كتاب الديات من المحرر في الحديث - 05

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا.

قال الإمام ابن عبد الهادي –يرحمه الله تعالى- في كتابه "المحرر": " بَابٌ فِي الْبُغَاة والخوارج وَحكم الْمُرْتَد: عن عرفجة –رضي الله عنه- قال، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من أَتَاكُم وأمْرُكم جميعٌ عَلَى رجلٍ وَاحِد يُرِيد أَن يشق عصاكم أَو يفرق جماعتكم فَاقْتُلُوهُ» رواه مسلم.

وعن عليٍّ –رضي الله عنه- قال، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: «سيخرج فِي آخر الزَّمَان قومٌ أَحْدَاث الْأَسْنَان سُفَهَاء الأحلام، يَقُولُونَ من قَول خير الْبَريَّة، يقرؤون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية، فَإِذا لقيتموهم فاقتلوهم فَإِن فِي قَتلهمْ أجرًا لمن قَتلهمْ عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة» متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم. وقال البخاري: «فأينما لقيتموهم فاقتلوهم» وقال: «لَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ» وَلم يقل: «يقرؤون الْقُرْآن».

وعن عكرمة قال: أُتي عليٌّ بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباسٍ فقال: لو كنت أنا لم أُحرِّقهم؛ لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا تعذبوا بِعَذَاب الله» ولقتلتهم؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن بدل دينه فَاقْتُلُوهُ» رواه البخاري، وزاد البيهقي، فبلغ ذلك عليًّا، فقال: ويح ابن أم الفضل إنه لغواصٌ على الهنات.

وعن أبي موسى في حديثٍ له، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «اذهب إلى اليمن» ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلمَّا قدم عليه ألقى له وسادةً، وقال: انزل، فإذا رجلٌ عنده مُوثَق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم، ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات، فأُمِر به فقُتِل. متفقٌ عليه، ورواه أبو داود عن أبي موسى، قال: قدم علي معاذٌ قال: لا أنزل عن دابتي حتى يُقتل فقُتِل، وكان قد استُتيب قبل ذلك.

وعن عكرمة قال: حدثنا ابن عباس: أن أعمىً كانت له أم ولدٍ تشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلةٍ جعلت تقع في النبي -صلى الله عليه وسلم- وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفلٌ فلطخت ما هنالك بالدم، فلمَّا أصبح ذُكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فجمع الناس فقال: «أُنشِد الله رجلاً فعل مَا فعل لي عَلَيْهِ حقٌّ إِلَّا قَامَ» فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلمَّا كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألا اشهدوا أن دمها هدر» رواه أبو داود وهذا لفظه، والنسائي، واستدل به الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله، (والمغول) بالمعجمة: قال الخطابي: هو شبيهٌ للمُشمَّل، ونصله دقيقٌ ماضٍ، والمُشمَّل: السيف القصير".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المصنِّف –رحمه الله تعالى-: "بابٌ في البغاة والخوارج وحكم المرتد" "البُغاة" هم: الذين يخرجون على الإمام ينقمون عليه بعض الأشياء مما هو فيه هؤلاء يُقال لهم: البُغاة.

"الخوارج" يزيدون عليهم بأنهم يُكفرون الناس، يُكفرون بالكبائر، ويُكفرون الإمام، ويُكفرون من خالفهم هذه صفتهم يُكفرون بالذنوب، وأما البُغاة فلا يُكفرون، لكنهم ينقمون على الإمام أشياء قد يكونوا مُحقين في نقمهم عليه، فيكون فيها مُخالفات، وفيها معاصٍ، وقد يكون فيها كبائر، لكنه لا يصل إلى الحد الذي جعله النَّبي –عليه الصلاة والسلام- مبررًا للخروج على الإمام المُتفق عليه.

الإمام المتفق عليه والذي ثبتت له البيعة لا يجوز الخروج عليه وإن كان فاسقًا، وإن كان ظالمًا حتى يصل إلى الحد الذي جاء في الأحاديث الصحيحة بأن يكفر كفرًا بواحًا عليه من الله برهان أو يترك الصلاة، تركًا تامًّا؛ لذلك يقول النَّبي –عليه الصلاة والسلام- لمَّا سُئل عن هؤلاء الولاة الظلمة قالوا: أفلا نُنابذهم؟ قال: «لا ما صلَّوا»، وفي حديثٍ «إلا أن تروا كفرًا بواحًا» فهؤلاء الذين يُنابذون الولاة لارتكابهم ما يرتكبون من الظلم والفسق وارتكاب بعض المعاصي هؤلاء يُسمون بُغاة، والذين يُكفرون الناس بكبائر الذنوب، ويخرجون بالسيف عليهم، ويرون السيف على الأمة هؤلاء هم الخوارج.

