التعليق على تفسير القرطبي - سورة فصلت (01)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

سُورَةُ فُصِّلَتْ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ أربع وخمسون، وقيل: ثلاث وخمسون آية.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قَالَ الزَّجَّاجُ:" تَنْزِيلٌ" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ" كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ" وَهَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ عَلَى إِضْمَارِ هَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ:" كِتَابٌ" بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ:" تَنْزِيلٌ"، وَقِيلَ: نَعْتٌ لِقَوْلِهِ:" تَنْزِيلٌ"، وَقِيلَ:" حم" أَيْ هَذِهِ" حم"، كما تقول باب كَذَا، أَيْ هُوَ بَابُ كَذَا، فَ" حم" خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ أَيْ هُوَ" حم"، وَقَوْلُهُ:" تَنْزِيلٌ" مبتدأ آخر، وقوله:" كِتابٌ" خبره" فُصِّلَتْ آياتُهُ" أَيْ بُيِّنَتْ وَفُسِّرَتْ."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

 إعراب حم مبني على أن لها معنى أو لا معنى لها، فإن كان لها معنى كما قال ذلك جمع من أهل العلم وأن الحاء ترمز إلى شيء، والميم اختصار لبعض الأسماء الحسني، ومنهم من يقول: هذا اسم السورة، ومنهم من يقول.. إلى آخره من الأقوال التي تقدمت مرارًا، أما الذي يقول: إنها حروف مقطعة ولا معنى لها، والله أعلم بمراده بها فهذا لا محل لها من الإعراب حينئذ، وإذا قلنا: إن لها معنى فلابد أن نقدر لها خبرًا، قلنا هي مبتدأ، أو نقدر لها مبتدأً إن قلنا: هي خبر لمبتدأ محذوف كما يقدر مبتدأ لباب، يعني في أبواب العلم، كتب العلم يقول: باب كذا، باب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا باب، وقد يقدرونه إذا كان مضافًا لما بعده مبتدأً وخبره محذوف، وقد- وهذا على قلة- يُقدر فعل يعمل فيه النصب، يقال: باب كذا.

 والكرماني اختار أنه يمكن أن يسكن، باب، ولا يكون له إعراب، وإنما من باب التعداد فقط باب كذا وباب كذا وباب كذا، التعداد فقط، فيسكن حينئذ.

 طالب: ..........

نعم، الاختلاف في عدد الآيات أربع وخمسون وقيل: ثلاث وخمسون، مر بنا مرارًا أنه ليس هذا سببه أن هناك زيادة ونقصًا في هذه الأقوال من الآيات، إما نقص على اعتبار ثلاث وخمسون، أو زيادة على اعتبار أربع وخمسون، لا، إنما هو تبع  للخلاف في عد البسملة هل هي آية ترقم أم لا ترقم، وهل حم آية منفردة أو هي مع  ما بعدها آية واحدة، يختلفون في هذا، ولا يؤثر زيادة ولا نقصًا في القرآن.

"{فُصِّلَتْ آياتُهُ} أَيْ بُيِّنَتْ وَفُسِّرَتْ، قَالَ قَتَادَةُ: بِبَيَانِ حَلَالِهِ مِنْ حَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. وقال الحسن: بالوعد والوعيد، وقال سفيان: بالثواب والعقاب، وقرئ" فصلَتْ" أَيْ فَرقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَوْ فُصِلَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بِاخْتِلَافِ مَعَانِيهَا، مِنْ قَوْلِكَ: فُصِلَ أَيْ تَبَاعَدَ مِنَ الْبَلَدِ{قُرْآناً عَرَبِيًّا} فِي نَصْبِهِ".

يعني فصل أي تباعد من البلد، يعني انفصل، أصله انفصل، انفصل بالفعل المطاوع، وأصله بان منه وبعد عنه.

"فِي نَصْبِهِ وُجُوهٌ، قَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَدْحِ. وَقِيلَ: عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيِ اذْكُرْ" قُرْآناً عَرَبِيًّا". وَقِيلَ: عَلَى إِعَادَةِ الْفِعْلِ، أَيْ فَصَّلْنَا" قُرْآناً عَرَبِيًّا". وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ أَيْ" فُصِّلَتْ آياتُهُ" فِي حَالِ كَوْنِهِ" قُرْآناً عَرَبِيًّا". وَقِيلَ: لَمَّا شُغِلَ" فُصِّلَتْ".

وهذا الأقرب أنه حال، حال كونه قرآنًا عربيًّا.

" بِالْآيَاتِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ انْتَصَبَ." قُرْآناً" لِوُقُوعِ الْبَيَانِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: عَلَى الْقَطْعِ." {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ إِنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِيلَ: يَعْلَمُونَ الْعَرَبِيَّةَ فَيَعْجِزُونَ عَنْ مِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ لَمَا عَلِمُوهُ.

قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَالسُّورَةُ نَزَلَتْ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا لِقُرَيْشٍ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ."

يعني القول الأخير يعلمون العربية لديهم علم العربية من نزل عليهم القرآن، ومع ذلك يعجزون عن الإتيان بمثله أو بعشر سور أو بسورة منه، هذا على سبيل التحدي.

 "بَشِيراً وَنَذِيراً" حَالَانِ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ" فُصِّلَتْ"، وَقِيلَ: هُمَا نَعْتَانِ للقرآن"، بَشِيراً" لأولياء الله، " نَذِيراً" لأعدائه.

 وقرئ: {بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} صِفَةٌ لِلْكِتَابِ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، {فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} سَمَاعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ."

السماع المنفي السماع النافع الذي تترتب عليه آثاره، أما سماعهم الذي لا تترتب عليه أثار، ولا ينتفعون به فهو موجود بحيث إذا قلت: يا فلان، التفت إليك دليل على أنه يسمع، لكنه سماع لا ينفع.

" وَرُوِيَ أَنَّ الرَّيَّانَ بْنَ حَرْمَلَةَ قَالَ: قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَبُو جَهْلٍ: قَدِ الْتَبَسَ عَلَيْنَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ، فَلَوِ الْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالشِّعْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالسِّحْرِ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ آتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْرِهِ، فقال عتبة بن رَبِيعَةَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ الْكِهَانَةَ وَالشِّعْرَ وَالسِّحْرَ، وَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا لَا يَخْفَى عَلَيَّ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ. فَقَالُوا: إِيَتِهِ فَحَدِّثْهُ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ هَاشِمٌ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّه؟ فَبِمَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا، وَتُضَلِّلُ آبَاءَنَا، وَتُسَفِّهُ أَحْلَامَنَا، وَتَذُمُّ دِينَنَا؟ فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ الرِّيَاسَةَ عَقَدْنَا إِلَيْكَ أَلْوِيَتَنَا، فَكُنْتَ رَئِيسَنَا مَا بَقِيتَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْبَاءَةَ زَوَّجْنَاكَ عَشْرَ نِسَاءٍ مِنْ أَيِّ بَنَاتِ قُرَيْشٍ شِئْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ جَمَعْنَا لَكَ مَا تَسْتَغْنِي بِهِ أَنْتَ وَعَقِبُكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا".

