شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (300)

 

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

في بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً بكم.

حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: نحن لازلنا مع الإخوة والأخوات في حديث أبي قتادة –رضي الله عنه- باب النهي عن الاستنجاء باليمين، حديث مائة واثنين وعشرين في المختصر، مائة وثلاثة وخمسين في الأصل، لمن أراد متابعتنا، نستكمل، أحسن الله إليكم يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فمازلنا في الترجمة: باب النهي عن الاستنجاء باليمين.

وابن حجر -رحمه الله تعالى- قال: باب النهي، ولم يقل: باب تحريم، ولم يقل: باب كراهية، إشارةً إلى أنه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه، أو أن القرينة الصارفة للنهي عن التحريم لم تظهر له، وهي أن ذلك أدبٌ من الآداب. العيني يقول في شرح الترجمة: أي هذا بابٌ في بيان النهي عن الاستنجاء باليمين أي: باليد اليمنى.

وقال بعضهم –يريد ابن حجر-: عبَّر بالنهي إشارةً إلى أنه لم يظهر له أهو للتحريم أو للتنزيه، أو أن القرينة الصارفة للنهي عن التحريم لم تظهر له.

قلت: هذا كلام فيه خبْطٌ؛ لأن في الحديث الذي عقد عليه الباب النهي عن ثلاثة أشياء، فلابد من التعبير بالنهي.

يعني: كلام العيني لما كانت الترجمة النهي عن ثلاثة أشياء..

المقدم: شرب الماء، التنفس في الإناء، مس الذكر باليمين، والتمسح باليمين.

نعم ثلاثة أشياء.

المقدم: ففيها شيء واضح أنها للتنزيه، وواضح شيء آخر للتحريم.

نعم إذا اختلفت أحكامها يؤتى بشيءٍ يعم الجمل الثلاث، لكن إذا اتفقت في الحكم في التحريم أو في الكراهة.

المقدم: الحكم واحد.

نعم لا يتجه كلام العيني، يتجه كلام العيني إذا كانت الثلاثة مختلفة الأحكام.

المقدم: والله متجه يا شيخ كلامه؛ لأنها مختلفة الأحكام.

سيأتي تفصيلها وأحكامها، على كل حال ننظر كلامه ورد ابن حجر عليه.

يقول: وقال بعضهم: عبَّر بالنهي إشارةً إلى أنه لم يظهر له أهو للتحريم أو للتنزيه، أو أن القرينة الصارفة للنهي عن التحريم لم تظهر له، قلت –يقول العيني-: هذا كلامٌ فيه خَبْطٌ؛ لأن في الحديث الذي عقد عليه الباب النهي عن ثلاثة أشياء، فلابد من التعبير بالنهي، وأما أنه للتحريم أو للتنزيه فهو أمرٌ آخر، وليس تعبيره بالنهي لعدم ظهور ذلك ولا لعدم القرينة الصارفة عن التحريم، فعلى أي حال يكون لابد من التعبير بالنهي فلا يُحتاج إلى الاعتذار عنه في ذلك.

في انتقاض الاعتراض للحافظ ابن حجر، قلت: أراد الشارح –يعني نفسه-، قلت: أراد الشارح الأمر الآخر يعني: في كلام العيني يقول: أما أنه للتحريم أو للتنزيه فهو أمرٌ آخر.

قلت: أراد الشارح الأمر الآخر فنبه على أن السبب في العدول عن الجزم بالحكم بأن يقول: باب تحريم الاستنجاء باليمين، أو كراهية الاستنجاء باليمين احتمال أنه لم يظهر له الحكم فاقتصر على لفظ النهي الصالح لكل منهما التحريم أو الكراهة، لكن الترجمة عن البخاري...

المقدم: باب النهي عن الاستنجاء باليمين.

يتجه كلام العيني؟

المقدم: لا.

لماذا؟

المقدم: لأنه قصرها على الاستنجاء باليمين.

يعني لو أن البخاري في الترجمة ذكر الثلاثة اتجه كلام العيني.

المقدم: التأمل طيب قبل أن يحكم الإنسان.

وقد ذكر الشارح ابن حجر –وهذا من كلامه- اختلاف العلماء في الحكم المذكور.

