كتاب الرجعة من سبل السلام (14)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 قال في البلوغ والشرح في كتاب الرجعة باب العدة والإحداد:

الحديث الخامس عشر: وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَبِيتَنَّ- مِنْ الْبَيْتُوتَةِ وَهِيَ بَقَاءُ اللَّيْلِ الرَّجُلُ عِنْدَ امْرَأَةٍ- إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِم"ٌ.

نعم، لا يجوز أن يخلو الرجل بغير محارمه، فإما أن يكون زوجًا، أو ممن تحرم عليه على التأبيد، مع انتفاء التهمة، وانتفاء المفسدة، وأمن الفتنة، يعني بعض المحارم أيضًا مع فساد الزمان قد لا يؤمن على محارمه، فلابد من الانتباه لمثل هذا القيد، فإذا وجدت التهمة حتى إذا وجدت التهمة من الأب لابنته أو من الولد لأمه أو العكس فلا يجوز أن يخلو بها، فكيف بالأجنبي؟! ومع الأسف أنه يوجد في بعض المرافق في بعض الدول تجد في الساعة الثانية من الليل بعد هزيع من الليل تجد شابًّا وشابة في الاستقبال أو غيرها... كوارث هذه، لابد أن يجري الشيطان منهم ما يجري؛ لأنهم ارتكبوا المحظور، فشؤم مخالفة الشرع يوقع فيما هو أشد -نسأل الله السلامة والعافية- فلا يجوز لأحدٍ أن يبيت حتى ولا يخلو، ولو لم يترتب على ذلك بيتوتة إلا إذا كان محرمًا لها.

أحسن الله إليك.

"وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَبِيتَنَّ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ وَهِيَ بَقَاءُ اللَّيْلِ رَّجُلُ عِنْدَ امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ قِيلَ: إنَّمَا خَصَّ الثَّيِّبَ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُدْخَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا. وَأَمَّا الْبِكْرُ فَهِيَ مُتَصَوِّنَةٌ فِي الْعَادَةِ مُجَانِبَةٌ لِلرِّجَالِ أَشَدُّ مُجَانَبَةً؛ وَلِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ الدُّخُولِ عَلَى الثَّيِّبِ الَّتِي يَتَسَاهَلُ النَّاسُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا، فَبِالْأَوْلَى الْبِكْرُ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «نَاكِحًا» أَيْ مُتَزَوِّجًا بِهَا".

"وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِالْمَحْرَمِ".

ناكحًا نكاح رغبة، وأعلن للناس وعرفه الجيران؛ ليرتفع المسلم بنفسه عن الظنة والتهمة؛ لأن بعض الناس وإن كان عاقدًا عقدًا شرعيًّا بشهود، والنكاح صحيح، لكنه يوقع نفسه مواقع التهم، ويبالغ في إخفاء النكاح؛ خوفًا من زوجته الأولى مثلاً أو من أهلها أو مداراةً لفلان أو علان، تجده يدخل خُفية ويخرج خُفية، كأنه مريب -نسأل الله العافية-.

 فالإنسان عليه أن يربأ بنفسه عن هذه المواقف، مواقف التهم؛ لأنه بهذا يسهل على من ليس كذلك، يسهل على من ليس لديه عقد، إذا رأى الناس فلانًا وهو بمنزلة القدوة، ومن طلاب العلم يدخل خُفية، وفلان عليه آثار الاستقامة يدخل خُفية، وتذرع بفلان وعلان، واختلط الحابل بالنابل؛ لكي يمنع الجميع، على المتزوج بعقدٍ صحيح ألا ينزل نفسه هذه المنزلة، وإنما يأتي في وضح النهار، والحمد لله، ولا هناك آثار مترتبة، يعني بحيث تكون بالغة، الحمد لله.