رَئيًّا.

 رَئيًّا؟

نعم.

"رَئيًّا مِنَ الْجِنِّ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ مَا تَتَدَاوَى بِهِ أَوْ نُغْلَبُ فِيكَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- سَاكِتٌ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «قَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ» قَالَ: نعم. قال: «فاسمع منى»، قال: يا ابن أخي أَسْمَعُ. قَالَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] فَوَثَبَ عُتْبَةُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وَنَاشَدَهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَيَسْكُتَنَّ، وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى قريش، فجاءه أبو جهل، فقال: أَصَبَوْتَ إِلَى مُحَمَّدٍ؟ أَمْ أَعْجَبَكَ طَعَامُهُ؟ فَغَضِبَ عُتْبَةُ وَأَقْسَمَ أَلَّا يُكَلِّمَ مُحَمَّدًا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، وَلَكِنِّي لَمَّا قَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ أَجَابَنِي بِشَيْءٍ وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا سِحْرٍ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ مَا سَمِعَ مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ: { مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]، وَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ وَنَاشَدْتُهُ بِالرَّحِمِ أَنْ يَكُفَّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ، يَعْنِي الصَّاعِقَةَ.

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَرَأَ" حم. فُصِّلَتْ" حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ، وَعُتْبَةُ مُصْغٍ يَسْتَمِعُ، قَدِ اعْتَمَدَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، فَلَمَّا قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الْقِرَاءَةَ قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا الْوَلِيدِ قَدْ سَمِعْتَ الَّذِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ فَأَنْتَ وَذَاكَ»، فَانْصَرَفَ عُتْبَةُ إِلَى قُرَيْشٍ فِي نَادِيهَا فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي مَضَى بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، ثُمَّ قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ كَلَامًا مِنْ مُحَمَّدٍ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ، فَأَطِيعُونِي فِي هَذِهِ، وَأَنْزِلُوهَا بِي، خَلُّوا مُحَمَّدًا وَشَأْنَهُ وَاعْتَزِلُوهُ، فَواللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلَامِهِ نَبَأٌ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ الْعَرَبُ كُفِيتُمُوهُ بِأَيْدِي غَيْرِكُمْ، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا كُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ؛ لِأَنَّ مُلْكَهُ مُلْكُكُمْ وَشَرَفَهُ شَرَفُكُمْ. فَقَالُوا: هَيْهَاتَ، سَحَرَكَ مُحَمَّدٌ يَا أَبَا الْوَلِيدِ. وَقَالَ: هَذَا رَأْيِي لَكُمْ فَاصْنَعُوا مَا شِئْتُمْ."

ليس بعجيب أن يتأثر الوليد وهو عربي يفهم الكلام ويتذوقه، ليس هذا بأعجب من تأثر الأعاجم به، الأعاجم الذين لا يعرفون من العربية ولا حرفًا، كثير ممن أسلم، أسلم لسماع القرآن وهو لا يفهم منه حرفًا، فالقرآن لا شك أنه مؤثر لغير العرب، فكيف بالعرب؟

 لكن هو شفاء لمن أراد الله إيمانه، وهداية لمن أراد الله هدايته، والذي لا يريد الله هدايته لا تنفع فيه الأسباب –والله المستعان-.

طالب:..... يقول: عندنا وروي أن الذيال قال في الحاشية ..............

اسمه؟

طالب: الذيال.

الذيال

طالب: نعم، قال الحاشية في وقعت............

الذيال.

طالب"عندنا ....

بالذال ولا بالزاي.

طالب: عندنا بالزاي.

الزيال.

طالب: قال .. الزيال.. قال جابر بن عبد الله.

معلق على شيء أم ماذا قال؟

طالب: قال في أصل الريان والتصويب في مسند من المصادر قال، قال جابر بن عبدالله ...والذي سقط أثبتناه من المصادر.

نعم.

طالب:......مسند أبي يعلى وتفسير البغوي عن الزيال بن حرملة عن جابر ...صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن .......

 

طالب: لابد من مراجعة.

نحتاج إلى مراجعة، وهذا اللبس فيه كثير ممن يقلب الذال زايًا، نعم يقلب الذال زايًا، تجده من شدة تحريه وحرصه يقلب الذال زايًا، اعتاد أن يقلب الذال زايًا في كلامه العادي، فإذا أراد أن يحتاط ويتأكد من الأمر بالغ من شدة تحفظه العكس، يعني كثير من الأخوة يسمع إن المرآة تسمي معزبة فتجده يقول: معذبة؛ من شدة حرصه واحتياطه لهذا الأمر؛ لأنه اعتاد قلب الذال زايًا، فهذا موضوع موجود في بعض الجهات، وبناءً على وهمه ولفظه بهذه الكلمة على غير وجهها يقر بأنها بالفعل معذبة.

طالب:.......

مثل الذي صحف العنَزة عنْزة، ثم رواها بلفظ شاه.

طالب: ..........

 نعم مثله.

 على كل حال بالمعجمة، لكن هل زاي أو ذال؟ يراجع.

 عبدالله انتبه.

طالب:.....

الرياني بالراء.

طالب: الزيال الزيال.

طالب: بالزاي.

لا، لا بالذال.

طالب: بدون النون

طالب: بدون الزاي

طالب:......

لا، الكلام هذا الأخير هي نون أم لام؟

طالب: لام.

على كل حال المراجعة تبين هذا.

" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ} الْأَكِنَّةُ جَمْعُ كِنَانٍ، وَهُوَ الْغِطَاءُ، وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ"، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْكِنَانُ لِلْقَلْبِ كَالْجُنَّةِ لِلنَّبْلِ، "وَفِي آذانِنا وَقْرٌ" أَيْ صَمَمٌ، فَكَلَامُكَ لَا يَدْخُلُ أَسْمَاعَنَا".

طالب: هذا الكلام كالجعبة.

كماذا؟

طالب: كالجعبة.

كالجعبة جعبة السهام.

طالب:....؟؟؟

كالجنة أم كالجعبة.

طالب: جنة.

طالب: نسخ .... تفسير مجاهد وتفسير الطبري......

على كل حال حتى على الجنة صحيح، وهو ما يجتن به، تجمع فيه، وتغطي؛ لأنه أجنها وأكنها.

"وَفِي آذانِنا وَقْرٌ" أَيْ صَمَمٌ، فَكَلَامُكَ لَا يَدْخُلُ أَسْمَاعَنَا، وَقُلُوبُنَا مَسْتُورَةٌ مِنْ فَهْمِهِ" وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ" أَيْ خِلَافٌ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَ مَعْنَاهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرَهُ. وَقِيلَ: سَتْرُ مَانِعٌ عَنِ الْإِجَابَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا جَهْلٍ اسْتَغْشَى عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حِجَابٌ. اسْتِهْزَاء مِنْهُ. حَكَاهُ النَّقَّاشُ، وَذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، فالحجاب هنا الثَّوْبُ.

{فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ}".

قلوبهم مغطاة وطبع عليها، وختم عليها، فلا يستمعون سماعًا مما يدعون إليه سماعًا ينفعهم وينتفعون بها إلا من أراد الله هدايته. قلوبنا في أكنة طبع عليها، وختم عليها –والله المستعان-.

"{فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} أَيِ اعْمَلْ فِي هَلَاكِنَا، فَإِنَّا عَامِلُونَ فِي هَلَاكِكَ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اعْمَلْ لِإِلَهِكَ الَّذِي أَرْسَلَكَ، فَإِنَّا نَعْمَلُ لِآلِهَتِنَا الَّتِي نَعْبُدُهَا وَقِيلَ: اعْمَلْ بِمَا يَقْتَضِيهِ دِينُكَ، فَإِنَّا عَامِلُونَ بِمَا يَقْتَضِيهِ دِينُنَا، وَيَحْتَمِلُ خَامِسًا: فَاعْمَلْ لِآخِرَتِكَ فَإِنَّا نَعْمَلُ لِدُنْيَانَا، ذكره الماوردي".

هنا لم يذكر إلا أربعة أشياء، ما ذكره خامسًا هو الرابع.

طالب: ..........

 نعم.

طالب:.......

طالب: عندنا رابع يا شيخ؟

مصححة ما هي بالنسخ، تصحيح، وإلا في الأصل خامسة.

طالب: ذكر القاضي قال ولم يذكر المصنف إلا أربعة...

هو لم ذكر إلا أربعة وقوله: يحتمل خامسًا هذا موجود في النسخ الأصلية، وهم من المصنف عدها خمسة، وهي أربعة في الحقيقة، ثم عاد المعلق قال: ولعل الخامس ما ذكره الكشاف، يعني الزمخشري في الكشاف: فاعمل في إبطال أمرنا فإننا عاملون في إبطال أمرك، يعني كلٌّ يعمل، الصراع موجود، أن تدعو إلى دينك الذي تراه الحق، ونحن نصد الناس عنه، وندعو إلى ديننا كما هو موجود إلى قيام الساعة.

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أَيْ لَسْتُ بِمَلَكٍ، بَلْ أَنَا مِنْ بَنِي آدَمَ، قَالَ الْحَسَنُ: عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّوَاضُعَ" يُوحى إِلَيَّ" أَيْ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ.

{أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} فَ" آمِنُوا بِهِ وَ" فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ" أَيْ وَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُ".

 إنما أو لأنما؟

طالب: ........إنما

طالب:........

القراءة ثانية قراءة المؤلف، والقراءتان مبنيتان على معنى الوحي، إن كان مرادفًا للقول فهي إنما يوحي إليَ قول إنما إلهكم إله واحد، وإن كان الوحي يتطلب مفعولًا واحدًا فإن ما وما بعدها تؤول بالمفعول، تسبق وما بعدها بمفعول، نعم ثم قراءة المؤلف إنما كما معروف قراءة نافع.

"أَيْ وَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالْمَسْأَلَةِ إِلَيْهِ."

وهذا  مثلما كررناه مرارًا أنه يوجد اضطراب فيما يثبت مما ليس في التفسير، يُدخل مقاطع من القرآن، وهي لا توجد في أصل التفسير، التفسير مفرغ من الآيات، إنما المفسر يفسر جملًا وكلمات، لا يفسر آيات كاملة أو مقاطع، فأدخلوا هذه الآيات؛ لكي يستفيد القارئ، يقرأ المقطع كاملًا، ثم يقرأ تفسيره، وليت الذي تصرف وأدخل الآيات أدخل قراءة موافقة لقراءة المؤلف، فلو أدخل قراءة موافقة لقراءة المفسر ما حصل مثل هذا الاختلاف، ومثله كثير مر بنا في كل درس، نعم.

" كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: اسْتَقِمْ إِلَى مَنْزِلِكَ، أي لا تعرج على شي غَيْرَ الْقَصْدِ إِلَى مَنْزِلِكَ."

أي ألزم الطريق المستقيم الذي هو أقرب طريق يوصل إلى منزلك.

"وَاسْتَغْفِرُوهُ" أَيْ مِنْ شِرْكِكُمْ. {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ} قال ابن عباس: لَا يَشْهَدُونَ" أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" وَهِيَ زَكَاةُ الْأَنْفُسِ".

يعني الداعي لتفسير الزكاة هنا بلا إله إلا الله لا يشهدون أن لا إله إلا الله باعتبار أنها هي التي تحقن الدماء، أما مجرد الزكاة فلابد أن تكون مسبوقة بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، مسبوقة بالشهادتين، فكونه ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة  مفهومه أنه لو أن المشركين آتوا الزكاة ما يثبت لهم ويل؟

 يثبت لهم الويل، ويثبت لهم العذاب، ولا يدخلون الإسلام بمجرد الزكاة، لابد أن يقولوا: لا إله إلا الله، ولذالك قال: قال ابن عباس: لا يشهدون أن لا إله إلا الله، وهي زكاة الأنفس، لكن مع ذلك التنصيص على بعض الفرائض مثل الزكاة ومثل الصلاة وغيرهما من أصول الدين وأركان ودعائم الإسلام لا يعني أنها تغني عن التلفظ بالشهادتين، على ما قاله أهل العمل من أنه إذا صلى فمسلم حكمًا؛ لأن الصلاة متضمنة للشهادة، الصلاة متضمنة للشهادة، وأما ما عداها فلا يدخل بها الإسلام، لو صام ولم يشهد أن لا إله إلا الله فحكمه ليس بمسلم، ولا يحقن دمه حتى يقول: لا إله إلا الله، كما جاء بذلك الحديث الصحيح.

 لكن في هذا دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، كما هو قول الجمهور، هم مشركون، ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة، فهم مطالبون بها كمطالبتهم بأصل الإيمان ومطالبتهم سائر شرائع الإسلام، هذا قول جمهور أهل العلم، جمهور أهل العلم خلافًا للحنفية الذي يرون أنهم غير مخاطبون أصلاً، خلافًا لمن يقولون: إنهم مطالبون بالنواهي دون الأوامر، بالكف عن النواهي دون فعل الأوامر؛ لأن من شرطها الإيمان، من شرطها النية، والنية لا تصح من كافر، لكن عدم وجود المشروط مع عدم وجود الشرط لا يعني أن المشروط مطالب به، فينبني على قول الحنفية أنك إذا رأيت شخصًا والناس يصلون، ما تقول له: صل، تقول له: توضأ، تأمره بالوضوء.

 لماذا؟

لأنه كيف يطالب بالصلاة وقبلها شروط، لابد أن يأتي بالشروط قبل المشروط، قبل ما اشترطت له هذه الشروط.

