شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الحج - 07

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب الحج ضمن شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: بقي معنا -أحسن الله إليكم- في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في باب وجوب الحج وفضله، بقية أطراف الحديث، وعدنا الإخوة أن نستكملها في هذه الحلقة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا الحديث خرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في خمسة مواضع من صحيحه:

الموضع الأول: في كتاب الحج، في باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران 97].

قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان الفضل رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاءت امرأة من خثعم ... الحديث بتمامه على ما تقدم، وتقدم ذكر مناسبته، والربط بين الحديث والترجمة.

الموضع الثاني: في كتاب جزاء الصيد، في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة، في كتاب جزاء الصيد، وهو جزء من كتاب الحج.

المقدم: يعني ما أفرد كتابًا خاصًّا بجزاء الصيد؟

كيف؟

المقدم: كتاب خاص بجزاء الصيد أم هو جزء من كتاب الحج؟

هو سماه كتاب، وعرفنا مرارًا أن محمد فؤاد عبد الباقي عمد إلى تقسيم البخاري إلى سبعة وتسعين كتابًا لتتوافق مع المعجم المفهرس؛ ليخدم بذلك طلاب العلم، وإلا فما علاقة الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة بكتاب جزاء الصيد؟

المقدم: صحيح.

نعم.

المقدم: هو الأصل أن يكون كتاب الحج.

وجزاء الصيد في كتاب الحج أيضًا، يعني باب من أبواب الحج، كما تقدم لنا أنه أدخل كثيرًا من أبواب الصلاة في كتاب الأذان؛ ليتوافق ترقيمه مع المعجم المفهرس؛ لكي يخدم طلاب العلم.

يقول: كتاب جزاء الصيد في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة:

قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل بن عباس.

في السياق الأول عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل.

المقدم: الراوي ابن عباس.

يعني الحديث من مسند ابن عباس، عبد الله بن عباس، وهنا الحديث من مسند الفضل، والرواية الأخرى في هذا الباب قال؛ لأنه فيه حاء التحويل هنا، ح وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، هنا من الأول قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ح حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة حدثنا ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأة من خثعم ... الحديث.

أولًا: هذه الحاء يسمونها حاء التحويل، لكن هل هنا من فائدة من ذكرها هنا؟ لماذا؟ لأنه بعد نهاية الإسناد، ما تختصر لنا شيئًا، فهذا يرجح أن ...

المقدم: أن الحاء هنا ليست للتحويل.

إنما هي الحديث على ما يقول المغاربة، الحديث.

في الإسناد الأول الطريق الأول عن ابن عباس عن الفضل بن عباس، فهو من مسند الفضل، ورواية الباب التي شرحناها هي من مسند عبد الله بن عباس.

الرواية الأخرى في الباب الثاني الحج عمن لا يستطيع أيضًا هي من مسند عبد الله بن عباس، ابن عباس تقدم لنا أنه ممن قدمه النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الضعفة، فيحتمل أن يكون لم يشهد هذه القصة، وإنما سمعها من أخيه.

وعلى افتراض كونه لم يشهد هذه القصة وتعبيره بقوله: كان الفضل، تكون إيش؟ يعني ابن عباس يحكي قصة لم يشهدها.

المقدم: مرسل صحابي.

مرسل صحابي، وهو مقبول بالاتفاق، ما خالف في هذا إلا أبي إسحاق الإسفرائيني، ونقل الاتفاق على أنه مقبول.

أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ

قال: جاءت امرأة من خثعم ... الحديث، والمناسبة الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة.

المقدم: للباب ظاهر.

نعم ظاهرة.

المقدم: لكن للكتاب؟

قلنا: إن جزاء الصيد جزء من كتاب الحج، والمراد الحج عمن لا يستطيع دخوله في الكتاب الأعم.

الموضع الثالث: في كتاب جزاء الصيد أيضًا، باب حج المرأة عن الرجل.

قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم ... الحديث.

والمناسبة ظاهرة حج المرأة عن الرجل، هذه المرأة الخثعمية تسأل عن الحج عن أبيها، وفيه رد على من زعم كالحسن بن صالح أن حج المرأة لا يصح عن الرجل؛ لأنها تلبس ما لا يلبسه الرجل، فالحديث رد عليه.

الموضع الرابع: في كتاب المغازي، في باب حجة الوداع.

قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثني شعيب عن الزهري، وقال محمد بن يوسف: حدثنا الأوزاعي قال: أخبرني ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس، الحاء هذه تنفع، تكون حاء تحويل هنا؛ لأنها اختصرت.

