التعليق على تفسير القرطبي - سورة هود (08)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله-:

 "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود:50] أَيْ: وَأَرْسَلْنَا، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى {أَرْسَلْنَا نُوحًا} [هود:25]، وَقِيلَ لَهُ: أَخُوهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَكَانَتِ الْقَبِيلَةُ تَجْمَعُهُمْ، كَمَا تَقُولُ: يَا أَخَا تَمِيمٍ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: أَخُوهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ، كَمَا أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ".

نعم، أولًا: اختيار هود من بين سائر الأنبياء؛ ليكون اسمًا لهذه السورة مع أن قصة هود في هذه السورة ليست بأطول القصص، فقصة نوح أطول منها على ما تقدم، قصة نوح أطول من قصة هود في هذه السورة، واختير لها اسم هود من بين سائر الأنبياء، وقد اشتملت على عدد من الأنبياء، وما جرى لهم مع أقوامهم، وتسميتها بلا شك أنها توقيفيه، فإذا نزلت الآية قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للكَتبة: اجعلوها في السورة التي يُذكر فيها كذا، مع الحديث السابق «شيبتني هود وأخواتها»، على ما قيل فيه من كلام من الاضطراب أو انتفائهِ. ونوح له سورة مستقلة اشتملت على شيء من أخبارهِ، لكن اشتمال السورة على الشيء ولو كان يسيرًا مما يُميزها به عن غيره كالبقرة مثلًا، قصة البقرة لا توجد في غير سورة البقرة، فسُميت بها وهي آيات يسيرة، قصتها آيات يسيرة، والسورة طويلة كما تعلمون، فالسورة تُسمى بما يُميزها عن غيرها.

ولا يخلو الاختيار من حكمة وعلة، لكن هنا في تخصيص هود بهذا اسم السورة دون غيرهِ من الأنبياء، من يذكر في هذا الشيء؟ هل أحد يذكر في هذا شيئًا؟

طالب: شيخ.

نعم

طالب: أحسن الله إليك، ليس في هذا، وإنما تقولون: أحسن الله إليك بأن تُسمى السورة بأبرز ما فيها من قصة، كالبقرة، أنت ضربت لسورة البقرة، يا شيخ مُلاحظ أن قصة نوح على سبيل المثال لم ترد بالتفصيل الكثير مثل ما وردت في هذه السورة.

نعم.

طالب: لماذا مثلًا لم تُسم مثلًا سورة نوح؟

عرفنا أن الأسماء توقيفية، الأسماء توقيفية، فليس لأحدٍ أن يعترض وأن يُسمي السور من تلقاء نفسه، ليس له ذلك؛ لما عرفنا من طريقته -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا نزلت عليه الآية أو الآيات قال: اجعلوا في كذا، في السورة التي يُذكر فيها كذا، وأيضًا الصحابة تتابعوا على هذه التسميات التي أنزلت عليه سورة البقرة، وبعضهم يكره أن تضاف السورة إلى شيء يجعلها خاصة به كسورة البقرة مثلًا أو هود، الحجاج مثلًا كان ينهى عن ذلك يقول: لا تقولوا سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، وإنما السورة التي يُذكر بها البقرة، والسورة التي يُذكر فيها آل عمران وهكذا، ورد عليه ابن عمر وغيره، وابن مسعود في الجمرات عند الرمي قال: هذا المكان الذي أُنزلت عليه سورة البقرة، ومن هنا رمى من أنزلت عليه سورة البقرة؛ للرد على ما يقوله الحجاج وغيره ممن يكره إضافة السورة إلى شيء، أو إلى جزء من أجزائها.

على كل حال ليس لأحدٍ أن يعترض، وإذا وجد شيء بارز ظاهر سُميت به كسورة الفيل وسورة قريش مثلًا، فهذا واضح، لكن حينما تشتمل السورة على أشياء، ثم تُسمى السورة بشيء من هذه الأشياء، المقصود ما يُميز هذه السورة عن غيرها، ويكون علمًا عليها، كما يُسمى الإنسان بمحمد أو أحمد أو صالح، أو ما أشبه ذلك، هذا اسم علم يُميزه عن غيره، وإن كان مشتملًا على صفاتٍ كثيرة، وقد يكونُ مشتملًا على صفاتٍ مناقضة لهذه التسمية؛ لأن العلَم هو الذي يُعين المسمى، التسمية لا بُد منه، تسميات السور من هذا الباب.

