كتاب الجنايات من سبل السلام (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

"أحسن الله إليك.

 بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 قال -رحمه الله- في البلوغ وشرحه في كتاب الجنايات:

"وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قُتِلَ غُلَامٌ غِيلَةً" بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ سِرًّا، فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَوْ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ"، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ". وَأَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّإِ بِسَنَدٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ جَمِيعًا.

وَلِلْحَدِيثِ قِصَّةٌ أَخْرَجَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ الحَكِيم الصَّنْعَانِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً بِصَنْعَاءَ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَتَرَكَ فِي حِجْرِهَا ابْنًا لَهُ مِنْ غَيْرِهَا غُلَامًا يُقَالُ لَهُ: أَصِيلٌ، فَاِتَّخَذَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ زَوْجِهَا خَلِيلًا، فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ هَذَا الْغُلَامَ يَفْضَحُنَا فَاقْتُلْهُ، فَأَبَى، فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ فَطَاوَعَهَا، فَاجْتَمَعَ عَلَى قَتْلِ الْغُلَامِ الرَّجُلُ وَرَجُلٌ آخَرُ وَالْمَرْأَةُ وَخَادِمُهَا فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ قَطَّعُوهُ أَعْضَاءً، وَجَعَلُوهُ فِي عَيْبَةٍ، وَطَرَحُوهُ فِي رَكِيَّةٍ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَفِيهَ: فَأُخِذَ خَلِيلُهَا فَاعْتَرَفَ، ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَاقُونَ، فَكَتَبَ يَعْلَى- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ- بِشَأْنِهِمْ إلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَكَتَبَ عُمَرُ بِقَتْلِهِمْ جَمِيعًا، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَهْلَ صَنْعَاءَ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ لَقَتَلْتهمْ أَجْمَعِينَ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ رَأْي عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْهُ كُلُّ وَاحِدٍ؛ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ فِيهِ دَلِيلاً لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالنَّخَعِيِّ، وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْ تَمَالَأَ أَيْ تَوَافَقَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ مَذَاهِبُ:

الْأَوَّلُ: هَذَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، ثُمَّ أَتَيَاهُ بِآخَرَ، فَقَالَا: هَذَا الَّذِي سَرَقَ، وَأَخْطَأْنَا عَلَى الْأَوَّلِ، فَلَمْ يُجِزْ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَغْرَمَهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعَتْكُمَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالنَّفْسِ.

وَالثَّانِي: لِلنَّاصِرِ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْوَرَثَةُ وَاحِدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ قُتِلَ، وَيَلْزَمُ الْبَاقُونَ الْحِصَّة مِنْ الدِّيَةِ".

الباقين الباقين.

"وَيَلْزَمُ الْبَاقينَ الْحِصَّة مِنْ الدِّيَةِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ، وَلَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ.

 وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقْتَلُوا لِصِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْمَقْتُولِ بَلْ الدِّيَةُ رِعَايَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ.

هَذِهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ دَاوُد؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ، وَقَدْ انْتَفَتْ هُنَا، ثُمَّ مُوجِبُ الْقِصَاصِ هُوَ الْجِنَايَةُ الَّتِي تُزْهَقُ الرُّوحُ بِهَا، فَإِنْ زُهِقَتْ بِمَجْمُوعِ فِعْلِهِمْ فَكُلُّ فَرْدٍ لَيْسَ بِقَاتِلٍ فَكَيْفَ يُقْتَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؟ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ النَّخَعِيِّ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَاتِلًا بِانْفِرَادِهِ لَزِمَ تَوَارُدُ الْمُؤْثِرَاتِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ، وَالْجُمْهُورُ يَمْنَعُونَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمْ جَمِيعًا، أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ، فَإِن فرضَ مَعْرِفَتِنَا بِأَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ قَاتِلَةٌ بِانْفِرَادِهَا لَمْ يَلْزَمْ أَنَّهُ مَاتَ بِكُلٍّ مِنْهَا، فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَسْبَقِ كما قيل.

وَأَمَّا حُكْمُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَفِعْلُ صَحَابِيٍّ لَا يقُومُ بِهِ حُجَّةُ، وَدَعْوَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ غَيْرُ مَقْبُولَ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، فاللازم تَلْزَمُهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ دَمِ الْمَقْتُولِ.

 وَقِيلَ: يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ وَنسَبَ قَائِلُهُ إلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ، هَذَا مَا قَرَّرْنَاهُ هُنَا، ثُمَّ قَوِيَ لَنَا قَتَلُ الْجَمَاعَةَ بِالْوَاحِدِ، وَحَرَّرْنَا دَلِيلَهُ فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ، وَفِي ذَيْلِنَا عَلَى الْأَبْحَاثِ الْمُسَدِّدَةِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

 في الحديث الماضي في الذي يقتل الرجل الذي حبسه غيره، رجل يحبس يمسك رجلاً؛ ليُمكِّن غيره ليقتله، جاء في الخبر أن القاتل يُقتَل، والذي حبسه وأمسكه يُحبَس، وضُعِّف هذا الحديث وهذا القول بقصة عمر -رضي الله عنه- حينما قتل الجماعة بالواحد في الحديث الذي يليه، وهو مخرج في الصحيح في البخاري. وكونه من فعل عمر وهو صحابي كما يقول الشارح، وأنه ليس بحجة فهذا كلام ليس بصحيح، بل هو قول صحابي بمحضر من الصحابة، وصحابي ليس كالصحابة، وإنما هو خليفة راشد، أُمِرنا بالاقتداء به والاهتداء بسنته، ولذا المرجح هو قول الجمهور بأن الجماعة يقتلون بالواحد، وأما القول الثاني، وهو أن الذي يُقتل به واحد فهذا تحكُّم وليس من العدل أن يُقتَل واحد ويُترَك الباقي، ليس من العدل.