ابن حجر يعتبر نفسه الشارح، ويرد على العيني، وقد يقول قائل: إن الشارح يلتبس؛ لأن كلًا منهما شارح فلماذا يخص نفسه بكونه هو الشارح؟

المقدم: لأنه الأصل.

لأنه هو الأصل في الباب، والعيني إنما يستمد منه في كثيرٍ من الأحيان.

وقد ذكر الشارح اختلاف العلماء في الحكم المذكور، وأن الجمهور على أنه للتنزيه، وأن الظاهرية وبعض الشافعية والحنابلة قالوا: إنه للتحريم.

في عمدة القاري وجه المناسبة بين البابين –يعني: هذا والذي قبله- باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، بل بين هذه الأبواب يعني: ما قبله وما بعده مما يتعلق بالاستنجاء ظاهر، وجه المناسبة ظاهر؛ لأن جميعها معقودٌ في أمور الاستنجاء، ومطابقة الحديث بقوله: «ولا يتمسح بيمينه».

في شرح الكرماني، قوله: «فلا يتنفس، ولا يمس، ولا يتمسح» بصيغة النهي في الألفاظ الثلاثة وفي بعضها بصيغة النفي، ما الأثر الظاهر؟ جزْم الأفعال. «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس، وإذا أتى الخلاء فلا يمس، ولا يتمسح» هذا نهي. وفي بعضها – يعني: في بعض الروايات بصيغة النفي: «فلا يتنفس، ولا يمس، ولا يتمسح». وإذا جاء النهي بصيغة النفي كان أبلغ عند أهل العلم.

قال ابن حجر: «فلا يتنفس» بالجزم، ولا نهي في الثلاثة، ورُوي بالضم فيها على أن «لا» نافية.

«إذا شرب» شرطٌ جوابه «فلا يتنفس».

قال العيني: من باب التفعُّل، يريد التنفس، من باب التفعُّل، تنفَّس يتنفس تنفُّسًا، والتنفس له معنيان:

أحدهما: أن يشرب ويتنفس في الإناء من غير أن يُبينه عن فِيهِ وهو مكروه.

والآخر: أن يشرب الماء وغيره من الإناء بثلاثة أنفاس، فيُبينُ فاه عن الإناء في كل نَفَس.

أحدهما: أن يشرب ويتنفس في الإناء من غير أن يُبينه عن فِيهِ وهو مكروه، وهو الذي فيه النهي، والآخر: أن يشرب الماء وغيره من الإناء بثلاثة أنفاسٍ، فيُبينُ فاه عن الإناء في كل نَفَس، لكن الأول ظاهر دلالة الحديث عليه، والثاني؟ يعني يأتي ما يدل عليه، لكن دلالة..

المقدم: في أحاديث أخرى نعم، لكن ما يدل عليه هنا.

ما يدل عليه؛ لأنه يقول: «في الإناء» وفي: الظرفية.

وأصل التركيبِ يدل على خروج النَّسم كيف كان من ريحٍ أو غيرها، وإليه ترجع فروعه، والتنفس خروج النَفَس من الفم وكل ذي رئةٍ يتنفس، وذوات الماء لا ريات لها، كذا قاله الجوهري.

ذوات الماء التي لا تعيش إلا في الماء لا ريات لها، كذا قاله الجوهري، وهذا ظاهر؛ لأن الرئة وظيفتها للتنفس، جذب الهواء وإفرازه. فالذي يتنفس وهو في الماء يموت، لكن الذي يعيش في الماء لا يتنفس، إذًا لا رئة له كما قال الجوهري.  

«في الإناء» هو الوعاء. يقول أهل العلم: الآنية هي الأوعية لغةً وشرعًا وعُرفًا، يعني: تتفق فيها الحقائق الثلاث: اللغوية والعُرفية والشرعية.

يقول: «في الإناء» هو الوعاء، وجمعه آنية، وجمع الآنية الأواني مثل سقاء وأسقية وأساقي، وأصله غير مهموز؛ ولذا ذكره الجوهريُ في باب أَنِيَ، ولم يذكره في باب الهمزة أَنَأَ؛ لأن البحث في مثل الصحاح والقاموس والكتب المرتبة على أواخر الحروف يُشكل، بحث مثل إنا، الآنية مثلًا، الإناء، أما الكتب التي رُتبت على أوائل الحروف هذه ما فيها إشكال.