 مادام النكاح صحيحًا، فلماذا لا يدخل في النهار أو يدخل في أول الليل وما أشبه ذلك؟ ما الداعي إلى هذا الخوف الشديد من الزوجة أو ما أشبه ذلك؟

شخص يذكر أنه متزوج يسأل، ألجأته الزوجة الأولى أن يحلف أنه ليس في ذمته غيرها، ويسأل، ألزمته اليمين، وهي بذلك ظالمةٌ له، شرعًا ظالمة، والمظلوم له أن يعرِّض، يرتكب من المعاريض ما يرتكب، بخلاف الظالم؛ لأن الظالم لا تنفعه المعاريض، فسُئل: هل المرأة الثانية بنفس البلد؟ قال: لا لا في بلدٍ ثانٍ، قالت له: احلف ما في ذمتك غير -العجوز أم الأولاد بنية أنه لا يوجد في الرياض مثلاً- في ذمتي غيرك؛ لأنه مظلوم، والمظلوم له أن يورِّي بخلاف الظالم، لكن لو كان ظالمًا فما يجوز له أن يورِّي، هذا معروف عند أهل العلم، ويصل الخوف بالرجال إلى هذا الحد، والله المستعان.   

أحسن الله إليك.

"وَالْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِالْمَحْرَمِ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ ضَبَطَ الْعُلَمَاءُ الْمَحْرَمَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ يُحَرِّمُهَا".

إما بنسب، أو بسببٍ مباح، النسب معروف، العم، والخال، والأخ، وابن الأخ، ومن هو أولى منهم، هذا بنسب. وبسبب المصاهرة: بالوطء في نكاحٍ صحيح كأم الزوجة، والربيبة التي وطئت أمها، هذا سبب مباح، لكن لو وطئت بسببٍ محرم لا أثر له في المحرمية؛ ولذا أهل العلم يفرِّقون بين البكر والثيب، أن الثيب من وطئت بنكاحٍ صحيح، بخلاف من وطئت بسببٍ محرم.

"فَقَوْلُهُ: عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ".

لأن تحريم نكاحهن مؤقت لا على التأبيد، مادامت زوجته القريبة لهؤلاء في عصمته، يحرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها، بينها وبين أمها، بينها وبين عمتها وخالتها، لكن لو حصل الفراق جاز له أن ينكح أختها، جاز له أن ينكح عمتها، جاز له أن ينكح خالتها، وهكذا، بخلاف الأم فإنه تحريم مؤبد.  

"وَقَوْلُهُ: بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ عَنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا".

فليست محرمًا، وإن كانت محرمةً عليه على التأبيد. 

"فَإِنَّهَا حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، لَكِنْ لَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ، فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَا مُحَرَّمٌ، وَلَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ".

نعم (لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ)، نكاح الشبهة أن يطأ امرأة يظنها زوجته، يعني يغلطون، يكون الحفل فيه أكثر من زواج يغلطون، فيدخل هذا على زوجة أخيه، والثاني على زوجة أخيه، فيحصل الوطء، هذا ليس بزنى؛ لأنه ليس بفعل مكلف، ليس بمقصود، ولا متعمد، هذا شبهة، فإن نشأ عنه ولد ينسب إليه؛ لأنه ولد شبهة، أما الوطء الذي لا شبهة فيه، بل هو محرم فهذا لا أثر له.  

"فقَوْلُهُ: يُحَرِّمُهَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمُلَاعَنَةِ، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا لِحُرْمَتِهَا بَلْ تَغْلِيظًا عَلَيْهَا. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِيتَنَّ» أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ عِنْدَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي النَّهَارِ خَلْوَةً، أَوْ غَيْرَهَا".

نعم، هذا يؤخذ من مفهوم الحديث، لكنه معارض بمنطوقاتٍ كثيرة، هذا مفهومه تحريم البيتوتة، والبيتوتة إنما تكون بالليل، لكن لو دخل عليها النهار فما فيه إشكال، هذا المفهوم معارضً بمنطوقات كثيرة.

طالب:.........

زوجة الخال لا، لا على التأبيد ولا المؤقت، يجوز أن يتزوجها، يجمع بين امرأته وبين زوجة خاله، ما فيه إشكال.

 "لَكِنَّ الحديث السادس عشر: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَهو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ".