 وأما القول الأخير فليس بشيء؛ لأنه وسيلة إلى حصول الفوضى والقتل إذا عُدِم القصاص، يعني إذا يتمالأ إذا أراد شخصٌ قتل آخر شرّك غيره؛ ليسقط عنه القصاص، وهذا القول ليس بشيء، ولا حظ له من النظر؛ لأنه يفضي إلى فوضى وفساد ذريع، كل من أراد أن يقتل أحدًا فمن أجل أن يهرب عن القصاص والعدالة يُشرِّك غيره، ويضمن له ما يلزمه من دية، ثم بعد ذلك يتواطئون عليه ويقتلونه ويسلمون بهذا، ولذا هذا القول لا شيء، والمرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور؛ لأن قتل واحد دون البقية تحكُّم، وترك الجميع مفضٍ إلى فساد ذريع، ولو لم يكن في الباب إلا اجتهاد الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه-.

 القصة التي غاب عنها زوجها في المرأة التي غاب عنها زوجها واتخذت خليلاً، وكان لها ولد من الزوج الأول، هذه القصة ذكر المؤلف وغيره، فيقول: فامتنعت هنا يقول: فقالت له: إن هذا الولد يفضحنا فاقتله، فأبَى؛ لأنه قتل نفس شأنه عظيم، لكن الدافع الغريزي للشهوة قد يغطي العقل، ولذلك لما امتنعت أقدم على قتله، نسأل الله السلامة والعافية، فامتنعت، فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجلٌ آخر، دعوا برجل آخر يعينهم على ذلك والمرأة وخادمها، فقتلوه ثم قطعوه أعضاء، وجعلوه في عيبة في كيس، مثل ما حصل من قضايا إما يقطع إربًا، ويجعل في كرتون أو في كيس من أكياس الزبالة، ويوضع موضع القمامة، وهذا حصل، قضايا من هذا النوع، ولكل قوم وارث، هؤلاء قطعوه أعضاء، وجعلوه في عيبة، وطرحوه في ركية بئر، بئر لم تطوى، وليس فيها ماء؛ لئلا تُورَد؛ لأن البئر التي فيها ماء يردها الناس، فيطلعون على خبره. ولذلك قال: في ناحية القرية ليس فيها ماء، المكان الذي ليس فيه ماء يُهجَر فلا يُطرَق، وإذا هُجر المكان ما اطلع على هذه الجناية وهذه الجريمة.

"وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ "الْخُزَاعِيِّ" بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَزَايٍ بَعْدَ الْأَلِفِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ وَقِيلَ: غَيْرُهُ، قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَرَاءٍ تَثْنِيَةُ خِيَرَةٍ بَيَّنَهُمَا بِقَوْلِهِ: «إمَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ، أَوْ يَقْتُلُوا». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بمعناه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ  -رضي الله عنه-. أصْلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: «ثُمَّ إنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَإِنِّي عَاقِلُهُ، فَمَنْ قُتِلَ لَهُ» الْحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثٍ، وَلَا مُنَافَاةَ.

قَالَ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: إنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا الْقِصَاصُ، أَوْ الدِّيَةُ وَالْخِيَرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى الْوَلِيِّ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاء، الْعَفْوُ مَجَّانًا، أَوْ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ، أَوْ الْقِصَاصُ، وَلَا خِلَافَ فِي تَخْيِيرِهِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَالرَّابِعُ الْمُصَالَحَةُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ؛ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَشْهُرُهُمَا مَذْهَبًا أَيْ لِلْحَنَابِلَةِ جَوَازُهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ إلَّا إلى الدِّيَةُ أَوْ دُونَهَا".

إلا الدية.

"إلا الدية أو دونها، وَهَذَا أَرْجَحُ دَلِيلاً، فَإِنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقَوَدُ وَلَمْ يكن له".

ولم يملك.

"ولم يَمْلِكْ طَلَبَهُ بَعْدُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأحد الروايتين".

إحدى.

"وأحد الروايتين".

إحدى.

"وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ مُوجِبَهُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْجَانِي وَتَقَدَّمَ الْمُخْتَارُ".

نعم، من قُتل له قتيل فهو مُخير إذا قُتل عمدًا فهو مُخيَّر، أما إذا قُتِل شبه عمدٍ أو خطأ فإن فيه الدية والكفارة سواء كان المغلظة أو غير المغلظة، في شبه العمد مغلظة، وفي الخطأ غير مغلظة، وفيه الكفارة، أما القتل العمد فولي الدم مُخيّر بين العفو مجانًا وبين القتل وبين الدية، والقول بأنه يعدل عن الدية إذا لم يرضَ إلى ما هو أكثر منها مسألة خلافية، وإن اختار الدية فليس له أن يرجع إلى القود، سقط حقه في القود، وإذا اختار الدية ولم يرضَ الجاني فتقدّم الخلاف في ذلك فهل يُلزم بالدية أو يتعين القصاص؟

بمعنى هل الدية أصل في الباب أو بدل عن أصل؟

فإن كانت الدية أصلاً أُلزِم بها، وإن كانت بدلاً عن أصلٍ وهو القصاص فإنه لا يُلزَم، فإذا رفض دفع الدية فإنه يُقتَص منه، ولا يُلزَم بدفعها، وقد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام نظري، لا حقيقة له ولا واقع، كيف يؤثر القصاص والقتل على الدية مهما كان بالنسبة إلى فقره وعدم جِدَته ومشقة الدية عليه؟

