التعليق على تفسير القرطبي - سورة الإسراء (07)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً} [سورة الإسراء:58]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها} أَيْ: مُخَرِّبُوهَا. {قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً}"

"إن" هذه نافية، {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} يعني: ما من قريةٍ {إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها}. فإن هذه نافية، {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [سورة النساء:159]، وهنا: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها} يعني: ما من قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابًا شديدًا، وهذا بالنسبة لمن كفر، نعم.

"قَالَ مُقَاتِلٌ: أَمَّا الصَّالِحَةُ فَبِالْمَوْتِ، وَأَمَّا الطَّالِحَةُ فبالعذاب. وقال ابن مسعود: إذا ظهر الزنا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِي هَلَاكِهِمْ. فَقِيلَ: الْمَعْنَى وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ ظَالِمَةٍ، يُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ} [سورة القصص:59]. أَيْ: فَلْيَتَّقِ الْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَةٍ كَافِرَةٍ إِلَّا سَيَحُلُّ بِهَا الْعَذَابُ".

على القول الأول وهو أنه يشمل الصالحة والطالحة، تكون هذه للتقسيم: قسم يُهلك، بمعنى أنه يفنى بالموت، وقسم مُعذَّب، وهؤلاء هم الطالحون، والأولون هم الصالحون.

وعلى القول الثاني: أن الجميع يهلكون بظلمهم، فإنه ما من قريةٍ إلا سيحل بها العذاب، يقول: "فَقِيلَ: الْمَعْنَى وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ ظَالِمَةٍ"... {إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها}، فتكون: {أَوْ} هذه لتنويع العذاب، لا لتنويع القرى. الأولى: لتنويع القرى، القرى منها الصالحة ومنها الطالحة. على التأويل الثاني: الكل طالح، وكلهم ظلمة، {وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ} [سورة القصص:59]، حتى المُهلكة بالموت ظالمة، لكن يتعدد الهلاك، إما بالموت أو بالعذاب.

"{كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ} أَيْ: فِي اللَّوْحِ. {مَسْطُوراً} أَيْ: مَكْتُوبًا. وَالسَّطْرُ: الْخَطُّ وَالْكِتَابَةُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ. وَالسَّطَرُ بِالتَّحْرِيكِ، مِثْلُهُ. قَالَ جَرِيرٌ:

مَنْ شَاءَ بَايَعْتُهُ مَالِي وَخُلْعَتَهُ ... مَا تُكْمِلُ التَّيْمُ فِي دِيوَانِهِمْ سَطَرَا

الْخُلْعَةُ "بِضَمِّ الخاء": خيار المال. والسطر جمع أَسْطَارٍ، مِثْلُ: سَبَبٍ وَأَسْبَاب، ثُمَّ يُجْمَعُ عَلَى أَسَاطِيرَ. وَجَمْعُ السَّطْرِ أَسْطُرٌ وَسُطُورٌ، مِثْلُ أَفْلُسٍ وَفُلُوسٍ. وَالْكِتَابُ هُنَا يُرَادُ بِهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ".

مثل: سَطر وسَطَر، شرط وشرَط، والجمع: أشراط، شرْط بالتسكين، الأصل فيها التحريك، سُكنت للتخفيف، مثل ما هنا: سطَر وشعَر، شعْر تُسكَّن، مثلها أيضًا: شرط وشرَط.

طالب: فِلس ...

فَلس.

طالب: جمعها أفلُس؟

نعم، جمعها أفلُس وفلوس. فَلس، مثل: أفلُس وفلوس، يعني جمع فَلس. مثل: أسطر وسطور، هذا الجمع، وما ذكر المفرد. لكن معروف أنه جمع: فَلس.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا إِلَّا أَنْ يُكَذِّبُوا بِهَا فَيَهْلِكُوا كَمَا فُعِلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ. قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا. فَأَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَذَابَ عَنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ، وَفِيهِمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَنْعَامِ" وَغَيْرِهَا".

