شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (178)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقةٍ جديدة ضمن برنامجكم (شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)، مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حيَّاكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: في أواخر الحلقة الماضية ابتدأنا الحديث في باب الحرص على الحديث، في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-، ووعدنا المستمع الكريم أن نستكمل هذا الموضوع، لعلنا نبدأ به هذه الحلقة يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

أما بعد.

فقد أنهينا الكلام على مطابقة الحديث للترجمة التي ترجم بها البخاري.

المقدم: نعم.

بقوله: باب الحرص على الحديث، وفي قوله في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قلت يا رسول الله، قال: قلت يا رسول الله، والذي في بعض النسخ، وهي المطبوعة الآن مع فتح الباري..

المقدم: نعم.

قال: "قيل يا رسول الله".

المقدم: نعم.

قال: «قيل: يا رسول الله».

المقدم: يعني ما فيه ألفاظ أبدًا في نفس الباب (قلت)؟

لا، الباب هكذا، وهي رواية أبي ذر، وكريمة...

المقدم: قلت.

قال: قيل يا رسول الله.

المقدم: نعم.

 وسقطت قيل للباقين، فعلى هذا السائل مَن؟

المقدم: غير أبو هريرة.

نعم، قال ابن حجر: وهو الصواب، يعني سقوط (قيل) هو الصواب، مع أن ابن حجر يعتمد رواية أبي ذر؛ لأنها أتقن الروايات عنده، لكن هنا يقول الصواب..

المقدم: سقوطه.

ما عليه الأكثرون.

المقدم: قلت.

سقوط قيل..

المقدم: سقوط قيل.

نعم، قال ابن حجر: وهو الصواب، ولعلها كانت (قلت)، فتصحفت، فقد أخرجه المصنف في الرقاق كذلك.

المقدم: كذلك يعني قلت أم قيل؟

 يعني قلت.

المقدم: قلت.

 يقول في الموضع الثاني في على ما سيأتي، قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس؟

المقدم: نعم.

 والمختصر ينتقي أرجح الروايات عنده، لا يلزم أن ينتقي ما ذكره البخاري في الباب نفسه، ولذلك تجد هذا المُختصِر يذكر أحيانًا رواية أكمل من الرواية التي اعتمدها البخاري في هذا الباب؛ لأنه أخذها من موضع آخر.

 المقدم: نعم.

 يقول: ولعلها- يقول ابن حجر- ولعلها كانت (قلت) فتصحفت، فقد أخرجه المصنف في الرقاق كذلك قلت: يا رسول الله، وللإسماعيلي أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيكون السائل مَن؟

المقدم: أبو هريرة.

أبو هريرة، ولأبي نُعيم أن أبا هريرة قال: يا رسول الله، قال القاضي عياض: قوله (قيل) وَهمٌ، والصواب: سقوط قيل، كما جاء عند الأصيلي والقابسي؛ لأن السائل هو أبو هريرة نفسه.

المقدم: طيب يا شيخ، يعني هنا إشكال لماذا؟ مع أن اللفظ ظاهر «لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث عنه غيرك» لماذا هذا الإشكال قاله؟ يعني واضح أن السائل هو أبو هريرة، ما يحتاج هذا الإشكال؟

نعم، لكن قد يجرد الإنسان من نفسه شخصًا يتحدث عنه، يعني باعتبار أنه غيره.

المقدم: تمام.

هذا يسمونه تجريدًا؛ لأن السائل يقول: كما جاء، يقول: القاضي عياض قوله (قيل) وهم،ٌ والصواب سقوط قيل، كما جاء عند الأصيل والقابسي؛ لأن السائل هو أبو هريرة نفسه، لقوله بعد: لقد ظننت.

المقدم: يا أبا هريرة.

نعم، لقد ظننت ألا يسألني عن هذا أحد أول منك، مَن أسعد الناس، أسعد أفعل، والسعد هو اليُمن، تقول منه: سعد يومك يسعد سعودًا، والسعودة خلاف النحوسة، والسعادة خلاف الشقاوة، تقول منه: سعد الرجل بالكسر، سعد الرجل بالكسر فهو سعيد، مثال: سلم فهو سليم، وسُعِدَ على ما لم يسمَّ فاعله فهو مسعود {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود:108].

