شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (09)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: ه
باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره:
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز قال: حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمُقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن معاوية والمقدام بن معدي كرب وعائشة.
قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في الباب وأحسن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في مسح الرأس" مسح الرأس فرض من فروض الوضوء، لا يصح إلا به، وهو منصوص عليه في آية الوضوء، وأيضاً في جميع الأحاديث التي جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صفة وضوئه بياناً لما أمر الله به -جل وعلا-، فمسحه فرض لا يصح الوضوء إلا به، والمراد بمسحه مسح جميعه كما هو الأصل في الإطلاق، وأن الباء فمسحوا برؤوسكم هذه للإلصاق، يعني أنه لا بد من المسح، وإنه لا يكفي مسحه هواء، وأنه لا بد أن يسمح بالماء خلافاً لمن قال: إنها للتبعيض، وأنه يكفي مسح بعضه، والآية وإن كانت مجملة فقد بينت بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وبيان الواجب واجب، ولم يذكر في حديث واحد أنه -عليه الصلاة والسلام- اقتصر على مسح بعض الرأس، وأعني بذلك الرأس المكشوف على ما سيِأتي في مسح العمامة.
"أنه يبدأ بمقدم الرأس" يعني بيان كيفية المسح، وأنه يُبدأ بمقدم الرأس، أو يَبدأ بمقدم الرأس ذاهباً إلى مؤخَّرهِ، والمؤلف في الترجمة بيّن ما جاء في الأحاديث في معنى الذهاب، ذهب بهما، وأقبل بهما وأدبر، وما يحتمله من البداءة بالمقدم أو بالمؤخر، فالمؤلف بيّن بهذه المقدمة أن البداية تكون بمقدم الرأس، وإن كان في قوله: "أقبل بهما وأدبر" ما يفهم منه عكس ذلك.
يقول -رحمه الله-:
"حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري" هذا تقدم الكلام فيه "قال: حدثنا معن بن عيسى القزاز" وأيضاً مضى الكلام فيه، وأنه من كبار الآخذين عن الإمام مالك ومن ثقاتهم وأثباتهم "قال: حدثنا مالك بن أنس" الإمام، إمام دار الهجرة "عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن "عن أبيه" يحيى بن عمارة "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم الصحابي، راوي حديث الوضوء، تقدم ذكره، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه" كله كما جاء في رواية ابن خزيمة "بيديه" هذا هو الحاصل، لكن لو مسح الرأس بغيره يديه يجزئ وإلا ما يجزئ؟ عنده منشفة مبلولة بالماء ومسح بها الرأس؟ نعم؟ لأن المقصود المسح، المقصود المسح، ولو أعانه غيره، ووضأه غيره، ولو من غير حاجة، وضأه غيره وغسل وجهه، وغسل يديه ومسح برأسه، وغسل رجليه أجزئه، فقوله: "بيديه" حديث عن الواقع، أن هذا ما وقع منه -عليه الصلاة والسلام- "فأقبل بهما وأدبر" فأقبل هذا بيان لكيفية المسح "فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه" فأقبل بهما وأدبر هذا بيان لكيفية المسح، وبدأ مقدم رأسه بيان لكيفية الإقبال والإدبار "فأقبل بهما وأدبر" الواو هذه لا تقتضي ترتيب؛ لأن مقتضى قوله والظاهر من قوله أقبل وأدبر لو قلنا: إنه ترتيب لكان المُفاد أنه بدأ بمؤخر رأسه؛ لأن الإقبال إلى جهة الوجه، والإدبار إلى جهة الدبر وهو القفا، فيكون مفاد هذه الجملة مخالف ومعارض للجملة التي تليها، بدأ بمقدم رأسه، وعلى هذا يقال: إن الواو هذه لا تقتضي الترتيب، وأن الأصل: أدبر بهما وأقبل بدأ بمقدم رأسه، وإذا قُدم أحد المتعاطفين بالواو فلا مانع من ذلك، ولا تدل على الترتيب، في بعض الروايات عند البخاري وغيره، فأدبر بيده وأقبل، فدل على أن الحديث مروي بالتصرف، وأن الراوي جرى على ما تقتضيه الواو، وأنها لا تدل على الترتيب، وسواء قُدم المعطوف أو المعطوف عليه لا أثر له، وإلا فمقتضى الإقبال أن يبدأ بمؤخر رأسه ثم يقبل بهما إلى جهة الوجه ثم يذهب بهما إلى جهة الدبر الذي هو الخلف، لكن جاء البيان بالجملة المحكمة بدأ بمقدم رأسه، منهم من يقول: الإقبال والإدبار أمر نسبي إضافي، إيش معنى هذا الكلام؟ يوجه ابن دقيق العيد قوله: فأقبل بهما وأدبر يعني أقبل بهما إلى جهة القفا وأدبر بهما عنه، لكن هذا خلاف الظاهر، ولا يسلم من تكلف، وعلى كل حال كون الواو لا تدل على الترتيب، وجاءت الجملة بالعكس المعطوف معطوف عليه، والمعطوف عليه معطوف، عملاً بالنص في قوله: بدأ بمقدم رأسه، هذا نص لا يحتمل ما تحتمله الجملة الأولى، فإذا وجد الإجمال يؤخذ بيانه من النص الذي لا يحتمل مثل هذا.
"بدأ بمقدم رأسه -يعني الذي يلي الوجه- ثم ذهب بهما إلى قفاه"، "بدأ بمقدم الرأس ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه" وهو مقدم الرأس "ثم غسل رجليه".
في حديث عبد الله بن زيد -حديث الباب- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مسح بيده فأقبل بهما وأدبر» إلى هنا متفق على كونه مرفوع، وقوله: بدأ بمقدم رأسه هل هو من كلام عبد الله بن زيد يحكي ما فعله -صلى الله عليه وسلم- أو مدرج من كلام مالك يفسر به ما نقله عبد الله بن زيد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يقول ابن حجر: الظاهر أنه من أصل الحديث، وليس مدرج من كلام مالك، الظاهر أنه من أصل الحديث، إذاً هو قد يرد في بعض الروايات أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، دون التوضيح الذي يليه، ويرد كاملاً كما هنا، فهل نقول: إن من رواه ناقصاً اقتصر على الأصل، ومن رواه كاملاً روى الأصل وروى البيان والتفسير المدرج من كلام مالك؟ أو نقول: إن الراوي مرة يرويه ناقصاً ومرة يرويه كاملاً ولا مانع من أن ينشط الراوي ويسوق الخبر بكماله، وأحياناً يقتصر على بعضه؟ والاقتصار اقتصار الحديث واختصاره يجوز عند أهل العلم بشرطه، إذا كان المذكور لا يتوقف فهمه على المحذوف، يعني اختصار الأحاديث جائز عند أهل العلم، شريطة ألا يتوقف فهم المذكور على ما حذف منه، يعني لو تقول مثلاً: «إنما الأعمال بالنيات» وتسكت، يلام من يقول هذا الكلام؟ لأنه جملة كاملة مستقلة تستقل بمعناها، كما أنه لا يلام إذا قال: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] أو نقول: لا بد أن يكمل الآية؟ ما يلزم، لكن إذا كان المحذوف لا بد منه لفهم المذكور فلا بد من ذكره، إذا كان وصف مؤثر في الحكم إذا كان استثناء لا بد من ذكره، يستطع أحد أن يقول: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» ويترك «إذا كان يداً بيد»؟ لا؛ لأن هذا يترتب عليه خلل في الحكم، فلا بد من ذكره، وهنا لا يتأثر الحكم إنما هو مجرد بيان، فيرويه الراوي مرة ناقصاً ومرة كاملاً، ويكون حينئذٍ مقبولاً.