فبذل الدية مهما كانت صعوبته عليه أسهل عليه من أن يقتل، نقول: قد يوجد تكون حياته ومماته متساوية أو قد يؤثر الوفاة كما يفعله كثيرٌ من المنتحرين، فيقول: اقتصوا، ولا دية عندي، فهل يُلزَم بدفع الدية أو يُقتَص منه؟

على كل حال هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، والمرجح أنه يُلزَم بالدية؛ لأنها أصلٌ في هذا الباب في بعض أقسامه، فلها شأن في هذا الباب؛ في باب القتل الدية أصل، في قتل الخطأ وشبه العمد هي أصل، ومن رحمة الله -جل وعلا- بهذا الجاني أن يُعدَل عنه من القصاص إلى الدية، أخذ أكثر من الدية كما هو حاصل الآن يصطلحون على أضعاف مضاعفة من الدية، بعضهم يأخذ خمسة ملايين، ستة ملايين، ومستعد أن يدفع الجاني، يفدي نفسه بهذا، والمسألة كما قال الشارح خلافية بين أهل العلم، والمعروف عند الحنابلة جواز الصلح على مثل هذا، وأنه لو زادت أضعافًا مضاعفة فهي أخف عليه من القتل، ومن مصلحته أن يؤخذ منه هذا المبلغ الكبير ولا يُقتَل.

طالب:...

ثلاثين مليونًا؟

الذي سمعناه خمسة، ستة، سبعة، أما ثلاثون؟

طالب: ......

أما بالنسبة للغني فما تشق عليه مثل هذه الأشياء مهما بلغت، وأما بالنسبة للفقراء فهي مشقة عظيمة، فلا شك أن من عفا عن القصاص فالأجدر به والأولى ألا يزيد على الدية الشرعية، وإذا زاد على ذلك صلحًا فالأمر لا يعدوه.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

صلح، صلح.

طالب:...

جاءت الدية، لكن هذا صلح، يفدي نفسه بما يملك، لو جاء صائل من غير حق، من غير حق قال: إما أن تعطيني مليونًا وإلا قتلتك، هل نقول: ما يجوز له أن يدفع؟

طالب:...

وإذا دُفِعَت بطوعه واختياره، دفعها بطوعه واختياره فداءً لنفسه فالأمر لا يعدوه، الأمر لا يعدوه، نعم.

طالب: هل يُعان من الزكاة؟

في قتل العمد باعتبار أن الدية لا تتحمل قتل العمد ما فيه إشكال إن شاء الله؛ لأنه غارم، لأنه غارم، أما بالنسبة للخطأ فإنه على العاقلة ليس عليه. وإذا...

طالب:...

إذا كان يُضر بالأصناف بالفقراء والمساكين فلا يُعان؛ لأنهم أولى منه، إذا كان لا يضر بهم، وأموال المسلمين فيها كثرة وسعة فلا مانع إن شاء الله.

"قال -رحمه الله-في باب الديات: بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ دِيَةٍ كَعِدَاتٍ جَمْعُ عِدَةٍ. أَصْلُ دِيَةٍ: ودِيَةٌ".

وِدية وِدية.

"أصل ديةٍ: وِدية بِكَسْرِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَدَى، ودى الْقَتِيلَ يَدِيهِ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ دِيَتَهُ حُذِفَتْ فَاءُ الْكَلِمَةِ وَعُوِّضَ عَنْهَا هاء التأنيث".

تاء.

"وعوض عنها تَاءُ التَّأْنِيثِ، كَمَا فِي عِدَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِأَعَمَّ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ.".

وهي اسمٌ لأعم مما فيه القصاص وما لا قصاص فيه. الدية تدخل فيما فيه القصاص وما دونه مما لا قصاص فيه، فتدخل في قتل العمد، الذي فيه القصاص إذا عدلوا عن القصاص إلى الدية، وتدخل في الخطأ، تدخل في شبه العمد، وتدخل أيضًا في الأطراف، لكن المقصود الدية إذا كانت كاملة تدخل أيضًا فيما لا يوجد في الإنسان إلا شيءٌ واحد، إذا لم يوجد في الإنسان إلا شيءٌ واحد فإن فيه الدية كاملة، وما في الإنسان منه شيئان ففي كل واحد منهما نصف الدية، وفي الاثنين الدية كاملة، وما في الإنسان منه ثلاثة أشياء الدية في الجميع، وثلثها لكل واحد من هذه الأجزاء.

""وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ" بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ الزَّايِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَلِيَ الْقَضَاءَ فِي الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، واسْمُهُ كُنْيَتُهُ، "عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ" عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ" أَوَّلُهُ: «مِنْ  مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قِيْلِ ذِي رَعَيْنٍ، أَمَّا بَعْدُ» إلَى آخِرِ مَا هُنَا".

قَيل، قَيل. قَيْل الملك.

"«قِيْلِ ذِي رَعَيْنٍ، أَمَّا بَعْدُ» إلَى آخِرِ مَا ها هُنَا، وَفِيهِ: أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ؛ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ آخِرُهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ؛ أَيْ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً بِلَا جِنَايَةٍ مِنْهُ وَلَا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ، «مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، «وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» بَدَلٌ مِنْ الدِّيَةِ، «وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمُوَحَّدَةٍ «جَدْعُهُ» أَيْ قُطِعَ جَمِيعُهُ الدِّيَةُ، «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ»".

أوعب يعني استوعب، جُدِع كاملاً ما بقي منه شيء فيه الدية؛ لأنه ليس في الإنسان منه إلا شيء واحد.

"«وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْكَلَامِ، «وفي الذكر الدية»".

