التعليق على تفسير القرطبي - سورة الصافات (06)

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} تَقَدَّمَ قِصَّةُ لُوطٍ.

{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} أَيْ بِالْعُقُوبَةِ. {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} خَاطَبَ الْعَرَبَ: أَيْ: تَمُرُّونَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ وَآثَارِهِمْ. {مُصْبِحِينَ} وَقْتَ الصَّبَاحِ {وَبِاللَّيْلِ} تَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثم قال: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أَيْ تَعْتَبِرُونَ وَتَتَدَبَّرُونَ.

 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمٍ يُبْعَثُونَ}.

 فِيهِ ثَمَانُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} يُونُسُ هُوَ ذُو النُّونِ، وَهُوَ ابْنُ مَتَّى، وَهُوَ ابْنُ الْعَجُوزِ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا إِلْيَاسُ، فَاسْتَخْفَى عِنْدَهَا مِنْ قَوْمِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَيُونُسُ صَبِيٌّ يَرْضَعُ، وَكَانَتْ أُمُّ يُونُسَ تَخْدُمُهُ بِنَفْسِهَا وَتُؤَانِسُهُ، وَلَا تَدَّخِرُ عَنْهُ كَرَامَةً تَقْدِرُ عَلَيْهَا. ثُمَّ إِنَّ إِلْيَاسَ سَئِمَ ضِيقَ الْبُيُوتِ فَلَحِقَ بِالْجِبَالِ، وَمَاتَ ابْنُ الْمَرْأَةِ يُونُسُ، فَخَرَجَتْ فِي أَثَرِ إِلْيَاسَ تَطُوفُ وَرَاءَهُ فِي الْجِبَالِ حَتَّى وَجَدَتْهُ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهُ لَهَا لَعَلَّهُ يُحْيِي لَهَا وَلَدَهَا، فَجَاءَ إِلْيَاسُ إِلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ مَوْتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا اللَّهَ فَأَحْيَا اللَّهُ يُونُسَ بْنَ مَتَّى بِدَعْوَةِ إِلْيَاسَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-".

من أخبار بني إسرائيل، هذه من الإسرائيليات، هذه من الإسرائيليات التي تُحكى ولا تُصدق، ولا تُكذب حتى يرد بها نصٌّ صحيح.

"وَأَرْسَلَ اللَّهُ يُونُسَ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثُمَّ تَابُوا، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ [يُونُسَ]، وَمَضَى فِي [الْأَنْبِيَاءِ] قِصَّةُ يُونُسَ فِي خُرُوجِهِ مُغَاضِبًا. وَاخْتُلِفَ فِي رِسَالَتِهِ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْتِقَامِ الْحُوتِ إِيَّاهُ".

طالب:.....

بكسر النون، نعم.

"وَاخْتُلِفَ فِي رِسَالَتِهِ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْتِقَامِ الْحُوتِ إِيَّاهُ أَوْ بَعْدَهُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: إِنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَتَى يُونُسَ فَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى فَأَنْذِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ قَدْ حَضَرَهُمْ. قَالَ: أَلْتَمِسُ دَابَّةً. قَالَ: الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَلْتَمِسُ حِذَاءً. قَالَ: الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَغَضِبَ فَانْطَلَقَ إِلَى السَّفِينَةِ فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ احْتُبسَتِ السَّفِينَةُ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ. قَالَ: فَتَسَاهَمُوا، قَالَ: فَسُهِمَ، فَجَاءَ الْحُوتُ".

هذا أيضًا من الكلام الذي لا يليق بنبي من الأنبياء، أَلْتَمِسُ دَابَّةً. قَيلَ: الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَلْتَمِسُ حِذَاءً. قَالَ: الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ. أعجل معروفٌ ذمُّها في الشرع، والتأني هو الأصل، لكن مغاضبته وإباقه بسبب مخالفة قومه، وعدم استجابتهم له.

"فَجَاءَ الْحُوتُ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ، فَنُودِيَ الْحُوتُ: أَيَا حُوتُ! إِنَّا لَمْ نَجْعَلْ لَكَ يُونُسَ رِزْقًا، إِنَّمَا جَعَلْنَاكَ لَهُ حِرْزًا وَمَسْجِدًا. قَالَ: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى مَرَّ بِهِ إِلَى الْأُبُلَّةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِ عَلَى دِجْلَةَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَلْقَاهُ فِي نَينَوَى".

نِينَوَى، نِينَوَى، بكسر النون.

"فِي نِينَوَى.

حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَةُ يُونُسَ بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ، وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَخْرُجُ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، فَكَانَ مَا جَرَى مِنْهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ".

وأيضًا ترتيب الآيات في هذه السورة يدل على أن إرساله إلى المائة ألف، أو يزيدون، كان بعد ما حصل له، لكن العطف بالواو لا يقتضي ترتيبًا.

"وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَخْرُجُ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، فَكَانَ مَا جَرَى مِنْهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ دُعَائِهِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ".

يعني قبل النبوة ماذا يُطلب منه ليُغاضب منه؟ ليس له وجه، المغاضبة ليست بسبب ما طُلِبَ منه من قبل الله -جل وعلا-، وإنما بسبب ما حصل من قومه.

"كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ دُعَائِهِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ إِلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَبْلِيغِهِ إِيَّاهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَلَكِنَّهُ وَعَدَهُمْ نُزُولَ مَا كَانَ حَذَّرَهُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ فِي وَقْتٍ وَقَّتَهُ لَهُمْ، فَفَارَقَهُمْ إِذْ لَمْ يَتُوبُوا، وَلَمْ يُرَاجِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ، فَلَمَّا أَظَلَّ الْقَوْمَ الْعَذَابُ وَغَشِيَهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَنْزِيلِهِ، تَابُوا إِلَى اللَّهِ، فَرَفَعَ اللَّهُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ، وَبَلَغَ يُونُسَ سَلَامَتُهُمْ وَارْتِفَاعُ الْعَذَابِ الَّذِي كَانَ وَعَدَهُمُوهُ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: وَعَدْتُهُمْ وَعْدًا فَكَذَبَ وَعْدِي. فَذَهَبَ مُغَاضِبًا رَبَّهُ، وَكَرِهَ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [الْأَنْبِيَاءِ]، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}، وَلَمْ يَنْصَرِفْ يُونُسُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، وَلَوْ كَانَ عَرَبِيًّا لَانْصَرَفَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِهِ الْيَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَفْعَالِ "يُفْعُلُ" كَمَا أَنَّكَ إِذَا سَمَّيْتَ بِيُعْفُرٍ صَرَفْتَهُ، وَإِنْ سَمَّيْتَ بِيَعْفُرَ لَمْ تَصْرِفْهُ .

لأن زنة المضارع من الثلاثي بفتح أوله، ضَرَبَ يَضرب، نَصَرَ يَنصر، ومن الرباعي بضم أوله، فما دامت زنة الثلاثي عند العرب بفتح أوله، والمانع من الصرف للاسم على وزن الفعل إنما هو مطابقته له في الوزن، فإذا كان يُونُس من أَنِسَ، لو كان يَونَس أو يَأنَسُ لمُنِعَ من الصرف؛ لأنه على وزن فعل، مادام بضم الياء فلا يُمنع من الصرف من أجل زنة الفعل، لكنه مُنِعَ من الصرف للعلمية والعُجمة، لا لأنه على وزن فعل، عندك يزيد: يزيد مُنعَ من الصرف وهو عربي للعلمية وهو وزن الفعل، أما يُونُس فليس من أجل زنته للفعل، وإنما هو للأعجمية، ولو كان مفتوح الأول لمُنِعَ لعللٍ ثلاث: الأعجمية، ووزن الفعل، والعلمية، فإذا ارتفع علة من هذه العلل، علة من العلل الثلاث فهل يبقى مصروفًا؟ يعني مثل حِمص، حِمص ممنوع من الصرف لماذا؟ علمية وتأنيث؟ بقعة؟

طالب: .....