ومن شرط الحكم بالإدراج أن يرد ولو في رواية ما يبين أنه مدرج، يعني لو أنه جاء في رواية عن عبد الله بن زيدٍ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، قال مالك: بدأ بمُقدم رأسه إلى أخره، حكمنا عليه بأنه مدرج؛ لأن هذه الرواية بينت، لكن لم يرد في رواية من الروايات إضافته إلى مالك، فدل على أنه من أصل الحديث كما قرر ذلك ابن حجر.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن معاوية" وهو مخرج عند أبي داود، حينما حكا وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- "والمقدام بن معد كرب" وهو عند أبي داود أيضاً "وعائشة" عند النسائي.
"قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وهو مخرج عند بقية الجماعة في الصحيحين وبقية السنن، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، قال ابن عبد البر: المشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره، يعني وإن كانت جملة: "فأقبل بهما وأدبر" تحتمل هذا، تحتمل العكس، بل هو الظاهر منها لو جاء بحرف العطف الذي يقتضي الترتيب لتعين حمله على هذا "فأقبل بهما ثم أدبر"، أو "فأقبل بهما فأدبر" تعيَّن حمله على أنه بدأ بالمؤخرة، لكن لما جاء بالواو التي لا تقتضي الترتيب، وجاء بيانه بنصوص صحيحة صريحة، لا محيد عن القول به، نعم.
عفا الله عنك
باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس:
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه، ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً، وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث، منهم وكيع بن الجراح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء أنه يَبدأُ -أو يُبدأُ- بمؤخر الرأس" يعني خلاف ما دل عليه الحديث السابق والترجمة السابقة، والترمذي لم يحكم بحكم يعني لم يترجم بحكم شرعي يجزم به لكن هو يحيل في ذلك كله على ما جاء منقولاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني الترمذي في الغالب لا يترجم بحكم يجزم به، وإنما يترجم بكلام خبري يحيل به إلى ما يورده من دليل، يعني لو قال: باب البداءة بمقدم الرأس، ويحيل على ما جاء، باب ما جاء في مسح الرأس، باب: ما جاء في أنه يبدأ بمؤخر الرأس، وباب: ما جاء أن مسح الرأس مرة، فهو يُحيل على ما في الخبر من حكم، ولا يجزم بشيء معين، اللهم إلا في تعقيبه للأحاديث هذا أصح وهذا أرجح، ولذا تجدون الترمذي رحمه الله يورد النص ويورد ما يخالفه، يعني ميزة السنن وترجيح أهل العلم للسنن على المسانيد لماذا؟ لأن أهل السنن يترجمون بأحكام شرعية، باب: حكم كذا، ثم يورد ما يدل عليه، فإذا ترجم بحكم شرعي فهل يعدل إلى ذكر المرجوح مع وجود الراجح؟ هو يترجم بحكم شرعي، ويريد أن يستدل لهذا الحكم الشرعي، هو أثبت هذا الحكم ويريد أن يؤيد هذا الحكم بدليل شرعي، فهل يذهب إلى دليل مرجوح مع وجود ما هو أرجح منه؟ لا، ولذلك أهل السنة ينتقون أقوى ما عندهم يستدلون به على ما يترجمون به من أحكام، وأما صاحب المسند فإنه يترجم باسم صحابي، وعلى هذا يورِد ما بلغه من مرويات هذا الصحابي سواءً منها ما ثبت وما لم يثبت، ولذا رجحت السنن على المسانيد من هذه الحيثية، ولذا يقول الحافظ العراقي:
ودونها -يعني دون السنن-.
ودونها في رتبة ما جعلا |
| على المسانيد فيدعى الجفلا |
يعني تدعى الأحاديث بالعموم من غير تعيين لآحادها، يعني دعوة الجفلا يعني حينما يقف الواحد بباب المسجد ويقول: الليلة زواج فلان لا يخلين أحد، كما كان يفعل قبل البطاقات، هذا يختلف عما لو دخل المسجد وجلس عند فلان وقر في أذنه ثم جلس عند فلان ترك اثنين ثم ذهب إلى الرابع فقر في أذنه، ثم ذهب إلى العاشر فقر في أذنه هذه.......، يعني يخصص من يريد، وهذه طريقة أهل السنن، أما المسانيد ويدعون الجفلا أي حديث ورد عن فلان يوريدونه ويثبتونه، هذا المزية التي يذكرها أهل العلم للسنن ويبرهنون عليها بأن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي يستدل له بأقوى ما يجد في الباب، توجد عند الترمذي وإلا ما توجد؟ الآن هل الترمذي يجزم بأحكام شرعية في الترجمة ثم يورد ما يدل لها؟ أو يحيل على ما ورد في الاستنباط يحيل على ما ورد من دليل باب ما جاء في كذا؟ نعم؟ يعني له نستطيع أن نقول: اختيار الترمذي رأي الترمذي من خلال الترجمة أنه يبدأ بمُقدم الرأس أو بمؤخر الرأس من خلال التراجم ما نستطيع أن نحكم بهذا، لكن في ترجيحاته وتعقيباته في أواخر الأبواب نأخذ اختيارات الترمذي، ولذا تجدونه يترجم باستنباط من حديث ثم يترجم بنقيضه؛ لأنه يروي حديثاً يخالف الحديث الأول، يقول: باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس؛ لأن القارئ حينما يقرأ الترجمة الأولى: باب: ما جاء أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، ثم باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس ويش يستفيد القارئ؟ هل استفاد حكم ثابت متقرر من خلال الترجمتين؟ لا، بينما فقه الأئمة في تراجمهم، فقه الأئمة إنما تؤخذ من تراجمهم للأحاديث.