المقدم: حروف الهمزة.

لكن المشكل في الآخر، الذي قد يكون منقلبًا عن أصل مثل بحث التقوى.

المقدم: من الياء أم الواو.

نعم، بحث التقوى في أي مادة تُبحث في القاموس أو في اللسان أو في الصحاح التي تهتم بأواخر الحروف؟ هل هي من وَقَيَ؟ وقاه يقيه أصله ياء، هذا هو الأصل، لكن طالب العلم المبتدئ لا يمكن أن يصل إلى مثل هذه الأمور إلا بمشقة؛ ولذلك عَمِد بعضهم إلى ترتيب هذه الكتب على أوائل الحروف، وإن كان هذا الترتيب فتح –الترتيب على أواخر الحروف- فتح بالنسبة للكتاب المرتبة على مخارج الحروف مثل العين، ومثل التهذيب للأزهري، ومثل بعض الكتب التي رُتبت على المخارج، ومثل المُحكم لابن سيده، هذه كلها متعبة جدًّا، ولذلك لا يمكن أن يستفاد منها إلا بفهارس، فينتبه طالب العلم لهذه الكتب ومناهجها. 

وقوله: «في الإناء» أي: داخله، وأما إذا أبانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. وهذا النهي للتأديب لإرادة المبالغة في النظافة؛ إذ قد يخرج مع النَفَسِ بُصاقٌ أو مخاطٌ أو بُخارٌ رديء، فيُكسبه رائحةً كريهة، فيتقذَّر بها هو أو غيره عن شربه، كذا في فتح الباري، هذا علة النهي، النهي للتأديب لإرادة المبالغة في النظافة؛ إذ قد يخرج مع النَفَسِ بُصاقٌ أو مخاطٌ أو بُخارٌ رديء، فيُكسبه رائحةً كريهة، فيتقذَّر بها هو أو غيره عن شربه، كذا في فتح الباري.

وإذا كان النهي عن التنفس الذي أثره في الطعام غير مُلاحَظ، فكيف بالكلام أثناء الأكل؟ لاسيما وبعض الناس إذا تكلم يخرج من فمه أشياء؛ إما لُعاب، وإما قطع من الطعام، والناس يتفاوتون، مع أن الحديث على الطعام لاسيما إذا كان فيه إيناس للضيف جاءت به السنة، لكن مع ذلك يتقي الإنسان لاسيما إذا عرف من نفسه أنه أثناء كلامه يخرج منه شيء، الناس يتفاوتون في هذا.

قال أبو سليمان الخطابي في أعلام الحديث –كان يُنقل عنه في كتب أهل العلم أعلام السنن في مقابل معالم السنن، لكن المحقق ترجح عنده من خلال ما جاء في أكثر النُّسخ أن اسمه أعلام الحديث.

 يقول أبو سليمان الخطابي: نهيه عن التنفس في الإناء نهي أدبٍ وتعليم، وذلك أنه إذا فعل ذلك لم يأمن أن يبدر من فيه الريق، فيُخالط الماء فيعافه الشارب منه، وربما تروَّح بنكهة المتنفِس، إذا كانت فاسدة.

يعني نعرف أنهم كانوا لا يتقذرون من شرب الماء أو غيره من السوائل، أو الأكل من الإناء الذي أكل فيه غيرهم، وكان الإناء الواحد يدور على الجماعة، كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- في قصة أبي هريرة حينما جاءهم اللبن، وأمره أن يدعو أهل الصُّفة، وكلهم شربوا من إناءٍ واحد، وهذا موجود إلى وقتٍ قريب، يشربون من إناء، والأسرة كلها تشرب من إناءٍ واحد يدور عليهم، بل والضيوف معهم. أما الآن فلا تكاد تجد من يفعل ذلك، بل يُخصص لكل شخصٍ إناء خاص.

المقدم: وبعضهم يُرمى إذا شُرب فيه.

