كتاب العدد من المحرر في الحديث - 02

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

ففي الدرس الماضي ذكرنا ما يتعلق بالنفقة للمطلَّقة البائن إذا كانت حاملاً، وذكرنا قول أهل العلم، ومنهم الحنابلة الذين قالوا: إن النفقة للحمل نفسه لا لها، من أجله؛ لأن الأصل في البائن ألا نفقة لها، ولا سكنى، انقطعت العلاقة، انبتت، فلا نفقة لها، ولا سكنى، وهذا هو المرجَّح، لكن إذا كانت حاملاً فالحامل ينفق عليها حتى تضع حملها.

 ويقول أهل العلم مثل ما ذكرنا سابقًا: إن النفقة للحمل نفسه لا لها، من أجله، وذكرنا أن في معناه غموض، كيف تكون النفقة للحمل لا للحامل من أجله؟ وأحد الإخوة- جزاه الله خيرًا- بحث المسألة في ثمانية كتب، وجمعها في هذا الجزء اللطيف، وأنا أحلتكم على قواعد ابن رجب وكتاب السلسبيل، وهو مأخوذ من القواعد، أضاف إلى ذلك كتاب الفروع والمغني ومجموع الفتاوى والمسائل الفقهية والشرح الممتع.

 فابن رجب -رحمه الله تعالى- يقول: الرابعة عشرة: نفقة الحامل هل هي واجبة لها أو لحملها؟ نفقة الحامل هل هي واجبة لها أو لحملها؟ في المسألة روايتان مشهورتان أصحهما أنها للحمل، وهي اختيار الخرقي وأبي بكر، وينبني عليها فوائد، أصحهما أنها للحمل، وهي اختيار الخرقي وأبي بكر، يعني غلام الخلال، وأبو بكر له مسائل اختارها وتفرد بها، وخالف فيها صاحب المختصر، خالف الخرقي فيها، وهذه المسائل كثيرة، أوردها صاحب الطبقات في ترجمة أبي بكر من الجزء الثاني، في أوائل الجزء الثاني من الطبقات.

 وينبني عليهما فوائد منها: إذا كان أحد الزوجين رقيقًا فإن قلنا: النفقة للزوجة وجبت لها على الزوج؛ لأن نفقة زوجة العبد في كسبه أو تتعلق برقبته، حكاه ابن المنذر إجماعًا، وفي الهداية: نفقة زوجته على سيده، فتجب هاهنا على السيد، وإن قلنا: للحمل، لم تجب عليه؛ لأنه إن كان هو الرقيق فلا يجب عليه نفقة أقاربة، وإن كانت هي الرقيقة فالولد مملوك لسيد الأمة، فنفقته على مالكه.

 يعني هذه الفائدة لا يظهر أثرها الآن باعتبار أنه لا رق.

 ومنها إذا كان الزوج معسرًا، فإن قلنا: النفقة للزوجة، وجبت عليه، وإن قلنا للحمل: لم تجب؛ لأن نفقة الأقارب مشروطة باليسار دون نفقة الزوجة، هذه فائدة ظاهرة، وإذا قلنا: يعني في الفائدة الثانية يقول: ومن الفوائد الفائدة الثانية: إذا كان الزوج معسرًا تلزمه نفقة زوجته، ولو كان معسرًا، فلا بد أن ينفق عليها أو يفسخ، وأما نفقة الأقارب فلا تجب إلا مع اليسار. ومنها لو مات الزوج فهل يلزم أقاربه النفقة؟

 إن قلنا: هي للحمل لزمت الورثة، وإن قلنا: هي للزوجة لم يلزمهم بحال؛ لأنها مطلقة، وإن قلنا: هي للحمل لزمت للورثة؛ لأنه وارث مثلهم، وإن قلنا: هي للزوجة، لم تلزم بحال؛ لأنها مطلقة مبتوتة.

 ومنها لو غاب الزوج، فهل تثبت النفقة في ذمته؟ في طريقان.. إلى آخر ما قال من الفوائد المترتبة على ذلك إلى أن قال: ومنها إذا اختلعت الحامل بنفقتها، فهل يصح جعل النفقة عوضًا للخلع؟ قال الشيرازي: إن قلنا: النفقة لها صح، وإن قلنا: للحمل لم يصح؛ لأنها لا تملكها، لو نشزت الزوجة حاملاً فإن قلنا: نفقة الحامل لها سقطت بالنشوز، وإن قلنا: للحامل لم تسقط به، فيه كلام كثير أورده صاحب القواعد الحافظ ابن رجب- رحمه الله-.

 وفي الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- قوله: والنفقة للحمل لا لها، من أجله، هذه مسألة فيها خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقول: إن النفقة للحامل من أجل الحمل، ومنهم من يقول: إن النفقة للحمل لا للحامل، من أجله، وهل الخلاف معنوي أو لفظي؟ الخلاف معنوي، يعني يترتب عليه فوائد، يترتب عليه مسائل فقهية، وهل الخلاف معنوي أو لفظي؟ الخلاف معنوي، ولننظر أي القولين أسعد بالدليل.

