كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 13

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر:

باب الوكالة والشركة:

 عن ابن إسحاق قال: حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمعه يقول: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في مسجده فسلمت عليه وقلت: إني أريد الخروج إلى خيبر، فأحببت التسليم عليك بأبي أنت وأمي، يكون ذلك آخر ما أصنع بالمدينة فقال: «إذا أتيت وكيلي في خيبر فخذ منه خمسة عشر وسقًا»، قال: فلما وليت دعاني فقال: «خذ منه ثلاثين وسقًا، والله ما لآل محمد تمرة بخيبر، ما لآل محمد تمرة بخيبر غيرها، فإن ابتغى منك آلة فضع يدك على ترقوته»، فقدمت خيبر فقلت لوكيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أمرني به، فابتغى مني آية، فأنبأته بها، فقربها إلي فقال: والله ما لآل محمد بخيبر تمرة غيرها، رواه أبو داود وأبو بكر بن أبي عاصم، وهذا لفظه، وهو أتم.

 وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن شبيب أنه سمع الحي يخبرون عن عروة البارقي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار يشترى له أضحية."

يشتري، يشتري.

أحسن الله إليك.

"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار يشتري له أضحية وقال مرة: أو شاة، فاشترى له اثنتين، فباع واحدة بدينار، وأتاه بالأخرى، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه، رواه البخاري في ضمن حديث لعروة متصل.

 وقد روي من وجه آخر حسن متصل عن عروة وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله -عز وجل-: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانا خرجت من بينهما»، رواه أبو داود وأبو قاسم البغوي والحاكم، وقد قيل: إنه منكر."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

قال -رحمه الله-: "باب الوكالة والشركة" الوكالة الإنابة، فينيب من يقوم مقامه بتصريف أموره، أو بعضها، والشركة الاشتراك في شيء، اشتراك اثنين فأكثر في شيء أو أكثر.

 قال -رحمه الله-: "عن ابن إسحاق" محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي، إمام مشهور في هذا الباب حجة فيه، وإن كان فيه كلام لأهل العلم طويل، تباينت فيه أقوال أهل العلم، فمنهم من يوثقه، ومنهم من يصفه بأبشع الأوصاف حتى قيل فيه: إنه ركن الكذب أو دجال من الدجاجلة، لكن القول الوسط المعتمد عند أهل العلم التوسط في أمره، وهو أنه من قبيل الحسن، فهو صدوق عندهم، هذا خلاصة ما قيل فيه من أقوال متباينة، ومع ذلكم هو مدلِّس شديد التدليس، لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث والسماع، وهنا صرح "قال حدثني وهب بن كيسان"، فحديثه هذا حسن، وشرط القبول وهو التصريح بالتحديث موجود، ووجد التصريح فيه بالتحديث عند أبي بكر بن أبي عاصم، ومادام وجد التصريح أمنا تدليسه.

 "قال: حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله، حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله".

 قد يقول قائل: لماذا اختار المؤلف صيغة الأداء عند أبي عاصم، ولم يختر الصيغة التي عند أبي داود وهي العنعنة؟

لا شك أنه إذا وجد التصريح من طرق في طريق من طرق الحديث أمن تدليسه ووظيفة العالم إثبات ما يستدل به، ولذلك تجد أهل العلم، تجد أهل العلم ينتقون أقوى مروياتهم لاسيما إذا كانوا يستدلون لأحاديث في أبواب الأحكام فهم يترجمون بحكم شرعي، ثم يستدلون له بأجود ما يجدون في الباب، وعلى هذا اعتمد رواية ابن أبي عاصم؛ لأن فيها التصريح بالتحديث، وهذه ميزة كتب السنن على المسانيد؛ لأنها تترجم لأحكام شرعية، فتجد المصنف ينتقي من أحاديثه ومن مروياته أقواها، بينما أصحاب المسانيد يترجمون بأسماء الصحابة، ويضعون تحت هذه الترجمة ما وقع لهم من مروياتهم، بغض النظر عن ثبوتها وعدمها، ولذا يقول الحافظ العراقي: ودونها يعني دون السنن.

ودونها في رتبة ما جعلا

 

على المسانيد فيدعى الجفلا

هنا المؤلف قد يقال: سنن أبي داود أضمن من ابن أبي عاصم، نقول: لا، ابن أبي عاصم فيه التصريح، وإذا وجد التصريح في طريق من الطريق قضى على ما دونه من الصيغ، قضى على ما دونه من الصيغ، فهو المعتمد.

 "قال: حدثني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمعه يقول" قد يقول قائل: إن ابن إسحاق في روايته كلام لأهل العلم، وفي الحديث تضعيف معروف، وإن كان القول الوسط هو التوسط في أمره، لكن وجد التضعيف الشديد، ووجد من يوثقه، وهو ثقة في فنه الذي هو المغازي، كيف يقول: ثقة في باب، وضعيف في باب؟

يعني الحفظ والضبط والعدالة تتغير وتختلف من باب إلى باب؟ تختلف؟ أبو حنيفة إمام في الفقه يسمونه الإمام الأعظم، ومع ذلك في روايته شيء، في حفظه شيء، ابن أبي ليلى فقيه من أعظم فقهاء الإسلام، وقاضٍ من أشهر القضاة في حفظه سوء، ومع ذلكم إمام في القضاء، عاصم بن أبي النَّجود إمام من أئمة القراء، وفي روايته كلام لأهل العلم.