يقول: "حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن المفضل" بن لاحق الرقاشي، وهذا تقدم، ثقة، ثبت توفي سنة سبع وثمانين ومائة "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" وهذا أيضاً تقدم في الحديث الثالث، تقدم في الحديث الثالث، وتقدم قول الترمذي فيه: صدوق تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وتقدم قول البخاري: مقارب الحديث "عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيِّع بنت معوذ بن عفراء" من المبايعات تحت الشجرة -رضي الله عنها وأرضاها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه ثم بمُقدمه" البيان: مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، البيان هذا بيان للمسح أو بيان للعدد حينما قالت: مسح برأسه مرتين ثم بينت بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه؟ نعم؟ بيان للمسح، يعني كرر هذا مرتين لا شك أن أكثر ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- مفصلاً من فعله -عليه الصلاة والسلام- أن المسح مرة واحدة، وأما ما جاء ما يدل على أنه كرر المسح هذه من أحاديث مجملة، أما من قول الراوي: "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" فأدخلوا فيها الرأس، وسيأتي أن مسح الرأس مرة يأتي الخلاف فيه -إن شاء الله تعالى-، لكن لكي تمشي الأحاديث في مساق واحد قال أهل العلم: قولها: بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه بيان للمرتين، بيان للعدد، أنه مرة بدأ بمؤخر الرأس ثم المرة الثانية بدأ بمقدمه، بمعنى أنه أمر اليدين على الرأس مرتين ذهاباً وإياباً، ولا يعني أن المسح وقع مرتين، فقولها: بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه بيان للمرتين وليستا مسحتين، كما يفيده ظاهر اللفظ؛ لتتفق النصوص، وقال ابن العربي: هذا تحريف من الراوي بسبب فهمه، فإنه فهم من قوله: "فأقبل بهما وأدبر" أنه يقتضي الابتداء بمؤخر الرأس فصرّح بما فهم منه وهو مخطئ، يعني فهم منه أن الإدبار والإقبال مسحة، فحكم بأن المسح مرتين، الراوي أحياناً مع قول جماهير أهل العلم بجواز الرواية بالمعنى قد يهجم على ذهنه فهم معين ثم يروي الحديث من خلال هذا الفهم، يعني كما جاء في صحيح مسلم في حديث أنس: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" فهم الراوي أنهم لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم فصرح بما فهم، فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في أخرها، صرح بما فهمه من المتن من النص، أولاً: هو فهم من الراوي ثم بعد ذلك لما فهم صرح بفهمه بناء على جواز الرواية بالمعنى، وفي هذا يقول الحافظ العراقي:
وعلة المتن كنفي البسملة |
| إذ ظن راوٍ نفيها فنقله |
وابن حجر يقول: إنه يحمل عدم الذكر على عدم الجهر، يعني لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً في أول قراءة ولا في أخرها، ومثل هذا يستحسن صيانة للصحيح، فهنا الراوي لما سمع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقبل بيده ويدبر أنه يمسح مرتين، مرة للإقبال ومرة للإدبار، وهذا تحريف معنوي، هذا ما قاله ابن العربي في العارضة، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، الرواية هنا (ثم) الراوية الأولى أقبل وأدبر، نقول: الواو لا تقتضي الترتيب لكن (ثم) إذا أثبتنا هذه الرواية لا بد أن نقول: إنه يبدأ بمؤخر الرأس، كما قلنا في السابق: إنه يبدأ بمقدمه، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، ولا شك أن الحديث السابق حديث عبد الله بن زيد أرجح؛ لأنه في الصحيحين، فمقدم على هذا الحديث ولذا قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً" لأنه في الصحيحين، وحسن حديث الباب للكلام المذكور في عبد الله بن محمد بن عقيل الذي تقدم، ومثله يُحسن له.
"بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه" إذا قلنا: بالترجيح رجحنا حديث عبد الله بن زيد كما فعل الإمام الترمذي، وإذا قلنا كما قال بعضهم أنه ثبت مثل هذا الفعل بالبداءة بمؤخر الرأس لبيان الجواز، وأنه لا مانع من أن يبدأ بمقدم الرأس أو بمؤخره، الأمر فيه سيان، المقصود أنه يعم الرأس مرتين ذهاباً وإياباً، لا أن المسح يكون مرتين إنما الإقبال والإدبار يكون مرتين، الذهاب مرة والإياب مرة، والفائدة من الإقبال والإدبار والمسح ذهاب وإياب، قالوا: ليعم المسح الشعر، ما أقبل منه وما أدبر، يعني الجهة؛ لأن كل شعرة لها جهات، الشعرة له جهات، يعني لو مسحه مرة من هنا إلى الآخر ما أدبر به مرة ثانية كان مسح وجه واحد للشعر، لكن لما أعاده مسح الوجه الثاني من الشعر.
"وبأذنيه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما" وسيأتي كيفية مسح الأذنين، يقول: وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث منهم وكيع ابن الجراح، والحسن بن صالح بن حي، وروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يبدأ من وسط رأسه ولا يصح، ولا شك أن المرجح أن يبدأ بمقدم رأسه، كما جاء في المتفق عليه، وإذا فعل ما في هذا الحديث في بعض الأحيان بأن يبدأ من مؤخر الرأس فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-، فإذا قلنا بالترجيح رجحنا حديث عبد الله بن زيد لأنه في الصحيحين، وإذا قلنا: إنه يجوز هذا وهذا وفعل هذا مرة لبيان الجواز فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى-، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيِّع بنت معوذ بنت عفراء أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ قالت: مسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه مرة واحدة".
قال: وفي الباب عن علي وجد طلحة بن مصرف بن عمرو.
قال أبو عيسى: وحديث الربيع حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح برأسه مرة، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا مسح الرأس مرة واحدة.
حدثنا محمد بن منصور المكي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت جعفر بن محمد عن مسح الرأس أيجزئ مرة؟ قال: إي والله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة" باب: ما جاء أن مسح الرأس مرة واحدة.
"قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل" قتيبة هو ابن سعيد تقدم مراراً "قال: حدثنا بكر بن مضر" بن محمد بن حكيم، وثقه أحمد وابن معين، توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة "عن محمد بن عجلان" المدني، صدوق "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" تقدم، وأنه تُكلم فيه من قبل حفظه "عن الربيع بنت معوذ بن عفراء" الصحابية التي تقدم ذكرها في الحديث السابق "أنها رأت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ قالت: مسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه، مرة واحدة".