 وعلى كل حال هي توقيفية، وليس لأحد أن يعترض، وقد ميزتها هذه الأسماء، وجاء في الخبر: «شيبتني هود وأخواتها»، وقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- البقرة ثم النساء ثم آل عمران على التسميات الموجودة، فالتسميات ليست اجتهادية، وإلا قد يقول قائل: قصة نوح هنا أطول من قصة هود، فلماذا اختير هود دون نوح؟

 أولًا: نوح سُمي باسمه سورة تتميز بها عن غيرها، وهود ليس لاسمه سورة أخرة بحيث تلتبس بهذه السورة كيوسف ويونس وغيرها.

طالب: قصة موسى -عليه السلام- ما خصت بسورة.

نعم؛ لأن أكثر ما ورد في قصص القرآن قصة موسى مع قومه، وما سميت سورة باسمه.

طالب: لاسيما الأعراف.

ولا آدم أيضًا، ولا آدم.

طالب:....

كم تكرر؟

لا هات من حفظك يا أبا عبد الله، هات من عندك.

طالب: ...

نوح كم؟ أكثر يمكن.

طالب:..

لماذا سُميت سورة صالح مثلاً؟

طالب: ....

نعم، على كل حال مثل هذا يقف الرأي دونه، يقف الرأي دونه.

 أخاهم هودًا قد يقول قائل: أكثرهم كفار، فلماذا قيل: إنه أخٌ لهم؟ والحصر جاء {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، تُطلق الأخوة ويُراد بها أخوة النسب، وهم من نفس القبيلة، وهو أخٌ لهم من هذه الحيثية، وعلى هذا الألفاظ التي تُطلق الأخوة في الإنسانية مثلًا؛ الأخوة في الإنسانية هذه ترد أم ما ترد؟

طالب: ترد

نعم. وقد تكون أخص من ذلك فيُقال: أخوة في العروبة. أخوة في المواطنة، وهذا شقيق، وهذا صديق.

كل هذا مع عدم الدين لا قيمة له، فلا أخوة فوق أخوة الدين، ولا رابط فوق رابطة الدين، وهنا قال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود:50]؛ لأنه منهم، من نسبهم، والقبيلة تجمعهم. وقيل: إنما قيل لهم: أخوهم؛ لأنهم من بني آدم كما أنه بني أدم. لكن إذا كان من قبيلتهم فهذا أخص.

ألا يمكن أن يُقال: إن هذا كان في شرع من قبلنا؟ شرع من قبلنا يُطلق الفرد من العشيرة أو القبيلة أخ، وإن لم يكن على دينه بهذه الآية، أو أخوة النسب تبقى ولا تنتفي، ولو مع عدم الدين.

وعمر -رضي الله عنه- كسى الحلة أخًا له كافرًا. فهو أخ. والأب أب وإن كان كافرًا. والأم أم وإن كانت كافرة، كما في قصة أسماء: قدمت علي أمي وهي راغبة، المقصود أنه إذا كان المراد به أخوة النسب فلا بأس أن يُطلق على الكافر إذا كان أخًا له في النسب، أنه أخ، لكن إذا لم يكن أخًا له في النسب فلا يجوز أن يُطلق عليه أخ؛ لانتفاء الوصف، فلا رابط هناك، لا نسب ولا دين.

طالب:.........

نعم.

طالب: ....

إذا كان من قبيلة واحدة فلا بأس، إذا كان من قبيلة واحدة فهم أخوة؛ لأنهم يجمعهم أبٌ واحد. نعم.

طالب: ....

على كل حال، غاية ما هنالك أنه أثبت الأخوة له، وهي أخوة النسب بلا شك بالنسبة لمن لم يؤمن به، وأما من آمن به فهي أخوة الدين.

"وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: أَخُوهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ كَمَا أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي "الْأَعْرَافِ"، وَكَانُوا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ. وَقِيلَ: هُمْ عَادَانِ، عَادٌ الْأُولَى وَعَادٌ الْأُخْرَى، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأُولَى، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَهُوَ شَدَّادٌ وَلُقْمَانُ الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7]، وَعَادٌ اسْمُ رَجُلٍ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ انْتَسَبُوا إِلَيْهٍ، {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ} [هود:50] بِالْخَفْضِ عَلَى اللَّفْظِ، وَ "غَيْرُهُ" بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِعِ ، وَ "غَيْرَهُ " بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ".

نعم يجوز فيه الأوجه الثلاثة: بالخفض إتباعًا للإله؛ لأن إله مجرور لفظًا، وإن كان مرفوعًا محلًّا؛ لأن من زائدة للتأكيد، لتأكيد النفي، فهي تعمل ظاهرًا وإن كان مدخوله في حقيقة الأمر مرفوعًا، ولذا جاز الرفع على موضعه.

طالب: الرفع يا شيخ.                        

لا غيره، إله ما يجوز.

طالب: لكن يا شيخ أنتم قلتم: إن إله مجرور لفظًا، مرفوع محلًا، ما الرافع له؟

هذا أصل ما لكم من إله غيره، ليس لكم إله غيره، أصله هذا مكانه.

طالب: ومن زائدة؟

زائدة. لكن لا نقول: زائدة، وجودها مثل عدمها، لا، زائدة لفائدة؛ زائدة للتأكيد، تأكيد النفي، وغيره بالرفع على الموضع، وغيره بالنصب على الاستثناء.

طالب: الموضع إلى؟

لا، أين؟

طالب: غيره مرفوع برفع على موضع المقصود بموضع إلى؟

نعم؛ لأن موضعه ومحله الرفع، وغير بالنصب على الاستثناء كأنه قال: قال يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله إلا هو أو إلا إياه.

"{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [هود:50] أَيْ مَا أَنْتُمْ فِي اتِّخَاذِكُمْ إِلَهًا غَيْرَهُ إِلَّا كَاذِبُونَ عَلَيْهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} [هود:51] تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. وَالْفِطْرَةُ ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ".

فطرني يعني خلقني، خلقني مبتدأً خلقي، {فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يوسف:101] يعني خالقهم مبتدأً. ابن عباس -رضي الله عنهما- ما يعرف معنى فطر فجاء الأعرابي يقول: هي بئري، أنا فطرتها، يعني ابتدأتها وأنشأتها.

"{أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [هود:51] مَا جَرَى عَلَى قَوْمِ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ".

نعم، هذه هي فائدة القصص في الكتاب والسنة؛ للاعتبار، والتعقل، والتدبر، إن كانت القصص لمن أطاع الله فالاقتداء والاقتفاء، وإن كانت لمن عصى فالازدجار والاعتبار والاتعاظ بمآل أولئكم ومصيرهم.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:52] تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، {يُرْسِلِ السَّمَاءَ} [هود:52] جزمَ".

جُزِمَ.

"جُزِمَ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ".

استغفروا يُرسل، جُزم لأنه جواب الطلب، جواب الطلب، استغفروا ثم توبوا يرسل. ومنهم من  يقول: إنه جواب شرطٍ محذوف يدل عليه الأمر استغفروا، إن تستغفروا يرسل، فهو مجزوم على كل حال.

"{عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود:52] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّكْثِيرِ، أَيْ يُرْسِلِ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ مُتَتَابِعًا يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ الْهَاءَ فِي مِفْعَالٍ عَلَى النَّسَبِ، وَأَكْثَرُ مَا يَأْتِي مِفْعَالٌ مِنْ أَفْعَلَ، وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا مِنْ فَعَلَ، لِأَنَّهُ مِنْ دَرَّتِ السَّمَاءُ تَدِرُّ وَتَدُرُّ فَهِيَ مِدْرَارٌ. وَكَانَ قَوْمُ هُودٍ -أَعْنِي عَادًا- أَهْلَ بَسَاتِينَ وَزُرُوعٍ وَعِمَارَةٍ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمُ الرِّمَالَ الَّتِي بَيْنَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْأَعْرَافِ".

بين الشام واليمن، أين تكون مساكنهم؟

طالب:.........