لا، ممنوع لعلل ثلاثة، يقول أهل العلم: العلمية، والتأنيث، والعُجمة، ثلاث علل، لكنه ثلاثي ساكن الوسط، والممنوع من الصرف إذا كان ثلاثيًّا ساكن الوسط يُصرَف إذا كان فيه علتان، مثل: هند علميّ وتأنيث الأصل أنه ممنوع من الصرف، لكنه ثلاثي ساكن الوسط فصُرِف؛ لخفته، قل مثل هذا في نوح، نوح علميُّة وعُجمة، لكنه ثلاثي ساكن الوسط فيُصرَف، إذا كان هناك علتان علمية وعجمة فكونه ثلاثيًّا ساكن الوسط في مقابل علة، أو في مقابل علل ثلاث؛ لأن نوحًا لا يختلفون في صرفه، وهند لا يختلفون في صرفها؛ لأنه ثلاثي ساكن الوسط، وممنوع لعلتين، لكن إذا كان مثل حمص ممنوع لثلاث علل، وثلاثي ساكن الوسط، فهل نقول: إن هذه الزنة فعل في مقابل علة واحدة، أو نقول: إنها كفيلة بصرفه؛ لأنه صار خفيفًا على اللسان، وصرفه سهل؟

يعني ما الذي يفرق بين هند وحمص؟ هند وحمص؟ هند مصروفة بالاتفاق؛ لأنه ثلاثي ساكن الوسط، وحمص ثلاثي ساكن الوسط، ويختلفون في صرفه؛ لأنه ممنوع من أجل علل ثلاث، فهل كونه ثلاثيًّا ساكن الوسط يُقاوم العلل الثلاث، أو يُقاوم علة واحدة فيبقى ممنوعًا من الصرف؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، والذي يهمنا في هذا يُونُس، قالوا: لو كان مفتوح الأول صار على زنة الفعل فيكون فيه من العلل ثلاث: علمية، والعجمة، وزنة الفعل، ومادام مضموم الأول، وهو من أَنِسَ الثلاثي فليس من زنة الفعل في شيءٍ، زنة الفعل العربي.

طالب: قالوا هو الصحيح...

ماذا؟

طالب: قالوا: هو الصحيح في رواية سعيد بن جبير بعد البعثة.

هذا هو القول الثاني، القول الثاني أنه غضب بعد البعثة.

طالب: أن الله كذبه يعني؟

كيف؟

طالب: وَعَدْتُهُمْ وَعْدًا فَكَذَبَ وَعْدِي.

ليست مسألة كذب، يعني لم يُطابق الواقع؛ تيب عليهم ورُفِعَ عنهم العذاب، وعدهم العذاب بعد ثلاث، ثم تابوا وآمنوا فرُفِعَ عنهم العذاب، مع أن مثل توبتهم لا تنفع غيرهم، لا تنفع غيرهم، ما استُثني من السنة الإلهية إلا قوم يُونُس: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس:98]، ما استُثني إلا هم، فهم مثل غيرهم؛ يعني حتى لما جاءت علامات العذاب، وحق عليهم، وقال لهم يونس: إنكم لن تنجوا من هذا العذاب ولو تبتم، هذه السنة الإلهية، لكن الله -جل وعلا- رفع عنهم العذاب، فظنوا كذبه، والكاذب عندهم يُقتل، فهرب منهم، ذهب مُغاضبًا لقومه.

طالب: يعني الهروب- أحسن الله إليك- صار بعد رفع العذاب ليس عندما أنذرهم هرب خاف من عذاب الله؟

يعني خاف من عذاب الله أن يقع فيهم؟ لا، خاف من إخلافهم لهذا الموعد.

"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ أَبَقَ} قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُ أَبَقَ تَبَاعَدَ، وَمِنْهُ غُلَامٌ آبِقٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا قِيلَ لِيُونُسَ أَبَقَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مُسْتَتِرًا مِنَ النَّاسِ. إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أَيِ الْمَمْلُوءَةِ، وَالْفُلْكُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ".

إذا كان الغلام يأبق من سيده ويهرب منه، فيُونُس آبق من سيده؛ لأنه أُرسِل إلى هؤلاء القوم، فحكمه حكم الآبق.

وَالْفُلْكُ.

ومن أجل ما حصل في قصته وسيرته مما يوجب عند بعض الناس أو يُجرِّئ بعض الناس على تنقُّصِهِ جاء الحديث الصحيح: «لا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» من أجل لا يَتَنَقَّصهُ أحد، هذا الأمر حصل، لكن غير موجب للتّنَقُّص وغير مُبيح للتَّنَقُّص، وهو نبي من الأنبياء.

"وَالْفُلْكُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيَكُونُ وَاحِدٌ وَجَمْعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ".

وَيَكُونُ وَاحِدًا.

"وَيَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: سَمَّاهُ آبِقًا؛ لِأَنَّهُ أَبَقَ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْعُبُودِيَّةُ تَرْكُ الْهَوَى وَبَذْلُ النَّفْسِ عِنْدَ أُمُورِ اللَّهِ، فَلَمَّا لَمْ يَبْذُلِ النَّفْسَ عِنْدَمَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْعَزْمَةُ مِنَ الْمَلَكِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي [الْأَنْبِيَاءِ]، وَآثَرَ هَوَاهُ لَزِمَهُ اسْمُ الْآبِقِ، وَكَانَتْ عَزْمَةُ الْمَلِكِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ، وَبِحَظِّ حَقِّ اللَّهِ لَا بِحَظِّ نَفْسِهِ".

مَلَك، مَلَك.

"وَكَانَتْ عَزْمَةُ الْمَلَكِ فِي أَمْرِ اللَّهِ لَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ، وَبِحَظِّ حَقِّ اللَّهِ لَا بِحَظِّ نَفْسِهِ، فَتَحَرَّى يُونُسُ فَلَمْ يُصِبِ الصَّوَابَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ، فَسَمَّاهُ آبِقًا وَمُلِيمًا.

 الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى".

يعني هل يُظن أن يُونُس لما جاءه الملك وعرض عليه ما عرض، هل يظُن أنه من تلقاء نفسه؟ ظن أنه من تلقاء نفسه فغاضبه وأبق؟ الرسول حكمه حكم المرسل، إذا دلت الدلائل على صدقه فحكمه حكم مرسله، فعصيانه عصيان لمرسله.

