الشمائل النبوية (14)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم بكل خير وأهلا بكم إلى حلقة جديدة في برنامج الشمائل النبوية، مع بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
من كتاب شمائل النبي للإمام الحافظ أبي عيسى الترمذي والذي نقرأ بعض أحاديثه في هذا البرنامج في باب ما جاء في ذكر خاتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وغير واحد عن عبد الله بن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان خاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- من وَرِق وكان فصه حبشيًا.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث أنس- رضي الله عنه- في خاتم النبي -عليه الصلاة والسلام- وله عدة أحاديث في الخاتم النبوي، هذا الحديث الذي معنا مخرج في صحيح مسلم في كتاب اللباس والزينة في باب الخاتم الورق فصه حبشي وهو أيضًا عند أصحاب السنن، وأخرج البخاري- رحمه الله تعالى- حديث أنس في باب فص الخاتم من كتاب اللباس وفيه أنه كان فصه منه، ويأتي التوفيق بين حديث الباب: "كان فصه حبشيًا" وبين ما رواه البخاري: " وكان فصه منه" أولاً: الخاتم ويجمع على خواتيم وخواتم وعلى خياتيم بياء بدل الواو، وبلا ياء خياتم، قال ابن حجر: في الخاتم ثمان لغات: بفتح التاء وكسرها خاتَم، وخاتِم، وهما واضحتان، وبتقديمها على الألف مع كسر الخاء خِتام، وبفتحها وسكون التحتانية وضم المثناة بعدها واو خيتوم، وبحذف الياء والواو مع سكون المثناة، ختْم وبألف بعد الخاء خاتام، وأخرى بعد التاء خاتام، وبزيادة تحتانية بعد المثناة المكسورة خايتام، وبحذف الألف الأولى وتقديم التحتانية خيتام. والفَص كما قال الجوهري بفتح الفاء والعامة تكسرها فِص، وأثبتها غيره لغة، يعني بعض العرب أثبتوا الكسر وزاد بعضهم الضم فُص، والأشهر ماذا؟ الفَص بالفتح، وبعضهم أثبت الكسر لغة فِص، وزاد بعضهم الضم، وعليه جرى ابن مالك في المثلث يعني بتثليث الفاء.
الفتح والضم والكسر.
نعم، هناك كتب في المثلث لكن من المثلث ما دلالته واحدة يعني يدل على شيء واحد كما هنا واحد.
كل شيء له معنى.
ومنه ماله أكثر من معنى، وعلى هذا جاء مثلث قطرب يأتي بالكلمة بالفتح كذا وبالضم كذا وبالكسر كذا، نحو: رَشا ورِشا ورُشا غَمر وغُمر وغِمر قوله "كان خاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- من ورق" أي من فضة، الورق هو الفضة، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الخاتم من ذهب في حديث البراء بن عازب وحديث أبي هريرة خرجهما البخاري في صحيحه، وعن عبد الله- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتمًا من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه فاتخذه الناس فرمى به واتخذ خاتمًا من ورق أو فضة. وأما خاتم الحديد ففيه ما أخرجه أصحاب السنن، عرفنا أن خاتم الفضة هو خاتم النبي -عليه الصلاة والسلام- وخاتم الذهب ورد النهي عنه، اتخذه النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر ثم رمى به فهو محرم، وخاتم الحديد فيه ما أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان من رواية عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلاً جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه خاتم من شبه فقال «ما لي أجد منك ريح الأصنام» فطرحه ثم جاءه وعليه خاتم من حديد فقال «ما لي أرى عليك حلة أهل النار» فطرحه فقال يا رسول الله من أي شيء أتخذ؟ يعني الخاتم قال «اتخذه من ورِق ولا تتمه مثقالاً» وفي إسناده أبو طيبة عبد الله بن مسلم المروزي قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف. على كل حال: الحديث ضعيف ولذا ترجم الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب خاتم الحديد، وذكر فيه حديث الواهبة، المرأة التي وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام- فصعّد فيها النظر وصوّبه إلى أن عرفت أنه لا يريدها فطلبها رجل من الحاضرين من الصحابة، فقال له النبي-عليه الصلاة والسلام- «التمس ولو خاتمًا من حديد»، فالحديث يستدل به البخاري على الجواز، فكأنه لم يثبت عنده النهي، فحديث الواهبة في الصحيحين وحديث النهي عن لبس خاتم الحديد لا شك أن فيه ما فيه، فاستدل بحديث الواهبة على جواز لبس خاتم الحديد، قال ابن حجر: ولا حجة فيه؛ لأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس، كذا قال ابن حجر لكن هل هناك تلازم بين الاستعمال والاتخاذ.