 نعم قد يكون الإنسان يتقن بابًا، ولا يتقن غيره من الأبواب، إذا اتجه إلى شيء، اتجهت همته إلى شيء ضبطه وأتقنه، ويكون في بقية الأبواب دونه، الواقع يشهد بذلك، أهل العلم المتوافرون الآن تجده إذا تحدث في فن أجاده وضبطه وأتقنه، وإذا تحدث في فنون أخرى كانت منزلته دونه، وهكذا، وهذه سمة التخصص التي برزت في عصرنا كانت غير موجودة في السابق إلا عند أفراد، لكنها في عصرنا برزت وظهرت، ولا شك أن هذا خلل في التحصيل؛ لأن العالم الذي يؤهِّل نفسه لنفع نفسه ونفع غيره وإنارة الطريق والسبيل لأمته عليه أن يكون متفننًا؛ ليفهم بذلك نصوص الكتاب والسنة؛ لأنه لو تخصص في باب من الأبواب ما استطاع أن يتعامل مع النصوص التعامل الذي يؤهله لفهم النص من جميع جوانبه، لكن الذي يخشى من أن يتشتت إذا تفنن وقال: كوني أتقن فنًّا واحدًا أحسن من أن أضيع جميع العلم، هذا يقال: لا مانع من أن تتخصص وتنفع الأمة في هذا المجال، لكن ثق ثقة تامة أنك لن تكون عالم أمة.

 "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمعه يقول: أردت الخروج إلى خيبر، أردت الخروج إلى خيبر" خيبر كان يسكنها اليهود، فغزاها المسلمون، واستولوا عليها، وأبقوا اليهود كما سيأتي على شطر ما يخرج منها عمالًا، وهذا سيأتي، وقلت: إني أريد الخروج إلى خيبر "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في مسجده فسلمت عليه قلت: إني أريد الخروج إلى خيبر فأحببت التسليم عليك بأبي أنت وأمي" التفدية مشروعة له -عليه الصلاة والسلام-، وحصلت منه -عليه الصلاة والسلام- لمن؟

لسعد، "بأبي أنت وأمي يكون ذلك آخر ما أصنع بالمدينة" كالمودِّع له -عليه الصلاة والسلام- "قال: «إذا أتيت وكيلي في خيبر»" وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة لباب الوكالة «إذا أتيت وكيلي بخيبر فخذ منه خمسة عشر وسْقًا»، الوسْق، وتضبط بالفتح وسَق أيضًا ستون صاعًا ستون صاعًا.

 "قال: فلما وليت دعاني" جابر لما مات أبوه خلَّف ديونًا، وخلَّف ثماني بنات، ولم يخلِّف إلا جابرًا، فهو بحاجة إلى معونة ومساعدة، فخذ منه خمسة عشر وسقًا.

 "قال: فلما وليت دعاني" رأى أنها لا تكفي "فقال: «خذ منه ثلاثين وسقًا»" ستون، مائة الثلاثون في ستين ألف وثمانمائة صاع، ألف وثمانمائة صاع، الصاع قل كيلوجرامين أو كيلوجرامين ونصف، يعني حدود خمسة آلاف كيلو، حدود خمسة آلاف كيلو؛ ليأكل منها، ويسدد ما عليه من الديون، ويقضي حاجاته.

 «والله ما لآل محمد تمرة بخيبر غيرها، والله ما لآل محمد تمرة بخيبر غيرها»؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يدَّخِر لآله قوت سنة، وهذا قوت السنة، لكن ما عندهم غيرها، وهذا هو الإيثار الذي عرف به -عليه الصلاة والسلام-، وعرف به أصحابه وأتباعه؛ لأنهم وقوا شح أنفسهم. «فإن ابتغى منك آية» يعني علامة على صدقك، «فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته» على ما بين المنكب والعنق على ترقوته.

 "فقدمت خيبر وقلت لوكيل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أمرنا به، فابتغى مني آية" طلب مني علامة وأمارة، "فأنبأته بها، فقربها إليه" هذا فيه العمل بالقرائن، فيه العمل بالقرائن، أعطاه من غير شهود، لكن هذه قرينة قوية على صدقه، وهذه كما يعبرون اليوم شفرة بين النبي- عليه الصلاة والسلام- وبين وكيله، "فقربها إليه وقال: والله ما لآل محمد بخيبر تمرة غيرها"، ليس لهم تمرة كما قال النبي، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "رواه أبو داود وأبو بكر بن أبي عاصم، وهذا لفظه، وهو أتم"، فدل على مشروعية الوكالة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ وكيلاً بخيبر، وقال الإمام أحمد: وهذا لفظه، وهو أتم، وقال الإمام أحمد، هذا لفظ ابن أبي عاصم، وفيه التصريح بالتحديث، وهو أتم من رواية أبي داود.

 "وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن شبيب أنه سمع الحي يخبرون عن عروة البارقي، قال الإمام أحمد حدثنا سفيان عن شبيب أنه سمع الحي" الحي المراد بسكان من سكان الحي، ومن أهله سمع الحي يخبرون عن عروة البارقي، الحي هذا مبهم أم مبيَّن؟

طالب: ..........

مسمَّون أم  غير مسمَّين على اصطلاح البيهقي ومن يقول بقوله أن مثل هذا يسمى منقطعًا، ويعبِّرون عنه بالمرسَل، كما يقول البيهقي، لكن هذا الصحيح عند جمهور أهل العلم أنه متصل، أنه متصل، كل راوٍ سمعه ممن فوقه، لكن فيه مبهم، هذا المبهم سمع الحي، الحي جماعة، جماعة وهم وإن كانوا في الأصل مجهولين بسبب الإبهام، بل الإبهام أشد أنواع الجهالة، وهي جهالة ذات، وهي فوق جهالة العين وجهالة الحال فهم في حكم المجهولين، وباعتبار أنهم عدد، وأنهم من التابعين يجبر بعضهم بعضًا، يجبر بعضهم بعضًا.

 قصة امتحان البخاري التي أنكرها بعض العلماء؛ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه قالوا: هؤلاء مجاهيل، هؤلاء مجاهيل، لكنهم شيوخ ابن عدي، علماء، وابن عدي أعرف بشيوخهم، وعددهم يجعل هذه الجهالة ترتفع بهذا العدد، فالقصة ثابتة من رواية ابن عدي، وهذا الحديث ثابت برواية هؤلاء العدد من أهل الحي، ولاسيما أنهم من التابعين الذين يغلب عليهم العدالة.