نعم بلا شك؛ يتقذرون هذا، والله المستعان.

يقول: وربما تروَّح بنكهة المتنفس إذا كانت فاسدةً، والماء للطفه ورقة طبعه تُسْرِعُ إليه الروائح، ثم إنه مِن فِعْل الدواب إذا كرعت في الأواني جرعت ثم تنفست فيه، ثم عادت فشربت، وإنما السُّنة والأدب أن يُشرب الماء في ثلاثة أنفاس، كلما شرب نفسًا نحّى الإناء عن فمه، ثم عاد مصًّا له غير عبٍ إلى أن يأخذ ريه منه. هذه السُّنة في الشرب.

حينما جعل أهل العلم في الحمامة إذا قُتلت في الحرم شاة، ولم يجعلوا مثلًا في الدجاجة شاة. وجه الشبه بين الحمامة وبين الشاة كلٌّ منهما يعبُّ الماء، بينما الدجاج يختلف؛ يشرب شيئًا يسيرًا ثم يرفع رأسه، يختلف عن الشاة، فهذه من لطائف ودقائق أنظارهم.

يقول العيني: والتنفس خارج الإناء أحسن في الأدب، وأبعد عن الشره، وأخف للمعدة، وإذا تنفس فيه تكاثر الماء في حلقه وأثقل معدته، وربما شَرِقَ وآذى كبده، وهو فعل البهائم. وقد قيل: إن في القلب بابين يدخل النَفَسُ من أحدهما ويخرج من الآخر، فيبقى ما على القلب من همٍ أو قذى؛ ولذلك لو احتبس النَفَسُ ساعةً هَلَكَ الآدميُ، ويُخشى من كثرة التنفس في الإناء أن يصحبه شيءٌ مما في القلب فيقع في الماء ثم يشربه فيتأذى به.

الآن ما علاقة القلب بالنَفَس؟ معروف أن علاقة النَفَس بالرئة، القلب له ضخ للدم.

المقدم: ضخ لأثر التنفس أساسًا.

يعني: لو كتم الإنسان نَفَسَه يتوقف القلب عن الضخ؟

المقدم: إذا استمر كتم النَفَس يتوقف؟

يعني: هل وجود النَفَس ودخوله في القلب هل هو من أجل تنقية هذا الدم الذي يخرج معه؟ لاشك أنه أمرٌ خفي لا يعرفه إلا أهل الاختصاص؛ ولذلك قال: قيل: إن في القلب بابين يدخل النَفَسُ من أحدهما ويخرج من الآخر، فيبقى ما على القلب من همٍ أو قذى؛ ولذلك لو احتُبس النَفَس ساعةً هلك الآدمي، ويُخشى من كثرة التنفس في الإناء أن يصحبه شيءٌ مما في القلب، فيقع في الماء ثم يشربه فيتأذى به، كذا قال العيني، وأهل الاختصاص إليهم هذا، لكن ظهور النَّفَس، والنَفَس في الغالب أن رائحته كريهة؛ بسبب ما يعلق به من أبخرة المعدة، فلا شك أن الماء للطفه ورقته يتأثر، وهذا شيء ظاهر.

وقيل: علة الكراهة أن كل عبَّة شربةٌ مستأنفة، فيُستحب الذِّكر في أولها –يعني: يُسمي في أولها- والحمد في آخرها، فإذا وصل ولم يفصل بينهما فقد أخلَّ بعدة سنن.

لكن هذه حكمة النهي عن التنفس في الإناء، أو علة الشرب بثلاثة أنفاس، على ما سيأتي؟

وقيل: علة الكراهة أن كل عبَّة شربةٌ مستأنفة، فيُستحب الذِّكر في أولها، والحمد في آخرها، فإذا وصل ولم يفصل بينهما فقد أخلَّ بعدة سنن وهي التسمية.. ذكر التسمية والحمد.

المقدم: هذه في كل شربة أم في البداية والنهاية؟

سيأتي هذا إن شاء الله تعالى، لكن هل هذا كلام تابع للنهي عن التنفس في الإناء، أو الحث على شرب الماء بثلاثة أنفاس على ما سيأتي؟ على الثاني.