 الذين قالوا: إن النفقة للحامل من أجل الحمل قالوا: إن الله يقول: {وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [سورة الطلاق:6]، ولم يقل: فأنفقوا على الحمل، وعلى هذا فتكون النفقة للحامل من أجل الحمل، يعني خلاف ما قال به صاحب المتن، صاحب الزاد، والنفقة للحمل نفسه لا لها، من أجله، والذين قالوا: إنها للحمل، قالوا: إن ما كان علة للحكم يكون هو محل الحكم، وعلة الحكم ليست كونها مطلقة أو مفسوخة، بل علة الحكم أن فيها حملاً، فيكون الحكم تابعًا لعلته، ولهذا قال: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق:6]، مع أنهن بعد الولادة مباشرة قد يكن محبوسات على الحمل؛ للتعب والوجع والإرضاع، ومع ذلك فإذا وضعت الحمل فلا نفقة، فدل هذا على أن النفقة للحمل، لا لها، من أجله، ومما يدل على ذلك أيضًا أنها إذا لم تكن حاملاً فليس لها شيء، فالحمل الذي هو سبب الوجوب تكون النفقة لها، وهذا القول أرجح، لكنه لما كان لا طريق لنا إلى إيصال النفقة إلى الحمل إلا عن طريق تغذيته بالأم، صار الواجب الإنفاق على هذه الأم من أجل الحمل، صار الواجب الإنفاق على هذه الأم من أجل الحمل، والكلام في المتن يقول: والنفقة للحمل لا لها، من أجله، والشيخ يقول: صار الواجب الإنفاق على هذه الأم من أجل الحمل، والقاعدة في ذلك أن كل إنسان ينسب إليه حمل امرأة يجب عليه الإنفاق عليها، سواء كانت زوجة أم غير زوجة.

 وبناء على ذلك لو وطأ امرأة بشبهة، وحملت منه وجب عليه الإنفاق، ولو أنه أعتق أمته بعد أن حملت منه وجب عليه الإنفاق، مع أنه إذا أعتقها زال سبب وجوب النفقة؛ لأنها ليست زوجة ولا مملوكة، لكن من أجل الحمل الذي في بطنها، ويترتب على هذا الخلاف أمور إلى آخره، مثل ما ذكر ابن رجب- رحمه الله-.

قوله.. هذا كلام السلسبيل للشيخ صالح البليهي، قوله: والنفقة للحمل لا لها، من أجله، هذا المذهب، وعنه: أن النفقة لها من أجله، وللخلاف فوائد ذكرها ابن رجب في القواعد وتبعه في الإنصاف ست عشرة فائدة، منها: أنها تجب النفقة لزوجة الناشز على المذهب، وعلى الرواية الثانية لا تجب، ومنها أنها تجب على المذهب لحامل أو وطء شبهة أو نكاح فاسد، وعلى الرواية الثانية لا تجب، ومنها إذا لم ينفق الزوج لغيبته أو عسرته فعلى المذهب تسقط؛ لمضي الزمان؛ لأنها نفقة قريب، وعلى الثاني لا تسقط، بل تثبت بالذمة، وقال الشيخ- يعني شيخ الإسلام-: تجب النفقة للبائن الحامل من أجل الحمل، وللحمل قال: هو مذهب مالك، ثم أورد كلام صاحب الإنصاف، وهو مأخوذ في الجملة من القواعد لابن رجب، في كلام طويل أكثره مكرر مع ما مضى، فيرجع إليه في كتاب القواعد لابن رجب- رحمه الله تعالى-، وهو أكثر من بل أطول من تكلم في المسألة، وذكر فوائدها.

قرأناه؟ قرئ كله؟

طالب: ............

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت قيس- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثًا، وأخاف أن يُقتَحَم عَلَيّ، قال: فأمرها فتحولت، رواه مسلم..".

 فاطمة بنت قيس طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، فبانت منه، قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن زوجها طلقها ثلاثًا، وتخشى أن يُقتَحَم عليها بيتها، فهل تخرج من بيتها، أم تلزم بيتها مع وجود هذا الخوف؟ لا، قال: فأمرها فتحولت، وأمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم، قال: فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابكِ، تضعين ثيابك؛ لأنه رجل أعمى، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده، يعني لا تتحجبين عنه؛ لأن الأعمى لا يرى، ما هو معناه تضعين ثيابكِ يعني تتعرين تمامًا، لا، هذا ما يقول به أحد، إنما تضع ثيابها التي تتحجب به، وهو أعمى، لا يراه، وفيه دليل على أن الأعمى لا حجاب، لكن لا يجوز للمرأة أن تحد النظر فيه، في هذا الرجل الأجنبي، وإن كان أعمى، ففي قوله- جل وعلا- {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [سورة النــور:31] هن مأمورات بغض البصر، كما أن الرجال مأمورون بغض البصر عن النساء فالمرأة لا تتحجب عن الأعمى مثل ما تتحجب عن المبصر، لكن مع ذلك لا يجوز لها أن تحد النظر فيه، وهي مأمورة بغض البصر، وحديث «أفعمياوان أنتما؟!» دخل ابن أم مكتوم فلم تحتجبا منه قالتا: إنه رجل أعمى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث، والحديث ليس بصحيح، ضعيف: «أفعمياوان أنتما؟!».