 وعلى كل حال كون يُونُس يحصل منه ما حصل إنما هو خوفًا على قومه، وشفقة عليهم، ولذا جاء تحذير النبي -عليه الصلاة والسلام- من مثل هذا: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف:6] {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ}، يعني قاتل نفسك، ويونس حصل منه ما حصل، وإن كان الأصل أن يصبر على قومه حتى يستجيبوا، أو يحق عليهم العذاب، وما استجابوا، فخرج مغاضبًا، وهذا بالنسبة له خلاف الأولى، وخروجه مغاضبًا إنما هو لقومه لا لربه، كونه لا يصبر عليهم حتى يحصل لهم إما الاستجابة، أو يحق عليهم العذاب، هم حق عليهم العذاب، ورأوا أسبابه، وعلامات العذاب، لكنهم تابوا وآمنوا فرُفِعَ عنهم، وقد أنذرهم العذاب بعد ثلاث، فلما رُفِعَ عنهم فلم يُطابق كلامه الواقع، والكلام إذا لم يُطابق الواقع دخل في حد الكذب، والكاذب عندهم في شريعتهم يُقتل، فخشي من ذلك فخرج مُغاضبًا لهم؛ لعدم استجابتهم، وخشيةً على نفسه، ولا شك أن هذا خلاف الأولى بالنسبة له، فلِيمَ على ذلك {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}، يعني آتٍ بما يُلام عليه، آتٍ بما يُلام عليه، ويفرقون بين المُليم والملوم، يعني فعله يُلام عليه، لكن هو ليس بملوم لماذا؟ لأنه عن اجتهاد، وإن كان خلاف الأولى.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.

نعم.

طالب: قول المؤلف: فَذَهَبَ مُغَاضِبًا رَبَّهُ وَكَرِهَ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ، قوله مردود يا شيخ؟

لا، مُغاضب لقومه، هذا الذي يظهر؛ لأنه نبي معصوم أن يغاضب ربه.

طالب: .....

من أجله نعم، مُغاضبًا قومه من أجل ربه.

"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَاهَمَ} قَالَ الْمُبَرِّدُ: فَقَارَعَ، قَالَ: وَأَصْلُهُ مِنَ السِّهَامِ الَّتِي تُجَالُ. {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} قَالَ: مِنَ الْمَغْلُوبِينَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: دَحَضَتْ حُجَّتُهُ وَأَدْحَضَهَا اللَّهُ. وَأَصْلُهُ مِنَ الزَّلَقِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

قَتَلْنَا الْمُدْحَضِينَ بِكُلِّ فَجٍّ
 

فَقَدْ قَرَّتْ بِقَتْلِهِمُ الْعُيُونُ
  

أَيِ: الْمَغْلُوبِينَ، الرَّابِعَةُ".

المساهمة هنا هي القرعة لما توقفت توقف الفلك، أجروا القرعة؛ لأنه قال لهم: إن هذا بسبب شخص عليه ذنب، فقالوا: نجيء بالسهام ونفعل القرعة بيننا ومن خرج سهمه يُلقى، يُلقى في البحر، فقال: هو المذنب، قال لهم: إنه أنا المذنب فرفضوا أن يلقوه، ثم أعادوا القرعة ثانية وثالثة، ثم حصل ما حصل.

"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} أَيْ أَتَى بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الْمَلُومُ فَهُوَ الَّذِي يُلَامُ، اسْتَحَقَّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ. وَقِيلَ: الْمُلِيمُ الْمَعِيبُ. يُقَالُ: لَامَ الرَّجُلَ إِذَا عَمِلَ شَيْئًا فَصَارَ مَعِيبًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ، {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمْ تُكْسَرْ "أَنْ" لِدُخُولِ اللَّامِ".

أَنَّ، أَنَّ.

"الْكِسَائِيُّ: لَمْ تُكْسَرْ "أَنَّ" لِدُخُولِ اللَّامِ; لِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لَهَا".

لأن من مقتضيات كسر همزة إنَّ دخول اللام في خبرها: إن زيدًا لقائم، قد يقول قائل فيه {لَلَبِثَ} فيها اللام، قال المؤلف -رحمه الله-: قال الْكِسَائِيُّ: لَمْ تُكْسَرْ همزة، لَمْ تُكْسَرْ "أَنَّ" يعني همزتها لِدُخُولِ اللَّامِ، قد يقول قائل: إن اللام داخلة، قال: لأن اللام ليست لها، يعني لم تقع في خبر أن فيلزم كسرها، إنما اللام في جواب لولا: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ}، وخبر أن جملة كان وما دخلت عليه، خبر أن جملة كان وما دخلت عليه.

"قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ، إِنَّمَا اللَّامُ فِي جَوَابِ لَوْلَا. {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} أَيْ: مِنَ الْمُصَلِّينَ {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أَيْ عُقُوبَةً لَهُ، أَيْ: يَكُونُ بَطْنُ الْحُوتِ قَبْرًا لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَاخْتُلِفَ كَمْ أَقَامَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. فَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عِشْرِينَ يَوْمًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ: سَاعَةً وَاحِدَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ" .

وكل هذه الأرقام لا دليل عليها، لا دليل عليها، ولو كان في تحديدها فائدة لبُيّن ذلك في القرآن وصحيح السنة.

"الْخَامِسَةُ: رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ خُذْهُ وَلَا تَخْدِشْ لَحْمًا، وَلَا تَكْسِرْ عَظْمًا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ هَوَى بِهِ إِلَى مَسْكَنِهِ مِنَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى أَسْفَلِ الْبَحْرِ سَمِعَ يُونُسُ حِسًّا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَا هَذَا؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: (إِنَّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ) قَالَ: (فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ) قَالَ: (فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ) قَالَ: (ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ) قَالُوا: الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ الْحُوتَ بِقَذْفِهِ فِي السَّاحِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ سَقِيمٌ». وَكَانَ سَقَمُهُ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- أَنَّهُ أَلْقَاهُ الْحُوتُ عَلَى السَّاحِلِ كَالصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ قَدْ نُشِرَ اللَّحْمُ وَالْعَظْمُ. وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّ الْحُوتَ سَارَ مَعَ السَّفِينَةِ رَافِعًا رَأْسَهُ يَتَنَفَّسُ فِيهِ يَتَنَفَّسُ فِيهِ يُونُسُ وَيُسَبِّحُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْبَرِّ، فَلَفَظَهُ سَالِمًا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَسْلَمُوا، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ".

الحديث السابق.

طالب: أحسن الله إليك. قال: أخرجه الطبري والبزَّار من حديث أبي هريرة. قال في المجمع: رواه البزَّار عن بعض أصحابه، ولم يسمه، وفيه ابن اسحاق وهو مدلس، انتهى كلامه. وقد كشف الطبري -رحمه الله تعالى- عن علته فقال عن ابن اسحاق عمن حدثه عن عبد الله بن رافع أبيه: فشيخ ابن اسحاق مجهول لا يُعرف فالحديث ضعيف، وقال البزَّار: ولا نعلمه يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ابن اسحاق.

اللهم صلِّ على محمد، نعم الخبر ضعيف.

"وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْبَارِي فِي جِهَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، هُوَ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» فَقِيلَ لَهُ: مَا وَجْهُ الدَّلِيلِ فِي هَذَا الْخَبَرِ؟ فَقَالَ: لَا أَقُولُهُ حَتَّى يَأْخُذَ ضَيْفِي هَذَا أَلْفَ دِينَارٍ يَقْضِي بِهَا دَيْنًا. فَقَامَ رَجُلَانِ فَقَالَا: هِيَ عَلَيْنَا. فَقَالَ: لَا يَتْبَعُ بِهَا اثْنَيْنِ; لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ. فَقَالَ وَاحِدٌ: هِيَ عَلَيَّ. فَقَالَ: إِنَّ يُونُسَ بْنَ مَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْبَحْرِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَصَارَ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، وَنَادَى {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ جَلَسَ عَلَى الرَّفْرَفِ الْأَخْضَرِ وَارْتَقَى بِهِ صُعُدًا، حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ يَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ، وَنَاجَاهُ رَبُّهُ بِمَا نَاجَاهُ بِهِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي ظُلْمَةِ الْبَحْرِ" .