وفي اللسان الدية إذا قُطع من أصله أو ما يمنع منه الكلام؛ لأن منفعة الكلام كمنفعة السمع، كمنفعة البصر في كلٍّ من هذه المنافع الدية كاملة إذا تعطلت بسبب جناية لزم الجاني أن يدفع الدية على اللسان أو على منفعة الكلام، اعتدى عليه فأصيب ببكم أو صمم أو عمى أو ما أشبه ذلك فإنه يلزمه دفع الدية، وإذا أصيب بالثلاثة الأشياء كلها أُلزم بدفع ثلاث ديات، إذا ضربه ففقد السمع والبصر والكلام والشم وما أشبه ذلك فإنه يلزم بعددها من الديات.

طالب:...

يدفع دية واحدة، نعم.

طالب:...

ثلاث ديات. ما الذي في أصبع المرأة؟ أصبع المرأة ماذا فيه إذا قُطع؟

طالب: ......

خمس؟

وفي أصبع الرجل؟

عشر، في أصبعين من المرأة عشر، طيب، في ثلاثة؟ وفي أربعة؟

طالب:...

نعم  يا إخوان، الآن أصبع المرأة كم فيه؟

طالب: خمس.

كم في أصبع الرجل؟

عشر من الإبل، وفي أصبع المرأة؟

طالب: ......

يعني حكم الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة واحد؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

من أجل أن يتبين ما قلت أنه كيف يدفع ثلاث ديات وهو يُدفع له ثلاث ديات وهو حيّ يرزق، وإذا قُتِل لا يزيد على دية واحدة؟ أنت تقول هكذا؟ نقول: ما الذي في أصبع الرجل وفي أصبع المرأة؟

طالب:...

عشر من الإبل في أصبع الرجل، وفي أصبع المرأة؟

طالب:...

كم؟

طالب: عشر.

عشر.

طالب:...

عشر، الأصبع عشر، والأصبعين والثلاثة والأربعة؟ عشرون، هل لأحد أن يقول: لماذا الثلاثة يدفع لها ثلاثون والأربعة عشرون؟ هناك أمور فوق العقل، ظهر أم ما ظهر؟

"«وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ»".

لا لا، أين؟

طالب:...

لا، ما فيه سقط، هذا تقديم وتأخير عندك. وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية إذا قطع من أصله، لكن لو قطعت إحدى الشفتين؟

طالب:...

ماذا؟

طالب: نصف الدية.

تستوي العليا مع السفلى؟

طالب:...

تستويان؟

طالب:...

شيخ محمد تعرف ذلك جزاك الله خيرًا. البُعد لا يعفيك جزاك الله خيرًا. هل تستوي الشفتان العليا مع السفلى؟

طالب:...

طيب.

طالب:...

طيب، لا، من حيث المنفعة أيهما أنفع؟

طالب:...

على التسوية، لكن من أهل العلم من يُفرق بين العليا والسفلى.

طالب:...

نعم، وتبعًا لذلك يفرقون الدية عليهما بالنِسَب.

طالب:...

من أصله بحيث..

طالب:...

بقدره بقدره، نعم.

"«وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية إذا قُطِع من أصله، وفي البيضتين الدية، وفي الصلب الدية، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ» إذَا قُطِعَتْ مِنْ مَفْصِلِ السَّاقِ «وَفِي الْمَأْمُومَةِ» هِيَ الْجِنَايَةُ الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ الدِّمَاغُ".

يعني كل هذه فروع على ما تقدم من أن ما للإنسان منه شيء واحد فالدية كاملة، وما في الإنسان منه شيئان فنصف الدية، وما في الإنسان منه ثلاثة فثلث الدية، وهكذا، إلى أن يصل إلى الأصابع التي في الإنسان منها عشرة لليدين، وعشرة للرجلين، ولا يقال: إن الأصابع عشرون لكل واحد خمسة، بل جاء في الأصبع عشر.

"«وَفِي الْمَأْمُومَةِ» هِيَ الْجِنَايَةُ الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ الدِّمَاغُ أَوْ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ عَلَيْهَا «ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ» قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هِيَ الطَّعْنَةُ تَبْلُغُ الْجَوْفَ وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ «ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ» اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَقَّلَ مُشَدَّدُ الْقَافِ، وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا صِغَارُ الْعِظَامِ، وَتَنْتَقِلُ مِنْ أَمَاكِنِهَا، وَقِيلَ: الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ".

تختل العظام من هذه الكسور فتنتقل من أماكنها فهي الهاشمة.

"وَقِيلَ: الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ «خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِّحَةِ»".

وفي المُوضحة.

"وفي المُوضِحة اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْضَحَ، وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَكْشِفُهُ".

يعني من غير كسر تكشف ما فوق العظم بحيث يتضح للرائي من دون كسر.

طالب:...

المقصود أنه يبين العظم. يبين العظم مع وجودها. نعم.

"«خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وإن الرَّجُلُ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ: قَدْ أُسْنِدَ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ، وَاَلَّذِي قَالَ فِي إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد وَهِمَ إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَرْقَمَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: عَرَضْته عَلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَانِيُّ ضَعِيفٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْخَوْلَانِيُّ ثِقَةٌ، وَكِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَاَلَّذِي رَوَى حَدِيثَ الصَّدَقَاتِ هُوَ الْخَوْلَانِيُّ، فَمَنْ ضَعَّفَهُ إنَّمَا ظَنَّ أَنَّ الرَّاوِيَ هُوَ الْيَمَانِي.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَنْقُلُوا هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، مَعْرُوفٌ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً تُغْنِي شُهْرَتُهَا عَنْ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ؛ لِتَلَقِّي النَّاسِ لهُ بِالْقَبُولِ وَالْمَعْرِفَةِ".

