شرح جوامع الأخبار (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تفضل:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، قال المؤلف العلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-:

الحديث السادس والعشرون: عن جابر بن عبد الله --رضي الله عنه-ما- قال‏:‏ قال رسول الله --صلى الله عليه وسلم--‏:‏ (‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي‏:‏ نصرت بالرُّعبِ مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً‏،‏ فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ قبلي،‏ وأعطيت الشفاعة‏،‏ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة‏)‏) [متفق عليه]‏.

هذا الحديث، حديث جابر في الخصائص النبوية وخصائصه -عليه الصلاة والسلام- منها ما هو خاص به لشخصه، ومنها ما يتناول الأمة دون سائر الأمم، خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة جداً ألفت فيها المؤلفات، الخصائص النبوية، منها هذه الخمسة: ((أعطيت خمساً)) يعني من الخصال ((لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر)) بعض الروايات: ((شهرين)) ولا شك أن الشهر ذهاباً وإياباً يكون شهرين، ((نصرت بالرعب)) يقذف الله -جل وعلا- في قلوب أعدائه الرعب من هذه المسافة البعيدة الطويلة، فهل هذا خاص بشخصه -عليه الصلاة والسلام- كما أعطي الشفاعة أو هو له ولأمته دون سائر الأمم كما في قوله: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً))؟ بمعنى أنه مهما كانت الأمة من الالتزام والاستقامة، وكان قائدها أقرب إلى تحقيق الأوامر والنواهي من غيره، وأقرب إلى تطبيق سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- هل ينصر بالرعب تبعاً لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويكون نصره بالرعب بقدر ما عنده من استقامة، بحيث لو كان مفرطاً ينصر بالرعب مسيرة نصف شهر، مسيرة عشرة أيام، مسيرة يوم مثلاً، أو نقول: إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في قوله: ((وأعطيت الشفاعة))؟ لا شك أن الرعب موجود في كل من اقتدى به -عليه الصلاة والسلام-، والهيبة التي يقذفها الله -جل وعلا- في قلوب العباد وإن كان هذا الشخص في ظاهره صاحب خلق، وصاحب ابتسامة، وصاحب لين جانب؛ لكن بقدر ما عنده من الاستقامة يجعل الله في قلوب غيره من الرهبة له والهيبة ما يجب، وكل له نصيبه بقدر اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا شيء مشاهد، تجد شخص من أهل العلم، وإن كان من أسهل الناس، ومن أطيبهم خلق، وأكثرهم بشاشة، تجده أحياناً تريد أن تسأله خمسة أسئلة تضيع أربعة، إيش بيسوي بك؟ ما هو مسوي شيء؛ لكن هذا رعب، هذه هيبة، وهذا حاصل، تأتي إلى الشخص وهو من خير الناس، من العباد والزهاد تسأله، والله إيش السبب؟ بيده سيف وإلا.... ما بيده شيء، لا شك أن مثل هذه هيبة يضعها الله -جل وعلا-، وضعها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ووضعها في أتباعه، وكل بحسبه، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من أسهل الناس خلق، وألينهم جانب، عرف بالرفق واللين والحكمة، والله المستعان.

((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وعلى هذا لو كان في الأمة ما يؤهلها لمثل هذا الرعب ما وصلت إلى هذا الحد، وجاء في حديث في آخر الزمان: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) أمن قلة يا رسول الله؟ قال: ((لا أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم)) هذا دليل على أننا لما انصرفنا نزعت المهابة، لو استقمنا وجدت المهابة، وهذه المهابة هي الرعب، ما تسلط علينا الأعداء إلا بعد أن وقعنا في المخالفات؛ لكن لو استقمنا حسب لنا العدو حسابات، والله المستعان.

((نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً طهوراً، فأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) يعني في أي مكان؛ لأنها مسجد، وإذا لم يجد الماء يتيمم طهور، وجاء في بعض الألفاظ في مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) اللفظ الذي معنا استدل به من يقول: أنه يتيمم على كل ما على وجه الأرض، ((جعلت الأرض مسجداً وطهوراً)) كل ما فيه مسجد طهور، تيمم على أي شيءٍ على وجه الأرض، كل ما على وجه الأرض من صعيد تيمم به أياً كان، اللفظ الآخر: ((جعلت تربتها لنا طهوراً)) استدل به من يقول: أنه لا يصح التيمم إلا بترابٍ له غبار يعلق باليد، بدليل: (تربتها) ((جعلت لي الأرض كلها مسجداً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) هذا عام مخصوص، جاء ما يخصصه مثلاً الصلاة في المقبرة تصح وإلا ما تصح؟ عموم الحديث يتناول المقبرة؛ لكن جاء ما يدل على تخصيص بعض البقاع.

طيب، هنا مسألة ويتبناها ابن عبد البر بقوة، وهي أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص الذي هو تقليل أفراد العام، تقليل لهذا التشريف، إذاً أحاديث الخصائص لا تقتضي التخصيص، فعند ابن عبد البر يجوز أن تصلي في المقبرة لأنك خصصت حديث الخصائص، وقللت هذا التشريف، إذاً تصلي في المقبرة؛ لأن أحاديث التخصيص لا تقبل التخصيص، هذا الكلام مقبول وإلا غير مقبول؟

طالب:.......

لماذا؟ نعم، كيف؟ مصادم لنص، لكن خلونا نتنزل على رأيه، نقول: هذا تشريف وتكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن المحافظة على حقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لا بد منها؛ لكن إذا تعارضت حقوقه -عليه الصلاة والسلام- مع حقوق الله -جل وعلا-، والمنع من الصلاة في مثل هذا المكان صيانةً لحق الله -جل وعلا-، ولا شك أن المحافظة على حق الله -جل وعلا- أولى من المحافظة على حقه -عليه الصلاة والسلام-، عند التعارض لا سيما وأن الحق الإلهي يدعمه النص الخاص، إذاً نخصص ((وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً)).

والرواية الأخرى: ((وتربتها)) طيب وش اللي بين التراب والأرض؟ بينهما عموم وخصوص وإلا إطلاق وتقييد؟ يعني من قال: أنه لا يتمم إلا بالتراب هل نقول: أنه قال الخاص مقدم على العام، أو قال المطلق يقيد بالمقيد؟ مطلق ومقيد، وإلا عام خاص؟ وش الفرق بينهما؟ من أي البابين؟ عام وخاص وإلا مطلق ومقيد؟ إيش الفرق بين التقييد والتخصيص؟ التقييد في الأوصاف، والتخصيص في الأفراد، إذاً هل الأرض ذات أفراد أو ذات أوصاف؟ لأن الحكم يختلف اختلاف جذري إذا قلنا: تقييد وإذا قلنا: تخصيص، إيش يقول؟

طالب:.......

ذات أفراد، إذاً عموم وخصوص أو ذات أوصاف؟ لأن الحكم يختلف تبعاً لهذا، الذين قالوا: لا يصح التيمم إلا بالتراب جعلوا ذلك من باب التقييد، والذين قالوا: يصح التيمم بجميع ما على وجه الأرض فإما أن يحكموا على الزيادة بأنها شاذة (تربتها) أو يقولوا: من باب العموم والخصوص، والتنصيص على بعض أفراد العام بحكمٍ موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، إنما التخصيص إذا اختلف حكم العام على الخاص.

طالب:.......

