كتاب العتق من سبل السلام (3)

نعم.

"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا والسامعين.

أما بعد،

فقال في البلوغ وشرحه في كتاب العتق:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يجزي» بفتح حرف المضارعة أي لا يكافئ «ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه». رواه مسلم.

فيه دليل على أنه لا يعتق عليه بمجرد الشراء."

يعني الوالد والولد لا يعتق بمجرد الشراء، وإن جاء ما يدل عليه أن يعتق بمجرده، وسيشار إليه إن شاء الله.

"وأنه لا بد من الإعتاق بعده، وإلى هذا ذهب الظاهرية، وذهب الجمهور إلى أنه يعتق بنفس الشراء."

للحديث الذي يليه حديث سمرة.

"وتأولوا قوله: «فيعتقه» بأنه لما كان شراؤه تسبب عنه العتق نُسِب إليه العتق مجازًا، ولا يخفى أن الأصل الحقيقة، إلا أنه صرفه عن الحقيقة حديث سمرة الآتي، وفيه تعليق الحرية بنفس الملك كما يأتي، وإنما كان عتقه جزاءً لأبيه؛ لأن العتق أفضل ما مَنَّ به أحد على أحد لتخليصه بذلك من الرق، فيكمل له أحوال الأحرار من الولاية والقضاء والشهادة بالإجماع، والحديث نص في عتق الوالد، ومثله قول من عدا داود في حق الأم في القول بالقياس."

الآن مثل هذا غير متيسر، لكن لو جاء ولد وجد أباه مستخدمًا في دائرة وظيفة، مستخدمًا وقال له: راتب هذه الوظيفة عَلَي، هذه يحصل فيها حرج كبير أحيانًا يكون الوالد مستخدمًا في مدرسة، والولد مدرِّس، فيلزم من ذلك أن الوالد يخدم الولد، كما أنه يخدم غيره، وهذا حصل، موجود في الواقع، فهل نقول: إن الولد إذا أعتق والده من هذه الخدمة والابتذال فهل يرجى له شيء من هذا؟

طالب: ...........

ملكية الرقبة تقتضي العتق والخدمة الكاملة هذه خدمة جزئية صح؟ لكن هل يحسن أن الولد جالس بغرفة المدرسين على كنب والأب يدور عليهم وهو منهم يخدمهم؟!

طالب: لا والله لا يحسن لا يحسن!

.. كيف يصنع الولد؟

طالب: ...........

إذا كان يستطيع فقد لا يستطيع، لكن إذا استطاع ألا يرجى له مثل هذا؟

طالب: ...........

هو ما يتركه يخدمه، لكنه سيخدمه ويخدم غيره.

طالب: ...........

هو مدرس بعد ما هو قائم يخدم المدرسين كلهم والمدير ويتنقل من غرفة لغرفة و.. صعب أن يقوم بعمل أبيه.

طالب: ...........

على كل حال الأمر يحتاج إلى مزيد عناية، أما أن والدًا يخدم ولده والله ليست سهلة، لها شأن عند الله -جل وعلا-.

"وعن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من ملك ذا رحم مُحرَّم فهو حر»."

أو مَحرَم بالتخفيف كلاهما، ضبطت بهذا وذا.

من ملك ذا رحم مَحرَم فهو حر» رواه أحمد والأربعة، ورجح جمع من الحفاظ أنه موقوف، وأخرجه أبو داود مرفوعًا من رواية حماد، وموقوفًا من رواية شعبة، وقال: شعبة أحفظ من حماد، فالوقف حينئذ أرجح، وأخرجه أيضًا من طريق سعيد عن قتادة أن عمر بن الخطاب قال: من ملك.. الحديث فوقفه على عمر قال أبو داود: لم يحدِّث بهذا الحديث إلا حماد، وقد شك فيه، قال ابن المديني: هو حديث منكر، وقال البخاري: لا يصح، ورواه ابن ماجه والنسائي والترمذي والحاكم من طريق ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال النسائي: حديث منكر، وقال الترمذي: لم يتابَع ضمرة عليه، وهو خطأ، قال الطبراني: وهِم في هذا الإسناد، والمحفوظ بهذا الإسناد: نهى عن بيع الولاء، وعن هبته، ورد الحاكم هذا وقال: إنه روي من طريق ضمرة الحديثين بالإسناد الواحد."

روي الحديثان.. أو إن قلت: روى الحديثين ممكن، وإما روي الحديثان.

أحسن الله إليك.

"ورد الحاكم هذا وقال: إنه روي من طريق ضمرة الحديثان بالإسناد الواحد، وصححه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان وقال: وضمرة بن ربيعة لا يضر تفرده؛ لأنه ثقة لم يكن في الشام رجل يشبهه. قلت: فقد رفعه ثقة، فإرسال غيره له لا يضر كما كررناه."

قررناه.

أحسن الله إليك.