 وعلى كل حال هم مطالبون بجميع الفرائض، مطالبون أيضًا بالكف عن النواهي إلا من أقر على دينه بدفع الجزية، وكان ذلك مما يبيحه دينه أصالة لا إحداثًا.

طالب: هذا إذا قالوا فروع....

يعني ماعدا، ماعدا الإيمان، الزكاة فرع من الفروع، الصلاة فرع.

طالب: ..........

 العميلة، العملية، قالوا: ما سلقكم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، إلى آخره، ذكروا الفروع.

" وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يُقِرُّونَ بِالزَّكَاةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: لَا يَتَصَدَّقُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَةِ. قَرَّعَهُمْ بِالشُّحِّ الَّذِي يَأْنَفُ مِنْهُ الْفُضَلَاءُ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أن الكافر يعذب بكفره مَعَ مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ".

قد يقول قائل: ما الفائدة من مخاطبتهم بالفروع وهم لا يطالبون بها أثناء كفرهم، ما يمكن أن ترى يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مشركًا وتقول له: صلِّ، وهو مقر على ديانته بعهد أو أمان أو ما أشبه ذلك.

طالب:....

وإنما الأثر يبين في الآخرة، يزاد في عذابهم على أصل الإيمان تعذيبهم على هذه الفروع.

" وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُنْفِقُونَ النَّفَقَاتِ، وَيَسْقُونَ الْحَجِيجَ وَيُطْعِمُونَهُمْ، فَحَرَّمُوا ذَلِكَ عَلَى مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}، فَلِهَذَا لَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَة،ِ وَلَا يَسْتَقِيمُونَ، وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ خُصَّ مِنْ بَيْنِ أَوْصَافِ الْمُشْرِكِينَ مَنْعُ الزَّكَاةِ مَقْرُونًا بِالْكُفْرِ بِالْآخِرَةِ؟ قلت: لأن أحب شي إِلَى الْإِنْسَانِ مَالُهُ، وَهُوَ شَقِيقُ رُوحِهِ، فَإِذَا بَذَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى ثَبَاتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ وَصِدْقِ نِيَّتِهِ وَنُصُوعِ طَوِيَّتِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"..

هذه زادها المحقق، استقامته وصدق نيته ونصوع طويته، زادها أخذًا من تفسير الكشاف، يقول: لأن الحاجة داعية إليها. أقول: المؤلف طالما اقتصر على بعض الكلام دون بعض فلا يجوز أن يزاد في كلامه، ليس من الصواب أن يزاد ولو كان مما يوضح الكلام، لكن الجملة تامة بدونه،  فذلك أقوى دليل على ثباته، وانتهى الإشكال، كونه يزاد؛ لأن الأصل فيه الزيادة، لا، لا يبرر ذلك.

"أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 265] أَيْ يُثَبِّتُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيَدُلُّونَ عَلَى ثَبَاتِهَا بِإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ".

يعني برهان ثباتهم كونهم ينفقون الأموال في سبيل الله، والذي ينفق المال بطوعه واختياره وجود نفسه قاصدًا بذلك وجه الله –جل وعلا – دليل وبرهان على صدق دعواه.

"وَمَا خُدِعَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ إِلَّا بِلُمْظَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَوِيَتْ عُصْبَتُهُمْ وَلَانَتْ شَكِيمَتُهُمْ، وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مَا تَظَاهَرُوا إِلَّا بِمَنْعِ الزَّكَاةِ، فَنُصِبَتْ لَهُمُ الْحُرُوبُ وَجُوهِدُوا".

كل هذا من باب الشح في المال، هم مع الأسف يشبهم كثير من المسلمين، تجد عنده الأموال الطائلة، ويشح بها، ولا تجود نفسه بنسبة اثنين ونصف بالمائة، لكن يبذل السعي وهو طائع مختار مرتاح، تجود به نفسه، ولا يبذل الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام بنفس النسبة، –والله المستعان-.

 وَفِيهِ بَعْثٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَتَخْوِيفٌ شَدِيدٌ مِنْ مَنْعِهَا، حَيْثُ جُعِلَ الْمَنْعُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُشْرِكِينَ، وَقُرِنَ بِالْكُفْرِ بِالْآخِرَةِ.

 قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ مَنَنْتُ الْحَبْلَ إِذَا قَطَعْتُهُ".

قطعتَه.

"إذا قطعتَه، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ:

إِنِّي لَعَمْرُكَ مَا بَابِي بِذِي غَلَقٍ ... عَلَى الصَّدِيقِ وَلَا خَيْرِي بِمَمْنُونِ
وَقَالَ آخَرُ:

فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْعِ وَالْوَقْ ...  عِ مَنِينًا كَأَنَّهُ أَهْبَاءُ
يَعْنِي بِالْمَنِينِ الْغُبَارَ الْمُنْقَطِعَ الضَّعِيفَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُقَاتِل".

والأهباء جمع هباء، وهو الشيء البالغ الغاية في الصغر، والذي يري من فتحة الجدار مع الشمس إذا دخلت الشمس إلى مكان مظلم، هذا هو الهباء.

"وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَمُقَاتِلٍ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ. وَمِنْهُ الْمَنُونُ؛ لأنها تنقص منه الإنسان أي قوته، وقال قُطْرُبٌ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ زُهَيْرٍ:

فَضْلُ الْجِيَادِ عَلَى الْخَيْلِ الْبِطَاءِ فَلَا ... يُعْطِي بِذَلِكَ مَمْنُونًا وَلَا نَزِقَا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْمَنُّ الْقَطْعُ، وَيُقَالُ النَّقْصُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" وقال لبيد:
غبس كواسب لا يَمن طعامها

وَقَالَ مُجَاهِدٌ:" غَيْرُ مَمْنُونٍ" غَيْرُ مَحْسُوبٍ وَقِيلَ:" غَيْرُ مَمْنُونٍ" عَلَيْهِمْ بِهِ، قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الزَّمْنَى وَالْمَرْضَى وَالْهَرْمَى إِذَا ضَعُفُوا عَنِ الطَّاعَةِ كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ كَأَصَحِّ مَا كانوا يعملون فيه."

يعني غير ممنون لا مقطوع، بل مستمر ودائم، ومن  غير منة فيه، من غير منة فيه، والله –جل وعلا – يعطي الأجر على ما كان يعمله الإنسان في صحته وإقامته فلا يقطع عن هذا الأجر إذا ترك العمل بسبب شرعي مرض أو سفر أو نحو ذلك، وهو غير مقطوع، وهو لا يمن عليهم به كما يمن الآدمي على نظيره من أجير وخادم ونحوه إذا ضعف عن العمل منَّ عليه بالنفقة، منَّ عليه بالأجرة، منَّ عليه بما يدفعه إليه؛ لأنه يرى أن هذا شيء لا مقابل له.

"قَوْلُهُ تَعَالَى:{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} أَإِنَّكُمْ" بِهَمْزَتَيْنِ الثَّانِيَةُ بين، بين".

