شرح حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- (1)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبي أكمل الله به الدين، وجعله حجةً على الخلائق أجمعين، وبعثه رحمةً للعالمين، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا أيها الأخوة الفضلاء، طلاب العلم، نحييكم في مجلسٍ من مجالس العلم، وإلى درسٍ من دروس العلم، وإلى عالمٍ من أهل العلم، أما درسكم في هذه الليلة، وليلتين آتيتين -إن شاء الله- فعنوانه: شرح حديث جابرٍ في صفة حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما علمنا وعالمنا في هذه الليلة فهو فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فحيا الله فضيلته في هذا المسجد، وحيا الله الإخوة الكرام، وفي بدء المحاضرة نرحب بكم جميعاً في هذا المجلس وقبل ذلك نشكر لفضيلة شيخنا شخوصه إلى هذا المسجد، وحضوره إلينا وإليكم، ونسأل الله -جل وعلا- أن يثيبه أحسن الثواب، وأن يجعل حضوره إلينا في ميزان حسناته، كما نسأل الله -جل وعلا- أن يلهمه التوفيق والسداد والرشد، وأن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى، فإلى هذه المحاضرة وإلى هذا الدرس الكريم، وفي بدء المحاضرة سأقرأ حديث جابر على ما رواه الإمام مسلم –رحمه الله تعالى- في صحيحه:

قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبه وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتم قال أبو بكرٍ: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي، سل عما شئت؟ فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجةٍ ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجر فصلى بنا فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بيده فعقد تسعاً فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميسٍ -رضي الله عنها- محمد بن أبي بكرٍ -رضي الله عنهما- فأرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي)) فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء ثم إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم شيئاً منه، ولزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبيته، قال جابر -رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[(125) سورة البقرة] فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه..

بارك الله فيك.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

ففي هذه الليالي المباركة -إن شاء الله تعالى- نعرض بشيءٍ من الإيجاز والاختصار مع التوضيح حسب الإمكان لحديثٍ من أطول الأحاديث في الصحيح، وهو حديث جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحديث جابر حديث عظيم جليل عني به العلماء، وأوسعوه بحثاً، وألفوا فيه المؤلفات، وهو حري بذلك وجدير.

ابن المنذر صنف كتاباً استنبط من الحديث ما يزيد على خمسين ومائة مسألة، وهو قابل لأكثر من ذلك، وشرح الحديث في ليالٍ معدودات إنما يكون من باب ما لا يدرك كله لا يترك جله، وإن كان الجل أيضاً تجوز، إنما نعرض بشرح الحديث بشيءٍ من الاختصار والإيجاز، ونقف وقوفاً نتمهل فيه قليلاً عند بعض الأحكام التي تمس إليها الحاجة.

وجابر -رضي الله عنه- ضبط الحجة وأتقنها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من داره من المدينة إلى رجوعه إليها، ولذلك يرجح كثير من أهل العلم ما يقع فيه التعارض بين حديثه وبين حديث غيره من الصحابة، ولو كان الحديث الآخر في الصحيح -في البخاري مثلاً- لأن جابراً صارت له العناية التامة بحجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالحديث عظيم، ويحتاج شرحه واستيفاء مباحثه إلى بسطٍ طويل، ووقتٍ طويلٍ جداً.

حديث جابر يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أفعاله، ووصف الحجة من أولها إلى آخرها وهي مخرجة في صحيح مسلم دون البخاري، فالحديث من أفراد مسلم، وإن جاءت بعض جمله عن غير جابر من الصحابة في الصحيح، وسيأتي التنبيه على شيءٍ من ذلك -إن شاء الله تعالى-.

يقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتمٍ قال أبو بكر:ٍ حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني" الحديث يرويه الإمام مسلم من طريق اثنين من شيوخه، وجرت عادته -رحمه الله تعالى- إذا روى الحديث عن اثنين أنه ينص على صاحب اللفظ، يبين صاحب اللفظ، كما أنه يعنى عنايةً فائقة ببيان فروق صيغ الأداء بين الرواة، وهنا يقول: "جميعاً عن حاتم" فهل صيغة الأداء هنا العنعنة؟ هل يقصد الإمام مسلم بقوله: عن حاتم، أن كلاً من أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم جميعاً قالا: عن حاتم، يعني يرويان الحديث بصيغة العنعنة؟ لا، بدليل أنه قال: قال أبو بكرٍ: حدثنا، وماذا عن إسحاق؟ المعروف عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهويه أنه لا يقول في الأداء إلا أخبرنا، فهنا (عن) ليس المراد بها بيان طريقة التحمل التي يعبر عنها بصيغة الأداء هنا، نعم، صرّح بالنسبة لأبي بكر بقوله: حدثنا، فعرفنا أن أبا بكرٍ تحمّله عن حاتم بن إسماعيل بطريق السماع، وأما إسحاق بن إبراهيم فلا يقول في صيغة الأداء إلا أخبرنا، ولذا يفسر المهمل إذا جاء إسحاق مهملاً في الأسانيد، إذا كانت الصيغة أخبرنا فهو إسحاق بن راهويه، إذا كانت الصيغة غير أخبرنا فهو غيره.

إذاً قوله: "جميعاً عن حاتم" هذا إخبار إجمالي عن الشيخين بأنهما تحملا الحديث عن حاتم بن إسماعيل من غير تفصيل للصيغة التي نطق بها كل منهما، وعلى هذا إذا قال أهل العلم في كتب الرجال، روى عن فلان وفلان وفلان، وروى عنه فلان وفلان وفلان، هل معنى هذا أنه لا يروي عنه إلا بصيغة العنعنة؟ لا، هو مجرد إثبات أن هذا الشيخ من شيوخه فلان وفلان وفلان، ومن تلاميذه فلان وفلان وفلان.