قلنا: إن هذا التكرار ممل، ولا يوجد في أصل الكتاب، وإنما هو مقحم من الطابعين، فلو تجاوزناه كان أولى.

"دَالّ عَلَى تَحْرِيمِ خَلْوَتِهِ بِهَا لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا، وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ وَزِيَادَةٌ، وَأَفَادَ جَوَازَ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ مَحْرَمِهَا، وَتَسْمِيَتُهَا خَلْوَةً تَسَامُحٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِع".

إذا وجد ما يرفع الخلوة جاز العمل إذا أُمنت الفتنة، لا بد مما يرفع الخلوة، بوجود المحرم، محرمها هي لا محرمه هو، بعض العلماء يقول: محرم للرجل يكفي، والمقصود هو محرم المرأة هو الذي يدافع عنها، ويزود عنها، بخلاف وجود محرم للرجل، نعم تنتفي الخلوة، لكن مع ذلك لا يوجد المحرم المشترط في الحديث.

 ولابد من أن يكون المحرم نبيهًا؛ لأن بعض المحارم ليس بنبيه، يمكن أن يُخرج على ما يقولون، وجمعٌ من أهل العلم يرون أن الأعمى لا يكفي  محرمًا، مع أن بعض العميان أشد نباهة من كثير من المبصرين، فمرد ذلك إلى شدة التحري والاحتياط والحذر، والغيرة على المحارم.

طالب:.........

إلا مع محرمٍ لها؛ لأنه هو الذي يحوطها ويغار عليها.

طالب:........

نعم.

طالب: .......

ما فيه خلوة مادام معه غيرها في داخل البلد ما فيه سفر، لكن السفر لا، لو مثلاً شخص ينقل مدرسات مسافة قصر فأكثر، فهذا لابد من محرم لكل واحدةٍ منهن، لا يجوز أن يسافر بامرأةٍ من غير ذي محرم، ولو ارتفعت الخلوة، وكثر العدد.

أحسن الله إليك.

"الحديث السابع عشر: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ اسْمُ وَادٍ فِي دِيَارِ هَوَازِنَ، وَهُوَ مَوْضِعُ بقرب حُنَيْن".

قرب حنين أم حرب حنين؟

عندي: موضع بقرب حنين.

طالب: وما معنى موضع حرب حنين؟

يعني الذي وقعت فيه غزوة حنين، الذين يعرفون الأماكن هناك يقولون: هو قريب جدًّا من الشرائع.

"وَقِيلَ: وَادِي أَوْطَاسٍ غَيْرُ وَادِي حُنَيْنٍ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ»".

تضع ما في بطنها.

"«وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً»".

حيضةً واحدة، يعني المسبية يكفي فيها الاستبراء بحيضةٍ واحدة.

"أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ»، إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي. وَفِيهِ كَلَامٌ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ".

شريك مع أنه مخرجٌ له في صحيح مسلم، إلا أنه في حديث الإسراء قال أهل العلم: إنه قدَّم وأخَّر، مسلم يقول هذا:  قدَّم وأخَّر، وزاد ونقص، وعُدَّت أوهامه في حديث الإسراء فبلغت عشرة، ذكرها ابن القيم في الهدي، وابن حجر في فتح الباري، ومع ذلك يبقى أن حديثه يصلح إذا توبع.

"وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّابِي اسْتِبْرَاءُ الْمَسْبِيَّةِ إذَا أَرَادَ وَطْأَهَا بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ؛ لِيَتَحَقَّقَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا، وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَقِيسَ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ الْمُشْتَرَاةِ وَالْمُتَمَلِّكَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّمَلُّكِ بِجَامِعِ ابْتِدَاءِ التَّمَلُّكِ".

فإذا اشترى جارية يكفيه أن يستبرئها بحيضة.

"وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» عُمُومُ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، فَالثَّيِّبُ لِمَا ذَكَرَ، وَالْبِكْرُ أَخْذًا بِالْعُمُومِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْعِدَّةِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ".

"وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا. وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، وَهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ عَذْرَاءَ لَمْ تستبرأ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَأَخْرَجَ فِي الصَّحِيحِ مِثْلَهُ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ".