المقدم: في الجنة.

 نعم، فيبنى على ما لم يُسمّ فاعله.

وقال العيني: فإن قلت أسعد هنا من أي الباب؟ قلت: من الباب الثاني من باب فَعِل بالكسر يفعَلُ بالفتح سعد يسعدُ، والأول من باب فعَل يفعُل بالضم، فإن قلت: أفعل التفضيل يدل على الشركة والمشرك والمنافق لا سعادة لهما، الآن أفعل أسعد الناس من قال: لا إله إلا الله، هذا المفضل والمفضل عليه من لم يقل، نعم، أو يقولها لا خالصًا من قلبه، فالأول المشرك، والثاني.

المقدم: المنافق.

المنافق، أفعل التفضيل هذه بين المؤمن المسلم الذي يقول: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، وبين المشرك والمنافق، أفعل التفضيل هذه في الأصل أنها تكون بين شيئين اتفقا...

المقدم: في شيء.

في وصف الذي هو السعادة.

المقدم: وأحدهما أفضل.

فاق أحدهما الآخر فيه، فكلهم سعداء.

المقدم: لكن هذا أسعد.

إلا أن من قالها أسعد ممن لم يقلها.

المقدم: وهذا لا يستقيم.

هذا مراد أم غير مراد.

المقدم: هنا لا.

نعم، فتستعمل كثيرًا أفعل التفضيل ليست على بابها، فإن قلت: أفعل التفضيل يدل على الشركة، والمشرك، والمنافق لا سعادة لهما. قلت: أسعد هنا بمعنى سعيد، يعني سعيد الناس، كقولهم: الناقص، والأشج أعدل بني مروان، يعني عادل بني مروان، وهذا موجود في الكرماني، والعيني، وأفعل التفضيل تأتي في النصوص في الكتاب والسنة لا على بابها، يعني كما في قوله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24] فخير أفعل تفضيل، وأحسن أفعل تفضيل.

المقدم: لكن لا يُفضل.

والمفاضلة بين أصحاب الجنة، وأصحاب النار.

المقدم: وأصحاب النار، لكن ما فيه مفاضلة.

أصحاب النار ليس عندهم لا خير، ولا حسن مقيل.

المقدم: نعم.

 فليست على بابها، ويستعملها أهل الحديث كثيرًا لا على بابها، فيقولون: هذا أصح ما في الباب، وجميع ما في الباب ليس بصحيح.

المقدم: نعم.

وأضعف ما في الباب مع أنها أحاديث صحيحة، لكن يريدون بذلك الضعف النسبي، ويقولون: فلان أوثق من فلان، وليسا بثقتين إنما هو من باب التوثيق النسبي.

المقدم: النسبي.

وهكذا حينما يقال: أضعف لا تقتضي التضعيف، فاستعمالها لا على بابها مستعمل في النصوص في الكتاب والسنة، وفي اصطلاح واستعمال أهل العلم، وهذا ظاهر.

المقدم: صحيح.

 قالوا: ويجوز أن يكون على معناه الحقيقي (التفضيل) المشهور، والتفضيل بحسب المراتب، أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة، أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته، وكثير من الناس يحصل له سعدٌ بشفاعته -عليه الصلاة والسلام-، لكنَّ المؤمن المخلص أكثر سعادةً بها، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- يشفع في الخلق بإراحتهم من هول الموقف، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب، كما صح في حق أبي طالب، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن يستوجبوا دخولها، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها، فظهر الاشتراط في مطلق السعادة بالشفاعة، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص، يعني أسعد مَن تكون له الشفاعة، ولا يدخل في هذا من لا {تَنْفَعُهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، يعني المفاضلة بين مَن تكون له الشفاعة.

المقدم: نعم.

لكن إذا قلنا هذا الكلام، وأثبتنا شهادة النبي كما جاء في الحديث الصحيح: شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي طالب.