ها، انتهينا وإلا ما انتهينا، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) والنص الآخر في الصحيح في مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل نقول: أن التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ يعني إذا قلنا: "فتحرير رقبة" إذا قيل: أعتق رقبة، ثم قيل: أعتق زيداً، أو قيل: أعتق مؤمناً، زيد فرد من أفراد العام، والمؤمن وصف من أوصافها، فرق بين هذا وهذا، إذا قلنا: أعتق رقبة، ثم قلنا: أعتق زيداً، نقول: زيد فرد من أفراد الرقبة، وعلى هذا لو أعتقنا رقبة غير زيد لكن ينبغي أن يكون زيد أولى من غيره؛ لأن التنصيص على بعض الأفراد للحكم الموافق لا يقتضي التخصيص، بخلاف ما لو قال: أعتق رقبة ولا تعتق زيداً، قلنا: لا ما يمكن أن نعتق زيد؛ لأنه خاص مقدم على العام؛ لأن الحكم مخالف؛ لكن لما يقول: أعتق رقبة، وأعتق مؤمنة، نحمل المطلق على المقيد، فرق بين هذا وهذا، هذا فرد من أفراد العام، وهذا وصف من أوصافه. وعلى كل حال تحرير الموضوع بدقة لا تجده عند أحد، يعني مشكل، يلوكون في مثل هذا، ويقول: أطلق في وصف الأرض ثم خصص، إيش معنى أطلق ثم خصص؟ هذا موجود في بعض الشروح، ولذلك تبقى المسألة إما أن نقول: إن كانت من باب العموم والخصوص فالتنصيص على التراب يقتضي أنه أولى من غيره، العناية بشأنه والاهتمام به لكن التيمم بغيره مجزئ لا سيما وأنه يتصور أنه لا يوجد تراب، تجد رمل، نجد صخر، نجد شيء، فإلزام الناس بالتراب مشقة، والتيمم إنما عدل عن الوضوء إلى التيمم دفعاً للمشقة، وهذا هو اللائق أن نقول: أنه من باب العموم والخصوص التنصيص على التراب لكونه أولى، ولا يعني هذا أنه لا يتمم بغير التراب؛ لأن العدول عن الوضوء إلى التيمم إنما هو رفع للمشقة، طيب أنت في مكان ما فيه تراب إما جبال وإلا رمال وإلا شيء؟ تبي تركب السيارة تدور تراب؟ يا أخي اركب السيارة دور ماء أفضل لك، ما ارتفعت المشقة حينئذٍ، وعلى هذا إذا قلنا: من باب العموم والخصوص يكون التراب أولى من غيره، بحيث لو كان عندك يمينك تراب وبيسارك حجارة وإلا رمل تيمم بالتراب أفضل؛ لأن التنصيص عليه يقتضي الاهتمام بشأنه، وإذا قلنا: مطلق ومقيد كما يقول الشافعية والحنابلة وقعنا في الحرج، فلا تتيمم إلا بالتراب.

((وأحلت لي الغنائم)) الغنائم أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ولم تحل لأحدٍ من قبله، تترك، إن كانت مقبولة جاءت نار فأحرقتها، وإن كانت غير مقبولة تركت وفسدت، المقصود أنها لم تحل لأحد من الأنبياء قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل هي أفضل المكاسب على الإطلاق؛ لأن العلماء يختلفون في أفضل المكاسب، منهم من يقول: الصناعة؛ لأنها مهنة بعض الأنبياء، ومنهم من يقول: الزراعة، وجاء في فضل الزراعة نصوص، ومنهم من يقول: الرعي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رعى الغنم، وما من نبي إلا رعى الغنم؛ لكن يبقى أن الغنائم هي أطيب وأفضل المكاسب على الإطلاق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) فهي أطيب المكاسب، ((وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحدٍ من قبلي، وأعطيت الشفاعة)) والمراد بها الشفاعة العظمى التي تخلص الناس من شدائد الموقف، ويعتذر عنها الأنبياء، يعتذر عنها أولو العزم، ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا لها)).

((وكان النبي يبعث إلى القوم خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)) الأنبياء كلهم دعواتهم خاصة، ولذا يسوغ للشخص أن يتعبد على ديانة موسى مع وجود عيسى؛ لأن عيسى بعث إلى قومه، يسوغ للخضر أن يتعبد ويخرج عن شريعة موسى؛ لأن موسى ليست رسالته عامة؛ لكن هل يسوغ لأحدٍ الآن بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يتعبد بغير ما شرعه الله على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يمكن، ومن زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر أن يخرج عن شريعة موسى هذا ناقض من النواقض، كافر، طيب الذين يتعبدون على ملة موسى وعلى ملة عيسى، هؤلاء كفار وإلا غير كفار؟ كفار، ويقرر أهل العلم أن من شك في كفرهم كفر إجماعاً، لا يمكن أن يعبد الله بغير شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، حتى عيسى -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-.

((وبعثت إلى الناس عامة)) ((وما من يهودي ولا نصراني...)) إلا إيش؟ الحديث صحيح ((ما من يهودي ولا نصراني يسمع بي ولم يؤمن بي إلا دخل النار)) بلا شك يبقى مسألة وهي: هل مثل هؤلاء من اليهود والنصارى هم كفار بلا شك يبقى هل نقول لهم: مشركون؟ أو نقول: إنهم كفار وإن كان فيهم شرك؟ إيش الفرق بين القولين؟ الآن ما جاء التخفيف في ذبائحهم؟ وجاء التخفيف في جواز نكاح نسائهم؟ جاء التخفيف فيه، إذاً ليسوا مثل الكفار من كل وجه، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] لا شك أن الشرك وقع فيهم، الشرك وقع في اليهود والنصارى؛ لكن هل هم مشركون؟ فنحتاج إلى مخصص في نكاح المشركات، {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] نحتاج إلى مخصص فنبحث عن مثل قوله -جل وعلا-: {وَالْمُحْصَنَاتُ} [(24) سورة النساء] المقصود أننا إذا قلنا: أنهم مشركون لا بد أن نبحث عن مخصص، لا شك أن فيهم شرك، وهم كفار، نسأل الله السلامة والعافية؛ لكن الذي يقرره جمع من أهل العلم أنهم وإن كانوا كفاراً لا يوصفون بأنهم مشركون، وإنما هم كفار فيهم شرك، يعني فرق بين أن يقال: فلان مشرك، وبين أن يقال: فيه شرك، وفرق بين أن يقال: منافق، وبين أن يقال: فيه نفاق، وبين أن يقال: جاهلي ، وبين أن يقال: أبو ذر فيه جاهلية، يعني فرق بين هذه الأمور، فبعض أهل العلم لحظ هذا وفرق بينهم وبين غيرهم، وعلى كل حال هم كفار، والله المستعان.

الحديث السابع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ "‏أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث‏:‏ صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"‏ [متفق عليه]‏.

هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة ولغيره من الصحابة، أوصى بها أبا ذر، وأبا الدرداء كأبي هريرة، ووصيته -عليه الصلاة والسلام- لواحد من أمته هي للجميع؛ لأن ما يطلب من أبي هريرة يطلب من غيره، وحكمه على الواحد حكمه على الجميع، إلا ما دل الدليل على اختصاص، وهنا لا دليل، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي" وجاء ما يدل على أنه لم يتخل خليلاً -عليه الصلاة والسلام-، كونه يُتّخَذ خليل لا يعني أنه اتخذ خليلاً، "أوصاني خليلي" والخلة كمال المحبة وغايتها، وينبغي أن يكون كل مسلم يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- غاية المحبة، أكثر من حبه لنفسه، والمراد بالمحبة المحبة التي بها يؤثر أمره ونهيه وشرعه على هوى نفسه، وولده ووالده والناس أجمعين.

"أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث" ثلاث خصال، ثلاث خلال "صيام ثلاثة أيام من كل شهر" وهذا يعدل صيام السنة؛ لأن كل يوم بعشرة أيام، الحسنة بعشر أمثالها، فصيام ثلاثة أيام على ثلاثين يوم، فإذا صام الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر كأنه صام الدهر، فكأنما صار الدهر، صيام ثلاثة أيام ممدوح وإلا مذموم؟ ممدوح، صيام الدهر ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم، كيف يشبه الممدوح بالمذموم؟ نعم، كيف؟ في الأجر، يعني التشبيه لا يلزم أن يكون من كل وجه، قد يكون المشبه به له أكثر من وجه للشبه، فيشابهه من وجه دون وجه، يعني تشبيه رؤية الباري برؤية القمر هل هي من كل وجه؟ لا، تشبيه رؤية برؤية، لا المرئي بالمرئي، تشبيه الوحي وهو محمود بصلصلة الجرس المذموم من الوجه المحمود لا الوجه المذموم، وقل مثل هذا في تشبيه تقديم اليدين على الركبتين ببروك البعير، والمسألة تطول يعني لو أخذنا أفرادها وفصلنا من انتهت؛ لكن هنا شبه صيام ثلاثة أيام بصيام الدهر في الأجر والثواب، لا على ما يترتب على صيام الدهر من الذم الوارد في النص، صيام ثلاثة أيام جاء تقييدها بأنها الأيام البيض، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، جاء في حديث مقبول، لا بأس به، يمكن أن يعتمد عليه، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لكن لو صام الاثنين ما يتيسر له صيام البيض مثلاً، أيام متوالية، وصام الاثنين أو الخميس مثلاً لأنه إجازته صام ثلاث خميسات وإلا ثلاث اثنينات كفاه، حصل له الأجر الموعود -إن شاء الله تعالى-.

"صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى" ركعتي الضحى أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه، أكثر من واحد من الصحابة، وجاء في حديث: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة..)) والإنسان فيه من السلامة ثلاثمائة وستين مفصل، عليه أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، ويكفي عن ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، فإذا صلى الإنسان هاتين الركعتين نفذ هذه الوصية، وتصدق عن جسده وبدنه ومفاصله، وبرئ من عهدة هذه المفاصل، فركعتا الضحى لهما شأن عظيم، فمن جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى انتهى الإشكال، وإن لم يثبت عنده حديث: ((من جلس الصبح في جماعة ثم جلس ينتظر حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له كأجر حجةٍ تامة)) يعني إن لم يثبت عنده هذا فهذا، يجلس، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه يجلس في مصلاه حتى ترتفع الشمس، من فعله، هذا في الصحيح ما لأحدٍ كلام، فإذا صلى ركعتين امتثالاً لهذه الوصية وش نقول ابتدع؟! وإن كان ممن يقبل مثل ذلك الخبر، وقد صحح عند بعضهم، وحسنه بعضهم، والمسألة قابلة يعني في مثل هذا الباب، يتسامح أهل العلم في قبول مثل هذا، وعمل به يرجى له ثوابه، أما ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين شرح حال المقربين، وذكر برنامجهم اليومي، وشرح حال أصحاب اليمين، وهم دونهم في المنزلة، هؤلاء لهم برنامج وهؤلاء لهم برنامج، وشرح حال المقربين كأنه يحكي واقعه، يصور حياته -رحمه الله- ومع ذلكم يقسم -رحمه الله تعالى- أنه ما شمّ لهم رائحة، وهو معروف بالعبادة، معروف بالانقطاع، ومؤلفاته تفوح بشيءٍ من هذا، يقسم أنه ما شمّ لهم رائحة، لما شرح حال المقربين بالنسبة لأصحاب اليمين قال: يجلسون بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس، ثم يصلون ركعتين ويخرجون، لما شرح حال المقربين وهم أعظم شأناً، وأنهم يتقدمون، ويصلون وراء الإمام، ويتدبرون في قراءة الإمام، وصلاة الصبح مشهودة، وقرآن الفجر مشهود، يجلسون إلى أن تنتشر الشمس فإن شاؤوا صلوا ركعتين، وإن شاؤوا قاموا بدون صلاة، لماذا فرق بين هؤلاء وهؤلاء؟ أصحاب اليمين انتهوا، بيرحون لأعمالهم، لدنياهم، فيصلون هاتين الركعتين، المقربين وين يبون؟ يبون يروحون لأعمال عبادات أخرى، منها صلاة النوافل، يعني ما انتهوا.

"وركعتي الضحى" ووقتها من ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال، وأقلها ركعتان عند أهل العلم، وأكثرها ثمان؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى يوم الفتح ثمان ركعات، منهم من يقول: أن هذه صلاة الفتح، ومنهم..، وجاء كلام كثير جداً في ركعتي الضحى، وجاء عن بعض الصحابة أنه ما كان يداوم عليها، المقصود أن مثل هذا الحديث يقرر المشروعية، وأنها وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا ينبغي للمسلم لا سيما طالب العلم أن يفرط فيها.

"وأن أوتر قبل أن أنام" الوتر حق وجاء الأمر به، وهو من آكد العبادات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتركه سفراً ولا حضراً، وأقله ركعة؛ لأنه ثبت عن بعض أنه أوتر بركعة، وأكثره إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عنه أيضاً صلاة الليل مثنى مثنى، وهذا يقتضي إطلاق العدد ولو مائة ركعة؛ لأنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)) تصلي واحدة توتر لك ما قد صليت، المقصود أنه ليس هناك عدد محدد لا يزاد عليه ولا ينقص؛ لأن عائشة تقول: ما زاد -عليه الصلاة والسلام- عن إحدى عشرة، وثبت بالفعل أنه زاد، يعني هذا على حد علمها، وإطلاق الخبر مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يدل على أنه لا حد، لكن من تقيد بغالب أحواله -عليه الصلاة والسلام-، وهو الإحدى عشرة كماً وكيفاً، لا شك أنه أفضل، كماً وكيفاً، ما يقول لي: إحدى عشرة ويصليهن بعشر دقائق، يقول: خلاص هذا قيام النبي -عليه الصلاة والسلام-! لا يا أخي قرأ في الركعة الأولى البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وش بتسوي أنت؟ تقول لي: خلاص أن اقتديت وينتهي، نعم إذا اقتديت بالكم، تنظر إلى الكيف، وإلا جاء في النصوص ما يدل على أن على المسلم أن يكثر من التعبد، أعني على نفسك بكثرة السجود، والإكثار من التعبد ما لم يكن عائقاً عما هو أهمّ منه مشروح، يبقى أن هناك موازنة بين الفضائل، وأثر عن سلف هذه الأمة الركعات في اليوم والليلة بالمئات، وإن كان بعضهم يذكر أعداد قد لا يستوعبها الوقت، لما قال صاحب منهاج الكرامة الرافضي ابن مطهر الحلي يقول: "أن علي بن أبي طالب يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة" قال شيخ الإسلام: الوقت لا يستوعب؟ يستوعب ألف ركعة؟! لكن أثر عن الإمام أحمد أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، إذا قلت: ثلاثمائة ركعة، والركعة المجزية يعني أقل قدر مجزئ تؤدى بدقيقة، فيحتاج إلى ست ساعات، إذا قلنا: دقيقتين يبي أثنا عشر يبي يطمئن اثنا عشر ساعة، والله المستعان، والإنسان إذا عرض هذه الأمور وهذه الأحوال على حاله وفعله وطريقته يعني يكاد يجزم بأن هذا مستحيل؛ لكن هناك أمور مجربة ظُنت مستحيلة وصارت من أيسر الأمور، كنا إلى عهدٍ قريب أن حفظ عشرة آلاف حديث مستحيل، ما يمكن يحاط بها، والآن يوجد من الشباب من يحفظ عشرة آلاف حديث، فكنا نظن أن ما في أحد يمكن يجلس ويقرأ القرآن بجلسة مستحيل، وجلس من طلوع الشمس إلى أذان الظهر وختم، وكنا نقول: وين اللي يقرؤون؟ خلاص انتهى، ما عندنا جلد ولا صبر، وجد من يقرأ اثنا عشر ساعة في الكتب، المسألة مسألة تحتاج إلى تعرف على الله في أوقات الرخاء وتقدم لنفسك ويعينك ربك، والنفس تحتمل وتنقاد إذا روضت على مراد الله -جل وعلا-.

"وأن أوتر قبل أن أنام" وهذا بالنسبة لمن يخشي أن لا يقوم من آخر الليل، وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- يوتر قبل أن ينام؛ لأنه يخشى أن تغلبه عيناه فيفوته الوتر، وعمر -رضي الله عنه- يوتر من آخر الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يوتر آخر الليل، وصلاة آخر الليل أفضل، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) والصلاة في الثلث الأخير في وقت النزول الإلهي لا شك أنها أفضل.

الحديث الثامن والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -‏:‏ ‏(‏(إن الدين يُسْر، ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فسَدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغُدْوة والروحة، وشيء من الدُّلَجة‏))‏ [متفق عليه]‏‏ وفي لفظ: ‏(‏(والقصدَ القصدَ تَبْلُغوا)‏)‏‏ [‏متفق عليه].

