كتاب الجامع من سبل السلام (15)

نعم.

أحسن الله إليك.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

اللهم اغفر لشيخنا وللمستمعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في باب الزهد والورع من كتاب الجامع:

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: «يا غلام احفظ الله يحفظك» بالجزم جواب الأمر، «احفظ الله تجده» مثله."

جواب الطلب جواب الأمر أو جواب شرط مقدَّر؛ لأن العلماء يختلفون في الجازم هل هو الطلب أو شرط مقدَّر تقديره احفظ الله إن تحفظه يحفظك.

أحسن الله إليك.

احفظ الله تجده» مثله، «تجاهك» في القاموس: وجاهك وتجاهك مثلين تلقاء وجهك، «وإذا سألت» حاجة من حوائج الدارين، «فاسأل الله»، فإن بيده أمورهما.

 «وإذا استعنت فاستعن بالله». رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

 وتمامه: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. جفت الأقلام، وطويت الصحف». وأخرجه أحمد عن ابن عباس بإسناد حسن بلفظ: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا غلام أو يا غليِّم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟» فقلت: بلى، قال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله تعالى لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكربة، وأن مع العسر يسرًا». وله ألفاظ أخر.

 وهو حديث جليل، أفرده بعض علماء الحنابلة بتصنيف مفرد، فإنه اشتمل على وصايا جليلة."

الحافظ ابن رجب هو من الحنابلة، ألَّف كتابًا نفيسًا أسماه نور الاقتباس من مشكاة وصية النبي- صلى الله عليه وسلم- لابن عباس، وشرح الحافظ ابن رجب أحاديث بكتب مفردة في أجزاء مفردة يحرص عليها طالب العلم؛ لأن الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يشرح الحديث بنفس السلف.

أحسن الله إليك.

"والمراد من قوله: «احفظ الله» أي حدوده وأوامره بالامتثال، ونواهيه.."

حدوده وعهوده.

نعم.

حدوده وعهوده.

أحسن الله إليك.. وأوامره أم بدون؟

وأوامره ونواهيه.

أحسن الله إليك.

"والمراد من قوله: «احفظ الله» أي حدوده وعهوده وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده ألا يتجاوزه، وألا يتعدى ما أمر به إلى ما نهي عنه، فيدخل في ذلك فعل الواجبات كلها، وترك المنهيات كلها، وقال الله تعالى: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [سورة التوبة:112]، وقال: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [سورة ق:32]، فسَّر العلماء الحفيظ بالحافظ لأوامر الله تعالى، وفُسِّر بالحافظ لذنوبه حتى يتوب منها."

الحافظ لنفسه من مخالفة أمر الله، وهي متقاربة من حيث المعنى.

أحسن الله إليك.

"فأمره -صلى الله عليه وسلم- بحفظ الله يدخل فيه كل ما ذُكِر، وتفاصيلها واسعة. وقوله: «تجده أمامك»، وفي اللفظ آخر: «يحفظك»، والمعنى متقارب، أي تجده أمامك بالحفظ لك من شرور الدارين جزاءً وفاقًا من باب: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [سورة البقرة:40] يحفظه في دنياه من غشيان الذنوب عن كل أمر مرهوب، ويحفظ ذريته من بعده، كما قال تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [سورة الكهف:82].

وقوله: «فاسأل الله» أمر بإفراد الله تعالى بالسؤال، وإنزال الحاجات به وحده، وأخرج الترمذي مرفوعًا: «سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يُسأل». وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من لا يسأل الله يغضب عليه»، وفيه: «إن الله يحب الملحِّين في الدعاء»، وفي حديث آخر: «يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع»، وقد بايع النبي -صلى الله عليه وسلم-.."

لكن الملاحَظ من عموم الناس بمن في ذلك المسلمين أن من احتاج منهم يهرع إلى المخلوق، وينسى الخالق، فإن نزلت به حاجة فأول ما يخطر على باله فلان التاجر، وإن نزل به مرض فالطبيب الفلاني الماهر، وإن نزلت به كربة أو شدة شكاها إلى فلان وعلان، والله المستعان.

طالب: ...........

الأصل ألا يسأل إلا الله، وهو يسأل المخلوق عند الضرورة إليه، هو متعلِّق بالله، ويعلم أن الله- جل وعلا- هو المعطي، وأن هذا المخلوق ليس بيده شيء، لا منع ولا دفع ولا شيء، إنما هو مسيَّر من قبل الله، إن أعطاه فالمعطي هو الله، وإنما هو واسطة؛ {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سورة النــور:33]. ولذلك تجد يدخل الاثنان المحتاج الأول يعطيه مثلاً هذا التاجر، وقد يمنع، ثم يدخل إليه ثانٍ أشد حاجة منه فيمنعه، أو أقل منه حاجة فيعطيه، مما يدل على أن المعطي هو الله، والمانع هو الله -جل وعلا- فإذا تصور هذا ولو سأل المخلوق باعتباره واسطة، وأن الرزق من الله -جل وعلا- لا ينزل مباشرة من السماء، فإذا تعلق بالله، وعلق قلبه بالله ما يضره هذا، لاسيما إذا كان من أهل السؤال، ممن يباح له السؤال.