"كما قررناه، والحديث دليل على أن من ملك من بينه وبينه رحامة محرِّمة محرِّمة للنكاح فإنه يعتق عليه، وذلك كالآباء وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا، والإخوة وأولادهم والأخوال والأعمام لا أولادهم."

نعم؛ لأنه يصح التناكح بينهم بين أولادهم.

أحسن الله إليك.

"وإلى هذا ذهب الهادوية والحنفية مستدلين بالحديث، وذهب الشافعية إلى أنه لا يعتق إلا الآباء والأبناء للنص عليه في الحديث الأول للنص في الحديث الأول عن الآباء.."

هكذا يا شيخ؟ للنص في الحديث الأول عن الآباء..؟

الحديث الأول..

أو على الآباء..

لا يجزي والد أو لا يجزي ولد.. ماذا؟ «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيعتقه»..

«فيشتريه فيعتقه»، لكن عن الآباء يا شيخ أم على الآباء؟

على.

أحسن الله إليك.

"للنص في الحديث الأول على الآباء وقياسًا للأبناء عليهم، وبناءً منه على عدم صحة هذا الحديث، وزاد مالك الإخوة والأخوات.."

على عدم صحته؛ لأن المرجَّح إرساله أو وقفه المرجَّح وقفه.

أحسن الله إليك.

"وزاد مالك الإخوة والأخوات قياسًا على الآباء، وذهب داود إلى أنه لا يعتق أحد بهذا السبب؛ لظاهر حديث أبي هريرة الماضي، فيشتريه فيعتقه، فلا يعتق أحد إلا بالإعتاق عنده، وهذا الحديث كما عرفت قد صححه أئمة، فالعمل به متعيِّن، وظاهره أن مجرد الملك سبب للعتق، فيكون قرينة لحمل فيعتقه على المعنى المجازي كما قاله الجمهور، فلا يكون حجة لداود. وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رجلاً أعتق ستة مماليك، أعتق ستة مماليك عند موته لم يكن له مال غيره فدعا بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولاً شديدًا وهو ما رواه النسائي.."

لأنه ليس له أن يتصرف إلا بقدر الثلث، ليس له أن يتصرف في هذه الحالة عند موته إلا بقدر الثلث.

أحسن الله إليك.

"وهو ما رواه النسائي وأبو داود أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين». رواه مسلم.

 دل الحديث على أن حكم التبرع في المرض حكم الوصية ينفذ من الثلث، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد، وإنما اختلفوا هل تعتبر القيمة أو العدد من غير تقويم فقال مالك.."

ماداموا ستة يُعتَق منهم اثنان، ويُرَد إلى الملك أربعة؛ لأنهم ثلث، هل يُنظَر إلى قيمة الستة وتُقسَم على ثلاثة أو يقال: الاثنان ثلث الستة من غير نظر، مع أنه قد يكون الواحد منهم بقيمة اثنين، يعني من نظر إلى المعنى قال: يُنظَر إلى القيمة، من نظر إلى اللفظ قال: العدد.

أحسن الله إليك.

"فقال مالك: يعتبر التقويم، فإذا كانوا ستة أعبد أعتق الثلث بالقيمة سواء كان الحاصل من ذلك اثنين منهم أو أقل أو أكثر، وذهب البعض إلى أن المعتبَر العدد من غير تقويم، فيعتق اثنان من مسألة الستة الأعبد، ويكون تعيُّن.."

ولو كانت قيمتها قيمة واحدة.

"فيعتق اثنان من مسألة الستة الأعبد، ويكون تعيُّن المعتَق بالقرعة على هذا القولين.."

ويكون تعيين..

نعم.

فيكون تعيين المعتَق..

أحسن الله إليك.

"ويكون تعيين المعتَق بالقرعة على هذين القولين، وخالفت الهادوية الحنفية، وذهبوا إلى أنه يعتق من كل عبد ثلثه، ويسعى كل واحد في ثلثي قيمته للورثة قالوا: وهذا الحديث.."

نعم ليشمل الانتفاع الجميع، لينتفع بهذا التصرف الجميع لا يعتق اثنين ويُرَد ينتفعون انتفاعًا كاملاً والبقية لا ينتفعون، إنما يعتق من كل واحد ثلثه، وهذا القول خلاف الحديث.

أحسن الله إليك.

"قالوا: وهذا الحديث أحادي خالف الأصول؛ وذلك لأن السيد قد أوجب.."

آحادي.

أحسن الله إليك.

"قالوا: وهذا الحديث آحادي، خالف الأصول؛ وذلك لأن السيد قد أوجب لكل واحد منهم العتق، فلو كان له مال لنفذ العتق في الجميع بالإجماع، وإذا لم يكن له مال وجب أن ينفذ لكل واحد بقدر الثلث الجائز تصرف السيد فيه، ورُدَّ بأن الحديث الآحادي من الأصول،ذ فكيف يقال: إنه خالف الأصول، ولو سُلِّم فمن الأصول أنه لا يدخل ضررًا، لا يُدخِل ضررًا على الغير، وقد أدخلتم الضرر على الورثة، وعلى العبيد المعتَقين، وإذا جمع العتق في شخصين، وإذا جُمع العتق في شخصين كما في مسألة الحديث حصل الوفاء بحق العبد وحق الوالد، ونظير مسألة العبد.."