 "يخبرون عن عروة البارقي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار"، أعطاه دينارًا "يشتري له أضحية، خذ الدينار وهو من الذهب، بخلاف الدرهم، وهو من الفضة، "يشتري له أضحية وقال مرة: أو شاة" ولا اختلاف بين اللفظين؛ لأن الأضحية قد تكون شاة، وقد تكون كبشًا، فلا منافاة، فهذه الأضحية شاة بُيِّنَت في الرواية الأخرى أو شاة.

 "فاشترى له ثنتين، فاشترى له ثنتين"، ما اشترى واحدة، أحسن في تصرفه أم لا؟ أولاً هذا التصرف يسمى عند أهل العلم بالتصرف الفضولي، التصرف الفضولي يعني من غير إذن صاحب الشأن، وأهل العلم يرون أن مثل هذا التصرف يجوز بإجازة صاحب الشأن، اشترى له قال: اشترِ شاة أضحية، اشترى شاتين، هل هذا من مصلحة صاحب الشأن باطراد أم لا؟ من مصلحته؟

طالب: ..........

لو تعطي واحدًا ألفين يشتري خروفًا.. صح؟ تريد خروفًا، طيب أضحية لوالدك أو أضحية لأمك أو وصية منهما أو شيء من ذلك، ثم جاء لك باثنين على ألف صغيرات ما يملأن العين أحسن لك أم لا؟

طالب: ..........

نعم؛ لأن أفضل الأنساك أنفسها عند أهلها، ضحى بكبشين ثمينين، وفي رواية: سمينين، فارتفاع الثمن له وقع في أجر الأضحية .. ثنتان ما هو مثل لو قلت له، لو قال له: رح اشترِ بهذا الريال أربع أرغفة خبز، وجئت له بعشر من مصنع واحد، لا، ما هو مثله صاحب الشأن له قصد في أن يشتري واحدة ثمينة سمينة أفضل من ثنتين، هذا اشترى ثنتين، لكن ما الذي يدل على أنه أصاب في تصرفه كونه باع إحداهما بدينار، وبقيت الثانية مكسبًا.

 "فاشترى له ثنتين، فباع واحدة بدينار" هنا النبي -عليه الصلاة والسلام- وكَّل عروة البارقي ووكيلًا له في شراء هذه الأضحية، فاشترى له ثنتين من باب التصرف الذي يسميه أهل العلم بالفضولي بالنيابة عن صاحب الشأن، "فباع واحدة بدينار، وأتاه بالأخرى".

 على كل حال المكسب ظاهر؛ لأن الدينار رجع كما هو، وهذه الشاة ربح، "وأتاه بالأخرى فدعا له بالبركة في بيعه، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه" التراب عندهم في السابق مبذول وموجود في بيوتهم وعند أبوابهم ما يتعبون عليه، وإذا كان موجودًا بكثرة ليس له شأن عندهم، وليست له قيمة.

ولو سئل الناس التراب لأوشكوا

 

إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

لكن الآن لو تريد مدًّا من التراب تتيمم فيه ما وجدته ولو يقال لك: هذا المد بعشرة ريالات اشتريته، لماذا؟

يعني لا وجود له، فكان لو اشترى التراب ضُرِب به المثل؛ لأنه أرخص موجود لربح فيه، بركة في البيع والشراء، قد تكون عن رضا كما هنا، وقد تكون عن ابتلاء لتكثير الأموال ابتلاءً، وفي بعض المشاريع التجارية لدى بعض التجار أراد أن يبني مشروع إسكان لعمارات كبيرة، فحفر الأرض وكثر التراب وضاق به ذرعًا، وأغلق الشوارع فجاء بشركة فقال لهم: كم تشيلون هذا التراب؟ قالت الشركة بثلاثمائة ألف، قال: بمئتين، قالوا: لا، ما اتفقوا، ومن الغد جاءت شركة فاشترته بثلاثمائة ألف، بركة، لكن هذه البركة بسبب الدعوة النبوية غير، قد يكون هذا التوفيق في التجارة، قد تكون من باب البركة التي يُمدَح بها ويستفيد منها، وقد تكون ابتلاءً.

 "فكان لو اشترى التراب لربح فيه.

 رواه البخاري في ضمن حديث لعروة البارقي متصل"، الآن قال: متصل كأنه يشير إلى قول البيهقي ومن يقول بقوله أن الإسناد إذا كان فيه مبهم يكون منقطعًا أي مرسلًا عندهم في اصطلاحهم، قال: متصل عند البخاري، "وقد روي من وجه آخر حسن متصل عن عروة" يعني سمي فيه الواسطة، وعندنا في حديثنا عند أحمد لم يسم الواسطة، بل هم جمع من أهل الحي، وهذا فيه دلالة على الوكالة.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله- عز وجل-: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانا خرجت من بينهما»، رواه أبو داود وأبو القاسم البغوي، وهذا لفظه، والحاكم وقد قيل: إنه منكر". والله أعلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا الحديث مضعَّف عند أهل العلم، ففيه راوٍ مجهول، وهو أيضًا مختلف في وصله وإرساله.

 "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله عز وجل»" هذا يسميه أهل العلم الحديث القدسي، الحديث القدسي، وهو يختلف عن الحديث النبوي؛ بسبب الإضافة، الحديث النبوي مضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث القدسي مضاف إلى الرب -جل وعلا-، وقد يقال له: حديث إلهي، وقد يقال: حديث رباني، نسبة إلى الإله، وإلى الرب.

 قال الله -عز وجل- بغض النظر عن هذا الحديث المضعَّف، لكن هناك أحاديث قدسية كثيرة يفرقون بينه وبين القرآن أن القرآن المتلو المحفوظ بين الدفتين لفظه ومعناه من الله -جل وعلا-، والقدسي معناه من الله -جل وعلا-، ولفظه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، القرآن لا بد أن يؤدى بلفظه، ولا يروى بالمعنى، والحديث القدسي حكمه حكم الحديث النبوي، تجوز روايته بالمعنى، بدلالة أن الحديث الواحد من الأحاديث القدسية يرويه البخاري في موضع بلفظ، وفي موضع آخر بلفظ آخر، ويرويه مسلم بلفظ ثالث، وهكذا.