"والمرتد" من بدَّل دين الإسلام بغيره بأن كان مسلمًا ثُم كفر بالله -جلَّ وعلا- كان مشركًا سواءً صار يهوديًّا أو نصرانيًّا.

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "عن عرفجة"، وبعضهم يضم العين يقول: عُرفجة، والأكثر على فتحها عَرفجة، وهو ابن شُريح -رضي الله تعالى عنه-.

"قال، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من أَتَاكُم» من جاءكم «من أَتَاكُم وأمْرُكم جميع» يعني: وأنتم مجتمعون على رجلٍ واحد اتفقت عليه كلمتكم، وثبتت ولايته بذلك أو تغلَّب عليكم بسيفه، ثُم استقر الأمر له وهو مسلم مثل هذا تثبت له الولاية لا يجوز الخروج عليه، وإلا لصارت الأمور فوضى كلٌّ يقتل الثاني ويجلس مكانه، فإذا اتفق الناس عليه واجتمع الناس عليه سواءً كانت بيعته باتفاق من أهل الحل والعقد أو كان بتغلبه بسيفه، ثُم استقر له الأمر على ذلك.  

«من أَتَاكُم وأمْرُكم جميع عَلَى رجلٍ وَاحِد يُرِيد أَن يشق عصاكم» ويُفرق كلمتكم، ويُحدث الفوضى، ويتسبب في إراقة الدماء مثل هذا حكمه «يشق عصاكم» أَو يفرق جماعتكم حكمه يُقتل؛ لقوله –عليه الصلاة والسلام-: «فَاقْتُلُوهُ» كائنًا من كان؛ لأن الأثر المترتب على فعله كبير، وشواهد الأحوال في كتب التاريخ كثيرةٌ جدًّا، فكتب التواريخ مشحونة من الآثار المترتبة على أمثال هؤلاء، والحاضر أيضًا يشهد بذلك. يقوم واحد ويخرج على الإمام المتفق عليه ولو كان عنده ما عنده من مخالفات، وعنده من معاصٍ وذنوب وكبائر، يكون عنده ظلم، وعدم عدلٍ في الأموال وغيره، كل هذا ليس بمبرر؛ لأن عندنا ضابط شرعي لهذه الأمور. الرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا، ما صلَّوا» يعني ماداموا يُصلُّون مهما فعلوا.

الضابط الثاني: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا» ظاهرًا بينًا مثل الشمس عليه من الله برهان، ما هو بمحل نظر واجتهاد من بعض الناس هذا يقول: هذا كَفر، وهذا يقول: ما كَفر، لا، لابد أن يكون ظاهرًا ما يُختلف فيه.

على كل حال الآثار المترتبة على الإخلال بالأمن كبيرةٌ جدًّا، ولا نحتاج إلى دليل ولا استدلال ولا نظر في كتب التواريخ ولا ما جرى للأمم السابقة، ولا للدول الماضية، ما نحتاج إلى استدلال، الآن الأدلة عندنا ظاهرة فيمن حولنا، الشرارة تكون بسبب رجلٍ واحد، ثُم بعد ذلك ما الذي يحدث؟ بعض الناس يفرح بهذا؛ لأنه خرج على طاغية مثلاً، وقد يكون مرتكبًا لبعض المكفرات، وقد يُحكم بكفره من قِبل بعض العلماء، لكن الآثار المترتبة على الخروج عليه الآن ليس الخبر كالعيان، أول كنا نقرأ في الكتب ونعاني من ظلم بعض الولاة، فإذا خرج عليهم أحد بارك له بعض الناس، لكن رأينا الأدلة ظاهرة الآن، بعض الولاة ممن تولى على المسلمين ينتسب إلى طائفة ليس لها حظ في الإسلام، لكن هل بقاؤه مع ما كان عليه من ظلم وارتكاب لعظائم الأمور، هل الوضع في ولايته أفضل أم الآن؟ هذا يُبين لنا حكمة الشارع حينما يقول: مثل هذا الكلام «فَاقْتُلُوهُ». 