المقدم: يكون ممن شملتهم هذه الشفاعة.

شملته الشفاعة لكان عنده سعادة.

المقدم: لا.

هو إذا قلنا إن السعادة نسبية، كما أن الشقاوة نسبية، يعني أيهما أسعد أبو طالب، أم أبو لهب؟

المقدم: نسبيًّا أبو طالب.

لكن لا سعادة في الأصل.

المقدم: لم يكن فيه سعادة.

نعم، ولذا نرجع إلى أن أفعل التفضيل ليست على بابها، وأسعد الناس التقييد بالناس، لا يفيد نفي السعادة عن الجن مثلًا.

المقدم: نعم.

نعم، لماذا؟ لأنه مفهوم لقب، ومفهوم اللقب ليس بحجةٍ عند الجمهور.

بشفاعتك الشفاعة مشتقة من الشفع، وهو ضم الشيء إلى مثله، كأن المشفوع له كان فرضًا، فجعله الشفيع شفعًا بضم نفسه إليه، كأن المشفوع له كان فرضًا فجعله الشفيع شفعًا بضم نفسه إليه، والشفاعة الضم إلى آخر معاونًا له، وأكثر ما تُستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة، من هو أعلى مرتبةً إلى من هو أدنى، قاله الكرماني.

ضم الشيء إلى مثله، وعليه من تردد هل صلَّى ركعتين أو ثلاثًا؟ يأتي يعني يعمل بالأقل.

المقدم: إذا ما تبين الرجحان، نعم.

لأنه متيقن، ثم بعد ذلك يسجد سجدتين، فإن كانت صلاته على التمام من غير زيادة كانتا إرغامًا للشيطان، وإن كانت وترًا شفعتا له صلاته، شفعتا له صلاته، هاتان السجدتان سجدتا السهو، يشفعن الصلاة؛ لأنها انضمت إلى الخامسة بالنسبة للظهر فصارت شفعًا، وإن كانت وترًا شفعتا له صلاته، لكن لو افترضنا أنه يوتر، وهذا استطراد في الباب، أنه يوتر يريد أن يوتر بسبع مثلاً، ثم شك، هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟

المقدم: فبنى على الأقل.

فبنى على الأقل.

المقدم: سجد سجدتين.

ثم سجد السجدتين.

المقدم: ما تصير شفاعة.

تصير أوترتا له صلاته.

المقدم: نعم.

أوترتا له صلاته، أخذًا من هذا الحديث؛ لأن المطلوب الوتر ليس المطلوب الشفع.

المقدم: نعم، وفي المغرب نفس الشيء.

في المغرب نعم، نفس الشيء.

في المفردات للراغب: الشفع: ضم الشيء إلى مثله، ويقال للمشفوع شفعٌ قال تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3] قيل الشفع: المخلوقات من حيث إنها مركبات، كما قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49].

المقدم: زوجين.

والوتر: هو الله من حيث إن له الوحدة، الوحدة من كل وجه، والشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرًا له، وسائلًا عنه، وأكثر ما يُستعمل في انضمام من هو أعلى حرمةً، ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشفاعة في القيامة، قال الله تعالى: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:87].

 في تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-، يقول: لما كان المشركون؛ لأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ترجم باب الشفاعة، وأورد النصوص المثبتة للشفاعة الشرعية.

المقدم: نعم.

الشيخ سليمان بن عبد الله يقول: لما كان المشركون في قديم الزمان، وحديثه إنما وقعوا في الشرك لتعلقهم بأذيال الشفاعة، إنما وقعوا في الشرك؛ لتعلقهم بأذيال الشفاعة، كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، وكذلك قطع الله أطماع المشركين منها، وأخبر أنه شرك، ونزَّه نفسه عنه، ونفى أن يكون للخلق من دونه وليٌّ أو شفيعٌ، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة:4].