يقول ابن حجر: إن تلقي أهل العلم الخبر بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق، أقوى من مجرد كثرة الطرق، وفي إسناده الراوي الأول أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لو لم يكن من ثقته إلا تولية عمر بن عبد العزيز إياه القضاء، قضاء المدينة، وأهل العلم يوثقون بمثل هذا إذا كان الخليفة من أهل التحري ومن أهل الورع ثم ولى أحدًا ولو كان مجهولاً لم يذكر في كتب أهل العلم أو لم ينص على توثيقه يكيفه أن يوليه عمر بن عبد العزيز، فضلاً عن عمر بن الخطاب، ومن أشبهه.

"قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: حَدِيثُ ثَابِتٍ مَحْفُوظٌ إلَّا أَنَّا نَرَى أَنَّهُ كِتَابٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَمَّنْ فَوْقَ الزُّهْرِيِّ.

وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سليمان".

بن سفيان.

"وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: لَا أَعْلَمُ فِي الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ رَأْيَهُمْ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَرَأْت فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى نَجْرَانَ وَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ".

هل هذا الاختلاف يؤثر في أصل الحديث يقول: كتب إلى أهل اليمن، وهنا يقول: إلى أهل نجران، هل مثل هذا الاختلاف مؤثر أو ليس بمؤثر أو ليس باختلاف؟

طالب:...

ليس باختلاف؛ لأن نجران من اليمن، كانت من اليمن.

"وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ مَا لَفْظُهُ: قُلْت: وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَهَذَا الْكِتَابُ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، وَيَفْزِعُونَ فِي مُهِمَّاتِ هَذَا الْبَابِ إلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ.

وَإِذَا عَرَفْتَ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ هَذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْضِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ:

الْأُولَى: فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا اعْتِبَاطًا أَيْ بِلَا جِنَايَةٍ مِنْهُ، وَلَا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: اعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ أَيْ قَتَلَهُ ظُلْمًا لَا عَنْ قِصَاصٍ، وَقَدْ رَوَى الِاغْتِبَاطَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ تَفْسِيرُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُ سُئِلَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَنْ الِاغْتِبَاطِ، فَقَالَ: الْقَاتِلُ الَّذِي يقْتَلُ فِي الْفِتْنَةِ فَيَرَى أَنَّهُ على هُدًى لَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ. فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ مِنْ الْغِبْطَةِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَحُسْنِ الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُؤْمِنًا وَفَرِحَ بِقَتْلِهِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ كَمَا سَلَفَ.

"المسألة الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَدْرَ الدِّيَةِ".

المسألة الأولى في العمد سواء كان اعتباطًا أو اغتباطًا على التفسيرين فإن فيه القصاص، إلا أن يرضى أولياء المقتول بالدية فيعدل عنه إليها، على ما تقدم.

"المسألة الثانية: دل الحديث أن قدر الدية مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَأَنَّ سَائِرَ الْأَصْنَافِ لَيْسَتْ بِتَقْدِيرٍ شَرْعِيٍّ بَلْ هِيَ مُصَالَحَةٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا أَسْنَانُهَا فَسَيَأْتِي فِي حَدِيثٍ بَعْدَ هَذَا بَيَانُهَا إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: «وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ» ظَاهِرٌ على أَنَّهُ أَصْلٌ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، وَالْإِبِلُ أَصْلٌ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْإِبِلِ، وَأَنَّ قِيمَةَ الْمِائَةِ مِنْهَا أَلْفُ دِينَارٍ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَإِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ عَدْلَهَا مِنْ الْوَرِقِ وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ إذَا غَلَتْ رَفَعَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِذَا هَاجَتْ وَرَخُصَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى ثَمَانِمِائَةٍ، وَعَدْلُهَا مِنْ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ: وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ دِيَةُ عَقْلِهِ فِي الشَّاءِ بِأَلْفَيْ شَاةٍ».

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا»، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهَا مِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَذَلِكَ بِتَقْوِيمِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَقْوِيمِ الْمِثْقَالِ بِهَا فِي الزَّكَاةِ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «قَضَى فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ شَاءٍ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الحِلل»".

الحُلل.

"«وعلى أهل الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْقَمْحِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ»، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَسْهِيلِ الْأَمْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ النَّوْعِ الَّذِي يَجِدُهُ وَيُعْتَادُ التَّعَامُلَ بِهِ فِي نَاحِيَتِهِ، وَلِلْعُلَمَاءِ هُنَا أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كَمَا عُرِفَتْ، وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ عُرْفًا فِي الدِّيَاتِ، وَهُوَ تَقْدِيرُهَا بِسَبْعِمِائَةِ قِرْشٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ عُرُوضًا يُقْطَعُ فِيهَا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فِي أَثْمَانِهَا، فَتَكُونُ الدِّيَةُ حَقِيقَةً نِصْفَ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ".

الآن العروض إذا قومت بأقيامٍ مرتفعة ظُلِم أولياء المقتول، إذا قومت بما تستحقه قد لا تبلغ ولا نصف الدية، إذا كانت حُللًا، وقومت الحلة بمبلغ بدلاً من أن تكون بعشرة تقوّم بعشرين فإنما يكون قد دفعوا نصف الدية حقيقة، وهذا ظلم، كما أنها لا تقوّم بأقل مما تستحقه، وهذا أيضًا ظلم للطرف الآخر، والواجب أن تقوّم بقيمتها الحقيقة.