يعني في الأصل لا بد أن يكون هناك تلازم يا شيخ يعني يبي يكون عنده خاتم من حديد لماذا إذا لم يستعمله؟
يمكن أن يظهر هذا جليًا في الأشياء الممنوع استعمالها تتخذ زينة أو تحف.
يعني كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول له «التمس ولو خاتمًا من حديد» يدل على أنه يلبس
لماذا صنع إلا للبس بلا شك؛ ولذا كلام الحافظ: ولا حجة فيه؛ لأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس؛ ولذا بعضهم يفرق في حديث النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة، بعضهم يطرد الشرب فيهما وسائر الاستعمالات ومجرد الاتخاذ وبعضهم يقول لا، نقتصر على مورد النص فلا يجوز الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وما عدا ذلك يجوز، لكن ما معنى اتخاذ الممنوع وحبس المال بسببه وهو لا يجوز استعماله؟ "وكان فصه حبشيًا" أي معدنه كان بالحبشة أو أن صانعه حبشي، وجاء في الحديث الصحيح المخرج في البخاري وغيره: وكان فصه منه. قال ابن حجر: لا تعارض بينهما لأنه إما أن يحمل على التعدد، يعني عنده أكثر من خاتم أحدهما فصه حبشي، والثاني فصه منه، أو يكون هو نفسه واحد وفصه منه، ونسب إلى الحبشة لصفة فيه إما لصياغة أو إما لنقش، لا يمنع أن يكن الفص من نفس المعدن وصانعه أو أن هذا المعدن يؤتى به من الحبشة وهو جزء منه، فلا تعارض وسبب اتخاذه -صلى الله عليه وسلم- الخاتم ما خرّجه الترمذي في الشمائل وهو في صحيح مسلم أيضًا من حديث أنس بن مالك قال: لما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكتب إلى العجم قيل له إن العجم لا يقبلون إلا كتابًا عليه خاتم فاصطنع خاتما فكأني أنظر إلى بياضه في كفه، هذا هو السبب في اتخاذ الخاتم من قبله -عليه الصلاة والسلام- الخطابي يقول: لم يكن لباس الخاتم من عادة العرب، في الحديث الذي مر بنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن عنده خاتم، وما اتخذ خاتما لكن لما قيل له أن العجم لا يقبلون إلا ما كان مختومًا اصطنع خاتمًا. فالخطابي يقول: لم يكن لباس الخاتم من عادة العرب فلما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكتب إلى الملوك اتخذ الخاتم واتخذه من ذهب ثم رجع عنه لما فيه من الزينة ولما يخشى من الفتنة وجعل فصه مما يلي باطن كفه ليكون أبعد من التزين.
يا شيخ يعني الكتابة من الداخل؟ وهل هذا من أجل عدم التزين فقط؟ ألا توجد علة أخرى؟ يمكن أن يقال أنه لا يريد الكتابة أن تبرز مثلاً إذا كان في أماكن مستقذرة؟
إذا كان في أماكن مخفاة لا بأس، العلة ظاهرة لكنه مطَّرد، فخاتمه فصه مما يلي باطن الكف.
لكن الملاحظ أن أغلب الذين يلبسون يجعلون الفَص أعلى في ظهر الكفر.
على كل حال لبس الخاتم لغير ذي سلطان اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- يأتي الكلام فيه في أصل اللبس.
إذًا تأذن لنا أن نستكمل هذا-بإذن الله- في الحلقة القادمة خصوصًا أن هناك بعض الأمور المتعلقة بلبس الخاتم وما فيه أيضًا مما تعرض له أهل العلم في هذه المسألة نستأذنك أن يكون في الحلقة القادمة بإذن الله، مستمعي الكرام نستكمل بإذن الله تعالى ما تبقى من الحديث حول باب ما جاء في ذكر خاتم النبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلقة القادمة بإذن الله، شكرًا لطيب متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.