بين، بين أي بين التحقيق وبين التسهيل.

"و" أَإِنَّكُمْ" بِأَلِفٍ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ. أَمَرَهُ بِتَوْبِيخِهِمْ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ فِعْلِهِمْ، أَيْ لِمَ تكفرون بالله وهو خالق السموات وَالْأَرْضِ؟!

 {فِي يَوْمَيْنِ} الْأَحَدُ وَالِاثْنَيْنِ، {وَتَجْعَلُونَ لَهُأَنْداداً} أَيْ أَضْدَادًا وَشُرَكَاءَ" ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. {وَجَعَلَ فِيها" أَيْ فِي الْأَرْضِ" رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها} يَعْنِي الْجِبَالَ وَقَالَ وَهْبٌ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ مَادَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، فَقَالَ لِجِبْرِيلَ، ثَبِّتْهَا يَا جِبْرِيلُ. فَنَزَلَ فَأَمْسَكَهَا فَغَلَبَتْهُ الرِّيَاحُ، قَالَ: يَا رَبِّ أَنْتَ أَعْلَمُ لَقَدْ غُلِبْتُ فِيهَا فَثَبَّتَهَا بِالْجِبَالِ وَأَرْسَاهَا"، وَبارَكَ فِيها" بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ. قَالَ السُّدِّيُّ: أَنْبَتَ فِيهَا شَجَرَهَا." وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها" قَالَ السُّدِّيُّ وَالْحَسَنُ: أَرْزَاقُ أَهْلِهَا وَمَصَالِحُهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: خَلَقَ فِيهَا أَنْهَارَهَا وَأَشْجَارَهَا وَدَوَابَّهَا فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: مَعْنَى" قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها" أَيْ أَرْزَاق أَهْلِهَا وَمَا يَصْلُحُ لِمَعَايِشِهِمْ مِنَ التِّجَارَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَالْمَنَافِعِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي الْأُخْرَى؛ لِيَعِيشَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالتِّجَارَةِ وَالْأَسْفَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ."

لو اتحدت البلدان في المنتوج لما استفاد بعضهم من بعض، لكن هذا عنده نوع، والبلد الآخر عنده نوع آخر، وهذا المزارع يزرع أنواعًا، وذاك يزرع أنواعًا أخرى؛ ليتكامل الناس، مازال الناس إلى وقت قريب يبتاعون السلع بالسلع، حتى إنهم يبتاعون بعض السلع بنواة التمر.

"قَالَ عِكْرِمَةُ: حَتَّى إِنَّهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَيَتَبَايَعُونَ الذَّهَبَ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ."

هؤلاء ما عندهم ذهب، وهؤلاء ما عندهم ملح، وهؤلاء محتاجون إلى الذهب، وهؤلاء محتاجون إلى الملح، كل بلد محتاج إلى البلد المجاور؛ ليتكاملوا.

" وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: السَّابِرِيُّ مِنْ سَابُورَ".

السابري نوع من الألبسة، كلها أنواع من الألبسة تأتي من سابور، والطيالسي من الري، والحبر برود تأتي من اليمن، وأهل سابور ونيسابور يستفيدون من برود اليمن، وأهل اليمن يستفيدون من الطيالسة والسابرية، وهكذا إلى يومنا هذا تجد ما يُعرض في الأسواق من ستة قارات فيه جميع ما يُحتاج إليه من مطعوم ومشروب وملبوس، وجميع ما يحتاج إليه، تجده من القارات الست، وتجد عندهم أيضًا من القارات الأخرى، وهكذا، وهذا سر من أسرار عمارة الأرض، – والله المستعان-نعم.

" وَالطَّيَالِسَةُ مِنَ الرَّيِّ، وَالْحُبُرُ الْيَمَانِيَةُ مِنَ الْيَمَنِ." فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ" يَعْنِي فِي تَتِمَّةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ".

لا أنها في أربعة أيام مستقلة إضافة إلى الأحد والإثنين، فتكون ستة، إنما تكمل الأربعة، الأحد والإثنين، ثم قدر فيها أقواتها في الثلاثاء والأربعاء، نظير ما جاء: «من صلى على الجنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان» صلى على الجنازة له قيراط، ومن تبعها حتى تدفن له  قيراطان، فمن صلى وتبعها حتى تدفن له قيراطان أم ثلاثة؟

طالب:........

يعني مقتضى ظاهر اللفظ أنه ثلاثة، الصلاة بحسب اللفظ، السياق من صلى على جنازة له قيراط، ومن تبعها حتى تدفن له قيراطان، هل هو مما يضاف إلى قيراط الأول، أو تتمة قيراط الأول؟

قال: الصحيح تتمة؛ لأنه جاءت أحاديث مفسرة وموضحة لهذا؛ وإلا لو قلنا: إن أجر التشييع وأجر الدفن قيراطان لقلنا ثلاثة، وهنا لو لم تكن الأيام الأربعة تتمة لليومين لقلنا: ستة.

"وَمِثَالُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: خَرَجْتُ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى بَغْدَادَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَى الْكُوفَةِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَيْ فِي تَتِمَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} قَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مُسْتَوِيَةٍ تَامَّةٍ".

يعني مثل ما تقول: سافرت إلى الطائف في عشرة أيام، وإلى مكة في اثنى عشر يومًا، يعني إلى الطائف عشرة أيام وإلى مكة اثنى عشر يومًا، هل هي من الطائف أم من الرياض؟

طالب: من الرياض.

من الرياض نعم يعني في تتمة اثني عشرة يومًا.

"قال الْفَرَّاءُ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا سَوَاءً لِلْمُحْتَاجِينَ. وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، الْبَصْرِيُّ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: {سَوَاءٍ لِلسَّائِلِينَ} بِالْجَرِّ، وَعَنِ ابْنِ الْقَعْقَاعِ: "سَوَاءٌ" بِالرَّفْعِ، فَالنَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَ" سَوَاءً" بِمَعْنَى اسْتِوَاء أَيِ اسْتَوَتِ اسْتِوَاءً، وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، وَالْجَرُّ عَلَى النَّعْتِ لِأَيَّامٍ أَوْ لِأَرْبَعَةٍ، أَيْ" فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ" مُسْتَوِيَةٍ تَامَّةٍ."

في أربعة مستوية، يعني ساعاتها واحدة، ومدتها واحدة، أو أيام متساوية ولا فرق، يعني قد تنعت المضاف، وقد تنعت المضاف إليه، والذي يحدد المراد هو السياق، فإن كان السياق مما يجيز الأمرين كما هنا؛ لأن الأربعة هي الأيام، والأيام هي الأربعة، إذا كان السياق لا يختلف فيه عطف المضاف عن المضاف إليه؛ لتقاربهما في المعني فلا مانع حينئذ أن يتبع الأول، وأن يتبع الثاني، لكن إذا كان السياق يقتضي التابع للمضاف أو للمضاف إليه، والقرائن هي التي تحدد من حيث المعنى، وقد تتقارب المعاني فيستوي الأمران.