في حديثها السابق: "مسح رأسه مرتين" وفي هذا الحديث: "مسح رأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة" وهناك حكم الإمام الترمذي -رحمه الله- على الحديث بأنه حسن، وهنا حكم عليه بأنه صحيح، يعني حسن صحيح، وحكم على ذلك بأنه حسن؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وابن عقيل موجود هنا أيضاً، فكونه حسن له في الموضع الأول، وصحح له في الموضع الثاني هذا اضطراب في الحكم وإلا ما هو باضطراب؟ نعم؟ نعم يا إخوان؟ هل نقول: إن هذا اضطراب في الحكم؟ نعم يعني الحديث الأول ورد من طريق ابن عقيل عبد الله بن محمد بن عقيل ويحسن لمثله، لا مانع أن يحسن لمثله، والكلام فيه لأهل العلم معروف، تقدم في كلام الترمذي أيضاً، وهنا موجود في الإسناد نفسه وقال: حديث حسن صحيح نعم، هناك حسنه لعدم وجود ما يشهد له، يعني حكم عليه بمفرده، يعني قولها: مسح برأسه مرتين وبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه هذا لا يوجد ما يشهد له، وحقه بمفرده أن يحكم عليه بأنه حسن، لكن هذا الشواهد تدل عليه بأنه مسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر، الأدلة كلها تدل على هذا "وصدغيه وأذنيه مرة واحدة" فقولها: إنها رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ، قالت: ومسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، العطف هنا للمغايرة أو هو عطف تفسيري؟ هل نستطيع أن نقول: للمغايرة؟ المعطوف غير المعطوف عليه؟ لا هذا عطف تفسيري، لقوله: مسح رأسه أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر الرأس إلى مقدمه، فهو عطف تفسيري، "وصدغيه" الصدغ: الموضع الذي بين العين والأذن، والشعر المتدلي على ذلك الموضع، الصدغ وهو ما بين العين والأذن تبع الوجه وإلا تبع الرأس؟ وصُدغيه وأذنيه مرة واحدة، ومقتضى الحديث أنه مسح الصدغين ولم يغسل الصدغين، ومقتضاه أيضاً أن هذا المسح مرة واحدة، فعلى هذا الصدغان تابعان للرأس، وهما ما بين العين والأذن وتحديد الوجه عند أهل العلم طولاً وعرضاً ممن منابت شعر الرأس إلى الذقن طولاً وعرضاً من إيش؟ نعم من الأذن إلى الأذن، فالأصداغ على هذا داخلة في الوجه، فهذا الحديث مقتضاه أن الأصداغ تابعة للرأس، هذا ظاهر اللفظ، مسح رأسه، مسح ما أقبل منه وما أدبر، وصدغيه وأذنيه مرة واحدة، الأذنان على ما سيأتي الخلاف فيهما والأكثر على أنهما من الرأس لا إشكال فيه، لكن الصدغين هل المتجه كونهما من الوجه أو من الرأس؟ عرفنا أن مقتضى الحديث أنهما من الرأس، وأنهما تابعان للرأس، فمرة واحدة متعلق بمسح، والحديث يدل على مشروعية مسح الصدغ والأذن وأنهما يمسحان مع الرأس مرة واحدة، لكن مقتضى تحديد الوجه عند أهل العلم أن الصدغين داخلان في الوجه.
"قال: وفي الباب عن علي" عند الترمذي وابن ماجه "وجد طلحة بن مصرف بن عمرو" يعني عن أبيه عن جده طلحة بن مصرف بن عمرو عن أبيه عن جده، وهو مخرج عند أحمد وأبي داود، لكنه ضعيف.
"قال أبو عيسى: وحديث الربيع حديث حسن صحيح" قال الشوكاني: في تصحيحه نظر؛ لأن في إسناده ابن عقيل وفيه ما تقدم، يوجد ما يشهد لقولها مرة واحدة في مسح الرأس، لكن هل يوجد ما يشهد لكون الصدغين من الرأس؟ الإمام الترمذي صحح الحديث وحسّن الذي قبله والعلة واحدة، قلنا: إنه صحح الثاني لوجود ما يشهد له، نعم نجد ما يشهد لكون المسح مرة واحدة، لكن هل نجد ما يشهد لمسح الصدغين مع الرأس، ولذا الشوكاني يقول: في تصحيحه نظر؛ لأن في إسناده ابن عقيل، وقد تقدم ما فيه، وقد روي من غير وجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح برأسه مرة، أنه مسح برأسه مرة، وهذا رواه الطبراني من حديث أنس، قال ابن حجر: وإسناده صالح، وفيه أحاديث أخرى مذكورة في نصب الراية والتلخيص ونيل الأوطار.
الحديث فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ كون المسح مرة واحدة لا إشكال فيه، له ما يشهد له، ويصحح من هذه الحيثية، لكن كون الصدغين تابعين للرأس هذا هو محل الإشكال.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم" يعني أنه يمسح مرة واحدة، الرأس يمسح مرة واحدة، وكلام الترمذي في هذا الباب منصبٌّ على هذه المسألة، وهو مسح الرأس مرة واحدة دون ما عداها، يقول: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمد" جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب المعروف بجعفر الصادق، ابن علي بن الحسين زين العابدين "وسفيان الثوري وابن المبارك" معلوم أن أهل السنة أهل إنصاف يعني جعفر بن محمد إمام من أئمة المسلمين، وثقة من ثقات الرواة، مخرج له في الصحيح، وتنقل أقواله عند الفقهاء، ولا يضيره ما نسج عليه وافتري عليه، وكذب عليه من قبل من يزعمون إتباعه "وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق رأوا المسح مرة واحدة" قال الإمام البغوي في شرح السنة: اختلفوا في تكرار المسح هل هو سنة أم لا؟ فالأكثر على أنه يمسح مرة واحدة، ومنهم الأئمة الثلاثة والمشهور من مذهب الشافعي أن المسح بثلاثة أصابع، بثلاثة مياه جديدة، يعني يكرر المسح ثلاث مرات، لكن لبعض الرأس لا لجميعه، فيكرر المسح والتبعيض عندهم معروف، ويختلفون فيما يمسح من الرأس، منهم من يقول: ثلاثة أصابع، ومنهم من يقول: قدر الربع، ومنهم من يقول: يكفي ولو ثلاث شعارات، ثم من يخالف في مثل هذا يقول: يكرر المسح، ولا شك أن السنة مع تعميم مسح الرأس، يعني يمسح جميع الرأس مرة واحدة، وعلى هذا دلت الأخبار، يقول: فعلم أن للشافعي قولين في مسح الرأس، أن الترمذي ذكر الإمام الشافعي فيمن يقول: إن المسح مرة واحدة، والمعروف عند أتباعه من الشافعية أنهم ينقلون عنه أنه يقول بالتكرار، كغير الرأس من الأعضاء، وسيأتي تكرار المسح وسيٍأتي أيضاً تكرار غسل الأعضاء وإفراد الأعضاء جميعها والوضوء مرتين، والوضوء ثلاثًا، والوضوء الملفق بعضه مرة وبعضه مرتين وبعضه ثلاث كل ذلك في حيِّز الجواز.