يعني أوضح من هذا بالدلالة وإن كان الكلام باطلًا، وليس بصحيح، يعني أوضح من هذا قوله- عليه الصلاة والسلام-: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» يعني أقرب منه وهو قائم، وليس معنى هذا أن القُرب قُرب مكان، وأن الله -جل وعلا- أقرب إلى الساجد مكانًا من القائم؛ لأن الأدلة القطعية دلت على عُلوِّه على خلقه، وأنه -جل وعلا- في جهة العلو، وأنه مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه، لكن خشية أن يُتوهم أن الإنسان إذا سجد أبعد عن ربه؛ لأن الإنسان مفطور على أن الله -جل وعلا- في جهة العلو. لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء، هذه فطرة خشية أن يُتصور أنه إذا نزل إلى الأرض أبعد، قيل: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ».

 وعلى كل حال كلامه ليس بصحيح؛ لأن الأدلة القطعية متواترة من نصوص الكتاب والسنة تردُّه، لأنه قال: ما الدليل؟ قال ماذا؟

"سُئِلَ عَنِ الْبَارِي".

سُئِلَ عَنِ الْبَارِي فِي جِهَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، وفي جهة العلو بإجماع من يُعتد بقوله من أئمة الإسلام، وعليه دلائل الكتاب والسنة: وهو على عرشه بائن من خلقه، وهذا كلام ليس بصحيح، وقولهم في الجهة؛ والجهة لا شك أنه لفظ مجمل، يحتمل الحق ويحتمل الباطل، إن كان قصدهم أن الجهة تحويه وهي ظرف له تعالى الله عن ذلك، وإن كان قصدهم نفي العلو فالعلو ثابت له بالكتاب وصحيح السنة.

طالب: .....

أجرة، أجرة على جوابه على هذه المسألة، أجرة، ضيفه هذا جاء يخبره أنه مدين بألف دينار لعله يساعده فأخذ أجرة على هذه المسألة الخاطئة الباطلة فجوابه هذا ليس بصحيح، ويؤخذ عليه أجرة، نسأل الله العافية.

"السَّادِسَةُ: ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ: أَنَّ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ أَصَابَ أَهْلَهَا عَاصِفٌ مِنَ الرِّيحِ، فَقَالُوا: هَذِهِ بِخَطِيئَةِ أَحَدِكُمْ. فَقَالَ يُونُسُ وَعَرَفَ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الذَّنْبِ: هَذِهِ خَطِيئَتِي فَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ، وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمْ. {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِذَنْبِي. وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى أَفَاضُوا بِسِهَامِهِمُ.

 الثَّانِيَةَ: فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، وَأَنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يُلْقُوهُ فِي الْبَحْرِ حَتَّى أَعَادُوا سِهَامَهُمُ، الثَّالِثَةَ: فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَذَلِكَ تَحْتَ اللَّيْلِ فَابْتَلَعَهُ الْحُوتُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ تَقَنَّعَ وَرَقَدَ فَسَارُوا غَيْرَ بَعِيدٍ إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ أَنْ تَغْرَقَ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ فَدَعَوْا فَقَالُوا: أَيْقِظُوا الرَّجُلَ النَّائِمَ يَدْعُو مَعَنَا، فَدَعَا اللَّهَ مَعَهُمْ فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ. ثُمَّ انْطَلَقَ يُونُسُ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ، فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ أَنْ تَغْرَقَ، فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ فَارْتَفَعَتِ الرِّيحُ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ رَفَعَ حُوتٌ عَظِيمٌ رَأْسَهُ إِلَيْهِمْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَلِعَ السَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُمْ يُونُسُ: يَا قَوْمِ هَذَا مِنْ أَجْلِي، فَلَوْ طَرَحْتُمُونِي فِي الْبَحْرِ".

يا قومُ: المضاف إلى ياء المتكلم يجوز فيه خمس، خمس لغات: يا قومُ، ويا قومِ، ويا قومَ، ويا قومي، ويا قومياء.

"فَلَوْ طَرَحْتُمُونِي فِي الْبَحْرِ لَسِرْتُمْ، وَلَذَهَبَ الرِّيحُ عَنْكُمْ وَالرَّوْعُ. قَالُوا: لَا نَطْرَحُكَ حَتَّى نَتَسَاهَمَ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ رَمَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: فَتَسَاهَمُوا فَوَقَعَ عَلَى يُونُسَ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اطْرَحُونِي، فَمِنْ أَجْلِي أُوتِيتُمْ، فَقَالُوا: لَا نَفْعَلُ حَتَّى نَتَسَاهَمَ مَرَّةً أُخْرَى. فَفَعَلُوا فَوَقَعَ عَلَى يُونُسَ. فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اطْرَحُونِي، فَمِنْ أَجْلِي أُوتِيتُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".

أُتيتُم بدون واو.

أُتيتُم؟

هذا الأصل؛ لأن أُتيتُم؛ أُعطيتُم، وأُوتيتُم؛ جاءكم ما جاءكم.

"فَمِنْ أَجْلِي أُتِيتُمْ.

أما أُوتيتُم بالواو أُعطيتم، نعم، نعم؟

طالب: أُعطيتم بشيء؟

نعم، معروف الفرق بينهما ظاهر.

"فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أَيْ: وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ؛ لِيُلْقُوهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا الْحُوتُ فَاتِحٌ فَاهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا بِالْحُوتِ، ثُمَّ رَجَعُوا بِهِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِذَا بِالْحُوتِ فَاتِحٌ فَاهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى بِنَفْسِهِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْحُوتِ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا، وَلَكِنْ جَعَلْتُ بَطْنَكَ لَهُ وِعَاءً. فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي.

فَفِي هَذَا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْقُرْعَةَ كَانَتْ مَعْمُولًا بِهَا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَجَاءَتْ فِي شَرْعِنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [آلِ عِمْرَانَ] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ وَرَدَتِ الْقُرْعَةُ فِي الشَّرْعِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ. الْأَوَّلُ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ». الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً».

أعتق اثنين؛ لأنهم الثُلُث، له أن يتصرف بالثُلُث، والقرعة هي الحل الوحيد إذا لم يكن ما يتميز به من هو أولى بالعتق من غيره، أما بالنسبة للقرعة إذا أراد سفرًا فهو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا فيما إذا لم يتحقق العدل، لكن لو أن إنسانًا له أسفار مرتبة؛ يعني يُسافر من كل شهر يومين، معروف يُسافر من كل شهر يومين، هل نقول مثل هذا يستعمل القرعة، أو كل مرة يذهب بواحدة؟ إذا تحقق العدل فهو الأصل، والقرعة إنما يُلجأ إليها إذا لم يمكن الوصول إلى الحق بيقين، النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسافر للغزو، يُسافر للحج والعمرة؛ له أسفار -عليه الصلاة والسلام-، لكنها أسفار غير مرتبة وغير منتظمة متفقة الأيام، أما إذا كانت مرتبة وأمكن فيها العدل فهو الأصل.

طالب: .....

تدخل، الأصل أنها تدخل.