دقيق التحديد أم ؟

طالب: ....

نعم، كيف؟

طالب: ما فيه علاقة بين الشام واليمين.

ما في بينهم شيء!

طالب: بعيدة بعيدة.

هذه كتب ومعاجم البلدان على هذه الطريقة، وكتب المتقدمين يقولك مثلًا: حائل بين مكة والبصرة.

طالب: صحيح.

نعم، ومثلًا اليمامة بين مكة وهجر؛ لأنها أمور يحددون غالبًا بمكة؛ لأنها طريق الحاج يُؤدي إلى ما ذكر، فإذا قالوا: ما بين مكة والبصرة فحجاج البصرة يمرون بهذه البلدة ذاهبين وآيبين غالبًا. فهي معروفة عندهم، لكن الآن لا بُد أن تحدد بدقة، وإلا ما يُستفاد من هذا التحديد، نعم يُستفاد منها الجهات يكون هناك، لكن الذي يذهب إلى هذا البلد، أو تلك القرية من خلال تحديد ياقوت في معجم البلدان ما يكسب شيئًا؛ لأن بين مكة والبصرة، كم بين مكة والبصرة؟ ألوف من الكيلومترات، والآن الجزيرة كلها بين اليمن والشام، هذه طريقتهم، ما عندهم تحديد دقيق، أمور تقريبية، كل أمورهم مبنية على المسامحة، لاسيما وأن مثل هذه الأشياء ما يترتب عليها شيء، شأن هذا أنك تذهب لترى مساكنهم وتدخلها؟ أنت منهي عن دخول بلدان المعذبين إلا للاعتبار؛ باكيًا متباكيًا.

والذين يعتنون بالآثار الآن يحددون بدقة، ويرسمون خرائط، إنك تروح تشوف وتتفرج، وتتلفها شُلت يمينك خلها؛ لأنهم يجنون من ورائها، مصدر دخل عندهم، غافلين أو متغافلين عن النهي عن دخول هذه البلدان المعذبة، والنهي عن قربان مواضع الخسف، والله المستعان. نعم.

طالب: يا شيخ.

نعم

طالب: أحسن الله إليك، فيه كُتب مُعينة لتحديد هذه الأماكن بدقة، يحدد المكان صاحب معجم البلدان يستطيع أن يكتب ويحدد بدقة؟

كتب الجغرافيا الآن، جغرافيا كل بلد بعينها تحدد لك البلدان بدقة.

طالب: لكن ما فيه كتاب؟

شامل للدنيا كلها؟

طالب: يعني مثلاً.

لا، شامل للبلدان كلها، لا، لكن كل بلد اعتنت بجغرافية بلدها وحدت الأماكن بدقة.

طالب: ....

وتتصور أنهم يملؤون الجزيرة؟

طالب: لا.

لكن ما هم قليل، ذُكر في عدهم أنهم اثنتا عشرة ألف قبيلة، كل قبيلة ذكر في عددهم اثنا عشر ألف فرد. فهم يملؤون بين الشام واليمن على هذا إن صح، على كل حال المتقدمون ما يعتنون بتحديد الأماكن بدقة، لا سيما الأماكن التي لا يُحتاج إليها.

"{وَيَزِدْكُمْ} [هود:52] عَطْفٌ عَلَى يُرْسِلْ، {قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52] قَالَ مُجَاهِدٌ : شِدَّةٌ عَلَى شِدَّتِكُمْ. وقال الضَّحَّاكُ. خِصْبًا إِلَى خِصْبِكُمْ وقال عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: عِزًّا عَلَى عِزِّكُمْ. وقال عِكْرِمَةُ: وَلَدًا إِلَى وَلَدِكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ وَأَعْقَمَ الْأَرْحَامَ ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمْ يُولَدْ لَهُمْ وَلَدٌ، فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ: إِنْ آمَنْتُمْ أَحْيَا اللَّهُ بِلَادَكُمْ وَرَزَقَكُمُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، فَتِلْكَ الْقُوَّةُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى يَزِدْكُمْ قُوَّةً فِي النِّعَمِ، {وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52] أَيْ لَا تُعْرِضُوا عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَتُقِيمُوا عَلَى الْكُفْرِ".