ما يُسمى بالربيع العربي فرح كثيرٌ من الناس بوجوده، وإسقاط بعض الرؤساء، لكن النتيجة إيش؟ هل استقرت أوضاعهم؟ هل صارت أحوالهم أفضل مما مضى؟ لا، استحر القتل في رقاب المسلمين، وما تغير شيء، يعني ما تغير شيء. هذا من حكمة الشارع أنه يسعى لحقن الدماء بجميع ما يُمكن من الوسائل، وجعل الضابط في الخروج على أمثال هؤلاء إما ترك الصلاة أو الكفر البواح الظاهر مثل الشمس ما يقول: هذا كافر، وعالمٌ آخر يقول: لا، ما خرج، لابد أن يكون بواحًا، ثُم بعد ذلك إذا ترك الصلاة أو رأينا الكفر البواح، ثُم درسنا الوضع ووجدنا أن المآل سيئ مثل ما يحصل الآن، أو ليست لدينا قدرة على تغييره فلا يجوز لأحدٍ أن يخرج عليه؛ لأنه يُعرِّض المسلمين للخطر والضرر، تُراق الدماء، تُنتهك الأعراض، تُنهب الأموال، تُهدَّم البيوت على ساكنيها؛ لأنه ليس المسألة هذا ظالم يرفع فقط، ونأتي بواحد بدله أو شيء، ما يُمكن أن يصير هذا، هذا الظالم له أنصار، وله جيش، وينتصر لنفسه، ويُدافع عن نفسه، فيحصل القتل بين المسلمين على الطريقة التي تُشاهدونها، أو تقرؤون في الكتب، أو تسمعون من أهل العلم من يقول هذا الكلام، لكن الآن تُشاهدون بأعينكم، والله المستعان.

هذا الحديث فيه، وجاء في معناه أحاديث كثيرة، فيه دلالةٌ على أن من خرج على الإمام وقد أجمعت عليه كلمة المسلمين ولو في قُطرٍ واحد، أول الأمر الخليفة واحد للأمة كلها، وتحت ولايته كل بلاد المسلمين، وكل من ينتسب إلى الإسلام. الآن وقد تفرقت الأمة، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وحصل ما حصل من التفرق، وكل قطرٍ استقل بنفسه وبحاكمه وواليه، واستقر الأمر لهؤلاء الولاة المتفرقين كل واحد يحكم بلدًا يأخذ حكم الإمام، فلا يجوز الخروج عليه بحال، فإذا أجمعت كلمة المسلمين على والٍ من الولاة ولو في قطرٍ من الأقطار، فإن من خرج عليه مُستحقٌّ للقتل كما جاء في الحديث، وجاء في معناه أحاديث كثيرة، لماذا؟ لإدخاله الضرر العظيم على الأمة، وأي شيءٍ أضر على الناس من إراقة الدماء، وصدهم عن سبيل الله، وانتهاك أعراضهم، ونهب أموالهم؟!

ويقول العلماء: يستوي في ذلك أن يكون الإمام المتفق عليه عادلاً أو جائرًا، وجاء في أحاديث كثيرة الصبر على أئمة الجور، وجاء في وصفهم أحاديث تدل على ظلمهم للعباد، واستبدادهم بأمور الناس، وتقديم بعضهم على بعض، وإيثار بعضهم على بعض مما يُثير حفيظة أكثر الناس، واستُؤذن النبي –عليه الصلاة والسلام- في منابذتهم، قال: «لا، ما صلَّوا» يعني ما أقاموا الصلاة، إقامة الصلاة التي هي عمود الدِّين، عمود الإسلام إذا كانت قائمة فلا يجوز الخروج عليه. "رواه مسلم".

قال: "وعن عليٍّ -رضي الله عنه-" أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. "قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «سيخرج فِي آخر الزَّمَان»" يُفهم من الحديث أنه قُرب الساعة في آخر الزمان، قال ابن بطال: المراد به آخر زمان الصحابة، وهذا القول أيضًا فيه نظر؛ لأن زمان الصحابة انتهى على رأس المائة، والخوارج الموصوفون بهذه الأوصاف المذكورة في الحديث وُجِدوا قبل ستين سنة في خلافة علي بن أبي طالب.

«سيخرج فِي آخر الزَّمَان قومٌ أَحْدَاث الْأَسْنَان» يعني: صغار في السِّن «سُفَهَاء الأحلام» يعني: ضعاف العقول، قليلو الفهم؛ لأن الفهم وتمام العقل ورجاحة الرأي في الغالب تكون مع الكبار، مادام هؤلاء صغار الأسنان، فتجاربهم تكون قليلة، لا تكفي لأن تُغطي ما يدَّعونه أو يقومون به «سيخرج فِي آخر الزَّمَان قومٌ أَحْدَاث الْأَسْنَان سُفَهَاء الأحلام» يعني: العقول. «يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة» قيل يعني: يقرؤون القرآن وهو خير القول على الإطلاق، لكن إضافته إلى البرية والمراد بهم: الخَلق، يدل على أن المراد غير القرآن؛ لأنه قول الله –جلَّ وعلا- لا من قول البرية وإن قيل به، نعم هم موصوفون بكثرة قراءة القرآن، وقد تكون قراءتهم مما يُعجب السامع، وقد يتبعها بكاء، ونداوة صوت يُؤثرون، لكن كما قال: «يقرؤون الْقُرْآن لَا يُجَاور حَنَاجِرهمْ» فقوله: «خير الْبَريَّة» يقولون القول الذي ظاهره حسن يُعجب السامع، ولكنه في باطنه يُراد به باطل، كما قال عليٌّ –رضي الله عنه- لمَّا قالوا: لا حكم إلا لله، قال الخوارج: لا حكم إلا لله، لمَّا طُلِب التحكيم، ورضي به علي وأصحابه على ما جاء في القصة المشهورة، قال الخوارج: لا حكم إلا لله. كلام ظاهره حسن {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57] هذا معنى الآية، قال عليٌّ –رضي الله عنه-: كلمة حقٍّ أُريد بها باطل.