هذا الحديث حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الدين يسر)) الدين يسر، وليس فيه عسر، ((يسرا ولا تعسرا)) {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [(286) سورة البقرة] فديننا يسر، وهذه الكلمة ينبغي أن تنزّل في منزلها، في منزلتها اللائقة بها، ليس للإنسان أن يتنصل من التكاليف والواجبات استدلالاً بأن الدين يسر، إذا خرج عن المألوف وشق عليه قال: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج] نعم الدين لا شك أنه يسر، بمعنى أن جميع التكاليف ولاحظ كلمة تكاليف مع قوله -جل وعلا-: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] إذاً فيه تكليف، ليس معنى كونه يسر أنه لا يأتي بما لا تهواه النفوس، ويشق أحياناً على بعض الناس؟ لا، فيه تكاليف، وفيه ما يشق على النفوس، وفيه خلاف ما تهواه القلوب، وما جبلت عليه النفوس؛ لأن الدين دين تكاليف، وحفت الجنة بالمكاره، وصيام الهواجر في شدته لا بد منه؛ لكن إذا وصل الأمر إلى حدٍ لا يطيقه الإنسان لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أما أن يأتي ويقول: أنا والله لا أستطيع أترك الشاهي في نهار رمضان يقول: الدين يسر؟ نقول: لا يا أخي، أو أسوأ من ذلك أن يقول: لا أستطيع أن أترك الدخان، فلذا لا أصوم لأن الدين يسر، نقول: لا ما هو صحيح ، صيام رمضان ركن من أركان الإسلام لا بد منه، ولو كان على خلاف ما تهواه؛ لكن إذا وصل إلى حدٍ لا يطيقه الإنسان لا يمكن أن.... دين بشيءٍ لا يستطيع الإنسان الإتيان به، إن الدين يسر؛ لأن هذه الكلمة الآن صارت تتداول، يتداولها بعض من يروج للخروج من الدين، والانسحاب من الدين من أهل الزيغ، من المفتونين، يروجون بالنصوص الصحيحة الصريحة وينسون تكاليف، يعني يصل الحد ببعض العشاق مثلاً إلى قريب من الموت، نقول: الدين يسر اتصل بمن عشقت؟ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأنت ما تستطيع، افعل ما شئت، ما هو صحيح أبداً، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه، مهما كان الأمر، والدين يسر تقول: أنا والله ما أقدر أصلي مع الجماعة، الدين يسر، والرسول قال: ((صل قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) يبي يصلي فوق الفراش؟ نقول: لا يا أخي، حيث ينادى بها، ومع ذلك الدين يسر، ما كلفك بأمرٍ لا تطيقه، ما قال: صلاة الظهر ثلاث ساعات، صلاة الظهر ما تزيد على عشر دقائق، هل في هذا ما يشق؟ هل في هذا ما لا تطيقه الأبدان؟ لا، ومع ذلكم الدين تكاليف، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، نعم تأتي إلى المشروعات فتزيد عليها تنقطع، شيء شرعه الله -جل وعلا- فتزيد عليه، تقوم الليل كله، تصوم النهار كله، لا بد أن تنقطع، تكون كالمنبت، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، الدين يسر في جميع تكاليفه، عقائد، أصول الدين ميسرة مسهلة واضحة ولله الحمد، وكذلك فروعه، الصلوات في حدود المقبول والمعقول المطاق، واجعل لك فسحة إذا كنت تستطيع الزيادة من التنفل فانفع نفسك، وأكثر من ذلك إذا لم تستطع شغلك شاغل معذور، اشتغلت بأمرٍ مهم كذلك، اشتغلت بالأهم كذلك؛ لكن أما أن تترك كل شيء وتقول: الدين يسر، هذا أخذ إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- على عائشة وعندها امرأة اسمها الحولاء بنت تويت، تذكر من صلاتها وصيامها، ولها حبل إذا تعبت تستمسك به، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مه مه، اكففوا، عليكم من الدين ما تطيقون، فإن الله -جل وعلا- لا يمل حتى تملوا)) ولا شك أن الإكثار الذي يخرج عن حد المشروع مآله إلى الانقطاع، فسددوا وقاربوا وأبشروا، سددوا وقاربوا، وتنوع العبادات مقصود شرعي، تنوع العبادات من مقاصد الشرع، شرع نوافل الصلاة، شرع نوافل الصدقات، شرع النوافل للصيام، أما الأمور المفروضة الواجبة التي مكتوبة لا بد من القدر المشترك فيها على جميع المكلفين إلا العاجز، يبقى أن ما زاد على ذلك من النوافل تنوعت العبادات رحمةً ورفقاً بالعباد؛ لأن الناس يتفاوتون في ميولهم واتجاهاتهم، بعض الناس عنده استعداد يصلي مائة ركعة ولا يدفع ريال واحد، وبعض الناس عنده استعداد يصوم الأيام المتتابعة الهواجر ولا يدفع نزر يسير من ماله، وبعض الناس مستعد يدفع الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، هذا لا شك أنه من رحمة الله بعباده، الذي له ميول إلى الإنفاق ينفق، الذي له ميول إلى العبادات البدنية يتعبد، الحمد لله، ويبقى أن القدر المشترك بين الجميع الفرائض لا بد منها، والتفاوت هذا في النوافل، وأنتم تدركون أحياناً الإنسان عنده استعداد يجلس ساعتين ثلاث يقرأ عشرة أجزاء من القرآن، ثم جاء إلى صلاة الركعتين من أصعب الأمور، تشاهدون طلاب ومر عليكم مذاكرة وما مذاكرة، يجلس إلى الثلث الأخير من الليل، ثم يكون الوتر عليه ولو بثلاث ركعات أشق من الجبل، فالنفس أحياناً تنشط، وأحياناً تكسل، أحياناً تميل إلى العمل هذا، وأحياناً تميل...، وهذا التنوع نعمة ورحمة من الله -جل وعلا- بعباده، فسددوا وقاربوا، التسديد والمقاربة مطلوبة، يعني ابن عمر جاءه شخص مقبل راغب في العبادة وقال: إنه يريد أن يقرأ القرآن في كل يوم، قراءة القرآن في كل يوم ممكنة، وأثرت عن بعض السلف، وجاء عن عثمان أنه قرأ القرآن في ركعة وجاء عن كثير من التابعين أنهم يقرؤون القرآن في كل يوم، لا سيما في المواسم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) يا رسول الله أطيق أكثر من ذلك، ((اقرأه في الشهر مرتين)) ((اقرأ القرآن ثلاث مرات في الشهر)) ثم قال له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) في هذا درس ينبغي أن ينتبه له المربون، إذا جاءك شخص مندفع أكثر عليه يا أخي؛ لأنك لو أعطيته...، قال: أبا أقرأ القرآن في كل يوم اقرأ القرآن في ثلاث مثلاً، الرغبة تحدوه إلى أن يقرأ القرآن في كل يوم، وش اللي صار من ابن عمر؟ صار يقرأ القرآن في ثلاث، وأخيراً قال: ليتني قبلت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا جاءك شخص مندفع تمتص منه شيء؛ لأنك إذا أعطيته شيء بيزيد، وهذه طبيعة النفس، جبلت النفوس على هذا، إذا جاءك شخص متراخي ما يفتح القرآن يا أخي تقول: عثمان يقرأ القرآن في ركعة، وين أنت ما تفتح القرآن إلا في رمضان، إن تيسر لك جلست قبل الإقامة، وأنت طالب علم، والسلف حالهم مع القرآن كذا، تشجعه وتنهض من همته، فالمسألة مسألة علاج، وهكذا ينبغي أن يكون حال الداعية مع اختلاف المدعوين، أحياناً يكون الداعية في أوساط مفرطة متشددة، هؤلاء يحسن بالداعي أنه يلقي عليهم النصوص الواضحة في الوعد، فيهم من التشديد وفيهم من الشبه من الخوارج وفيهم كذا، يلقي عليهم نصوص الوعد، ويكثر من هذه النصوص ليمتص بعض ما عندهم، إذا كان بالمقابل في مجتمع متفلت ضايع، مفرطين، هؤلاء يعالجهم بنصوص الوعيد، ولذا جاءت النصوص الشرعية بهذا وهذا، وإلا بالإمكان أن ينزل القرآن على صفةٍ واحدة، على وصفٍ متوسط، لا إفراط ولا تفريط، لا وعد ولا وعيد على القدر المطلوب، لا؛ لأن النفوس ليست واحدة، النفوس ليست واحدة، لأنها لو جاءت على وتيرة واحدة كلها بالتوسط فلا بد من أن يشط يمين وإلا يسار، خليه يشط لليمين يعالج بنصوص اليسار، إن شط لليسار يعالج بنصوص اليمين، وبهذا تبرز وسطية هذه الملة، وسطية هذه الملة تبرز بمثل هذا، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما أراد أن يبين وسطية أهل السنة والجماعة ذكر المذاهب من الجهتين، فإذا كان الداعية في مجتمع يغلب عليه الإرجاء، يكثر من نصوص الوعيد، والعكس إذا كان في مجتمع فيه بعض الخوارج يكثر من نصوص الوعد، ويعالج كل بما يناسبه، ((فسددوا وقاربوا)) سددوا: الزموا السداد في أقوالكم وأفعالكم، في عباداتكم، في معاملاتكم، وقاربوا: احرصوا على القرب من الكمال، ((وابشروا)) بالوعد الذي رتب على هذه الأفعال.