"الثَّالِثُ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي مَوَارِيثَ قَدْ دَرَسَتْ فَقَالَ: «اذْهَبَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ، وَاسْتَهِمَا، وَلْيُحْلِلْ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ»، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَوَاطِنَ، وَهِيَ الْقَسْمُ فِي النِّكَاحِ، وَالْعِتْقِ، وَالْقِسْمَةِ، وَجَرَيَانُ الْقُرْعَةِ فِيهَا لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ وَحَسْمِ دَاءِ التَّشَهِّي. وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْقُرْعَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْغَزْوِ عَلَى قَوْلَيْنِ، الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْإِقْرَاعُ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ بِجَمِيعِهِنَّ لَا يُمْكِنُ، وَاخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِيثَارٌ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقُرْعَةُ".

لكن إذا كان له أسفار منتظمة، ومُخَيَّر في الأيام، مُخَيَّر في الأيام، ويرغب أن تكون صاحبته في السفر واحدة بعينها، فمن أجل أن يتحقق له ما يُريد يجعل السفر في أيام الدراسة مثلاً، يعني أسفاره يومان من كل شهر، يخليهم السبت والأحد، لأن فلانة وفلانة عندهما أولاد يدرسون، يرتاح منهم، تبقى هذه التي ليس لها أولاد يدرسون، فتتعين هذه لا بُد أن يُسافر بها، فإذا قصد أن تكون الأيام من أجل حرمان بعض الزوجات فهو آثم، يأثم بهذا، ولا يكفيه أن يُعذَر في الظاهر لاسيما إذا كان العمل من أجل سفر لا يتطلب أيام بعينها، لكن لو كان سفره من أجل إدراك دوائر شرعية لا يتسنى له الذهاب إليها إلا في أيام الدراسة فهذا معذور، فإذا قالت الأولى والثانية ولهُنَّ أولاد، والثالثة يدرسون وأَذِنُوا له أن يُسافر بالرابعة وخَيَّرَهُم التي تريد تروح الله يحييها تمشي معنا، قال الثلاثة: والله ما نقدر نروح، نحن عيالنا يدرسون، هو معذور في هذا، لكن الإشكال إذا كان لديه أكثر من خيار يُتِيح للجميع الاختيار، وهذه من الدقائق قد يفعلها الإنسان وقصده الظاهر إصلاح، وهو في الباطن فيه شيء من الميل والجور، فعلى الإنسان أن يتقي الله- جل وعلا- فيما أؤتمن عليه، نعم كل شيء له ضريبة. بعض الناس يقول: أتزوج امرأة ليس لها أولاد تكون مثل الحقيبة معي في الأسفار والروحات ليس بصحيح، هي كغيرها، زوجة كغيرها من الزوجات.

طالب: القرعة بدل الاستخارة يا شيخ؟

كيف؟

طالب: بدل الاستخارة؟

ما علاقة الاستخارة بهذا؟ الاستخارة من أجل السفر هل يُسافر أو لا يُسافر؟ فإذا قرر السفر وانتهى وعنده أكثر من زوجة يُقرع بين نسائه.

طالب: شيخنا الميل القلبي أحيانًا يكون أساسيًّا.

الميل القلبي، لكن لا يترتب عليه أثر عملي، لا يترتب عليه أثر عملي، القلب ما يملكه إلا الله -جل وعلا-.

طالب: .....  

لا لا، ليس لا بُد، لا ما هو لا بُد أبدًا، ما يلزم، يعني إذا كان الميل القلبي يترتب عليه تخفيف القراءة، أو تخفيف درس، أو ما أشبه ذلك يقول: هذا بقلبي داء؟ بعض الناس تجده يجلس في المسجد يومًا يقرأ ساعة، ويومًا يقرأ نصف ساعة، هل هو مأجور على الزيادة أو آثم؟ ما الوقت لا يملكه، العدل لا بد منه، والذي لا يعدل بين نسائه يأتي وشِقَّهُ يوم القيامة مائل -نسأل الله العافية-، لكن العدل يعني مائة بالمائة وبدقة، وبحيث لا تزيد واحدة عن الأخرى من كل وجه هذا {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129]، لكن على الإنسان أن يهتم بهذا الباب، بعض الإخوان يستمسك بهذه الآية، ويُنكب عن العدل جانبًا لا.

طالب: إنسان مُعدد فما للزوجة من التساوي؟

لا بد من التساوي.

طالب: إذا كان واحدة عندها أولاد، وواحدة ما عندها أولاد....

الزوجات بالتساوي، والأولاد لهم نصيبهم قدر زائد على، لكن بعض الناس يقول: إن الزوجات تتفاوت مطالبهن، يقول: يحتاجون إلى ملابس لمناسبة من المناسبات، الملابس الأولى ما تكلفه، ما تكلفه مثل ما تكلف ملابس الصغيرة، الواقع يشهد بهذا، هل نقول إذا اشترى للأولى ثوب أو قماش بمائة ريال له أن يشتري للثانية بخمسمائة؟ لأن هذه لا يُناسبها ما يُناسب تلك، العدل إنما يتحقق بالمال، هم يحتاجون يعطونهم مالًا مقطوعًا يتصرفون فيه.

"وَكَذَلِكَ".  

فإشكال أن هناك أمورًا ما يمكن ضبطها، مسائل العلاج، مسائل الأكل والشرب، هذه حاجات أصلية لا يلزم فيها العدل، هذه تحتاج إلى علاج ضغط، وهذه تحتاج إلى ما أدري إيش، مشكلة، وهذه امرأة كبيرة فيها سكر، وتحتاج إلى علاج، وتحتاج إلى مراعاة، يعني هذه أمور أصلية ما يُنظر فيها إلى العدل، لا يدخلها، كما أنه لا يُنظر إلى مقدار ما تأكله هذه، أو تأكله هذه، هذه أمور ما يُمكن ضبطها.

"وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا ثُلُثٌ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَتَعْيِينُهُمَا بِالتَّشَهِّي لَا يَجُوزُ شَرْعًا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقُرْعَةُ. وَكَذَلِكَ التَّشَاجُرُ إِذَا وَقَعَ فِي أَعْيَانِ الْمَوَارِيثِ لَمْ يُمَيِّزِ الْحَقَّ إِلَّا الْقُرْعَةُ، فَصَارَتْ أَصْلًا فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَحَقِّ إِذَا أَشْكَلَ. قَالَ: وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنْ تُجْرَى فِي كُلِّ مُشْكِلٍ، فَذَلِكَ أَبْيَنُ لَهَا وَأَقْوَى لِفَصْلِ الْحُكْمِ فِيهَا، وَأَجْلَى لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ عَنْهَا، وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الطَّلَاقِ كَالْقُرْعَةِ بَيْنَ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ" .

في الطلاق إذا طلق زوجة لا بعينها، قال: إحدى الزوجات طالق يُقرع بينهما، يقع الطلاق على من تقع له القرعة.

طالب: وإن نوى؟

النية تُحدد، نعم.

طالب: يعني يدخُل فيها النية؟

كيف؟ لا لا، هذا إذا لم ينوِ، لكن المسألة ديانة؛ يعني لو خرجت القرعة على أحب نسائه إليه، ثم قال: لا، ما نويت هذه، ديانة.

طالب: لكن يُلزم يا شيخ أن يُقاضي على أساس نيته؟

لا، الأصل يُطالب بلفظه، الأصل لفظه، لكن إن ادعى شيئًا خفيًّا فالمسألة ديانة.