 «يقرؤون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ» في روايةٍ «تراقيهم» حناجر جمع حنجرة، والمراد: مجرى النفس البلعوم والمرئ وما أشبه ذلك مجرى النفس، ومجرى الطعام، ويجتمعون في الحنجرة «لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ» يعني: لا يصعد إلى عقولهم فيؤثر فيها، وفي روايةٍ «لا يُجاوز تراقيهم» الترقوة العظم الذي بين النحر والعاتق هذه الترقوة.

وتُشاهدون في وسائل الإعلام من القُراء وإن لم يكونوا خوارج، ويرون الخروج على الناس، ويرون السيف لا، لكن قُراء يقرؤون القرآن ويتصرفون فيه، ويتمايلون، ويُمططون، ويقرؤونه على أوضاعٍ تُخالف ما أُنزل من أجله، وقد رأينا منهم مَن لا يتصف بالخشية التي هي من آثار هذه القراءة، بل يرتكب بعض المعاصي، فمثل هذا إذا قرأ القرآن وهو يرتكب هذه المعاصي هل انتفع بالقرآن؟ القرآن أُنزل للعمل، فإذا خُولِف ما فيه من أوامر ونواهٍ صار حُجَّةً على قارئه لا حُجَّةً له، وهؤلاء مع ذلك لا يُجاوز حناجرهم ولا تراقيهم ومع ذلك يرون الخروج على الأمة، ويرون السيف فيها، وإذا قيل: فلان يرى السيف معناه: أنه من الخوارج؛ لذا تجدون في تراجم بعض الرواة فلان يرى السيف، فيكون من الخوارج.

الخوارج فرق أوصلها بعضهم إلى عشرين فرقة، يجتمعون في التكفير بالذنوب وتخليد أهل الكبائر في النار، وتتفاوت هذه الطوائف والفرق في أمورٍ أخرى بعضها أخف من بعض، وقيل: إن أخف فرق الخوارج وأقربهم إلى السُّنَّة الإباضية قالوا: إنها أخف فرق أهل الخروج الذي هم الخوارج كما قيل في أقرب فرق الشيعة إلى السُّنَّة الزيدية. لا شك أن هذه الفرق متفاوتة تفاوتًا كبيرًا.

«لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ، يَمْرُقُونَ من الدِّين» «يمرقون» يعني: يخرجون من الدِّين أو من الإسلام «كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية» السهم إذا كان راميه قويًّا فإنه يدخل في الرَّمية ما يُراد رميها سواءً كانت حيوانًا أو طائرًا أو ما أشبه ذلك، إذا كان راميه قويًّا فإنه يدخل من جهة، ويخرج من الجهة الثانية «يَمْرُقُونَ من الدِّين» يخرجون من الدِّين «كما يمرق السهم» يدخل ويطلع، فهؤلاء يدخلون في الإسلام بالشهادتين، وبالصلاة أيضًا، لكنهم يمرقون ويخرجون منه بأمورٍ يرتكبونها من المُكفرات.     

«يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية» والمراد بالرَّمية: المرمية التي تُرمى من طائرٍ أو حيوانٍ أو ما أشبه ذلك.

ولأهل العلم في الخوارج وفي حكمهم قولان معروفان مشهوران: «يَمْرُقُونَ من الدِّين» هذا احتج به من يقول: بكفرهم، وأنهم خرجوا من الدِّين بالكلية «كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية».

منهم من يقول: إن هذا لا يقتضي خروجهم من الدِّين، من الإسلام، وإنما يُخرجهم من حظيرة التدين إلى الفسق، والقولان مشهوران عند السلف حتى قيل: إن أكثر العلماء أخذًا من معاملة الصحابة لهم أنهم لم يروا كفرهم، لأنهم لم يُعاملوهم معاملة كفار، لم يُجهزوا على جريحهم، ولا غنموا أموالهم، ولا سَبوا نساءهم، وإنما انتظروا لمَّا بدؤوا بالقتال قُوتلوا.