وقال محمد بن يوسف، مر بنا مرارًا أن البخاري إذا قال: وقال، جزم بذلك هل هو من قبيل المتصل أو من قبيل المعلق؟

المقدم: المتصل إذا جزم.

محمد بن يوسف من شيوخه، وروى عنه بصيغة التحديث، وجزم به، جزم بالنسبة إليه، وقال، فهل هو بمنزلة قوله: حدثنا محمد بن يوسف أو أنه معلق؟ ولو أراد الاتصال لقال كما هي العادة: حدثنا محمد بن يوسف، مرت بنا مرارًا هذه المسألة، وعرفنا أن رأي ابن الصلاح والحافظ العراقي، وجمع من أهل العلم أنها تحمل على الاتصال، وأن حكمها حكم العنعنة، تحمل على الاتصال بالشرطين المعروفين: أن يبرأ الراوي من وصمة التدليس، وأن يكون الراوي قد لقي من روى عنه، أو عاصره على مذهب مسلم.

المقدم: وكلاهما متحقق.

وهنا البخاري روى عن محمد بن يوسف ولقيه، وهو أبعد أو من أبعد خلق الله عن التدليس، ابن القيم -رحمه الله- يقول: "هو أبعد خلق الله عن التدليس"، لكن لو قال: عن كان أحوط.

. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي

عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ

الحافظ ابن حجر كأنه يميل إلى أنها من نوع المعلق المجزوم به، وهكذا يدل صنيع المزي في تحفة الأشراف على أنه من باب التعليق المجزوم به، ولذلك يعلم على مثل هذا بعلامة التعليق: خت، خاء تاء، وعلى كل حال سواءً كان موصولًا أو معلقًا فهو مجزوم به، وثبت وصله من طرق كثيرة سمعناها.

وقال محمد بن يوسف: حدثنا الأوزاعي، قال: أخبرني ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من خثعم استفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والباب باب حجة الوادع، والكتاب المغازي، ما دخل حجة الوداع؟

مناسبة الحديث للباب ظاهرة، استفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والباب باب حجة الوداع، المناسبة ظاهرة، لكن ما مناسبة حجة الوداع لكتاب المغازي؟

المقدم: خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- في جمع.

نعم.

المقدم: يعني هم يعتبرون خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل المغازي.

يدخلون أحواله وشمائله، وبعض أخباره في مغازيه -عليه الصلاة والسلام-، ولو ذهبنا إلى أبعد من هذا قليلًا فقلنا: إن الحج جهاد، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج، فهو باب من أبواب الجهاد، حجة الوداع جهاد من هذه الحيثية.

الموضع الخامس: في كتاب الاستئذان، في باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور 27] الآيات.

وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن -الحسن البصري- وسعيد أخوه: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن قال: اصرف بصرك عنهن، يقول الله -عز وجل-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور 30 ] قال قتادة: عما لا يحل لهم {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور 31] خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه.

كتاب الاستئذان، ثم ذكر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} [النور 27] الآيات.

وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن -الحسن البصري- وسعيد أخوه: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن قال: اصرف بصرك عنهن.

المقدم: يعني فيه ملمح.

يعني بصرك عنهن فيه صرف بصر من؟ الفضل.

المقدم: والاستئذان غالبًا يمنع الإنسان من أن يقع بصره.

بصره نعم.

المقدم: أن يقع بصره على ما لا يحل له.

يقول الله -عز وجل-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور 30] قال قتادة: عما لا يحل لهم.

{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور 31] خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه.

نحن ذكرنا مرارًا أن البخاري إذا مرت أدنى مناسبة لكلمة في رواية أخرى، أو في آية من القرآن، فإنه يفسر فيها غريب الحديث، وغريب القرآن.

وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة.

يعني ليس العبرة بالسن، وإنما العبرة بلفت أنظار الرجال، وتحريك شهوتهم، كثير من الناس يحضر بنته التي تناهز الاحتلام كاشفة في المجالس، أو في الأسواق والطرقات، وإذا سئل قال: لا، ما كلفت، يعني هل الذي يريد أن ينظر إليها يطلب من هذا الرجل دفتر العائلة لينظر متى كان ميلادها؟! لا، أبدًا، هي مجرد ما تفتن الرجال تحجب، ولذا يقول: وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة.

وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا لمن يريد أن يشتري، حتى الجواري، وإن لم يكن عليهن حجاب.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سليمان بن يسار، قال: أخبرني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أردف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته ... الحديث.