 أراد المصنف في هذا الباب – يعني باب الشفاعة – إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشِرك، وأن الشفاعة التي يظنها من دعا غير الله ليشفع له كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى، وإنما الله هو الذي يأذن للشافع ابتداءً، وفي قرة عيون الموحدين للشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن الإمام المجدد في شرح الباب المذكور: الشفاعة نوعان:

 شفاعة منفية في القرآن، وهي الشفاعة للكافر والمشرك، قال تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} [البقرة:254]، وقال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48].

المقدم: الشَّافِعِينَ.

 النوع الثاني: الشفاعة التي أثبتها القرآن، وهي خالصة لأهل الإخلاص، وقيَّدها تعالى بأمرين:

الأول: إذنه للشافع أن يشفع، إذنه للشافع أن يشفع، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، وإذنه تعالى لا يصدر إلا إذا رحم عبده الموحد المذنب؛ فإذا -رحمه تعالى- أذن للشافع أن يشفع له.

الأمر الثاني: رضاه، رضاه عمن أذن للشافع أن يشفع فيه، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، فالإذن بالشفاعة له بعد الرضا كما في هذه الآية، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد، لا يرضى إلا التوحيد، وشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-..

المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.

في القيامة ستة أنواع، كما ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وتقدمت الإشارة إليها في كلام الكرماني، وفي كلام العيني، تقدمت الإشارة إليها، الأولى أو النوع الأول (الشفاعة الكبرى).

المقدم: تقدمت الإشارة إليها في ..

في.. إجمالًا.

المقدم: نعم.

يعني لما ذكرنا مَن أسعد.

المقدم: نعم.

نعم، لما ذكرنا في مَن أسعد.

المقدم: نعم.

نعم، قال: فإن..، وكثير من الناس يحصل سعدٌ بشفاعته، لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها، فإن النبي– صلى الله عليه وسلم- يشفع في الخلق بإراحتهم.. إلى آخره.

المقدم: نعم.

نعم، هذا إجمالًا.

 النوع الأول: (الشفاعة الكبرى) التي يتأخر عنها أولو العزم -عليهم الصلاة والسلام- حتى تنتهي إليه فيقول: «أنا لها»، وذلك حين يريحهم من مقامهم في الموقف، وهذه شفاعة يختص بها لا يشركه فيها أحد.

المقدم: اللهم صلِّ عليه.

عليه الصلاة والسلام.

 النوع الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها، وقد ذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- في حديثه الطويل المتفق عليه.

 الثالث: شفاعته -عليه الصلاة والسلام- لقومٍ من العصاة من أمته قد استوجبوا النار، فيشفع لهم ألا يدخلوها.

 الرابع: شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بذنوبهم والأحاديث بها متواترة عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقد أجمع عليها الصحابة، وأهل السنَّة قاطبة، وبدَّعوا من أنكرها.

 الخامس:

المقدم: عفوًا شيخنا، الرابع هذا طبعًا بعد أن يدخلوا النار ويمكثوا فيها؟

نعم، الذين دخلوا النار.

المقدم: معنى ذلك أن هناك شفاعات بعد الموقف، تستمر الشفاعة، يعني بعد أن يُفصل للخلق.

نعم، الأولى هي التي..

المقدم: قبل الموقف.

نعم، الثانية: شفاعته لأهل الجنة في دخولها أيضًا قبل الدخول.

المقدم: لكنها في الموقف أيضًا.

نعم.

المقدم: عندما يحبسون ويتأخرون.

نعم، الثالث شفاعته لقومٍ من العصاة من أمته قد استوجبوا النار.

المقدم: أيضًا هذه في الموقف.

فيشفع لهم ألا يدخلوها.

المقدم: وهذه في الموقف أيضًا.

نعم.

المقدم: لأنهم ما دخلوا.

الرابع شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بذنوبهم.

المقدم: نعم.

والأحاديث هذه محل الخلاف، والأحاديث بها متواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، الخلاف بين مَن؟ بين أهل السنَّة والمبتدعة.

المقدم: بين أهل السنَّة والمبتدعة.

 الخوارج، والمعتزلة على ما سيأتي ينكرونها.