 لا شك أن غض البصر من المرأة مطلوب، كما أنه مطلوب بالنسبة للرجل في الآية {قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [سورة النــور:31].

 فأمرها فتحولت، يعني هل المطلقة تلزم البيت الذي طُلِّقَت فيه حتى تنتهي العدة؟ بالنسبة للمرأة المطلقة طلاقًا رجعيًّا لا يجوز لها أن تخرج، ولا أن تُخرَج، لماذا؟ لأنها زوجة، لا تخرجوهن، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، والفاحشة منهم من يقول: المراد بها الزنى، ومنهم من يقول: فحش القول إذا آذت بلسانها تَخرج وتُخرَج، ما يمكن أن يُصبَر عليها وهي تؤذي أحماءها بلسانها، "رواه مسلم.

 وعن الفريعة بنت مالك بن سنان، وعن الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري، أخت أبي سعيد الخدري" لأنه أبو سعيد اسمه سعد بن مالك، أبو سعيد اسمه سعد بن مالك بن سنان، وهذه هي الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد.

 "أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسأله أن ترجع إلى أهلها، أن ترجع إلى أهلها في بني خدْرة" ويقولون: خدْرة وخدارة بطنان من الأنصار.

 "تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبَقوا، حتى إذا كان بطرف القُدُوم لحقهم فقتلوه"، فجاءها خبره وهي في بيته، في بيته، في بيت زوجها، فأرادت أن تتحول إلى أهلها في بني خدرة، وهذا مطلق لكثير من النساء المتوفى عنهن أزواجهن إذا مات زوجها وهي في البيت وحدها، والبيت ليس فيه إلا هي، وقد يكون معها أطفال، وتريد أن تنتقل من هذا البيت إلى بيت أهلها؛ لأنه آنس لها ولأهلها ولأولادها.

 المقصود أنها يلزمها أنه يلزمها لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، تستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "وتسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة" إذا كان عليها مشقة شديدة في لزوم البيت مشقة شديدة في لزوم البيت، وليس فيه من يؤنسها، ولا تستطيع البقاء فيه فإنها حينئذ تنتقل؛ لأن هذه حاجة شديدة، والضرورة من باب أولى، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أرجع.

 "فسألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أرجع إلى أهله، فإن زوجي لم يترك لي مسكنًا يملكه ولا نفقة، لم يترك لي مسكنًا يملكه ولا نفقة" ما المفهوم أن البيت الذي تسكنه مع زوجها لا يملكه الزوج؟ فإما أن يكون بأجرة، أو يكون بهبة، منفعة، يعني قال له أحد: اسكن هذا البيت أنت وأهلك حتى يتيسر أمرك، فلما مات طلب رده، أو أجرة، وقد تمت مدتها، ولم يترك لي مسكنًا يملكه، ولا نفقة، ما ترك شيئًا.

 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم»" اذهبي إلى أهلك، واعتدي عندهم، "قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة، حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد" يعني حجرة بعض أزواجه -عليه الصلاة والسلام- أو في المسجد، "ناداني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمر بي فنوديت" يعني قال: يا فلان نادِ المرأة، أو أمر بي فنوديتُ، "فقال: «كيف قلتِ؟» قلت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي"، يعني ما ذكرت أنها مضطرة للخروج من هذا البيت، أو محتاجة حاجة شديدة، أو أنها تخاف على نفسها، ما ذكرت ذلك، إنما ذكرت أن البيت لا يملكه، لا يملكه زوجها، قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي أنه لم يترك بيتًا يملكه، ولا نفقة.

 "فقال «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»" هذا فيه تشديد وتأكيد على أن المتوفى عنها زوجها لا تخرج من بيتها وقت العدة والإحداد أربعة أشهر وعشرًا لا تخرج. "قال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، أربعة أشهر وعشرًا" هذه عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت غير حامل، فإن كانت حاملاً فإنها تعتد بوضع الحمل سواء كان أكثر من أربعة أشهر وعشرًا أو أقل.

 «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» يعني من وفاة زوجك إلى أن تتم العدة أربعة أشهر وعشرًا، والعدة تبدأ من العلم بوفاة الزوج، العدة تبدأ من وفاة الزوج، تبدأ من وفاة الزوج، لو افترضنا أن الزوج سافر وتوفي فلم يبلغ الخبر إلا بعد شهر أو شهرين فإنها من العدة، العدة تبدأ من وفاة الزوج ولو لم تعلم بوفاته حتى انتهت العدة، انتهت العدة خلاص، ما تعاد.