((واستعينوا بالغدوة والروحة)) الغدوة السير أول النهار، والروحة السير آخر النهار، ((وشيء من الدلجة)) من الليل، فبهذا تقطع المسافات الحسية، فلنقطع هذه المسافة المعنوية في سيرنا إلى الله -جل وعلا- مستعينين بهذه التوجيهات النبوية، فنستغل أول الوقت الذي هو محل البركة، بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، يعني يستغله طالب العلم بما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وليكن نصيب القرآن في هذا الوقت هو الأوفر، وآخر النهار يتركه لما يقربه أيضاً من الله -جل وعلا- من علومٍ أخرى، ومن عباداتٍ متنوعة، ويأخذ من الليل نصيبه والباقي لشؤونه وحياته، ((وشيء من الدلجة)) وفي لفظ: ((القصد القصد تبلغوا)) المنبت يأتي حديث عهد استقامة والتزام، وعنده ردة فعل مما بدر منه من ارتكاب لبعض المحرمات، وترك لبعض الواجبات، وتساهل في بعض الأمور، تجده يأتي متحمساً؛ لكن يقال له: القصد القصد يا أخي؛ لأن مثل هذا إذا جاء مندفع لا يؤمن أن يمل ويترك، يقال له: القصد القصد.

الحديث التاسع والعشرون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏(حق المسلم على المسلم ست))‏‏ قيل‏:‏ وما هنّ يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ((إذا لقيته فسلّم عليه‏،‏ وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته‏،‏ وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعه‏)‏) [رواه مسلم]‏.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث التاسع والعشرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حق المسلم على المسلم ست)) ست خصال وبالاستقراء في النصوص نجد أن الحقوق كثيرة، والحصر في هذه الست لا شك أنه للعناية بها، ولا يليق بمسلمٍ أن يقول مثلما قال بعضهم في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) يقول: في هذا الحصر نظر، وهو ينظّر في كلام من؟ كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم ثبت أنه تكلم أكثر من ثلاثة؛ لكن هذا سوء أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، في الوقت الذي تكلم به النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يخبر إلا بهؤلاء الثلاثة؛ لأنه لا يعلم الغيب، ثم أخبر بعد ذلك بغيرهم، وهنا نقول: أن الحقوق كثيرة من أهمها هذه الست، التي تجمع خير الدنيا والآخرة، وتجلب الألفة والمودة بين المسلمين، ((لا تدخل الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) ولهذا قال في الخصلة الأولى: ((حق المسلم على المسلم ست)) قيل: يا رسول الله وما هن؟ فتصور أن واحد من الصحابة يسمع حق المسلم على المسلم ست ثم يخرج ما يعرف هذه الست، ما يمكن، لا بد أن يسأل، ولا بد أن يتثبت، ولا بد أن يستفصل، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه)) هذا هو الذي ينشر المودة والمحبة بين المسلمين، إذا لقيته فسلم عليه، في بلاد المسلمين الأصل في الناس الإسلام، في البلدان المختلطة على حسب ما يغلب على الظن، إن غلب على ظنك أن هذا مسلم ابدأه بالسلام، أما إذا بدأك بالسلامة فلا مندوحة لك عن الإجابة، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [(94) سورة النساء] لا، إذا ألقى عليك السلام تجيب، فإن غلب على ظنك أنه مسلم تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن غلب على ظنك أنه ليس بمسلم تقول: وعليكم، الجواب لا بد منه، إذا لقيته فسلم عليه، السلام له آداب والتوجيه الشرعي جاء بالأولى بالبداءة، الصغير يسلم على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والعدد القليل على الكثير، وهكذا؛ لكن إذا حرم الأولى مرّ شخص كبير وشخص صغير ما سلم الصغير، نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؛ لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم يقول: لا، الحق لي، وهذا يستعمله تستعمل في الأقارب بكثرة، تجد هذا أكبر من هذا يقول: لا أنا ما أزوره الحق لي، تجد هذا عمه وهذا ابن الأخ العم ما يزور ابن أخيه يقول: لا الحق لي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) ((إذا لقيته فسلم عليه)) السلام سنة مؤكدة عند أهل العلم، ورده واجب، {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] فإذا قال المسلم: السلام عليكم يقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله، إن زاد وبركاته في كل جملةٍ عشر حسنات، يخير المسلم بين التعريف والتنكير، فيقول: السلام عليكم، أو يقول: سلام عليكم، هذا بالنسبة في السلام على الحي، يخير بين التعريف والتنكير، السلام على غير المسلم، بداءته بالسلام، السلام الذي هو السلام المشروع في حق المسلمين لا تجوز بدائتهم بالسلام؛ لكن إذا سلم عليه بمثل ما جاء في القرآن والسنة، السلام على ما اتبع الهدى، هذا هو الأصل، ورد السلام ينبغي أن يكون بالأحسن، أو أقل الأحوال بالمثل، قال: السلام عليكم تقول: وعليكم السلام، والأحسن أن تقول: ورحمة الله وبركاته، ولا يجزئ عن هذا غير هذه الجملة، فإذا سلم فقال: السلام عليكم بعض الناس يقول: صباح الخير، بعض الناس يقول: أهلاً وسهلاً، كثير من الناس يقول: أهلاً وسهلاً، أو يقول: مرحباً، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أم هانئ جاءت وسلمت عليه، وأيضاً فاطمة ابنته، أم هانئ تقول: السلام عليك يا رسول الله فقال: من أنت؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بأم هانئ، وما نقل أنه رد السلام بلفظه، فمن أهل العلم من يرى أن الرد يجزئ بمثل هذا مرحباً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد بهذا، ويسقط به الواجب، والجمهور على أنه لا يسقط الواجب بمرحباً فقط، ولو لم تنقل للعلم بها، ما نقلها الرواة للعلم بها، ما نقلها الرواة للعلم بها؛ ولأنها وردت في أحاديث كثيرة.

((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه)) نعم، تجبر خاطره، تجيب دعوته، إذا لم يكن عليك مشقة أو ضرر أو يكن ثم منكر لا يمكن تغييره، لا سيما ما يتعلق بوليمة العرس، وقد أوجب الإجابة إليها أهل العلم؛ لكن شريطة أن لا يكون هناك منكر لا يستطاع تغييره، كثير من الأعراس في زماننا تشتمل على منكرات يوجد بعضها عند الرجال، وأكثر هذه المنكرات عند النساء، ومع الأسف الشديد أنه يوجد من نساء المسلمين وبنات المسلمين من يحضر مثل هذه الاجتماعات، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كاسيات عاريات)) وما يحصل من المنكرات والجرائم، وأمور لا تخطر على البال يعرفها إخواننا أهل الحسبة، فهذه مصائب يجر بعضها إلى بعض، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويحتاط لأهله، إجابة الدعوة مستحبة عموماً، متأكدة، أوجبها أهل العلم بالنسبة لوليمة العرس، ((وإذا دعاك فأجبه)) ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجبه، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل)) إن كان صائماً فليصل، يعني يدعو، الصلاة اللغوية، وإن كان قال بعضهم أن المراد به الصلاة الشرعية يصلي ركعتين وينصرف، على كل حال إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر وإلا فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأيضاً إذا كان الداعي ماله حلال، أما إذا كان ماله وكسبه حرام، فمثل هذا لا ينبغي إجابة دعوته، وإذا دعاك فأجبه، الصحابة -رضوان الله عليهم- دعا بعضهم بعضاً وأجابوا، ورجع بعضهم بسببٍ يسير، في أعيننا لا شيء، وجد ستاير على الجدران، سلمان وأبو الدرداء دعاهم ابن عمر فلما دخلوا وجدوا ستاير على الجدران، فرجعوا، ما كانوا يظنون بمثل ابن عمر الزاهد بزهده وورعه يضع ستائر على الجدران، وش ذا المنكر ذا الذي في عرفنا إيش يصير هذا؟ فيما نسمع وما نرى من منكرات يتداولها الناس من غير نكير، والله المستعان.