ومنهم من يقول: آثارهم في الأمة كبيرة، وأقوالهم شنيعة، ولو لم يكونوا في ذلك إلا أنهم يستحلون قتل المسلمين، واستحلال قتل المسلم كُفر بلا شك، «ويَمْرُقُونَ من الدِّين» يعني: يخرجون منه، والمسألة خلافية، وبعضهم ينقل الاتفاق على عدم كفرهم، نقله ابن المنذر وغيره.

على كل حال أمرهم شديد، وخطرهم عظيم على الأمة، يجب كفهم، والأخذ على أيديهم، والصحابة قاتلوهم، بل قتلوهم. نعم يُحاورون ويُناظرون قبل ذلك كما فعل علي -رضي الله عنه- لمَّا بعث ابن عباس، فرجع منهم أربعة ألاف، فلمَّا أصروا وبدؤوا بالقتال قُوتلوا وقُتلوا، وذكر النَّبي– عليه الصلاة والسلام- من علاماتهم ما ذُكِر في الحديث، وفي قصة علي معهم ما جاء يُؤيدها من الحديث، «وأن معهم رجلٌ مخدج في طرف يده مثل حلمة الثدي عليها شُعيرات» لمَّا قُتلوا صار بعضهم على بعض بحثوا عن هذا ما وجدوه، فقام علي –رضي الله عنه- فأمر بإزالة بعضهم عن بعض حتى وجده، فقال: الحمد لله، والله أكبر؛ لأن المسلمين مأمورون بقتلهم.

هذه الفتن التي نعيشها -كفى الله شرها- نرى فيها التأثير في عقول الناس لاسيما الصغار سريعًا جدًّا، ويقتنع هذا الشاب بكلامٍ يأتيه من يمين ومن شمال، ومن وسائل التواصل حتى يصل إلى أن يقتل أمه وأباه –نسأل الله العافية- يقتل أمه وأباه، وحصل منهم ما حصل من قتل المسلمين في المساجد –نسأل الله العافية-، ولذا ضررهم عظيم، وشرهم مستطير، يجب أن يُكفُّوا، ويجب أن تؤخذ الحيطة والحذر منهم، وأن يُحصَّن أبناء المسلمين وناشئتهم بأدلة الكتاب والسُّنَّة ضد هذه الشُّبهات، ويُعلَّموا العلم الشرعي المُؤسَّس المُؤصَّل المأخوذ عن أهله أهل الرسوخ الكبار، لابد من هذا، وإلا البوادر ما تدل على خير؛ لأنه تجد شابًّا مستقيمًا، مُطيعًا لوالديه مُخبتًا إذا رأيته في صلاته قلت: هذا من السلف، ثُم بين عشيةً وضحاها تجتاله الشياطين، وينقلب إلى أسدٍ هصور، وطائش العقل يقتل أباه وأمه، فضلاً عن غيرهم.

 فخطر الخوارج مثل ما جاء في الحديث «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»، فهم مستحقون القتل، وقتلهم واجب، والقضاء عليهم متعين؛ لأن ضررهم كبير، وشواهد الأحوال...كان الناس يقولون: مثل هذه الأمور التي جاءت في النصوص لا تكون إلا عند قيام الساعة، والناس بخير، وفيهم عقول وأحلام، وعندهم طمأنينة وركود، ثُم بعد ذلك في أسرع وقت انقلبت الأمور، وإذا نظرنا إلى ما حصل في عصر الصحابة لا نستغرب شيئًا، ما نستغرب شيئًا، يعني في عهد علي بن أبي طالب اثنا عشر ألف الذين يخرجون لقتاله يُكفرونه، ويُكفرون عثمان، ويُكفرون خيار الصحابة ويُقاتلونهم، ويجرؤون على قتلهم، مَن الذي قتل عليًّا -رضي الله عنه-؟ ابن مُلجم، عبد الرحمن بن مُلجم، ومذكور بكثرة التلاوة، وكثرة الصلاة والقيام، ومع ذلك لمَّا اعتنق هذا الفكر جرؤ على قتل أمير المؤمنين، كَفَّره أولاً، ثُم قتله.

تعجب من هذه العقول –نسأل الله الثبات- التي انقلبت رأسًا على عقب، يقتل عليًّا، ثُم يأتي من يمدح قاتل علي.

يَا لها ضَرْبَةٍ مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا

 

 

 

إلاَّ لِيُبْلُغَ عند الله رِضْوَانًا

 

 

إلى آخر ما قاله منه.

طالب:..........

نعم؟

طالب:..........

عمران بن حطان.

المقصود أن على الإنسان في هذه الظروف، بهذه الأحوال، وفي أوقات الفتن أن يعتصم بكتاب الله وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام-، وأن يلزم الكبار أهل الرسوخ لا أهل الطيش من الصغار وسفهاء الأحلام، ومع ذلك يلجأ إلى الله –جلَّ وعلا- في أوقات الإجابة أن يُثبته على الصراط المستقيم.