 "قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا قالت: فلما كان عثمان" وكان هذه تامة، يعني وجد، وجد وقته وزمانه وخلافته "-رضي الله عنه- أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته، أخبرته فاتبعه" يعني اتبع هذا الحكم أنها لا تخرج من البيت الذي بلغها فيه وفاة زوجها، "وقضى به"، حكم به، حكم به، نسمع في فتاوى المعاصرين ممن يتصدى للفتوى في وسائل الإعلام من يخفف ويهوِّن من هذا الأمر، ويبرِّر لها الخروج بأدنى سبب، ويبرِّر لها الخروج بأدنى سبب، ويبيح لها الخروج إلى حضور الأفراح والأعراس والأعياد، حتى إن منهم مَن أذِنَ لها أن تخرج مع أولادها وأقاربها فتخيِّم على البحر بحجة أن هذا علاج مثل ما تراجع المستشفى، تروح تخيِّم؛ لأن نفسها تأثرت، لأن نفسها تأثرت، وأصيبت بشيء من الحزن والكآبة، وهي بهذا تنفِّس وتروِّح عن نفسها، فصار نوعًا من العلاج، فكما تذهب إلى المستشفى تذهب وتخيم على البحر مع الناس، وتنبسط معهم؛ لعلاج نفسها التي حزنت وتكدرت، هذا الكلام ليس بصحيح، وهذا الكلام لما النبي -عليه الصلاة والسلام- أذن لها وانصرفت "ثم ناداها أو أمر بها فنوديت ثم قال لها: «كيف قلتِ؟» قال: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»".

 فلا تخرج المعتدة من وفاة المحدة إلا لضرورة أو حاجة شديدة، بعضهم يقول: لا تخرج إلا إذا خشيت من سقوط البيت عليها، هذا إفراط، هذا إفراط، والذي سقناه تفريط، طيب يبقى الحاجات، ليس لها من يقضي حاجتها من السوق مثلاً، أو مرضت أمها، أو مرض أبوها، لها أن تخرج في النهار، وتعود بالليل؛ لتبيت في بيتها الذي تعتد به.

 هل من الحاجة أن تخرج للتعلم والتعليم؟ تذهب إلى المدرسة تدرُس أو تدرِّس وهي محدة؟ أفتى به بعض أهل العلم، وأن هذا حاجة، لكن الذي يظهر أن مثل هذا لا يصل إلى درجة الحاجة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رخص للمرأة ثم ناداها، نظير ما رخص لابن أم مكتوم ثم ناداه، ناداها فقال: «امكثي في بيتك»، ونادى ابن أم مكتوم بعد أن رخص له قال: «لا أجد لك رخصة»، هو لا شك أن هذا فيه نوع تشديد في هذه المسألة، ويبقى أن الحاجة التي لا يمكن أن تقضى بدونها ليس لها من يقضي حاجتها من السوق أو مراجعة المستشفيات في مواعيد مرتبة مثل هذا يتسامح فيه مع أخذ الحيطة والحذر الشديد، والبعد كل البعد عن مواطن الزينة ومواطن الفتن، والقرب من الرجال.

 "فلما كان عثمان" وُجِد عثمان، الخليفة الراشد، وُجِدَت خلافته وولايته، "-رضي الله عنه- أرسل إليَّ فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه، وقضى به"، وأنها لا بد أن تلزم بيتها ولا تخرج إلا لضرورة أو لحاجة قريبة من الضرورة، أما التوسع الذي يقول به بعض المعاصرين، التوسع غير المرضي فهذا مردود.

 يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه، وصححه، وصححه" يعني الترمذي، "وكذلك صححه الذهلي والحاكم وابن القطان وغيرهم" كابن حبان وابن الجارود والذهبي وابن القيم، جمع من أهل العلم صححوه، الترمذي والذهلي والحاكم وابن القطان وابن حبان وابن الجارود والذهبي وابن القي.

 "وتكلَّم فيه ابن حزم بلا حجة، وتكلم فيه ابن حزم بلا حجة" فقال: فيه زينب بنت كعب بن عجرة مجهولة لا تُعرَف، لم يعرفها ابن حزم، وهل يضيرها ألا يعرفها ابن حزم؟ الذي قال: ومَن محمد بن سَوْرَة؟! جهل الترمذي على جلالة قدره، ابن حزم جهل الترمذي قال: ومَن محمد بن سَوْرَة؟!

 فلا يضيرها حينئذ ألا يعرفها ابن حزم، وقد عرفها غيره، قال: فيه زينب بنت كعب بن عجرة مجهولة لا تُعرَف، ولم يرو عنها سوى سعد بن إسحاق، وتعقبه ابن القطان فقال: هما ثقتان، يعني زينب بنت كعب بن عجرة والراوي عنها سعد بن إسحاق، ولم يتفرد سعد بالرواية عنها، ولذا احتج، أو لذا صحح الحديث جمع من الحفاظ، وذكرنا منهم ثمانية، ابن حزم لما قال: إنه لم يروِ عنها سوى سعد بن سنان، وحينئذ تكون في حيز جهالة العين، جهالة العين، مجهول العين هو الراوي الذي لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد هذا يسمونه مجهول العين، فإن روى عنه اثنان فأكثر ولم يوثق فهو مجهول الحال، فهو مجهول الحال، وهذا زعم ابن حزم أنه لم يروِ عنها إلا سعد بن إسحاق، وأثبت العلماء أنه روى عنها غيره، فليست بمجهولة العين كما زعم ابن حزم، ووثقها بعضهم على أنها زوجة الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري، فأقل الأحوال أن تكون تابعية، وقيل بأنها صحابية، وقيل: إنها صحابية.

