبو يعلى في الجامع، واحتج معه بحديث آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر شرائط الساعة وذكر أشياء منها: «أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم..»."

نعم وجد في القرن الماضي في منتصفه إلى آخره من هذه صفة قراءته، ولذا تجدون في ترجمة بعض القراء الذين يقرؤون القرآن على هذه الصفة، تجدون في ترجمته أنه يجيد الأغاني والموسيقى والمزامير، وجد هذا في ترجمة من شهر بالقراءة، والله المستعان.

"«يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ما يقدمونه إلا ليغنيهم غناء» قالوا: وقد جاء زياد النهدي إلى أنس -رضي الله عنه- مع القراء فقيل له: اقرأ فرفع صوته وطرَّب وكان رفيع الصوت، فكشف أنس عن وجهه وكان على وجهه خرقة سوداء وقال: يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون، وكان إذا رأى شيئًا ينكره رفع الخرقة عن وجهه، قالوا: وقد منع النبي- صلى الله عليه وسلم- المؤذن المطرب في أذانه من التطريب كما روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال.."

الآن الخرقة السوداء هذه ما فائدتها؟ الآن الذي أنكر على هذا القارئ على وجهه خرقة سوداء.

طالب: أنس..

أنس -رضي الله عنها- ما الفائدة منها؟ يعني لما كبرت سنه وضعف بصره صار النور يؤثر عليه مثل النظارات الشمسية، ما هو يتعبد بها مثل ما يتعبد المتصوفة بخرقهم، لا.

"قال كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤذن يطرب فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلاً سمحًا وإلا فلا تؤذن»، رواه الدارقطني. وروى عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: كانت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدًّا ليس فيها ترجيع قالوا والترجيع والتطريب يتضمن همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بممدود وترجيع الألف الواحد ألفات والواو واوات والياء ياءات، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن، وذلك غير جائز قالوا: ولا حد لما يجوز من ذلك وما لا يجوز منه، فإن حد بحد معين كان تحكمًا في كتاب الله تعالى ودينه، وإن لم يحد بحد أفضى إلى أن يطلق لفاعله ترديد الأصوات وكثرة الترجيعات والتنويع في أصناف.."

لكن تحديد المدود بالحركات هذا يمد حركتين، وهذا أربع، وهذا ست له أصل أو ما له أصل؟ هم يقولون: أخذوه بالتلقي، كل واحد عن شيخه إلى أن يصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا محل الخلاف الذي هو متواتر أو غير متواتر، الذي هو الأداء هو الأصل، إذا أردنا الأصل مثل هذه الأمور يُنَص عليها كما نُص على قوله في المرة الثالثة «سبحان الملك القدوس» يمد بها صوته، يمد الرحمن، يمد الرحيم، هذه أمور ثابتة، لكن ما تُرك ولم يُنقَل لعل الأمر فيه شيء من السعة.

" وإن لم يحد بحد أفضى إلى أن يطلق لفاعله ترديد الأصوات وكثرة الترجيعات والتنويع في أصناف الإيقاعات والألحان المشبِّهة للغناء."

المُشْبِهة.

"المُشْبِهة للغناء.."

أحسن الله  إليك.

ريِّض ابن القيم -رحمه الله- ما ينتهي.

حتى ما تقرأ الأسبوع الجاي، مقدَّم.

"كما يفعل أهل الغناء بالأبيات وكما يفعله كثير من القراء أمام الجنائز، ويفعله كثير من قراء الأصوات مما يتضمن تغيير كتاب الله والغناء به على نحو ألحان الشعر والغناء، ويوقعون الإيقاعات عليه مثل الغناء سواء اجتراءً على الله وكتابه وتلاعبًا بالقرآن وركونًا إلى تزيين الشيطان، ولا يجيز ذلك أحد من علماء الإسلام، ومعلوم أن التطريب والتلحين ذريعة مفضية إلى هذا إفضاء قريبًا، فالمنع منه كالمنع من الذرائع الموصلة إلى الحرام فهذا إقدام الفريقين ومنتهى احتجاج الطائفتين."

نهاية إقدام والا أقدام؟

أقدام أقدام..

أحسن الله إليك.

"فهذا نهاية أقدام الفريقين.."

يعني وقفوا عند هذا، وقفوا عند هذا.

أحسن الله إليك.

"ومنتهى احتجاج الطائفتين وفصل النزاع أن يقال: التطريب والتغني على وجهين أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى الأشعري للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرًا، والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقبله وتستحليه؛ لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه فهو مطبوع لا متطبع وكلِف لا متكلِّف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.

 الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويتبين الصواب من غيره، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويسوغوها، ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن ويقرؤونه بشجى تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به وقال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن».

 وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله، والثاني أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته -صلى الله عليه وسلم-."