قال: "حدثنا محمد بن منصور" بن داود الطوسي العابد ثقة، قال: "حدثنا محمد بن منصور المكي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت جعفر بن محمد" اللي هو الصادق "عن مسح الرأس أيجزئ مرة؟ قال: إي والله" إي بكسر الهمزة حرف إيجاب، مثل (نعم) و(أجل) إي والله، وأكّد ذلك بالقسم، وأكثر النصوص على أن المسح مرة واحدة، النصوص المبينة المفسرة تدل على أن المسح مرة واحدة، وسيأتي من النصوص المجملة ما يستدل به من يقول: بتكرار المسح، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء أنه يؤخذ لرأسه ماء جديداً:
حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: حدثنا عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ، وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديداً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء أنه يؤخذ لرأسه ماء جديداً" نعم لأنه فرض مستقل وليس تابعاً لغيره، يُمسح بما بقي من غسل غيره، هو فرض مستقل يؤخذ له ماء جديد، وليس بتابع كالأذنين تمسحان بما بقي من ماء الرأس.
"قال: حدثنا علي بن خشرم" المروزي، ثقة، "قال: أخبرنا عبد الله بن وهب" بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه، الحافظ، توفي سنة تسع وتسعين ومائة، يعني كم مر علينا من تراجم الرواة من قول أهل العلم: القرشي مولاهم، الكذا مولاهم، مولاهم كم مر علينا؟ كثير جداً، وفي عصر التابعين السادة في أكثر أقطار الإسلام وأقاليم المسلمين كلهم من الموالي إلا ما ندر، يدل على أن: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» فالمسألة مسألة دين وعمل، والله -جل وعلا- لا ينظر إلى الأنساب، لا ينظر إلى الصور والأشكال ينظر إلى القلوب والأعمال، وأكثر الموالي حازوا قصب السبق، ولا يعني هذا أن العرب تخلَّفوا لا، لكن حكمة إلهية؛ لبيان أن الأنساب لا تنفع، فعلى الإنسان أن يجتهد ويجد ويحصل، عطاء بن أبي رباح يفتي في عصر الصحابة، بل الصحابة يدلون عليه من جاء يستفتي، عطاء بن أبي رباح، وفيه أكثر العاهات، معوَّق رجل معوق، وفيه عاهات بدنية كثيرة، ومع ذلك الملوك تهابه هيبة لا نظير لها عند غيره، والمسألة مسألة دين وإرث نبوي، بقدر ما يرثه الإنسان من علم وعمل يرث من: «نصرت بالرعب» والله المستعان، فمثل هذا شوف هذا ابن وهب إمام من أئمة المسلمين مولاهم.
"حدثنا عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري مولاهم" كم مر مولاهم من مرة في كل حديث؟ مرار، فلا يتكل الإنسان على نسبه ولا يعتمد عليه، النسب لا يقدم ولا يؤخر.
"قال: حدثنا عمرو بن الحارث" بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري، أبو أيوب، ثقة، مات قبل الخمسين ومائة "عن حبان بن واسع" بن حبان بن منقذ، صدوق من الخامسة "عن أبيه" واسع بن حبان، صحابي وقيل: من كبار التابعين "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم المازني تقدم ذكره "أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه" أي بماء جديد، لا بما بقي بعد غسل يديه، بل أخذ ماء جديداً للرأس؛ لأنه فرض مستقل، ولا يجزئ أن يمسح الرأس بما بقي من فضل اليدين.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم بأطول من هذا السياق، قال الإمام الترمذي: "وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه" هكذا عندكم؟ في غير هذا عندكم يا الإخوان؟
طالب:........
إيش.
طالب: غبر...
طيب نعم غبر أيضاً، إيه؛ لأنه يقول: وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً، الكلام هذا والمفاضلة، يمكن أن يقول هذا الكلام ويرجح بين حديثين متفقين من حيث المعنى أو مختلفين؟ الآن حينما يرجح رواية عمرو بن الحارث على رواية ابن لهيعة، هل يمكن أن يتعرض للترجيح مع الاتفاق في المعنى أو مع الاختلاف؟ مع الاختلاف، وإذا مشينا على الرواية التي عندنا في تحقيق الشيخ أحمد شاكر وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه ما في اختلاف، فلا نحتاج الترجيح، ولذا جاء في بعض الأصول: بماءٍ، أو بما غبر، أو بماء غبر، النسخ ليس فيها من...، نقرأ كلام الشيخ أحمد شاكر الطويل في تعليقه على هذه الجملة يقول: وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه كذا في (ع) وهي من أصح الأصول، وفي (هـ) و(ك): بماء أو بما غبر فضل يديه؛ لأن ما فيها من بما وليست بماءٍ بما يعني بالذي وغبر فضل يديه، وفي (ب) الذي هي طبعة بولاق: بماءٍ غبر من فضل يديه، يقول الشيخ -رحمه الله- وهذا الموضع من المواضع المشكلة في كتاب الترمذي، وتحقيقه عسير، أولاً: لا بد من أن نقرر أن هذا الموضع مخالف للذي قبله، وإلا لما احتاج الترمذي إلى الترجيح؛ لا بد من هذا؛ لأنه لو كانت هذه الرواية موافقة للذي قبلها ما احتاج إلى الترجيح، يقول: وتحقيقه عسير فإن الترمذي عقد الخلاف في هذا الحرف بين عمرو بن الحارث وابن لهيعة، فعنده أن رواية كل منهما تخالف الأخرى، ولذلك رجح رواية ابن الحارث، ويفهم من كلامه أن رواية ابن لهيعة تدل على أن مسح الرأس لم يكن بماء جديد؛ لأن لو كانت بماء جديد لوافقت راوية عمرو بن الحارث التي تقدمت، بل كان بفضل الماء أعني بالبلل الذي في اليدين، وقد اضطرب الشراح هنا في ضبط الكلمة، فبعضهم ضبطها بما غبر فضل يديه، وجعل (ما) موصولة، يعني بالذي غبر، وغبر بفتح العين والباء أي فعلاً ماضيـاً، وأعرب فضل بالجر بدلاً من (ما) الموصولة وهو تكلفٌ شديد، يبقى أن اللفظ فيه ركة، يقول الشيخ: والذي أظنه أن نسخة الترمذي إما أن تكون بما غبر من فضل يديه، يعني كما جاء في نسخة بولاق، أي بما بقي؛ لأن غبر معناها بقي، والغابر الباقي؛ لأن غبر معناها بقي، والغابر الباقي، لما طبع كتاب الذهبي -رحمه الله- (العبر في خبر...) للذهبي كتاب في خمسة مجلدات في التاريخ اسمه: (العبر في خبر من غبر) طبع في الكويت طبعته الأولى كثر الكلام حوله، وأن صواب التسمية: (العبر في خبر من عبر) بالعين المهملة لا بالغين؛ لأن من غبر يعني بقي، وهل الكتاب في أخبار من بقوا وإلا من عبروا ومضو؟
طالب: من عبروا.