 وعلى كل حال القول بتوثيقها هو المتجه، فلا صحة لما ادعاه وقال به ابن حزم، فالحديث صحيح، ولذا صححه من ذكرنا من أهل العلم.

طالب: ..........

لا، يعني إذا كانت زائرة عند جيران، زائرة عند جيران فبلغها خبر وفاة زوجها، لا..

طالب: ..........

بيت أبنائها ممكن، بيت أبنائها بيت لها، لكن لو كانت في السوق وبلغها خبر زوجها تبقى في السوق أو في بيت الجيران أو في المسجد ذاهبة تصلي أو شيء؟ لا.

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

هي نقلت ما يخصها في قصتها، تريد أن تؤكِّد أن العمل على حديثها، وقضى به خليفة راشد، وأما ما كان من قبل ذلك مما يستدل به في غير قصتها فما يعنيها هذا الأمر.

 "وعن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير" المكي محمد بن مسلم بن تدرس، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول، أبو الزبير معروف بالتدليس، ويروي عن جابر في صحيح مسلم، وأحيانًا يصرح بالسماع كما هنا، وأحيانًا يروي عنه بالعنعنة، وتدليسه يحتاج إلى أن يصرح، فإذا لم يصرح لم تقبل، لم تقبل روايته عن جابر إلا ما جاء في الصحيح في صحيح مسلم، فإن المعنعنات في الصحيحين محمولة على السماع، ومتلقاة بالقبول.

 "قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طلقت خالتي" طلقت في حديث فاطمة بنت قيس نعرف أن المسألة طلاق طلاق لحديث فاطمة بنت قيس مسألة طلاق وليس بإحداد من موت، ومسألة الطلاق لا شك أنها أخف من المسألة في لزوم البيت في عدة الوفاة قالت: زوجي طلقني ثلاثًا، وأخاف أن يقتحم عليَّ، قالت: فأمر فتحولت وقال: «اعتدي عند ابن أم مكتوم»، هذا في الطلاق، وأما في الوفاة فالحديث الذي تقدم فيه نوع تشديد أشد من عدة الطلاق، بل إن من أهل العلم من لا يرى لزوم البيت في عدة الطلاق، وأن لها أن تخرج وتذهب وتجيء، ولا إشكال في ذلك، بينما مدة الإحداد والاعتداد من عدة الوفاة الأمر فيها أشد كما في هذا الحديث، وهذا جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- يقول: "طلقت خالتي، فأرادت أن تجد نخلها، تجد نخلها" تصرم تقطع بالدال وبالذال، تجد وتجذ.

 "فزجرها رجل أن تخرج" قال: لا، لا، ممنوع، أنت مطلقة تمكثين في البيت.

 "فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «بلى فجدي نخلك، فجدِّي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفًا»"؛ لأن جذاذ النخل يترتب عليه صدقة منه وصلة للأقارب والمساكين والمحتاجين والمعاوز والمعاويز فأمرها أن تجذ نخلها؛ لأنه قد يحصل من وراء ذلك مصلحة، وأيضًا قد يترتب على عدم الجذاذ مفسدة لذا قال لها: افعلي، «فجذي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفًا»، والحديث في صحيح مسلم، وهذا في حق المطلقة وليس في حق المتوفى عنها زوجها، منهم من لا يفرق يقول: إذا كان الطلاق بائن فالبينونة مثل الموت، البينونة مثل الموت، ومنهم من يقول: لا، الطلاق أسهل وأخف من الإحداد على الزوج بعد وفاته فإنها حينئذ تلزم البيت، ولا تخرج منه إلا لضرورة أو حاجة ماسة تقرب من الضرورة.

 "وعن أم عطية -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث»"، على أب على أخ على عم، «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث»، هل الأمر مقصور على موت الرجال أو يتناول موت النساء؟ تحد امرأة على موت امرأة، «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث» إذا ماتت أمها فهل لها أن تحد عليها ثلاثًا، أو نقول: لا، الأب، الأخ، العم، والنساء لا إحداد عليهن، أو نقول: الميت يشمل الذكر والأنثى؟

 طالب: .............

سيجيء الزوج، لكن هذا يبيح الإحداد على الأب، وعلى الأخ، وعلى الابن، وعلى العم، ثلاث ليال، فأقل الزوج حكمه آخر، لكن الكلام فيمن عدا الزوج لا يجوز الإحداد عليه أكثر من ثلاث، مع أنه جاء في حديث مضعَّف الإحداد على الميت على الأب سبعًا، ومن عداه ثلاثًا، لكن الحديث ضعيف عند أهل العلم، فلا يجوز الإحداد على غير الزوج فوق ثلاث ليالٍ.