نعم، فيهم من يؤمن، وفيهم من يولد مؤمنًا، وهذا يمنع من إرسال الآيات؛ لأنها إذا أُرسلت وكذبوا بها، حلَّ بهم ما حلَّ بمن قبلهم من الأمم السابقة. وفي علم الله -جلَّ وعلا-: أن فيهم من يؤمن، وفيهم من يولد مؤمنًا. وما في علم الله -جلَّ وعلا- وإرادته الكونية لا يعارض ما جاء مما يُطلب منا في الإرادة الشرعية. فالمؤذي يُدعى عليه ولو تُوقع أنه يولد له مؤمن، كما أن المسلم يُدعى له، ولو ولد له شرير أو انقلب هو شريرًا، ما في علم الله -جلَّ وعلا- عنده. ولذا قول من يقول، وقد قيل بذلك: أنه لا يجوز أن يُدعى للمؤمنين وللمسلمين على وجه العموم بالمغفرة والرحمة؛ لأنه لا بد أن يدخل منهم أحدٌ النار، وبهذا نكون عارضنا الإرادة الكونية.

 لا، نقول: نحن مُطالبون بأن ندور مع الإرادة الشرعية، أما الإرادة الكونية فلسنا بمُطالبين بها. ما في علم الله لن يتغيَّر، وما كتبه الله لا بد أن يوجد. فندعو للمسلمين بالمغفرة والرحمة، وإن كان في علم الله -جلَّ وعلا- أنه يُعذِّب بعضهم. كما أننا ندعو على الكفار بالجملة أو نخُص من آذى منهم، وإن كان فيهم من يؤمن. النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا على قبائل وقال: «قاتل الله اليهود»، وفيهم من أسلم.

"وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْأَنْعَامِ" وَغَيْرِهَا أَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَتَتَنَحَّى الْجِبَالُ عَنْهُمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ كَانَ مَا سَأَلَ قَوْمُكَ، وَلَكِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُمْهَلُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ"، فَقَالَ:" لا، بل أستأني بهم".

أتباع عيسى لما طلبوا منه المائدة، وطلبها لهم عيسى -عليه السلام-، قال الله -جلَّ وعلا-: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ} [سورة المائدة:115]؛ لأن من طلب شيئًا وحُقِّق له طلبه، ترتب عليه مزيد في العذاب؛ لأن السؤال في الغالب، من هذا النوع، إنما يكون على جهة التعجيل، فإذا حُقِّق هذا السؤال، استحقوا مزيد العذاب. وهل نزلت المائدة أو لم تنزل؟ قولان لأهل العلم، منهم من يقول: نزلت، وهذا قول الأكثر منهم. ومنهم من يقول: لم تنزل؛ لأنه لما قال: {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ}، قالوا: لسنا بحاجة إلى هذا العذاب، أو إلى أمرٍ يترتب عليه مثل هذا العذاب، فلم تنزل.

{أَنْ} الْأُولَى فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِوُقُوعِ الْمَنْعِ عَلَيْهِمْ، و{أَنْ} الثَّانِيَةُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ. وَالْبَاءُ فِي {بِالْآياتِ} زَائِدَةٌ. وَمَجَازُ الْكَلَامِ: وَمَا مَنَعَنَا إِرْسَالَ الْآيَاتِ إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ ممنوعًا عن شيء، فَالْمَعْنَى الْمُبَالَغَةُ فِي أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ مُنِعَ عَنْهُ".

كما قال -جلَّ وعلا- في الحديث القدسي: «إني حرمت الظلم على نفسي»، من يُحرم على الله- جلَّ وعلا-؟ لكنه منع نفسه من هذا الظلم، وجعله بين عباده مُحرمًا.

"ثُمَّ بَيَّنَ مَا فَعَلَ بِمَنْ سَأَلَ الْآيَاتِ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهَا، فَقَالَ: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} أَيْ: آيَةً دَالَّةً مُضِيئَةً نَيِّرَةً عَلَى صِدْقِ صَالِحٍ، وَعَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

{فَظَلَمُوا بِها} أَيْ: ظَلَمُوا بِتَكْذِيبِهَا. وَقِيلَ: جَحَدُوا بِهَا وَكَفَرُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَاسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ.

{وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: الْعِبَرُ وَالْمُعْجِزَاتُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ مِنْ دَلَائِلِ الْإِنْذَارِ تَخْوِيفًا لِلْمُكَذِّبِينَ.

الثَّانِي: أَنَّهَا آيَاتُ الِانْتِقَامِ تَخْوِيفًا مِنَ الْمَعَاصِي.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَقَلُّبُ الْأَحْوَالِ مِنْ صِغَرٍ إِلَى شَبَابٍ ثُمَّ إِلَى تَكَهُّلٍ ثُمَّ إِلَى مَشِيبٍ؛ لِتَعْتَبِرَ بِتَقَلُّبِ أَحْوَالِكَ فَتَخَافَ عَاقِبَةَ أَمْرِكَ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنه-.

الرابع: القرآن.

الخامس: الموت الذريع، قاله الحسن".

ولا يمتنع أن يُراد الجميع؛ لأن كل هذه الأمور يُخوِّف الله بها عباده. «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يُخوِّف بهما عباده» وغيرها من الآيات، آيات القرآن أيضًا فيها آيات زجر وتهديد يُخوِّف الله بها العباد. التقلُّب في العُمر لمن يعتبر ويتعظ، تقلُّب الأحوال من فقر إلى غنى، والعكس. أيضًا على العاقل أن يعتبر ويتعظ ويخاف من مغبة صنيعه.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّاسُ هُنَا أَهْلُ مَكَّةَ، وَإِحَاطَتُهُ بِهِمْ إِهْلَاكُهُ إِيَّاهُمْ، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ سَيُهْلِكُهُمْ. وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ كَوْنِهِ. وَعَنَى بِهَذَا الْإِهْلَاكِ الْمَوْعُودِ مَا جَرَى يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الْفَتْحِ. وَقِيلَ: مَعْنَى {أَحاطَ بِالنَّاسِ} أَيْ: أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِهِمْ، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَشِيئَتِهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنَى أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالنَّاسِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ عِصْمَتُهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَقْتُلُوهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، أَيْ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، بَلْ عَلَيْكَ التَّبْلِيغُ، فَبَلِّغْ بِجِدِّكَ فَإِنَّا نَعْصِمُكَ مِنْهُمْ وَنَحْفَظُكَ، فَلَا تَهَبْهُمْ، وَامْضِ لِمَا آمُرُكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَقُدْرَتُنَا مُحِيطَةٌ بِالْكُلِّ، قَالَ مَعْنَاهُ الْحَسَنُ وَعُرْوَةُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ".

{وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ} يعني بجميع ما يُضاف إليه- جلَّ وعلا-، قدرته مُحيطة، وعلمه مُحيط، ورحمته وسعت كل شيء، أحاط بكل شيءٍ علمًا، المقصود أنه كل ما ذُكر يدخل في الآية.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ إِنْزَالَ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَتَضَمَّنُ التَّخْوِيفَ ضَمَّ إِلَيْهِ ذِكْرَ آيَةِ الْإِسْرَاءِ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي صَدْرِ السُّورَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. ويقول ابن عباس".

الرؤيا مصدر رأى، رأى رؤيا، ورأى رأيًا، ورأى رؤيةً، هنا يقول: الرؤيا رؤيا عين، أُريها النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء. الأصل أن رؤيا العين رؤية، رأى رؤيةً، وما يراه النائم، يُقال: رأى رؤيا بالقصر، وما يراه بعقله: رأى رأيًا. فرقٌ بين رأى رأيًا، ورأى رؤيا، ورأى رؤيةً، الفعل واحد، والمصادر مُختلفة، ولكل مصدرٍ معنى.