ما ذُكر في تأويل قوله تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52] لا تنافي بينها ولا تنافر، وليس من اختلاف التضاد، وإنما هو من اختلاف التنوع، شدةً على شدتكم هذه هي القوة، خصبًا إلى خصبكم هذا سبب قوة، عزًّا على عزكم أيضًا هذا مصدر قوة، ولدًا إلى ولدكم أيضًا هذا عون على القوة إلى آخره، فليس بين أقوالهم تنافر ولا تضاد.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود:53] أَيْ حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ، {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود:53] إِصْرَارًا مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ} [هود:54] أَيْ أَصَابَكَ، {بَعْضُ آلِهَتِنَا} [هود:54] أَيْ أَصْنَامِنَا، {بِسُوءٍ} [هود:54] أَيْ: بِجُنُونٍ لِسَبِّكَ إِيَّاهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ يُقَالُ: عَرَاهُ الْأَمْرُ وَاعْتَرَاهُ إِذَا أَلَمَّ بِهِ. وَمِنْهُ {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36]".

{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا} [هود:54] بسوء، يعني قصدهم أن الآلهة ضرت هودًا -عليه السلام- لما سبها، تعرضت له بسوء فأصيب بالخبل والجنون بسببها، ونظيره ما يدَّعيه عُباد القبور إذا سفهت صنيعهم ونهيتهم، وبينت أن هذا شرك، وأن هذا هو الشرك الأكبر، قالوا لك: يشور بك الشيخ، يعني صاحب القبر، ويزعمون أنه يضر من يقول مثل هذا الكلام، وقد يوجد اتفاقًا، يعني من غير مواطأة لهذا الضرر فتزداد بذلك الفتنة، فيُقال: شور به الشيخ، أو ضره الشيخ، وما أشبه ذلك، وهذا زيادة في الفتنة -نسأل الله السلامة والعافية-، فما وُجد من شرك الأولين، وتصور الأولين، وعناد الأولين موجود أيضًا في الآخرين، ولكل قومٍ وارث، {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود:54] يعني لما ذكرتهم بسوء أصابوك بالسوء، هذا كلامٌ لا قيمة لهُ، ومثل ما يقوله عُباد القبور مما ذكرنا، والله المستعان.

"{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ} [هود:54] أَيْ عَلَى نَفْسِي، {وَاشْهَدُوا} [هود:54] أَيْ وَأُشْهِدُكُمْ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ شَهَادَةٍ، وَلَكِنَّهُ نِهَايَةٌ لِلتَّقْرِير، أَيْ لِتَعْرِفُوا، {أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [هود:54] أَيْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} [هود:55] أَيْ أَنْتُمْ وَأَوْثَانَكُمْ فِي عَدَاوَتِي وَضُرِّي.

 {ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود:55] أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِ. وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الثِّقَةِ بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ وَحْدَهُ يَقُولُ لِقَوْمِهِ: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} [هود:55]. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقُرَيْشٍ. وَقَالَ نُوحٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس:71] الْآيَةَ".

نعم، يشهد الله -سبحانه وتعالى- على براءته من الشرك، ويُشهد الحاضرين وإن لم يكونوا أهلًا للشهادة؛ لأن هذه الشهادة ليس المقصود منها أن تؤدى في وقتٍ من الأوقات فيُنتفع بها، وتترتب على أداء هذه الشهادة، كأنه يتحداهم بذلك، وليس المراد بالشهادةِ هنا ما يُراد منها في الحقوق، ولو كانت مما يتوقف عليها استيفاء الحق لطُلبت من الشاهد المرضي، وهؤلاء غير مرضين، لكن المقصود به تحديهم يعني يشهد الله، واشهدوا، واعلموا أنني بريء من عبادة الأصنام التي تعبدونها.