 «إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» نسمع بالإحداد، إحداد الدول، وتنكيس الأعلام على موت زعيم أكثر من ذلك، منهم ثلاثًا، ومنهم شهرًا، ومنهم أكثر، ومنهم أقل، وكل هذا لا أصل له، أمر مبتدع مخترَع لا يجوز في الشرع إلا ما جاء به الدليل، فالإحداد ثلاث ليال على غير الزوج من أب أو أخ أو ابن أو عم أو ما أشبه ذلك، كل هذا ثلاث فأقل، لما لحق النفس من حزن وحظوظ النفس مراعاة في الشرع، لكن كل شيء بقدره، كل شيء بقدره، فالأب يحد عليه، لكن ثلاث ليال الابن يحد عليه، لكن ثلاث ليال لا تزيد، وهكذا، «إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا»، كما نطق بذلك القرآن، وكان الإحداد قبل ذلك في الجاهلية مدته متاعًا إلى الحول غير إخراج سنة كاملة، أما في الإسلام فلا إحداد على الزوج إلا أربعة أشهر وعشرًا، وهذه المدة حكمتها ظاهرة، وهي أن أربعة الأشهر كفيلة بتبين الحمل، بل نفخ الروح فيه إن وجد، والعشر باعتبار أن الأربعة أشهر قد لا تكون مائة وعشرين يومًا، الأربعة الأشهر قد تكون ناقصة، فتكون بدل مائة وعشرين تصير مائة وستة عشر أو سبعة عشر، ثم أضيفت العشر للتحقق والتأكد من بلوغ المدة التي تنفخ فيها الروح، هذه هي المدة التي تمكثها المُحِدَّة.

 «ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا» الثوب المصبوغ الملوَّن كما هو موجود الآن في كثير من الألبسة، وكانت تصبغ الثياب في السابق، لا تلبسه؛ لأن التلوين نوع زينة، وهي ممنوعة من هذه الزينة، ممنوعة من الزينة، فلا تلبس الملوَّن؛ لأنه فيه زينة المرأة، في حياتها ممنوعة من إبداء الزينة، ولا يبدين زينتهن إلا ما استثني من المحارم الزوج والمحارم، ومع الأسف أننا نجد في أسواق المسلمين من تخالط الرجال بأنواع الزينة الفاتنة التي تفتن الرجال، ومع الأسف أننا نراها حتى في مواطن العبادة وما وجود هذه الألبسة من العبايات وغيرها المزخرفة إلا مخالفة لقوله -جل وعلا-: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [سورة النــور:31]، ومع الأسف أن هذا صار ظاهرة مقلقة محزنة للمخالفة الصريحة للنص الصريح، نسأل الله العافية.

 «ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصْب إلا ثوب عصب»، والعصب هو الشد، ومنه العصابة التي يشد بها الرأس، ويشد بها الجرح، ثوب عصب يعصب ويشد، وهو نوع من البرود اليمانية، نوع من البرود اليمانية يشد وينسج ويدخل بعضه في بعض، فيأتي معصوبًا أي مشدودًا، وليس فيه شيء من الزينة.

 «ولا تكتحل، ولا تكتحل» لأن الكحل زينة، وإذا منعت من الكحل فمنعها من الأصباغ والأرواج وما يُتَّخَذ الآن مما فيه نوع تغيير لخلق الله من الأصباغ وأخذ شيء من الشعر الذي لا يجوز أخذه من النمص أو التحديد أو التمييش أو غير ذلك، كل هذا داخل في المنع، فإذا منع المباح فلأن يمنع المحرم من باب أولى، يعني إذا منع في هذا الظرف فلأن يمنع، إذا منع في هذا الظرف وهو الأشد فلأن يمنع في وقت السعة يعني من باب أولى، الآن عندنا صبغ الحواجب الذي يسمونه إيش؟ تشقيرًا، بحيث تُصبَغ الحواجب بلون البشرة بحيث إذا رئيت المرأة قيل: نامصة، هذا لا شك في تحريمه، وإذا كان حرامًا على غير المحدة فالمحدة من باب أولى، وغير ذلك من الأنواع التي تتجمل بها النساء.

 «ولا تكتحل»؛ لأن الكحل فيه زينة، وقد يستعمل للعلاج، وقد يستعمل الكحل للعلاج، فإذا احتيج إليه واضطر إليه فليفعل بالليل ويغسل بالنهار، هذا إذا كان علاجًا، أما إذا كان للزينة فلا لا في الليل ولا في النهار.

 «ولا تمس طيبًا»؛ لأن الطيب لا شك أن فيه نوع جذب للرجال، وما كان كذلك فهو كالزينة أو أبلغ من الزينة، «ولا تمس طيبًا إلا إذا طهرت» يعني من حيضتها التي تتخلل هذه المدة «نبذة من قسط»، قطعة يسيرة من قسط، نوع من الطيب تجعله النفساء والحائض إذا طهرت في مكان الدم؛ ليقضي على الرائحة، «أو أظفار» وهو أيضًا طيب من يأتي من قرية يقال لها: أظفار أو ظفار في الساحل الشرقي يمكن أن تكون في عُمَان، ظفار أين؟

طالب: .............