المقدم: نعم.

 والأحاديث بها متواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أجمع عليه الصحابة، وأهل السنَّة قاطبة، وبدَّعوا من أنكرها.

النوع الخامس: شفاعته -عليه الصلاة والسلام- لقومٍ من أهل الجنة في زيادة ثوابهم، ورفع درجاتهم، وهذه مما لا ينازع فيها أحد حتى المعتزلة، والخوارج يثبتونها؛ لأن الإشكال عندهم فيمن ارتكب كبيرة، ودخل بسببها النار.

المقدم: كيف يخرج؟

هذا لا يخرج.

المقدم: نعم.

عندهم؛ لأنه يخلد في النار، عند الخوارج، وعند المعتزلة.

المقدم: وعند المعتزلة.

 والنوع السادس: شفاعته في بعض الكفار من أهل النار حتى يخفّف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده، وهذه خاصة بأبي طالب وحده.

 طيب، ما جاء في حق أبي لهب، وأنه يُسقى بالنقرة التي بين الإبهام والتي تليها.

المقدم: هذه شربة.

نعم، لا؛ لأنه أعتق مولاته ثويبة لما بشرته بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: نعم.

 هل تعد هذه من شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟

المقدم: أبدًا.

ليست شفاعة، وإنما حصل له هذا بسببه، ببركة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: ويثبت الحديث يا شيخ.

على كل حال هو مذكور في السير، ولا تحضرني درجته الآن.

 يقول العيني: هذا الحديث مع غيره من الأحاديث، هذا الحديث مع غيره من الآيات والأحاديث الواردة في الباب الجارية مجرى القطع دليلٌ على ثبوت الشفاعة، قال عياض: مذهب أهل السنَّة جواز الشفاعة عقلاً، ووجوبها بصريح الآيات، والأخبار التي بلغ مجموعها التواتر؛ لصحتها في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح، ومن بعدهم من أهل السنَّة على ذلك، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، منعت الخوارج وبعض المعتزلة، كذا يقول عياض، الخوارج معروف مذهبهم في مرتكب الكبيرة.

المقدم: نعم.

أنه كافر، المعتزلة معروف مذهبهم أيضًا أنه في المنزلة.

المقدم: بين المنزلتين.

بين المنزلتين، لكنه يخلد في النار.

المقدم: اتفقوا على الأمر في النار في الآخرة.

وهنا يقول بعض المعتزلة، يعني هل يوجد من المعتزلة من يثبت مثل هذه الشفاعة، أو أنه لما أثبت، لما أثبت بعض الأنواع، أنواع الشفاعة..

المقدم: نعم.

 وقف على كلام بعض المعتزلة إثبات بعض أنواع الشفاعة التي لا يخالف فيها جميع المعتزلة.

المقدم: نعم.

ظن أن بعض المعتزلة كذلك، يقول: ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتأولت الأحاديث على زيادة الدرجات والثواب، احتجوا بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، وقوله -جل وعلا-: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]، وهذه إنما جاءت في الكفارة، والأحاديث مصرّحة بأنها في المذنبين، يوم القيامة كلامٌ إضافي نصب على الظرفية، وإلا فشفاعته -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا لأمته بتخفيف الصلوات من خمسين إلى خمس، وغير ذلك مما هو مشهور، يعني شفع لأمته في الدنيا، بمثل هذا، تردد -عليه الصلاة والسلام- بين موسى وبين الرب -جل وعلا- في التخفيف من خمسين إلى خمس، هذه شفاعة، وأيضًا شفع لمغيث زوج بريرة لما عَتُقَتْ واختارت نفسها، عتقت بريرة  كانت مولاة عبدة، وزوجها مغيث عبد مولى، فلما عتقت خيَّرها النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: بين الاستمرار.

بين الاستمرار والاستقلال، تنفك منه، باعتبار أن الكفاءة ارتفعت، فاختارت نفسها، ما اختارت البقاء مع مغيث، إنما اختارت نفسها.

المقدم: كان يحبها.

كيف؟

المقدم: كان يحبها.