 يقول ذلك يتحداهم، وهم من الكثرة بمكان، وهو واحد، وهذا من تمام ثقته بربه -عز وجل-، وهو أيضًا علم من أعلام نبوته ومعجزة أن يخرج الشخص إلى هؤلاء الجمع الغفير ويتحداهم مع توافرهم وقوتهم وشدتهم وصلابتهم في دينهم، يتحداهم شخص واحد، كما حصل منه -صلى الله عليه وسلم-، وكما حصل من نوح، ويحصل من أتباعهم، من أتباع الرسل شيءٌ قريب من هذا، فيكون من باب الكرامة إذا حفظه الله -سبحانه وتعالى- من كيد الكفار؛ إذ يتحداهم وهو واحد، فيحرسه الله -سبحانه وتعالى- منهم، وقد يسلطهم عليه ابتلاءً واختبارًا ورفعًا لدرجته فيقتلونه، وهذا حاصل كثيرًا، حصل من هذا الشيء الكثير.

 ذكر الذهبي -رحمه الله- في ترجمة شخص نسيته، أنه قال: لو كان عندي عشرةُ سهام لرميت الحاكم بتسعة، الحاكم بأمر الله العُبيدي الخبيث الفاطمي، واليهود بالعاشر، فنُقلت إلى الحاكم، فجيء به؛ استدعي وجيء به. قال: ألم تقل كذا؟ قال: كذبوا عليك، خاف؟ ما خاف، وإنما قلت: لرميته بالتسعة وأتبعته بالعاشر. فطلب الحاكم العُبيدي الخبيث يهوديًّا، أأتوا بفلان اليهودي، جاءوا به، كأنه جزار قال: اسلخه من رأسه إلى قدميه، سلخ من غير قتل، فبدأ به من رأسه إلى أن وصل الصدر، وهو صابر محتسب فرحمه اليهودي فطعنه في قلبه فمات. هذا يأمر بسلخه؛ نكاية له -نسأل الله العافية-، فثبت -رحمه الله-، ومثله أيضًا من يصمد أمام الدجال فينشره بالمنشار، وهكذا تاريخ الأمة مملوء بمثل هذه القصص، وفيها من صمد وثبت للإلقاء في النار من هو؟

من هو يا شباب؟

طالب: إبراهيم أو أبو مسلم.

من هذه الأمة؟

أبو مسلم الخولاني، المقصود أن التاريخ شاهد بذلك، يقف الإنسان يتحدى الأقوام، إن نجى كرامة، وإن لم ينجُ فشهادة. وليس معنى هذا أن الإنسان يُلقي بيديه إلى التهلكة، ولا ينظر إلى العواقب، فالعمل الذي لا يترتب عليه مصلحة يكون من باب إلقاء اليد إلى التهلكة، والعمل الذي يجر المصائب إلى غيره ويتعدى ضرره إلى غيره لا يجوز أن يقدم عليه الشخص، وفي الرخصة التي رخص الله به لعبادة مندوحة، لكن إن لم يكن هناك آثار مترتبة على غيره، ويُريد أن يصبر ويحتسب ويسلك العزيمة يؤجر على ذلك -إن شاء الله-، لا سيما إن كان يرجو من المصلحة أضعاف ما يترتب على ذلك من المفسدة.

 ولذا في قصة الغلام التي سيقت في شرعنا مساق المدح ما استطاعوا أن يقتلوه، ما استطاعوا أن يُغرقوه، ما استطاعوا أن يُردوه من الجبل، ولم يقدروا عليه حتى دلهم على كيفية قتله، لكن ما المصلحة المترتبة على فعله؟ آمن الناس كلهم.

فإذا وجدت أو ترتبت مثل هذه المصالح العظيمة، واندفعت المفاسد، وإن وجدت مفسدة يسيرة مغمورة فلا بأس، لكن إذا كانت المفسدة أعظم، يثبت شخص أمام قوة جبارة يقتلونه وحده لا بأس، لكن يقتلون من وراءه كلهم، كلهم مثلًا بدون استثناء، يأتي شخص إلى بلدٍ آمن فيزعزع الأمن في هذه البلد، هذا لا، لكن بلد فوضى من أصله، هو مقتول مقتول هو وغيره، إذا كان ذلك نكاية في العدو، وأراد العزيمة فله ذلك عند جمع من أهل العلم. والله المستعان.

 "قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود:56] أَيْ رَضِيتُ بِحُكْمِهِ، وَوَثِقْتُ بِنَصْرِهِ.