في عُمَان نعم.

 "متفق عليه، واللفظ لمسلم، متفق عليه واللفظ لمسلم. ولأبي داود والنسائي: «ولا تختضب»، وللنسائي: «ولا تمتشط»" الخضاب لا شك أنه تزيُّن، وإن كان ليس من الدقة الخضاب الذي كان يستعمل في السابق في الحناء والأصباغ الأخرى ليس فيه من الجمال والدقة مثل ما يستعمل الآن، فالذي يستعمل الآن أشد، فإذا منع الخضاب وليس فيه مما يجذب مثل ما.. فيكون الخضاب المستعمل الآن أولى بالمنع، ولا تمتشط بل تترك شعرها يعني على حاله وعلى طبيعته، ولا تبالغ في تزيينه، ومع ذلك لها أن تغتسل إذا أحست بالحاجة إلى الغسل ولو لم يكن غسلاً واجبًا، وإنما غسل تنظيف أو تبرُّد، ولها أن تستعمل ما يخفف الروائح مثل الصابون والشامبوهات لها ذلك؛ لأن المسألة وسط لا إفراط ولا تفريط، لا عمل الجاهلية التي تُحبَس في حفش، في مكان صغير تتوالى عليها الحيضات والعرق والروائح، ولا تغتسل، ولا تمس شيئًا حتى إذا خرجت من عدتها بعد سنة افتضت بطائرٍ أو رأس حيوان حتى جاء في الخبر أنها قلما تفتض به إلا ويموت من سوء الرائحة ونتن الرائحة، وديننا ولله الحمد دين نظافة، دين الوضوء خمس مرات في اليوم، ودين الاغتسال، وفيه الأغسال الواجبة والمستحبة، وبعض العامة يبالغ في الأحكام الجائرة على المحدة، فلا يجيز لها أن تخرج إلى الفناء فترى السماء، ولا يجوز لها أن تصعد السطح فيراها القمر، وغير ذلك من الأحكام التي لا دليل عليها، بل هي من اجتهادات العامة التي لا أثارة عليها من علم.

 "متفق عليه، متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولأبي داود والنسائي: «ولا تختضب»" يعني تخضب يديها ورجليها بالحناء، "وللنسائي: «ولا تمتشط»" ولا مانع منه إذا آذاها شعرها وتشعث تشعثًا يؤذي أو أوجد لها نوع حكة أو شيئًا من الألم، لا مانع أن تسعى لإزالة هذا المؤذي بأي وسيلة ممكنة، والله أعلم.

كم بقي الآن؟

طالب: ..........

ربع؟

طالب: .............

ننظر كلام..

كلام شيخ الإسلام في الفتاوى في مسألة النفقة.

يقول -رحمه الله تعالى-: وأما الأم المرضعة فهي نظير سائر الأمهات المرضعات بعد الطلاق، وليس لهن عادة مقدَّرة إلا اعتبار حال الرضاع بما ذكر، وهي إذا كانت حاملاً منه وهي مطلقة استحقت نفقتها وكسوتها بالمعروف، وهي في الحقيقة نفقة على الحمل، وهذا أظهر قولي العلماء كما قال تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق:6]، وللعلماء هنا ثلاثة أقوال: أحدها أن النفقة.. وللعلماء ثلاثة أقوال: أحدها أن النفقة نفقة زوجة المعتدَّة، ولا فرق بين أن تكون حاملاً أو حائلاً، وهذا قول من يوجب النفقة للبائن كما يوجبها للرجعية، كقول طائفة من السلف والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره، ويروى عن عمر وابن مسعود، ولكن على هذا القول ليس لكونها حاملاً تأثير، فإنهم ينفقون عليها حتى تنقضي عدتها سواء كانت حاملاً أو حائلاً، وعرفنا قول عمر -رضي الله عنه- فيما سبق أننا لا نترك كتاب الله لقول امرأة صدقت أو كذبت، نسيت أو حفظت، ولكن الحديث، حديث فاطمة بنت قيس حديث في الصحيحين، وهو مخصِّص لكتاب الله، وتخصيص الكتاب بالسنة أمر عند أهل العلم معروف.

 القول الثاني أنه ينفق عليها نفقة زوجة لأجل الحمل، كأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، وهذا قول متناقِض، فإنه إن كانت نفقة زوجة فقد وجبت لكونها زوجة لا لأجل الولد، وإن كانت لأجل الولد فنفقة الولد تجب مع غير الزوجة، يعني كالأمة، كما يجب عليه أن ينفق على سريته الحامل إذا أعتقها، وهؤلاء يقولون: هل وجبت النفقة للحمل أو لها من أجل الحمل، على قولين، فإن أرادوا أنها لها من أجل الحمل أي لهذه الحامل من أجل حملها فلا فرق، وإن أرادوا وهو مرادهم أنه يجب لها زوجة من أجل الحمل فهذا تناقض، فإن نفقة الزوجة تجب وإن لم يكن حمل، ونفقة الحمل تجب وإن لم تكن زوجة.