تجده قبل أيام على الجادة، ويطلب العلم، ويقرأ القرآن، وعنده آمال وطموحات سواءً كانت في أمور دُنياه أو في أمور دينه، ثُم بعد ذلك لا يجد نفسه إلا مقتولًا –نسأل الله العافية- لأنه قتل.  

"«فَإِذا لقيتموهم فاقتلوهم، فَإِن فِي قَتلهمْ أجرًا لمن قَتلهمْ عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة» متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.

وقال البخاري -في رواية-: «فأينما لقيتموهم فاقتلوهم» وقال" يعني: البخاري: «ولَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ» هنا في الرواية الأولى «الْقُرْآن لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ»، والرواية الثانية قال: «ولَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ»، وفي روايةٍ «لا تجاوز صلاتهم حناجرهم» يعني: أنها لا تصل إلى العقل فتؤثر فيه، ولا تُرفع إلى السماء فيُثاب عليها، "وَلم يقل: «يقرؤون الْقُرْآن»" في هذه الرواية عند البخاري.

"وعن عكرمة قال" عكرمة مولى ابن عباس "قال: أُتي عليٌّ بزنادقة" الزنادقة جمع زنديق، وهو لفظ فارسي مُعرَّب يُطلق على من يقول: بدوام الدهر من الدهرية، ويُطلق على الملحد الذي يتنكب لدينه ويرتد عنه، ويُطلق أيضًا عند المتقدمين على المنافق، فقال بعضهم: زنديق اليوم هو المنافق في عهد السلف، وعلى كل حال أتي بهؤلاء الزنادقة علي بن أبي طالب "فأحرقهم" أحرقهم بالنار، "فبلغ ذلك" يعني: الإحراق "ابن عباسٍ، فقال-ابن عباس-: لو كنت أنا لم أُحرِّقهم؛ لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بقوله: «لَا تعذبوا بِعَذَاب الله»، وجاء في البخاري «إن النار لا يُعذب بها إلا الله» في البخاري عن أبي هريرة. ابن عباس انتقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لقتله إياهم بالنار، ولم يختلف معه في حكمهم، وأنهم يُقتلون.

"قال: ولقتلتهم" يقول ابن عباس: "لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن بدل دينه فَاقْتُلُوهُ»" اللفظ عام، «بدل دينه» يعني: غيره، بأن كان مسلمًا، ثُم انتقل من الإسلام إلى غيره، سواءً كان أو صار بعد الإسلام يهوديًّا أو نصرانيًّا أو لا دينيًّا أو مشركًا من المشركين، المقصود أنه بدل دينه، والمراد بالدِّين هنا: الإسلام.

وبعضهم يقول: هو على ظاهره «مَن بدل دينه» بأن كان يهوديًّا ثُم صار نصرانيًّا أو العكس «مَن بدل دينه» ظاهرًا وباطنًا هذا حدُّه القتل، «مَن بدل دينه» باطنًا لا ظاهرًا صار منافقًا، والمنافق ما يُقتل؛ لأنه يشهد أن لا إله إلا الله، ويحضر مع المسلمين، والباطن له الله –جلَّ وعلا-، وإن كانوا في الدرك الأسفل من النار، وإن بدل دينه ظاهرًا لا باطنًا بأن كان مُكرهًا مثل هذا إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان فهو معذور؛ لأنه مكره.

 «مَن بدل»  يشمل كل من بدل من الرجال والنساء «مَن بدل دينه» يشمل كل من بدل وارتد عن الإسلام من الرجال والنساء. هذا قول جمهور أهل العلم؛ لأن «مَن» من صيغ العموم.

وقال الحنفية: إن المرأة إذا ارتدت لا تُقتل؛ لأنه جاء عن النَّبي –عليه الصلاة والسلام- النهي عن قتل النساء، جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- النهي عن قتل النساء، فيكون حديث الباب عامًّا، والنهي عن قتل النساء خاصًّا، فلا تُقتل المرأة، والجمهور يقولون: لا، النهي عن قتل النساء عام، والمرتدة، قتل المرتدة خاص بهذا الحديث، فهنا عموم وخصوص وجهي ليس أحدهما أولى من الآخر بالتخصيص، لكن القاعدة عند أهل العلم أن العموم المحفوظ الذي لم يدخله التحصيص أولى من العموم الذي دخله التخصيص فضعف بذلك، ألم يأتِ قتل النساء في نصوصٍ أخرى؟

المرأة إذا زنت وهي مُحصنة تُقتل أم ما تُقتل؟ هل يستطيع الحنفي أن يقول: النهي عن قتل النساء؟ لا، المرأة إذا قتلت تُقتل أم ما تُقتل؟ تُقتل، وغير ذلك كثير من النصوص التي دخلت على العموم أو خصصت عموم النهي عن قتل النساء، وحديث «مَن بدل دينه فَاقْتُلُوهُ» ما فيه إلا ما يُعارضه من النهي عن قتل النساء، فهو أقل في المخصصات، فهو أقوى من عموم النهي عن قتل النساء، وثبت قتل الساحرة، وثبت قتل التي تسب النَّبي –عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي، فعموم النَّهي عن قتل النساء مخصوص بمخصصاتٍ كثيرة، ولتكن منها الردة.