 وعلى كل حال الخلاف في المسألة في الأصل في هذا الباب هل هو الإبل مطلقًا وما بعدها وما سواها أقيم، فتكون تابعةً للإبل، زيادة ونقصًا، أو يقال كما جاء في الأخبار التي سمعتم أن كل هذه الأشياء أصول، الإبل أصل، والذهب أصل، والفضة أصل، والحُلل أصل، والبقر أصل، وكلٌّ يدفع ما يتيسر له بالعدد المذكور، بالعدد المذكور، وإذا قلنا" إن الأصل الإبل قلنا: إن الديات غير مستقرة، يعني يُنظَر في قيمة متوسط الإبل فأحيانًا تصل الإبل إلى ألف، وحينئذٍ تكون الدية مئة ألف، وحينًا وتارة تصل إلى خمسمائة، فتكون الدية حينئذٍ خمسين ألفًا، وأحيانًا تصل إلى عشرة آلاف فتكون الدية مليونًا، هذا إذا قلنا: إن الدية هي الإبل فقط، وما عداها فرعٌ عنها، وإذا قلنا: إن جميع ما ذُكِر كلها ديات، والذي يحسم النزاع فيها؛ لأنه إذا قلنا أنها كلها ديات قال القاتل: أدفع غنمًا أو أدفع فضة، قال أولياء المقتول: لا، نحن نريد ذهبًا أو نريد إبلًا؛ نظرًا للأرفع قيمة، مثل هذا يوقع في شقاق ونزاع إلا أنه يُحسَم ويرفع الخلاف بحكم الحاكم، فيلزمهم الحاكم بما لا يشق على هذا، وما لا يضر بهذا.

طالب:...

تقديرها بسبعمائة قرش، اليمن فيه قروش؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا، هذا يمني، الشارح يماني. وقد استبدل الناس عرفًا في الديات وتقديرها بسبعمائة قرش، قد تكون في عصر المؤلف ثم ألغيت.

طالب:...

المعمول به عندنا أنها قيمة الإبل، ولذلك أدركناها في أول الأمر ستة عشر ألفًا، ثم صارت عشرين، ثم زيدت إلى ستين، ثم إلى مئة، ثم الآن مئة؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

وشبهه؟

طالب:...

مثل العمد؟

طالب:...

مغلظة.

طالب:...

لأنهم أهل إبل.

طالب:...

نعم، قليلة قليلة.

طالب:...

قليلة هذه، لكن كم تقدر الإبل هناك؟

طالب:...

مثل ما قال المؤلف: وقد استبدل الناس عرفًا في الدية وهو تقديرها بسبعمائة قرش، نفسه، ولا شك أن هذا ظلم لأولياء المقتول.

طالب:...

هو إذا كان شأنهم يرضون؛ لأنهم يرون أنهم لا يستحقون أكثر من هذا، لكن إذا أخبروا أنهم يستحقون مئة من الإبل أو قيمة من الإبل ثم رضوا فالأمر لا يعدوهم.

طالب:...

لا لا لا، لا لا، دية النصارى تختلف. على النصف من دية المسلم.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

هذا هو الأصل.

طالب:...

المتوسط منها، المتوسط منها.

طالب:...

المتوسط يعني يُنظر في الإبل المتوسطة لا الإبل الرديئة ولا التي يسمونها مزينة الإبل بالملايين هذه.

طالب:...

المقصود لا من جهة القيمة، المتوسطة في القيمة.

طالب:...

ما قدَّرنا، المسألة، يعني تريد أن تقول: إن متوسط الإبل الآن ألفا ريال؟

طالب:...

ومن ثم ترفع الدية إلى مئتي ألف، محل نظر، ما فيه إشكال، مثل ما رفعت كانت ستة عشر ألفًا، يعني ما كانت الإبل بمئة وستين.

طالب:...

أقل.

طالب:...

نعم، لكن النظر إلى بلد ما بالنظر إلى بلد المقتول.

طالب:...

ويجيئها من...

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا، يشترط أن يُعطى المتوسط، يُعطى المتوسط منها. لو اشترط بخاتٍ أن نجمع له من أقطار الدنيا ما كملوا خمسين. لا لا.

"وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا وَجْهًا شَرْعِيًّا، فَإِنَّهُ أَمْرٌ صَارَ مَأْنُوسًا، وَمَنْ لَهُ الدِّيَةُ لَا يُعْذَر عَلى قَبُولِ ذَلِكَ، حَتَّى إنَّهُ صَارَ مِنْ الْأَمْثَالِ "قَطْعُ دِيَةٍ" إذَا قُطِعَ شَيْءٌ بِثَمَنٍ لَا يَبْلُغُهُ".

نعم، إذا قومت سلعة بنصف قيمتها قالوا: قطع دية، مثل ما عندنا الآن إذا قيل له: تبيع هذا الكتاب؟ قال: بكم؟ يقول لك: سمّ، إذا سامه بنصف القيمة قال: سومة شريطي، وهنا يقول: قطع دية يعني أنها أقل بكثير مما تستحقه، كما أن سومة الشريطي ما يمكن أن يبلغ بها القيمة الحقيقية.

"الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ» أَي اُسْتُؤْصِلَ، وَهُوَ أَنْ يَقطع".

يُقطَع، يُقطَع.

"وهو أن يُقْطَعَ مِنْ الْعَظْمِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ مَجْمَعِ الْحَاجِبَيْنِ، فَإِنَّ فِيهِا الدِّيَةَ، وَهَذَا حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَنْفَ مُرَكَّبةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ".

مركبٌ مركبٌ.

"وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَنْفَ مُرَكَّب مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ قَصَبَةٍ وَمَارِنٍ وَأَرْنَبَةٍ وَرَوْثَةٍ، فَالْقَصَبَةُ هِيَ الْعَظْمُ الْمُنْحَدِرُ مِنْ مَجْمَعِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْمَارِنُ هُي الْغُضْرُوفُ الَّذِي يَجْمَعُ الْمَنْخَرَيْنِ".

كتاب كذا ضمير المؤنث المارن هي؟

طالب: لا، عفوًا، غلط عندي غلطان يا شيخ، هو.