 دنى فتدلى، دنى فتدلى، يعني لو قيل في غير القرآن: تدلى فدنى يختلف المعنى؟ ما يختلف المعنى، ونقول مثله في استعمالاتنا العادية: اربط حزام الأمان، أو احزم رباط الأمان، فيه فرق أم ما فيه؟

ما فيه فرق؛ لأن المعاني متقاربة فيجوز حينئذ أن تعيد إلى الأول، ويجوز أن تتبع الثاني؛ لأن المعاني ما تختلف بهذا، لذلك لما أوردوا أن الدنو فرع عن التدلي الأصل أن يقال: فتدلى فدنى، لكن ما فيه ما يمنع إطلاقًا؛ لأن معنى التدلي هو معنى الدنو، فإذا قدمت هذا أو هذا لا يختلف المراد، وهنا أيضًا إذا قلت: سواء تابعة لأربعة أو لأيام لا يختلفون، وهي مجرورة على كلا الحالين، أربعة مجرورة بفي، وأيام مجرورة بالإضافة.

 لكن قد يرد إشكال حينما لا تدل القرائن على شيء من ذلك، يعني كما تقول: مررت بغلام زيد الفاضل مررت بغلام زيد الفاضل ، الفاضل هذا وصف لزيد أو وصف للغلام؟ يعني السياق ما يدل على شيء من هذا، ما يدل، قال هذه الجملة، ولا يدرى ما فيها هل يصف الغلام وزيدًا، ولذلك لابد من قرائن تدل على إرادة ما يراد وصفه إذا كان الإعراب بالحروف تميز، وإذا كان الإعراب بالحركات قد يحدث التباسًا.

 فمثلًا تبارك اسم ربك ذي، يبقى وجه ربك ذو، هذا ما فيه لبس؛ لأنه متميز، ذي وصف للمجرور، وذو وصف للمرفوع، الأول وصف للمضاف إليه، والثاني وصف للمضاف، لكن مررت بغلام زيد الفاضلِ، لو قيل: جاء غلام زيد الفاضلُ، انتهى الإشكال، الإشكال إذا اتحد المضاف والمضاف إليه في الإعراب، هذا الذي يقع فيه اللبس، ولابد من قرينة تدل على المراد، نعم.

 وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ" لِلسَّائِلِينَ" أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ هَذِهِ" سَوَاءٌ لِلسَّائِلِينَ". وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: مَعْنَى" سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ" وَلِغَيْرِ السَّائِلِينَ، أَيْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا لِمَنْ سَأَلَ وَلِمَنْ لَمْ يَسْأَلْ".

يعني جميع الناس، وينص هنا على السائلين باعتبارهم أولى من يُعتنى به، والذي لا يسأل كأنه ليس عنده شيء من الاهتمام والاكتراث، فلا يحتاج أن ينص عليه، وهي سواء للسائلين وغيرهم نعم.

" وَيُعْطِي مَنْ سَأَلَ وَمَنْ لَا يَسْأَلُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ استوي إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ} أَيْ عَمَدَ إِلَى خَلْقِهَا وَقَصَدَ لِتَسْوِيَتِهَا. وَالِاسْتِوَاءُ مِنْ صِفَةِ الْأَفْعَالِ عَلَى أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} [البقرة: 29]، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ هُنَاكَ. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} يَعْنِي صَعِدَ أَمْرُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وقال الْحَسَنُ."

هذا تأويل عند أهل السنة، استوى علا وارتفع وصعد، أما أمره فلا، نعم أمره يصعد، وأمره ينزل، نعم.

 وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ زَائِدَةٌ قَالَ: اسْتَوَى فِي الْأَزَلِ بِصِفَاتِهِ وَ" ثُمَّ" تَرْجِعُ إِلَى نَقْلِ السَّمَاءِ مِنْ صِفَةِ الدُّخَانِ إِلَى حَالَةِ الْكَثَافَةِ"

استوى بصفاته استوى على عرشه، كما جاءت بذلك السبع آيات المعروفة استوى على عرشه استواء يليق بذاته وعظمته ومعنى الاستواء معلوم، لكن الكيفية مجهولة.

" وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَنَفَّسَ، عَلَى مَا مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ." {فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أَيْ جِيئَا بِمَا خَلَقْتُ فِيكُمَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ وَأَخْرِجَاهَا لِخَلْقِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ تعالى للسماء: أطلعي شمسك وَقَمَرَكِ وَكَوَاكِبَكِ، وَأَجْرِي رِيَاحَكِ وَسَحَابَكِ، وَقَالَ لِلْأَرْضِ: شُقِّي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي شَجَرَكِ وَثِمَارَكِ طَائِعَتَيْنِ أَوْ كَارِهَتَيْنِ" قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ" فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ أَتَيْنَا أَمْرَكَ" طَائِعِينَ". وَقِيلَ: مَعْنَى هَذَا الْأَمْرِ التَّسْخِيرُ، أَيْ كُونَا فَكَانَتَا كَمَا قَالَ تعالى: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل: 40]".

يعني قول السماء والأرض قالتا أتينا طائعين هل هو بلسان المقال القدرة الإلهية صالحة لذلك أو بلسان الحال؛ لأنها ليست مما يعقل فيجيب السؤال هذا الأصل، لكن القدرة الإلهية صالحة لأن تنطق السموات والأرض كما ينطق غيرها من الجمادات، وقد ثبت أن الجماد تنطق أنها تسبح لله- جل وعلا- وإن من شيء إلا يسبح بحمده، وحن الجذع وسبح الحصى بيده-عليه الصلاة والسلام-.

 المقصود أن مثل هذه الأمور بالنسبة للقدرة الإلهية أمر يسير.

"كَمَا قَالَ تعالى: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل: 40]، فَعَلَى هَذَا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ خَلْقِهِمَا وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ خَلْقِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَوْلٌ تَكَلَّمَ بِهِ. الثَّانِي أَنَّهَا قُدْرَةٌ مِنْهُ ظَهَرَتْ لَهُمَا فَقَامَ مَقَامَ الْكَلَامِ فِي بُلُوغِ الْمُرَادِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ".

لكن الأول هو الصحيح قول تكلم به؛ لأن الله –جل وعلا- موصوف بالكلام، وأنه تكلم ويتكلم كلامه وإن كان قديم النوع إلا أنه متجدد الآحاد يتكلم متى شاء وكيف شاء -جل وعلا-.

"{قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ظُهُورُ الطَّاعَةِ مِنْهُمَا حَيْثُ انْقَادَا وَأَجَابَا فَقَامَ مَقَامَ قَوْلِهِمَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ... - مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتُ بَطْنِي"

نعم هذا واضح أن الحوض ما تكلم بكلام مسموع بحرف وصوت، لا، إنما لما امتلئ عرف أو كأنه نطق، هذا لسان حاله أنه قال: لا أستوعب أكثر من هذا، لا أستوعب أكثر من هذا، قطني يكفي.