"رواه البخاري، وزاد البيهقي، فبلغ ذلك عليًّا" بلغه قول ابن عباس، وأنه انتقده في تحريقهم، وإن لم يختلف معه في حكم القتل، وأنه متعين ومتحتم في المرتد.

"فبلغ ذلك عليًّا، فقال: ويح ابن أم الفضل" يعني: ابن عباس ويحه "ويح ابن أم الفضل" يعني: عبد الله بن عباس، وهذه كلمة تُقال متى؟

طالب:.........

ماذا؟

طالب: .........

عندك ويل، وويح، وويس كلمات لها مناسبات، فهو لمَّا استدل عليه بالحديث لا يُمكن أن يُعارضه علي برأيه، لكنه –رضي الله عنه- يقول: إن ابن عباس يتتبع الزلات، فقال: "إنه لغواصٌ على الهَنات" أو الهِنات بالتخفيف يعني: الزلات.

وعلى كل حال من رد بالدليل فمعه الحق كائنًا من كان سواءً كان مساويًا للمردود عليه أو أكبر منه أو أقل، فالحق معه؛ لأن الدليل معه.

ثُم قال –رحمه الله-: "عن أبي موسى في حديث له" أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس "في حديثٍ له أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «اذهب إلى اليمن»" بعثه النَّبي –عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن. "ثم أتبعه معاذ بن جبل" يعني: قدَّم أبا موسى؛ لأنه من تلك الجهات، ثُم بعد ذلك أتبعه، بعث بعده معاذ بن جبل، وقصة بعث معاذ إلى اليمن ودعوتهم إلى الإسلام معروفة بالتفصيل في الصحاح والسُّنن. "ثُم أتبعه معاذ بن جبل" في رواية عند البخاري أن كلاًّ منهما على عمل، هذا جعله على قسم، وذاك جعله على قسم، فجعلا يتزاوران، لمَّا قدم معاذ على أبي موسى "ألقى له وسادةً" ليجلس عليها، أبو موسى ألقى لمعاذ وسادة؛ من أجل أن يجلس عليها؛ إكرامًا له.

"وقال: انزل" يقول أبو موسى لمعاذ: انزل اجلس على هذه الوسادة أو على هذه التكرمة "فإذا رجلٌ عنده مُوثَق" رجل عند أبي موسى موثق مربوط اليدين والرجلين "قال: ما هذا؟" قال معاذ: ما هذا؟ "قال: كان يهوديًّا" هذا الرجل الموثق، يقول ابن حجر: لم أقف على اسمه، "قال: ما هذا؟" قال أبو موسى: "كان يهوديًّا فأسلم، ثم تهود" يعني: رجع إلى اليهودية. "قال: اجلس" يقول أبو موسى لمعاذ: اجلس. "قال: لا أجلس حتى يُقتل" لماذا؟ لأنه ارتد، والمرتد حكمه القتل. "قال: لا أجلس حتى يُقتل قضاء الله ورسوله" قال ذلك ثلاث مرات. "فأُمِر به فقُتِل. متفقٌ عليه" يعني: عند البخاري ومسلم، وفي روايةٍ: فضرب عنقه. وفي روايةٍ: طُرِح في النار، قُيد فطُرِح في النار، وجمعوا بين هذه الروايات بأنه ضُرب عنقه أولاً وهو المراد بالقتل، ثُم ألقاه في النار.

وعلى كل حال المرتد حُكمه القتل؛ لهذا الحديث، وللحديث السابق «مَن بدل دينه فَاقْتُلُوهُ» "متفقٌ عليه، ورواه أبو داود عن أبي موسى، قال: قدم علي معاذٌ، قال: لا أنزل عن دابتي حتى يُقتل، فقُتِل، وكان قد استُتيب قبل ذلك".

والمرتد ومن حُكِم بكفره يُستتاب ثلاثًا، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه، وسيأتي في الذي يسب النَّبي– عليه الصلاة والسلام- أنه يُقتل من غير استتابة على خلافٍ بين أهل العلم سيأتي. "وكان قد استُتيب قبل ذلك".