من عبروا، وكتب في المجلات العلمية تحقيقات حول هذا، حتى قال بعضهم: إن غبر من الأضداد تطلق على الباقي وعلى الماضي، لكن حق التسمية أن تكن عبر في تاريخ الحافظ الذهبي -رحمه الله-.
نعود إلى ما عندنا يقول: والذي أظنه أن نسخة الترمذي إما أن تكون بما غبر من فضل يديه، يعني كما جاء في طبعة بولاق، أي بما بقي؛ لأن غبر معناها بقي، والغابر الباقي، هذا إذا ثبت في النسخ حرف (من)، وإذا لم يثبت كان الراجح بماء غُبْر فضل يديه، وتضبط غبر يديه بضم الغين وإسكان الباء، وهو بمعنى الباقي، قال في اللسان: "وغُبْر كل شيء بقيته" وهذا كله لضبط الرواية عند الترمذي على ما فهمه هو من التغاير بين روايتي ابن الحارث وابن لهيعة، هو لما رجح فهمنا أنه فهم التغاير، لما رجح بينهما؛ لأن الراوية المتفقة لا تحتاج إلى ترجيح، وهذا كله لضبط الرواية عند الترمذي على ما فهمه هو من التغاير بين روايتي ابن الحارث وابن لهيعة، وقد أخطأ الترمذي في هذا يقول الشيح أحمد شاكر، أو أخطأ أحد شيوخه الذين بينه وبين ابن لهيعة في الرواية، وهو لم يذكرهم حتى نعرف درجتهم من الضبط والإتقان، والصواب أن رواية ابن لهيعة كرواية عمرو بن الحارث؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام الترمذي فهم هذا، ورجح بينهما لماذا الشيخ أحمد شاكر يثبت رواية ابن لهيعة مثل رواية عمرو بن الحارث؟ ما غيَّر في الكتاب، قال: وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، خليكم معنا يا الإخوان هذا الموضوع مهم في بباب التحقيق، الآن الترمذي فهم التغاير وأنت أيها المحقق المعلق فهمت عدم التغاير، وأن رواية ابن لهيعة مثل رواية عمرو بن الحارث لا تختلف، وأن الترمذي أخطأ في فهمه، وترجيحه في غير محله، يقول: وقد أخطأ الترمذي في هذا أو أخطاء أحد شيوخه الذين بينه وبين ابن لهيعة في الرواية، وهو لم يذكرهم حتى نعرف درجتهم من الضبط والإتقان، والصواب أن رواية ابن لهيعة كرواية عمرو بن الحارث، فقد رواه الدارمي في سننه قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد المازني قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالجحفة، فتمضمض واستنشق ثم غسل وجه ثلاثاً، ثم غسل يديه ثلاثاً، ثم مسح رأسه وغسل رجليه حتى أنقاهما، ثم مسح رأسه بماء غير فضل يديه".
قال أبو محمد -هو الدارمي-: يريد به تفسير "مسح" الأول، هذا نص رواية الدارمي وهو إمام ثقة حجة، وشيخه يحيى بن حسان كان ثقة مأموناً عالماً بالحديث، وقد فهم الدارمي الحديث على وجهه، وأنه كرواية عمرو بن الحارث، ولذلك جعل عنوان الباب الذي ذكره فيه: "باب: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذ لرأسه ماء جديداً، ورواه أحمد في المسند مرتين عن موسى بن داود عن ابن لهيعة، وفيه: "بماء غير فضل يديه" ورواه أيضاً مرة ثالثة عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة قريباً من رواية الدارمي، ورواه مرة رابعة عن علي بن إسحاق وعتّاب عن ابن المبارك عن ابن لهيعة، وفيه: "بماء من غير فضل يديه" فظهر لنا من كل هذا أن نقل الترمذي عن ابن لهيعة أن روايته مخالفة لرواية ابن الحارث نقل غير صواب، والله أعلم ما رأيكم في هذا الكلام؟ الشيخ أحمد -رحمه الله- من أهل التحري وأهل التحقيق، لكن أين مقام أحمد شاكر من مقام الترمذي في عصر الرواية؟! عاصر الرواة، وعرف ألفاظهم، ونقل من أفواههم، هذا التصحيف الذي جاء في كتاب الترمذي ألا يمكن أن يسري على كتاب الدارمي؟ التصحيف بين (غير وغَبَر أو غُبْر) كما وجد في كتاب الترمذي يوجد في كتاب الدارمي، ونخطئ إمام من أئمة المسلمين في فهمه وقد تلقّى الحديث مشافهة من الرواة، ما اعتمد على صحف مثلنا إحنا وجدنا هذه الأحاديث في هذه الكتب، يعني غاية ما عندنا أننا نقارن رواية هذا برواية هذا، ونوجد فروق، ونرجح ما نميل إليه، ويظهر لنا حسب اجتهادنا بقدر ما أوتينا من فهم، لكن الوضع يختلف عندنا وعندهم، هم تلقوا الأحاديث بالمشافهة، فكيف يجرأ الشيخ أحمد شاكر على إمام حافظ مثل الترمذي ويقول: إنه أخطأ في فهم الحديث، نعم الترمذي ليس بمعصوم، وقد يوجد عند المتأخر شيء من يوفق لفهم معين قد يخفى على من قبله، هذا ما في إشكال «ورب مبلغ أوعى من سامع» لكن يبقى أن الجرأة والتخطئة لإمام بهذه الطريقة، الأخطاء والأوهام ما سلم منها أحد، لكن لأننا وجدنا في الترمذي وفي مسند أحمد ما يقتضي هذا أننا نخطِّئ ، تعقيب الترمذي بالتخطئة والتوهيم والترجيح لرواية عمرو بن الحارث على رواية ابن لهيعة دل على أنه تلقاها مشافهة فمثل هذه الجرأة وإن كان الشيخ -رحمه الله- من أهل التحري والتثبت والتحقيق والإطلاع الواسع والاستقراء لكن هو في مقابل من؟ هو مقابل محقق ثاني من المتأخرين؟ لا، حتى لو قال هذا بالنسبة لابن حجر أو الذهبي الأمر سهل؛ لأنهم مثلنا يعني تلقوا من الصحف، لكن يبقى أنه في إمام تلقى من أفواه الرواة، يقال مثل هذا الكلام؟ هذا لا شك أنه يحتاج إلى تأني وتثبت.