يعني استفاد من تحرر، ولم يتضرر البقية، صحيح أنهم لم يستفيدوا، لكنهم لم يتضرروا هم من الأصل أرقاء، لو تضرروا لوجب رفع الضرر عنهم، الورثة متضررون بإعتاق الستة، فيجب رفع الضرر عنهم، الاثنان من الرقيق انتفعوا انتفاعًا كاملاً، لكن لم يتضرر البقية، فيجب رفع الضرر عنهم، إنما لم ينتفعوا، وهذا أمر واسع.

أحسن الله إليك.

"ونظير مسألة العبد لو أوصى بجميع التركة فإنه يقف ما زاد على الثلث على إجازة الورثة اتفاقًا، ثم إذا أريد القسمة تعيَّنت الأنصباء بالقرعة اتفاقًا.

 وعن سفينة -رضي الله عنه- بالسين المهملة ففاء مثناة تحتية ففاء فمثناة تحتية فنون أنه قال: كنت مملوكًا لأم سلمة فقالت: أعتقك واشترطت عليك.."

وأشترط.

أحسن الله إليك.

"فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما عشت. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم.

 الحديث دليل على صحة اشتراط الخدمة على العبد المعتَق، وأنه يصح تعليق العتق بشرط، فيقع بوقوع الشرط، ووجه دلالته أنه عُلِم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرر ذلك، ووجه دلالته أنه عُلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرر ذلك؛ إذ الخدمة له، وروي عن عمر أنه أعتق رقيق الإمارة، وشرط عليهم أن يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنين، قال في نهاية المجتهد: ولم يختلفوا على أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته، وبهذا قالت الهادوية والحنفية."

قال في نهاية المجتهد مر بنا مرارًا أن الصواب في اسمه بداية المجتهد ونهاية المقتصد: اشتراط أم سلمة على سفينة أن يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- فهل المعتِق اشترط شيئًا لحظ أو لا؟

يعني فرق أن يعتق شخصًا ويشترط عليه أن يخدم في المسجد مثلاً، وبين أن يخدمه في بيته؛ لأن خدمته في بيته جزء من الرق الذي تخلى عنه لله -جل وعلا-، أما لخدمة في المسجد أو خدمة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذه مسألة منفكة عن مسألة الرق التي هي خدمة الشخص المعتِق، فبينهما فرق.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الولاء لمن أعتق». متفق عليه.

 في حديث تقدم في البيع في قصة بريرة، وتقدم شرحه بما فيه كفاية، وأفادت كلمة إنما الحصر، وهو إثبات الولاء لمن ذكر، ونفيه عمن عداه، وهو إثبات الولاء لمن ذكر، ونفيه عمن عداه، فاستَدل به.."

فاستُدل..

أحسن الله إليك.

"فاستُدل به على أنه لا ولاء بالإسلام خلافًا للهادوية والحنفية. وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-.."

لا ولاء بالإسلام يعني موجب للتوارث، ولا بالإنقاذ من هلكة، ولا بسبب آخر غير العتق، ولا التبني.

"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «الولاء لحمة» في القاموس بضم اللام وفتحها في النسب والثوب."

في القاموس بضم اللام لُحمة، وفتحها لَحمة في النسب والثوب، الثوب المنسوج فيه التحام فيقال له: لُحمة، ولَحمة مثل النسب.

أحسن الله إليك.

كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب». رواه الشافعي، وصححه ابن حبان والحاكم، وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ. يريد أن فيهما بلفظ: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الولاء، وعن هبته. أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وأخرجه مسلم من هذه الطريق، وقال الترمذي بعد تخريجه: حسن صحيح.

 ومعنى تشبيهه بلحمة النسب أنه يجري الولاء مجرى النسب في الميراث، كما تخالط اللحمة كما تخالط الُّلحمة سود الثوب حتى يصير كالشيء الواحد، كما يفيده كلام النهاية."

يعني ابن الأثير في النهاية.

نعم.

أحسن الله إليك.

"والحديث دليل على عدم صحة بيع الولاء ولا هبته، فإن ذلك أمر معنوي كالنسب، لا يتأتى انتقاله كالأبوة والأخوة لا يتأتى انتقالهما، وقد كانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره، فنهى عنه الشارع، وعليه جماهير العلماء. وروي عن بعض السلف جواز بيعه، وعن آخرين منهم جواز هبته، وكأنهم لم يطلعوا على الحديث، أو حملوا الحديث على التنزيه، وهو خلاف أصله."

نعم الأصل في النهي التحريم.

والله أعلم.

 اللهم صل على محمد...