"والمارن هو الغضروف الذي يجمع المنخرين، وَالرَّوْثَةُ بِالرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ طَرَفُ الْأَنْفِ. وَفِي الْقَامُوسِ".

يسمونها أرنبة نعم.

طالب: قال الشيخ أرنبة وردها.

أين؟

طالب: في السطر الذي فوقها أربعة أشياء.

نعم؛ لأنه فسّر الروثة بالأرنبة التي يسميها الناس أرنبة.

طالب:...

العطف يقتضي أنها غيرها، ما دام يقول: أربعة وفصّلها فصل الأرنبة عن الروثة مقتضى أنها غيرها.

"وفي القاموس: الْمَارِنُ الْأَنْفُ، أَوْ طَرَفُهُ، أَوْ مَا لَانَ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ إذَا جنيَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ فَقِيلَ: تَلْزَمُ حُكُومَةٌ عِنْدَ الْهَادِي، وَذَهَبَ النَّاصِرُ وَالْفُقَهَاءُ على أَنَّ فِي الْمَارِنِ دِيَةً لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: عِنْدَنَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِي الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ مَارِنُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ آلِ حَزْمٍ. وَفِي الرَّوْثَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا قُطِعَتْ ثِنْدُوَةُ الْأَنْفِ بِنِصْفِ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ»، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الثِّنْدُوَةُ هُنَا رَوْثَةُ الْأَنْفِ، وَهِيَ طَرَفُهُ وَمُقَدَّمُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» أَيْ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ. وَأَمَّا إذَا قُطِعَ مَا يبْطِلُ بَعْضَ الْحُرُوفِ فَحِصَّتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِعَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ: بِحُرُوفِ اللِّسَانِ فَقَطْ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا، لَا حُرُوفِ الْحَلْقِ وَهِيَ سِتَّةٌ، وَلَا حُرُوفِ الشِّفَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النُّطْقَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِاللِّسَانِ".

تقسم الدية على ثمانية وعشرين، ثم ينظر الموجود من هذه الحروف فيُحسَم من أصل الدية، ويدفع جزءًا بالباقي بما ذهب، بحصة ما ذهب من الحروف.

"الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ»، واحدتها شِفة".

واحدتهما شفةٌ.

"وَاحِدَتُهُمَا شَفَةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَتُكْسَرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَحَدُّ الشَّفَتَيْنِ مِنْ تَحْتِ الْمَنْخَرَيْنِ إلَى مُنْتَهَى الشِّدْقَيْنِ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ. وَفِي طُولِهِ مِنْ أَعْلَى الذَّقَنِ إلَى أَسْفَلِ الْخَدَّيْنِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.

وَاخْتُلِفَ إذَا قُطِعَ إحْدَاهُمَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى سَوَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْعُلْيَا ثُلُثًا، وَفِي السُّفْلَى ثُلُثَيْنِ؛ إذْ مَنَافِعُهَا أَكْثَر لحفظهما".

لحفظها، الجهة السفلى. إذا قُطعت ما ثبت الطعام ولا الشراب، إذا قطعت السفلى فهي أكثر نفعًا من العليا، وإن كانت العليا أيضًا من جهة فيها منافع لا توجد في السفلى، ولذا استروح بعضهم إلى أنهما سواء.

"وَفِي السُّفْلَى ثُلُثَيْنِ؛ إذْ مَنَافِعُهَا أَكْثَر لِحِفْظِهَا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.

السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ»، هَذَا إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ، فَفِيهَا الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ الْمَهْدِيُّ لمذهب الهدوية".

كمذهب الهادوية؛ لأن الهادي غير المهدي. كلاهما من الزيدية.

"كَمَذْهَبِ الْهَادَوِيَّةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَإِلَى هذا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةٌ".

لا فرق بين العنين وغيره لم ينظر إلى المنفعة هنا بقدر ما ينظر إلى الهيئة والصورة كما في عين الأعمى إذا كانت قائمة، إذا كانت قائمة غير متأثرة فلها شأن عندهم، كما أن ذكر العنين ينتفع به في أمور أخرى.

"المسألة السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ»، وَهُوَ حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ –عليه السلام-".

منفعة البيضتين الأصل أنهما مستويتان، لكن الطب أثبت أن اليسرى أنفع من اليُمنى، اليسرى أنفع من اليُمنى، وهذه التفصيلات الدقيقة بين هذه الأشياء لا يلتفت إليها شرعًا؛ لأنه لو استرسل الإنسان في هذه التفصيلات ما انتهت المسألة، وما من شيء إلا ويوجد ما هو أنفع منه، وقد يكون هذا أنفع بالنسبة لزيد، وليس بأنفع بالنسبة لعمرو، واليد اليمنى أنفع من اليسرى، ولم يفرق بينهما شرعًا، فهذه التفصيلات لا يلتفت إليها.

"وفي البحر عن عليّ -عليه السلام-، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْهَا، وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثُ الدِّيَةِ.

المسألة الثَّامِنَةُ: أَنَّ فِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ، وَالصُّلْبُ بِالضَّمِّ وَالتَّحْرِيكِ: عَظْمٌ مِنْ لَدُنْ الْكَاهِلِ إلَى الْعَجْبِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَصْلُ الذَّنَبِ كَالْمَصَالِبَةِ، قَالَ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7]، فَإِنْ ذَهَبَ الْمَنِيُّ مَعَ الْكَسْرِ فَدِيَتَانِ.

التَّاسِعَةُ: أَفَادَ أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهَذَا فِي الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَعْوَرِ إذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِالْجِنَايَةِ، فَذَهَبَ الْهَادِي وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُا تجب فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ إذْ لَمْ يُفَصِّلْ الدَّلِيلُ، وَهُوَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ".