المناسبة: يعني ما قدمه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في الباب يرتبط بعضه ببعض، الآية {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور 27] وثيقة في الاستئذان، وقول سعيد بن أبي الحسن لأخيه الحسن: إن نساء العجم، فقال: اصرف بصرك، له ارتباط بالحديث، وكلام قتادة والزهري كله له ارتباط وثيق بالحديث، وكذلك النظر إلى الجواري في كلام عطاء وكراهيته ذلك.

لكن ارتباط الحديث بكتاب الاستئذان؟

المقدم: ما يفهم ما قلت يا شيخ، ما هو بقريب منه.

ماذا يقول؟

المقدم: يعني الآن الاستئذان في الغالب أنه سبب لمنع الإنسان أن يقع بصره على ما لا يحل له.

ولذلك جاء في الحديث الصحيح: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر».

المقدم: البصر، والحديث فيه أن الفضل صرف بصره.

فيه صرف البصر، فتبينت المناسبة في هذا الحديث صرف النبي -عليه الصلاة والسلام- وجه الفضل لما طفق ينظر إلى المرأة، ففيه التوجيه العملي بغض البصر، ولا يخفى أن الاستئذان إنما شرع من أجل البصر.

ترجم الإمام البخاري في كتاب الاستئذان: باب الاستئذان من أجل البصر، وذكر فيه حديث سهل بن سعد وفيه: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» فالارتباط وثيق بين النظر إلى الأجنبيات مع الاستئذان.

قال -رحمه الله- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حتى تستوي به قائمة.

نعم راوي الحديث الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب تقدم ذكره مرارًا.

وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج 26 - 27] فجاجًا: الطرق الواسعة.

المقدم: هذه الترجمة كاملة للباب؟

نعم، يقول: باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج 26 - 27] فجاجًا: الطرق الواسعة.

فجاجًا هذه جاءت في ماذا؟ {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} [نوح 20] فجاءت في القرآن، وفسرها البخاري -رحمه الله تعالى- هنا للمناسبة، فسرها للمناسبة.

يقول ابن حجر: قيل إن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطًا للوجوب، ولذا قال: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج 27].

وقال ابن القصار: في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل، فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل، وهو خلاف الآية، انتهى، وفيه نظر.

أقول: لا شك أن الراحلة شرط بالنسبة لبعض الناس، وليست بشرط بالنسبة لقوم آخرين، كيف؟

المقدم: حسب القدرة.

نعم، شرط لمن لا يستطيع المشي، وأما من يستطيع الوصول إلى المشاعر مشيًا، فإن الراحلة ليست شرطًا في حقه.

وأما ما جاء في تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة فهو ضعيف.

ولذا بدأ الله -عز وجل- بالرجال قبل الركبان.

قال بعضهم فيما نقله ابن حجر: مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق، والركوب مناسب لقوله: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج 27].

نعم، ذو الحليفة فج عميق، وكونه -عليه الصلاة والسلام- يركب راحلته يناسب ركبانًا، ففيه مناسبة.

يقول: مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب مناسب لقوله: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج 27].

وقال الإسماعيلي: "ليس في الحديثين" اللذين ذكرهما الإمام البخاري هذا الحديث والحديث الذي يليه أن إهلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذي الحليفة حين استوت به راحلته، حديث جابر.

المقدم: وهو ليس عندنا في المختصر.

ليس في المختصر يغني عنه حديث ابن عمر.

يقول الإسماعيلي: ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به، ورد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل.

وقال العيني: مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ذكر الركوب وذكر الفج العميق.

أما الركوب فهو قوله: يركب راحلته، وأما الفج العميق فهو ذو الحليفة؛ لأنه لا شك أن بينها وبين مكة عشر مراحل، فهو فج عميق، يعني بعيد، واختلف أهل العلم في الركوب والمشي أيهما أفضل؟ أيهما أفضل الركوب أو المشي؟

فقيل: المشي أفضل؛ لأن الله -عز وجل- بدأ به، ولما فيه من التعب والنصب، يعني الحج مشيًا أكثر تعبًا من الحج ركوبًا.

المقدم: والتعب مطلوب في الحج؟

يأتي هذا.

وقال الجمهور: الركوب أفضل؛ لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولكونه أعون على الدعاء والابتهال؛ ولما فيه من المنفعة.