وهنا يقول في حديث الترمذي: "يقول ابن عباس فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ" إلى آخره، إن كان المراد به أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى ربه رؤيةً بصرية، فهذه مسألةٌ خلافية بين الصحابة، وفي الأدلة ما يدلُ على هذا وهذا، لكن المُرجح عند أهل العلم: أنه «نورٌ أنى أراه»، أنه لم يرَ ربه ليلة الإسراء، على قول عائشة وغيرها من الصحابة، يروا أنه لم يره. وإن كان جمعٌ آخرون يرون أنه رآه، كما يقول ابن عباس هنا.

المقصود: أن المسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أنه لم يره ليلة الإسراء، ولن يرى أحدٌ ربه -جلَّ وعلا- حتى يموت.

طالب: تعنى رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- ... في: بقول ابن عباس قالت به عائشة ومعاوية ...

أين؟

طالب: .........

معروف هذا، نسبته إلى عائشة ليس المراد به رؤية الرب -جلَّ وعلا-؛ لأن عائشة تنفي وتُشدد في النكير على من أثبت، وإن كان رأي ابن عباس معروف في المسألة، وجمع من الصحابة أنه رآه. وعائشة تُشدد النكير: "ومن زعم أن محمدًا رأى ربه، فقد أعظم الفرية"، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «نورٌ أنى أراه» يعني: كيف أراه؟ يستبعد كيف يراه؟ «حجابه النور»، وفي روايةٍ: «النار»، «لو كشفه لأحرق ما انتهى إليه بصره».

المقصود: أن الرؤيا إن كان القصد بها الإسراء نفسه، نعم، فالمُرجَّح أنه ليس برؤيا، وإنما هو بالجسد والروح، وإن جاء في حديث الإسراء من حديث شريك وغيره ما يدلُّ على أنه رؤيا، بروحي دون جسدي، هل رأى الإسراء بروحه دون جسده؟ لكن النصوص الصحيحة الصريحة تدلُّ على أنه أُسري به كما تقدَّم في صدر السورة، بجسده وروحه، في اليقظة لا في المنام. ومنهم من يقول بالتعدد، وهذا مذهب ومنهج لبعض أهل العلم: أنه إذا وجِد اختلاف في السياق قال بالتعدد، ولو كان سبب الاختلاف اختلاف الرواة، ولو كان الاختلاف ناشئًا من اختلاف الرواة، والقصة واحدة، قالوا بالتعدد.

يعني في مثل ذلك ما جاء في صلاة الكسوف، قالوا: تعدد الكسوف؛ لأنها جاءت بصفات مختلفة، فدلَّ على أنه وقع أكثر من مرة، وهذا منهج بعض أهل العلم، يريدون صيانة الصحيح، وأن ما جاء في الصحيح لا بد أن يكون واقعًا، ولو خالف من هو أوثق، ولو خالف من هو أعلم، ومنهم من يعمل بالراجح ويحكم على المرجوح بأنه شاذ، ويكون راويه وَهِمَ فيه، ولا إشكال في ذلك، من يعرو من الخطأ والنسيان والوهم؟ يقع ذلك، حتى من بعض الصحابة وقع، استدركت عائشة على الصحابة -رضي الله عن الجميع-.

طالب: شيخ، بالنسبة للتكليم؟

كلّمه ربه، كلمه، فرض عليه الصلوات الخمس دون واسطة، كلمه كفاحًا من غير واسطة.

طالب: إذًا لا يُقال: إن موسى كليم الله؟

لا، لكن موسى الكلام هذا أخص أوصافه -عليه السلام-، أخص أوصافه الكلام، ومحمد -عليه الصلاة والسلام- أخص أوصافه: أنه عبد الله ورسوله، والخلة أخص أوصاف الخليل. المقصود: أن كل واحد يُذكر بأخص أوصافه.

"وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ عَائِشَةُ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَابْنُ زَيْدٍ. وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ ارْتِدَادَ قَوْمٍ كَانُوا أَسْلَمُوا حِينَ أَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ. وَقِيلَ: كَانَتْ رُؤْيَا نَوْمٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْضِي بِفَسَادِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رُؤْيَا الْمَنَامِ لَا فِتْنَةَ فِيهَا، وَمَا كَانَ أَحَدٌ لِيُنْكِرَهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرُّؤْيَا الَّتِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَرُدَّ فَافْتُتِنَ الْمُسْلِمُونَ لِذَلِكَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُّ الْمُقْبِلُ دَخَلَهَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ} [سورة الفتح:27]. وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَتِلْكَ الرُّؤْيَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: إِنَّهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَأَى في المنام بني مروان ينزون عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَقِيلَ: إِنَّمَا هِيَ الدُّنْيَا أُعْطُوهَا، فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَمَا كَانَ لَهُ بِمَكَّةَ مِنْبَرٌ، وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرَى بِمَكَّةَ رُؤْيَا الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ قَالَهُ أَيْضًا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. قَالَ سَهْلٌ: إِنَّمَا هَذِهِ الرُّؤْيَا هِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَرَى بَنِي أُمَيَّةَ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ، وَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا مِنْ يَوْمئِذٍ حَتَّى مَاتَ -صلى الله عليه وسلم-. فَنَزَلَتِ الْآيَةُ مُخْبِرَةً أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَلُّكِهِمْ وَصُعُودِهِمْ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَامْتِحَانًا.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي خُطْبَتِهِ فِي شَأْنِ بَيْعَتِهِ لِمُعَاوِيَةَ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ} [سورة الأنبياء:111]. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا عُثْمَانُ وَلَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَا مُعَاوِيَةُ".

نعم، وهم من بني أمية، كلهم من بني أمية، هؤلاء لا يدخلون في هذه الرؤيا قطعًا.

طالب: شيخ، أحسن الله إليك ...

من لم تُخالط قلبه بشاشة الإيمان، يرتد إذا سمع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ذهب في ليلة إلى بيت المقدس وعُرج به إلى السماء، نعم، والمشركون تندَّروا بذلك.

طالب: ... هل ثبت أن هناك من ارتد في حادثة الإسراء؟

ما ثبت، لكن ما الذي يمنع أن شخصًا دخل في الإسلام دخول ما وقر الإيمان في قلبه كما ينبغي، وسمع هذا الكلام الذي تستحيله العقول، نقول: هذا الكلام تُحيله العقول، لو أخذت المسألة بالعقل، ما يمنع.

طالب: ...

القلة، لكن هل تظن أن إيمان الصدِّيق الذي شاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدقه وهو لم يره، مثل إيمان غيره من الصحابة؟ الإيمان متفاوت، لا يمنع أن يوجد منهم شخص دخل من الأعراب أو من أشباههم، سمع هذا الكلام، فارتد على عقبيه، ما يمنع؟

طالب: هل ثبتت الرواية عن ابن عباس بالنسبة لبني أمية؟

بالنسبة لبني أمية جاء فيهم من النصوص الصحيحة ما يدلُّ على ذمِّهم، الصحيحة، نقول: جاء في النصوص الصحيحة ما يدلُّ على ذمهم، يزيد ومن جاء بعده، فيهم المذموم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: مَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ".

وجه الافتنان بالشجرة: أنها كيف شجرة في النار، ما تأكلها النار؟ شجرة لا تأكلها النار، والذي يسمع مثل هذا الكلام لا يستوعب. وبعض الناس يعرض النصوص على عقله، وإن كان عقله ملوثًا، يعرض النصوص على عقله، ما قَبِلَه عقله صدَّق به، وما لم يقبله عقله نفاه. يقول: كيف شجرة؟ كيف شجرة تكون في النار ولا تأكلها النار؟ كيف بقرة تتكلم، ذئب يتكلم؟ فيعرض على عقله، ما قبله عقله قبله، وما ردَّه ردَّه، هذا شخصٌ مفتون بلا شك.

طالب: شيخ، ...