((وإذا استنصحك فانصح له)) تقدم في حديث الدين النصيحة ما يغني عن كثرة الكلام في كل الجملة، على كل حال إذا استنصحك طلب منك النصيحة، أراد أن يدخل في مشروع علمي وإلا تجاري وإلا أي... تنصحه، تمحضه النصيحة، إذا أراد أن يستشيرك في مصاهرة فلان، أو التزوج من فلانة أو ما أشبه ذلك يجب عليك أن تمحضه النصيحة، وأن تحب له ما تحب لنفسك.

((وإذا عطس فحمد الله فشمته)) إذا عطس، العطاس معروف، تخرج معه الأبخرة من الدماغ التي لو تراكمت لأضرت بالإنسان، فهذه نعمة، العطاس نعمة، العاطس يحمد الله شكراً على هذه النعمة ويستحق أن يشمّت، فإذا عطس فقال: الحمد لله يشمت فيقال: يرحمك الله، ويجيب العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، فهذه دعوات يتبادلها المسلمون، تدعو إلى الألفة والمحبة والمودة، وتجلب الأجور؛ لأن الإنسان إذا دعا لأخيه ثبت لهم من الأجر مثله.

((وإذا مرض فعده)) زيارة المريض وعيادته تظافرت بها النصوص، إن كانت زيارته وهو سليم ليس بحاجةٍ إليك من أفضل الأعمال، فكيف بعيادته إذا مرض اطمئناناً على صحته، وتأنيساً له، وتذكيراً له؟! ونقل النووي الإجماع على أن عيادة المريض سنة؛ لكن الإمام البخاري ترجم في قوله: باب وجوب عيادة المريض، وهنا الأمر صريح ((وإذا مرض فعده)) فعيادة المريض متأكدة لا سيما في حق من له عليك حق من الأقارب، والمعارف والأصهار وأهل الخير والفضل، ومن تريد أن تسدي له نصيحة في مثل هذا الظرف، عله أن يتدارك ما فات، فالأجور تتضاعف بما يحتف بها، ((وإذا مرض فعده)) ويعاد المريض ولو كان لا يعي، بعض الناس يقول فلان بالعناية جيت وإلا ما جيت ما في فرق، عدناه وإلا ما عدناه هو ما يدري عنا، وزيارة المغمى عليه سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- زار جابراً وهو مغمىً عليه، المقصود أن مثل هذا ينبغي أن تفطن له، ولا يحرم الإنسان نفسه، تجد كثير من الناس تمر عليه السنة ما زار المستشفيات، ولا زار المقابر مثلاً، القبور واتعظ وتذكر، ودعا لإخوانه، ولا عاد زار أقاربه ولا تبع جنازة، هذا حرمان، ونجد من بعض المسلمين من يتتبع الجنائز، ويصلي عليها، ويتبعها للأجر الثابت في ذلك، فيعود المرضى، ويحافظ على الواجبات، ويأتي بجميع ما ندب إليه من المستحبات، أو بجلها أو كثيرٍ منها، ويقرأ ويعلم، وهو أيضاً في عمله يعني البركة ما لها نهاية، ويوجد من المسلمين من يداوم الدوام الكامل، وله نصيب وافر من قراءة القرآن، ويدرس في كل يوم في آخر النهار، ويزور القبور، ويزور المرضى، ويجيب الدعوات، وله نصيب من قيام الليل، ومن التأليف، بعض الناس يقول: وش نلحق؟ تلحق يا أخي، بس مرن نفسك على برنامج معين، وانتهى الإشكال.

((وإذا مات فاتبعه)) تصلي عليه تحصل على القيراط وشيّعه، شارك في دفنه لتحصل على القيراط الثاني، لا يفرط في مثل هذه الأجور إلا محروم، والله المستعان.

الحديث الثلاثون: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً‏)‏) [رواه البخاري]‏.

الحديث الثلاثون: عن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) هذا فضل من الله -جل وعلا-؛ لأن المرض يعوق العبد عن مزاولة ما كان يعمله في حالة الصحة، فإذا حال المرض دونه ودون ما كان يعمله في حال الصحة كتب الله له من الأجر مثله، وقل مثل هذا فيما إذا سافر سفراً، والسفر محفوف بالمشقة، وهو قطعة من العذاب، كما جاء في الحديث الصحيح، يعوق المسلم عن ما يعمله في حال الإقامة، في حال السعة، ومن فضل الله -جل وعلا- أن يسر مثل هذه الأمور، وأعظم ما فيها الأجور، فإذا حصل للإنسان ما يعوق عن عمله الصالح ما كان يعمله في حال الصحة والإقامة فمن فضل الله -جل وعلا- أنه يكتب له، وهذا يدلنا على أنه لا بد من الاهتمام في العمل وقت الصحة والإقامة؛ لأنه إذا كان الإنسان ما عنده عمل في حال الصحة وش يكتب له في حال المرض؟ مثلما يكتب له وهو صحيح، كيف يكتب له؟ وما كان يعمل شيء في حال الصحة؟! إلا إسقاط الواجبات، المسألة مفترضة في مسلم يعمل الواجبات، ويترك المحرمات؛ لكن هذا فيه حث على الإكثار من الأعمال الصالحة في حال الصحة قبل المرض، وعلى المسلم أن يغتنم حال الصحة قبل المرض، يعني التنظير لمثل هذا شخص يعمل الأعمال الكثيرة، ويتنقل بأنواع العبادات القاصرة والمتعدية مرض يكتب له، لكن شخص ما يعمل شيء، أحياناً الدرجات في الاختبارات تقسم إلى قسمين تحريري وشفوي، يختبر الطالب التحريري وترصد له الدرجة، يضيق الوقت عن الاختبار الشفوي فيقول المدرس: ندبل الدرجة، هذا الذي ذاكر وأجاب جواب طيب في التحريري يستفيد؛ لكن الذي ما جاوب في التحريري وش يدبل؟ ومرة طالب من هذا النوع قال: يا شيخ أنا يصعب علي اختبار الشفوي، أنا أتلعثم، أنا ما عندي جرأة، دبل لي درجة التحريري، كيف يا أخي من مصلحتك أن تختبر شفوي، قال: لا أنا لا أطيق وما أدري إيش؟ من مصلحتك تختبر شفوي، قال: يا شيخ أنا لا أستطيع إن أدى الأمر إلى ذلك تركته، قلت: يا أخي أنت آخذ صفر في التحريري وش ندبل لك؟ ومثل هذا يا أخي الذي ما كان يعمل شيء في حال الصحة وش يكتب له في حال المرض؟ والذي لا يعمل شيء في حال الإقامة والسعة والراحة ماذا يكتب له في حال السفر؟ هذا حث على العمل في حال الصحة، ((اغتنم خمساً قبل خمس: صحتك قبل مرضك)) لا شك أن المرض يعوق ما دمت صحيحاً معافى، اغتنم هذا الأمر، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) إذا مرض وضعفت قواه، وثقل سمعه، وضعف بصره، يصل الحد إلى بعض الناس إلى أنه لا يستطيع أن يحمل المصحف، يا أخي استعمل جوارحك قبل أن تضعف، اغتنم حال الصحة والفراغ، لا تبلى بمرض ثم بعد ذلك كيف تعمل؟ تندم ولات ساعة مندم، ومثل هذا الفراغ الناس الحمد لله الآن في فراغ تام، وراحة بال، ما يغتنمون مثل هذه الأمور، ولذا الغبن هنا ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس)) تضييع للصحة وإهدار للأوقات، ثم بعد ذلك إذا انتبه في آخر الوقت إلى لا شيء.