قال أبو بكر: "حدثنا حاتم بن إسماعيل" قد يقول قائل: لماذا أعاد الإمام مسلم أبا بكر ولم يعد إسحاق؟ عرفنا أن الإمام مسلم يعنى ببيان صاحب اللفظ، فيقول: حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، هنا ما ذكرها، لكن جاء بأسلوبٍ آخر، "حدثنا أبو بكرٍ بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حاتم قال أبو بكرٍ" أعاد أبا بكر لأنه هو صاحب اللفظ، وهذه طريقة منهج له إذا أعاد أحد الرواة فإنه يكون صاحب اللفظ، وإلا فالأصل أن الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يبين صاحب اللفظ فينص عليه فيقول: واللفظ لفلان، وهذه مما يتميز أو يمتاز به صحيح مسلم عن غيره، العناية الفائقة بذكر الفروق بين الرواة سواء كانت في المتون أو في الأسانيد، الإمام البخاري لا يعتني بذلك كثيراً، فلا يبين صاحب اللفظ، لا يُعنى بذلك، يهمه أن يكون المتن محفوظ عن من ينقله عنه ولو بالمعنى.

إذا روى الإمام البخاري الحديث عن شيخين ولم يبين صاحب اللفظ فابن حجر يقول: ظهر بالاستقراء من عادته أن اللفظ يكون للأخير منهما، للأخير وليس للأول، عادة مسلم يبين صاحب اللفظ، البخاري يكون اللفظ للأخير منهما، وهذه قاعدة ظهرت من استقراء ابن حجر لكنها أغلبية وليست كلية، بدليل أنه يوجد في الصحيح أحاديث يرويها البخاري من طريق اثنين وينص الحافظ في الشرح على أن اللفظ للأول، لفلان، وهو الأول في السياق.

قد يقول قائل: إذا كان مسلم -رحمه الله تعالى- يعنى ببيان صاحب اللفظ بدقة، ويعتني بفروق الروايات فيذكر هذه الفروق وإن كان لا يترتب عليها فائدة، قد يكون الفرق لفظة بدل لفظة لا يترتب عليها كبير فائدة، أو زيادة حرف أو نقص حرف، وهذا ما يمتاز به من هذه الحيثية، فهل ينصح من أراد الحفظ أن يبدأ بصحيح مسلم كما يصنعه بعضهم؛ لأن الإمام مسلم يعنى بالألفاظ، ويتحرى فيها، ثم يأخذ ما زاد على ذلك من زوائد البخاري أو العكس؟ الإخوة الذين يعنون بالحفظ بل يشرفون على من يحفظ يوجهون الناس إلى البدء بصحيح مسلم، لما عرفنا أنه يعتني بالألفاظ بدقة، ثم يأخذون ما زاد في البخاري على مسلم، لكن هل هذا منهج صحيح؟ أو نقول: البداءة بالبخاري ثم تؤخذ زوائد مسلم؛ لأن البخاري أصح عند جماهير أهل العلم؟

أول من صنف في الصحيح

 

محمد وخصّ بالترجيح

ومسلم بعد.. الخ ما قال -رحمه الله تعالى-، أقول: لا بد من العناية بالبخاري أولاً، ثم تؤخذ الزيادات من صحيح مسلم، ولا يختلف الإمام البخاري عن مسلم في جواز الرواية بالمعنى، كل منهما يجيز الرواية بالمعنى، فكون اللفظ الذي بين أيدينا في صحيح مسلم اعتنى فيه مسلم ببيان فروق الروايات لا يعني أن اللفظ الموجود في صحيح مسلم هو اللفظ النبوي، نعم هو اللفظ لفلان، ويحتمل أن يكون فلان رواه بالمعنى، وجمهور أهل العلم يجيزون الرواية بالمعنى، شريطة أن يكون الراوي عارف بمدلولات الألفاظ، وما يحيل المعاني، هذا قول جمهور أهل العلم، فليس معنى هذا أن الألفاظ الموجودة في صحيح مسلم ومتون الأحاديث هي ألفاظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، هي ألفاظ من نسبت إليه من الرواة بدقة، لكن هؤلاء الرواة رووها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى، وقد تكون باللفظ، والأمر كذلك في صحيح البخاري، هي مروية بالمعنى لأن جمهور أهل العلم يجيزون الرواية بالمعنى، وقد يكون بعضها بلفظه -عليه الصلاة والسلام- أو جله.

ومن باب الاستطراد أهل العلم ينصحون المتفقه إذا أراد أن يتفقه في السنة أن يقدم أبا داوود والترمذي على الصحيحين، هذا استطراد لا علاقة له بما نحن فيه، لقرب الفائدة منهما، ثم بعد ذلكم يعنى بالصحيحين، ثم المرحلة الثالثة النسائي وابن ماجة.

"قال أبو بكرٍ: حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن أبيه" جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق، عن أبيه: أبوه محمد الباقر –محمد بن علي بن الحسين بن علي زين العابدين بن الحسين سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن علي بن أبي طالب، والسند كما ترون فيه جعفر بن محمد وأبوه جعفر الصادق ومحمد الباقر وهما ثقتان، مخرج لهما في الصحيح وغيره، وقد عظمت عليهما الفرية عند قومٍ زاغت قلوبهم فأكثروا من الوضع عليهما، وافتروا عليهما وبنوا دينهم على ما ينقل عنهما مما كان أكثره في عداد الموضوعات، وأهل السنة أهل الإنصاف لا يقولون: جعفر الصادق روجت عليه الأحاديث ما ذنبه هو؟ فلا نروي عنه، يرووا عنا، يخرجون له في الصحيح، وروايته معتمدة عند أهل العلم.

"قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم" ينبغي للمزور أن يسأل الزائرين أو الزائر عن اسمه ونسبه كي ينزله منزلته، لحديث عائشة: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، هكذا في مقدمة صحيح مسلم، وفي غيره بصريح الأمر: ((أنزلوا الناس منازلهم)) فكون الشخص يزور الآخر ثم يخرج والآخر لا يعرف من حاله شيء، ولا يعرف من هو؟ وقد يكون ممن ينبغي أن يعتنى به أو يكون عنده شيء يمكن أن يستفاد منه ويخرج كما دخل لا بد أن يسأل وهذا من منهج السلف، من أنت؟ أو من القوم؟ فيعرفون بأنفسهم، فلان بن فلان بن فلان، بما يحصل به التعريف.

ولذا قال: "فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي" أهوى بيده إلى رأسي يداعبه، ويتلطف معه، ويؤنسه وهذا من المودة في القربى، لأنه من بيت النبوة، فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل، من أجل أن يدخل يده، يقول: ثم وضع كفه بين ثديي، شيخ كبير صحابي جليل قد عمي يفعل هذا مع شاب، ومثل هذا إذا ترتبت عليه المصلحة، وأمنت المفسدة لا بأس به، إذا ترتبت عليه مثل هذه المصلحة، مصلحة التأنيس لا بأس، لكن هل يسوغ لكل شخص أن يدخل يده أو كفه بين ثديي شاب؟ أهل العلم صرحوا بأن النظر إلى الأمرد حرام، جمهورهم إذا كان لشهوة وأطلق بعضهم التحريم كالنووي ولو لم يكن لشهوة، لكن هذا شيخ كبير قد عمي، وهذا من بيت النبوة، يحتاج إلى مزيد عناية لوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- بأهل بيته، ثم وضع كفه بين ثديي، في هذا ما يدل على أنه يقال: الثدي بالنسبة للرجل كالمرأة، وإن قال بعضهم: أن الثدي خاص بالمرأة، ويقال للرجل ثندوة.

"وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحباً بك يا ابن أخي" وأنا يومئذٍ غلام شاب، بلغ الحلم وإلا لا؟ لا، يعني صغير، ما يتصور أن رجل كبير قد بلغ الحلم فك أزرار وتوضع الكف بين ثدييه، هذا بالنسبة للكبار قد يكون قبيح، لكن شاب صغير يداعب بمثل هذا لا بأس، بالقيد الذي ذكرناه، ومع أمن الفتنة.

محمد بن علي يروي الحديث وهو غلام شاب، ومن شرط الرواية أن يكون الراوي مكلفاً، أن يكون ناقل الخبر مكلف قد بلغ الحلم.

أجمع جمهور أئمة الأثر
بأن يكون ضابطاً معدلاً
يحفظ إن حدث حفظاً يحوي       

 

والفقه في قبول ناقل الخبر
أي يقظاً ولم يكن مغفلا
كتابه إن كان منه يروي

إلى أن قال:

قد بلغ الحلم سليم الفعل                من فسقٍ... الخ

المقصود أن بلوغ الحلم أمر لا بد منه لقبول الرواية، ولذلك يشترطون في قبول الشهادة وقبول الرواية أن يكون الراوي والشاهد مكلفاً؛ لأن الصبي لا يؤمن أن يزيد أو ينقص أو يكذب في خبره أو في شهادته؛ لأنه غير مكلف، نقول: نعم، هذا أمر نقل عليه الاتفاق لكنه في حال الأداء، لا في حال التحمل، يصح تحمل الصغير، ويصح تحمل الكافر، ويصح تحمل الفاسق، لكن إنما يطلب الكمال وتوافر الشروط عند الأداء، إذا أراد أن يؤدي ما تحمل لا بد أن تكتمل شروطه، أما في حال التحمل فتقبل رواية الصبي إذا كان مميزاً.

في صحيح البخاري في حديث ابن محمود الربيع أنه عقل مجّة مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلوٍ وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين الذي في الصحيح خمس سنين، جاء في بعض الروايات خارج الصحيح ابن أربع سنين، ولذا جعل أهل العلم الحد الفاصل لقبول الرواية خمس، لكن الحديث لا يدل على التحديد، كون محمود عقل وهو ابن خمس سنين لا يعني أن غيره يعقل وهو ابن خمس سنين، فقد يعقل قبل ذلك، وقد لا يعقل إلا إذا تجاوز هذا السن.

على كل حال توفر الشروط لا بد منه لكن في حال الأداء، وأما في حال التحمل يقبل تحمل الصبي الصغير وتحمل الكافر والفاسق.

"وأنا يومئذٍ غلام شاب فقال: مرحباً" هذه كلمة تتبادل في التحية وهي سنة، ثبت في الصحيح أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: السلام عليك يا رسول الله فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) وأهل العلم يختلفون في رد التحية بمرحباً، هل يكفي أو لا بد من أن ترد التحية بأحسن منها أو مثلها؟ فيقال: وعليكم السلام ورحمة الله، مرحباً، ما حفظ عنه أنه -عليه الصلاة والسلام- في حديث أم هانئ أنه قال: وعليك السلام مرحباً، ولذا قال بعضهم: يجزئ الرد بمرحباً، وقال بعضهم: أنه لا يجزئ بل لا بد أن ترد التحية بأحسن منها أو بمثلها، وكون الرواة لم ينقلوا عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: وعليك السلام، لا يعني أنه لم يقع، فإذا ثبت الحكم بدليلٍ شرعي لا يلزم أن ينقل في جميع الأدلة، لا يلزم أن تتظافر عليه الأدلة، فتركه الراوي للعلم به.

"فقال: مرحباً بك يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجةٍ" في بعض الأصول الموثقة في ساجة بدون نون، وصححها بعضهم وخطأ النون، خطأ ما عندنا في نساجة، لكنها ثابتة في بعض الروايات المعتمدة.

"فقام في نساجة ملتحفاً بها" يقول: "فصلى بنا" وهو أعمى، فصلاة الأعمى وإمامة الأعمى صحيحة لا إشكال فيها، والمفاضلة بينه وبين المبصر مسألة خلافية بين أهل العلم فمنهم من يرى أن الأعمى أفضل من المبصر للإمامة، لأنه لا يرى ما حوله فلا ينشغل بل يقبل على صلاته، ومنهم من يقول: لا، المبصر أولى، وصلاته أكمل؛ لأنه هو الذي يتحرز عن النجاسات، وما يؤثر على الصلاة.

والقول المرجح في هذه المسألة أن مرد التفضيل إلى حديث أبي مسعود: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)).. إلى آخر ما في الحديث، وليس فيه كونه مبصر، ولا كونه أعمى، وبهذا نعرف ضعف من يقول من أهل العلم بأمورٍ بنوا عليها التفضيل ولا دليل فيها، حتى قال بعضهم: أفضلهم أجملهم وجهاً، بعضهم قال: أكبرهم رأساً، بعضهم قال: أجمل امرأة، بعضهم قال: .. الخ، أشياء مضحكة، لا وزن لها في الشرع، فكيف يفضل فيها في أفضل مقام في الصلاة؟!

"فقام في نساجة" النساجة كساء يشبه الطيلسان، "ملتحفاً بها كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغره ورداؤه إلى جنبه" عنده رداء آخر لكن يريد أن يبين لهم القدر المجزئ في السترة، وأنه لا بد أن تستر العورة، وستر العورة شرط عند أهل العلم.

"كلما وضعها على منكبه" أيضاً ستر المنكب واجب في الصلاة، وفرق بين الشرط والواجب، ستر العورة شرط، وستر المنكب واجب، جاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلِ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) والمراد هنا بالعاتق الجنس، بدليل الرواية الأخرى: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) فلا بد من ستر العاتقين، وإن كان المعروف عن الإمام أحمد أنه يكفي أحد العاتقين بناءً على رواية: ((ليس على عاتقه)) كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها، المنكب هو الكتف، أو هو مجتمع رأس العضد مع الكتف، رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، المشجب ما تعلق عليه الثياب، كالشماعة.

"فصلى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال بيده فعقد تسعاً" طريقة الحساب بالأصابع جاء بعضها في المرفوع وبعضها في الموقوف، وهي طريقة عربية تعرف فيها الأعداد من غير نطق، بالأصابع، أصابع اليد اليمنى لها أرقام، وأصابع اليد اليسرى لها أرقام، وعقود كل إصبع له رقم، كل عقد له رقم، وهي طريقة مهجورة، هجرت، كانت معروفة ثم هجرت، من أراد معرفة شيء عنها فليرجع إلى فتح الباري في الجزء الثالث عشر صفحة (ص108) وسبل السلام والتلخيص وغيرها من كتب أهل العلم.

"فعقد تسعاً" يريد أن يبين أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مكث تسع سنين، وقد بين.

"فقال: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن بالناس في العاشرة" الرسول -عليه الصلاة والسلام- حج قبل الهجرة، وهذه الحجة على طريقة قومه مما ورثوه عن ملة إبراهيم -عليه السلام- وإن خالف قومه في الوقوف بعرفة، وهذه الحجة يدل عليها حديث جبير بن مطعم في الصحيح وهو أنه أضل بعيراً له فوجده بعرفه، وجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف مع الناس وتعجب فقال: ما بال هذا يقف هنا وهو من الحُمس؟ الحمس لا يخرجون من الحرم، فكونه يتعجب يدل على أنه قبل أن يسلم؛ لأن جبير بن مطعم إنما وقر الإيمان في قلبه لما جاء في فداء أسرى بدر في السنة الثانية للهجرة، والحجة هذه كانت قبل الهجرة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما هاجر، والخلاف في الثانية أيضاً، الحجة ثانية، لكن هناك من النصوص ما يدل على أنه حجة ثانية، وهل كانت قبل الهجرة أو بعدها؟ على كلٍ ليست هي حجة الإسلام، إنما حجة الإسلام التي وقعت بعد فرض الحج إنما هي التي شرحها جابر في هذا الحديث.

"فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاج" أُعلم الناس، وأبلغوا الخبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حاج في هذه السنة، يعني يريد الحج، من أجل أن يحضر المسلمون ليقتدوا به.

"فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الرسول حج في السنة العاشرة، والخلاف بين أهل العلم في الحج هل فرض في السادسة أو التاسعة أو العاشرة معروف؟ لكن المرجح عند أهل التحقيق أنه إنما فرض في السنة التاسعة، ولم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة التاسعة بل بعث أبا بكر لكي يؤذن بالناس أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره هذه المناظر ولا يطيق مشاهدتها، فإذا نظف البيت من هذه المناظر حجّ كما هو الواقع.

يترتب على الخلاف في وقت فرض الحج الخلاف في الحج نفسه، هل هو على الفور أو على التراخي؟ من قال: أنه فرض سنة ست قال: أنه على التراخي؛ لأن النبي مكث سنين -عليه الصلاة والسلام- لم يحج، لم يحج إلا سنة عشر، ومن قال: أنه فرض سنة تسع، وأخر الحج عن تسع إلى عشر للعلة المذكورة أو قال: فرض سنة عشر قال: إن الحج على الفور، وكونه على الفور هو المرجح عند أهل العلم.

والحج ركن من أركان الإسلام إجماعاً، لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وغيره: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج)) أو: ((والحج وصوم رمضان)) على الخلاف بين الرواة في ذلك.

الإمام البخاري -رحمه الله- قدم الحج على الصيام لكونه أهم عنده، والرواية الثابتة عنده في تقديم الحج على الصيام من حديث عبد الله بن عمر أرجح من تقديم الصيام على الحج.

"يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاج فقدم المدينة بشر كثير" يقربون من مائة وعشرين ألفاً، حزروا بهذا العدد، منهم من زاد ومنهم من نقص، لكن هذا هو المعدل بين الأقوال، بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله، هذا الأصل في العبادات أن تأتي مطابقة لفعله -عليه الصلاة والسلام-، إذ شرط كل عبادة أن تكون خالصة لوجه الله -سبحانه وتعالى-، وأن تكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان أهل العلم يوصون الحجاج، وهذا مستفيض في المناسك، أن يكون الحاج بصحبة طالب علم أو عالم لتكون أفعاله على المطلوب شرعاً، فإذا كان هذا بالنسبة لمن يعرف شيئاً من العلم، فكيف بالائتساء بمن أمرنا بالاقتداء به والائتساء به؟! استجاب الصحابة لما أذن بهم، فأعلن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حاج.

"فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله"

يقول: "فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر" ولدت، خرجت إلى الحج وهي على أبواب الولادة -مشارف الولادة- ولدت بعد بضعة أميال، وهذا من حرصهم -من حرص الصحابة- على المسارعة إلى إبراء الذمة من الواجبات من جهة، ومن جهةٍ أخرى الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، فرصة قد لا تتكرر وقد حصل، لو تأخرت بسبب الحمل، والذي يغلب على الظن أنها قد وصلت إلى حد الطلق قبل خروجها من بيتها، الآن ومع تراخي الناس وتساهلهم في المسارعة والمبادرة إلى الخيرات تجد الشخص يتعلل بعللٍ واهية، يتأخر عن الحج بسبب إكمال الدراسة، إيش علاقة الدراسة بالحج؟ يتعلل بتأخير الحج وهو على الفور كما سمعنا بسبب الزواج مثلاً، أو لأنه مشغول، وقد يتعلل بعضهم بأن وقت الحج يأتي في إجازة، والإجازة فرصة بأن يخرج هو وزملاؤه وأقرانه في رحلة مثلاً، كل هذه علل واهية تدل على رقةٍ في الدين.

بعض النساء أو بعض الرجال يقول: المرأة مجرد ما تحلل وتبين لها أنها حملت أو حبلت خلاص ما يحتاج تحج السنة هذه، تنتظر إلى سنةٍ أخرى لئلا يسقط هذا الحمل، أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق أفضل الأمة بعد نبيها، خرجت وولدت بعد بضعة أميال محمد بن أبي بكر.

"فأرسلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري))" والسنة الاغتسال عند الإحرام؛ لأن هذه وهي نفساء قيل لها: اغتسلي، أمرت به، فهو في حق الطاهر آكد، واستثفري يعني ضعي على موضع الدم شيئاً يمنع خروجه لئلا يتلوث البدن والثوب والبقعة بالدم، يعني تحفظي، وأحرمي، وهذا الحكم بالنسبة للحائض والنفساء، حكمهما واحد، تغتسلان وتحرمان وتفعلان كل ما يفعله الحاج، غير أنهما لا تطوفان بالبيت، كما في حديث عائشة.

"فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ثم ركب القصواء" هذه الصلاة يقول النووي: أنها صلاة الصبح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر بالمدينة ثم خرج فصلى بالحليفة العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم أحرم بعد ركعتي الفجر، الفريضة، هذا على قول النووي، والذي رجحه ابن القيم أنه انتظر إلى الظهر، صلى الظهر ركعتين ثم أحرم بعدهما، فيكون مكث يوم وليلة في الميقات، وهو بضعة أميال عن المدينة، قد يقول قائل: لماذا يشق على الناس فيخرج بهم من بيوتهم ويجلس يوم كامل بعد بضعة أميال؟ هذا فعل المعصوم -عليه الصلاة والسلام- وله فوائد، ولعل منها: أن يتذكر من تذكر شيئاً نسيه، أو يلحق بهم من تخلف، ولغير ذلك من الفوائد المرتبة على فعله -عليه الصلاة والسلام-.

المقصود أن هذا هو الحاصل.

"فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد ثم ركب القصواء" الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد الصلاة، وهي صلاة الصبح على قول النووي أو صلاة الظهر على قول ابن القيم، فدل على أنه ينبغي أن يكون الإحرام بعد صلاة، وجاء الأمر بالصلاة قبل الإحرام، في صحيح البخاري: ((صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة)) ولا نعلم ما لو لم تكن أو لم يكن إحرامه -عليه الصلاة والسلام- بعد الفريضة ماذا سيصنع؟ ولذا يرى جمهور أهل العلم أن الإحرام له صلاة فإن وقع بعد فريضةٍ فهو أولى، وإن لم يقع بعد فريضة صلى ركعتين للإحرام، وهذا مذهب العلماء كافة، كما قال النووي وابن عبد البر وغيرهما، نقل الخلاف عن الحسن البصري وبعض التابعين، من أهل العلم من يقول: أنه ليس هناك صلاة للإحرام، وإنما وقع اتفاقاً أنه صلى الفريضة ثم أحرم، لكن الأمر: ((صل في هذا الوادي المبارك)) يعني غاية ما في الأمر أنها تداخلت صلاة الإحرام مع صلاة الظهر، ومعلوم أنه إذا اجتمع هناك عبادتان، صغرى وكبرى، لم تكن إحداهما متعلقة بالأخرى، ولا يكون فعلها على جهة القضاء، فإنها تدخل إحداهما في الأخرى، تدخل الصغرى في الكبرى، وهذه قاعدة عند أهل العلم، على أن من الشافعية من يرى أنها صلاة خاصة فلا تدخل في الفرض، ولا تجزئ عنها الفريضة، بل لا بد من هاتين الركعتين للإحرام.

على كل حال جماهير أهل العلم بل هو مذهب أهل العلم كافة فيما نقله النووي وغيره ولم يخالف في ذلك إلا نفر يسير أن الإحرام له صلاة، وعلى كل حال إن وافق فريضة فبها ونعمت وهو الأولى والأكمل خروجاً من الخلاف، وإن لم يوافق ويصادف فريضة وكان الوقت وقت مطلق غير وقت نهي فالأولى أن يصلي الإنسان ركعتين ليقع إحرامه بعد الصلاة، إن كان الوقت وقت نهي ثبت في الصحيح عن عقبة بن عامر من حديث عمر وغيره النهي عن الصلاة في أوقات النهي، فلا تعارض هذه النواهي بمثل هذه السنة.

طالب:......

ما يلزم، المقصود أنه جاء الأمر: ((صل في هذا الوادي المبارك)) هل المقصود في هذا الوادي نفسه؟ بمعنى أنه كل من مر بهذا الوادي المبارك ينبغي أن يصلي سواء أراد أن يحرم أو لا؟ قال بهذا أحد من أهل العلم؟ أو نقول: المراد بـ(صل) في هذا الوادي صل الفريضة أو صل للإحرام؟ احتمال، وأهل العلم يقولون: إذا كان الأمر يحتمل التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى؛ لأن التأكيد يفقده معناه، إيش معنى هذا الكلام؟ لو قلنا: أن معنى قوله: ((صل في هذا الوادي المبارك)) صلي الظهر، تأكيد لأوامر سابقة لا بد أن يصلي الظهر، وإذا قلنا: أن المراد بقوله: ((صل في هذا الوادي المبارك)) صل للإحرام، صار تأسيس حكم جديد، وأهل العلم يقولون: التأسيس خير وأولى من التأكيد؛ لأن التأكيد يفقد الحديث فائدته، كيف يصلي وقد أمر بالصلاة؟ فهو مصلي مصلي، هذا فرض لا بد أن يصلي.

وعلى كل حال البحث في هذه المسألة يطول، ومثل ما ذكرنا ينبغي أن يصلي الإنسان إذا كان الوقت من الأوقات المطلقة، وليس من أوقات النهي.

"فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته في البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا"... إلى أن قال: "فأهلّ بالتوحيد" (فأهل) العطف على إيش؟ على ركب، ثم ركب فأهل، معنى هذا أنه لم يهل حتى ركب؛ لأن العطف بالفاء إيش يقتضي؟ الترتيب، معنى هذا أنه لم يهل إلا بعد أن ركب القصواء.

واستوت به على البيداء، وجاء في الحديث الصحيح من حديث ابن عمر: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتقول: أنه أهل من البيداء، إنما أهل من المسجد" فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لما صلى أهل، لما ركب ناقته أهلّ، أهلّ على البيداء، أهلّ عند الشجرة، جاءت بذلك الروايات في الصحيح، ولا تعارض بين هذه الروايات كلها، أهل النبي -عليه الصلاة والسلام- لبى-عليه الصلاة والسلام-، والإهلال رفع الصوت بالتلبية في هذه المواضع كلها، فكل من سمعه في مكانٍ نقل عنه أنه أهلّ منه، فمن سمعه أهل بالمسجد نقل أنه أهل بالمسجد، ومن سمعه أهلّ على البيداء بعد أن ركب الدابة حينما استوت به دابته إنما سمعه في ذلك الوقت، ولم يسمعه قبل ذلك، وهكذا، فلا تعارض بين هذه الروايات.

طالب........

حديث ابن عمر في الصحيح، ما يحتاج.

طالب.......

التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما أهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد؛ لأنه يفهم، فهم ابن عمر من قولهم إنما أهلّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من البيداء، أنه لم يهل قبل ذلك، فأراد أن يبين أنه أهلّ قبل ذلك، ولا ينفي ابن عمر أنه أهل على البيداء أو إلى الشجرة، أو بعدما ركب دابته، لا، لا ينفي هذا.

"حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري" مد نهاية البصر، غاية ما يدركه البصر، وبعضهم يقول: الأفصح أن يقول: مدى بصري، ولا يقال: مد بصري، إلى مد بصري بين يديه.

إيش المشكلة؟ أيهما أصح؟

أحد المشايخ الحضور في الدرس: منكم نستفيد يا شيخ.

لا بعض الشراح يقول: مدى بصري أفصح من مد، على كل حال هي ثابتة في النص الصريح الصحيح.

"إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشي" فالصحابة منهم الراكب ومنهم الماشي، بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، وجاء: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}[(27) سورة الحـج] رجالاً الواو: هنا للتخيير أو للتقسيم؟

أحد المشايخ الحضور في الدرس: منكم نستفيد يا شيخ.

ما يمنع يا شيخ، شيخنا في هذا الباب

أحد المشايخ الحضور في الدرس: لا نتكلم هنا أبداً بين يديكم.

الواو هنا للتقسيم، يعني قسم منهم راكب، قسم منهم رجال وقسم منهم ركبان، وهنا "بين يديه من راكبٍ وماشٍ" فالحج ماشياً جائز، والحج راكب جائز، والمفاضلة بينهما عند أهل العلم معروفة، منهم من يفضل الحج ماشياً، يقول: أنه أكثر مشقة، ومنهم من يقول: الحج راكباً أفضل لكونه -عليه الصلاة والسلام- حج راكباً، ولا شك أن المشقة الناشئة عن المشي ليست مقصودة، ليست بمقصدٍ شرعي، المشقة لذاتها، نعم إذا ثبتت تبعاً لعبادة، تبعاً لما أمر به أجر عليها الإنسان، فالأجر على قدر المشقة، على قدر النصب، هذا إذا كان مما أمر به، أو جاء تبعاً لما أمر به، أما أن يقصد، تقصد المشقة ويقصد التعب، ويقصد الإنسان بذلك الأجر؟ وعلى هذا إذا استطاع أن يركب فالأفضل في حقه أن يركب، والله -سبحانه وتعالى- عن تعذيب هذا نفسه لغني؟

يقول: "بين يديه من راكبٍ وماشٍ، وعن يمنيه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك" من جميع الجهات إلا أنه لم يذكر أمامه، هل ذكر أمامه؟ قال: "بين يديه" وبين يديه هذا أمامه، بين يديه وين بيكون؟ أمامه، يعني من جميع الجهات مد البصر، خلق كثير، أكثر من مائة ألف جاؤوا ليحجوا معه -عليه الصلاة والسلام- ويقتدوا به ويأتسوا به.

"ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله" نعم، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يعرف تأويل القرآن، ويتأول القرآن، وعليه ينزل لا على غيره، وتأويل النبي -عليه الصلاة والسلام- للقرآن يجب المصير إليه، وحينئذٍ لا يجوز الاجتهاد في التفسير مع وجود النص المرفوع عنه -عليه الصلاة والسلام-.

"وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيءٍ عملنا به" جابر يغري بهذا السامع أن يأخذ بما يرويه جابر -رضي الله عنه- أنه لا يقول شيء عن اجتهاده، وإنما ينقل ما عمل به النبي -عليه الصلاة والسلام- وعملوه معه.

"فأهلّ بالتوحيد" الإهلال رفع الصوت، والتوحيد هي التلبية المتضمنة للتوحيد ونفي الشرك، وصيغة التلبية التي أهلّ بها -عليه الصلاة والسلام- ما ذكره جابر -رضي الله عنه-، فأهل بالتوحيد: لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

"وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به" زادوا على تلبيته -عليه الصلاة والسلام-، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لزم هذه التلبية التي هي التوحيد، وفيها التنصيص على نفي الشرك، لا شريك لك، وهو في ذلك يخالف ما جاء عن المشركين الذين يقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، هذا الشرك بعينه -نسأل الله العافية- فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يهلّ بالتوحيد لله -سبحانه وتعالى- ويقول: لا شريك لك.

"وأهل الناس بهذا الذي يهلون به" فحفظ عن عمر ألفاظ وعن ابنه ألفاظ، وعن أبي موسى وعن غيره من الصحابة صيغ للتلبية، يسمعهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر عليهم، ولذا قال جابر: "وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً منه، ولزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبيته" لزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبيته التي ذكرت هنا، فالزيادة على هذه الصيغة مما جاء عن الصحابة لا بأس بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمعها وأقرها، ولا بأس بذلك، لكن التزام ما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- ولزمه ولم يزد عليه أولى، فكونه يقر الجائز غير كونه -عليه الصلاة والسلام- يبدأ بالمشروع، لا شك أن ما حفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- أولى مما أقره، وإن كان الكل في حيّز الجواز.

قال جابر -رضي الله عنه-: "لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة" لا يعرفون العمرة يعني في أشهر الحج، وإلا فالرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتمر قبل ذلك، فهم يعرفون العمرة، اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة قبل ذلك، فهم يعرفون أصل العمرة، مشروعية العمرة، لكن مع الحج لا يعرفونها، في أشهر الحج لا يعرفونها؛ لأن العمرة في أشهر الحج عند العرب من أفجر الفجور.

"لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ًومشى أربعاً" حتى إذا أتينا البيت استلم الركن، والاستلام سنة، يستلمه بيده، وإن تيسر تقبيله فهو سنة، ومشروع إن لم يتيسر التقبيل استلمه باليد، إن لم يتيسر الاستلام باليد أشار إليه بما في يده من محجن ونحوه وإلا فباليد، ومع هذا الاستلام يكبر.

"فرمل ثلاثاً" رمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً ومشى أربعاً، والرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ومشى أربعاً، والسبب في هذا الرمل، المشركون في عمرة القضاء قالوا: إنه يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فجلسوا مما يلي الحجر، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يرمل من الركن إلى اليماني ويمشي بينهما، رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة إبقاءً عليهم، ثم رمل بعد ذلك من الركن إلى الركن في حجة الوداع، فأصل الرمل شرع لسبب، وهو قول المشركين: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، لكن في حجة الوداع هل هناك من يقول: يقدم محمد... الخ، ليس هناك من يقول، فالحكم شرع لسبب وارتفع السبب، وأهل العلم يقولون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، العلة ارتفعت والسبب انتهى، ليس هناك من يقول: يقدم محمد وأصحابه... الخ.

لكنه -عليه الصلاة والسلام- رمل في حجة الوداع من الركن إلى الركن فيكون هذا من الأحكام التي شرعت لسبب فارتفع السبب وبقي الحكم، كالقصر في الصلاة، القصر في الصلاة سببه الخوف، وقد نص عليه في الآية {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ}[(101) سورة النساء] إن خفتم بهذا القيد، شرع القصر بسبب الخوف في السفر ثم ارتفع، فصار القصر صدقة تصدق الله بها، فيقصر الإنسان وهو آمن ما يكون، ومثله ما معنا، شرع الرمل لعلة فارتفعت العلة، ارتفع السبب وبقي الحكم.

"ثم نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[(125) سورة البقرة] فجعل المقام بينه وبين البيت".

"نفذ إلى مقام إبراهيم" المقام هو الحجر الذي فيه أثر القدمين لإبراهيم -عليه السلام-، والصيغة تحتمل الحجر ومكان الحجر، يعني الموضع الذي قام فيه إبراهيم -عليه السلام-، أو الحجر الذي قام عليه إبراهيم -عليه السلام-، فهو مقام، مقامك يعني مكانك الذي قمت فيه، فقيل: المراد الحجر، الحصاة التي فيها أثر القديمين، وقيل: المراد به المكان، وقيل: المراد بمقام إبراهيم جميع المشاعر التي وقف فيها إبراهيم -عليه السلام-، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- يعمد إلى هذا المكان الخاص من البيت ويقرأ الآية دل على أن المقام في الحرم، وإذا قلنا: أن المراد من المقام الحصاة تعلقت المشروعية بها، وإذا قلنا: أن المراد المقام المكان تعلقت المشروعية به، {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ} يعني المكان الذي قام فيه، المقام كان ملاصقاً للكعبة، أبعد عنها في عهد عمر -رضي الله عنه- من أجل حاجة الطائفين، أو أبعده السيل كما في بعض الروايات، المقصود أنه ليس في مكانه الأصلي، فإذا قلنا: أن المراد بالمقام الحجر قلنا: أن مشروعية الصلاة خلف هذا الحجر وجعله بين المصلي وبين الكعبة، ولو أخر عن الكعبة يعني لو اقتضت المصلحة أن يؤخر الحجر أيضاً عن مكانه إلى أروقة مثلاً، هل نقول: أن ركعتي الطواف متعلقة بهذا الحجر؟ ولو أبعد عن الكعبة؟ أو نقول: المراد المكان، فنقصد المكان الذي قام فيه إبراهيم وهو مقامه فنصلي فيه بغض النظر عن الحجر الذي فيه أثر القدمين، والصيغة محتملة، لكن الأكثر على أن المراد بالمقام الحجر، وعلى هذا لو صلى الإنسان تأخر عن أساس الكعبة متر واحد وصلى؟ جعل المقام الحجر خلفه، هل نقول: أنه أصاب السنة وامتثل الأمر: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[(125) سورة البقرة]؟ هذا المكان الذي قام فيه إبراهيم؟ أو نقول: لا بد أن تستقبل هذا الحجر وتضعه بينك وبين الكعبة؟ أقول: اللفظ محتمل، ولو قيل: بأن المراد الأمران معاً، الحجر الموجود في هذا المكان، لئلا يلزم عليه أنه لو أخرج الحجر عن الكعبة، لو اجتهد والي من الولاة، وقال: يبعد لأنه يعوق الطائفين فيبعد، اقتضى نظره ذلك، نتبع هذا الحجر؟ أو المراد به الحجر الموجود في هذا المكان الذي قام عليه إبراهيم -عليه السلام-؟.

ولذا يختلف أهل العلم في جواز إبعاد المقام عن مكانه، إذا كان الذي أبعده أول مرة عمر -رضي الله عنه- اجتهد وأبعده، وهو خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به، ((عليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) ((اقتدوا بالذين من بعدي)) خليفة راشد، لكن لو جاء غيره؟ وألف في المقام رسائل بين مجيز ومانع، فلتراجع هذه الرسائل.

"فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت".

طالب:.......

إذاً فاتت الركعتان يأتي حكمهما -إن شاء الله-.

"فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول" فكان أبي جعفر الصادق يقول: فكان أبي يعني أبوه الباقر يقول: "ولا أعمله ذكره إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون" وثبت الرفع صريحاً بسندٍ صحيح عند البيهقي وغيره، وهنا يقول: لما جاء فيه بلفظ العلم انتفى الشك للتنافي وللتنافر بين الشك والعلم، نعم هناك تنافر بين الشك والعلم المثبت، لكن العلم المنفي، الآن: "ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ" هذا تفيد شك وإلا ما تفيد شك؟ هذا علم، والعلم هو الاعتقاد الجازم الذي لا يساوره أدنى شك، إن احتمل النقيض ولو بنسبةٍ يسيرة نزل عن مرتبة العلم إلى الظن، إذا استوى الأمران صار شكاً، إذا نزل عن حد الاستواء الطرف المقابل للظن هو الوهم، والمقابل للعلم هو الكذب.

"فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون" هو يقرأ في الركعتين، فيقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد، وهنا الواو عاطفة، لكنها لا تدل على الترتيب، هي لمطلق الجمع وليست للترتيب هنا، كما هو الأصل فيها، فكان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وهما سورتا الإخلاص، يستحب قراءتهما في ركعتي الطواف، وفي ركعتي الصبح، ركعتي المغرب، في آخر الوتر؛ لأن الإنسان وهو يطوف بالبيت والبيت من حجارة قد يتوهم متوهم أن لهذه الحجارة شيئاً من هذا العمل، فإذا انتهى من طوافه وصلى الركعتين وقرأ بهاتين السورتين –سورتي الإخلاص- انتفى وارتفع ما كان يتوهمه، ولو من بعد.

"كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه".

أولاً: الطواف هذا الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الصواب في حجه على ما سيأتي أنه كان قارناً، فالطواف طواف القدوم، وهو سنة عند جمهور العلماء، ويشرع فيه الرمل والاضطباع، والرمل أشرنا إليه وجاء ذكره في الحديث، والاضطباع جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن ورمي طرفي الرداء على الكتف الأيسر، وهو سنة.

وركعتا الطواف عند جمهور العلماء سنة لا شيء في تركهما، لكنها من السنن المؤكدة، ومنهم من يقول: بوجوبهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هكذا فعل وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ومنهم من يفصل، فيقول: هما تبع للطواف، إن كان الطواف واجباً فهما واجبتان، وإن كان الطواف مسنوناً فهما سنة، وعلى كل حال قول جماهير أهل العلم أنهما من السنن المؤكدة، ويكون فعلهما في هذا المكان خلف المقام هذا الأفضل، وفي أي مكانٍ من الحرم فعلهما جاز، وفي خارج الحرم أيضاً يجوز؛ لأن عمر صلاهما بذي طوى.

طالب:.........

لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[(125) سورة البقرة].. وهناك فوق الصفا قال: ((ابدؤوا ما بدأ الله به)) –على ما سيأتي- فقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[(158) سورة البقرة].  

طالب:.......

الرسول فعل -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة.

طالب: ثم رجع إلى الركن فاستلمه إيش المقصود من الرجوع؟

نشوفها -إن شاء الله-.

طالب:........

يصليهما في أي مكان، لأنها سنة خاصة متعلقة بفعل، لذا عمر -رضي الله عنه- صلاهما بذي طوى؛ لأن عمر -رضي الله عنه- طاف بعد الصبح ثم خرج من المسجد فلما وصل ذا طوى صلى الركعتين في حديث جابر عند أحمد وغيره أنهم لم يكونوا يطوفون بعد الصبح وبعد العصر، وبفعل عمر -رضي الله عنه- استدل البخاري على أن ركعتي الطواف لا تفعلان في وقت النهي، للطائف أن يطوف لكن الصلاة يتأخر فيهما حتى يخرج وقت النهي، وهذه مسألة يطول بحثها، فهذه إشارة فقط.

من العلماء من قال في قوله: "ثم رجع إلى الركن فاستلمه" أن هذا خاص بطواف القدوم، إذا فرغ من طواف القدوم صلى الصلاة خلف المقام رجع إلى الحجر الأسود ثم استلمه، ومنهم من يقول: يسن استلامه بعد كل طواف، يصلي ركعتين ثم يستلم، وإذا طاف الشروط معروفة والهيئات أيضاً معلومة هيئة الطواف، والتكبير كما جاء في الحديث الصحيح "كلما حاذ الحجر كبر" فيدخل في ذلك بداية الطواف ونهايته، أما بداية كل شوط فهذا لا إشكال فيه، ولا يخالف فيه أحد، لكن إذا فرغ من الطواف يكبر وإلا ما يكبر؟ مقتضى قوله: "كلما حاذ الركن كبر" أنه يكبر في نهاية السابع، وفي حديث جابر عند أحمد، قال ابن حجر بإسنادٍ حسن: كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنستلم الحجر الفاتحة والخاتمة، يعني في بداية الطواف وفي نهايته، ومعلوم أن الاستلام هو الأصل، فإذا لم يتمكن الطائف من الاستلام فإنه يستلم بشيء في يده إما محجن أو غيره، أو يشير إذا لم يستطع ذلك، فالإشارة المقرونة بالتكبير نائبة مناب الاستلام، وإذا كانوا يمسحون الركن الفاتحة والخاتمة فعلى هذا يشرع التكبير في الفاتحة والخاتمة؛ لأنه بدل.

نقف عند السعي، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: استقبال الحجر هل.......

جاء ما يدل على الاستقبال عند البيهقي، لكن كون التكبير والإشارة باليد، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما كان راكباً يشير إلى الحجر بمحجن فهل معنى هذا أنه يقف أذا حاذ الحجر ويستقبل وهو راكب أو مجرد إشارة فقط؟ الاستقبال بجميع البدن؟ لعله لو استقبله بوجهه وأشار إليه كفاه.

اللهم صل على محمد.

طالب:........

ما يستقبله بكامل جسمه، لو استقبله بوجهه وأشار إليه بيده كفى.

طالب:........

هنا عندنا حديث، حديث النبي معنا، هذا الذي معنا، يعني لو قلنا: بأن الواو تقتضي الترتيب دل على ما قلت، لكن الواو لمطلق الجمع، لا تقتضي الترتيب، وبينته الرواية الأخرى عند البيهقي بسندٍ على شرط مسلم: "أنه قرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية: قل هو الله أحد".

 

اللهم صل على عبدك ورسولك محمد.

"