لا تحتملها عقولهم، لا بأس، ما فيه بأس. «ما أنت بمُحدثٍ قومًا بحديثٍ لا تبلغه عقولهم، إلا كان فتنةً لهم» الإنسان يتحاشى ما يُفتن به الناس، ما يُلقي على العوام من الناس شيء لا يحتملونه، «حدثوا الناس بما يعرفونه، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟»".

"وَفِتْنَتُهَا أَنَّهُمْ لَمَّا خُوِّفُوا بِهَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ اسْتِهْزَاءً: هَذَا مُحَمَّدٌ يَتَوَعَّدُكُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهَا تُنْبِتُ الشَّجَرَ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَمَا نَعْرِفُ الزَّقُّومَ إِلَّا التَّمْرَ وَالزُّبْدَ، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو جَهْلٍ جَارِيَةً فَأَحْضَرَتْ تَمْرًا وَزُبْدًا وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَزَقَّمُوا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ مَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلَّا التَّمْرَ وَالزُّبْدَ ابْنُ الزِّبَعْرَى، حَيْثُ قَالَ: كَثَّرَ اللَّهُ مِنَ الزَّقُّومِ فِي دَارِكُمْ، فَإِنَّهُ التَّمْرُ بِالزُّبْدِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ كِلَاهُمَا ذَلِكَ. فَافْتُتِنَ أَيْضًا لِهَذِهِ الْمَقَالَةِ بَعْضُ الضُّعَفَاءِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْإِسْرَاءَ وَذِكْرَ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا؛ لِيَكْفُرَ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ، وَيُصَدِّقَ مَنْ سَبَقَ لَهُ الْإِيمَانُ.

كَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قِيلَ لَهُ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ: إِنَّ صَاحِبَكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ جَاءَ الْبَارِحَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَلَقَدْ صَدَقَ. فَقِيلَ لَهُ: أَتُصَدِّقُهُ قَبْلَ أَنْ تسمع منه؟ فقال: أين عُقُولُكُمْ؟ أَنَا أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، فَكَيْفَ لَا أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالسَّمَاءُ أَبْعَدُ مِنْهَا بكثير".

بهذا استحق الوصف، المُبالغة، وصف المُبالغة: صدِّيق.

"قُلْتُ: ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَنَصُّهُ: قَالَ كَانَ مِنَ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كُلٌّ يُحَدِّثُ عنه بعض ما ذكر مِنْ أَمْرِهِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ -صلى الله عليه وسلم-".

يعني لا يوجد الحديث كاملًا عند واحدٍ منهم، بل هو مُلفقٌ من رواية الجميع، كل منهم يُحدث جملة منه.

"وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ وَأَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَقِينٍ، فَأَسْرَى بِهِ -صلى الله عليه وسلم- كَيْفَ شَاءَ وَكَمَا شَاءَ لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ، حَتَّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَقُدْرَتِهِ الَّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ يَقُولُ: أُتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْبُرَاقِ- وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنْتَهَى طَرَفِهَا- فَحُمِلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ يَرَى الْآيَاتِ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ جُمِعُوا لَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ: إِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ، وَإِنَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ، وَإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيَّ: إِنْ أَخَذَ الْمَاءَ فَغَرِقَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ الْخَمْر فَغَوِيَ وَغَوَتْ أُمَّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ اللَّبَنَ فَهُدِيَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُهُ، قَالَ: فَأَخَذْتُ إِنَاءَ اللَّبَنِ فشربت، فقال لي جِبْرِيلُ: هُدِيتَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ»".

طالب: ...

قال الصحابي: بلغني، لا بد له من مُبلغ، في حكم مراسيل الصحابة.

طالب: قوله: فأسرى به كيف شاء وكما شاء ...

فأسرى به، يعني الله -جلَّ وعلا- أسرى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كيف شاء.

طالب: ...

من المسجد، كونه أسري من بيت أم هانئ فيه كلام، روى الترمذي وغيره، فيه كلام لأهل العلم.