طالب: ...........

نعم، تعلق القلب.

أحسن الله إليك.

"وقد بايع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة على ألا يسألوا الناس شيئًا، منهم الصديق، وأبو ذر، وثوبان، فكان أحدهم يسقط سوطه أو يسقط خطام ناقته فلا يسأل أحدًا أن يناوله. وإفراد الله بطلب الحجات دون خلقه يدل له العقل والسمع، فإن السؤال بذل لماء الوجه وذل، ولا يصلح ذلك لغير الله؛ لأنه القادر على كل شيء الغني مطلقًا، والعباد بخلاف هذا."

يعني إذا أردت أن يكشف الله حاجتك أو كربتك في سؤالك وأنت ساجد فهل تقول: اللهم سخِّر لي فلانًا التاجر، كونك تسأل المخلوق في دعائك هذا الشرك، لكن كونك تسأل الله -جل وعلا- أن يسخر لك فلانًا بعينه، أو تسأل الله مطلقًا، ويجري ما يريد على أحد من خلقه، الأصل أن تسأل الله -جل وعلا-.

أحسن الله إليك.

"وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- حديث قدسي فيه: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر»، وزاد في الترمذي وغيره: «وذلك بأني جواد واجد ماجد، أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئًا فإنما أقول له: كن فيكون»، وقوله: «وإذا استعنت فاستعن بالله» مأخوذ من قول الله تبارك وتعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [سورة الفاتحة:5]."

وهذا أسلوب حصر، تقديم المعمول يدل على الحصر.

أحسن الله إليك.

"أي نفردك بالاستعانة. أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يستعين بالله وحده في كل أموره أي إفراده تعالى بالاستعانة على ما يريده، وفي إفراده تعالى بالاستعانة فائدتان فالأولى: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات، والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله -عز وجل-."

ولذلك أمر بأن يسأل الله -جل وعلا- بعد كل صلاة أن يعينه على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.

أحسن الله إليك.

"فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وفي الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم-: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز». وعلم -صلى الله عليه وسلم- العباد أن يقولوا في خطبة الحاجة: «الحمد لله نستعينه»، وعلم معاذًا أن يقول دبر الصلاة: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

فالعبد أحوج إلى مولاه في طلب إعانته في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات. قال يعقوب -صلى الله عليه وسلم- في الصبر على المقدور: والله المستعان على ما تصفون، وما ذكر من هذه الوصايا النبوية لا ينافي القيام بالأسباب، فإنها من جملة سؤال الله والاستعانة به، فإن من طلب رزقه بسبب من أسباب المعاش المأذون فيها فرزق من جهته فهو منه تعالى، وإن حرم فهو لمصلحة لا يعلمها، ولو كشف الغطاء لعلم أن الحرمان خير من العطاء، والكسب الممدوح المأجور فاعله هو ما كان سبب مأذون فيه شرعًا، وكان لطلب الكفاية له ولمن يعوله أو الزائد على ذلك إذا كان يعده لغرض صحيح محتاج أو صلة رحم."

لقرض محتاج أو صلة رحم.

أحسن الله إليك.

"إذا كان يعده لقرض محتاج، أو صلة رحم، أو إعانة طالب علم، أو نحوه من وجوه الخير لا لغير ذلك فإنه يكون من الاشتغال بالدنيا وفتح باب محبتها الذي هو رأس كل خطيئة، وقد ورد في الحديث: «كسب الحلال فريضة»، أخرجه الطبراني والبيهقي والقضاعي عن ابن مسعود مرفوعًا، وفيه عباد بن كثير ضعيف."

والحديث ضعيف بلا شك.

أحسن الله إليك.

"وله حديث شاهد من حديث أنسَ عند الديلمي.."

مصروف أنس.

أحسن الله إليك.

"وله حديث شاهد من حديث أنسٍ عند الديلمي.."

من دون حديث.

"وله شاهد من حديث أنسٍ عند الديلمي: «طلب الحلال واجب» من حديث ابن عباس مرفوعًا «طلب الحلال جهاد»، رواه القضاعي، ومثله في الحلية عن ابن عمر.

 قال العلماء: الكسب الحلال مندوب أو واجب، إلا للعالم المشتغل بالتدريس، والحاكم المستغرقة أوقاته في إقامة الشريعة، ومن كان من أهل الولايات العامة كالإمام الأعظم فترك الكسب به أولى؛ لما فيه من الاشتغال عن القيام بما هم فيه، ويرزقون من الأموال المعدة للمصالح."

يعني من بيت المال يفرغون لهذا الشأن، وينفق عليهم من بيت المال.

طالب: ...........

ما فيه شك أن هذا أموال طائلة يعدونها فيما يرضي الله -جل وعلا- ما هم يكنزونها ويمنعون حق الله منها.

طالب: ...........

على كل حال الأمور بمقاصدها، الأعمال بالنيات على حسب قد يأثم، وقد يؤجر، وقد يكون مباحًا من لا له ولا عليه.

طالب: ...........

أين؟

طالب: ...........

 

الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه.