شرح زاد المستقنع - كتاب الصيام (02)

أولاً البحث عن وصف مؤثِّر في زيادة الأجر مطلوب كالمسجد القديم مثلاً أو الأكثر جماعة أو الأفضل إماما أو ما يأتي تبعا للصلاة من كلمات نافعة ودروس مفيدة ومن ذلكم الصوت المؤثِّر؛ لأن القارئ للقرآن مأمور بأن يزين القرآن بالصوت الحسن، فإذا كان السامع يتأثر بقراءة هذا الإمام وتزيده هذه القراءة علمًا وخشوعًا وإقبالا على ربه فهذا مقصد حسن لا بأس بأن يبحث عن مثله، لا بأس أن ينتقل من مسجد إلى آخر بهذا القصد وهذه النية، وإذا خلا الأمر عن مقصد شرعي فأولى الناس بك جماعتك لتنفعهم ويحسنوا بك الظن لكن إذا صرت بمنزلة بحيث يُساء بك الظن بأن يقال يتخلف فلان عن الصلاة أو لا يشهد الجماعة الشخص أن يعتصم بالكتاب والسنة وأن يحرص كل الحرص أن يحفظ نفسه ومن يستطيع حفظه من أهله وذويه من هذه الموجات الفاسدة المفسدة من القنوات وغيرها، فعلى طالب العلم أن يحفظ وقته لاسيما في هذا الشهر العظيم وأن يكون موسما لقراءة القرآن مع التدبر والترتيل والحفظ والفهم ومراجعة أقوال أهل العلم الموثوقين مما يعينه على حفظه وفهمه وتدبره.

حديث أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار هذا فيه ضعف.

اللهم صلي على محمد.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب الصيام:

يجب صوم رمضان برؤية هلاله، فإن لم ير مع صحو ليلة الثلاثين أصبحوا مفطرين، وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه، وإن رؤي نهاراً فهو لليلة المقبلة،

كمل، كمل.

 وإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم، ويصام برؤية عدل ولو أنثى، وإن صاموا بشهادة واحدة، بشهادة واحدة.

بشهادة واحد، بشهادة واحد،

وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم ير الهلال، أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا، ومن رأى وحده هلال رمضان ورد قوله أو رأى هلال شوال صام، ويلزم الصوم لكل مسلم.

يكفي، يكفي بركة.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب الصيام:

يجب صوم رمضان برؤية هلاله، برؤية هلاله

الصيام يجب بأحد أمرين: الأول: رؤية الهلال، ولو من قبل واحد عدل من المسلمين، ولو كان امرأة، فثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))، وثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه".

ويشهد له حديث الأعرابي الذي شهد عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه رأى الهلال، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟)) قال: نعم، فأمر بالصيام.

فالهلال إذا رآه عدل ولو واحد ولو كان امرأة بالنسبة لدخول الشهر وجب الصيام به، يعني برؤيته، وأما خروج الشهر وانتهاؤه فلا بد من شاهدين عدلين كسائر الشهور، فسائر الشهور لا تثبت إلا بشهادة عدلين لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا، فصوموا وأفطروا)).

ويشهد له حديث الحارث بن حاطب -رضي الله عنه- أنه قال: "عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما".

وعن ربعي بن حراش لما رواه أبو داود عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله لأهلا الهلال أمس عشية فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس أن يفطروا.

فالصيام ودخول الشهر يثبت بواحد، وأما خروجه كسائر الشهور لا يثبت إلا باثنين، وسبب التفريق الاحتياط لهذه العبادة التي هي ركن من أركان الإسلام، والملحوظ في ذلك أن ثبوت الشهر ولزوم الصيام كأنه ليس من باب الشهادات التي يطلب لها العدد، وإنما هو من باب الإخبار، فتفترق الشهادة مع الإخبار بأمور منها أن الشهادة يطلب لها العدد، ويطلب لها شهادة الأحرار، بينما الأخبار لا يطلب لها العدد، فتثبت الأخبار بقول واحد، ولو امرأة، ولو عبد، فدخول الشهر خبر، خبر شرعي، كرواية الحديث، تثبت برواية واحد، وكما أن شهر دخول الشهر يثبت برؤية واحد، وبالنسبة لخروجه، دخول شهر شوال، شوال كغيره من الشهور، تترتب عليه أحكام، بعضها متعلق بحقوق الله -سبحانه وتعالى-، وبعضها متعلق بحقوق العباد، فهي تحتاج إلى شهادة، وأما رمضان فأعظم عمل فيه الصيام، فهو إلى الأخبار أقرب، والعمدة في ذلك ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث ابن عمر والأعرابي.

بعض الناس من باب الاحتياط للعبادة قد يتساهل في هذا الباب ويدعي أنه رأى الهلال، وهو في الحقيقة لم يره، ويزعم أنه لا يضر الناس أن يصوموا زيادة يوم، وأن يكفوا عن الشرور الأمور التي كانوا يزاولنها قبل الصيام، نقول: هذا حرام، وهذه حجة من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، مدعياً أنه يكذب له لا عليه، فالدين ليس بحاجة إلى ترويج من أمثال هؤلاء.

من رأى الهلال ولم يُعمل بشهادته، من رأى الهلال ولم يعمل بشهادته، ردت شهادته، هل يجب عليه أن يصوم؟ لأن الحديث الصحيح: ((صوموا لرؤيته)) وقد رآه، وهل له أن يفطر إذا رأى هلال شوال؟

الذي مشى عليه المؤلف أنه إذا ردت شهادته أنه عليه أن يصوم، ولو وحده، لكن الصحيح أنه يصوم مع الناس ويفطر مع الناس لحديث: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) وهو حديث حسن.

مما يجب به صيام رمضان إن لم ير الهلال، يجب صيام رمضان بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)) وهذا نص صحيح صريح مفسر، ((فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)) وهنا يقول في الكتاب: فإن لم ير مع صحو ليلة الثلاثين أصبحوا مفطرين، هذا لا إشكال فيه، إن كانت صحو، يقول: وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه، فظاهر المذهب يجب صومه، والحديث الذي في الصحيحين وغيرهما: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فعلق الصوم بالرؤية، ((فإن غم عليكم)) نص في الباب، ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)) وهذا الحديث مخرج في الصحيح من حديث أبي هريرة.

وروى مسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين)) أيضاً هذا نص في الموضوع، وبهذا يفسر حديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له)) هذا نص مجمل، ((فاقدروا له)) يحتمل أن يكون معناه: احسبوا له المدة المفسرة في الروايات الأخرى، وهي ثلاثين يوماً، والتقدير هو الحساب، احسبوا له المدة المفسرة في الروايات الأخرى وهي ثلاثون يوماً، ويحتمل أيضاً أن معنى اقدروا: ضيقوا عليه، ضيقوا شهر شعبان، وتضييقه يكون بتسعة وعشرين.

لكن هذا الاحتمال ترده الروايات الصحيحة الصريحة، فإذا لم ير الهلال لغيم أو قتر فإنه حينئذ لا يجوز الصيام لماذا؟ لأنه هو يوم الشك الذي صح النهي عنه في حديث عمار -رضي الله عنه- قال: "من صام هذا اليوم –يعني الذي يشك فيه من شعبان أو رمضان – فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-" رواه أهل السنن بإسناد صحيح. "من صام هذا اليوم –يعني يوم الشك– فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-".

وما اختاره المؤلف هنا أنه يصام، لا شك أنها رواية في المذهب، وإن قال المؤلف أنها ظاهر المذهب، وفي بعض النسخ من الزاد: فظاهر المذهب يجوز صومه، عندنا في الرواية هنا في النسخة المطبوعة معنا: فظاهر المذهب يجب صومه، وعليها أكثر النسخ، لكن في بعض النسخ: فظاهر المذهب يجوز صومه، والصواب أنه لا يجوز صومه، لماذا؟ لأنه هو يوم الشك الذي جاء في حديث عمار، فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-.

هم يقولون: بأنه يجب صومه احتياطاً، إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر فإنه يجب الصوم احتياطاً، لاحتمال أن يكون الهلال قد ظهر لكن لم ير لوجود الغيم أو القتر أو لغير ذلك، يستدلون على ذلك أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا كان يوم الثلاثين من شعبان، وحال دونه غيم أو قتر أصبح صائماً، وهذا لا شك أنه من احتياط ابن عمر الذي لم يوافق عليه، له احتياطات، وله اجتهادات لم يوافق عليها، وله تشديدات معروفة، كان يدخل الماء في عينيه حتى عمي، وهذا من احتياطه وتشديده، وأخباره في هذا كثيرة، وهو لا شك أنه من أهل الاحتياط.

الاحتياط الذي يؤدي إلى فعل محظور كما هنا، فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، الاحتياط الذي يؤدي إلى فعل محظور أو ترك مأمور، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى: "الاحتياط في ترك هذا الاحتياط" "الاحتياط في ترك هذا الاحتياط".

وعلى كل حال فعل ابن عمر اجتهاد منه، وهو في مقابل نص صحيح صريح، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.

ثبت عنه -رضي الله عنه- أنه كان يفارق مجلس العقد خشية أن يستقيله البائع أو المشتري، وقد صح النهي عن ذلك، ثبت عنه أنه كان يكفكف دابته لكي تقع أخفافه على أخفاف أو مواطئ أخفاف ناقة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان يتتبع الآثار التي نزل بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويظن أن هذا يدخل في الاقتداء، له اجتهادات وتشديدات لم يوافق عليها، ولم يفعلها من هو أفضل منه من الصحابة -رضوان الله عليهم-، وحينئذ فلا بد من الرؤية أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً.

والرؤية المراد بها ما كان بالعين المجردة؛ لأنها هي الأصل، هذا الأصل، لكن لو استعمل فيها ما يساعد على الوضوح كالدرابيل والمراصد مثلاً، فالأدلة تدل على عدم تكليف الناس بذلك؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، فليست الأمة مأمورة بأن تجعل المراصد، والدرابيل من أجل رؤية الهلال، إن رؤي بالعين المجردة، وإلا أصبح الناس مفطرين، لكن لو استعمل، من طالع الهلال بواسطتها وجزم بأنه رآه بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل، فقد قال الشيخ عبد العزيز -رحمه الله-: "لا أعلم مانعاً من العمل برؤية الهلال؛ لأنها من رؤية العين المجردة"، فهو رأى الهلال بعينه، لكن بواسطة هذه الآلات، فالهلال موجود قطعاً، لكن نعلم أننا لسنا مكلفين باستعمال هذه الآلات، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، هذا الأصل، لكن لوا استعملت فالشيخ -رحمه الله- لا يعلم مانعاً من العمل برؤية الهلال بواسطة هذه الآلات يقول: لأنها من رؤية العين المجردة.

وأما الحساب فلا يعول عليه، ولا يعتمد على التقاويم في دخول الشهر ولا خروجه، وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- الإجماع على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة، ونقل ابن حجر في فتح الباري عن أبي الوليد الباجي إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب وإجماعهم حجة على من بعدهم.

((صوموا لرؤيته)) الخطاب للأمة، الخطاب للأمة، ((صوموا لرؤيته))، وإن كان في الأصل الخطاب لمن حضره -عليه الصلاة والسلام- لكن من غاب عنه في حكمه؛ لأن خطابه للواحد خطاب للجميع، ((صوموا لرؤيته)).

هنا مسألة وهي مسألة اختلاف المطالع، هل هذا الخطاب للأمة بكاملها؟ أو خطاب لمن تتصور رؤيته للهلال؟ بمعنى أنه لو رؤي الهلال رآه مسلم في أقصى المشرق هل يلزم أهل المغرب الصيام وإن لم يروه؟ أو العكس؟ أو نقول: كل بلد، وكل إقليم له رؤيته، وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم، مسألة اختلاف المطالع، والمطالع اختلافها معلوم بالضرورة حساً وعقلاً، لا شك أن الهلال يُرى في بلد، ولا يُرى في بلد آخر، يرى في إقليم ولا يرى في إقليم آخر، لكن هل هذا الاختلاف له أثر في الحكم؟ بمعنى أنه إذا رؤي في الإقليم الفلاني يلزم الناس، يلزم الأمة كلها على وجه الأرض الصيام، وقد تمت رؤيته من قبل المسلمين، واللفظ يحتمل.

أو النص يتجه إلى من تمكنه الرؤية، تمكنه الرؤية، واللفظ أيضاً يحتمل، وقع الخلاف بين علماء المسلمين باعتبار اختلاف المطالع في ابتداء صوم شهر رمضان والفطر منه، وعدم اعتباره، وسبب ذلك، سبب الخلاف أولاً: اختلاف المطالع معروف، معلوم بالضرورة حساً وعقلاً، معروف أن الهلال لا يرى في الدنيا كلها، نعم المطالع مختلفة، لكن هل لهذا الاختلاف أثر في الحكم الشرعي؟

العلماء يقولون: هذه المسألة من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال، والخلاف فيها سائغ، لماذا؟ لأن لفظ الحديث: ((صوموا لرؤيته)) يحتمل، ((صوموا)) أيها المسلمون كلكم لرؤية الهلال، وأفطروا لرؤيته، وعلى هذا إذا رؤي الهلال، على هذا الفهم إذا رؤي الهلال في أي قطر من أقطار المسلمين فإنه يلزم المسلمين الصوم في جميع أقطار الأرض.

والاحتمال الثاني أنه ممن تمكنه الرؤية وتتصور له الرؤية، وتتصور له الرؤية، على كل حال هذه المسألة من المسائل النظرية التي فيها مجال للاجتهاد والخلاف فيها سائغ؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته)) يحتمل الأمرين: أن يكون خطاباً لجميع الأمة بكمالها، وأن يكون خطاباً لمن تمكنه الرؤية، ومشى هو على أن اختلاف المطالع لا أثر له في الحكم.

وقال: وإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم، العلماء اختلفوا في هذه المسألة قديماً وحديثاً على قولين: فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، وقال: لكل أهل بلد رؤيتهم، ومنهم من لم يعتبر ذلك، فإذا رأى الهلال المسلم العدل في أي بلد من بلدان المسلمين لزم الناس، أو لزم المسلمين كلهم الصوم، بعدوا أو قربوا، واستدل الفريقان بالنص الواحد، الفريقان استدلوا بالنص الواحد: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) كما استدلوا بقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [(189) سورة البقرة]، والهلال واحد.

مجلس الهيئة، هيئة كبار العلماء في هذه البلاد يرون أن يكون لكل دولة إسلامية حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المذكورين، يعني إذا ترجح لدى علماء هذه البلاد مثلاً القول الأول لهم أن يعملوا به، وإذا ترجح لديهم القول الثاني عملوا به، وهكذا في سائر البلدان على ما يترجح عندهم؛ لأن المسألة اجتهادية.

يقول: إذ لكل منهما أدلته ومستنداته والخلاف في هذه المسألة ليست لها آثار تخشى عواقبها، فقد مضى على ظهور هذا الدين أربعة عشر قرناً، لا يعلم فيها فترة جرى فيها توحيد الأمة الإسلامية على رؤية واحدة، ولا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) لم يقصد أهل المدينة فقط، وإنما قصد عموم المسلمين، كما أنه لم يقصد بالضرورة مخاطبة كل شخص بعينه، هذا ضرورة، ((صوموا لرؤيته))، هل المقصود كل شخص يصوم لرؤيته؟ لرؤية نفسه، هذا بالضرورة، معروف أن هذا ليس المقصود، وأيضاً أهل المدينة وإن كان الخطاب متجهاً لهم؛ لأنهم هم الذين يوجه لهم الخطاب، فالخطاب من شرطه أن يكون لحاضر وفي حكمه الغائب.

من الأدلة التي يحتج بها من قال باختلاف المطالع، أو باختلاف الرؤية تبعاً لاختلاف المطالع ما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: "فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل عليَّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

فهذا يدل على أن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرى أن الرؤية لا تعم، وأن لكل أهل بلد رؤيتهم، إذا اختلفت المطالع، وقالوا: إن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام، وقال آخرون: لعله لم يعمل برؤية أهل الشام؛ لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده، والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج، وإنما يعمل بها في الدخول، وفيه نظر.

الآن الشهادة التي أدلى بها كريب عند ابن عباس، عند ابن عباس في أول الشهر وإلا في آخره؟

طالب: أوله.

وقت الكلام، وقت الكلام، كلام كريب لابن عباس في آخر الشهر، لكن هذا الكلام مبني على الرؤية التي حصلت في أول الشهر، مبني على الرؤية التي حصلت في أول الشهر.

ننظر إلى قول هؤلاء، وقال آخرون: لعله لم يعمل برؤية أهل الشام؛ لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده، والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج، وإنما يعمل بها في الدخول، وفيه نظر؛ لأن كريباً شهد أنه رآه في الدخول لا في الخروج، والخروج تابع للدخول، ففيه دلالة قوية على نسبة القول بالعمل باختلاف المطالع، لا سيما وقد نسبه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن ابن عباس يقول: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وعلى كل حال المسألة فيها شيء من السعة، وإن كان على القول باختلاف الرؤية تبعاً لاختلاف المطالع هو القول المتجه.

يقول: إن رؤي نهاراً فهو الليلة المقبلة، تراءاه الناس عند غروب الشمس فلم يروه، فلما أصبحوا رأوه لا شك أنه لليلة المقبلة.

يقول: فإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم ير الهلال، أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا.
كأنه جعل الصيام بشهادة واحد كالصيام لأجل الغيم للاحتياط، لا أنه حكم ملزم تترتب عليه آثاره، إذا قلنا: إن شهادة الواحد حكم ملزم تترتب عليه آثاره، فإذا أتموا الثلاثين خلاص يفطرون، ولو لم يروا هلال شوال؛ لأن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين، وهنا كأنه جعل شهادة الواحد مثل تغليب الظن بظهور الهلال ليلة الثلاثين من شعبان مع وجود الغيم، كل هذا من باب الاحتياط.

يقول: فإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم ير الهلال، أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا، ومن رأى وحده هلال رمضان رد قوله أو رأى هلال شوال صام، ويلزم الصوم... إلى آخره.

إذا رأى الهلال وحده ورد قوله، سواءً كان في دخول الشهر أو في خروجه، المرجح عند المؤلف أنه يصوم؛ لأنه تحقق فيه الشرط، رأى الهلال، شهد الشهر فيلزمه الصيام، لكن رأى الهلال متأكد فرد قوله، نفترض أنه شخص فاسق، ورأى الهلال دون تردد أنه الهلال، تقدم لإدلاء شهادته فردت شهادته، يقولون: يلزمه الصوم، ومثله لو رأى هلال شوال فردت شهادته يلزمه الصوم، هل القول مطرد أو غير مطرد؟ قوله مطرد وإلا غير مطرد؟

طالب: غير.

غير مطرد، إذ لو كان قوله مطرداً لعمل برؤيته في آخر الشهر كما عمل بها في أول الشهر، لكن كل هذا من باب الاحتياط، وإلا الصوم حينما يصوم الناس والفطر كذلك، يقتضي أن من ردت شهادته لا يصوم، بل يصوم مع الناس، وكأن مرد هذه المسألة إلى اتهام النفس، إلى اتهام النفس، وإلا فالقول المتجه أنه يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وماذا لو رأى هلال ذي الحجة، وردت شهادته، وأكمل شهر القعدة ثلاثين وقد رأى الهلال رؤية لا يشك فيها، هل يقف قبل الناس؟ نعم؟ لا يجوز له أن يقف قبل الناس، لا يجوز له أن يقف قبل الناس؛ لأن المسألة حكم شرعي، وماشي مع الناس، حكمه حكم الأمة.

نعم.

طالب:....

كأن هذا هو الظاهر في الصيام والفطر مع الناس.

طالب: ما يقال أن العبادة في الصيام فيها شك، أما الحج فهي عامة، لا يمكن أن يقوم بالحج لوحده.

لكن ماذا عن لو رأى هلال شوال يفطر وإلا يصوم؟

طالب: بس الفقهاء.....

هو يقول يصوم، يقول: ومن رأى وحده هلال رمضان ورد قوله أو رأى هلال شوال صام، وهذا كله عندهم مبني على الاحتياط، يحتاط للصيام، لكن لو صار رمضان كامل، هل يلزم الشخص أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً؟ هل يتصور أن يكون الشهر واحد وثلاثين؟ لا يمكن، نعم.

طالب:......

لنفسه، لنفسه، لنفسه؟

طالب:....

حتى الواحد يشترط فيه العدالة، وهذا فاسق، المسألة افترضناها في الفاسق مثلاً ردت شهادته، نعم.

طالب:...

صام يوم العيد نفس الشيء، نعم.

طالب: القول: صوموا لرؤيته، ما تفسير لرؤيته؟

رؤيته خطاب لشخص بمفرده أو للأمة؟ ((صوموا))؟

طالب:....

شهد بمعنى حضر، ما هو برأى، شهد يعني حضر في مقابل السفر، الشهود في مقابل السفر هنا، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى نعم، على كل حال المسألة اجتهادية.

ويلزم الصوم لكل مسلم مكلف قادر، وإذا قامت البينة في أثناء النهار وجب الإمساك والقضاء على كل من صار في أثنائه أهلاً لوجوبه، وكذا حائض ونفساء طهرتا، ومسافر قدم مفطراً، ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكيناً، ويسن لمريض يضره ولمسافر يقصر، وإن نوى حاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر، وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفاً على أنفسهما قضتا فقط، وعلى ولديهما قضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً.

يكفي.

على من يجب الصيام؟

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: يلزم الصوم كل مسلم مكلف قادر.

الصيام يجب وجوب على كل مسلم مكلف بالغ عاقل من الرجال والنساء، فلا يجب الصيام على كافر، بمعنى أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يؤمر بقضائه إذا أسلم، وإن كان الكفار مخاطبين بفروع الشريعة على القول الراجح عند أهل العلم، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ} [(54) سورة التوبة]؛ فالكفر مانع من قبول العبادة، وكونه لا يقضي إذا أسلم لقوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [(38) سورة الأنفال]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأمر أحداً ممن أسلم أن يقضي ما فاته من الواجبات، وأيضاً كل هذا من باب الترغيب له في الإسلام؛ إذ لو أمر من أسلم بعد أن بلغ السبعين مثلاً بقضاء ما فاته من الواجبات مدة خمس وخمسين سنة، نعم، احتمال أن يرجع عن إسلامه، فترغيباً له في الإسلام لا يؤمر بقضائها، إضافة إلى ما جاء من النصوص في ذلك، إذن ما فائدة تكليفه بفروع الشريعة وهو كافر؟ يعاقب على تركها في الآخرة، {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(42 - 43) سورة المدثر].

ولا يجب الصيام على الصبي غير البالغ، والبلوغ كما هو معروف يحصل بأحد أمور: تمام خمسة عشر سنة، ويحصل بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وإنزال المني عن شهوة، وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو: الحيض، فإذا حاضت البنت فقد بلغت، ولو كان سنها دون الخامسة عشرة.

ويستحب لمن بلغ سبعاً فأكثر وأطاقه من الذكور والإناث أن يصوموا، ويتأكد بحق أولياء أمورهم أمرهم بذلك، إذا أطاقوه كما يأمرونهم بالصلاة.

والصيام لا يجب على فاقد العقل كالمجنون والمعتوه، ومثله المختلط، المتغير في آخر عمره، وهو ما يعرف عند الناس بالمخرف أو المهذري لا يجب عليه الصيام، فكل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلف، وليس عليه أي واجب من الواجبات كالصلاة والصيام ولا إطعام عليه.

قد يقول قائل: لماذا نقول بوجوب الزكاة في ماله، ولا نقول بوجوب الحج في ماله، أو بوجوب الصيام فيجب بدله الإطعام؟ نقول: وجوب الزكاة في ماله كوجوبها في مال الصبي؛ فالزكاة تجب في مال الصبي والمجنون، وهذا كما هو معروف ليس من باب الأحكام التكليفية التي رفعت عن المجنون وعن الصبي حتى يعقل المجنون، وحتى يبلغ الصبي، بل هو من قبيل الأحكام الوضعية من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجد السبب فيوجد المسبب، وجد المال فتجب الزكاة، كما أنه يلزم بقيمة ما يتلفه إذا جنى الصبي جناية توجب أرشاً، تلزمه هذه الجناية، ويخرج من ماله أرش هذه الجناية، وكذلك المجنون.

يقول: وإذا قامت البينة في أثناء النهار وجب الإمساك والقضاء على كل من صار في أثنائه أهلاً لوجوبه.

إذا قامت البينة، شهد العدل الثقة أنه رأى الهلال البارحة، لكنه تأخر في أدائها تأخر.... لأن الوصف، ويش يقول؟ لأن الوصف الذي من أجله حصل الفطر زال، فوصف السفر ارتفع، وصف الحيض ارتفع، وصف الوصف بعدم التكليف ارتفع، ولذا قال: وإذا قامت البينة في أثناء النهار وجب الإمساك والقضاء على كل من صار في أثنائه أهلاً لوجوبه.

يقول: وكذا حائض ونفساء طهرتا، ومسافر قدم مفطراً، ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكيناً.

الحائض والنفساء لا يصح الصيام منهما، بل يحرم عليهما أن يصوما وقت الحيض أو النفاس، وكذلك تحرم عليهما الصلاة، والأصل في ذلك ما رواه البخاري وغيره في بيان النبي -عليه الصلاة والسلام-، لنقصان دين المرأة من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي؟)) لكن عليهما قضاء الصوم دون الصلاة؛ لما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أن معاذة سألتها: "ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة -رضي الله عنها-: "أحرورية أنتِ؟" يعني هل أنت من الخوارج أهل حروراء الذين يلزمون الحائض بقضاء الصلاة؟ فقالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، كأنها رأت أن هذا ركن من أركان الإسلام، وهذا ركن، فكيف تقضي هذا الركن ولا تقضي ذاك الركن، أجابتها عائشة بما يوجب التسليم، فقالت: "كنا نحيض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما.

نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، ليس لأحد كلام، وليس لأحد اجتهاد، وليس لأحد قياس في مقابل النص، وقد أجمع العلماء على ما ذكرته عائشة -رضي الله عنه- من وجوب قضاء الصوم دون الصلاة، وهذا من رحمة الله -سبحانه وتعالى- وتيسيره على هؤلاء؛ لأن الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات ففي قضائها مشقة دون الصيام، الصوم يجب في السنة مرة واحدة وهو صوم رمضان فلا مشقة في قضائه.

وإذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر فإنها تصوم، وصومها صحيح، ولو لم تغتسل، إذا تيقنت الطهر قبل طلوع الفجر ولو لم تغتسل إلا بعد أن طلع الفجر كالجنب يصبح جنباً يصوم ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يدركه الفجر وهو جنب، فيصوم ويغتسل بعد طلوع الفجر، إذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس فإن صيامها صحيح، ولو أحست بأعراض الحيض قبل غروب الشمس، إذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس فإن صيامها صحيح، ولو أحست بأعراض الحيض من الأوجاع التي تصاحبه قبل غروب الشمس؛ لأن العبرة بخروج الدم، وليست العبرة بالإحساس، وإذا طهرت في أثناء النهار وجب عليها الإمساك في الراجح من أقوال العلماء على ما تقدم لزوال العذر الشرعي، وعليها قضاء ذلك اليوم، ومثلها المسافر في أثناء النهار في رمضان، إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده، فإنه يلزمه الإمساك لزوال حكم السفر، ارتفع الوصف الذي علق به عدم الصيام، مع قضاء ذلك اليوم.

وأما بالنسبة للمستحاضة وهي التي يكون معها دم لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً، فحكمها حكم الطاهرات تصوم وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة كأصحاب الحدث الدائم من بول أو ريح أو غيرهما، لكن عليها أن تتحفظ من الدم بقطن أو نحوه، حتى لا يتلوث بدنها ولا ثوبها بالدم.

وإذا استعملت المرأة ما يقطع الدم من حبوب أو إبر، فانقطع الدم بذلك، فإنها في حكم الطاهرات؛ لأن الحكم معلق برؤية الدم، بالدم بوجوده بنزوله، فإذا لم ينزل ارتفع الحكم، فتكون حينئذ في حكم الطاهرات صلاتها صحيحة، وكذلك صومها، ولا مانع من استعمال ما يمنع العادة من أجل متابعة الصيام والقيام مع الناس؛ لأنه أنشط لها شريطة أن تسلم من الضرر، أما إذا أدى ذلك إلى ضرر في بدنها فإنه لا يجوز لها أن تستعمل ما يضرها، مع أن تسليمها لحكم الله -سبحانه وتعالى- وعدم استعمال هذه الموانع أولى، ترضى وتسلم بحكم الله، فإذا طهرت صلت وصامت، وإذا حاضت أمسكت وهذا أولى بها.

المريض والمسافر، المريض والمسافر ولذا يقول: ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكيناً، ويسن لمريض يضره ولمسافر يقصر

يعني الفطر، المريض والمسافر يجوز لهما الصيام والفطر، والفطر أفضل؛ لأنه رخصه، والله -سبحانه وتعالى- يحب أن تؤتى رخصه، لا سيما إذا كان الصيام لا يشق على هذا المريض ولا على ذاك المسافر، لا سيما إذا كان الصيام يشق، المريض والمسافر يجوز لهما الصيام، ويجوز لهما الفطر، والفطر أفضل؛ لأنه رخصة، والله سبحانه وتعلى يحب أن تؤتى رخصه، لا سيما إذا كان الصيام يشق عليهما، وقد يجب الفطر مع حصول المشقة الشديدة، وعليهما القضاء إذا أفطرا في نهار رمضان لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(183 - 184) سورة البقرة]، وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(185) سورة البقرة]، أي فمن كان منكم مريضاً أو على سفر حين شهوده الشهر مريضاً أو على سفر، أي مسافراً فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، عدة ما أفطر، يعني بقدرها يصومها بدل الأيام التي أفطرها.

يقول القرطبي في تفسيره: للمريض حالتان: إحداهما: أن لا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر وجوباً.

الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل.

وإذا كان المريض لا يرجى برؤه بشهادة الأطباء الثقات فلا يلزمه الصوم ولا القضاء، وعليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من قوت البلد، وهكذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذان لا يستطيعان الصوم يطعمان كذلك، لما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في وقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [(184) سورة البقرة]، قال ابن عباس: هذه الآية ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً، وكان يقرؤها: "يُطَوَّقُونَه".

سياق الآية هل يؤيد تفسير ابن عباس أو لا يؤيده؟ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ابن عباس جعل الآية فيمن لا يطيقه، فيمن لا يطيق الصيام، ومنطوق الآية على الذين يطيقونه فدية، ورأي ابن عباس الفدية على من لا يطيق الصيام، فهل سياق الآية يؤيد قول ابن عباس؟ الواضح من سياق الآية منطوقها أنه لا دلالة فيها لقول ابن عباس؛ لأنها صريحة فيمن يطيق الصيام، والذي يطيقه هو القادر عليه، لا العاجز عنه، وهم مع ذلك مخيرون بين الصيام والفدية، وكان هذا أول ما نزل فرض الصيام، كان الناس مخيرين، إن شاءوا صاموا، وإن شاءوا أفطروا وأطعموا، ولو كانوا قادرين على الصيام، كما ثبت في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: "لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [(184) سورة البقرة]، كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها".

ورجح القول بالنسخ لقوله تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [(184) سورة البقرة]، ومثل هذا الكلام يمكن أن يوجه للشيخ الكبير العاجز {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} أو للمرأة الكبيرة العاجزة عن الصيام؟ يمكن أن يوجه لهما مثل هذا الكلام؟ لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام، لم يناسب أن يقال له: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} مع أنه لا يطيق الصيام، ولكن القائل بذلك ابن عباس، وهو ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، هل يخفى عليه مثل هذا الكلام، وقد دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه التأويل، هل يخفى على ابن عباس مثل هذا الكلام؟ نعم؟

طالب:.......

الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} يقول ابن عباس: الذين يطيقونه الشيخ الكبير والمرأة العجوز، هل هم الذين يطيقونه، أو الذين لا يطيقونه؟ نص الآية يخالف كلام ابن عباس بلا شك، نص الآية يخالف قول ابن عباس.

المسألة صريحة ما فيها إشكال، يعني لو تسأل عامي من عوام المسلمين كيف تفهم من هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}، {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [(184) سورة البقرة]، هل يقال للشخص العاجز الذي لا يستطيع الصيام أنك تطيق الصيام لكن عليك فدية، وأن تصوم خير لك؟ يمكن أن يوجه له مثل هذا الكلام؟ آحاد الطلبة صغار الطلبة يفهمون هذا الباب، فهل يخفى مثل هذا الكلام على ابن عباس، أو له وجهة نظر تخفى على مثلنا؟ نعم؟

طالب:.......

يطوقونه، يعني معنى يطوقونه يطيقونه لكن مع شيء من الشدة، والذين يطوق الصيام بمعنى أنه يطيقه مع الشدة يلزمه الصيام، الذي لا يلزمه الصيام العاجز تماماً عن الصيام، حتى عند ابن عباس -رضي الله عنهما-.

قال: ويمكن أن يوجه كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- بأن الله -سبحانه وتعالى- جعل الفدية عدلاً للصوم، الآن كل مسلم مكلف ثابت العقل، إما أن يصوم، وإما أن يفطر، ولا ثالث لهما، في خيار ثالث؟ نعم، ما في خيار ثالث، فلما لزم من يطيق ويستطيع الصيام الصوم ولا خيار له ثاني جعلت الفدية هذه وجهة نظر ابن عباس لمن لا يطيق، فما دام الشخص لا يطيق الصيام نعم، يؤمر بالعدل، عدل الصيام وهو الفدية؛ لأن عندنا خيارين، الصيام أو العدل الذي هو الفدية، في خيار ثالث؟ ما في خيار ثالث، إما أن تصوم أو تفدي، الآن الذي يستطيع الصيام ويطيق الصيام، يستطيع الصيام هل يجوز له أن يفتدي؟ نسخ هذا، لا يجوز له أن يفتدي، بقي الذي لا يطيق، هل نقول: يلزمه الصيام؟ لا يلزمه الصيام؛ لأنه لا يطيقه، تكليفه من باب تكليف ما لا يطاق، إذن بقي له، هل يعفى من كل شيء الذي لا يطيق؟ أو نقول: تلزمه الفدية، وهو العِدل، عِدل الصيام؟ وُجِّه كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- بهذا، لا، يمكن أن يوجه كلام ابن عباس بأن الله -سبحانه وتعالى- جعل الفدية عِدلاً للصوم لمن قدر، فإذا لم يقدر بقي عدله، وهو الفدية، لا سيما مع دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس أن يعلمه التأويل، ولا يمكن أن يخفى عليه مثل هذا، ما يمكن أن يخفى عليه أن الذين يطيقونه هم العاجزون، نعم، ولا يمكن أن يوجه الكلام للعاجز بقوله تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.

كيفية الإطعام بالنسبة لمن عجز عن الصيام؟ قالوا: له كيفيتان: أولاهما أن يصنع طعاماً فيدعوا إليه المساكين بعدد الأيام التي أفطرها، كما كان أنس بن مالك يفعل ذلك -رضي الله عنه- لما كبر، والكيفية الثانية: أن يطعمهم طعاماً غير مطبوخ، فيطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من كل ما يسمى طعام، من تمر أو بر أو أرز، أو غيرها.

وقال بعضهم: إن الواجب مد من البر، أو نصف صاع من غيره، يعني على قضاء معاوية -رضي الله عنه- في الفطرة.

بعضهم يرى أنه لا يصح الإطعام بالطعام المطبوخ، فيدعى إليه المساكين، بل لا بد من تمليك الفقير، يعني كالزكاة، لا بد فيها من التمليك، لكن النص يشمل المطبوخ وغير المطبوخ.

وأما وقت الإطعام فالمسلم مخير إن شاء فدى عن كل يوم بيومه، وإن شاء أجل الإطعام إلى آخر يوم، ولا يجزيء تقديم الإطعام عن شهر رمضان، فلا يجزئ في شعبان مثلاً؛ لأن سبب الوجوب الفطر، فلا يقدم الواجب على سببه.

كل عبادة لها سبب وجوب، ووقت وجوب، لا يجوز تقديمها على السبب والوقت، ويجوز تأخيرها عنهما، أو لا يجوز؟ هاه؟

طالب: يجوز تقديم السبب دون الوقت.

نعم.

طالب: يجوز تقديم السبب دون الوقت.

يجوز، وعنهما معاً؟

طالب: الوقت لا..

عندنا مثل هذا، عندنا كفارة اليمين، كفارة اليمين لها سبب وهو اليمين، ووقت وهو الحنث، سبب هو انعقاد اليمين ووقتها الحنث، لا يجوز تقديم الكفارة على السبب، ويجوز تأخيرها عن الوقت اتفاقاً يعني بعد الحنث، وهل يجوز تقديمها بين السبب والحنث؟ نعم؟

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

يعني قبل الحنث؟

طالب: لا يجوز.

نعم ((إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني)). الرواية الأخرى «إلا كفرتُ عن يميني ثم أتيت الذي هو خير» فهذا يدل على جواز تقديم المسبَّب على وقت الوجوب.

طالب: ........

لا، الذي لا يطيق لا، الذي يطيق يلزمه قولا واحدا.

طالب: ........

لا لا، كلام ابن عباس في الذي لا يطيق.

طالب: ........

الذي لا يستطيع ظاهر واضح هذا الذي يطيق يلزمه الصيام قولا واحدا ولا يعدل إلى الفدية بعد النسخ وإن كان في أول الأمر الإنسان مخيَّر ولو كان..

طالب: ........

أقول إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز تقديمه على السبب اتفاقا ويجوز التأخير عن وقت الوجوب والخلاف فيما بين السبب والوقت هل نتصور أن الوقت المراد به الزمن المحدد لفعلها؟ المقصود به وقت الوجوب فمثلا صلاة الجمعة سببها اليوم يوم الجمعة الوصف ويبدأ اليوم بارتفاع الشمس هذا السبب ووقت الوجوب الزوال فلا يجوز تقديمه على سبب الوجوب اتفاقا يعني قبل ارتفاع الشمس وزوال وقت النهي ارتفاع وقت النهي ويجوز تأخيرها عن وقت الوجوب اللي هو الزوال اتفاقا والخلاف فيما بين ذلك فهل يجوز فعلها قبل الزوال معروف عند الحنابلة يجوز وعند غيرهم لا يجوز الهدي سببه الإحرام بالقران مثلا أو التمتع ووقته يوم النحر فلا يجوز التقديم على السبب اتفاقًا ويجوز بعد الوقت اتفاقًا والخلاف فيما بين ذلك هناك قول عند الشافعية يجوز نحر الهدي قبل يوم النحر قياسا على الكفارة كفارة اليمين تجوز قبل الحنث على كل حال هذه المسألة مَن أراد تصوُّرها تصوُّرًا دقيقًا مع أمثلتها فليرجع إلى قواعد ابن رجب رحمه الله.

طالب: ........

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

"
يقول: ما هي أفضل طبعات زاد المستقنع وهل تنصح بحفظ الكتاب؟

أفضل الطبعات في نظري هي طبعة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد مطبوعة في مطبعة الاستقامة قبل ستين أو سبعين سنة نسيت التاريخ على وجه التحديد لكنها مطبوعة قبل دهر بالنسبة لحفظ الكتاب الكتاب من أهم المهمات بالنسبة للمتون الفقهية وقد أشرنا إلى ذلك بالأمس من كان عنده حافظة ولا يصعب عليه حفظه فحفظه جيد طيب يستحضر المسائل متى شاء وأنتم تسمعون من يُسأل ويتعرَّض للفتوى تسمعون الفرق بين إجابات من اعتنى بكلام أهل العلم وبين من لم يعتن به من حفظ متن تجد الإجابة محكمة ومتقنة ومحرَّرة ومضبوطة والذي لا يحفظ شيئا وإنما تلقى تعليمه على طريقة المتأخرين المسمى بالفهم دون الحفظ تجدون كيف تكون الإجابات، وعلى كل حال العلم لا بد له من حفظ لكن الشخص الذي لا تسعفه الحافظة لحفظ كل المهمات يبدأ بالأهم فالأهم وحينئذ يكون سبيله لتحصيل هذا العلم من مثل هذا الكتاب ما أشرنا إليه سابقا يستعرض المسألة ويتصورها ويفهمها ويستدل لها وحينئذ يكون قد هضم المسألة ودليلها ومن قال بها ومن خالف ودليله ويرجح هذه طريقة جيدة للتفقه.

يقول: رجل فعل معصية توجب حدًّا من حدود الله في بلد لا تطبق الشريعة ثم وجد في المملكة فهل يقدم نفسه لولي الأمر لتطبيق الحد عليه؟

على كل حال إن استتر بستر الله عليه وتاب توبة نصوحًا على كل حال فله ذلك له ذلك وإذا صحت توبته بُدِّلَت سيئاته حسنات وفضل الله واسع، وإن أخذ بالعزيمة وقدَّم نفسه لتطبق الحد كما فعل الصحابة أو بعض الصحابة الذين وقعت منهم بعض الزلات هذه عزيمة لا شك وهي أقوى في التوبة لكن إن استتر بستر الله عليه وأسف على ذلك وندم وأكثر من عمل الحسنات فيشمله ستر الله يُرجَى أن يستر الله عليه في الدنيا والآخرة.

يقول: ما هو التخريج اللغوي للتذكير في حديث من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال مع أن الأصل أن تكون ستةً؟

هذا أشرنا إليه بالأمس وهو أنه إذا حذف التمييز يجوز التذكير والتأنيث يجوز التذكير والتأنيث.

يقول: متى تكون المسألة على المذهب؟

المذهب لهم تفاصيل في اعتبار هذا القول أو هذا الحكم هو المذهب أو المشهور من المذهب عند المتقدمين لهم اصطلاح والمتوسطين لهم اصطلاح والمتأخرين لهم اصطلاح، تراجَع هذه المسألة في مظانها في مقدمة الإنصاف وخاتمته ومقدمة الفروع وغيرها من كتب من الكتب التي تشرح هذه الاصطلاحات.

لماذا سمي رمضان بهذا الاسم؟

سمي رمضان لأنه كان في وقت شديد الحر ترمض فيه النفوس من شدة العطش.

إذا كان الوضوء لقراءة القرآن فهل تصح الصلاة به؟

نعم، إذا كان الوضوء لقراءة القرآن فمعناه أنه لرفع الحدث وإذا ارتفع الحدث فإنه حينئذ يفعل به ما شاء مما تشترط له الطهارة.

يقول: ذهبت إلى حلقة وأنا متوضئ فجلست إلى صلاة فهل أصلي به؟

ما المانع ما دمت على طهارة؟!
نفس قريب من السؤال سبحان الله!
يقول: صليت العشاء بوضوء المغرب بدون أن أنوي الصلاة بوضوء المغرب والعشاء.
ما تحتاج إلى نية هذه المسألة ما تحتاج إلى نية مادام الوضوء حكمه قائم بمعنى أنه لم ينتقض فافعل به ما شئت مما تشترط له الطهارة.

يقول: قد أصبت بضعف إيمان نتيجة للذنوب والمعاصي ولكن أرجو النصيحة.

على كل حال المعاصي لا شك أن لها أثرا في ضعف الإيمان كما أن الطاعات لها أثر في زيادة الإيمان وهذا أمر مقرَّر في الشرع ومعروف، فعلى الإنسان أن يجتنب ما حرَّم الله عليه وأن يأتمر بما أمره الله به وأن يحرص على ذلك أشد الحرص لكي يحافظ على دينه وعلى إيمانه؛ لأن المكروهات تجر إلى المحرمات والمحرمات تجر إلى الموبقات وما هو أعظم من ذلك نسأل الله العافية.