((كتب له في ما كان يعمل صحيحاً مقيماً)) فإذا كان يعمل في حال الصحة ثم جاءه المرض وحال دونه ودون العمل ثم تحامل على نفسه مع العمل هذا ثوابه لا يقدر عند الله -جل وعلا- ثوابه عظيم، مثل هذا إذا كان معذور عن العمل، ثم تحامل على نفسه وعمل مثل هذا ثوابه لا شك أنه عظيم، ومثله لو سافر، الرواتب عند الجمهور لا تفعل في حال السفر؛ لأنها مضمونة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يداوم على النوافل، الرواتب في حال السفر إلا ركعتي الصبح والوتر؛ لأن الله -جل وعلا- تكفل بكتابتها؛ لكن من عاقه عن العمل ما هو أعظم من السفر مثلاً، عاقه الانشغال بأمور المسلمين العامة أو الأمور الخاصة، هذا لا شك أن أجره وثوابه عظيم، والله المستعان.

الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏أسرعوا بالجنازة‏،‏ فإن تك صالحةً فخير تقدمونها إليه‏،‏ وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)‏)‏ [متفق عليه]‏.‏

يقول -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعوا بالجنازة)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن المراد بالإسراع يعني بعد التأكد من الوفاة، ولذا يستحب أهل العلم أنه في موت الفجأة ينتظر الميت ولا يسرع به، حتى يتأكد من وفاته، وحصل بعض القضايا النادرة التي كتب التقرير على أنه مات وانتهى، ثم يتبين أنه ما مات، فله أسرع بمثل هذا كان الأمر خطير، فمثل هذا يتأخر به، ومثله من له من أقرب الناس إليه كان غائب مثلاً، مثل هذا ينتظر إذا كان قريباً، نقله من بلد إلى بلد يكون أيسر إلى أهله ومعارفه وذويه إذا لم يترتب عليه تأخير ومشقة، أيضاً هذا يرخص فيه بعض أهل العلم، فالأمر بالإسراع نسبي، ((أسرعوا بالجنازة)) يعني في تجهيزها والصلاة عليها، وتشييعها ودفنها، والعلة في ذلك فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، جنازة المسلم الصالح العبد الصالح المؤمن مثل هذا تأخيره جناية عليه؛ لأنها إذا كانت صالحة فستقدم على ثواب ما قدمته، فتقدم إلى مثل هذا الخير، وحجبها وتأخيرها عن هذا الخير جناية عليها، ((إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك -يعني غير صالحة- فشر تضعونه عن رقابكم)) لأن مجالسة غير الصالحين وبال، في حال الحياة وفي حال الممات، لا خير في مجالسة غير الصالحين، لا خير في مجالستهم لا في حال حياتهم ولا في حال مماتهم، إلا من أجل نفعهم ودعوتهم وهدايتهم، ((وإن تك غير ذلك)) فلننظر لهذا الوصف المؤثر في التقديم إلى الخير أو ضده، وهو الصلاح، فعلى المسلم أن يسعى في إصلاح نفسه، يسعى جاهداً في إصلاح نفسه ليقدم على خير، ولا يجتنب الصلاح ويتنكب الصراط المستقيم، وطريق الصالحين، فيسلك به المسلك الآخر، فالصلاح لا شك أن أثره في الحياة وبعد الممات، وإذا كان المرء صالحاً واتصف بهذا الوصف كم يجني من أجور غيره؟ كل مصلٍ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيدخل، وإذا حرم من هذا الوصف حرم من هذه الدعوة، ومع ذلك يَقْدم ويُقدم إلى خير، أما إذا لم يتصف بهذا الوصف حرم من ذلك كله، والله المستعان.

الحديث الثاني والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة‏،‏ وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق صدقة‏،‏ وليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة)‏)‏ [متفق عليه]‏.‏

هذا الحديث في الزكاة المفروضة، وفيه تحديد الأنصبة –أنصبة الأموال الزكوية- ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) من التمر والحبوب والثمار هذا مما يكال، هذا نصاب خمسة أوسق، والأوسق: جمع وسق، والوسق ستون صاعاً، فأقل من ثلاثمائة صاع لا زكاة فيها، هذا بالنسبة للزكاة المفروضة، أما المستحب فلو كان عند الإنسان صاع واحد وقسمه وبينه محتاج نصفين أجره عظيم عند الله -جل وعلا-؛ لكنه لا على سبيل الوجوب والإلزام، فالشرع حينما لاحظ حاجة المحتاج أيضاً لم يهدر حاجة المتصدق، بينما ما غفل عن حوائج الأغنياء، نعم لاحظ حوائج الفقراء وجعلها هي الباعث الحقيقي على مشروعية الزكاة، لكن أيضاً حوائج ومصالح الأغنياء غير مهدرة، فمن رحمة الله -جل وعلا- أنه جعل هذه الأنصبة، ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)) وهذا هو النصاب عند الجمهور، الحنفية لا يرون أن في ما يزكى من الحبوب والثمار والتمر والأطعمة ليس لها نصاب {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ((فيما سقت السماء العشر)) فيطلقون، يعملون بالنصوص المطلقة، ويقولون: إن مثل هذا الحديث زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عندهم، والآحاد -مثل هذا الحديث- لا ينسخ القطعي، {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] ما في تحديد بنصاب، وهذا هو المقطوع به، والحديث يقولون: آحاد، والزيادة على النص نسخ، والنسخ لا يكون إلا بمساوٍ، القطعي لا ينسخ إلا بقطعي؛ لكن أهل العلم قاطبة على أن أخبار الآحاد إذا صحت أنها يجب العمل بها، العمل بها واجب، ولو لم تبلغ حد القطع والتواتر، ولا يلزم من كونها أخبار آحاد أو لا تفيد العلم أنه لا يجب العمل بها، بل يجب العمل بها، وجوب العمل بأخبار الآحاد قول عامة من يعتد به من أهل العلم، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع، الحنفية يعملون بأخبار الآحاد، يعملون بها؛ لكنها عندهم هنا فيه شيء من التعارض، نعم التقييد والتخصيص فيه مشابهة للنسخ؛ لأنه نسخ جزئي للحكم، نسخ جزئي، إيش معنى نسخ جزئي؟ إذا خصصنا النص العام بدليلٍ يقتضي التخصيص أخرجنا بعض أفراده، وإخراجنا لبعض أفراد العام إلغاء، وهذا الإلغاء بدليل، فهو نسخ وإن لم يكن كلياً إلا أنه جزئي، ومثله التقييد، وعندهم أن النسخ لا يكون بين المراتب المختلفة من النصوص، فعامة أهل العلم على أن هذا تخصيص أو قل: تقييد، والتقييد ليس بنسخ، حتى عند من يقول: أن الآحاد لا ينسخ المتواتر ما يطبق عليه مثل هذا؛ لأن النسخ والتقييد ليس بنسخ، وإن كان جزئياً إلا أنه ليس بنسخ، على كل حال الراجح في المسألة معروف قول الجمهور.

((وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) هذا نصاب الفضة والورق هي الفضة، مضروبةً كانت أو غير مضروبة، فإذا كان عند شخص خمس أواقٍ والأوقية أربعون درهماً فيتحصل من المجموع مائتا درهم، هذا هو نصاب الفضة، ((وليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة)) يعني من الإبل، دون الخمس ما في، الخمس فيها شاة، العشر فيها شاتان، العشرون فيها ثلاث شياه، الخمسة والعشرون تبدأ زكاة الإبل بالإبل، وهكذا، والغنم لها نصاب، والبقر لها نصاب محددة في كتب الفروع، ولا تخفى عليكم، جاء تحديدها في حديث أنس وغيره، وحديث الجوامع الزكاة فيما كتب به أبو بكر إلى عماله في الصدقات، هذه الجوامع تبين الأنصبة.

الحديث الثالث والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ومن يستعفف يُعفّه الله‏،‏ ومن يستغن يُغنه الله‏،‏ ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله‏،‏ وما أعطِيَ أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)‏)‏ [متفق عليه]‏.

يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه-: ((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) الاستعفاف عما في أيدي الناس لا شك أن من فعله جاهداً وقهر نفسه على ذلك ما لم يصل إلى حد الضرورة لا شك أن الله -جل وعلا- يعنيه على العفاف، هذا جواب الشرط، وجاء الأمر به {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(33) سورة النــور] المقصود أن على المسلم أن يكون عزيزاً لا يهين نفسه، ولا يبتذل نفسه باستكفاف الناس، وطلب إعاناتهم، وبعض الناس يسهل عليه هذا الأمر ولأدنى شيء يسأل الناس، مثل هذا يبتلى، لا يعان على العفاف، وإنما يبتلى بالحاجة الدائمة.