لأن الاستبراء علته معقولة، احتمال الحمل وارد، فإذا ارتفعت هذه العلة ارتفع الحكم، لكن عامة أهل العلم على أنها تُستبرأ بحيضة، ولو تُيقن براءة رحمها، نقترض أنها بيعت لشخصٍ عقيم لا يولد له، فهل نقول: إن مثل هذه ما تحتاج إلى استبراء، ولا تحتاج إلى عدة إذا طلقت؟ لا، يعني من العلل -لأن العلة مركبة وليست مفردة- من العلل جزء العلة استبراء الرحم، وبقية العلة ما للزوج من حق، الزوج الأول له حق، فلابد من تكامل أجزاء العلة.

"وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَفْهُومُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعٍ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحُ ثَيِّبًا مِنْ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ». وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ عَلَى تَفْصِيلٍ أَفَادَهُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِهِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ الْجَامِعَ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ، فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَكُلُّ مَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهَا حَامِلًا، أَوْ شُكَّ فِي حَمْلِهَا، أَوْ تُرُدِّدَ فِيهِ فَالِاسْتِبْرَاءُ لَازِمٌ فِيهَا، وَكُلُّ مَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ حُصُولُهُ فَالْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي ثُبُوتِ الِاسْتِبْرَاءِ وَسُقُوطِهِ.

 وَأَطَالَ بِمَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ مَأْخَذَ مَالِكٍ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ بِالْبَرَاءَةِ، فَحَيْثُ لَا تُعْلَمُ، وَلَا يُظَنُّ الْبَرَاءَةُ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَحَيْثُ تُعْلَمُ، أَوْ يُظَنُّ الْبَرَاءَةُ، فَلَا اسْتِبْرَاءَ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْحَمْلُ، أَوْ تَجْوِيزُهُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي السَّبَايَا، وَقِيسَ عَلَيْهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ".

ولا فرق إذا كانت مملوكة لشخص، وانتقل ملكها إما ببيعٍ أو هبةٍ أو إرث أو سبي، كل هذا لابد فيه من الاستبراء، والجزم ببراءة الرحم، كل هذا يدل على أن الحامل لا تحيض، وما ينزل عليها من الدم ليس بحيض، إنما هو دم فساد، إذ لو كانت تحيض ما كان الدليل على براءة رحمها الحيض.

أحسن الله إليك.

"وَذَهَبَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي غَيْرِ السَّبَايَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَوَقَفَ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ وَنَحْوَهُ عِنْدَهُ كَالتَّزْوِيجِ".

وعلى هذا يلزم على قول داود أن لا تباع إلا بعد الجزم ببراءة رحمها كالمتزوجة.

"وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ أَحَادِيثِ السَّبَايَا جَوَازُ وَطْئِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي حِلِّ الْوَطْءِ إلَّا الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ، أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ".

أما إن كانت من أهل الكتاب فلا إشكال، وإن كانت مشركةً فالنص على تحريم نكاح المشركة في القرآن.

"فالَّذِي قَضَى بِهِ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ وَعَمَلُ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يقضي جَوَازُ الْوَطْءِ لِلْمَسْبِيَّةِ مِنْ دُونِ إسْلَامٍ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا طَاوُسٌ وَغَيْرُه".

"وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِدُونِ الْجِمَاعِ، وَعَلَيْهِ دَلَّ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ يَوْمَ جَلُولَاءَ كَأَنَّ عُنُقَهَا إبْرِيقُ فِضَّةٍ، قَالَ: فَمَا مَلَكْت نَفْسِي أَنْ جَعَلْت أُقَبِّلُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ".

هذا ليس بصحيح، وليس في البخاري أيضًا، هذا كلام لا يثبت عن ابن عمر، وليس في البخاري.

طالب: .......

ما عليه تعليق؟

طالب: ذكر في التاريخ الكبير.

العبرة بالصحيح إذا قال: أخرجه البخاري، فأين يذهب الناس؟

طالب:........

ولا يثبت عن ابن عمر -أقبلها والناس ينظرون- مستحيل.

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.