يقول ابن بطال: التنفس في الإناء منهيٌ عنه كما نُهي عن النفخ في الإناء، وإنما السُّنة إراقة القذى من الإناء لا النفخ فيه ولا التنفس؛ لئلا يتقذره جلساؤه.

يعني: هناك فرق بين التنفس وبين النفخ.

المقدم: النفخ يكون لإزالة قذى؟

أو لتبريد مثلًا، حار يبرَّد. يعني: إذا رفعت الفنجان مثلًا أو كوب الشاي وجدته حارًّا.

المقدم: نفخت به.

كثير من الناس ينفخ من أجل أن يبرد، هل يدخل في هذا أو لا يدخل؟ لأنه هنا قال: التنفس في الإناء منهيٌ عنه كما نُهي عن النفخ في الإناء، وإنما السُّنة إراقة القذى من الإناء لا النفخ فيه ولا التنفس؛ لئلا يتقذره جلساؤه.

نقول: الفرق هناك بين النَّفَس: النَفَس ينجذب من المعدة من الرئة وفي طريقه يجذب ما يخرج من المعدة من أبخرة؛ ولذلك تجد رائحته كريهة. النفخ: هل هو يُخرج من الجوف أو من الفم فقط؟

المقدم: من الفم، لكن يعلق فيه لاشك شيء منه.

يعلق فيه ما اشتمل عليه الفم من رائحةٍ متغيرة إما لترك السواك، أو لترك الفم دون غسل بعد الطعام، أو طول سكوت، أو بعد نوم، وهذا نحتاج إليه في تبريد الحار من جهة، وفي النفخ في الرقية في الماء، وهذه لعلنا نشير إليها في آخر الكلام.

روى الإمام البخاري عن أنس في كتاب الأشربة أنه كان يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثًا، وزعم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس ثلاثًا.

يتنفس في الإناء، هل في هذا معارضة لحديث الباب؟

المقدم: في الظاهر نعم، لكن المراد خلاف ذلك.

المراد خلاف الظاهر من أجل التوفيق بين النصوص.

يقول ابن حجر: ترجم البخاري عليه بقوله: باب الشرب بنفسين أو ثلاثة، فكأنه أراد أن يجمع بين حديث الباب –الباب الذي ترجم عليه بقوله: باب الشرب بنفسين أو ثلاثة- كان أنس يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثة، وزعم أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يتنفس ثلاثًا، ترجم عليه بقوله: باب الشرب بنفسين أو ثلاثة. فكأنه أراد أن يجمع بين هذا والباب الذي قبله يعني: حديث أبي قتادة؛ لأن ظاهرهما التعارض؛ إذ الأول صريحٌ في النهي عن التنفس الإناء، والثاني يُثبت التنفس، فحملهما على حالتين، البخاري حملهما على حالتين:

فحالة النهي: على التنفس داخل الإناء.

وحالة الفعل: على من تنفس خارجه.

فالأول على ظاهره من النهي، والثاني تقديره: كان يتنفس في حالة الشرب من الإناء.

قال ابن المُنيِّر: أورد ابن بطال سؤال التعارض بين الحديثين: حديث أنس: «كان يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثًا»، وحديث: النهي عن التنفس في الإناء.

المقدم: «فلا يتنفس في الإناء».

نعم، قال ابن المُنيِّر: أورد ابن بطال سؤال التعارض بين الحديثين، وأجاب بالجمع بينهما فأطنب، ولقد أغنى البخاري عن ذلك بمجرد لفظ الترجمة، فجعل الإناء في الأول ظرفًا للتنفس والنهي عنه لاستقذاره. وقال في الثاني: الشرب بنفسين، فجعل النَّفَس الشرب أي: لا يقتصر على نفسٍ واحد، بل يفصل بين الشربين بنفسين أو ثلاثة خارج الإناء، فعُرف بذلك انتفاء التعارض، والله أعلم.

المقدم: الله المستعان.

أحسن الله إليكم، إذًا نقف عند هذا الحد على أن نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقى في حلقةٍ قادمة.

أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

لنا بكم لقاء بإذن الله تعالى في حلقةٍ قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.