((ومن يستغن يغنه الله)) من يستغن بما في يده، عما في أيدي الناس يغنه الله -جل وعلا-، فمن تعلق بالله -جل وعلا-، وأنزل حاجته بربه، وتوكل عليه، وقطع العلائق عن الخلائق، لا شك أنه سوف يعيش حياةً مطمئنة، ويتحقق له الموعود في هذا الخبر، من يستغن بالله -جل وعلا- عن خلقه يغنه الله.

((ومن يتصبر)) والصبر معروف، حمله على النفس، يتصبر على نفسه أن تتخلق بهذا الخلق الجميل فيتصبر إذا لم يكن الصبر عنده خليقة يتصبر ويجاهد نفسه على ذلك، فيحمل نفسه على الصبر على طاعة الله، ويحملها على الصبر عن معصية الله، ويحملها على الصبر على أقدار الله، فإذا وجدت عنده هذه الملكة، وهذه السجيّة فليحمد الله على ذلك، إذا لم توجد عنده يحمل نفسه عليها ويجاهد نفسه عليها، حتى تكون عنده خليقة وملكة ((يصبره الله)) يعنيه الله -جل وعلا- على الصبر، والصبر ثوابه عظيم، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [(155-156) سورة البقرة] والنصوص كثيرة، فلا بد من الصبر على طاعة الله، لا بد من الصبر عليها، لا يقول: الجادة طويلة ومن يبي يصبر على هذه التكاليف؟ الذي ما يصبر عليها يصبر على نار جهنم بعد، بعض الناس يقول: أيام حر شديد كيف نصبر على الصيام؟ وكيف نصبر على الجهاد في أيام الحر؟ يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [(81) سورة التوبة] يعني إن لم يصبر هذه الساعات وهذه الأيام، وعيده في جهنم، نسأل الله العافية، فليصبر على طاعة الله، وليصبر عن معصية الله، يقهر نفسه، لا شك أن الشهوات تنازع الإنسان، والنفس الأمارة، والشيطان إذا اجتمعت له هذه الأمور لا شك أنه تدعوه نفسه إلى ذلك، وتتوق إليه؛ لكن عليه أن يقهر نفسه، ويحمل نفسه على الصبر عنها، وإنما هي صبر ساعات، ثم بعد ذلك يبشر، بشر الصابرين، وليصبر على أقدار الله، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة عليه أن يرضى ويصبر ويحتسب الأجر من الله -جل وعلا-، فإن صبر له الأجر العظيم، وإن لم يصبر فالأمر بضد ذلك، فالأجر معلق بالصبر، من سخط فعليه السخط، على كل حال المصائب جاء فيها أنها مكفرات للذنوب، وقد يبتلى الإنسان بأمرٍ يخرج من ذنوبه بسببه، يخرج من ذنوبه كلها، والله -جل وعلا- يبتلي عباده، وقد يكتب لعبده منزلة لا يبلغها بعمله فيصاب ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) وحينئذٍ عليه أن يصبر ويحتسب لينال الأجر العظيم من الله -جل وعلا-.

منهم من يرى أن الثواب المرتب على المصيبة غير الثواب المرتب على الصبر، فالمصائب مكفرات، صبر أو لم يصبر، مكفرات عند بعض أهل العلم فإذا صبر كان له أجر الصبر وهو قدر زائد؛ لكن الجمهور على أنه إذا لم يصبر فلا أجر له، لا أجر له على هذه المصيبة، وقد يأثم إذا اقترن بذلك تسخط واعتراض وما أشبه ذلك، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، نعم؛ لأن الإنسان لا بد أن يعرض له أمور في حياته أمور كثيرة جداً في كل ساعة وفي كل يوم على خلاف ما تهواه نفسه، من طلبٍ، من طلب إيجاد فعل، أو طلب كف، على خلاف ما تهواه النفس، وقد يعتريه ما يعتريه؛ لكن إذا كان ممن أعطي الصبر وصبر على ما أمر به وصبر عما نهي عنه، وصبر على ما يعتريه أثناء حياته ومدة بقائه في هذه الدنيا، لا شك أنه اتصف بهذه الخصلة التي قال عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) لأن الصبر يحتاج إليه في كل لحظة، ما يمكن أن يستغني الإنسان عن الصبر والحياة كلها مجبولة على الكدر، طيب، في أمورك العادية إذا لم تصبر عندك سلعة تريد بيعها ما انباعت أول يوم وثاني يوم إيش بتسوي إذا ما جبلت على الصبر؟ تنتظر زيد من الناس تأخر، حصل له مانع وتأخر، إذا ما تصبر وش يصير؟ تحترق وبعدين وش الفايدة؟ وبعض الناس ينتظر شخص على موعد معه، يتأخر خمس دقائق يطلق ويدخل، يخرج ويقف على الرصيف ينتظر، وبعدين إيش النتيجة؟ استفاد شيء؟ ووصل الأمر ببعض الناس أنه إذا وقفت السيارة عند الإشارة نزل ومشى يخترق الإشارة حتى يصل صاحبه، وش يسوي هذا؟ وش يستفيد هذا؟ ما يستفيد شيء؛ لكن الصبر قهر النفس لا بد منه، لا بد أن تواجه ما يتطلب منك الصبر في كل لحظة من اللحظات، وما ضاق النفس ذرعاً بتأخر المواعيد إلا لأن حياتهم تكدرت، ومعايشهم تنغّصت، وما مرّنوا أنفسهم وجبلوا أنفسهم وقضوا أوقاتهم بما يرضي الله -جل وعلا-، يعني افترض أنك وعدت شخص الساعة خمس بيجي لك، تأخر إلى خمس وربع، الربع الساعة هذه عند بعض الناس تعادل أيام، عند بعض الناس يحترق، كاد أن يمزق ثيابه من ربع ساعة، لكن لو قال: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم خلال الربع هذه الساعة لتمنى أن يتأخر ربع ثاني؛ لكن ما عودنا أنفسنا على هذه الأمور، فمن عود نفسه على استغلال أوقاته بما يرضي الله -جل وعلا- ارتاح من كثيرٍ من هذه الأمور، أنت تنتظر فلان من أجل إيش؟ افترض أن فلان تنتظره يعطيك مال، لك عليه دين أن يعطيك حقك، تنتظره بفارغ الصبر؛ لكن تأخر عليك حصل له ما حصل وتأخر عليك، لو جئت بالباقيات الصالحات صارت أفضل بكثير مما يعطيك، ولو كانت الدنيا بحذافيرها، في هذه المدة التي تظنها أحلك الأوقات بالنسبة لك، فعلينا أن نتحلى بالصبر، وعلينا أن نعمر أوقاتها بما يرضي الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك لا يهمك إذا اتحليت بهذا وعمرت وقتك بما يرضي الله ما عليك يتقدم يتأخر أنا مرتاح، الآن بعض الناس من خيار الناس إذا سمع المؤذن خرج إلى المسجد؛ لكن إذا تأخر الإمام دقيقة واحدة وقع في محرمات، اشتغلت الغيبة بين الأخيار في روضة المسجد، سببها إيش؟ عدم الصبر، يا أخي خذ مصحف واقرأ، أنفع لك من كونك تتكلم في عرض أخيك، وما يدريك ما الذي عرض له؟ سبح وهلل، اكسب الأعمال الصالحة في حياتك، ومع ذلك هذا لا يعفي من يخلف الموعد، كما جاء في الحديث علامات: ((إذا وعد أخلف)) هذا لا يعفي من التبعة؛ لكن بالمقابل الطرف الثاني لو وظيفة، وهذا عليه حقوق، فالشرع جاء بما يعالج وضع هذا ووضع هذا، ما هو أحد يسمع مثل هذا الكلام ويعد الناس الساعة خمس ويتأخر ساعة بدون عذر وبدون شيء ويترك أخاه يحترق؟ لا يا أخي هذا ما هو مبرر، أنت وعدت لا بد أن تفي؛ لكن إذا حصل لك مانع أو قصرت وأنت مسؤول عن فعلك وتفريطك أخوك له وظيفة أخرى، يوجه بالكلام الثاني، والله المستعان، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"