 «أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه» الخيانة يعني لا يستدل بهذا الحديث؛ لأنه ضعيف، لكن الخيانة محرمة بلا شك، «فإذا خانا» يعني خان كل واحد صاحبه، «خرجت من بينهما»، ولا نطيل في تحليل ألفاظه؛ لأنه ضعيف، وأصل الخيانة مرفوض ومحرم، وفيه المؤلف أورده للاستدلال على الشركة؛ لأن الترجمة باب الوكالة والشركة، والشركة عند أهل العلم أنواع، الشركة أنواع وأقسام، منها شركة الأبدان، وشركة الوجوه، وشركة الأموال، وشركة العنان، والمضاربة التي تسمى عند أهل الحجاز القراض، وتفصيلها أعني هذه الأصناف في الشركة وأحكامها مبسوطة في كتب الفقه.

"أحسن الله إليك.

قال -رحمه الله-: باب المساقاة والإجارة:

 عن ابن عمرٍ- رضي الله عنهما-.."

عمرَ.

"أحسن الله إليك.

عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

 وعنه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبَر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظُهِر لله ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهودُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقرّهم بها على أن يكفّوا عملها ولهم.."

يكفُوا يكفُوا.

"أحسن الله إليك.

على أن يكفُوا عملها، ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نقرّكم بها على ذلك ما شئنا»، فقرّوا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأُريحاء."

وأَريحاء.

"أحسن الله إليك.

إلى تيماء وأَريحاء متفق عليهما.

 ولمسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملها من أموالهم، ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شطر ثمرها.

 وعن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خَديج -رضي الله عنه- عن كراء، عن كراء الأرض بالذهب والورِق فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجَرون على عهد.."

يؤاجِرون.

"أحسن الله إليك.

إنما كان الناس يؤاجِرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلِم هذا.."

يسلَم.

"ويسلم هذا، ويسلم هذا، ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زُجر عنه.."

زَجر.

"فلذلك زَجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به.

 وعن ثابت بن الضحاك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة وقال: لا بأس بها.

 وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث»، رواها مسلم.

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الذي حجمه ولو كان حرامًا ما لم يعطه."

لم يعطه، ولو كان حرامًا لم يعطه.

"أحسن الله إليك.

ولو كان حرامًا لم يعطه.

 وعنه -رضي الله عنه- أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال لهم: هل فيكم من راقٍ؟ فإن في الماء رجلاً لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذتَ على كتاب الله أجرًا، حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله».

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره».

 وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كسب الإماء، رواها البخاري."

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب المساقاة والإجارة" المساقاة مفاعلة من طرفين، والمراد بها سقي الزرع، ويدخل في الباب المزارعة والمحاقلة والمخاضرة، وهذه تقدم الكلام فيها، والإجارة معروفة.

 "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل" مفاعلة من طرفين عليهم العمل وعليهم أجرة بشطر ما يخرج منها، "عامل أهل خيبر" لما استولى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- وصارت من نصيب المسلمين، وأراد أن يجليهم عنها كما سيأتي، طلبوا البقاء على أن يكونوا عمالًا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- عاملهم "بشطر ما يخرج منها".

 الشطر النصف في مقابل العمل؛ لأنها صارت ملكًا للمسلمين، والمالك يحتاج إلى أن يَعمَل بنفسه أو يُعمِل غيره، فهو عاملهم، فصاروا عمالاً عنده.

 "عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" لهم النصف، ولهم نصف النصف مشاعًا، النصف مشاعًا يصفى النتاج ثم يقسم بينهم، وأما لو قيل: عاملهم بشطرها على النصف الجنوبي له والشمالي لهم فهذه هي المزارعة التي جاء النهي عنها، وستأتي في الأحاديث اللاحقة، لكن نسبة مشاعة مما يخرج من الأرض، هذه المزارعة المشروعة التي أُذِن فيها.

 "وعنه، أن عمرَ" يعني عن ابن عمر، عنه صحابي الحديث السابق، عن ابن عمر، "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز" اليهود موجودون في أرض الحجاز، والنصارى قد يوجد منهم نفر يسير، لكن جلهم في نجران، وأيضًا اليهود موجودون في اليمن في جنوب الجزيرة.

 "أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر" بل أوصى وهو في مرضه الأخير أن يُخرَج اليهود والنصارى من جزيرة العرب؛ لأنه لا يجتمع فيها دينان.

 "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما ظهر على خيبر" يعني استولى عليها، "أراد إخراج اليهود منها، أراد إخراج اليهود منها"، لكن الحاجة في ذلك الوقت داعية لبقائهم، "وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ورسوله وللمسلمين" غنيمة لله ولرسوله وللمسلمين، "فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود" يعني طلبت، طلبت "اليهود من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقرهم بها" يبقيهم، لكن ملاك؟ لهم شأن؟ لهم وجود؟ لهم تصرف؟ لا، عمال.

 "فسألت اليهود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقرهم بها على أن يكفوا عمله" يريحونه من الحمل، "وله نصف الثمر، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نقركم بها على ذلك ما شئنا، نقركم بها على ذلك ما شئنا»".