يقول: "ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً" استدلالاً بحديث الباب، وفي حديث الربيع بنت معوذ عند أبي داود ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه من فضل كان في يده، جاء في حديث الربيع بنت معوذ عند أبي داود ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- أخذ لرأسه ماء جديداً.. أنه يقول: في حديث الربيع بنت معوذ عند أبي داود ما دل على أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح برأسه من فضل ماء كان في يده، وهذا تؤيد رواية: "ما غبر".
قال السيوطي: استدل به من يرى طهورية الماء المستعمل، لكن في إسناده ابن عقيل وفيه ما تقدم، فإن صح حمل على جواز الأمرين، يعني أنه مرة يمسح بماء جديد، ومرة بماء بقي من يديه، طيب نقف على هذا.
وصلى الله وسلم..
"هو منسوب إلى الصباح فإذا أدي في الصباح كان في وقته وكذلك المساء، لكن اقترانه في كثير من النصوص بغروب الشمس وطلوع الشمس يدل على أنه كلما قرب من غروبها وقرب من طلوعها كان أفضل، كما قرر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله-.
وهذا سؤال قريب منه: يقول: بعض الناس يفضلون ألفية السيوطي على ألفية العراقي ما ندري أيهما أحسن بالنسبة للحفظ والفهم وجزآكم الله خيراً؟
على كل حال وجوه التفضيل كثيرة، ولو لم يكن فيها إلا إمامة الحافظ العراقي بالنسبة للسيوطي، وأنه إمام يقلد في هذا الباب، والعلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، على أن ألفية العراقي أسهل وأوضح وأكثر في الأمثلة والتعاريف والخلاف والأدلة، نعم هناك زيادة أنواع في ألفية السيوطي، وزيادة بعض المسائل يمكن أن تؤخذ من ألفية السيوطي، لكن ألفية العراقي هي الأصل في هذا الباب، وهناك وجوه كثيرة للمفاضلة بينهما بالأمثلة تصدر -إن شاء الله تعالى- مع شرح السخاوي.
يقول: وغيركم... إلى أخره؟
المقصود أن وجود الخلاف في مثل هذه المسائل كغيرها من المسائل، المفاضلة بين الصحيحين معروفة بين أهل العلم بين البخاري ومسلم، مع أنه لا نسبة بينهما ولا مقارنة لمن تأمل في حقيقة الأمر، لكن مع ذلك الخلاف لا بد أن يوجد، وألفية العراقي هي الأصل، السيوطي يعترف بهذا ويقول:
واقرأ كتاباً تدري منه الاصطلاح
كهذه أو أصلها وابن الصلاح
وبين أن المراد بالأصل هو ألفية العراقي، ألفية العراقي هي الأصل، ولذا تجد في كثير من المواضع نصف البيت شرط البيت يأخذوه من العراقي ثم يكمله هو، نعم فيها زيادات تؤخذ منها لا بأس، لا بأس أن تؤخذ منها، لكن أصل العلم موجود في ألفية العراقي.
يعني كيف يثبت حكم ومستنده ضعيف؟ معلوم أن الإمام أحمد من أصوله العمل بالحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب غيره؛ لأنه عنده أقوى من أراء الرجال، فقد يقول بهذا أحياناً لا سيما إذا توجه له الحكم بعمومات ووجد من يخصه ولو كان ضعيفاً.
إذا كان الضعف منجبراً في هذه الطرق فإنه يرتقي إلى درجة القبول، وأكثر أهل العلم على أنه يصل إلى درجة الحسن، بمعنى أنه لا يرتقي أكثر من درجة، ومنهم من يرى أنه إذا كثرت هذه الطرق، وارتقى ببعضها إلى الحسن لا مانع من أن يرتقي بباقيها إلى الصحيح لغيره، منهم من يقول هذا، وكأن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يميل إلى هذا، لكن إذا كان الشاهد للحديث في الصحيحين أو في أ حدهما ولو كان الخبر الأصل ضعيف لا مانع من الحكم عليه بالصحة.
أما ما ذكر في أن الملائكة بلا شهوة فهذا صحيح وأنهم عقلاء ولهم عقلاء خلافاً لمن يقول: إنهم غير عقلاء يعني وجد من يقول هذا، ممن ينتسب إلى العلم؛ لأنه لم ينص على أن لهم عقول، ولا نثبت إلا ما ثبت عن الله عالم غيبي لا نثبت لهم إلا ما ثبت، لكن ضد العقل الجنون، ولا يمكن أن يقال لمن هم في الخدمة أنهم غير عقلاء، وفي هذا مصنفات وردود على من قال بهذا، فلا شك أنهم عقلاء لكن لا شهوة لهم، جُردوا من الشهوة، والبهائم لا عقول لها وإن كان لها قوات مدركة، قوى مدركة تدرك بعض ما ينفعها وبعض ما يضرها، وبه تهرب البهيمة ممن يريد الإضرار بها، وتسعى لتحصيل رزقها، لكنها ليست هذه عقول إنما قوى مدركة كما يقول أهل العلم، وأما بنو آدم ففيهم العقول وفيهم الشهوات، المسألة سجال بين هذا وهذا، ولا شك أن من غلب عقله شهوته والمراد بالعقل المخطوم بخطام الشرع وإلا قد يمتنع الإنسان من الشهوة ويدّعي أنه عاقل لكن لا يمتثل شرعاً؛ لأنه وجد من يصوم ويترك الشهوات، لكنه صيام غير شرعي، وأحمد أمين يقول: إنه درسهم شخص في مدرسة القضاء الشرعي، وأعجبه علمه وخلقه وعبادته، ثم إنه فقده مدة طويلة وبحث عنه فلم يجده وبعد سنين يقول أحمد أمين: إنه ذهب إلى تركيا فوجد هذا الرجل وقد انقطع عن الدنيا وتفرغ للعبادة حتى صار صواماً قوماً، يصوم الدهر لكن متى يبدأ صيامه يقول: يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً، هذا ترك الشهوات، يبدأ من التاسعة صباحاً والعذر أقبح من الفعل، لماذا؟ يقول: العمارة التي يسكنها في شقة تحت الشقة التي يسكنها أسرة يهودية ويخشى أنه إذا قام لإعداد السحور في وقته أن يزعج هذه الأسرة، هذا ترك الشهوات لكن إلى إيش؟ إلى ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، وذكروا عن الفارابي أنه جاور في أخر عمره ولزم المسجد الحرام، وانقطع للعبادة والصيام والقيام والتأله إلا أنه يفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، مثل هذا ترك الشهوات لكن تركه بعقل أو بعقل مخطوم بخطام الشرع؟! هذا ضلال نسال الله السلامة والعافية.