طالب:......

أين؟

طالب:......

لأنه عند من يقول بالمجاز ما فيه إشكال؛ لأن القول استعمل في غير ما وضع له، استعمل لا  بلسان المقال، وإنما بلسان الحال، وهنا استعمالات من هذا النوع، لكنه حقيقة، وليس بمجاز؛ لأن الشيء الذي يستحيل في عرف الناس وفي استعمالاتهم هم، لا بالنسبة للقدرة الإلهية، يعني حينما يقول القائل: إن الأرض تقول: اقرءوا وإلا قرأت، ما معنى هذا؟ يعني أتلفوا الكتاب بكثرة الاستعمال وإلا أتلفته أنا، اقرءوا وإلا قرأت، هذا لسان حال أم مقال؟ لسان حال، على كل حال أمر ميسور".

"يَعْنِي ظَهَرَ ذَلِكَ فِيه. وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: بَلْ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِمَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَتَا كَمَا أَرَادَ تَعَالَى: قَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّكْسَكِيُّ".

في النار -نسأل الله العافية- يكون درس الكافر مثل جبل أحد، درس الكافر مثل جبل أحد، فيه امتناع شرعي أم عقلي أم شيء؟ شيء لا ندركه بعقولنا هذا أمر لا تصل إليه عقولنا، والقدرة الإلهية صالحة لما هو أعلى من ذلك، وهذا صح به الخبر، لكن ما لم يصح به الخبر هو محل النظر الذي يمكن أن ينفى من جهة العقل إذا لم يصح به الخبر، يعني كما ذكر في بعض الآثار أن عجيزة الحورية ميل، هذا ليس بصحيح، لو صح به الخبر قلنا: سمعنا وأطعنا، لكن ما دام لم يصح فالعقل له مجال، وما صح الخبر به لا مجال للعقل والنظر فيه فالعقل تابع، وليس بمتبوع، كما هو عند بعض طوائف البدع العقل تابع، والماوردي قال كلامًا رُميَ بسببه بالاعتزال، قال: المتبوع إما شرع مسموع أو عقل مطبوع، قال بعضهم: إنه يميل إلى قول المعتزلة في مثل هذا العقل لا قيمة له مع نصوص الشرع.

طالب: شيخ.... أبي صالح عن ابن عباس قال: ثم استوي إلى السماء يعني صعد أمره إلى السماء.

غلط، أمره تأويل.

طالب: طيب هذا نقل عن ابن عباس.

ما يثبت، قد لا يثبت، قد لا يثبت.

طالب:.......في الأسماء والصفات من طريق محمد بن مراون ..رواه السدي الصغير...عن أبي صالح.

لا، تالف، تالف إسناده أقول: إسناده تالف لا يثبت عن ابن عباس.

" فَنَطَقَ مِنَ الْأَرْضِ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ، وَنَطَقَ مِنَ السَّمَاءِ مَا بِحِيَالِهَا، فَوَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ حَرَمَهُ. وَقَالَ:" طَائِعِينَ"، وَلَمْ يَقُلْ: طَائِعَتَيْنِ عَلَى اللَّفْظِ، وَلَا طَائِعَاتٍ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمَا سَمَاوَاتٌ وَأَرَضُونَ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمَا وَعَمَّنْ فِيهِمَا، وَقِيلَ: لَمَّا وَصَفَهُنَّ بِالْقَوْلِ وَالْإِجَابَةِ، وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ أَجْرَاهُمَا فِي الْكِنَايَةِ مَجْرَى مَنْ يَعْقِلُ".

الأصل في جمع المذكر السالم لا يكون إلا لعاقل من شرط جمع الاسم جمعًا مذكرًا سالمًا أن يكون مما يعقل، السماوات والأرض ليست ممن يعقل، لكن لما اتصفتا بصفة من يعقل وهو القول عُوملتا معاملة من يعقل.

"ومثله {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} [يوسف: 4] وَقَدْ تَقَدَّمَ وَفِي حَدِيثٍ: إِنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَالَ: يَا رَبِّ لَوْ أَنَّ السماوات وَالْأَرْضَ حِينَ قُلْتَ لَهُمَا: " ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً" عَصَيَاكَ مَا كُنْتَ صَانِعًا بِهِمَا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّي فَتَبْتَلِعُهُمَا، قَالَ: يَا رَبِّ، وَأَيْنَ تِلْكَ الدَّابَّةُ؟ قَالَ: فِي مَرْجٍ مِنْ مُرُوجِي. قَالَ: يَا رَبّ،ِ وَأَيْنَ ذَلِكَ الْمَرْجُ؟ قَالَ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِي. ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ" آتَيَا" بِالْمَدِّ وَالْفَتْحِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {آتَيْنَا طَائِعِينَ} عَلَى مَعْنَى أَعْطِيَا الطَّاعَةَ مِنْ أَنْفُسِكُمَا" قالَتا" أَعْطَيْنَا" طَائِعِينَ" فَحَذَفَ الْمَفْعُولَيْنِ جَمِيعًا."

يعني فرق بين الفعل أتى والفعل آتى، أتى بمعنى جاء، وآتى بمعني أعطى.

" وَيَجُوزُ وَهُوَ أَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ" آتَيْنَا" فَاعَلْنَا، فَحُذِفَ مَفْعُولٌ وَاحِدٌ. وَمَنْ قَرَأَ" آتَيْنَا" فَالْمَعْنَى جِئْنَا بِمَا فِينَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ في غير ما موضع والحمد لله."

طالب: أتينا أم....

أتينا جئنا، لكن ممدوة عندنا صوابها أتينا، ومن قرأ: أتينا فالمعنى جئنا مثل ما قلنا في الفرق بين أتى وآتى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ} أَيْ أَكْمَلَهُنَّ وَفَرَغَ مِنْهُنَّ وَقِيلَ: أَحْكَمَهُنَّ كَمَا قال:

 وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا... دَاوُدُ أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ"

صنع يعني صانع.

"فِي يَوْمَيْنِ" سِوَى الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي خلق فيها الأرض، فوقع خلق السموات وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}[الأعراف: 54] عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [الْأَعْرَافِ] بَيَانُهُ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَيَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ".

يعني على هذه الأيام الستة من أيام الدنيا أو من أيام الآخرة.

طالب:.....

هو ما جاء بيانه، لكن الأولى إذا أردنا أن نفسر.

طالب: في الدنيا أبلغ..

وكونه من أيام الدنيا لا شك أنه أبلغ في القدرة، أبلغ في القدرة، ومن قال من أهل العلم: إن الله –جل وعلا- لم يخلقها بكن، وإنما خلقها في ستة أيام؛ ليعود العباد الصبر على الأعمال والتحمل، كونها من أيام الدنيا..

طالب:......

طالب:......

هذا رابع واحد هذا الرابع.