"السَّابِعَةُ: الِاقْتِرَاعُ عَلَى إِلْقَاءِ الْآدَمِيِّ فِي الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي يُونُسَ وَزَمَانِهِ مُقَدِّمَةً لِتَحْقِيقِ بُرْهَانِهِ، وَزِيَادَةً فِي إِيمَانِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَاصِيًا أَنْ يُقْتَلَ، وَلَا يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ أَوِ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا تُجْرَى عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى مِقْدَارِ جِنَايَتِهِ".

يعني مثل ما حصل من الخضر حينما قتل الغلام، لو افترض أن غلامًا آذى أهله، آذى والديه، وشَقَّ عليهما، وتَمَنَّيا موته، فهل يجوز قتله؟ لا يجوز قتله بحال، وكذلك المال لا يجوز إلقاؤه إلا إذا ترتب على إلقائه نجاة ما هو أهم منه كالإنسان، وإلا لو أن إنسانًا مدينًا بمبلغ ثم وضع هذا المبلغ في وعاء، وبعثه في البحر إلى صاحبه الدائن، وإن مُدِحَ عليه الإسرائيلي، إلا أنه في شرعنا لا يجوز؛ لأن فيه تضييعًا للمال، مهما بلغ الإنسان من التوكل، مهما بلغ من التوكل؛ لأن هذا في شرعنا ممنوع، القصة في الصحيح، ومُدِحَ عليها الإسرائيلي، ومُدِحَ من أجلها؛ لقوة توكله، لكن الذي في شرعنا لا يجوز إضاعة المال، وتعريضه لمثل هذا إضاعة.

طالب: أحسن الله إليك، تُخرَج عليه العمليات الفدائيات؟

ماذا يعني؟

طالب: العمليات الفدائيات تُخرَج على مثل هذا؟

ما وجه الشبه؟

طالب: فداه أصحاب السفينة بنفسه.

فداه أصحاب السفينة بنفسه، لا لا محال فارقة، لا فرق، أولاً ليس هذا من شرعنا، ولو ازدحمت السفينة، واقتضى الأمر أن يُلقى مجموعة منهم اثنان، ثلاثة، حتى تخف فما يجوز، ما يجوز بحال، نعم من أطَّلَعَ على العواقب، من أُطلِعَ على العواقب له ذلك، كما فعل الخضر في خرق السفينة، والظاهر أن أهلها يغرقون، لكن العاقبة هو يعرف العاقبة {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82].

طالب: .....

معروف، معروف أن هذا يُوحى إليه.

"وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْبَحْرَ إِذَا هَالَ عَلَى الْقَوْمِ اضْطَرَبوا".

فَاضْطُرُّوا.

"أَنَّ الْبَحْرَ إِذَا هَالَ عَلَى الْقَوْمِ فَاضْطُرُّوا إِلَى تَخْفِيفِ السَّفِينَةِ أَنَّ الْقُرْعَةَ تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ، فَيُطْرَحُ بَعْضُهُمْ تَخْفِيفًا، وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهَا لَا تَخِفُّ بِرَمْيِ بَعْضِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَكِنَّهُمْ يَصْبِرُونَ عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

الثَّامِنَةُ".

طالب: أحسن الله إليك، مع هذا التطويل يا شيخ ما ذكر المؤلف فعل المدحضين في اللغة؟

نعم؟

طالب: المؤلف ما ذكر معنى المدحضين مع هذا التطويل إلى الآن، ما ذكر فيه فعل المدحضين؟

ولا؟

طالب: فعل المدحضين.

{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141] شو قال؟

أنت حضرت؟ أي من المغلوبين الثالثة، الثالثة نعم، واستشهد عليها بالشعر، يمكن أن نجاوب عندما تجيء.

طالب: .....

يعني أن تُخفف.

طالب: نعم، لكن إذًا فيه شبهة أن بعض الرجال يُظن أنهم ينجون، بينما الأموال لا؟

فروع هذه المسألة لا تنتهي، ولا شك أن الشرع جاء بتحقيق المصالح ودرء المفاسد بقدر الإمكان، يعني لو أن زنتها تحمل ألف كيلو فركب فيها عشرون رجلاً زنتهم ألف ومائتين مثلاً، هل نقول يُلقى اثنان أو ثلاثة من أجل أن تتحمل؟ وهل نوازن بين أوزانهم؟ نقول: بدل ما نُلقي ثلاثة نُلقي اثنين سمينين؟ لا فروع المسألة ما تنتهي.

طالب: أقصد يا شيخ يعني هل يُلقى المال أو يُلقى الرجال؟

يُلقى المال بلا شك.

طالب: نعم، لكن فيها شبهة أن الرجال لو أُلقوا ممكن أن يسبحوا وينجوا.

لا، هذه مسألة ثانية، يعني لو صارت المفاضلة وقعت القرعة على شخص عدم القول بجوازها، وقعت القرعة على شخص لا يُحسن السباحة، وفي السفينة من يُحسنها، هذه مسائل ما تنتهي، نعم.

"الثَّامِنَةُ: أَخْبَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ يُونُسَ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، وَأَنَّ تَسْبِيحَهُ كَانَ سَبَبَ نَجَاتِهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ إِذَا عَثَرَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} مِنَ الْمُصَلِّينَ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ لِحِفْظِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ فَنَجَّاهُ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ :لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَمَلٌ صَالِحٌ {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}".

يعني كان ممن تعرف على الله في الرخاء فعُرِف في هذه الشدة.

"قَالَ: وَمَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ رَبَّهُ إِذَا عَثَرَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ :{مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} مِنَ الْمُصَلِّينَ الْمُطِيعِينَ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ وَهْبٌ: مِنَ الْعَابِدِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَ لَهُ صَلَاةٌ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ عَمَلًا صَالِحًا فِي حَالِ الرَّخَاءِ فَذَكَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي حَالِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَإِذَا عَثَرَ وَجَدَ مُتَّكَأً .

مُتَّكَأً .

"مُتَّكَأً .

قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ فَيَجْتَهِدُ الْعَبْدُ، وَيَحْرِصُ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، يُخْلِصُ فِيهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَيَدَّخِرُهَا لِيَوْمِ فَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ، وَيُخَبِّئُهَا بِجَهْدِهِ، وَيَسْتُرُهَا عَنْ خَلْقِهِ، يَصِلُ إِلَيْهِ نَفْعُهَا أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ»".

الحديث: «مَنِ اسْتَطَاعَ».

طالب: أحسن الله إليك. قال: أخرجه الطبري من حديث ابن عمر، وورد من حديث الزبير بن العوام. أخرجه الخطيب، وابن الجوزي في العلل، وضعفه، ونقل عن الدارقُطنيّ أنه صوب الوقف، انتهى كلامه. ومع ذلك فقد ذكره الألباني في الصحيح.

ولعل الموقوف أجود.

"وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ -فِي رِوَايَةٍ: مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ الْغَارِ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ» الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، شُهْرَتُهُ أَغْنَتْ عَنْ تَمَامِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ :لَمَّا قَالَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}  قَذَفَهُ الْحُوتُ. وَقِيلَ: مِنَ الْمُسَبِّحِينَ مِنَ الْمُصَلِّينَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ" .

والصلاة، والصلاة قالوا: لها سُبحة، قالوا: لها سُبحة لاسيما النافلة.

"قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَسْبِيحُ اللِّسَانِ الْمُوَافِقُ لِلْجَنَانِ".

وهذا هو الأصل في الكلمة، هذا هو الأصل أن التسبيح قول: سبحان الله.

"وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ: فَسَبَّحَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. قَالَ: فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ، فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا ضَعِيفًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ. وَتَكُونُ "كَانَ" عَلَى هَذَا الْقَوْلِ زَائِدَةً، أَيْ: فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– قَالَ: «دُعَاءُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} لَمْ يَدْعُ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ»، وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ [الْأَنْبِيَاء] فَيُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ قَبْلُ مُصَلِّيًا مُسَبِّحًا، وَفِي بَطْنِ الْحُوتِ كَذَلِكَ. وَفِي الْخَبَرِ: فَنُودِيَ الْحُوتُ: إِنَّا لَمْ نَجْعَلْ يُونُسَ لَكَ رِزْقًا، إِنَّمَا جَعَلْنَاكَ لَهُ حِرْزًا وَمَسْجِدًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} رُوِيَ أَنَّ الْحُوتَ قَذَفَهُ بِسَاحِلِ قَرْيَةٍ مِنَ الْمَوْصِلِ. وَقَالَ ابْنُ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: طُرِحَ يُونُسُ بِالْعَرَاءِ".

الموصل، الموصل حولها بحر؟ الموصل حولها بحر؟ شمال العراق فيه؟

طالب: الفرات.

النهر موجود، لكن ماذا يقول؟ بساحل؟

طالب: بساحل قرية الموصل.

ما فيه إشكال، نعم.

طالب: قرية من الموصل.

نعم يعني المقصود النهر.

"وَقَالَ ابْنُ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: طُرِحَ يُونُسُ بِالْعَرَاءِ وَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَقْطِينَةً، فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا الْيَقْطِينَةُ؟ قَالَ: شَجَرَةُ الدُّبَّاءِ، هَيَّأَ اللَّهُ لَهُ أُرْوِيَّةً وَحْشِيَّةً تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ أَوْ هَشَاشِ الْأَرْضِ".

نعم، الأروية قالوا: الأنثى من الوعول، الأنثى وفيها لبن حديثة عهد بولادة، فصارت ترضعه مع ما عنده من اليقطين الذي هو القرع والدبة على القول الصحيح.

"فَتَفْشِجُ عَلَيْهِ فَتَرْوِيهِ مِنْ لَبَنِهَا كُلَّ عَشِيَّةٍ وَبُكْرَةٍ حَتَّى نَبَتَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ بِهِ -يَعْنِي الْحُوتَ- حَتَّى لَفَظَهُ فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَطَرَحَهُ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ. وَقِيلَ: إِنَّ يُونُسَ لَمَّا أَلْقَاهُ الْحُوتُ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ أَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ شَجَرَةُ الْقَرْعِ تَتَقَطَّرُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّبَنِ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَيْهِ قُوَّتُهُ. ثُمَّ رَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الشَّجَرَةِ فَوَجَدَهَا يَبِسَتْ، فَحَزِنَ وَبَكَى عَلَيْهَا فَعُوتِبَ، فَقِيلَ لَهُ: أَحَزِنْتَ عَلَى شَجَرَةٍ وَبَكَيْتَ عَلَيْهَا، وَلَمْ تَحْزَنْ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي، أَسْرَى فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ، وَأَرَدْتُ إِهْلَاكَهُمْ جَمِيعًا".

وَأَرَدْتَ.

"وَأَرَدْتَ إِهْلَاكَهُمْ جَمِيعًا".

نعم هذه الأروية التي تأكل من هشاش الأرض أو خشاشها، ثم تأتي فتروي من لبنها ما ذُكِر كل عشية وبُكرة، هل المقصود أنها تروي يونس، أو تروي الشجرة؟

طالب: يونس، فقال حتى نبت.

طالب آخر: يونس ترويه؟

نعم؛ لأنه حتى نبت، وتتقطر عليه من اللبن الشجرة، تتقطر عليه من اللبن حتى رجعت إليه قوته.

طالب: .....

نعم كأنه منفوس نعم.

"وَقِيلَ: هِيَ شَجَرَةُ التِّينِ. وَقِيلَ: شَجَرَةُ الْمَوْزِ تَغَطَّى بِوَرَقِهَا، وَاسْتَظَلَّ بِأَغْصَانِهَا، وَأَفْطَرَ عَلَى ثِمَارِهَا. وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا شَجَرَةُ الْيَقْطِينِ عَلَى مَا يَأْتِي".

طالب: بنص الكتاب يا شيخ؟

نعم؟

طالب: اليقطين؟

ماذا؟

طالب: الأظهر أنها شجرة اليقطين في الكتاب {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:146]؟  

نعم منصوص عليها في التفسير منصوص عليها.

"ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اجْتَبَاهُ".

لكن تفسيرها بالدبة هو الذي يحتاج، هو الراجح أن اليقطين هو الدبة.

"ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اجْتَبَاهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ".

لا، هو يحتاج إلى تفسير اليقطين، لا تفسير الشجرة بأنها من يقطين؛ لأنه مفسر من، لأن من بيانه هذه.

"ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمَهُ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَابَ عَلَيْهِمْ، فَعَمَدَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَ رَاعِيًا فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْمِ يُونُسَ وَعَنْ حَالِهِمْ وَكَيْفَ هُمْ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّهُمْ عَلَى رَجَاءٍ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ رَسُولُهُمْ".

لأنهم تابوا، وآمنوا، وكُشِف عنهم العذاب. مادام تابوا هم بحاجة إلى رسولهم، تمنوا رجوعه، نعم.

"فَقَالَ لَهُ: فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي قَدْ لَقِيتُ يُونُسَ . فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ إلَّا بِشَاهِدْ".

لأنه يخشى أن يكذبوه فيقتلونه؛ لأن جزاءه القتل عندهم.

"فَسَمَّى لَهُ عَنْ زَمٍّ غَنَمِهِ فَقَالَ: هَذِهِ تَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ لَقِيتَ يُونُسَ. قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: وَهَذِهِ الْبُقْعَةُ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا تَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ لَقِيتَ يُونُسَ، قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ تَشْهَدُ لَكَ أَنَّكَ لَقِيتَ يُونُسَ. وَأَنَّهُ رَجَعَ الرَّاعِي إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَقِيَ يُونُسَ فَكَذَّبُوهُ وَهَمُّوا بِهِ شَرًّا، فَقَالَ: لَا تَعْجَلُوا عَلَيَّ حَتَّى أُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِهِمْ إِلَى الْبُقْعَةِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا يُونُسَ، فَاسْتَنْطَقَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ أَنَّهُ لَقِيَ يُونُسَ، وَاسْتَنْطَقَ الشَّاةَ وَالشَّجَرَةَ فَأَخْبَرَتَاهُمْ أَنَّهُ لَقِيَ يُونُسَ، ثُمَّ إِنَّ يُونُسَ أَتَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَمَا قَبْلَهُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَنَبَذْنَاهُ: طَرَحْنَاهُ. وَقِيلَ: تَرَكْنَاهُ. بِالْعَرَاءِ: بِالصَّحْرَاءِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: بِالْفَضَاءِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْوَاسِعُ مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَاءُ: الْمَكَانُ الْخَالِي".