 يعني الأجل معلوم أم مجهول؟ مجهول، هل يصح العقد بمثل هذه الصيغة؟ تأتي بعامل تقول: اعمل لي هذا العمل، ومتى ما شئت ألغيت العقد، يجوز؟ أي عامل مسلم تجيء به تقول: والله متى ما بغيت توكل على الله، لا بد أن تكون الأجرة معلومة، والعمل معلومًا، والمدة معلومة، لكن هنا: «نقركم بها على ذلك ما شئنا»؛ لأن وجودهم فيها وجود حاجة، وإلا فالأصل أنهم لا يُقرون، ولا يبقون، وليست هي مؤاجرة ومعاوضة، بل الأرض ملك المسلمين، وهم مجرد عمال في مقابل البقاء، أن يبقوا فيها، وإلا فالأصل أنهم يخرجون منها فورًا، لكن الحاجة لعدم وجود العمالة التي تقوم بهذا العمل أبقاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن يتوفر من يقوم بها، وإلا فالأصل أنهم لا يبقون، فبقاؤهم على خلاف الأصل.

 «نقركم بها على ذلك ما شئنا»، "فقروا بها حتى أجلاهم عمر- رضي الله عنه-"؛ تنفيذًا لوصيته -عليه الصلاة والسلام- "إلى تيماء وأريحاء" تيماء وأريحاء، طيب هل تحقق إجلاؤهم من جزيرة العرب؟ تيماء أين تقع؟

طالب: ..........

الآن في الحدود الاصطلاحية الجغرافية شمال المملكة نعم، لكنها في داخل حدودها، ولا شك أن الاصطلاحات القديمة التي تطبق عليها النصوص لا يُجرى عليها الحقائق العرفية المعمول بها في العصور المتأخرة، وإلا حصل بذلك خلط واضطراب في فهم النصوص.

 "فقرّوا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء" بفلسطين، "متفق عليهما.

 وعن عبد الله بن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم"، يعتملوها من أموالهم، يعني منهم البذر، ومنهم السعي في استنباط الماء، ومنهم العوامل من الإبل وغيرها، على أن يعتملوها، يعملوا فيها، يزرعوها من أموالهم ما للمسلمين إلا نصف الخارج صافيًا.

 "على أن يعتملوها من أموالهم، ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شطر ثمرها" النصف، فإذا دفعت أرضًا لمن يزرعها وعليه كل شيء عمل وما تتطلبه من سقي ومن عوامل من إبل أو بقر أو عمال، أو ما أشبه ذلك، كلهم عليك على أن يكون لك شطر ما يخرج منها أو نسبة محددة مما يخرج منها.

 "وعن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خَديج عن كراء الأرض" زرع الأرض مزارعة الأرض، "عن كراء الأرض بالذهب والورق" تأتي بعامل وتقول: هذه الأرض ازرعها لي بعشرة آلاف مثلاً بعشرين ألفًا أكثر أقل هذا لا بأس به؛ لأنه أجرته، والأجرة معلومة، والعمل معلوم.

 "فقال: لا بأس به، إنما كان الناس" ما المزارعة التي جاء النهي عنها، المزارعة التي جاء النهي عنها أراد أن يبينها رافع بن خَديج بقوله: "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات" المسايل مسايل الماء التي يكثر فيها الماء، فيكون إنتاجها أكثر، "وإقبال الجداول" السواقي والأنهار الصغيرة، فيشترط صاحب الأرض مع الماذيانات وإقبال الجداول هذه الصغيرة، لماذا؟

لتكون أوفر إنتاجًا، طيب ماذا يكون للعامل؟ الأقل يكون لصاحب الأرض بقعة معينة محددة من الأرض، ويكون للعامل ما عداها، يجوز أم ما يجوز؟ لا يجوز، لماذا؟ ومثله لو قال: لك النصف الشمالي، ولي النصف الجنوبي مثلاً لا يجوز، لماذا؟

لأنه قد يسلم هذا، ويهلك هذا، فيكون الضرر محققًا في حق أحدهما، لكن لو كان الغنم مقسومًا بينهما، والغرم بينهما أيضًا لجاز، قال: فيهلك "أشياء من الزرع، فيهلك هذا، ويسلم هذا، ويسلم هذا، ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا"، هذا الذي جاءت به الأحاديث، جاءت الأحاديث بمنعه؛ لأن أحاديث المزارعة فيها اختلاف كبير، جاء النهي صراحة عنها، وجاء الإذن فيها فالنهي يحمل على هذه الصورة، والإذن بحمل على ما إذا كان مشاعًا بين صاحب الأرض وبين العامل يشتركان فيها في مغرمها وفي مغنمها.

 "فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه -صلى الله عليه وسلم-، فأما شيء معلوم مضمون" مضمون ربحه للطرفين، وخسارته على الطرفين على حد سواء، هذا لا بأس به، ومنهم من يقول: من حمل أحاديث النهي عن المزارعة على ما كان في أول الأمر بعد الهجرة جاء المهاجرون بدون أموال، والأنصار عندهم أراضٍ كثيرة باقية، فطلب المهاجرون منهم أن يزرعوها فقالوا: ما نعطيكم إلا بأجرة مزارعة بيننا وبينكم، على أن يكون لنا نصيب مما يخرج منها، فنهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك؛ ليبذل لهؤلاء المهاجرين الذين تركوا أموالهم وأوطانهم لله ورسوله يبذل لهم مجانًا، مالك الأرض ما يتضرر، منهم من حمله على هذا، والرافعي يقول: النهي محمول على الصورة التي وردت في الحديث.

 "وعن ثابت بن الضحاك، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة" والمراد بالمزارعة المنهي عنها هي الصورة التي جاءت في حديث رافع بن خديج، "وأمر بالمؤاجرة" يزرع أرضًا يعمل في هذه الأرض بأجر معلوم بأجر معلوم.

 "وقال: «لَا بَأْسَ بِهَا»"، "وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث»، رواها مسلم".

 يعني الأحاديث السابقة كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن كما جاء في الصحيح وثمن الكلب كلها خبيثة، ثمن الكلب يعني جاء النهي عن بيع الكلب، والنهي عن ثمن الكلب، وثمن الكلب خبيث، ولذا لا يجوز بيعه عند جماهير أهل العلم مهر البغي ما تأخذه البغي في مقابل الزنا يشبه المهر في النكاح الصحيح، يشبه المهر في النكاح الصحيح، لكنه خبيث، وثمن الكلب وإن كان حرامًا إلا أنه أقل من مهر البغي لشناعة البغاء، فهو خبيث محرم من أخبث المكاسب، وكسب الحجام خبيث، الحجام في مقابل عمل مباح خبيث، معنى الخبث هنا في الأول والثاني {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [سورة الأعراف:157]، لكن في كسب الحجام خبيث {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [سورة البقرة:267]، يعني الرديء، فكسب الحجام رديء، ولو لم يكن حرامًا كما في الحديث الذي يليه.

 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأعطى الذي حجمه" الحجام هو أبو طيبة، وأعطاه دينارًا، "ولو كان حرامًا لم يعطه"، فدل على أن الخبث في كسب الحجام ليس مثل الخبث في مهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الكلب؛ لأن هذه محرمات، وهذا مباح لو كان حرامًا لم يعطه، فالخبث هنا خلاف الأولى، الأولى أن يتبادل الناس، يتبادل المسلمون مثل هذه المصالح على سبيل التعاون بينهم من غير مقابِل.

 "وعنه أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، مروا بماء فيهم لديغ أو سليم"، لديغ لدغته ذوات السموم من عقرب أو حية، أو ما أشبهها مما فيه سم، هذا لديغ، وفعيل بمعنى مفعول أو سليم، يطلقون على اللديغ أو المريض يقولون عليه: سليم من باب التفاؤل.

 "فعرض لهم رجل من أهل الماء" نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- مروا بماء وردوا هذا الماء، "فعرض لهم رجل من أهل الماء وقال: هل فيكم من راقٍ، فإن لنا في الماء رجلاً لديغًا أو قال: سليمًا فانطلق رجل منهم" يعني من هؤلاء النفر من الصحابة، "فقرأ عليهم من فاتحة الكتاب على شاء"، وجاءت الروايات المبينة أنه أبو سعيد الخدري والعدد على ثلاثين رأس من الغنم، "فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ"، وفي الترمذي أنه قرأ الفاتحة سبع مرات، فبرأ كأنما نُشط من عقال كأنه ما لُدغ، فالرقية والقرآن شفاء للأمراض الحسية والمعنوية حتى العضوية هذا حسي محسوس.

 "فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا" يعني في مقابل القرآن، في مقابل عبادة تأخذ أجرة؟! فتوقفوا "حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» وفي بعض الروايات «اقتسموا واضربوا لي بسهم»، فدل على أنه كسب طيب.

نكمل بعد الصلاة يا إخوان بعد الصلاة، نكمل..

هذا يقول: أرجو التنبيه في مسألة الأجرة بالورق والذهب أن صاحب الأرض هو الذي يأخذ وليس العامل.

أما كون العامل يأخذ فهذا لا شك فيه في مقابل عمله، يأخذ الذهب، ويأخذ الورِق، الفضة، يأخذ الأجرة، وكون صاحب الأرض يأخذ الأرض إجارة، أجرة لها والعامل يتصرف فيها، وهذا أيضًا ظاهر، فهي إجارة على الوجهين إما إجارة عمل، وإما إجارة أرض، هنا يقول: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»، وهذا الحديث متفق عليه، وهو في البخاري، الحديث في البخاري ما فيه إشكال، جاء من حديث عبادة بن الصامت أنه علَّم رجلاً الكتاب والقراءة، القرآن، وشيئًا من الكتابة، من مبادئ الكتابة، فأهدى له قوسًا، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: هذا القوس أرمي به في سبيل الله، ما أتملكه، هدف صحيح نبيل، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن أردت أن تطوَّقه من نار فخذه»، فهذا زجر في أخذ المقابل على التعليم، لكن الحديث الصحيح في البخاري وغيره لا شك أنه مقدَّم، «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»، ويختلف أهل العلم على العبادات المحضة كالصلوات في الإمامة والمئذنة، وفي تعليم العلم، ورواية الحديث، وما أشبه ذلك، لا شك أن المشارطة وكون الدنيا هي الهدف وهي المقصد هذا لا شك أنه مذموم؛ {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ = 15  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ} [سورة هود:15-16]، هذا زجر شديد في مثل هذا حينما يكون الهدف الدنيا، يتمحض الهدف للدنيا، وليس للآخرة في عمله نصيب، وهذا حال كثير ممن يتصدى لتعليم العلم الشرعي في المدارس والجامعات الشرعية، فعلى الإنسان أن يسعى في نصحه ونيته، وأن يكون هدفه نفع إخوانه المسلمين، وإنقاذ نفسه، وإنقاذ غيره من الجهل، وإذا أخذ تبعًا لذلك فلا يضره.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله- عز وجل-: ثلاث أنا خصمهم يوم القيامة، ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر»" أمَّن وبذل الأيمان المغلظة أنه لا يفعل كذا، ثم لما تفرد به غدر به، ثم لما تمكن منه غدر به.

 «رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا، باع حرًا فأكل ثمنه»، الذي يباع هو الرقيق، وأما الحر فلا يجوز بيعه، وهو حرام بالاتفاق.

 «ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه» يعني استوفى العمل، «ولم يعطه أجرًا» هؤلاء خصمهم الله يوم القيامة، أين المفر إذا كان الخصم الله -جل وعلا-؟ إذا كان الخصم مخلوقًا يمكن تلبس عليه يمكن تكون حجتك قوية عند القاضي، عند كذا، لكن إذا كان الخصم هو الله -جل وعلا- فنسأل الله العافية.

 "وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كسب الإماء عن كسب الإماء، رواها البخاري".