{مَا مِنْ دَابَّةٍ} [هود:56] أَيْ نَفْسٍ تَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، {إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] أَيْ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُهَا مِمَّا يَشَاءُ، أَيْ فَلَا تَصِلُونَ إِلَى ضُرِّي. وَكُلُّ مَا فِيهِ رُوحٌ يُقَالُ لَهُ: دَابٌّ وَدَابَّةٌ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَالِكُهَا، وَالْقَادِرُ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: قَاهِرُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَخَذْتَ بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْتَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُحْيِيهَا ثُمَّ يُمِيتُهَا، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَالنَّاصِيَةُ قُصَاصُ الشَّعْرِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ".

نعم ومن تُراد إهانته تجز ناصيته من هذا الباب، فالناصية قصاص الشعر في مقدم الرأس، فمن مُلكت ناصيته فمالكه قاهرٌ له، مُدبرٌ له، {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56]، فالله -سبحانه وتعالى- متصرف في هؤلاء الخلائق.

"وَنَصَوْتُ الرَّجُلَ أَنْصُوهُ نَصْوًا أَيْ مَدَدْتُ نَاصِيَتهُ".

ناصيَتَهُ.

"أَيْ مَدَدْتُ نَاصِيَتَهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّمَا خَصَّ النَّاصِيَةَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ إِذَا وَصَفَتْ إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ، فَيَقُولُونَ: مَا نَاصِيَةُ فُلَانٍ إِلَّا بِيَدِ فُلَانٍ، أَيْ إِنَّهُ مُطِيعٌ لَهُ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ. وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا أَسِيرًا وَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنَّ عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَتَهُ؛ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَخْرًا عَلَيْهِ، فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي كَلَامِهِمْ.

 وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي "نَوَادِرِ الْأُصُولِ": قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] وَجْهُهُ عِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ مَقَادِيرَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ خَلَقَ خَلْقَهُ، وَقَدْ نَفَذَ بَصَرُهُ فِي جَمِيعِ مَا هُمْ فِيهِ عَامِلُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، فَلَمَّا خَلَقَهُمْ وَضَعَ نُورُ تِلْكَ النَّظْرَةِ فِي نَوَاصِيهِمْ، فَذَلِكَ النُّورُ آخِذٌ بِنَوَاصِيهِمْ، يُجْرِيهِمْ إِلَى أَعْمَالِهِمُ الْمُقَدَّرَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْمَقَادِيرِ. وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ». وَلِهَذَا قَوِيَتِ الرُّسُلُ، وَصَارُوا مِنْ أُولِي الْعَزْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا نُورَ النَّوَاصِي، وَأَيْقَنُوا أَنَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ مُنْقَادُونَ بِتِلْكَ الْأَنْوَارِ إِلَى مَا نَفَذَ بَصَرُهُ فِيهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَأَوْفَرُهُمْ حَظًّا مِنَ الْمُلَاحَظَةِ أَقْوَاهُمْ فِي الْعَزْمِ، وَلِذَلِكَ مَا قَوِيَ هُودٌ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قَالَ: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا(56)} [هود:55-56]، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ نَاصِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ نُصَّتْ وَبَرَزَتْ مِنْ غَيْبِ الْغَيْبِ، فَصَارَتْ مَنْصُوصَةً فِي الْمَقَادِيرِ، قَدْ نَفَذَ بَصَرُ الْخَالِقِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِ الْخَلْقِ بِقُدْرَةٍ، ثُمَّ وُضِعَتْ حَرَكَاتُ كُلِّ مَنْ دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ حَيًّا فِي جَبْهَتِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ نَاصِيَةً؛ لِأَنَّهَا تَنُصُّ حَرَكَاتِ الْعِبَادِ بِمَا قُدِّرَ، فَالنَّاصِيَةُ مَأْخُوذَةٌ بِمَنْصُوصِ الْحَرَكَاتِ الَّتِي نَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا".