يعني قائمة مقام العينين، الواحدة تقوم مقام العينين بالنسبة للأعور.

طالب:...

هذا معمول به، ماذا عندكم؟

طالب:...

هذا العمل عليه، الدية كاملة؛ لأنه فرق بين من يرى وبين من لا يرى، لكن لو كان يرى باثنتين، ثم ذهبت واحدة ما ذهبت المنفعة بالكلية.

طالب:...

في العينين الدية.

طالب:...

نعم، واحدة مجمع عليها. القياس مجمع عليه بالنسبة لليد الواحدة ما فيها إلا نصف الدية، هذا مجمع عليها. يعني مجمع على الأصل المقيس عليه لا على المقيس.

طالب:...

هذا أولى من الأعور، هذا أولى من الأعور الذي  قد يكون فقئت عينه وأخذ نصف الدية بدلها، نعم.

"وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا إذَا جُنِيَ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَالْجُمْهُورُ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45]، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهَا".

لا قود فيها باعتبار أنها كالعينين، ولا يمنع أن يكون المرجح في مثل هذه الصورة أنها جنى جناية عن عمد وهو أعور على غيره أن يقاد به؛ لأنه متعمد.

"الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ»، وَحَدُّ الرِّجْلِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ مِنْ مَفْصِلِ السَّاقِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْ الرُّكْبَةِ لَزِمَ الدِّيَةُ وَحُكُومَةٌ فِي الزَّائِدِ".

يعني حكومة للساق، وأما الرجل فهي إلى المفصل.

"وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ.

 قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وعمر أَنَّهُمَا قَضَيَا بِذَلِكَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي السَّمْعِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْعَقْلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْعَقْلِ إذَا ذَهَبَ الدِّيَةَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ".

هذا إذا ذهب بالكلية فالدية كاملة، وإذا ذهب شيء منه بحيث يعقل شيئًا، ولا يعقل أشياء بقدرها يقوَّم.

"الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ ثلث الدية، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ".

ثلث الدية، ماذا عندك؟

في كل واحدة ثلث الدية.

طالب: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ ثلث الدية، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ.

أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ثلث الدية.

طالب: تقديم وتأخير يا شيخ.

نعم.

"قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ»، ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: اتَّفَقُوا عَلَى".

يسميه نهاية المجتهد والتسمية الصحيحة بداية المجتهد ونهاية المقتصد، بداية المجتهد؛ لأنه لا يعقل أن يكون نهاية المجتهد في مجلد واحد، المجتهد يحتاج إلى علم طويل مفصل، المقتصد الذي يقتصر على البلغة تكفيه نهايته، أما المجتهد فلا يكفيه ما كُتِب، أنه يتطلع إلى أكثر مما كُتِب.

"اتفقوا على أَنَّ الْجَائِفَةَ مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ لَا مِنْ جِرَاحِ الرَّأْسِ".

يبدو أن نسخته التي عنده مكتوب عليها نهاية المجتهد؛ لأنه في السبل وحواشي شرح العمدة كلها يسميها نهاية المجتهد.

"وَأَنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهَا، وَأَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَأَنَّهَا جَائِفَةٌ مَتَى وَقَعَتْ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ".

ووصلت إلى الجوف سواء كانت من الأمام أو من الخلف.

"وَاخْتَلَفُوا إذَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَنَفَذَتْ إلَى تَجْوِيفِهِ، فَحَكَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ نَافِذَةٍ إلَى تَجْوِيفِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَيَّ عُضْوٍ كَانَ ثُلُثَ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ، وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ".

التعميم هو الذي يؤيده الإطلاق في الحديث، هي جائفة وصلت إلى جوف العظم إلى جوف الإنسان، وإن كان الجوف العرفي يطلق على البطن سواء كان مما يصله من الأمام أو من الخلف.

"واختاره مالك، وَأَمَّا سَعِيدٌ، فَإِنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْجَائِفَةِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ.

المسألة الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَفَادَ الحديث أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، فَإِنَّ فِيهَا عَشْرًا، وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ»، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَدْ كَانَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ رَأْيٌ آخَرُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَدِيثِ لِمَا رُوِيَ لَهُ.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ".

في كل أنملة من أنامل الأصابع، في كل مفصل في كل عقدة ثلث ما يقدر له، والإبهام النصف نعم، يعني الأصابع مكونة من ثلاثة أجزاء الأصابع ثلاث عقد، ففي كل ثلث ثلث، العشر من الإبل، والإبهام باعتباره مفصلين فقط في كل مفصل نصف ما قُدِّر له، وهو خمسٌ من الإبل، نعم.

"الرابعة عشرة: أنه يجب في كل سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَفِي ذلك خِلَافٌ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ يُقَاوِمُ الْحَدِيثَ.

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْفَرِيقَانِ. وَفِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ لَهُ مَا يُقَاوِمُ النَّصَّ".

الفريقان، ما الذي يُراد بالفريقين؟

ذهب الهادوية والفريقان، يكررها كثيرًا، يكرر هذه اللفظة كثيرًا. هل يعرف أحدٌ الفريقين؟ ماذا يريد بالفريقين؟

طالب: ...

مرّ بنا وبحثناه، ووقفنا على حقيقته، لكن نسيناه، لكن لا يريد به هذا، هل يوجد أحد يعرف هذا أم نراجعه ثانية؟

والذي ما يقيد يروح، الذي لا يُقيَّد يذهب.

"وَفِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ لَهُ مَا يُقَاوِمُ النَّصَّ.

فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي رَجُلٍ ضُرِبَ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعَقْلُهُ وَنِكَاحُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ. رَوَاهُ عبد الله بن أحمد، وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا»، ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، فَقد تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ".

قف على هذا.

يكفي يكفي. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.