ثُم قال: "وعن عكرمة" يعني: مولى ابن عباس. "قال: حدَّثنا ابن عباس" هناك قال: "عن عكرمة قال: أتي عليٌّ بزنادقةٍ فأحرقهم" وهنا قال: "عن عكرمة قال: حدثنا ابن عباس" وابن عباس طرف في القصتين، في القصة الأولى والثانية، فعكرمة لمَّا قال: "أتي علي" هو يحكي قصة أدركها فالسند متصل، وهنا يحكي أو يروي قصةً ينسبها إلى ابن عباس، فالقصة الأولى متصلة باعتبار أنه يحكي قصةً حضرها وأدركها، والثانية يرويها عن مولاه ابن عباس، قال: "إن أعمىً" رجل أعمى "كانت له أم ولدٍ تشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقع فيه" يعني: تسبه وتقع فيه في عرضه، "فينهاها" سيدها الأعمى "فلا تنتهي" ما تكف عن هذا السب والشتم، "ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلةٍ جعلت تقع في النبي -صلى الله عليه وسلم- وتشتمه، فأخذ المغول" بِالغين، ويؤكد ذلك عند ابن عبد الهادي أنه قال في آخر الحديث: "والمغول بالمعجمة" يعني: بِالغين المُعجمة، وأكثر الشراح على أنه المعول بالعين، وهو مستعملٌ بالمهملة التي هي العين، قالوا: وهي الحديدة التي يُنقر بها الجبال، يعني: مثل نوع الإزميل أو شيء من هذا مُحددة، وسيأتي في الشرح قول الخطابي: "هو شبيهٌ –للمُشمَل- أو المُشمَّل، ونصله دقيقٌ ماضٍ" يعني: رفيع الرأس بحيث إذا غُرز في شيء ينغرز "والمِشمَل: السيف القصير أو المُشمَّل" 

"فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها" فكأنها نوع من السهام، كأنه نوع يُشبه السهم بحيث لو غرز ثبت، ثُم إذا ضُغط عليه نفذ "واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفلٌ" كانت حاملاً منه "فلطخت" يعني: الدم لطخ المكان وانتشر حولها، "فلمَّا أصبح ذُكر ذلك" ذُكِرت هذه القصة "للنبي -صلى الله عليه وسلم-" أن رجلاً قتل جاريته.

قال: "فلمَّا أصبح ذُكِر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني: ذُكر له أن رجلاً قتل جاريته "فجمع الناس" يعني: النَّبي –عليه الصلاة والسلام- جمع الناس؛ لينظر في هذه القضية، وعن سبب القتل ما هو؟ "فقال: «أُنشِد الله»" يعني يؤكد. «أُنشِد الله رجلاً فعل مَا فعل» يعني: قتل هذه الجارية «لي عَلَيْهِ حقٌّ» والمسلمون كلهم لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- حقوق «لي عَلَيْهِ حقٌّ إِلَّا قَامَ» فقام الأعمى يتخطى رقاب الناس وهو يتزلزل" يعني: يضطرب في مشيه أولاً: لكونه أعمى، الأمر الثاني: هيبة النَّبي –عليه الصلاة والسلام- له هيبة، فجعل الأعمى يتزلزل.

 "حتى قعد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها" يعني: أنا الذي قتلتها، والسبب "كانت تشتمك وتقع فيك" تشتم النَّبي –عليه الصلاة والسلام- وتقع فيه. "فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر" مصرة على ما قالته وتقوله في النَّبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "ولي منها ابنان" ابنان يعني: ولدين ذكرين يمدحهما في جمالهما، فيقول: "مثل اللؤلؤتين" يعني: هذا مما يجعله يتردد في الإقدام على قتلها، فهي أم أولاده، ورجلٌ أعمى من يُربيهم بعدها؟ ومع ذلك قتل تعظيمًا لحق النَّبي -صلى الله عليه وسلم-. "وكانت بي رفيقة" يعني: ما يُظن أن الدافع أنها كانت تُتعبه وتؤذيه ويُريد أن يتخلص منها، لا، أم ولدين سوف ينشغل بتربيتهما، ويتكلف الأموال لإيجاد من يُربيهما، وأيضًا هو يحتاج إلى خدمة ورعاية، فهو رجلٌ أعمى، ويندر أن يجد مثل هذه الجارية؛ لأنها كانت به رفيقة، ومع ذلك أقدم على قتلها مِن تعظيمه لحق النَّبي– صلى الله عليه وسلم-، وشتم النَّبي –عليه الصلاة والسلام- وسبُّه كُفر {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة:66]  كُفر مُخرج عن الملة، ولشيخ الإسلام –رحمه الله- كتاب وصفه ابن حجر بأنه أفضل ما صُنِّف.