أقول: التعب ليس مقصدًا شرعيًّا لذاته، لكن التعب إذا وجد تبعًا لما أمر به أجر الإنسان عليه، كما جاء في الحديث: «أجركِ على قدر نصبكِ» هذا إذا كان تابعًا للعبادة، أما يتعب الإنسان لذات التعب ليس هدفًا شرعيًّا، الله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، ولذا لو قال شخص: أنا بيني وبين المسجد مائة خطوة، لماذا لا أدور على الحي لأكسب ألف خطوة؟ نقول: لا؛ لأن التعب ليس مطلوبًا لذاته، وقد يقول: لماذا وبيني وبين مكة ما يقرب من ألف كيلو، أدور على الجزيرة لأمشي في سيارتي عشرة آلاف كيلو وأتعب، أتعب نفسي، وأكلل راحلتي لأزداد من الأجر، نقول: لا، الأجر إنما يثبت للتعب إذا جاء تابعًا لعبادة.

وهذا الحديث مختصر، حديث الباب مختصر من رواية سبقت في كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين، فذكره الإمام هناك مطولًا، واقتصر منه هنا على قدر الحاجة فقط.

قوله: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركب راحتله" الراحلة المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، ويقال أيضًا للناقة التي تصلح لأن ترحل، قاله الكرماني.

وقال العيني: الراحلة من الإبل: البعير القوي على الأسفار والأحمال والذكر والأنثى فيه سواء، والهاء فيه للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة، وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت بتميزها.

"بذي الحليفة" في معجم ما استعجم للبكري يقول: ذو الحليفة تصغير حلفة، وهي ماء بين بني جشم بن بكر بن هوازن، وبين بني خفاجة العقيليين، بينه وبين المدينة ستة أميال، وقيل: سبعة، وهو كان منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من المدينة لحج أو عمرة؛ فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد، الذي بذي الحليفة اليوم، فإذا قدم راجعًا هبط بطن الوادي، فإذا ظهر من بطن الوادي أناخ بالبطحاء.

المقدم: وهو معروف عند العرب.

معروف.

المقدم: يعني قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

هو موضع معروف، نعم.

وفي فتح الباري يقول: ذا الحليفة بالمهملة والفاء مصغرًا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم، ابن حزم حج أم ما حج؟ ما حج، وتقديره لهذه المسافات بالنقل عن غيره، يعني بين مكة والمدينة كم كيلو؟ أربعمائة كيلو.

المقدم: وبين ذي الحليفة ومكة مائتا ميل على كلامه، مائة وثمانية وتسعون ميلًا.

أين؟

المقدم: بين ذي الحليفة ومكة.

مائة وثمانية وتسعون ميلًا، والميل؟

المقدم: كيلو وزيادة.

كيلوين إلا ثلث، ألف وسبعمائة تقريبًا، فيكون مقدارها ثلاثمائة وأربعين تقريبًا، لا شك أن الطرق والمسالك تختلف، لا يمكن ضبطها. وقال غيره: بينهما عشر مراحل.

المقدم: والمرحلة؟

المرحلة مسافة أربعين كيلو؛ لأن اليومين القاصدين هي مسافة القصر قدروها بثمانين كيلو، فعشر مراحل مقاربة.

وقال النووي: بينها وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال: بينهما ميل واحد، وهو ابن الصباغ.

وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة، خراب، وبها بئر يقال لها: بئر علي.

"ثم يهل" الإهلال رفع الصوت بالتلبية، قال الزمخشري في الفائق: الإهلال رفع الصوت بالتلبية، ومنه: إهلال الهلال واستهلاله، إذا رُفع الصوت بالتكبير عند رؤيته، واستهلال الصبي تصويته عند ولادته.

"حتى تستوي به الراحلة" واستواؤها كمال قيامها، قائمة حال، وموضع الإهلال إهلال النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه كلام طويل، وفيه روايات، ولا بد من التوفيق بينها.

المقدم: يعني نتركها إلى حلقة أخرى؟

نعم.

المقدم: النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع واعد الناس في ذي الحليفة، أم واعدهم في أثناء الطريق؟

لا، قدموا المدينة، منهم من قدم المدينة، ومنهم من أدركه بذي الحليفة، ومنهم من أدركه بعد ذلك، لكنهم بذي الحليفة كما يقول جابر مد البصر.

المقدم: كثروا.

كثروا جدًّا.

المقدم: والذين لم يأتوا على طريقه أحرموا من المواقيت التي عرفوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حددها.

التي حددت لهم.

المقدم: يعني مثل الذين أتوا من اليمن؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث الخثعمية أو غيرها جاءوا من اليمن، أو بعض الأقوام جاءوا من اليمن.

نعم كل هذا يأتي في حديث المواقيت -إن شاء الله-.

أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

بقي بعض المواضع والمسائل في مسألة المواقيت في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وما يتبعه من حلقات في شرح هذا الكتاب.

حتى نلقاكم في حلقة قادمة نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.