طالب: والمسألة....

لا شك أن كونها من أيام الدنيا أبلغ في القدرة الإلهية، لكن كونه لم يخلقها بكن، ويعلل أهل العلم أن الحكمة من ذلك تعويد العباد الصبر على الأعمال والمثابرة على إنجازها وإتقانها، كونها من أيام الآخرة اليوم بألف سنة هذا أظهر.

طالب:......هذا الموضع يدخل في القدرة...أبلغ.

نعم ما هو الأولى منهما؟

طالب:......

هذا ما هو من الأيام هذه، من أيام الآخرة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، هي أيام ومواقف تختلف كما قال ابن عباس، ليست يومًا واحدة وليست على صفة واحدة وهيئة واحدة.

طالب:..........من أيام الدنيا أنها اللفظ....وأيضًا تعويد الإنسان على الصبر.

لا، كون الأيام أطول دلالتها على الصبر أقوى؛ لأنه قد يقول قائل: أنا أصنع هذه الآلة التي لا تصنع في يوم ولا يومين ولا خمسة ولا عشرة أصنعها في يومين مثلاً، نقول: هذا صبر لمن قال: أصنعها في يوم، لكن كونها ستة آلاف يوم لا شك أنها غاية في الصبر، غاية، يعني الإنسان إذا أراد أن يعمل عملًا فلإتقانه عليه أن يتريث، ولا يعني هذا أنه يتراخى، ثم إذا جاء في آخر الوقت قال: هذا دليل على الصبر والمثابرة، وأن العجلة لا تأتي بخير كما يقول بعض الناس، بعض الصناع يفعل هذا، يركن الآلة التي أراد إصلاحها بالأجرة إلى آخر لحظة، وبعضهم يتحايل على تكثير الأجرة بهذا.

 يعني تأتي بالسيارة إلى ورشة مهندس تقول فيها ما يظهر لك منها، يقول لابد أن نفحصها، تأتينا بعد أسبوع وهو يعرف أنه مجرد سلك يربط وتأخذ سيارتك معك، لكن لا يقول لك: سلك، ويقول لك: أعطيني عشرة، تقول له: من أجل إيش؟ لكن إذا جلس أسبوعًا وقال: أعطيني خمسمائة وأنت مرتاح تدفع له، وهذه ذريعة يتذرع بها كثير من الناس إما أن يستعجل عجلة تخل بالعمل ليقال: ما شاء الله هذا الرجل الحازم الذي فيه ما فيها أو يتركها ويركنها ويتساهل في أمرها ليقال: هذا الصبور المتأني، الأمور تقدر بقدرها لا زيادة ولا نقصان.

طالب: من يقول .......يوم الأحد إلى يوم الجمعة.

لهذه الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت، وما مسنا من لغوب، خلاف لما تقوله اليهود من أنه استراح يوم السبت، قاتلهم الله.

طالب:.....يوم من أيام الدنيا......

كونها تسمى لا يعني أنها في المقدار بقدرها، وإن كان تمام المطابقة هذا.

"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِوَقَدَّرَ فيها أقواتها في يومين، وخلق السموات فِي يَوْمَيْنِ، خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ والاثنين، وقدر فيها أقواتها في يومين، وخلق السموات فِي يَوْمَيْنِ، خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الأربعاء، وخلق السموات فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَآخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ فِي عَجَلٍ، وَهِيَ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا السَّاعَةُ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَفْزَعُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا الْإِنْسَ وَالْجِنَّ."

قد يقول قائل: إن العجلة مذمومة، فكيف خلق الله آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة في عجل؟ لا شك أن الإنسان خلق من عجل، نعم خلق ليس خلقه كخلق السماوات والأرض، يحتاج إلى وقت، ومع ذلك الوقت الطويل والقصير بالنسبة إليه -جل وعلا- سواء، لا أثر به؛ لأن قدرته على أن يخلق جميع هذه الأشياء بكلمة من حرفين، كن، فكونه خلق السماوات والأرض في ستة أيام لا لأن في ذلك مشقة عليه -جل وعلا-، وكونه -جل وعلا- عجل بخلق آدم لا يعني أنه للاستخفاف به أو أنه لم يتقن في أحسن تقويم، وهذا يدل على أن الأوقات بالنسبة له طويلها وقصيرها سواء، وأنها لا قيمة لها؛ لأنه يمكن أن يخلق الشيء الذي في هذه المدد بكلمة: كن، نعم.

 "عَلَى هَذَا أَهْلُ التَّفْسِيرِ، إِلَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-بِيَدَيَّ، فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ» الْحَدِيثُ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى إِسْنَادِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ).

 {وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَه}".

حديث التربة الذي تكلم فيه أهل العلم وجزم جمهورهم بأنه خطأ.

"{وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَه}" قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: خَلَقَ فِيهَا شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا وَأَفْلَاكَهَا، وَخَلَقَ فِي كُلِّ سَمَاءٍ خَلْقَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ الَّذِي فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَجِبَالِ الْبَرَدِ وَالثُّلُوجِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلِلَّهِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ بَيْتٌ تَحُجُّ إِلَيْهِ وَتَطُوفُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ بِحِذَاءِ الْكَعْبَةِ، وَالَّذِي فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا هُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ. وَقِيلَ: أَوْحَى اللَّهُ فِي كُلِّ سَمَاءٍ".

الذي يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك كل يوم لا يرجعون إليه آخر ما عليهم، يعني كل يوم يدخل فيه سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه ثانية.

 "أَيْ أَوْحَى فِيهَا مَا أَرَادَهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ فِيهَا. وَالْإِيحَاءُ قَدْ يَكُونُ أَمْرًا؛ لِقَوْلِهِ: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها}[الزلزلة: 5]، وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ} [المائدة: 111] أي أمرتهم وهو أمر تكوين." {وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} أَيْ بِكَوَاكِبَ تُضِيءُ".

يعني لا وحي نبوة أو رسالة.

"{وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ} أَيْ بِكَوَاكِبَ تُضِيءُ" وَقِيلَ: إِنَّ فِي كُلِّ سَمَاءٍ كَوَاكِبَ تُضِيءُ. وَقِيلَ: بَلِ الْكَوَاكِبُ مُخْتَصَّةٌ بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا." وَحِفْظاً" أَيْ وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا، أَيْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يسترقون السمع. وهذا الحفظ بِالْكَوَاكِبِ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [الْحِجْرِ] بَيَانُهُ. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:" {أَمِ السَّماءُ بَناها} [النازعات: 27] ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات: 30]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ أَوَّلًا. وَقَالَ قَوْمٌ: خُلِقَتِ الْأَرْضُ قَبْلَ السَّمَاءِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} [النازعات: 30]، فَالدَّحْوُ غَيْرُ الْخَلْقِ، فَاللَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ أَيْ مَدَّهَا وبسطها، قال ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي" الْبَقَرَةِ"، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

{ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}".

"