يقول في نهاية السؤال: ومتى يكون ابن آدم أفضل من الملائكة؟
المسألة خلافية بين أهل العلم أيهما أفضل الملائكة أو الصالحين من بني آدم؟ ولا شك أن الأنبياء أفضل من الملائكة، هذا قول مقرر عند أهل العلم، لكن يبقى سائر بني آدم المسألة خلافية بين أهل العلم، والأدلة في الفريقين تكاد تكون متوازنة، وما على الإنسان إلا أن يسعى في إصلاح نفسه وفعل ما ينفعه، وإذا حدثته نفسه الشخص إذا حدثته نفسه أنه يسعى لئن يكون أفضل من الملائكة فليراجع نفسه، يعني غاية ما في الإنسان أن يسعى لخلاصه، وما يوصله إلى مرضات الله -جل وعلا- وجنته، وأن ينجو من عذابه، والمسألة تحتاج إلى توازن، تحتاج إلى توازن، فلا الشخص الذي تعبد سبعين سنة ويقول: إنه لم يسأل الجنة ولا مرة واحدة، يقول: ليس بكفء للجنة إنما يكفيه أن ينجو من النار، لا هذا ولا الشخص الذي إذا جلس في المسجد دقائق معدودة مع غلفة تامة وقلب غير حاضر ينتظر التشميت والتسليم، ممن ينتظر التشميت والتسليم؟ من الملائكة، إذا عطس وهو وحده في المسجد جالس كأنه فعل ما لم يفعله غيره -نسأل الله العافية-، لا هذا ولا ذلك الذي تعبد سبعين سنة ولا يسأل الجنة.
طالب:.........
وذاك أيضاً قنوط ويأس، لا هذا ولا هذا.
تكبيرة للانتقال فتكون بين الركن الأول والذي يليه في حال الانتقال، لكن إذا تأخر في التكبير إلى أن استقر قائماً أو استوى جالساً أو ساجداً أو راكعاً الصلاة صحيحة، لكنه أخطأ؛ لأن الأصل في التكبير أنه للانتقال.
إذا وصل البائع السوق، إذا وصل إلى السوق ما صار من التلقي، إنما التلقي المنهي عنه تلقي الركبان قبل أن يصل إلى السوق.
الأصل أن يبدأ بيمينه هو، اللهم إلا إذا بدأ بالأكبر، إذا ترتبوا ووجد في صدر المجلس شخص كبير السن أو القدر وبدأ به ثم من عن يمنيه فهو أولى.
إذا كانت الملابس تغسل في محل قضاء الحاجة فلا يجوز أن يدخل مثل هذا الكلام الذي فيه ذكر لله، وذكر لرسوله -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأماكن، أما إذا كان مجرد غسيل دون محل قضاء الحاجة فلا بأس.
إذا كان السجود قبلي قبل أن يسلم الإمام يسجد معه، يسجد معه للمتابعة ولا ينفصل عنه إلا إذا سلّم، أما إذا كان السجود بعد السلام وهو لم يدرك هذا السهو وانفصل عنه بعد سلامه فإنه لا يلزمه، اللهم إلا إذا كان ما انفصل عنه، ما بعد استقل عنه، ما استتم قائماً ولا فارقت فخذه ساقيه فإنه حينئذٍ يتابعه.
الحسن لذاته خف ضبط راويه، توافرت فيه شروط القبول وخف ضبط راويه، وأما الحسن لغيره فهو الضعيف القابل للإنجبار إذا تعددت طرقه.
نعم، يعيد نفس الصلاة، ويصلي بهم العشاء، وهم مفترِضون وهو متنفل.
وإذا تصدق إنسان على أخر بالصلاة معه ليكون له فضل الجماعة وصلى إماماً فهل يصلي كامل الهيئة؟
نعم يصلي على هيئتها.
إذا أذنبت تتوب وتستغفر وتقلع على الذنب وتعزم على ألا تعود، تأتي بالتوبة بشروطها، فالتوبة لا بد منها التوبة واجبة {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [(31) سورة النــور] ولا نعتمد على ما جاء في مثل هذه النصوص، ونترك الأوامر الشرعية بالتوبة.
المتابعة إذا كان الحديث الأصل والمتابع عن صحابيٍ واحد فإذا جاء عن طريق آخر عن ذلك الصحابي فهو المتابع، وإن اختلف الصحابي فهو الشاهد، وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح، وإن كان بعضهم يميل إلى أن المتابعة ما جاء باللفظ سواء كان اتحد الصحابي أو اختلف، والشاهد ما يختلف فيه اللفظ ويتحد فيه المعنى وإن اتحد الصحابي، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح النظر إلى المخرج الذي هو الصحابي بين قولهم مثله ونحوه أما مثله فهو بحروفه، وأما نحوه فهو بمعناه.
على كل حال مثل هذا يدل على الاغترار بالعمل والإعجاب بالنفس.
الشيخ علي -رحمه الله- من خير ما يقرأ له بالنسبة للأدباء، أدبه مشوب بدين وعلم، بخلاف أدب غيره، مشوب بدين وعلم، عنده مخالفات لكن لا يعني أنه يهدر جميع ما يقول، ومذكراته فيها من الطرائف والفوائد العلمية ما لا يوجد في غيرها.
هذا لا بأس به؛ لأن التطبيق العملي يرسخ العلم النظري.
على كل حال السبب في حب الدنيا هو الركون إليها، والسعي في عمارتها، والغفلة عما خلق له الإنسان.
إذا كان الإنسان مخدوم يعني مثلما ما يحضر له الماء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخدم في مثل هذا، والصغار يعني من باب التقدير للكبار يخدمونهم، وأهل العلم ينصون على أنه تباح معونته وتنشيف أعضائه، يعني إذا وجد من يخدمه من ابن أو زوجة أو خادم أو..، ينشف أعضاءه لا بأس، لكن كون الإنسان يتولى هذا الأمور بنفسه لا شك أنه أولى.
يقول أهل العلم أنا ما قارنت بينهن لكن يقولون: إن عبد الحق أفضل من الحميدي، والذي أراه أن طالب العلم يجمع بينهما بنفسه ولا يعتمد على أحد.
ما يمنع، لكن الشيخ ما يمكن ينسب هذا لابن لهيعة؛ لأنه ثقة عنده.