يحبها حبًّا شديدًا، ويجري وراءها في سكك المدينة يبكي، وهي لا تريده.

المقدم: نعم.

 نعم، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال: وقالت تأمرني، قال: «لا إنما أنا شافع»، فهذه الشفاعة في الدنيا، والمنصوص عليه في الحديث: يوم القيامة، من أسعد الناس بشفاعتك..

المقدم: يوم القيامة.

 يوم القيامة؟ في الدنيا أيضًا جاء الأمر بالشفاعة بين الناس في الحديث المتفق عليه من حديث أبي موسى: «اشفعوا لتؤجروا، وليقضِ الله على لسان نبيه ما شاء»، اشفعوا لتؤجروا، وعند أبي داود والنسائي عن معاوية -رضي الله عنه-: «اشفعوا تؤجروا، فإني أريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا» هذا كلام معاوية، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اشفعوا تؤجروا»، قال ابن حجر: لعل أبا هريرة،  كثير من الناس يحرم هذا الباب من الخير، زاعمًا أن كثرة الشفاعات تحط من قيمته، أو تضعف من هيبته، فهذه دعوى من بعض الناس، يعني ترى أن كثرة الكتابات، والاتصال من أجل فلان وعلان يقلل من شأنه، ومن هيبته، ويرمى من يتصدى لنفع الناس والشفاعة لهم بأنه إما أن يقال: إنه يتدخل فيما لا يعنيه، أو يقال: إنه أضاع نفسه فصار يشفع لكل أحد، فما لشفاعته قبول، ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان وحرمانه، المكثر من الشفاعات لا بُدَّ أن يقع منه شيء.

المقدم: صحيح.

قد يشفع لغير المستحق، لكثرة ما يكتب ويشعر، لكن هذا لا يقدح فيه، إنما يشفع ليؤجر، يشفع ليؤجر. الأمر الثاني: أن بعض الناس يقول: ما الفائدة من شفاعة لا يُستجاب لها؟! جربنا فلانًا، وشفعنا، وشفعنا ما نفع، نقول: لك الأجر على مجرد الشفاعة، وابذل السبب والنتيجة ليست بيدك، يعني لو طردنا مثل هذا الكلام لقلنا لماذا الإنسان يأمر وينهى، وهو لا يُسمع له؟ لماذا يدعو، وهو لا يُستجاب له؟ لماذا يعلم، وفي الناس مَن لا يفهم؟ لا شك أن هذا من تلبيس الشيطان.

المقدم: لكن شيخنا -أحسن الله إليك- في المقابل هناك من وسَّع مجال الشفاعة، أنتم الآن ذكرتم من ضيَّقها، وقال المفترض أن لا يشفع لكل شيء، هناك من وسَّعها أيضًا، وجعل مجالات الشفاعة في كل شيء، حتى أصبح يشفع في بعض الأمور المتعلقة بالنظام العام التي ينبغي أن تتاح لكل أحد، وأن لا يتدخل فيها الإنسان فيحرم منها شخص دون شخص.

نقول: الشفاعة بشرطها ألا يترتب عليها حرمان من حرمان الأحق.

المقدم: نعم.

لا يترتب عليها حرمان الأحق.

المقدم: ولا تقديم هذا لما لا يستحق أيضًا.

كذلك، ومن هذا الباب.

المقدم: نعم.

لا يترتب عليها حرمان الأحق، ولا يشفع لشخصٍ في عمل لا يناسبه ولا يليق به، إنما تكون في المقدور، إنما تكون في المقدور، ولا يغرر بشفاعته لهذا الشخص، أو يشفع في عملٍ من الأعمال المهمة العامة في الأمة، فيشفع لشخص لا يقوم به، ولا ينوء به، وليس أهلاً له، وليس بكفٍء له.

المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، إن شاء الله نستكمل ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة؛ لاكتمال وقت هذه الحلقة.

 أيها الإخوة والأخوات، كان هذا هو صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ولا زلنا وإياكم في حديث أبي هريرة في باب الحرص على الحديث من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.