 يعني الأحاديث السابقة نهى عن كسب الإماء إن كان في البغاء فتقدم مهر البغي خبيث، وإن كان في الأعمال المباحة فلما يُخشى عليها، الأمة يخشى عليها إذا أُجِّرَت وبمفردها، ودخلت البيوت، وتعرَّضت للفتنة، فمثل هذا لا شك أنها ينهى عنه من هذه الحيثية؛ لئلا يتمكن منها، ولا شك أن الأمة في هيبة الناس لها ليست كالحرة، نهى عن كسب الإماء، ولكن الذي يظهر حمله على الحديث السابق، وهو البغاء، رواه البخاري.

 نكمِّل أو يقيم؟ كم بقي؟

طالب: ..........

خمس.

 اقرأ.. اقرأ المتن.

"قال -رحمه الله-: باب العارية والوديعة:

 عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا وثلاثين مغفرًا»، قلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: «بل عارية مؤداة»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه، ورواته ثقات، وقد أعل.

 وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديَه»، رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري.

 وفي لفظ بعضهم قال قتادة: ثم نسي الحسن فقال: هو أمينك، ولا ضمان عليه.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»، رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن غريب، والحاكم وقال: على شرط مسلم، وقال أبو حاتم: هو حديث منكر، والله أعلم."

بعد الصلاة إن شاء الله، بعد الصلاة إن شاء الله..

...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: "باب العارية والوديعة، باب العارية والوديعة"، العارية بالتشديد وتخفف ويقال: عاريَة؛ لعروِّها عن المقابل وعن الثمن؛ لأنها تؤخذ من صاحبها بدون مقابل، ولو كانت بمقابل صارت إجارة تؤخذ العين لينتفع بها، وترد كما هي، وجاء الحث على الإعارة، بل جاء ذم من يمنع الماعون {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ = 6  وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ = 7 } [سورة الماعون:6-7]، وجميع ما ينتفع به إذا لم يترتب عليه ضرر لصاحبه أو حرمان منه في وقت احتياجه إليه فعليه أن يبذله، يستفيد منه أخوه، ثم يرده، والوديعة التي هي الأمانة التي توضع أمانة ووديعة عند من يحفظها، والوديعة الأمانة ليس فيها ضمان إذا لم يتعدَّ أو يفرط، وأما بالنسبة للعارية فهل يضمن المستعير إذا تلفت أو لا يضمن؟ خلاف بين أهل العلم، وسيأتي في الأحاديث ما يدل على أنها مضمونة، وإن كان الخلاف بين أهل العلم جاريًا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

 قال -رحمه الله-: "عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا وثلاثين مغفرًا»"، الدرع ما يتقى به على الصدر والبدن أثر السهام والسيوف، والمغفر ما يغطى به الرأس، ويتقى بها مما ذُكِر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة وعلى رأسه المغفر، وهذا لا شك أنه من أخذ الأسباب التي جاء الأمر بها مع عدم الاعتماد والاتكال عليها، فالدروع كان داود- عليه السلام- يصنع هذه الدروع، ولا شك أنها لا تعدو أن تكون سببًا من الأسباب قد تترتب عليها آثارها، قد تتقلب، والمسبب هو الله -جل وعلا-، ولا شك أن السبب له أثره الذي جعله الله فيه لا يستقل بالأثر كما يقول المعتزلة، ولا يُسلب الأثر، فيكون وجوده مثل عدمه، كما تقول الأشعرية: إنما يكون فيه تأثير جعل الله فيه تأثيرًا.

 "قلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: «بل عارية مؤداة، بل عارية مؤداة»فدل على وجوب رد العارية، على وجوب رد العارية إذا وجدت بعينه، وإذا فقدت فلا بد من ضمانها، كما سيأتي، وكما جاء في بعض الأحاديث أنها مضمونة، وهذا محمولة على ما إذا فقدت، فالمثلي يضمن بمثله، والقيمي يضمن بقيمته، ومنهم من يقول: إن حكم العارية حكم الوديعة لا تضمن إلا مع التفريط.

 ومنهم من يقول: إذا التزم بالضمان ضمن، وإذا لم يلتزم فحكمها حكم الوديعة، ولا شك أن هناك فرقًا بين العارية والوديعة العارية المستفيد المستعير، والوديعة المستفيد المودع، المستفيد المودع، طيب الناس يودعون أموالهم في البنوك والمصارف لحفظها هل هي ودائع أم قروض؟ كيف تكيَّف؟

إذا قلنا: إنها ودائع لا يجوز للمودَع أن يتصرف فيها، فإذا تصرف فيها كما هو واقع البنوك أن تعطيهم الدراهم يجعلونها في صناديقهم مع ممتلكاتهم، ويشتغلون بها، وكل على طريقته ومنهجه، بعضهم في الحلال، وبعضهم في الحرام، وبعضهم في الحلال والحرام، وهكذا فهي ليست بوديعة، وإن سموها وديعة وإيداعًا؛ لأن مقتضى الوديعة ألا يتصرف المودَع بشيء منها، وإذا لم يتصرف فيها وحفظها فيما يحفظ به مثلها، وتلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط فإنه لا يضمن، فالعارية باعتبار أن المنتفع هو المستعير اتجه القول بضمانها، وقد جاء ما يدل عليه، ومنهم من يقول لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: «بل عارية مؤداة، بل عارية مؤداة»يعني أضرب عن كونها مضمونة فما بقي إلا أنها مؤداة فقط ما فيه إلا التأدية.

 طيب إذا فقدت تصير مضمونة أم غير مضمونة؟

من هذا الحديث غير مضمونة، فهم منه بعض العلماء أنها لا تضمن بناءً على هذا الحديث؛ لأنه أضرب عن الضمان إلى التأدية، فإذا كانت موجودة تؤدى، وإذا كانت مفقودة من غير تفريط فلا شيء، هذه حجة من يقول: إن العارية لا تضمن، وجاء ما يدل على ضمانها؛ «على اليد ما أخذت حتى تؤدى».

 "رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه، ورواته ثقات، وقد أعل" ما علته؟

"عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه يعلى بن أمية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا وثلاثين مغفرًا»، قلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ «بل عارية مؤداة»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه، ورواته ثقات، وقد أُعل".