نعم هذا كلام الترمذي الحكيم، ومعروف اتجاهه أنه متصوف ومُغرق، وتأثره باصطلاحاتهم ظاهر، وهذا أيضًا من تأملاتهم ودقيق علمهم فيما يزعمون، وله رأي في الولاية لم يوافق عليه، أن الولي يأخذ من المعدن، يقول: وجهه عندنا أن الله قدر مقادير العباد، ثم نظر إليها، ثم خلق خلقه وقد نفذ بصره في جميع ما هم فيه عاملون قبل أن يخلقهم، فلما خلقهم جعل نور تلك النظرة في نواصيهم، فذلك النور أخذٌ بنواصيهم، إنما قاله تفسيرًا لقول تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56]، فمن الذي يأخذ بالناصية؟ الله -سبحانه وتعالى- أو النور؟ طالب:.........

نعم.

طالب:.........

الله -سبحانه وتعالى- يقول: عن هود -عليه السلام- {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ} [هود:56] يعني الله -سبحانه وتعالى- آخذ بناصيتها، وهنا يقول: النور هو الذي. نعم. فذلك النور آخذٌ بنواصيهم؛ فذلك النور آخذٌ بنواصيهم، النور يأخذ بالنواصي؟ أو النور يوجد في النواصي؟ نور المؤمن وبهاؤه الذي يظهر على وجهه وملامحه وناصيته، والغرة التي تكون في وجه المسلم في دنياه وأخراه، النور هو الذي يأخذ أو أنه يُوجد في ناصية المسلم والمؤمن؟

طالب: يوجد.

نعم، فكلامه متعقب.

طالب: تأويل هذا يا شيخ؟

على طريقتهم، على طريقة المتصوفة وتأملاتهم التي يستطردون وراء العقول إلى أن يصلوا إلى حدٍّ قد يُنافر المفسر.

طالب: يا شيخ نوادر الأصول في ماذا؟

في السلوك وفي الأحاديث، أحاديث مسندة بإسناده هو؛ لأنه متقدم من القرن الثالث، وهو مصدر من مصادر الحديث، لكن ما تفرد به فهو ضعيف عند أهل العلم، ما تفرد به فهو ضعيف. من يحفظ البيت الذي يجمع الكُتب الضعيفة؟ وما نُمي؟ ما فيه حد يحفظ طلعة الأنوار؟

يا أشرف؟

طالب: المجلس ...

وتخجل أنت أم ؟

طالب: ما أخجل، هم ما حفظوا، فالأولى بي أن لا أحفظ مثلهم.

وما نمي لعد وعق وخط وكر ومسند الفردوس ضعفه شُهر

 إلى أن قال: ونوادر الأصول وغيرها. نعم. التاريخ تاريخ نيسابور وغيره. المقصود أن هذه مظنة الحديث الضعيف.

وَوَصَفَ نَاصِيَةَ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] يُخْبِرُ أَنَّ النَّوَاصِيَ فِيهَا كَاذِبَةٌ خَاطِئَةٌ، فَعَلَى سَبِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ النَّاصِيَةُ مَنْسُوبَةً إِلَى الْكَذِبِ وَالْخَطَأِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

نعم، على سبيل ما تأوله في كلام الحكيم، ومن يقول بقوله، يستحيل أن تكون الناصية منسوبة إلى الخطأ والكذب، وحينئذٍ يكون تفسيره وتأويله معارضًا لقوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16]، وهذا سببه الاسترسال وراء الإفهام، ووراء الأوهام، أفهام أشبه ما تكون بالأوهام، يسترسلون بالنظر في الغيبيات، فتقودهم هذه الأنظار إلى الشطحات، وقد حصل، وأخبارهم في كُتب التراجم، تراجم الصوفية وما يعرفون بالأولياء أو الأصفياء الكُتب مملوءة من هذا.

 فمن إغراقهم في التأمل ما يقودهم إلى مصادمة النصوص، حتى قال قائلهم: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب، ومن المؤسف أن هذا يُعبد من دون الله، يُطاف بقبره على أنه ولي من أولياء الله.

طالب: من هو؟

هذا ابن عربي.

طالب: ...

نعم وصف الناصية بالجهل هذا كلام المفسر.

طالب:.........

على كلٍّ النوادر المطبوع ليس هو الأصل؛ لأن هذا مجرد عن الأسانيد. والأصل أن الكتاب مسند وله نسخ.

طالب:.........

نعم.