 والقول الثالث، وهو الصحيح أن النفقة تجب للحمل ولها من أجل الحمل، عرفنا فيما تقدم أن أصل المسألة أنها تجب للحمل نفسه لا لها من أجله هذا في الدرس الماضي، وفي كلام ابن رجب الذي قرأناه آنفًا توضيح لهذا.

 والقول الثالث وهو الصحيح أن النفقة تجب للحمل ولها من أجل الحمل؛ لكونها حاملاً بولده، فهي نفقة عليه؛ لكونه أباه، لا عليها لكونها زوجة، وهذا قول مالك وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، والقرآن يدل على هذا، فإنه قال: {وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق:6]، ثم قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [سورة الطلاق:6]، وقال هنا: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة البقرة:233]، فجعل أجر الإرضاع على من وجبت عليه نفقة الحامل، ومعلوم أن أجر الإرضاع يجب على الأب؛ لكونه أبًا، فكذلك نفقة الحامل، ولأن نفقة الحامل ورزقها وكسوتها بالمعروف، وقد جعل أجر المرضعة كذلك، ولأنه قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [سورة البقرة:233]، أي وارث الطفل، فأوجب عليه ما يجب على الأب، نعم تجب النفقة على الوارث، يعني إذا كان أحدهما وارثًا من الآخر، واحتاج الموروث فإنه تجب عليه نفقته، {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [سورة البقرة:233] أي وارث الطفل.. ولأنه قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي وارث الطفل، فأوجب عليه ما يجب على الأب، وهذا كله يبين أن نفقة الحمل والرضاع من باب نفقة الأب على ابنه لا من باب نفقة الزوج على زوجته.

 وعلى هذا فلو لم تكن، فلو لم تكن زوجة، وعلى هذا فلو لم تكن زوجة، بل كانت حاملاً بوطء شبهة يلحقه نسبه أو كانت حاملاً منه وقد أعقتها وجب عليه نفقة الحمل، كما يجب عليه نفقة الإرضاع ولو كان الحمل لغيره، لو كان الحمل لغيره كمن وطء أمة غيرها بنكاح أو شبهة أو إرث فالولد هنا لسيد الأمة، من تزوج أمة لعدم قدرته على طول الحرة، وهو حر، حر تزوج أمة؛ لأنه لم يجد طول الحرة فالأولاد لمَن؟ للزوج أم للسيد؟

للسيد، الأولاد يتبعون أمهم حرية ورقًّا، فالنفقة حينئذ على الزوج أم على السيد؟ إذا قلنا: للمرأة فهي زوجته تجب عليه للأمة، وإذا قلنا: للحمل فهي واجبة على السيد، لا على الزوج، كمن وطأ أمة غيره بنكاح أو شبهة أو إرث فالولد هنا لسيد الأمة، فليس على الواطئ شيء، وإن كان زوجًا.

 ولو تزوج عبدٌ حرة فحملت منه فالنسب هنا لاحق، لكن الولد حر، الولد حر، يعني الأب عبد، والأم حرة، تقدم أنه إذا كان الأب حرًّا، الزوج حرًّا، والزوجة أمة، وتزوجها هذا الحر؛ لأنه لا يجد غير ملك اليمين، زواج غير ملك اليمين، ملك اليمين الأولاد له، والزوجة له ملكه.

 المقصود أنه إذا تزوج الحر أمة؛ لعدم قدرته على طول الحرة فالأولاد تبع لأمهم، الأولاد تبع لأمهم، وهنا ولو تزوج عبدٌ حرةً فحملت منه فالنسب هنا لا حق، لا حق للأب، لكن الولد حر، الولد حر، والولد الحر لا تجب نفقته على أبيه العبد، ولا أجرة رضاعه، فالعبد ليس له مال ينفق منه على ولده، وسيده لا حق له في ولده، فإن ولده إما حر وإما مملوك لسيد الأمة، نعم لو كانت الحامل أمة، والولد حرًّا مثل المغرور الذي اشترى أمة، فظهر أنها مستحقة لغير البائع، أو تزوج حرة فظهر أنها أمة، فهنا الولد؛ لأنه كنكاح الشبهة يلحق بأبيه، وإن كانت أمة مملوكة لغير الواطئ؛ لأنه إنما وطأ من يعتقد مملوكة أو زوجة حرة، وبهذا قضت الصحابة لسيد الأمة بشراء الولد، وهو نظيره، فهنا الآن ينفق على الحامل كما ينفَق على المرضعة له، والله سبحانه وتعالى أعلم.

كم بقي؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: .............

خلاص..

المسألة مسألة دقيقة وعويصة، وقلنا: إنها في الدرس الماضي يعني في فهمها إشكال كون النفقة للحمل نفسه لا لها من أجله، لا لها من أجله، يعني كيف يتصور مثل هذا الكلام إلا من خلال الفوائد والأحكام المترتبة عليه كما ذكر ذلك ابن رجب وأطال فيه؟

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"