 ما يظهر فيه علة ظاهرة في إسناده، لكن من يرى أنه مخالِف للأحاديث التي فيها التصريح بالضمان وهو مقتضى النظر قال: إنه معل من هذه الحيثية.

 "وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «على اليد ما أخذت حتى تؤديَه، على اليد ما أخذت حتى تؤديه» الحسن البصري سيد من سادات الأمة، وإمام من أئمتها، وهو من جِلَّة التابعين -رحمه الله- إلا أنه يدلِّس تدليسًا شديدًا، ولذا يقول: مراسيله من أضعف المراسيل، يقول أهل العلم حينئذ: لا بد أن يصرِّح، وهنا عنعن، وروايته عن سمرة على وجه الخصوص يختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:

 منهم من يقول: إنه لم يسمع من سمرة مطلقًا، لم يسمع من سمرة مطلقًا، ومنهم من يقول: إنه سمع منه، وإذا ثبت السماع في حديث ثبت له الحكم في سائر الأحاديث؛ لأنه لا يلزم أن ينقل في كل حديث، ومنهم من يقول: ثبت سماعه من سمرة لحديث العقيقة، وفي صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمعت حديث العقيقة، فقال: من سمرة، فسماعه لحديث العقيقة مفروغ منه، خلافًا لمن يقول: إنه لم يسمع منه مطلقًا، نعم حديث العقيقة سمعه منه، ويبقى بقية الأحاديث لاسيما، وأن الحسن -رحمه الله- تدليسه شديد، فلا بد أن يصرح، يبقى أن الحسن أيضًا صرح في بعض المواضع في أحاديث لم يسمعها، وفي قصص لم يشهدها يقول: حدثنا أبو هريرة، والعلماء يقولون: إنه حدَّث أهل المدينة وهو فيها، وهو فيها، مع أن منهم من يثبت كأبي حاتم، من يثبت سماع الحسن من أبي هريرة بناءً على هذه الرواية.

 "وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه-" وعلى هذا الحديث الذي معنا على ما تقدم ذكره من الخلاف صحيح أم ضعيف؟

ضعيف، ضعيف لماذا؟ لأن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، وهذا ليس حديث العقيقة، يعني لو كان حديث العقيقة قلنا: صحيح، ما عداه يحكم بضعفه؛ للانقطاع بين الحسن وسمرة.

 "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديَه» {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء:58]، فكل ما أخذته من مال غيرك عليك أن تؤديه. "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري".

 هل من شرط البخاري رواية الحسن عن سمرة بإطلاق، أو أن من شرطه أن الحسن من رجال البخاري، وسمرة من رجال البخاري، لكن هل هذا يكفي في تحقيق شرط البخاري حتى على القول بأن شرط البخاري رجاله ورواته؟ لا، لا بد أن يكون بالصورة المجتمعة التي خرّج فيها البخاري الأحاديث الأصول المعتمد عليها، ولعل الحاكم ممن يرى ثبوت سماع الحسن من سمرة بناءً على ما جاء في صحيح البخاري في حديث العقيقة، ويطرد ذلك في بقية مروياته.

 على كل حال كلام الحاكم فيه نظر.

 "وفي لفظ بعضهم قال قتادة: ثم نسي الحسن" نسي الحسن، هذه سنة إلهية في الخلق كلهم إذا كبروا يطرأ عليهم النسيان، يطرأ عليهم النسيان، ومنهم من يطرأ عليه الاختلاط بحيث لا يميز بين الأشياء، والنسيان ببعض الأشياء دون بعض، والنسيان للكثير دون القليل، والقليل دون.. يتفاوتون، أنس بن مالك في آخر عمره؛ لأنه عُمِّر إلى مائة وثلاث سنين يقول: سلوا الحسن فإنه حفظ ونسينا، الآن جاء دور الحسن يقال: نسي الحسن سنة إلهية. "نسي الحسن فقال: هو أمينك، ولا ضمان عليه"، هو أمينك ولا ضمان عليه.

 وعلى كل حال هو من الحديث السابق، وهو تابع له في الضعف.

 "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك، أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، وهو مصحح عند جمع، ومحسن عند الترمذي فقال أبو حاتم: هو حديث منكر، لكنه لا ينزل عن درجة الحسن، لا ينزل عن درجة الحسن، فالأمانة لا بد من أدائها، «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»، وفي هذا الحديث يستدل من يبطل القول فيما يعرف بمسألة الظفر، مسألة الظفر أن يكون لك حق على شخص ليست لديك بينة عليه فتستطيع استخراجه بواسطة القضاء، ما عندك بينة، لو رحت تطلب منه اليمين يمكن يحلف، لكنك ظفرت بشيء، بمال له، قال: أقرضني ألفًا، أقرضته ألفًا ثم جئت تطلبه قال: والله ما عندي لك شيء، ثم أعارك كتاب أو متاع قيمته ألف، وما عنده بينة، الذي يقول بالجواز يقول لك: أن تكتم هذا المتاع الذي يقابل حقك الذي في ذمتك، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم} [سورة النحل:126]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى:40]، «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف»، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفينا، قال: «خذي من ماله»، لو ما دري ولو من غير علمه، «خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف»، وهذه أدلة من يقول بالجواز، وحديث الباب دليل من يقول بالمنع، «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك»، هذا خانك بجحد حقك، وظفرت بشيء من ماله، يقابل هذا الحق لا تخن من خانك، أد الذي عليك، واسأل الله -جل وعلا- الذي لك.

 وعلى كل حال إذا كانت إذا كان الحق حجته أو سببه حق سببه ظاهر مثل النفقة فلا مانع من أن يأخذ بقدره ما يكفيه ويكفي الولد بالمعروف، كما في حديث امرأة أبي سفيان، وإذا كان الحق سببه خفيًّا فإنه لا يجوز، وعرفتم الخلاف في المسألة.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"