والعراء في الغالب يُطلق على المكان المكشوف غير المغطى أو المسقوف.

"قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَرَاءُ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَأَنْشَدَ لِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ:

وَرَفَعْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا

وَنَبَذْتُ بِالْبَلَدِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي

وَحَكَى الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ سَقِيمٌ : جَمْعُ سَقِيمٍ سَقْمَى وَسَقَامَى وَسِقَامٌ. وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} وَقَالَ فِي "ن وَالْقَلَمِ": {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}".

نعم فيه شيء من التعارض، بينما عندنا {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} الجزم، وفي سورة "ن والقلم" {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ}، ولولا حرف امتناع لوجود، لولا النعمة موجودة لنُبِذ، فدل على أنه لم يُنبَذ، فالعراء النبذ بالعراء المُثبت هو مع خلوه من الذم، والنبذ بالعراء المنفي في سورة "ن" الذي لم يحصُل لتدارك النعمة إنما هو المقرون بالذم.

"وَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- خَبَّرَ هَاهُنَا أَنَّهُ نَبَذَهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَلَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، قَالَهُ النَّحَّاسُ .

وَقَوْلُهُ: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} يَعْنِي عَلَيْهِ أَيْ: عِنْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} أَيْ: عِنْدِي. وَقِيلَ: عَلَيْهِ بِمَعْنَى لَهُ. شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ الْيَقْطِينُ".

مثل ما يُقال: فلان عليه دين لفلان يعني عنده دين.

"الْيَقْطِينُ: شَجَرُ الدُّبَّاءِ: وَقِيلَ غَيْرُهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَفِي الْخَبَرِ: (الدُّبَّاءُ وَالْبِطِّيخُ مِنَ الْجَنَّةِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لِكُلِّ شَجَرَةٍ لَيْسَ لَهَا سَاقٌ يَفْتَرِشُ وَرَقُهَا عَلَى الْأَرْضِ يَقْطِينَةٌ، نَحْوَ الدُّبَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْحَنْظَلِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا سَاقٌ يُقِلُّهَا فَهِيَ شَجَرَةٌ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَيْ: بِعُرُوقٍ تَفْتَرِشُ فَهِيَ نَجْمَةٌ وَجَمْعُهَا نُجُمٌ".

نَجْمٌ نَجْمٌ.

"وَجَمْعُهَا نَجْمٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}".

فالنجم ما لا ساق له، والشجر له ساق.

"وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ. قَالُوا: كُلُّ نَبْتٍ يَمْتَدُّ وَيُبْسَطُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْقَى عَلَى اسْتِوَاءٍ وَلَيْسَ لَهُ سَاقٌ نَحْوُ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالْحَنْظَلِ فَهُوَ يَقْطِينٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ عَامِهِ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَوْزُ .

قُلْتُ: وَهُوَ مِمَّا لَهُ سَاقٌ" .

يعني الموز له ساق فهو شجر.

"قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْيَقْطِينُ مَا لَا سَاقَ لَهُ كَشَجَرِ الْقَرْعِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: اشْتِقَاقُ الْيَقْطِينِ مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ".

لكن وإن لم يكن له ساق، وإن امتد على الأرض إلا أنه شجر، كما قال الله -جل شأنه-: {شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}[الصافات:146]، يعني تفريق أهل العلم بين النجم والشجر أن النجم ما لا ساق له، والشجر له ساق، اليقطين مقطوع بأنه لا ساق له؛ لأنه يمتد على الأرض، ومع ذلك قال الله -جل وعلا-: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}[الصافات:146].

"قَالَ الزَّجَّاجُ: اشْتِقَاقُ الْيَقْطِينِ مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ، فَهُوَ يَفْعِيلٌ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. وَقِيلَ: إِنَّمَا خُصَّ الْيَقْطِينُ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ ذُبَابٌ. وَقِيلَ: مَا كَانَ ثَمَّ يَقْطِينٌ فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ فِي الْحَال . قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَفِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَفْرُوشًا لِيَكُونَ لَهُ ظِلٌّ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: كَانَتْ تُظِلُّهُ فَرَأَى خُضْرَتَهَا فَأَعْجَبَتْهُ".

مفروشًا أم معروشًا؟

طالب: معروش.

لأنه إن كان مفروشًا فليس له ظل، إذا كان معروشًا مثل العنب صار له ظل، ما فيه نسخة ثانية؟ إذا كان لا ساق له وهو مفروش على الأرض ما ليس له ظل، لكن إن كان معروشًا مثل العنب صار له ظل، واللفظ ما فيه فرق بين مفروش ومعروش، لكن ما فيه شيء من النسخ نبه على هذا؟ مفروش يعني ما له ظل، إذا كان مفروشًا، المفروش على الأرض له ظل؟ لا، لكن الذي له ظل هو المعروش الذي يوضع على عرش كالعنب.

طالب: قد يكون له ساق.  

ما يجري ساق، اليقطين ما له ساق.

طالب: .....

لا لا إذا كان مثل اليقطين ما تظل، اليقطين مفروش ما يظل.

طالب: لكن يا شيخ بعضهم يُعرِّشُه.

إذا كان معروشًا انتهى الإشكال.

طالب: يعني ما يصير كبير فيجعلوا له عريشة.

معروف مثل العنب، نعم، لكن هل هو معروش أم مفروش؟

قَالَ الثَّعْلَبِيُّ.  

طالب: أحسن الله إليك.

نعم؟

طالب: وجه استدراك القرطبي على قول سعيد بن جبير: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ عَامِهِ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَوْزُ .قُلت وهو كل ما له ساق، فهل هذا استدراك في محله؟

إذا كان الموز له ساق؛ نعم سعيد بن جبير يرى أن اليقطين؟

طالب: كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ عَامِهِ.

نعم، لكنه من النوع الذي سبق ليس له ساق فيموت من عامه؛ يعني هذا الجمع بين الأقوال، ثم بعد ذلك هو ما له ساق، إن كان قصد سعيد بن جُبير من الكلام السابق واستُدرِك عليه بأنه يموت، استدرك على من تقدم فالموز له ساق.

طالب: هل هو مقطوع أن اليقطين الدُّبَّاءِ؟

هذا قول الجماهير؛ جماهير أهل العلم نعم.

"قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: كَانَتْ تُظِلُّهُ فَرَأَى خُضْرَتَهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَيَبِسَتْ فَجَعَلَ يَتَحَزَّنُ عَلَيْهَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا يُونُسُ أَنْتَ الَّذِي لَمْ تَخْلُقْ وَلَمْ تَسْقِ وَلَمْ تُنْبِتْ تَحْزَنُ عَلَى شُجَيْرَةٍ، فَأَنَا الَّذِي خَلَقْتُ مِائَةَ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ يَزِيدُونَ تُرِيدُ مِنِّي أَنْ أَسْتَأْصِلَهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ تَابُوا وَتُبْتُ عَلَيْهِمْ، فَأَيْنَ رَحْمَتِي يَا يُونُسُ؟ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الثَّرِيدَ بِاللَّحْمِ وَالْقَرْعِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْقَرْعَ وَيَقُولُ: إِنَّهَا شَجَرَةُ أَخِي يُونُسَ» وَقَالَ أَنَسٌ: «قُدِّمَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَقٌ فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ فَجَعَلَ يَتْبَعُ الدُّبَّاءَ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ». قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ" .

قف على هذا، الكلام طويل عليه.

 اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.